إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

والحال أنّه مختلف ، لا أنّه وقت واحد.

إلاّ أن يقال : إنّ المراد بالواحد ما يشمل فعل السبحة ، ويراد بالوحدة الإضافة إلى ما ورد في الأخبار من القدم والقدمين والقامة ، فليتأمّل.

وبالجملة : هذا النحو من التوجيه يتأيّد به عدم رجحان حمل الأخبار على السبحة ، إمّا ترجيح القدمين فممكن نظراً إلى بعض ما قدّمناه ، مضافاً إلى تخصيص الإمام عليه‌السلام نفي القدمين في خبر محمّد بن أحمد بن يحيى من حيث احتمال النفي لكونه محلّ الاعتراض من المخالفين ، والموجود في كلام بعضهم أنّ نهاية الفضيلة إلى المثل في الظهر (١) ، فيجوز أن يكون ذكر المثل في أخبارنا لإيهام المشاركة لهم في الجملة ، وإن كان ظاهر المثل عندنا كون الفعل بعده.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذكره الشيخ من الاحتمال الأوّل في الخبر الثاني لا يخلو من تأمّل ، لأنّ الإمام عليه‌السلام معلوم أنّه لا يؤخّر الفرض عن فضيلته إلاّ لضرورة ، وظاهر الخبر إذا حمل على الجواز يبعد عن عادة الأئمّة عليهم‌السلام.

ويمكن الجواب : بأنّ تأخير الإمام عليه‌السلام وإن كان لضرورة إلاّ أنّ الدلالة على الجواز حاصلة ؛ وقول الشيخ : وإن كان لبعضها فضل على بعض. ربما أشعر بأنّ الخبر الثاني يمكن حمله على جواز التأخير مع حصول الفضل وكذلك التقديم ، إلاّ أنّه لا يخفى أنّ ملاحظة الأفضل مطلوبة للأئمّة عليهم‌السلام لولا الضرورة ، ولعلّ التقية في الأخبار بمثل هذا من محمّد بن‌

__________________

(١) شرح النووي في حاشية إرشاد الساري ٣ : ٢٨٨.

٢٨١

مسلم يقتضي جواز التأخير والتقديم مع كون الأفضل غيرهما ، فينبغي التأمّل في هذا كلّه فإنّي لا أعلم أحداً أوضح المقام ، والله وليّ التوفيق.

قوله :

فأمّا ما رواه الحسين بن محمد ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن معاوية بن وهب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أتى جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمواقيت الصلاة ، فأتاه حين إذا (١) زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر ، ثمّ أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى العصر ، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ، ثمّ أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلّى العشاء ، ثمّ أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلّى الصبح ، ثمّ أتاه في الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلّى الظهر ، ثمّ أتاه حين زاد في الظل قامتان فأمره فصلّى العصر ، ثمّ أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلّى المغرب ، ثمّ أتاه حين ذهب ثُلْثُ الليل فأمره فصلّى العشاء ، ثمّ أتاه حين نُوّر الصبح فأمره فصلّى الصبح ، ثمّ قال : ما بينهما وقت ».

وعنه ، عن أحمد بن أبي بشير ، عن معاوية بن ميسرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أتى جبرئيل » وذكر مثله : إلاّ أنّه قال بدل القامة والقامتين : ذراع (٢) وذراعين.

عنه ، عن ابن رباط ، عن مفضّل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « نزل جبرئيل عليه‌السلام على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » وساق الحديث مثل الأوّل‌

__________________

(١) ليست في الاستبصار ١ : ٢٥٧ / ٩٢٢.

(٢) في النسخ : ذراعاً ، وما أثبتناه من الاستبصار هو الأنسب.

٢٨٢

وذكر بدل القامة والقامتين : قدمين وأربعة أقدام.

وليس (١) لأحد أن يقول : إنّ هذه الأخبار تُنبئ أنّ أوّل الوقت والآخر سواء ، لأنّه قال : « ما بينهما وقت » لأنّه لا يمتنع أن يجعل ما بين الوقتين وقتاً وإن كان الأوّل أفضل منه.

والذي يدلّ على ذلك :

ما رواه الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن عبد الله بن جبلة ، عن ذريح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أتى جبرئيل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلمه مواقيت الصلاة (٢) ، فقال : صلّ الفجر حين ينشقّ الفجر ، وصلّ الأُولى إذا زالت الشمس ، وصلّ العصر بعدها ، وصلّ المغرب إذا سقط القرص ، وصلّ العتمة إذا غاب الشفق ، ثمّ أتاه جبرئيل من الغد فقال : أسْفِر بالفجر فأسفَر ، ثُمَّ أخّر الظهر حتى (٣) كان الوقت الذي صلّى فيه العصر ، وصلّ (٤) العصر بعدها (٥) ، وصلِّ المغرب قبل سقوط الشفق ، وصلّ العتمة حين (٦) يذهب (٧) ثلث اللّيل ، ثمّ قال : ما بين هذين الوقتين وقت وأوّل الوقت أفضله » ثمّ قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أنّي أكره أن أشُقّ على أُمّتي لأخّرتها إلى نصف اللّيل ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٥٧ / ٩٢٤ : فليس.

