إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

بعض القيود من أنّ الخروج إلى خارج الحدود مع العود إلى موضع الإقامة ليومه أو ليلته لا يؤثّر في نيّة الإقامة وإن لم ينو عشرة مستأنفة ، لا حقيقة له ، ولم نقف عليه مسنداً (١) إلى أحد من المعتبرين الذين تعتبر فتواهم ، فيجب الحكم باطراحه ، حتى لو كان ذلك في نيّته من أول الإقامة بحيث صاحبت هذه النيّة نيّة إقامة العشرة لم (٢) يعتدّ بنيّة الإقامة وكان باقياً على القصر ، لعدم الجزم بإقامة العشرة المتوالية ، فإنّ الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها ، ونيّته في ابتدائها تبطلها (٣).

محل بحث في نظري القاصر ، لأنّ أوّل كلامه قدس‌سره يدل على أنّ مجرّد الخروج إلى محل الترخّص يبطل نيّة الإقامة ، لأنّه (٤) قال : حتى لو كان ذلك في نيّته. وغير خفي أنّه لو لم يكن في النيّة الخروج لا ارتياب في أنّ الخروج بعد ذلك لا يبطل نيّة الإقامة مطلقاً عنده ، والرسالة المفردة له في هذا كاشفة عن حقيقة الحال ، فقوله : لم نقف عليه مسنداً (٥). غريب ، وممّا يؤيّد ما ذكرناه قوله أخيراً : فإنّ الخروج إلى ما يوجب الخفاء يقطعها ، ونيّته في ابتدائها تبطلها.

والعجب من شيخنا قدس‌سره أنّه قال بعد نقل كلامه : وهو جيّد (٦). مع أنّه صرّح بأنّ نيّة الإقامة تقطع السفر المتقدّم ، وعلى هذا فيفتقر المكلّف في عوده إلى التقصير بعد الصلاة على التمام إلى قصد مسافة جديدة يشرع فيها‌

__________________

(١) في « رض » : مستنداً.

(٢) في « رض » : لا.

(٣) مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٠ ، بتفاوت يسير ، رسائل الشهيد الثاني : ١٩٠.

(٤) ليست في « رض ».

(٥) في « رض » : مستنداً.

(٦) مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٠ ، ٤٦١.

١٤١

القصر (١).

وأنت خبير بمنافاة هذا لما استجوده من كلام جدّي قدس‌سره ولو حملنا قول جدّي قدس‌سره على الخروج لمحلّ الترخّص قبل الصلاة يصير وجهاً ثالثاً لا تعرّض فيه لكلامه ، والإطلاق في مثله من شيخنا قدس‌سره وجدّي قدس‌سره غير لائق ، ولا وجدت عليه موافقاً ، على أنّ قول شيخنا قدس‌سره : بعد الصلاة. محلّ بحثٍ أيضاً ؛ لأنّ الخروج إلى محل الترخّص من دون قصد مسافة قبل الصلاة لو أوجب القصر ( لكان لقصد ) (٢) المسافة ، والحال أنّه قد يقصد العود إلى محل الإقامة ثم السفر ، والذهاب حكمه غير الإياب في غير محل الإقامة ( أمّا محل الإقامة ) (٣) فيحتاج إلى دليل ، فإن كان الدليل تحقّق السفر فإذا خرج حال الإقامة بالأخبار بقي ما عداه إذا خرج عنها أمكن أن يقال : إذا انقطع السفر بنيّة الإقامة يتوقف الحكم بالتقصير على الدليل ، وما دلّ على الصلاة إنّما هو فيما إذا قصد المسافة لا مجرّد الخروج.

وشيخنا قدس‌سره لا يقول به أيضاً ، وإن كان في خبر أبي ولاّد الآتي (٤) نوع دلالة على مجرّد الخروج ، إلاّ أنّ جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد فيما أظن ذكر أنّ أبا ولاّد كان من أهل الكوفة ( فخروجه من المدينة كان بقصد الكوفة ) (٥) لا مجرّد الخروج ، كما ستعلمه من الرواية (٦) ، وإن كان في هذا نوع تأمّل ، إلاّ أنّ المقصود من عدم القول به حاصل ، فليتأمّل هذا فإنه مهمّ ، وقد قدّمنا في كلام العلاّمة من الإقامة في الرستاق ما يغني عن‌

__________________

(١) مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٠ ، ٤٦١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) في ص ١١٦٤.

(٥) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٦) روض الجنان : ٣٩٤.

١٤٢

الإعادة ، وسيأتي إن شاء الله بقيّة المباحث المتعلّقة بإقامة العشرة في الباب الآتي.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذكره الشيخ في الخبر الدالّ على إقامة الخمسة لا يخلو من وجه ، وإن بَعُد عن الظاهر.

