إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

ذكره (١). وأورد عليه جدّي قدس‌سره في فوائد الكتاب بأنّه إن كان عيسى بن صبيح هذا هو الأوّل كما يدلّ عليه قوله : وقد تقدّم ، فلا وجه لذكره مرّة أُخرى ، وإن كان غير السابق كما ذكره ابن داود والشيخ الطوسي فلا وجه لنقله عن النجاشي سابقاً ما نقله ؛ لأنّ عيسى بن صبيح العرزمي على هذا غير عيسى السابق (٢). انتهى. والأمر كما قال.

وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ : عيسى بن صبيح العرزمي. مع ما تقدّم عنه من ذكر عيسى بن أبي منصور (٣) ، لكن الشيخ كثيراً ما يذكر الرجل الواحد مكرراً ، فالاعتماد على التعدّد من كتاب الشيخ كما يفهم من ابن داود حيث قال : إنّ الشيخ قد بيّن اختلافهما ـ (٤) محلّ كلام.

وفي قرب الإسناد للحميري بعد أن قال : حدّثني محمد بن عيسى ، ما صورته : محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أسرّك أن تنظر إلى خيار في الدنيا وخيار في الآخرة فانظر إلى هذا الشيخ » يعني عيسى بن أبي منصور (٥). والطريق فيه إبراهيم.

وعلى كل حال فالموجود في عيسى بن أبي منصور على وجه يصلح للاعتماد هو المدح من حمدويه ، وأمّا التوثيق من النجاشي (٦) فهو موقوف على اتحاد عيسى بن صبيح مع عيسى بن أبي منصور.

والسابع : لا ارتياب فيه ، وأحمد بن محمد هو ابن أبي نصر على‌

__________________

(١) الخلاصة : ١٢٣ / ٦.

(٢) فوائد الشهيد على الخلاصة : ٢٠.

(٣) رجال الطوسي : ٢٥٧ / ٥٥٨ ، ٢٥٨ / ٥٦٦.

(٤) رجال ابن داود : ١٤٨ / ١١٦٢.

(٥) قرب الاسناد : ٩.

(٦) رجال النجاشي : ٢٩٦ / ٨٠٤.

٢٢١

الظاهر من الممارسة ، والإضمار لا يقدح فيه كما قرّره الوالد قدس‌سره من أنّ عادة الرواة كانت في الأُصول أن يبتدؤوا باسم الإمام الذي أخذوا عنه ثمّ يضمرون بعد ذلك في سائر الأخبار عنه عليه‌السلام (١).

والثامن : موثّق إلاّ أنّ عمر بن سعيد بن هلال غير موجود فيما وقفت عليه من الرجال ، نعم فيهم : عمرو بن سعيد بن هلال وهو مجهول ؛ إذ لم يذكره إلاّ الشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه بمجرّد وصف الكوفي الثقفي (٢). وظنّ العلاّمة في المختلف أنّه المدائني الفطحي. والمحقّق كذلك. والظاهر أنّه وهم ؛ لأنّ المدائني من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، وقد تبع العلاّمة في هذا الوهم بعض محقّقي المعاصرين ( سلّمه الله ) (٣) فعدّ الخبر في الموثّق (٤).

وقد يستبعد رواية أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمّد بن عبد الجبّار ؛ لأنّ أحمد أعلى مرتبةً من محمد ، حيث إنّ أحمد من رجال الرضا عليه‌السلام ، إلاّ أنّ أحمد مذكور في رجال الهادي عليه‌السلام أيضاً ، ومحمّد من رجاله أيضاً ، فلا مانع من روايته عنه.

والتاسع : لا ارتياب فيه بعد ما قدّمناه في حريز بن عبد الله (٥).

المتن :

في الجميع ما ذكره الشيخ فيه من الحمل على مكان النافلة في القدم‌

__________________

(١) منتقى الجمان ١ : ٣٩.

(٢) رجال الطوسي : ٢٤٧ / ٣٨٨.

(٣) بدل ما بين القوسين في « فض » : في الحبل المتين.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ١٣٦.

(٥) راجع ص ٣٨.

٢٢٢

والذراع والقامة ، لا يخلو من نظر ، وبيان وجهه يتوقف على ذكر مفاد الأخبار مفصّلاً :

أمّا الأوّل : فهو دالّ بظاهره على أنّ الظهر وقتها بعد قدم ؛ وهذا محمول بتقدير القول بأنّ الأوّل للفضيلة والثاني للإجزاء على أنّ أوّل وقت الفضيلة القدم ، واللازم منه أن يكون ما قبله أمّا للنافلة أو للإجزاء ، فيكون للظهر وقتان للإجزاء : الأوّل : ما قبل القدم. والثاني : الآتي بيانه إن شاء الله.

وبتقدير حمل الوقت الأوّل على المختار يحتمل أن يكون ما قبل القدم للنافلة ، ويحتمل أن يكون للفضيلة بالنسبة إلى المختار ، لكن ما تضمّن من معتبر الأخبار أنّ الوقت بعد النافلة طالت أو قصرت يحتاج إلى تقييده بالقدم على تقدير حمل ما تضمّن القدم على وقت النافلة كما قاله الشيخ ، وحينئذ يصير حاصل الخبر : أنّ وقت النافلة التي بعدها الفريضة (١) مقيّد بالقدم ، وما دلّ على فعل النافلة وأنّ الفرض بعدها على الإطلاق يقيّد به.