(٢) في « د » : الصلوات.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٥٨ / ٩٢٥ : حين.

(٤) في المصادر : وصلّى. وكذا في الموردين التاليين.

(٥) في الاستبصار ١ : ٢٥٨ / ٩٢٥ : بُعيدها.

(٦) في « فض » و « رض » : حتى.

(٧) في الاستبصار ١ : ٢٥٨ / ٩٢٥ : ذهب.

٢٨٣

السند‌ :

في الأوّل : فيه الحسين بن محمّد على ما وجدت من بعض النسخ ، وفي نسخة الحسن ، وكأنّه الظاهر ، وهو ابن سماعة ، وفي التهذيب : الحسن بن محمّد (١) ، وهو يؤيّد ما قلناه (٢). أما محمّد بن أبي حمزة فقد تقدّم القول (٣) فيه ، والحاصل أنّ ابن أبي حمزة الثمالي ثقة في النجاشي (٤) ، وفي الرجال من هو مهمل في أصحاب الصادق عليه‌السلام من رجال الشيخ (٥) ، وإرادته بعيدة كما لا يخفى ، ولم أر من مشايخنا من توقّف في مثل هذا.

والثاني : تقدّم بعينه (٦).

والثالث : فيه من تقدّم (٧) ، والمفضّل بن عمر في النجاشي أنّه فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به (٨).

وما ذكره العلاّمة : من أنّ الكشي أورد فيه أحاديث في المدح والثناء عليه ، وأحاديث في الذم والبراءة (٩) منه. فيه : أنّ أحاديث المدح ضعيفة ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٥٢ / ١٠٠١.

(٢) راجع ص ١٢٦١.

(٣) في ص ١٠٤.

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٨ / ٩٦١ ، وليس فيه توثيقه ، ولكن وثّقه الكشي في رجاله ٢ : ٧٠٧ / ٧٦١.

(٥) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٦٧٥.

(٦) راجع ص ٢٣٧.

(٧) راجع ص ٢٦٠.

(٨) رجال النجاشي : ٤١٦ / ١١١٢.

(٩) خلاصة العلاّمة : ٢٥٨ / ١.

٢٨٤

وأحاديث الذم منها :

ما رواه عن حمدويه بن نصير ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم وحمّاد بن عثمان ، عن إسماعيل بن جابر قال ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « ائت المفضّل ، وقل له : يا كافر : يا مشرك : ما تريد إلى ابني؟ تريد أن تقتله؟ ».

ومنها : رواية أُخرى عن الحسين بن الحسن بن بندار (١) ، وفيه : عدم ثبوت مدحه فضلاً عن غيره ، وباقي الرجال لا ارتياب فيهم ، وفي الرواية ذمّ عظيم.

والرابع (٢) : تقدّم الكلام فيه بعينه (٣).

المتن :

في الأوّل : يدلّ على فعل الظهر حين الزوال أوّلاً ، والعصر بعد القامة كذلك ، والمغرب حين الغروب مع بقية ما ذكر ، ويدلّ على فعل الظهر ثانياً بعد القامة والعصر بعد القامتين مع ما ذكر في الرواية ، إلى أن قال : « ما بينهما وقت ».

والثاني : على ما قاله الشيخ تضمّن الذراع والذراعين.

والثالث : تضمّن القدمين والأربعة.

وما ذكره الشيخ في الجمع : من أنّه لا يمتنع أن يجعل ما بين الوقتين وقتاً وإن كان الأوّل أفضل منه ، يتوجّه عليه أنّ ظاهر الروايات حينئذ أنّ أوّلَ‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦١٤.

(٢) في النسخ : والثالث. والصواب ما أثبتناه.

(٣) راجع ص ٢٢٢.

٢٨٥

الزوال أفضل ممّا بعد القامة ، فإن جعلت القامة هي الذراع كما قاله الشيخ يصير ما بعد الذراع ليس بأفضل بل الأفضل أوّل الزوال ، ولو أُريد بالقامة ما هو معروف فكذلك ، والحال أنّه قد تقدّم ما ينافي هذا ، مضافاً إلى أنّ ما تضمّن من هذه الأخبار غير القامة يفيد الإشكال.