وما اعترض به عليه شيخنا أيّده الله في فوائده على الكتاب : من أنّ استحباب الإتمام لإقامة خمس مطلقاً لا مقتضي له إلاّ بعض القياسات المردودة ، ووجوب الإتمام بها يعني الخمسة فيهما يعني في مكة والمدينة لا يتوجه ؛ لمخالفة الروايات ، فالذي ينبغي : الحمل على تأكّد الاستحباب فيهما يعني مكة والمدينة.

لا يخلو من وجه في جهة مكة والمدينة ، أمّا القياسات فلا أعلم وجهها ، على أنّ في مكة والمدينة لا مانع من حمل الشيخ ؛ لدلالة الأخبار على ما يقتضي التخيير جمعاً ، وإن كان فيها من جهة الأسانيد كلام ، وكذلك من غيرها أيضاً ، لكن المماشاة مع الشيخ يقتضي أن يكون حمله على وجوب التمام في الموضعين حتماً مع إقامة الخمسة متوجّهاً.

أمّا ما قاله شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب : من أنّ هذه الرواية يعني رواية أبي أيوب لا تدلّ صريحاً على الإتمام بنيّة الخمسة ، بل ولا ظاهراً ؛ إذ من المحتمل عود الإشارة بذلك إلى ما ذكره أوّلاً من إقامة العشرة ، ولو كانت صريحة لوجب حملها على التقيّة ؛ لأنّ ذلك قول جمع من العامّة.

فمحلّ تأمّل ؛ لأنّ الظاهر من الرواية خلاف ما ذكره من حيث إنّ قول أبي أيوب : يكون أقلّ من خمس ، فقال عليه‌السلام : « لا » يدل على أنّ أبا أيوب‌

١٤٣

فهم عود الإشارة إلى الخمسة ، والإمام عليه‌السلام أقرّه على ذلك كما لا يخفى.

ثم ما ذكره من التقيّة هو أعلم به ، فإنّ الذي وقفت عليه من كلام بعضهم أقلّ من خمسة (١) ، هذا.

والمنقول عن ابن الجنيد القول بوجوب الإتمام إذا نوى خمسة (٢). والعلاّمة في المنتهى ادّعى الإجماع على أنّ نيّة إقامة ما دون العشرة لا توجب التمام كما نقل عنه (٣). ولا يخفى أنّ خبر أبي أيوب لو صحّ أو عمل بالحسن فالتخيير في إقامة الخمسة ممكن ، والإجماع من العلاّمة محلّ كلام.

قوله :

باب المسافر يقدم البلد

ويعزم على المقام عشرة أيّام ثم يبدو له.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي ولاّد الحنّاط قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّي كنت نويت حين دخلت المدينة أن أُقيم بها عشرة أيّام وأُتمّ (٤) الصلاة ، ثم بدا لي بعدُ أن [ لا ] (٥) أُقيم‌

__________________

(١) منهم ابن قدامة في المغني ٢ : ١٣٣ ، والجزيري في الفقه على المذاهب الأربعة ١ : ٤٧٩.

(٢) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٣٦.

(٣) المنتهي ١ : ٣٩٦ ، وحكاه عنه في المدارك ٤ : ٤٦٢.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٥١ : فأتم.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من التهذيب ٣ : ٢٢١ / ٥٥٣.

١٤٤

بها فما (١) ترى لي (٢) أُتمّ أم أُقصّر؟ فقال : « إن كنت دخلت المدينة صلّيت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك أن تقصّر حتى تخرج منها ، وإن (٣) كنت حين دخلتها على نيّتك التمام فلم تصلّ فيها صلاة فريضة واحدة بتمام حتّى بدا لك أن لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار إن شئت فانو المقام عشراً وأتمّ وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين شهر ، فإذا مضى لك شهر فأتمّ الصلاة ».

فأمّا ما رواه سعد ، عن أبي جعفر ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن حمزة بن عبد الله الجعفري قال : لما أن نفرت من منى نويت المقام بمكة فأتممت الصلاة ، ثم جاءني خبر من المنزل فلم أجد بدّاً من المصير إلى المنزل ولم أدر أُتمّ أم (٤) أُقصّر ، وأبو الحسن عليه‌السلام يومئذٍ بمكة ، فأتيته فقصصت عليه القصّة فقال : « ارجع إلى التقصير ».

فالوجه في هذا الخبر أنّه إنّما أمره بالرجوع إلى التقصير لأنّه لم يكن بعد صلّى (٥) شيئاً من الصلوات الفرائض ، فلمّا تغيّرت نيّته كان فرضه التقصير حسب ما فصّله في الخبر الأول ، ويكون قول السائل : وكنت أتممت. محمولاً على النوافل دون الفرائض ، لأنّ الذي يراعى فيه أن يكون صلّى صلاة واحدة فريضة على التمام ، فحينئذٍ يجب عليه التمام بقيّة مقامه على ما بيّن في الخبر الأول.