وفي التهذيب حمل الشيخ ما دلّ على النافلة بالنسبة إلى المتنفّل (٢). والمفهوم منه أنّ من لم يتنفّل فأوّل الوقت له على كلّ تقدير ، وإشكاله بالنسبة إلى إطلاق القدم في هذا الخبر واضحٌ ، بل لا بدّ من ملاحظة ما دلّ على النافلة بأن يحمل على من فعلها ، فإطلاق دلالة الخبر على ما ذكره الشيخ مشكلٌ.

__________________

(١) في « فض » زيادة : إما على الفضل وما قبله على الاجزاء. ، وهي مشطوبة في « د ».

(٢) التهذيب ٢ : ٢٤٥.

٢٢٣

وسيأتي من الشيخ هنا ما يدلّ على تقييد النافلة بما لا يتجاوز الذراع والقامة والقدمين ، وما دون ذلك يكون مجزياً ، ونحن إن شاء الله نذكر فيما بعد ما قد يتوجه عليه ، إلاّ أنّ المقصود هنا بيان أنّ الخبر محتاج إلى مزيد تقييد.

وما عساه يتوجه على الشيخ فيما يأتي من دلالة كلامه على الإجزاء فيما قبل القدم مع أنّه يقول : بأنّ الأوّل للمختار. يمكن دفعه بعدم المانع من القول بكون الأوّل للمختار مع أنّ ما قبل للإجزاء ، على معنى أنّ ما بعد القدم مثلاً للفضل في المختار ، وتفصيل القول يأتي إن شاء الله.

وما تضمّنه الخبر من قوله : « أو نحو ذلك » محتملٌ لأنّ يراد به ما يتناول القدمين ، أو مقدار النافلة إذا قصرت ، أو هما معاً.

وقوله : « إلاّ في السفر أو يوم الجمعة » يدلّ على أنّه إذا زالت الشمس يوم الجمعة فالفضيلة للظهر في أوّل الزوال ، أو فضيلة المختار في أول الزوال ، لكن في أخبار نافلة الجمعة ما يقتضي فعل بعضها بعد الزوال فيحتاج الجمع إلى نوع توجيه ، ولعلّ المراد أنّه في يوم الجمعة إذا صُلِّيَتِ النافلةُ قبلُ فُعِلَتِ الركعتان بعد الزوال كما تضمّنه بعض الروايات في نافلة الجمعة ، وإن لم تفعل النافلة فأوّل الزوال كما تضمّنه هذا الخبر.

أو يحمل ما دلّ على فعل الركعتين على الجواز كما قاله الوالد قدس‌سره ( في الرسالة ) (١) : من أنّ الشمس إذا زالت تركت النافلة. لكن لم أقف على دليل هذا فيما لو صلّى البعض.

وسيأتي إن شاء الله ما يدلّ على أنّه بعد القدمين لا نافلة ، وهذا الخبر المبحوث عنه وإن دلّ بمقتضى قول الشيخ على أنّ القدم وقت النافلة إلاّ أنّ‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٢٢٤

ما دلّ على القدمين يقتضي عدم الانحصار في القدم ، والجمع ممكن ببيان أقلّ الوقت للنافلة ، ولو حمل على مقدار الفعل بحسب طول النافلة وقِصَرِها أمكن ، إلاّ أنّ إطلاق الخبر لا يقتضيه ، ولعلّ الجمع بين الأخبار يوجبه.

وأمّا الثاني : فهو كالأوّل أوّلاً وآخراً.

والثالث : تضمّن الذراع وهو قدمان ، ولا بدّ من حمله بتقدير إرادة وقت النافلة على ما قدّمناه (١) بعد دلالة الأخبار الأوّلة ، وكذلك الرابع والخامس.

وأمّا السادس : فظاهر الدلالة على اعتبار السبحة وهي النافلة المتناول فعلها لزيادة الفي‌ء عن قدمين ونقصانه عن القدم ، فيحتاج الجمع بينه وبين ما دلّ على القدم والقدمين إلى توجيه زائدٍ على ما قدّمناه ، وإطلاق الشيخ الحمل على وقت النافلة في الجمع لا يخلو من إشكال.

ولا يبعد أن يقيّد إطلاق هذا بما دلّ على القدم ، فتكون الفضيلة في فعل الظهر بعد القدم وإن تمّت النافلة قبله ، وعلى تقدير القول بأنّ الأوّل للمختار كذلك ، وعلى ما يأتي من الشيخ أنّ ما قبل القدم إجزاء يشكل بأنّ هذا الخبر يقتضي أنّ ما بعد النافلة لا يكون إجزاءً ، فالتقييد كأنّه لا بدّ منه ، أو يحمل الإجزاء على أنّه إضافي ، وربما كان في الخبر دلالةٌ على إرادة وقت الفضيلة حيث قال : « فقد دخل وقت الظهر » إذ لو كان وقت النافلة لمن صلّى النافلة كما في التهذيب (٢) لم يتمّ الإطلاق ، وإن كان باب التوجيه واسعاً.