ولو أراد الشيخ بالأوّل ما دلّ عليه الرواية في آخرها حيث قال : « ما بينهما وقت » وإتيان الشيخ بقوله : لا يمتنع أن يجعل ما بين الوقتين ، قرينةٌ على ذلك ، توجّه عليه أنّ مقتضى الرواية أنّ ما بين الوقتين وهما أوّل الزوال إلى المقادير وقت ، لا أنّ في البين وقتين ، بل الظاهر من الرواية أنّ ما بين الوقتين غير خارج ، بل هو وقت ملحق بالأوّل ، وحينئذ قول الشيخ : وإن كان الأوّل أفضل. غير واف بالجواب ، بل ربما يضرّ بالحال.

ويمكن التوجيه بأنّ الرواية وإن دلّت على الوقتين وكون ما بينهما كذلك ، إلاّ أنّه إذا ورد في الأخبار أنّ لكلّ صلاةٍ وقتين وأوّل الوقتين (١) أفضل لا ينافي هذه الرواية ، فيقال : إنّ الوقتين في الرواية مجملٌ ، وإن وقع فيه إجمال فقد فسّره غيره.

غاية الأمر أنّ ما استدلّ به من الخبر الرابع يدلّ على أنّ أوّل الوقت أفضله ، وهو ظاهر في أنّ كلا من الوقتين ( أوّله أفضله ، لا أنّ ) (٢) أوّل الوقتين أفضل من الثاني ، ولو أراد الشيخ هذا من قوله : وإن كان الأوّل أفضل ، نافى ما سبق منه ، كما أنّه لو أراد أنّ ما بينهما من الوقت أوّله أفضله إشارة إلى ما دلّ على القدم ونحوه من السبحة ويكون أوّلاً بالنسبة إلى القامة ، ورد عليه أنه لا يقول بأنّ القامة هي المتعارفة ، اللهم إلاّ أن يقول : إنّ‌

__________________

(١) في « رض » : الوقت.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : أوله أفضل إلاّ أن ، وفي « د » : أوله أفضله لأن.

٢٨٦

ما بين السبحة إلى القدمين يقال : إنّه أوّل ، وفيه أنّه خروج عن المعلوم منه ، وبالجملة فالتوجيه ممكن والعبارة مجملة.

إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ الخبر الأوّل قد ذكرنا سابقاً أنّ الوالد قدس‌سره جعله دالاًّ على أنّ المراد بالوقتين مجي‌ء (١) جبرئيل حيث لم يأت في المغرب إلاّ في وقت واحد (٢) ، ولا يخفى أنّ الخبر دالّ على مجيئه في المغرب في وقتين إلاّ أنّ وقت الصلاة واحد.

واحتمل قدس‌سره في المقام النسخ وأوضح الحال فيه في المنتقى (٣) ، وربما يؤيّده ظاهر الرواية إلاّ أنّ فيه ما فيه. وما يتضمّن الأخبار من مواقيت غير الظهر سيأتي إن شاء الله القول فيه.

بقي شي‌ء وهو : أنّ ظاهر الخبر الأخير وجوب التأسّي ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام : « لولا أن أشُقّ على أُمّتي » يدلّ على أنّ تأخيره عليه‌السلام يقتضي الوجوب عليهم بسبب فعله ، لكن الخبر غير سليم السند ، وربما يقال : إنّ قوله عليه‌السلام قرينة الوجوب. وفيه ما فيه. أمّا دلالته على استحباب تأخير العشاء إلى النصف ممكنة ، لأنّ الظاهر من السياق ذلك.

وما عساه يقال : من أنّ ظاهره التأخير إلى النصف ، بمعنى فعلها بعد النصف ولا وجه للاستحباب حينئذ.

يمكن الجواب عنه : بأنّ الظاهر التأخير إلى النصف ، أي تأخير الوقت إلى النصف على أن يكون الفعل قريباً منه.

وما عساه يقال : إنّ هذا خلاف الظاهر من السياق ، بل على تقدير‌

__________________

(١) في « فض » و « رض » : لمجي‌ء ، وفي « د » : بمجي‌ء ، والظاهر ما أثبتناه.

(٢) في ص ١٢٠٤.

(٣) منتقى الجمان ١ : ٤١١.

٢٨٧

عدم إرادة الفعل بعد النصف يراد الفعل فيما قرب من النصف على سبيل الوجوب المضيّق تحقيقاً للمشقّة المنفيّة ، إذ الاتساع إلى النصف لا مشقّة فيه.

يمكن الجواب عنه : بأنّ المدّعى ظهور نفي الوجوب فيما قرب من النصف فيكون الأفضل ما قرب حيث انتفى الوجوب. ويحتمل أن يستفاد أنّ النصف منتهى الوقت الأفضل. وفيه ما لا يخفى.