__________________

(١) في « رض » زيادة : التي.

(٢) ليست في « رض ».

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٣٨ / ٨٥١ : فإن.

(٤) في « رض » : أو.

(٥) في الاستبصار ١ : ٢٣٩ / ٨٥٢ : صلى بعد.

١٤٥

السند‌ :

في الأول : لا ارتياب فيه ، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى على ما تقدّم (١).

والثاني : فيه حمزة بن عبد الله الجعفري وهو غير مذكور فيما رأيت ، والبرقي تقدّم القول فيه (٢).

المتن :

في الأول : يدل على أنّ من بدا له عدم الإقامة [ قبل (٣) ] الصلاة المذكورة يلزمه التقصير ما لم ينو مقام عشرة غير الاولى ، وقد أسلفنا القول في أنّ مجرّد الخروج إلى غير المسافة ما حكمه (٤) ، وذكرنا ما قاله جدّي قدس‌سره في توجيه هذا الخبر ، وقد ذكرته في حاشية الروضة (٥) ، والحاصل أنه لا يبعد أن يكون قوله : ثم بدا لي. يريد به المسافة ، ولو حمل على أنّه بدا له الخروج مطلقاً ، فالمنافاة حاصلة لما يستفاد من الأخبار الدالّة على أنّ نية إقامة العشرة قاطعة للسفر ، فيحتاج العود إلى التقصير بمجرّد الخروج إلى الدليل.

وهذه الرواية لما كانت غير صريحة بسبب احتمال إرادة الخروج إلى‌

__________________

(١) في ص ٦٦.

(٢) في ص ٣٢.

(٣) في النسخ : بعد ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) راجع ص ١١٦٠ ١١٦٢.

(٥) راجع ص ١١٦٠.

١٤٦

الكوفة لأنّ الراوي كوفيٌّ كما قاله قدس‌سره في شرح الإرشاد (١) أمكن أن يقال : بعدم الخروج عن ما دلّ على انقطاع السفر بنيّة إقامة العشرة ، وإن كان ما ذكره قدس‌سره محلّ تأمّل ؛ لاحتمال قطع النظر عن الكوفة وقصد غيرها ممّا ليس بمسافة.

والذي يظهر لي من كلامه قدس‌سره وجود الخلاف في المسألة مع عدم الصلاة ، لأنّه قال : ويحتمل اشتراط المسافة بعد ذلك لإطلاق النص والفتوى بأنّ نيّة الإقامة تقطع السفر فيبطل حكم ما سبق ، كما لو وصل إلى وطنه ، وبما قلناه (٢) أفتى الشهيد في البيان (٣).

وهذا الكلام كما ترى صريح في تحقق الخلاف ، غير أنّ ما ذكره من إطلاق النص والفتوى محلّ بحث ؛ لأنّ من النصوص خبر أبي ولاّد ، وإطلاقه ينافي ما ذكره ، والفتوى كذلك.

وبالجملة فالمقام لا يخلو من إشكال ، وما وجدت من تعرّض لتحقيقه من المتأخّرين ، وكلام جدّي قدس‌سره فيه لا يخلو من اضطراب بالنسبة إلى ما قدّمناه عن قريب (٤) وهذا الكلام.

وأمّا ما تضمّنه الخبر من صلاة فريضة واحدة بتمام فالظاهر منه إرادة التمام فيما يقصّر في السفر ، وقد يدّعى إرادة تمام الفريضة بمعنى الفراغ منها فلا يكفي الدخول في ركوع الثالثة ، وفيه تأمّل ؛ لأنّ الظاهر من التمام ما قابل القصر ، وقد ذكرت في حاشية الفقيه احتمال أن يقال : بأنّ ظاهر الرواية كون صلاة الفريضة بتمام يوجب ما ذكر ، لا نيّة الإقامة والصلاة ،

__________________

(١) روض الجنان : ٣٩٤.

(٢) في المصدر : اخترناه.

(٣) روض الجنان : ٣٩٤ ، وهو في البيان : ٢٦١.

(٤) راجع ص ١١٦٢.

١٤٧

( فلو نوى ) (١) في الأثناء دخل في الرواية ، وكذا لو تقدّمت نيّة الإقامة ثم صلّى.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره من أنّ الحكم في الرواية وقع معلّقاً على من صلّى فرضاً تماماً بعد نيّة الإقامة (٢). محلّ تأمّل على الإطلاق ، والتسديد بما قلناه.