__________________

(١) في ص ١٢٢٣.

(٢) التهذيب ٢ : ١٩.

٢٢٥

والسابع : كما ترى صريحٌ في القامة ، وسيأتي من الشيخ حمل القامة على الذراع ، وستسمع ما فيه ، مع إمكان حمل هذا الخبر على منتهى وقت الفضيلة ، إمّا الكاملة أو غيرها ، كما سيأتي إن شاء الله ، أو يقيّد بالثامن وهو الدال على فعل الظهر في القيظ.

وحمل الثامن على الذراع بتقدير كون القامة ذراعاً غير واضح بعد قوله : « مثلك » و « مثليك » وإذا كان كذلك فحمله على وقت النافلة واضح الإشكال بالنسبة إلى الشيخ ، حيث جعل القامة ذراعاً ، فيصير وقت النافلة ذلك ، ولو حمل على أنّ وقت النافلة يمتدّ إلى المثل وهو نهاية الوقت أمكن ، إلاّ أنّ صريح بعض الأخبار وسيأتي أنّ بعد القدمين لا نافلة ، إلاّ أن يحمل على عدم التلبس بها ، كما نذكره إن شاء الله.

وما قاله بعض : من امتداد النافلة بامتداد الفريضة كما يستفاد من إطلاق بعض الأخبار المعتبرة من أنّ النافلة ثمان قبل الظهر (١).

ففيه : أنّ المقيِّد موجودٌ ، إلاّ أن يحمل المقيِّد على الأفضليّة ، والجواز حينئذ بما دلّ على فعل النافلة قبل الظهر مطلقاً ، كما يحمل ما دلّ على القامة على الجواز من دون تكلّف ما ذكره الشيخ من جعل القامة ذراعاً في الخبر الدالّ على القامة ، وما دلّ على المثل لا مجال للقول فيه ، كما لا يخفى ، ولو حمل الخبر الثامن على ظاهره من القيظ أمكن أن يقال : بأنّ النافلة في القيظ تابعة للظهر ، ولا مانع منه ، إلاّ أنّ الكلام في توجيه الشيخ ، وإذا عرفت حقيقة ما قلناه تعلم ما في قول الشيخ.

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّ العلاّمة في المنتهى قال : الذراع‌

__________________

(١) كالأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٦.

٢٢٦

قدمان ، والقدم اثنا عشر إصبعاً ، فالذراع أربعة وعشرون إصبعاً ، والقدم سُبْع الشخص. كما في اصطلاح أهل الهيئة.

قوله :

والذي يدلّ على هذا التفصيل ، ما رواه الحسن بن محمّد بن سماعة ، عن ابن مسكان ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أتدري لِمَ جعل الذراع والذراعان (١)؟ » قلت : لِمَ؟ قال : « لمكان الفريضة ، لك أن تتنفّل من زوال الشمس إلى أنّ تبلغ ذراعاً ، فإذا بلغتْ ذراعاً بدأتَ بالفريضة وتركتَ النافلة ».

وعنه ، عن الميثمي ، عن أبان ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « أتدري لِمَ جُعِلَ الذراع والذراعان؟ » قال ، قلت : لِمَ؟ قال : « لمكان الفريضة » قال : « لئلاّ يؤخذ من وقت هذه ويدخل في وقت هذه ».

وعنه ، عن جعفر بن مثنّى العطّار ، عن حسين بن عثمان الرواسي ، عن سماعة بن مهران قال : قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فصلّ ثمان ركعات ثمّ صلّ الفريضة أربعاً ، فإذا فرغت من سبحتك قصرت أو طوّلت فصلّ العصر ».

عنه ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحرث بن المغيرة ، عن عمر ابن حنظلة قال : كنت أقيس الشمس عند أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : « يا عمر ألا أُنبّئك بأبين من هذا؟ » قال ، قلت : بلى جعلت فداك ، قال : « إذا زالت الشمس فقد وقع الظهر إلاّ أنّ بين يديها سبحة وذلك‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٤٩ / ٨٩٣ : والذراعين.

٢٢٧

إليك فإن أنت خفّفت سبحتك فحين تفرغ من سبحتك وإن طوّلت فحين تفرغ من سبحتك ».

عنه ، عن عبد الله بن جبلة ، عن ذريح المحاربي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سأل أبا عبد الله أُناس وأنا حاضر فقال : « إذا زالت الشمس فهو وقت لا يحبسك منها (١) إلاّ سبحتك تطيلها أو تقصّرها » فقال بعض القوم : إنّا نصلّي الأُولى إذا كانت على قدمين والعصر على أربعة أقدام فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « النصف من ذلك أحبّ إليّ ».

سعد بن عبد الله ، عن موسى بن الحسن ، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحرث بن المغيرة النصري (٢) وعمر بن حنظلة ومنصور بن حازم قالوا : كنّا نقيس الشمس بالمدينة بالذراع فقال لنا أبو عبد الله عليه‌السلام : « الا أُنبّئكم بأبين من هذا؟ » قالوا (٣) بلى جعلنا الله فداك ، قال : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر إلاّ أنّ بين يديها سبحة وذلك إليك فإنّ أنت خفّفت فحين تفرغ من سبحتك وإن أنت طوّلت فحين تفرغ من سبحتك ».