وقد ذكر العلاّمة ( في المختلف ) (١) في حديث : « ولو لا أنّي أخاف أن أشقّ على أُمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل » (٢) : أنه دالّ على أفضليّة التأخير إلى الثلث.

وغير خفيّ توجّه عدم الدلالة لولا ما قرّرناه ، ولو حمل الخبر المذكور على منتهى الوقت الأفضل على نحو الخبر المبحوث عنه أمكن ، غير أنّ المناقشة في الدلالة على الفضل والأفضل من نفي الوجوب لا يخلو من وجه لولا احتمال دلالة السياق ، والإجمال من جهة لفظ : إلى نصف وإلى ثلث ، لا يخلو من إشكال.

وعلى كلّ حال ربما يقال : إنّ هذا الخبر ينافي مطلوب الشيخ كما لا يخفى.

فإن قلت : ما وجه الاستحباب؟ مع أنّ رفع الوجوب لا يستلزم الاستحباب بل الجواز.

قلت : قد أشرنا إلى أنّ الدلالة من جوهر الكلام ؛ لأنّ رفع الوجوب هنا لا وجه له ، بل عدم الوجوب من الأصل مرادٌ ، فلا جنس موجود يحتاج إلى فصل على نحو ما قرّر في رفع الوجوب في الأُصول.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٢) المختلف ٢ : ٥٠.

٢٨٨

قوله :

باب آخر وقت الظهر والعصر.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفّار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن إبراهيم الكرخي قال : سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام متى يدخل وقت الظهر؟ قال : « إذا زالت الشمس » فقلت متى يخرج وقتها؟ فقال : « من بعد ما يمضي من زوالها أربعة أقدام إنّ أوّل وقت الظهر ضيّق » قلت : فمتى يدخل وقت العصر؟ فقال : « إنّ آخر وقت الظهر هو أوّل وقت العصر » فقلت : متى يخرج وقت العصر؟ فقال : « وقت العصر إلى أن تغرب الشمس ، وذلك من علّة وهو تضييع » فقلت له : لو أنّ رجلاً صلّى الظهر بعد ما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام لكان (١) عندك غير مؤدٍّ لها؟ فقال : « إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم يقبل منه ، كما لو أنّ رجلاً أخّر العصر إلى قرب (٢) أن تغرب الشمس متعمّداً من غير علّة لم يقبل منه ، إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد وقّت للصلوات المفروضات أوقاتاً وحدّ لها حدوداً في سُنّةٍ للناس ، فمن رغب عن ( سننه الموجبات كمن ) (٣) رغب عن فرائض الله عزّ وجلّ ».

محمّد بن عليّ بن محبوب ، عن العبيدي ، عن سليمان بن جعفر‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٥٨ / ٩٢٦ : أكان.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٥٨ / ٩٢٦ : قريب.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٥٨ / ٩٢٦ بدل ما بين القوسين : سنة من سننه الموجبات مثل من ..

٢٨٩

قال : قال الفقيه عليه‌السلام : « آخر وقت العصر ستة أقدام ونصف ».

الحسن بن محمد بن سماعة ، عن ابن مسكان ، عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « العصر على ذراعين فمن تركها حتّى تصير على ستّة أقدام فذلك المضيّع ».

عنه ، عن جعفر ، عن مثنّى ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « صلّ العصر على أربعة أقدام » قال المثنّى : قال لي أبو بصير : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « صلّ العصر يوم الجمعة على ستّة أقدام ».

عنه ، عن حسين بن هاشم ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إنّ الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر » قلت : وما الموتور؟ قال : « لا يكون له أهل ولا مال في الجنّة » قلت : وما تضييعها؟ قال : « يدعها حتّى تصفرّ وتغيب ».

سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن أحمد بن عمر (١) ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن وقت الظهر والعصر؟ فقال : « وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة ، ووقت العصر قامة ونصف إلى قامتين ».

محمّد بن يعقوب ، عن عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى ، عن يونس ، عن يزيد بن خليفة قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ عمر ابن حنظلة أتانا عنك بوقت ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذاً لا يكذب علينا » فقلت : ذَكَرَ أنّك قلت (٢) : « إنّ أوّل صلاةٍ افترضها الله على نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر ، وهو قول الله عزّ وجلّ ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) فإذا‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٥٩ / ٩٣١ : أحمد بن محمد.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٦٠ / ٩٣٢ تقول.

٢٩٠

زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك ، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظل قامة وهو آخر الوقت ، فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظل قامتين ، وذلك المساء ، قال : « صدق ».