ويستفاد من الخبر اعتبار صلاة الفريضة ، فلا يكفي النافلة المختصة بالفريضة المقصورة ، كما أنّه يستفاد اعتبار فعل الفريضة ، فلو اتفق عدم فعلها حتى مضى (٣) الوقت فلا تأثير لثبوتها ( في الذمّة ) (٤) وينقل عن العلاّمة في التذكرة أنّه يبقى على التمام والحال هذه ؛ لاستقرار الفائت في الذمّة (٥). وفيه ما لا يخفى.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة في جملة من كتبه ألحق الشروع في الصوم بالصلاة بشرط كون الصوم مشروطاً بالحضور (٦). وجدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد قوّى ذلك ، واحتجّ عليه بوجوه (٧) لا يخلو من طول ، واعترض عليه شيخنا قدس‌سره في المدارك (٨) ، وقد أوضحت الحال في المقام في حاشية الروضة.

والذي لا بدّ من ذكره هنا على سبيل الإجمال أنّ حاصل استدلال جدّي قدس‌سره بأنّه لو فرض أنّ هذا الصائم لو سافر بعد الزوال فإمّا أن يجب‌

__________________

(١) بدل ما بين القوسين في « رض » : فلو صلى ونوى.

(٢) مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٦.

(٣) في « رض » : خرج.

(٤) بدل ما بين القوسين في « رض » : بالذمة.

(٥) نقله عنه في مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٤ ، وهو في التذكرة ٤ : ٤٠٧ ، ٤٠٨.

(٦) التذكرة ٤ : ٤١٠ ، والقواعد ١ : ٥٠ ، والتحرير ١ : ٥٦.

(٧) روض الجنان : ٣٩٥.

(٨) مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٥.

١٤٨

عليه الإفطار أو إتمام الصوم ، لا سبيل إلى الأوّل للأخبار الصحيحة (١) الدالة على المضي في الصوم الشاملة بإطلاقها أو عمومها لهذا الفرد ، فتعيّن (٢) الثاني ، وحينئذٍ فإمّا أن يحكم بانقطاع نيّة الإقامة وهو غير جائز إجماعاً ، إلاّ ما استثني من الصوم المنذور في الجملة ، فثبت الآخر ، وهو عدم انقطاع نيّة الإقامة ( سواء سافر بالفعل أو لم يسافر ، إذ لا مدخل للسفر في صحة الصوم وتحقّق الإقامة ) (٣) فإذا لم يسافر بقي على التمام.

والاعتراض أوّلاً : بأنّا لا نسلم إتمام الصوم والحال هذه ، وما أشار إليه من الأخبار غير صريحة فيه ولا ظاهرة ، إذ المتبادر منها تعليق الحكم بمن (٤) سافر من موضع لزمه فيه الإتمام ، وليس هذا منه ، فإنّه موضع النزاع.

وثانياً : على تقدير تسليم وجوب الإتمام لا نسلّم اقتضاء ذلك عدم انقطاع نيّة الإقامة ، واستلزام ذلك وقوع الصوم سفراً لا محذور فيه ؛ لوقوع بعضه في حال الإقامة ، ولأنّه لا دليل على امتناع ذلك.

وما قد يقال : من أنّه يلزم ذلك بعكس نقيض قوله عليه‌السلام : « إذا قصّرت أفطرت » يجاب عنه بأنّ هذا على تقدير تسليم عمومه يخصّ بالخبر المبحوث عنه الدال على أنّه مع عدم صلاة الفريضة يرجع إلى التقصير (٥). انتهى.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصح منه الصوم ب ٥.

(٢) في « رض » : فيتعين.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) في « د » : لمن.

(٥) مدارك الاحكام ٤ : ٤٦٥.

١٤٩

وهذا الاعتراض قد وجدته الآن لبعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله (١) وقد كنت ذكرت في الحاشية أنّ في نظري القاصر أبحاثاً في المقام :

الأوّل : ما ذكره من أنّ الروايات المتضمّنة لوجوب المضيّ غير صريحة ولا ظاهرة يشكل بأنّه قدس‌سره ذكر في كتاب الصوم ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا سافر الرجل في شهر رمضان إلى أن قال : فإذا دخل أرضاً قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة فعليه صوم ذلك اليوم » (٢) دلّ الخبر على أنّ إرادة الإقامة توجب الصوم ، فجواز الإفطار بالرجوع يحتاج إلى دليل ، ومنطوق قوله عليه‌السلام : « إذا قصّرت أفطرت » مع ظاهر الخبر الدال على الصلاة يشكل بأنّ تخصيصه بغير الصوم ليس بأولى من تخصيص حديث « إذا قصّرت أفطرت » به كما خصّصوه بمواضع.

واحتمال أنّ يقال : إنّ حديث ابن مسلم شامل لما قبل الزوال. لا يضرّ بالحال ؛ إذ لا مانع من تخصيصه ، وبقيّة ما قد يتوجّه في المقام مذكور في الحاشية.