الحسين بن سعيد ، عن محمّد بن سنان ، عن ابن مسكان ، عن زرارة (٤) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن وقت الظهر قال : « ذراع من زوال الشمس ، ووقت العصر ذراع من وقت الظهر فذلك أربعة أقدام من زوال الشمس » وقال زرارة ، قال لي أبو جعفر عليه‌السلام حين‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٤٩ / ٨٩٧ لا توجد : منها.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٨ : عن الحارث بن المغيرة النضري.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٨ زيادة : قلنا.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٩ : عن زرارة بن أعين.

٢٢٨

سألته عن ذلك : « إنّ حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة فكان إذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، فإذا مضى من فيئه ذراعان صلّى العصر » ثمّ قال : « أتدري لمَ جعل الذراع والذراعان؟ » قلت : لِمَ جعل ذلك؟ قال : « لمكان الفريضة فإنّ لك أنّ تتنفل من زوال الشمس إلى أن يمضي الفي‌ء ذراعاً ، فإذا بلغ فيئك من الزوال بدأت بالفريضة وتركت النافلة » قال ابن مسكان : وحدّثني بالذراع والذراعين : سليمان ابن خالد وأبو بصير المرادي وحسين صاحب القلانس (١) وابن أبي يعفور ومن لا أُحصيه منهم.

السند :‌

في الأوّل : فيه من تقدّم (٢) إلى الحسن بن محمد بن سماعة وهو نفسه فيه كلام تقدّم أيضا (٣). وابن مسكان كذلك ، والحاصل أنّه إذا روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أو عن الحلبي ، فهو عبد الله ، وكذلك عن سليمان بن خالد على الظاهر كما يفهم من النجاشي (٤) ، وأمّا عن غير هؤلاء فيحتمل الاشتراك وادعاء تبادر عبد الله ، وقد تقدّم عن السرائر كلام في رواية رواها ابن إدريس فيها : حسين بن عثمان عن ابن مسكان ، ثمّ قال ابن إدريس : واسم ابن مسكان الحسن (٥) وهو ابن أخي جابر الجعفي (٦). انتهى.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٥٠ / ٨٩٩ : القلانسي.

(٢) راجع ص ١٢٠٧ ١٢٠٩.

(٣) في ص ٩٧٦.

(٤) رجال النجاشي : ١٨٣ / ٤٨٤.

(٥) في « فض » زيادة : بن مسكان.

(٦) مستطرفات السرائر : ٩٨ / ١٨.

٢٢٩

وهو غريب ؛ إذ لم ير في الروايات هذا الاسم ، نعم في الخلاصة : الحسين بن مسكان ، ونقل عن ابن الغضائري أنّه قال : لا أعرفه إلاّ أنّ جعفر ابن محمد بن مالك روى عنه أحاديث فاسدة (١). وغير خفيّ أنّ جعفراً هذا لم يكن في زمن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام ، والحسين بن عثمان في رجال الصادق عليه‌السلام ، وقد قدّمنا هذا والإعادة لبعده ، ولا يظنّ أنّ الاشتراك الذي أشرنا إليه بسبب ما ذكره العلاّمة ، بل لأنّ في الرجال علي بن مسكان (٢).

والثاني : فيه مع ما تقدّم (٣) الميثمي ، وهو يقال : لأحمد بن الحسن ، كما في أسانيد الفقيه (٤) ، ويجي‌ء لأحمد بن أبي ميثم ، ولعليّ بن إسماعيل ، لكنّ المراد هنا (٥) أحمد بن الحسن ؛ لأنّ النجاشي قال : حدّثنا عنه الحسن بن محمد بن سماعة (٦). واحمد بن الحسن واقفيّ ثقة في النجاشي (٧).

وأمّا أبان وإسماعيل فلا يخلو أمرهما من التباس ، وقد يظنّ أنّ أبان هو ابن عثمان ، وإسماعيل ابن جابر الجعفي ؛ لما سيأتي في خبر الأذان من أنّ إسماعيل بن جابر رواه كما في النجاشي (٨) ، والراوي عنه فيه أبان بن عثمان ، لكن احتمال الغير موجودٌ.

__________________

(١) الخلاصة : ٢١٧ / ١٣.

(٢) لم نعثر عليه في كتب الرجال ، ولعلّه سهو والصواب محمد بن مسكان ، راجع رجال الطوسي : ٣٠٢ / ٣٥٠ ، أو علي بن عبد الله بن مسكان ، راجع رجال النجاشي : ٢٦٧ / ٦٩٤.

(٣) راجع ص ١٢٠٧ ١٢٠٩.

(٤) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٣١.

(٥) في « رض » زيادة : على الظاهر.

(٦) رجال النجاشي : ٧٤ / ١٧٩.

(٧) رجال النجاشي : ٧٤ / ١٧٩.

(٨) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

٢٣٠

والثالث : فيه مع ما تقدّم (١) جعفر بن المثنى العطّار ، وهو ثقة في النجاشي (٢). والحسين بن عثمان وسماعة تكرّر القول فيهما (٣).