السند‌ :

في الأوّل : فيه إبراهيم الكرخي ، والذي وقفت عليه في الرجال إبراهيم بن أبي زياد الكرخي في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (١). وفي الفقيه روى الصدوق عن ابن أبي عمير ، عن إبراهيم الكرخي (٢) ، والمرتبة هنا واحدة.

والثاني : العبيدي فيه محمّد بن عيسى. أمّا سليمان بن جعفر ، ففي الرجال سليمان بن جعفر الجعفري ، والراوي عنه في النجاشي عبد الله بن محمّد ابن عيسى (٣) ، وفي الفهرست أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، وهو ثقة (٤) ، إلاّ أنّ احتمال كونه ابن حفص ، وجعفر وقع سهواً ممكنٌ ، وقد جزم شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب أنّ الصواب : ابن حفص ، وهو المروزي ، والمراد بالفقيه العسكري عليه‌السلام ، كما وقع التصريح به في مثل هذا السند بعينه في عدّة روايات. انتهى.

والثالث : فيه الحسن بن سماعة ومن روى عنه في الطريق إليه وقد‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٥٤ / ٢٣٩.

(٢) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٦١.

(٣) رجال النجاشي : ١٨٣ / ٤٨٣.

(٤) الفهرست : ٧٨ / ٣١٨.

٢٩١

تقدّم (١) ، كابن مسكان إذا روى عن سليمان بن خالد ، وسليمان أيضاً مضى ، والحاصل أنّ احتمال التوقف فيه من جهة ما نقل عنه أنّه خرج مع زيد وتاب ، والوقت للتوبة غير معلوم أنّه قبل الرواية أو بعدها ، لا يخلو من وجه ، إلاّ أنّ احتمال التقيّة في إظهار التوبة ممكنٌ جمعاً بين ما دلّ على جلالته (٢).

والرابع : جعفر فيه هو ابن محمّد بن سماعة أخو الحسن ؛ لأنّ النجاشي ذكر في الطريق إليه الحسن بن محمّد عن أخيه (٣). إمّا المثنّى ، فيقال لجماعة (٤) غير أنّ من الجملة مثنّى بن راشد ذكره النجاشيّ مهملاً (٥) ، والطريق إليه الحسن بن محمّد بن سماعة ، ولا يبعد أن يكون هو المراد وإن توسّط الأخ ، أو أن الأصل وجعفر ، و « عن » وقعت سهواً ، غير أنّ باب الاحتمال لغيره واسع.

والخامس : ( معلوم الحال.

والسادس : ) ) فيه أحمد بن عمر وقد تقدّم (٧) ما فيه عن قريب ، وفي فوائد شيخنا قدس‌سره أحمد بن عمر هذا ابن أبي شعبة الحلبي وهو ثقة ، أو الحلاّل وقد وثّقه الشيخ في كتاب الرجال ، فالحديث صحيح. انتهى.

وقد سبق (٨) منّا ما يقتضي المناقشة في الصحة ؛ لأنّ الشيخ قال : إنّه ردي‌ء الأصل ، ولم يعلم أنّ الحديث من غير أصله ، إلاّ أن يقال : إنّ نقل‌

__________________

(١) في ص ٥٤٦.

(٢) في « فض » زيادة : وقد أوضحنا القول فيه سابقاً.

(٣) رجال النجاشي : ١١٩ / ٣٠٥.

(٤) انظر : هداية المحدثين : ١٣٦.

(٥) رجال النجاشي : ٤١٤ / ١١٠٥.

(٦) ما بين القوسين ليس في « د » و « رض ».

(٧) في : ١٢١١.

(٨) في : ١٢١١.

٢٩٢

الشيخ القائل ذلك مع اعتماده على الرواية ظاهراً يقتضي أنّ المرويّ إمّا من غير أصله أو من أصله على وجه لا يكون فيه ارتياب ، وفي البين كلام.

والسابع : فيه محمد بن عيسى عن يونس ، وقد مضى (١). ويزيد بن خليفة ، وقد قيل : إنّه واقفيّ (٢) ، ومع هذا غير موثّق ولا فيه مدح.

وعمر بن حنظلة قد مضى فيه القول (٣) ، كما تقدّم أنّ اعتماد جدّي قدس‌سره على هذه الرواية في توثيق عمر بن حنظلة لا وجه له (٤) ، بل على تقدير صحّتها إنما يفيد صدقه لا توثيقه ، والتوثيق أمر زائد على الصدق.

