إستقصاء الإعتبار - ج ٤

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-176-1
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٥٠

صفوان ، وابن أبي عمير في الفهرست (١). وفي النجاشي فضالة (٢) وعلي بن الحكم على احتمال ، فمرتبته فيها نوع بُعد عن أحمد بن محمد بن عيسى.

والثالث : لا ارتياب فيه.

المتن :

في الأوّل : ظاهر (٣) في أنّ الجابي لا يقصّر الصلاة إذا دار في جبايته ، فلو انتقل إلى غيرها لم يلحقه الحكم ، وكذلك الأمير والتاجر ، إلاّ أنّ الاختصاص في التاجر من سوق إلى سوق غير معلوم ، وأمّا الراعي والبدوي فالوصفان لا يبعد أن يرجع إليهما ، ويجوز إرجاع كلّ وصف إلى واحد ، وعلى كلّ حال يمكن فيهما ما قدّمناه.

وقد صرّح بعض الأصحاب بنحو هذا الاحتمال في الأخبار الآتية الدالة على أنّ المكاري والجمّال إذا جدّ بهما السير يقصّران ، حيث قال : يحتمل أنّ المكاري والجمّال إذا أنشآ سفراً غير صنعتهما (٤). وإن كان في كلامه تأمّل نذكره إن شاء الله (٥) فيما يأتي (٦).

ولعلّ المراد في قوله : « والمحارب الذي يقطع السبيل » القصد إلى قطع السبيل ، وهذه الرواية وإن كان في ظاهر الحال ثمرة الكلام فيها غير ظاهرة بعد ما قلناه في السند ، إلاّ أنّ رواية الصدوق لها تقتضي المزيّة كما‌

__________________

(١) الفهرست : ٦٠ / ٢٢٦.

(٢) رجال النجاشي : ١٣٣ / ٣٤٠.

(٣) في « د » : ظهور.

(٤) الذكرى : ٢٥٨.

(٥) في « رض » زيادة : تعالى.

(٦) في ص ١١٣٩.

١٠١

قدّمناه (١) ، وفي الفقيه : « والذي يطلب مواضع القطر » (٢) وكأنّ ما هنا أظهر ، مع احتمال توجيه ما في الفقيه.

وأمّا الثاني : فهو كما ترى دالّ على أنّ المذكورين ليس عليهم التقصير في سفرهم ، لكن لا يبعد أن يكون المراد بسفرهم السفر المخصوص ، فلو سافر الملاّح في غير صنعته والمكاري والجمّال كذلك لم يلزمه الحكم.

فإن قلت : القيد إنّما هو للملاّحين فمن أين شموله للباقين؟

قلت : المتبادر في مثل هذا أن يكون للجميع ، والاكتفاء بذكر القيد أوّلاً عن إعادته.

وفي الكافي ذكر الرواية ، عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « ليس على الملاّحين في سفينتهم تقصير ، ولا على المكاري والجمّال » (٣) وهذه الرواية كما ترى تدل على اختصاص الملاّحين بالسفينة ، بل على اختصاصهم (٤) بسفينتهم ، إلاّ أنّ الظاهر عدم اعتبار الاختصاص الثاني.

ثمّ إنّ المكاري والجمّال فيها غير مقيّدين إلاّ بأنّ يقدّر فيهما نحو ما في الملاّحين ، فهي وإن كانت بالنسبة إلى الملاّحين لها نوع تخصيص ، إلاّ أنّها بالنسبة إلى غيرهم لا يخلو من إجمال.

وأمّا الثالث : فلفظ « قد » فيه كأنّ المراد بها التحقيق لورودها لذلك (٥)

__________________

(١) راجع ص ١١٢٩.

(٢) الفقيه ١ : ٢٨٢ / ١٢٨٢ ، وفيه : والبدوي الذي يطلب مواضع القطر.

(٣) الكافي ٣ : ٤٣٧ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٤٨٥ أبواب صلاة المسافر ب ١١ ح ٤.

(٤) في « د » : الاختصاص.

(٥) في « د » : كذلك.

١٠٢

في المضارع ، وفي الفقيه غير موجود (١) ، ثمّ إنّه واضح الدلالة من حيث التعليل بأنّه عملهم على أنّ من كان السفر عمله وجب عليه التمام ، لا مطلق كثرة السفر ، كما هو مذكور في كلام المتأخّرين ، وعرّفوا كثير السفر بأنّه الذي يسافر إلى المسافة ثلاث سفرات لا يتخلل بينها حكم الإتمام ولا يقيم عشرة أيّام في بلده مطلقا وفي غيره مع النيّة. فإنّ استفادة ما قالوه من الأخبار محلّ تأمّل.