والرابع : فيه مع المتقدّم عمر بن حنظلة ، وقد أسلفنا الكلام فيه (٤) : من أنّ توثيق جدّي قدس‌سره له في الدراية (٥) محلّ تأمّل. والحرث بن المغيرة ثقة مكرّراً في النجاشي (٦).

والخامس : فيه مع المتقدم ابن جبلة ، ومضى أيضا (٧). وذريح ثقة لا ارتياب فيه.

والسادس : فيه الحسن بن الحسين اللؤلؤي وفيه كلام تقدّم (٨).

والحاصل أنّ النجاشي وثّقه (٩). والشيخ نقل عن ابن بابويه تضعيفه (١٠) ، ولا يبعد أن يكون ظنّ التضعيف من استثنائه من رواية محمّد ابن أحمد بن يحيى عنه ، وقد يقال : إنّ هذا لا يقتضي التضعيف ؛ لاحتمال استثنائه لغير الضعف.

و (١١) فيه نوع تأمّل ؛ لما يظهر من النجاشي نقلاً عن ابن نوح أنّه قال‌

__________________

(١) في ص ١٢٠٧ ١٢٠٩.

(٢) رجال النجاشي : ١٢١ / ٣٠٩.

(٣) راجع ص ١٣١ ، ٧٨.

(٤) راجع ص ٤٠٥.

(٥) الدراية : ٤٤.

(٦) رجال النجاشي : ١٣٩ / ٣٦١.

(٧) في ص ٨٩٤.

(٨) في ص ٤٤٢.

(٩) رجال النجاشي : ٤٠ / ٨٣.

(١٠) رجال الطوسي : ٤٦٩ / ٤٥.

(١١) في « فض » زيادة : لي.

٢٣١

ـ بعد ذكر ما قاله محمّد بن الحسن بن الوليد في استثناء رواية محمّد بن أحمد بن يحيى عن الحسن بن الحسين ـ : وقد أصاب شيخنا محمّد بن الحسن بن الوليد ( في ذلك كلّه ) (١) ، وتبعه أبو جعفر ابن بابويه ، إلاّ في محمد بن عيسى ، ولا أدري ما رابه فيه؟ لأنّه كان على ظاهر العدالة (٢). انتهى.

وهذا يقتضي أنّ ابن نوح فهم من الاستثناء التضعيف ، إلاّ أن يقال : إنّ ابن نوح ظنّ كما ظنّ الشيخ ، واحتمال غير الضعف موجود ، والحقّ أنّ كلام ابن نوح لا يقتضي فهم القدح فيه بالتضعيف ، بل حاصله أنّه لا يدري وجه الاستثناء مع أنّ محمّد بن عيسى على ظاهر العدالة ، وإن كانت العبارة من ابن نوح تعطي الاحتمال ، وقد قدّمنا (٣) جملة من هذا والإعادة لبعد العهد.

والسابع : فيه محمّد بن سنان ، وما وقع فيه من قوله ، قال زرارة : قال ابن مسكان ، يحتمل أن يكون القائل محمد بن سنان.

المتن :

في الأوّل : كما يُحتمل ما ذكره الشيخ من الدلالة على وقت النافلة يحتمل أن يكون المراد بيان اختصاص وقت الفضيلة بما بعد الذراع للظهر ، والذراعين للعصر ، فلا يتعيّن الوقت للنافلة حتى لو أخّرها عن ذلك كانت في غير وقتها ، وحينئذ فالمطلوب تحصيل الفضيلة في الفرض والنفل ، فلو‌

__________________

(١) ما بين القوسين أثبتناه من المصدر.

(٢) رجال النجاشي : ٣٤٨ / ٩٣٩ ، بتفاوت يسير.

(٣) في ج١ : ٧٦.

٢٣٢

تأخّرت النافلة كانت في وقتها لا على وجه الفضل ، كالفرض ، إلاّ أنّ احتمال الشيخ ربما قرّبه الظاهر ، وربما بعّده ما دلّ على امتداد النافلة بامتداد الفريضة ، إلاّ على ما قدّمناه (١) من احتمال تقييد ما دلّ على الامتداد بمثل هذا الخبر. وفيه : أنّ الخبر إذا لم يكن صريحا لا يصلح للتقييد.

ويمكن الجواب بأنّ مؤيدات هذا الخبر موجودة ، مضافاً إلى أنّه مروي في الصحيح عن زرارة في الفقيه ، وفيه : « لمكان النافلة » (٢) بدل قوله هنا : « لمكان الفريضة » ودلالة ما في الفقيه على مدّعى الشيخ أوضح ؛ لاحتمال إرادة مكان الفريضة على هذه الرواية بالنسبة إلى الفضيلة ، والمعنى إنّ التأخّر عن القدمين لمكان تحصيل فضيلة الفريضة.

وعلى تقدير ما في الفقيه وإن أمكن الاحتمال ، إلاّ أنّ الظهور على ما هنا ربما يدّعى.