المتن :

في الأوّل : ذكر العلاّمة في المختلف أنّ الشيخ احتجّ به في الخلاف على نحو ما حكاه عنه في المبسوط من أنّه قال فيه : إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر ، ويختص به مقدار ما يصلّى منه أربع ركعات ، ثمّ يشترك الوقت بعده بينه وبين العصر إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ءٍ مثله ، ثمّ قال الشيخ : وروى حتّى يصير الظل أربعة أقدام وهو أربعة أسباع الشخص المنتصب ، ثمّ يختص بعد ذلك بوقت العصر إلى أن يصير ظلّ كلّ شي‌ءٍ مثليه ، فإذا صار ذلك ، فقد فات وقت العصر ، هذا وقت الاختيار.

وأمّا وقت الضرورة فهما مشتركان فيه إلى أن يبقى من النهار مقدار ما يصلّى فيه أربع ركعات ، فإذا صار كذلك اختص بوقت العصر إلى أن تغرب‌

__________________

(١) في ص ٥٣.

(٢) قال به الشيخ في الرجال : ٣٦٤ / ١٥ ، والعلاّمة في الخلاصة : ٢٦٥ / ١.

(٣) في ص ٤٠٥.

(٤) في ص ٤٠٥.

٢٩٣

الشمس ، ومن أصحابنا من قال : إنّ هذا وقت الاختيار إلاّ أنّ الأوّل أفضل.

ثمّ قال العلاّمة : وأفتى في الخلاف بمثل ذلك ، وكذلك في الجمل ـ إلى أن قال ـ : وللشيخ في التهذيب قولٌ آخر ، وهو أنّ آخر وقت الظهر أربعة أقدام وهي أربعة أسباع الشخص ـ إلى أن قال ـ : احتجّ الشيخ في الخلاف على ما ادّعاه من آخر وقت الظهر إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، بالإجماع على أنّه وقت للظهر ، وليس على ما زاد عليه دليل فلا يكون وقتاً عملاً بالاحتياط (١).

وبما رواه زرارة ، وذكر الرواية السابقة في الباب السابق (٢) المتضمّنة ( لأنّه سأل ) (٣) عن وقت الظهر في القيظ ، وتضمّن الجواب فيها أنّه إذا كان ظلّك مثلك فصلّ الظهر ، وإذا كان ظلّك مثليك فصلّ العصر ؛ وبرواية أحمد ابن عمر المروية هنا ؛ وبرواية أحمد بن محمّد قال : سألته عن وقت الظهر والعصر ، فقال : « قامة للظهر وقامتين للعصر » ثمّ قال العلاّمة : واحتجّ على الأقدام بما رواه إبراهيم الكرخي ، وذكر الرواية المبحوث عنها (٤).

وأجاب العلاّمة عن الحديث الأوّل : بأنّه لا دلالة فيه على أنّ آخر الوقت ما ذكره ، بل لو استدلّ به على ضدّه لكان أقرب ؛ لأنّ أمره بالصلاة في ذلك الوقت يدلّ على أنّه ليس آخره ، وعن الأحاديث الأُخر : بأنّ ذلك تحديد لأجل النافلة وللوقت الأفضل لا للإجزاء ، جمعاً بين الأدلّة ، وأيّد‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٣٦ ، الخلاف ١ : ٢٥٧ ، الجمل والعقود ( رسائل العشر ) : ١٧٤ ، التهذيب ١ : ٣٩١.

(٢) في ص ١٢١٨.

(٣) ما بين القوسين كذا في النسخ ، والأنسب : للسؤال.

(٤) المختلف ٢ : ٣٧.

٢٩٤

هذا برواية محمد بن أحمد بن يحيى السابقة (١) ، ورواية زرارة السابقة (٢) الدالّة على أنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة ، إلى آخره.

قال : وهذه الأحاديث تدلّ على استحباب تأخير الظهر عن الزوال قدر قامة (٣). انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ فيه بحثاً من وجوه :

الأوّل : استدلال الشيخ بالإجماع إن أراد به أنّ فعل الظهر في الوقت الذي يصير فيه الظلّ مثله جائز بالاتّفاق ، وبعده لا وفاق.

ففيه : أنّ عدم الوفاق لا يصيّر الحكم إجماعيّاً على نفي الفعل فيما بعد.

وإن أراد أنّه لا دليل على جواز الفعل فيما بعد.

ففيه : أنّ الدليل موجود كما سيأتي (٤) من الأخبار وما تقدّم أيضاً ، وقوله : لا يكون وقتاً عملاً بالاحتياط. خروجٌ عن الإجماع ، وكون الاحتياط دليلاً على الإطلاق ظاهر الإشكال ، وحينئذ عدم التفات العلاّمة للجواب عن هذا لا وجه له.