الثاني : قوله : لوقوع بعضه في حال الإقامة ولأنّه ، إلى آخره. يشكل بأنّ الظاهر من قوله : ولأنّه ، المغايرة لما قاله من وقوع البعض في حال الإقامة ، وكون الوقوع كافياً في الصحّة إن أُريد به مجرّد الاحتمال نظراً إلى الاكتفاء به في المنع فله وجه ، إلاّ أنّه لا يقول به بل يحكم بالإفطار ، ووقوع البعض من الصوم لو أثّر في الصحة لاحتاج إلى الدليل ، وقد اعترف بأنّ الأخبار الدالّة على البقاء في الصوم لا تتناوله ، ولو نظرنا إلى الأخبار الدالّة‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٤١٣ ٤١٤.

(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٩ / ٦٧٢ ، الوسائل ١٠ : ١٨٥ أبواب من يصحّ منه الصوم ب ٥ ح ١.

١٥٠

على البقاء على الصوم بعد الزوال وأنها متناولة نافى ما نفاه أوّلاً ، والأخبار قد نقلناها مفصّلة وسيأتي إن شاء الله.

الثالث : ما ذكره : من أنّ العموم مخصوص على تقدير تسليم العموم. فيه أوّلاً : أنّه قد صرّح بعمومه في سفر الصيد ردّاً على الشيخ كما أسلفناه ، وأشرنا إلى أنّ إفادة « إذا » العموم محلّ تأمّلٍ (١) ، وظاهر كلامه هنا التوقف ، فلا يتم الاستدلال هناك. وثانياً : أن كلاًّ من الروايتين قابل للتخصيص ، والترجيح (٢) لا بدّ له من مرجّح ، هذا مجمل ما ذكرته في الحاشية.

ثم إنّي لمّا وجدت الآن كلام من أشرنا إليه رأيته زاد في الاعتراض فإنّه قال : لو سلّمنا بقاء الحكم السابق ( في هذا اليوم في الصوم لدليل لا يستلزم البقاء ) (٣) في باقي الأزمنة [ في (٤) ] غيره أيضاً ، على أنّ فرض السفر ثم القياس عليه [ عدمه (٥) ] يعدّ لغواً ؛ إذ يكفي أن يقال : لا شكّ أنّه يجب عليه إتمام الصوم إذا صام صحيحاً مطلقاً ، إلاّ ما استثني وما نحن فيه ليس منه ؛ للآية (٦) والأخبار (٧).

نعم يمكن حينئذٍ أن يقال : إذا وجب الصوم وجب إتمام الصلاة في هذا اليوم لعكس نقيض ما في الخبر الصحيح ، فسقط المنع ، وإذا وجب الإتمام في هذا اليوم وجب في الثاني ما دام باقياً ؛ لعدم الواسطة. ويمكن‌

__________________

(١) راجع ص ١١٥٥.

(٢) في « د » : الترجح.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٥) ما بين المعقوفين أثبتناه من المصدر.

(٦) محمّد ( ص ) : ٣٣.

(٧) راجع ص ١٤٣.

١٥١

دفعه بمنع كليّة الأصل ، وسند المنع قصر الصلاة مع وجوب إتمام الصوم لمن خرج بعد الزوال (١). انتهى.

ولقائل أن يوجّه كلام جدّي قدس‌سره بما قدّمناه من دلالة بعض الأخبار (٢).

وما قيل : من أنّ ذكر السفر لغو (٣). فيه أنّ فرض السفر محتاج إليه في الاستدلال من حيث إنّه إذا لم يصلّ الفرض فهو مسافر ويلزمه حكم السفر من الإفطار ، وحينئذٍ يتوجه المحذور الذي قاله جدّي قدس‌سره وعكس النقيض في الخبر لا يدفع ما قاله المعترض ، لجواز تخصيصه بتقدير العموم.

والعجب أنّه قال في منع العموم : بأنّ « إذا » مهملة وإن فهم منها العموم عرفاً (٤). والحال أنّ الثبوت في العرف يقتضي أنّها كذلك لغةً ، لأصالة عدم النقل ، كما في كثير من مسائل الأُصول ، إلاّ أن يقال : إنّ أهل اللغة صرّحوا بالإهمال. وفيه ما فيه.

وإذا تمهّد هذا فاعلم أنّ الخبر المبحوث عنه فيه دلالة على عدم تعيّن التمام في المدينة. وما قد يظن من تناوله لمن صلّى واحدة بالتمام ناسياً لنيّة الإقامة أو لكونه مسافراً ، أو صلّى تماماً لشرف البقعة ، محلّ تأمّل.

وأمّا الخبر الثاني : فما ذكره الشيخ في توجيهه لا يخلو من بُعد ، لكن لا بدّ منه. واحتمال أن يراد بقوله : فأتممت الصلاة. أي نويت إقامة توجب الإتمام بعيد أيضاً ، كما أنّ احتمال أن يكون الإتمام بمكة لا تنافي‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ٣ : ٤١٤ ، بتفاوت يسير.