وما عساه يقال : إنّ الظهور لا يتمّ مع تقدير الفضيلة ، يمكن الجواب عنه : بأنّ الكلام لولا تقدير الفضيلة ونحوها لا يفهم منه شي‌ء يعتدّ به ، وعلى (٣) هذا وإن كان في البين تقدير لكنه في حكم المذكور ، على أنّه يحتمل أن يراد بمكان الفريضة أنّ الإتيان بالنافلة في وقتها أو وقت كمالها يقتضي تتميم الفريضة كما في بعض الأخبار المعتبرة من أنّ الصلاة لا تقبل منها إلاّ ما وقع فيه الإقبال بالقلب ، والنوافل متمّمة لذلك الخلل (٤) ، إلاّ أنّ الخبر الوارد بهذا غير خاص بالأداء بل ظاهرة الشمول لمطلق فعل النوافل‌

__________________

(١) في ص ٢٢٦.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٠ / ٦٥٣ ، الوسائل ٤ : ١٤١ أبواب المواقيت ب ٨ ح ٣ ، ٤.

(٣) في « رض » و « فض » : فهو.

(٤) الوسائل ٥ : ٤٧٦ أبواب أفعال الصلاة ب ٣.

٢٣٣

الراتبة ، وبالجملة فما في الفقيه أوضح.

ثمّ إنّ الخبر كما ترى يدلّ على القدمين والأربعة ، وما يدلّ على السبحة طالت أو قصرت يحتاج إلى الجمع بينه وبين هذا الخبر كما قدّمناه (١) عن قريب.

وما تضمّنه الخبر من قوله : « تركت النافلة » يحتمل الحمل على ما إذا لم يصلّ المصلّي شيئاً ؛ لما يظهر من كلام من رأينا كلامه دعوى الاتفاق (٢) على الإتمام لو أتى بركعة منها وإن تعدّى الوقت ، مضافاً إلى رواية في هذا الحكم غير سليمة (٣) الإسناد.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله قال : وما تضمّنته الأحاديث من التأخير إلى الذراع والذراعين والقدمين والأربعة مستحب لمن يصلّي النافلة (٤). ولا يخفى عليك أنّ هذا ( تبع للشيخ ) (٥) في التهذيب كما قدّمنا (٦) إليه الإشارة ، لكن هذا الخبر المبحوث عنه بتقدير رواية الفقيه يدلّ على مكان النافلة لا تحقّق فعل النافلة ، ويؤيّده قوله : « تركت النافلة » على ما قدّمناه من إرادة عدم فعلها ، وغير هذا من الأخبار يدلّ على ذلك (٧).

وأمّا الثاني : فهو قريب من الأوّل ، إلاّ أنّ قوله : « لئلاّ يؤخذ من وقت‌

__________________

(١) في ص ١٢٢٤.

(٢) كالمحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة ٢ : ١٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٧٣ / ١٠٨٦ ، الوسائل ٤ : ٢٤٥ ب ٤٠ ح ١.

(٤) البهائي في الحبل المتين : ١٣٩.

(٥) بدل ما بين القوسين في « رض » : اتّبع الشيخ.

(٦) في ص ١٢٢٤.

(٧) الوسائل ٤ : ١٤٠ أبواب المواقيت ب ٨.

٢٣٤

هذه فيدخل في وقت هذه » ربما كان ظاهراً في إرادة وقت النافلة ، والمراد تمييز كلّ من وقتي الفريضة للفضيلة والنافلة إمّا للفضيلة أو لغيرها ، ودلالته على عدم اعتبار فعل النافلة ظاهرة.

والثالث : كما ترى يدلّ على أنّ الفراغ من النافلة يقتضي دخول الفريضة ، والوقت حينئذ فيه الاحتمالات السابقة للفريضة ، ولا يخفى تناوله لزيادة فعل النافلة على القدمين للظهر ، والأربعة للعصر ، والقامة والقامتين على تقدير أن يراد بالقامة ما ذكره الشيخ من أنّها الذراع. وعلى تقدير إرادة مثل الشاخص كما يدلّ عليه الرواية السابقة صريحاً ، ويتناول فعلها فيما دون القدم.

وعلى هذين التقديرين يلزم أن يكون ذكر القامة والقدم مخصوصاً بما إذا انتهت النافلة إليهما ، واللازم من كلام الشيخ انتهاء وقت النافلة ودخول وقت الفريضة بالفراغ ، والظاهر من التقدير خلافه ، والجمع غير منحصر فيما ذكره الشيخ ؛ لاحتمال إرادة دخول وقت الفريضة على جميع التقادير لكن تتفاوت الفضيلة في الفرض والنافلة ، وحينئذ لا يتعيّن ما قاله الشيخ ، واحتمال ادعاء ظهور ما قاله الشيخ في الجمع غير معلوم ، على أنّ الظاهر من الشيخ حصر وقت النافلة للظهر في القدمين والعصر في الأربعة ، والخبر المبحوث عنه يتناول غيره ، وهو ما بعد الأربعة وما قبل القدم.

فإنّ أجاب الشيخ بخروج ما بعد القدمين أمكن أن يقال : إنّ المخرج إن كان من الأخبار فالخبر المبحوث عنه يتناول المخرج ، وإن كان بالإجماع فالقول بامتداد وقت النافلة بوقت الفريضة موجود ، إلاّ أن يقال بأنّ المراد بالامتداد بوقت الفريضة هو هذا الامتداد لا مُطلقا ، وفيه ما فيه.

وبالجملة فالجمع بما ذكره الشيخ محلّ تأمّل.