الثاني : إنّ الخبر الأوّل ظاهرٌ في أنّ الظهر تصلّى في القيظ بعد المثل ، وهذا نوعٌ من الضرورة ، وظاهر كلام الشيخ في وقت الاختيار ، وجواب العلاّمة كما ترى يدلّ على أنّ الخبر يفيد أنّ ما بعد المثل وقت للظهر على الإطلاق ، وليس كذلك.

__________________

(١) في ص ١٢٥٤.

(٢) في ص ١٢٢٨.

(٣) المختلف ٢ : ٤١ و ٤٢.

(٤) في ص ١٢٨٠.

٢٩٥

وقوله : لو استدل به على ضدّه لكان أقرب. فيه : أنّ استدلاله إن كان لمجموع ما ذكره الداخل فيه وقت الاضطرار فالحديث لا ينافيه ، ولو صرّح بإرادة وقت الاختيار كان متوجّهاً ، إلاّ أنّ التوجيه غير بعيد عن مثل كلام الشيخ ، فإنّه لا يغفل عن هذا الشي‌ء الواضح.

ثمّ يتوجّه عليه أنّه إذا حمل في الكتابين القامة على الذراع لم يتمّ استدلاله بالخبر على القامة للمضطرّ ، وقد قدّمنا القول في ذلك (١) ، وهكذا القول في الخبرين الآخرين ، وما ذكره العلاّمة فيهما متوجّه ، لكن كان عليه التنبيه على مخالفة الاستدلال بالخبرين لما في الكتابين.

الثالث : الاحتجاج بالخبر المبحوث عنه على الأقدام الظاهر أنّ المراد به ما ذكره في التهذيب ، والذي وجدته فيه هو ذكر الرواية في الاستدلال على أنّ الأوقات المذكورة في الأخبار المفيدة التوسعة للضرورة ، ولو أراد في الخلاف بما قاله من نحو المبسوط ، فالرواية لا تدل على ذلك ، فالإجمال في الاستدلال غير لائق.

وعلى كلّ حال فالخبر المبحوث عنه (٢) يدل على أنّ وقت الظهر إلى أربعة أقدام ، فإن حمل على وقت الفضيلة والنافلة كما ذكره العلاّمة ففيه : أنّ ظاهر الخبر من قوله : « إنّ وقت الظهر ضيّق » لا يناسب ذلك ، لأنّ الضيق إن أُريد به للنافلة فالسعة أظهر ، ولو أُريد أنّ وقت الفضيلة ضيّق فكذلك.

ثمّ إنّ الأخبار الأُخر التي أدخلها في الجواب أوسع ؛ لأن القامة غير خفيّة الاتساع ، والمنافاة بينها وبين الخبر المبحوث عنه غير خفيّة ، وحينئذ يمكن حمل الخبر على التقيّة ؛ لأن جعل أوّل الوقت الزوال يناسب ذلك ،

__________________

(١) في ص ١٢٧١.

(٢) في « فض » زيادة : كما ترى.

٢٩٦

لصراحة الأخبار السابقة في خلافه.

ويمكن أن يكون قوله عليه‌السلام في الجواب : « إن كان تعمّد ذلك ليخالف السنّة والوقت لم يقبل منه » أمارة التقيّة أيضاً ؛ إذ لو حمل على ظاهره من الموافقة لمذهب الشيعة ، ففيه : أنّ اعتقاد المخالفة يقتضي الخروج عن الإيمان بأيّ وجه كان لا بخصوص هذا الفعل ، بل لو صلّى في أوّل الوقت بهذا الاعتقاد كذلك ، وحينئذ فاستدلال الشيخ به محلّ تأمّل.

وما تضمّنه آخر الحديث من قوله : « فمن رغب عن سننه الموجبات » إلى آخره. لعلّ المراد به من ترك ما ثبت بالسنّة على وجه الوجوب كمن ترك الواجب بالقرآن. وفي التهذيب : « فمن رغب عن سنّة من سننه الموجَبات » (١) وعلى التقديرين فالموجَبات بالفتح اسم مفعول أي : ما أوجبه الله هذا.

وأمّا الثالث (٢) : فمخالفته للأوّل ظاهرة ؛ لأنّ مفاده أنّ العصر تصلّى على أربعة أقدام وهي الذراعان ، فمن تركها إلى ستّة أقدام فهو تضييع ، والخبر الأوّل دلّ على أنّ التأخير إلى قرب غيبوبة الشمس تضييع ، ولعلّ التوجيه بأنّ التضييع له مراتب ممكن.

والرابع (٣) : كما ترى يدلّ على أنّ صلاة العصر يوم الجمعة على ستّة أقدام ، وفي الأخبار ما يقتضي أنّ فعل العصر يوم الجمعة في وقت الظهر في غيره من الأيّام ، وحينئذٍ فالخبر يقتضي فعل الظهر بعد الستّة ، وعدم تعرض الشيخ لهذا لا وجه له.