(٢) راجع ص ١١٦٨.

(٣) كما في مجمع الفائدة ٣ : ٤١٤.

(٤) أي الأردبيلي في مجمع الفائدة ٣ : ٤١٤.

١٥٢

التقصير لاحتمال كون منزله مسافة من (١) مكة ، بعيد أيضاً من حيث إنّ الظاهر من الرواية الرجوع إلى التقصير في مكة ، لكن احتمال أن يراد بالرجوع نفس التقصير بعد الخروج لا بُعد فيه ، وضرورة الجمع لا تأبى هذا. أمّا احتمال كون الإتمام بمكة لا يؤثّر بخلاف غيرها من حيث إنّ مكة يجوز فيها التمام تخييراً. ففيه أنّ المدينة نحوها ، وقد تضمّن خبر أبي ولاّد اتحاد المدينة مع غيرها من البلاد ، واختصاص مكة على (٢) المدينة محلّ تأمّل.

واحتمل شيخنا أيّده الله في فوائد الكتاب الحمل على إقامة الخمسة ويكون الإتمام على وجه الاستحباب ، وهو لا يوجب لزوم الإتمام. ولا يخلو من وجه ، لكن لو قلنا بوجوب الإتمام بإقامة الخمسة لا مانع أيضاً من كون الإتمام لا يوجب عدم القصر بعد الرجوع ؛ لأنّ ما دلّ على الوجوب (٣) وهو خبر أبي ولاّد تضمّن إقامة العشرة ، فليتأمّل.

قوله :

باب المسافر يدخل عليه الوقت فلا يصلّي حتى يدخل إلى أهله ، والمقيم يدخل عليه الوقت فلا يصلّي حتى يخرج.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن عليّ بن حديد ، والحسين ابن سعيد ، عن حمّاد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم‌

__________________

(١) في « رض » : عن.

(٢) في « فض » و « د » : عن.

(٣) في « فض » و « د » : الرجوع.

١٥٣

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق؟ قال (١) : « يصلّي ركعتين ، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصلّ أربعاً ».

محمد بن يعقوب ، عن معلّى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء قال : سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : « إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتمّ ، فإذا خرجت بعد الزوال فقصّر العصر ».

أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن داود بن فرقد ، عن بشير النبّال قال : خرجت مع أبي عبد الله عليه‌السلام حتى أتينا (٢) الشجرة فقال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : « يا نبّال » قلت : لبيك ، قال : « إنّه لم يجب على أحد من أهل هذا العسكر أن يصلّي أربعاً غيري وغيرك ، إنّه دخل وقت الصلاة قبل أن نخرج ».

السند‌ :

في الأول : فيه محمد بن قولويه وقد قدّمنا القول فيه (٣) ، وعليّ بن حديد لا يضرّ بالحال كما هو واضح ، وأبو جعفر أحمد بن محمد ابن عيسى كما أسلفناه (٤).

والثاني : فيه معلّى بن محمد وهو ضعيف ، ولا يخفى أنّ محمد بن يعقوب إنّما يروي عنه بواسطة الحسين بن محمد الأشعري ، لكن الشيخ ترك الواسطة إمّا للعلم بها ، وإمّا للغفلة عن عادة الكليني من البناء على‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٣٩ / ٨٥٣ : فقال.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٥ ، زيادة : مسجد.

(٣) في ص ٨١.

(٤) في ص ٦٨ ٢٦.

١٥٤

الاسناد السابق ، فإنّه كثيراً ما يفعل هذا في الكافي اعتماداً على السند السابق ، بل قد يترك أكثر من واسطة (١).

والوالد قدس‌سره جزم بأنّ الشيخ لم يتنبّه لهذا. وأظنّه بعيداً ، بل الظاهر أنّ الترك للمعلوميّة. وأمّا الوشّاء فقد كرّرنا القول فيه (٢).

وأمّا الثالث : ففيه ابن فضّال وبشير النبّال ، أمّا الأوّل : فاحتمال كونه الحسن له قرب ، واحتمال غيره من وُلد فضّال في حيّز الإمكان ، والحسن قد قدّمنا القول فيه (٣) ، أمّا غيره ففيهم من ليس بموثّق مع كونه فطحيّاً. وأما الثاني : فهو مذكور مهملاً في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٤).

المتن :

في الأول : وإن كان ظاهره فعل الصلاة في الحضر اثنتين إذا شرع في السفر (٥) وقد دخل الوقت ، و (٦) فعلها أربعاً في السفر إذا خرج بعد دخول الوقت في الحضر ، لكن بعد وجود المعارض يمكن الحمل على فعل الأربع والإثنتين قبل الخروج وقبل الدخول ، وإن كان بعيداً عن الظاهر ، مع الاحتمال الذي يأتي من التخيير ، وربما يؤيّد ما قلناه الثاني ، فإن قوله عليه‌السلام : « وأنت تريد السفر فأتم » يدل على أنّ التمام قبل الخروج وإن احتمل التمام بعد الخروج كما ظنّه الشيخ.