٢٣٥

والرابع كالثالث في الكلام أوّلاً وآخراً.

والخامس : ربما دلّ على أنّ الاعتبار بالقدم للظهر والاثنين للعصر إن جعل النصف عبارة عن ذلك ، وإنّ جعل النصف كناية عن نصف الستّة فتكون للظهر ثلاثة وللعصر ثلاثة نافى البعض الدال على اختصاص الظهر بالقدمين والعصر بالأربعة ، ولو حمل على الأوّل لضرورة الجمع أمكن أن يقال : إنّ الحمل على فعل السبحة لا ينافي الزيادة على القدمين والأربعة ، لكن قوله عليه‌السلام : « أحبّ إليّ » يدلّ على رجحان القدر المذكور ، فيؤيّد احتمال أن يكون اختلاف المقادير في الأخبار لبيان اختلاف الكمال ، لا لمجرد فعل النافلة طولاً وقصراً ، وحينئذ لا يتمّ الاستدلال به على أنّ الاعتبار بفعل النافلة على الإطلاق.

فإنّ قلت : قوله عليه‌السلام أوّلاً : « لا يحبسك منها إلاّ سبحتك » يدلّ على مدّعى الشيخ.

قلت : لا وجه لعدم الالتفات إلى آخر الرواية الدال على ما قلناه ، ولو حمل على أنّ المراد يُجزئ فعل النافلة في النصف أفاد مطلوبنا من عدم الدلالة على فعل النافلة على الإطلاق.

والسادس : ذكر شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب أنّه مروي في الكافي بطريق صحيح ، وهو واضح المتن ، ويستفاد منها وجه الجمع بين الروايات. انتهى.

ولا يخفى أنّ الوضوح إن أُريد به الدلالة على أنّ ما ورد في غيره من الأخبار بالمقادير محمول على السبحة ، ففيه : أنّ خبر زرارة الأوّل صحيح في الفقيه (١) ، وهو صريح في ترك النافلة بعد القدمين ، ومضمون هذا الخبر‌

__________________

(١) راجع ص ٢٣٣.

٢٣٦

هو الامتداد إذا طالت السبحة ، وإن زاد الوقت على قدمين فلا بدّ من التقييد ، وحينئذ لا وضوح.

وإن أُريد بالوضوح دخول وقت الفريضة بالفراغ مطلقاً ، لا يكون في الخبر جمع بين جميع الأخبار ، على أنّه قدس‌سره لم يقل بأنّ القامة هي الذراع ، كما يقوله الشيخ ، فما دلّ على القامة يقتضي خروج الوقت بعد القامة ، فلا بدّ من تقييد هذا الخبر بما لم يزد على القامة ، إلاّ أنّ ما دلّ على القامة في هذه الأخبار غير صالح عنده للمستند.

وفيه : أنّ ما تقدّم في الأخبار السابقة على هذه الأخبار وهو رواية أحمد بن عمر دالّ على القامة ، وهو صحيح عنده ، وإن كان في صحّته نوع تأمّل أشرنا إليه سابقاً (١).

وما ذكرناه في حاشية التهذيب من احتمال تصحيح الخبر لأنّ أحمد ابن عمر إذا كان ثقة في نفسه إلاّ أنّه ردي‌ء الأصل ، يمكن أن يدّعى صحّة ما رواه إلاّ إذا علم أنّه من أصله.

ففيه : أنّ احتمال كونه من الأصل كافٍ في عدم التصحيح.

إلاّ أن يقال : إنّ رداءة الأصل غير معلومة المعنى ؛ لاحتمال أن يراد بالرداءة عدم استقامة الترتيب ، أو جمعه للصحيح والضعيف ، بل الاحتمال الثاني ربما كان له ظهور ، وعلى تقدير غيره لا يضرّ بحال صحّة الحديث ، بل وعلى تقدير الاحتمال الآخر كذلك ؛ لأنّ الرواية في الأصل إذا كانت عن الإمام عليه‌السلام بغير واسطة وكان الطريق إليه صحيحاً لا وجه لردّ الرواية مع‌

__________________

(١) في ص ٢٠٧.

٢٣٧

ضعف الأصل.

ولو أُريد برداءة الأصل عدم الاعتماد عليه لانتفاء القرائن الموجبة للاعتماد كما هي عادة المتقدّمين في العمل بالأُصول ، أمكن أن يقال : إنّ هذا لا يضرّ بحال الصحة عند المتأخّرين المكتفين بمجرّد الخبر المتّصف راويه ومن روى عنه بالصفة الموجبة للصّحة.

هذا كلّه على تقدير الاعتماد على الوشّاء في كون روايته صحيحة بالنسبة إليه ، وحاله لا يزيد على كونه ممدوحاً كما قدّمناه (١).

وإذا عرفت هذا فخبر أحمد بن عمر دالّ على القامة ، وبتقدير حملها على ظاهرها يحتاج ما دلّ على السبحة على الإطلاق إلى تقييد ، فلا يتمّ الحكم بأنّه جامع بين الأخبار ، وسيأتي أيضاً من الأخبار ما يوجب التقييد.