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٢٦ / ٧٤ ، الوسائل ٤ : ١٤٩ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣٢.

(٢) في النسخ : الثاني ، والصواب ما أثبتناه ، والخبر الثاني مغفول عن شرحه.

(٣) في النسخ : والثالث ، والصواب ما أثبتناه.

٢٩٧

والخامس : لا يخلو متنه من إجمال ؛ لأنّ معنى الموتور غير متّضح ، فإنّ فقدان المال في الجنّة لا يضرّ بالحال ، حيث إنّ من لوازمها الفوز بما تشتهي النفس ، والمؤاخذة فيها غير واضحة الوجه ، وهكذا الانقطاع عن الأهل.

وهذا مذكور في الفقيه (١) أيضاً بالإجمال.

وفي محاسن البرقي في باب عقاب من أخّر العصر روى بسنده عن أبي سلام العبدي (٢) قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام فقلت له ما تقول في رجل يؤخّر الصلاة متعمّداً؟ قال : « يأتي هذا يوم القيامة موتور أهله وماله » قال : فقلت جعلت فداك : وإن كان من أهل الجنّة؟ قال : « نعم » قلت : فما منزلته في الجنّة موتور أهله وماله؟ قال : « يتضيّف أهلها ليس له فيها منزل » (٣) وربما يستفاد من هذا معنى أظهر من الأوّل بعد التأمّل فيه ، وذكر أيضاً رواية أبي بصير (٤) بنوع مخالفة لا يتّضح بها المعنى ، والله تعالى أعلم بمقاصد أوليائه.

وأمّا السادس : فظاهر الدلالة على أنّ آخر وقت الظهر قامة ، وعلى مختار الشيخ من اتحاد القامة والذراع يخالف الخبر الأوّل الدالّ على أربعة أقدام ، وكذلك غيره أيضاً ، كما يخالف في العصر ، على أنّه يحتمل أن يراد انتهاء الوقت إلى القامة كما هو الظاهر ، ويحتمل غيره لما تقدّم في الباب السابق (٥) ، ولا أدري الوجه في عدم تعرّض الشيخ لمثل هذا الاختلاف.

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٤١ / ٦٥٤ ، الوسائل ٤ : ١٥٣ أبواب المواقيت ب ٩ ح ٧.

(٢) في « فض » : العبيدي.

(٣) المحاسن : ٨٣ / ١٧.

(٤) المحاسن : ٨٣ / ١٨.

(٥) في ص ١٢٧٠.

٢٩٨

والسابع : متنه أظهر من أن يبيّن ما فيه من المخالفة ، فلا ينبغي أن يغفل عن هذا كلّه.

قوله :

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن الحسن ابن علي بن فضّال ، عن عليّ بن يعقوب الهاشمي ، عن مروان بن مسلم ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تفوت الصلاة من أراد الصلاة ، لا تفوت صلاة النهار حتى تغيب الشمس ، ولا صلاة الليل حتى يطلع الفجر ، ولا صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ».

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسين ابن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن وقت الظهر والعصر فقال : « إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلاّ أنّ هذه قبل هذه ، ثمّ أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس ».

الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة قال : قال أبو جعفر عليه‌السلام : « أحبّ الوقت إلى الله عزّ وجلّ أوّله حين يدخل وقت الصلاة فصلّ الفريضة ، فإن لم تفعل فإنّك في وقت منها حتى تغيب الشمس ».

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وموسى بن جعفر ، عن أبي جعفر ، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت ، عن الحسن ابن عليّ بن فضّال ، عن داود بن أبي يزيد وهو داود بن فرقد ، عن‌

٢٩٩

بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر ، وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ».

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن عبد الله بن محمد الحجّال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن معمر بن يحيى قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : « وقت العصر إلى غروب الشمس ».

أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، عن الضحّاك بن يزيد ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) قال : « إنّ الله تعالى افترض أربع صلوات أوّل وقتها زوال الشمس إلى انتصاف الليل منها : صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلاّ أنّ هذه قبل هذه ».

فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار أن نحملها على صاحب الأعذار والأعلال التي لا يتمكن معها من الصلاة في أوّل الوقت ، وقد بيّن ذلك أبو الحسن عليه‌السلام في رواية إبراهيم الكرخي عنه حين قال : « وذلك من علّة وهو تضييع » وقدّمنا أيضاً أنّه لا يجوز أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من علّة.

ويزيد ذلك بياناً :

ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن إسماعيل بن سهل ، عن حمّاد ، عن ربعي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّا لنقدّم ونؤخّر ،

٣٠٠