وأمّا الثالث : ففيه ظهور أنّ الاعتبار في حال الخروج بوقت‌

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٢٢٤ / ٥٦٢.

(٢) راجع ص ١١١.

(٣) راجع ص ٣٨٠ ، ١١٥٣.

(٤) رجال الطوسي : ١٥٦ / ١٧.

(٥) كذا في النسخ ، والظاهر ان المراد القدوم من السفر.

(٦) في النسخ زيادة : على ، حذفناها لاستقامة العبارة.

١٥٥

الوجوب ، لكن مع وجود المعارض وصلاحيّته للاعتماد يمكن توجيهه بالتخيير ، وإن كان لفظ الوجوب على الإطلاق يأباه ، إلاّ أنّ المعارض يقتضي العدول عن ظاهره.

قوله :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يدخل (١) وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أُصلّي حتى أدخل أهلي؟ فقال : « صلّ وأتمّ الصلاة » قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أُريد السفر فلا أُصلّي حتى أخرج؟ فقال : « فصلّ وقصّر فإن لم تفعل فقد خالفت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ».

فلا ينافي ما قدّمناه من الأخبار ، لأنّ الوجه في الجمع بينهما أنّ من دخل من سفره وكان الوقت باقياً بمقدار ما يتمّ صلاته كان عليه التمام ، وإن خاف الفوت كان عليه التقصير ، وكذلك من خرج إلى السفر وخاف الوقت أن ينقضي قَصَّرَ وإن كان عليه الوقت تَمَّمَ ، والذي يدل على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عن حمّاد بن عثمان ، عن إسحاق بن عمّار قال : سمعت أبا الحسن عليه‌السلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمم (٢) ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٦ زيادة : عليّ.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٤٠ / ٨٥٧ ، فليتم.

١٥٦

عنه ، عن محمد بن الحسين ، ( عن الحكم بن مسكين ) (١) عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة ، فقال : « إن كان لا يخاف خروج الوقت فليتمّ (٢) ، وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصّر ».

ويحتمل أن يكون الإتمام توجه (٣) إلى من دخل عليه الوقت وهو مسافر فدخل أهله ، على وجه الاستحباب ، دون الفرض والإيجاب. يدل على ذلك :

ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عبد الحميد ، عن سيف بن عميرة ، عن منصور بن حازم قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا كان (٤) في سفر فدخل وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله ، فسار حتى يدخل أهله ، فإن شاء قصّر وإن شاء أتمّ وإن أتمَّ أحبّ إليّ ».

السند‌ :

في الأول : فيه إسماعيل بن جابر وهو الجعفي ، وقد قدّمنا أنّ فيه كلاماً (٥).

والثاني : ليس فيه إلاّ إسحاق بن عمّار ، وهو موثّق بسببه عند المتأخّرين ، وقد أسلفنا القول فيه من حيث إنّ النجاشي لم يذكر القدح فيه‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) في « د » : فليتمم.

(٣) في « فض » و « رض » : يتوجه.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٤١ / ٨٥٩ زيادة : الرجل.

(٥) راجع ص ٧٠١.

١٥٧

من جهة المذهب (١).

والثالث : فيه الحكم بن مسكين وهو مجهول الحال ، لكنه مذكور في الرجال (٢) ، وفيه أيضاً الإرسال.

والرابع : فيه محمد بن عبد الحميد ، وقد قدّمنا ما قاله جدّي قدس‌سره فيه من احتمال التوثيق لأبيه من عبارة النجاشي (٣) ، وكذلك بقية الرجال قد مضى القول فيها.

المتن :

في الأول : محتمل لأنّ يكون قوله عليه‌السلام : « فإن لم تفعل فقد خالفت » إلى آخره. عائداً إلى الصورة الثانية ، أو إلى الصورتين ، ومع الاحتمال لا يتمّ ما قيل : من أنّ الرواية مشتملة على التأكيد فيقدّم على غيرها مطلقاً مع التعارض (٤). على أنّا قدّمنا احتمالاً في الأخبار السابقة ربما يضعف معه عن المعارضة. لا ما قاله شيخنا قدس‌سره من أنّ رواية ابن مسلم غير صريحة ، وإن (٥) كانت صريحة لأمكن الجمع بينها وبين الروايات بالتخيير بين القصر والتمام (٦) (٧). لأنّ الحمل لا يتوقف على الصراحة بل الظهور كاف.

والحمل على التخيير مع التأكيد في رواية إسماعيل إذا عاد إلى الأخير‌

__________________

(١) راجع ص ١٤٦.