والسابع : تفهم دلالته ممّا تقدّم (٢) أوّلاً وآخراً ، وسيأتي من الشيخ بعض الأخبار الدالّة على كون النافلة بعد القدمين أو بعد الأربعة أقدام قضاءً ، أمّا عند غير الشيخ المتوقف عمله على الصحيح فلا يحتاج إلى مشقّة الجمع.

بقي في المقام شيئان :

الأوّل : سيأتي حديث أوضح دلالةً عَلى مدّعى الشيخ ، وهو خبر محمّد بن أحمد بن يحيى ، وسيأتي إن شاء الله الكلام فيه.

وروى في زيادات الصلاة من التهذيب عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة قال ، قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : بين الظهر والعصر حدّ معروف؟ قال : ( لا ) (٣).

__________________

(١) في ص ١١١.

(٢) من ص ١٢٣٠ ١٢٣٤.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٥ / ١٠١٣ ، الوسائل ٤ : ١٢٦ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٤.

٢٣٨

وهذا الخبر مع صحّته ربما يؤيّد أنّ الاعتبار بفعل النافلة ، ولمّا كانت متفاوتة بالطول والقصر لم يكن بين الظهر والعصر حدّ معروف ، ولو كان ما دلّ على القدم والقدمين والأربعة والقامة محمولاً على ظاهره من دون الحمل على فعل النافلة طالت أو قصرت لكان الحدّ بين الظهر والعصر موجوداً ، فكان الأولى من الشيخ ذكر هذا الخبر هنا.

وما ذكره بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله من احتمال أن يكون المراد دخول وقتيهما معاً بالزوال كما تضمّنته الأخبار (١). لا يخلو من تأمّل في نظري القاصر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ فيه اعترافاً باشتراك الوقت من أوّله بين الظهرين وقد تقدّم منه ما قدّمناه عنه (٢) ، من قوله : إنّ ما تضمنه كثير من الأحاديث من دخول الوقتين بأوّل الزوال لا ينافي ما هو المشهور من اختصاص الظهر من أوّل الوقت ؛ إذ المراد بدخول الوقتين دخولهما موزَّعين ، كما يشعر به قوله عليه‌السلام في حديث عبيد بن زرارة : « إلاّ أنّ هذه قبل هذه » (٣) وحديث آخر عنه (٤) مثله (٥).

وأمّا ثانيا : فلأنّا إذا قلنا بالاختصاص لا مانع من عدم الحدّ نظراً إلى أنّ وقت الاختصاص تابع لفعل الظهر طولاً وقصراً ، فلا حاجة إلى التعبير بدخول وقتيهما بالزوال.

ويمكن الجواب : بأنّ الغرض من دخول وقتيهما أعمّ من‌

__________________

(١) البهائي في الحبل المتين : ١٣٩.

(٢) راجع ص ١٢١٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٦ / ٧٣ و ١٠٩ / ٥١ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٣٠ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٢١.

(٤) التهذيب ٢ : ٢٤ / ٦٨ ، وسائل الشيعة ٤ : ١٢٦ أبواب المواقيت ب ٤ ح ٥.

(٥) الحبل المتين : ١٣٩ وهو في الذكرى ٢ : ٣٢٩.

٢٣٩

الاختصاص والاشتراك ، أو يراد الاختصاص بالتقريب الذي ذكرناه ، إلاّ أنّ الإجمال في مثل هذه المقامات ليس في محلّه ، وما نقله عن الشهيد في الذكرى : من أنّ نفي الحدّ يؤيّد أنّ التوقيت للنافلة ، وقوله سلّمه الله أنّه لا بأس (١). واضح ، ومعه لا وجه للاحتمال الأوّل.

لكن ما قاله الشهيد رحمه‌الله من التأييد ، قد يشكل باحتمال أن يراد نفي الحدّ من حيث إنّ مراتب الفضل غير منحصرة في حدٍّ ، بل السبحة والقدم والقدمان والقامة للظهر يقتضي عدم الحدّ المعروف ، فعلى تقدير أن نقول بعدم الجمع بما قاله الشيخ : من أنّ التقادير المذكورة للنافلة. يمكن ادعاء التأييد ، إلاّ أنّ الحقّ تساوي الاحتمالين ، والتأييد لأحد الأمرين يحتاج إلى مرجّح ، وبهذا يندفع ترجيح جمع الشيخ بالخبر المذكور.

الثاني : تضمّنت الأخبار أنّ الفي‌ء ما يحدث من ظلّ الشاخص بعد الزوال ، وهو مشتقّ من فاء إذا رجع ، ولا يخفى أنّ قوله عليه‌السلام : « إذا بلغ فيئك ذراعاً » صريح في أنّ النسبة إلى الشخص ، لا إلى الظل الأوّل الباقي ، وهذا كما يدفع القول بالمماثلة بين الظلّ الزائد والأصل ، يدفع التوجيه الآتي من الشيخ في أنّ المراد بالقامة الذراع ، وإنّما قدّمناه هنا لاقتضاء الحديث ذلك.

اللغة‌ :

قال في الصحاح : السبحة التطوّع من الذكر والصلاة ، تقول : قضيت سبحتي (٢).

__________________

(١) الحبل المتين : ١٣٩ وهو في الذكرى ٢ : ٣٢٩.

(٢) الصحاح ١ : ٣٧٢ ( سبح ).

٢٤٠