(٢) ذكره النجاشي في رجاله : ١٣٦ / ٣٥٠ ، والشيخ في رجاله : ١٨٥ / ٣٤٢ ، وفي الفهرست : ٦٢ / ٢٣٧ بعنوان : الحكم الأعمى.

(٣) راجع ص ١٥١.

(٤) كما في مجمع الفائدة ٣ : ٤٣٧.

(٥) في « رض » : ولو.

(٦) في « رض » : والإتمام.

(٧) مدارك الأحكام ٤ : ٤٧٨.

١٥٨

مشكل إلاّ بتقدير إرادة عدم الفعل على وجه التعيين ، ولو عاد إلى الصورتين كذلك ، وفي المعتبر أنّ رواية إسماعيل بن جابر أشهر في العمل (١).

أمّا حمل الشيخ فله وجه لو دلّ عليه دليل ، وما ذكره من الروايتين خاصّ بمن يقدم من سفره.

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الجمع بين الأخبار بما ذكره للتعارض ، وإن لم يوجد ما يدل عليه من كل وجه ، والروايتان مؤيّدتان ( للجمع.

وفيه ) (٢) أنّ الجمع لا ينحصر فيما ذكر ، بل التخيير ممكن كما ذكره الشيخ ، وإن كان كلامه يقتضي الانحصار (٣) فيمن قدم من السفر.

والتعبير بالاستحباب دون الفرض والإيجاب يريد به كون التمام أحد الفردين الواجبين ، وإنّما كان مستحباً لكونه أكمل الفردين ، والمقرّر في كلام بعض الأصحاب أنّ الوجوب التخييري لا ينافي الاستحباب العيني (٤).

ولشيخنا قدس‌سره إشكال في مثل هذا المستحب من حيث إنّ الواجب لا يجوز تركه إلاّ إلى بدل ، بخلاف المستحب فإنّه يجوز تركه مطلقاً ، والحال أنّ هذا المستحب لا يجوز تركه إلاّ إلى بدل ، فلا يكون المستحب المقرّر في الأُصول.

وقد ذكرت الجواب عنه في محل آخر ، والحاصل أنّ المستحب هو الفرد الكامل ، وهو لا بدل له ، إنّما البدل لأصل الواجب ، وحينئذ يتم الاستحباب الأُصولي.

وإذا عرفت هذا فلنعد إلى مقصود الشيخ فنقول : إنّ كلامه ظاهر في‌

__________________

(١) المعتبر ٢ : ٤٨٠.

(٢) بدل ما بين القوسين في « د » : بالجمع فيه.

(٣) في « رض » : الاختصاص.

(٤) كالمحقق في المعتبر ٢ : ٤٨٠ و ٦٧٣.

١٥٩

أنّ التخيير ليس في الفردين ، فحينئذ لو سافر بعد دخول الوقت لا يكون الإتمام أفضل ، لكن هو مخيّر بينهما على حدٍّ سواء لم يظهر من كلامه ذلك ، إلاّ أنّ الجمع بين الأخبار بالتخيير مطلقاً محتمل ، وقد يستفاد من خبر إسماعيل على تقدير عود التأكيد إليهما أو إلى الأخير استحباب اختيار القصر ، أمّا استفادة استحباب التمام في القدوم منها فموقوف على الجزم بعود التأكيد إليهما.

وظاهر الشيخ كما ترى استفادة الاستحباب من رواية إسماعيل ، وكأنّه ليس من حيث التأكيد ، بل من حيث إنّ فعل الأربع لا يساوي فعل الثنتين (١) ، إذ ( خير الأعمال أحمزها ) (٢) ، وغير خفي أنّ هذا يستلزم استحباب الأربع بعد الخروج ، إلاّ أن يقال : إنّ ظاهر التأكيد يعارضه. أما استدلال الشيخ بالرواية الأخيرة على الاستحباب فلا يخلو من تأمّل لولا ما قلناه.

وفي فوائد شيخنا قدس‌سره على الكتاب هذه الرواية يعني رواية إسماعيل ابن جابر صحيحة واضحة الدلالة على أنّ الاعتبار في التقصير والإتمام بحال الأداء ، فيتعيّن العمل بها ، [ ويؤيّدها (٣) ] عموم ما دلّ على أنّ فرض المقيم الإتمام والمسافر القصر (٤). وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ : وأيضاً في الصحيح عن عيص بن القاسم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلاة في السفر ثم يدخل بيته قبل أن يصلّيها (٥)؟ قال‌

__________________

(١) في « رض » : الاثنين.

(٢) مأخوذ من حديث نبوي معروف رواه ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راجع النهاية لابن الأثير ١ : ٤٤٠ ( حمز ).

(٣) في النسخ : ويؤيد بها ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) الوسائل ٨ : ٤٩٨ أبواب صلاة المسافر ب ١٥.

(٥) في « رض » : يصلي.

١٦٠