غاية الأمر أنّ التعليل في الخبر المذكور لا يخلو من إجمال ؛ لأنّه إن أُريد بالعمل المداومة على السفر أشكل بمداومة من لم يتّصف بالأوصاف المذكورة في الأخبار ، مع أنّ ظاهر الخبرين وغيرهما نوع اختصاص يمكن معه ادّعاء أنّ العلّة خاصّة بالمذكورين ، ولا ينافي ذكر الأربعة اختصاص خبر محمّد بن مسلم بثلاثة بعضها موافق ، وبعضها زائد ؛ لأنّ خبر ابن مسلم لا حصر فيه ، وذكر الأربعة محتمل لأنّ يكون لا للحصر.

وإن أُريد بالعمل تكرّر السفر وإن لم يكن مستداماً (٢) أمكن توجيه ما قاله المتأخّرون ، لولا ما يظهر من الأخبار أنّ لصدق الوصف في البعض مدخلاً وإن لم يتكرّر السفر ، إلاّ أن يقال : إنّ التكرّر إذا استفيد من الخبر المعلّل يقيّد به الخبر المطلق. وفيه : أنّ التقييد يقتضي ملاحظة الأمرين من الوصف والتكرّر والمتأخّرون لم يقيّدوا.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره بعد ذكر الرواية المعلّلة : إنّه يستفاد منها أنّ كلّ من كان السفر عمله يجب عليه الإتمام ، وينبغي أن يكون المرجع في ذلك إلى العرف (٣). محلّ نظر.

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٦.

(٢) في « د » زيادة : ما.

(٣) مدارك الأحكام ٤ : ٤٥٠.

١٠٣

وما ينقل عن ابن إدريس أنّه قال : يتحقق الكثرة بثلاث دفعات ، وأنّ صاحب الصنعة من المكارين والملاّحين يجب عليهم الإتمام بنفس خروجهم إلى السفر ؛ لأنّ صنعتهم تقوم مقام تكرّر من لا صنعة له ممّن سفره أكثر من حضره (١). فله نوع وجه ، غير أنّ ما قاله : من تكرّر من لا صنعة له. موقوف على الدليل ، ويستفاد من قوله أنّ المراد بالعمل في الخبر الصنعة.

وفي المختلف استقرب العلاّمة تعليق الإتمام في ذي الصنعة وغيره ممّن جعل السفر عادته بالدفعة الثانية إذا لم يتخلّل إقامة عشرة أيّام (٢). ولا يخفى أنّه مجرّد دعوى.

ومن عجيب ما اتّفق له أنّه نقل أوّلاً عن الشيخ في النهاية أنّه قال : لا يجوز التقصير للملاّح ، والمكاري ، والراعي ، والبدوي ، والذي يدور في جبايته ، والذي يدور في إمارته ، إلى أنّ قال ـ يعني الشيخ ـ : ومن كان سفره أكثر من حضره ، وهؤلاء كلّهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام ، فإن كان في بلدهم مقام عشرة أيّام وجب عليهم التقصير.

ثمّ قال العلاّمة : وأضاف الشيخ عليّ بن بابويه الاشتقان (٣).

إلى أن قال : وقال الشيخ في الجمل : ومن يلزمه الصوم في السفر عشرة ، وذكرهم ـ إلى أن قال ـ : ومن كان سفره أكثر من حضره ، وحدّه أن لا يقيم في بلده عشرة أيّام ، والمكاري ، والملاّح ، والبدوي ، والذي يدور في إمارته ، والذي يدور في تجارته. وهذا يشعر بأنّ كلّ واحد من هذه‌

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٣٢ ، وهو في السرائر ١ : ٣٣٩ ، ٣٤٠.

(٢) المختلف ٢ : ٥٣٢.

(٣) المختلف ٢ : ٥٢٩.

١٠٤

الأقسام أصل برأسه ، ولم يجعل كون السفر أكثر من الحضر ضابطاً.

إلى أن قال : وقال المرتضى : من كان سفره أكثر من حضره كالملاّحين والجمّالين ومن جرى مجراهم لا تقصير عليهم ، فجعل الضابط كون السفر أكثر من الحضر ، ولم يذكر ابن أبي عقيل هؤلاء أجمع ، بل عمّم وجوب التقصير على المسافر ، لنا : ما رواه إسماعيل بن أبي زياد ، وذكر الرواية الاولى.

ثمّ قال : وإسماعيل ابن أبي زياد ، إن كان هو السكوني فهو عامي ، وإن كان هو السلَمي ، فالحديث صحيحٌ. ثمّ ذكر صحيحة ابن مسلم وصحيح زرارة ـ إلى أن قال ـ : والضابط الذي ذكرناه من المقام عشرة أيّام [ جيّد ] شامل للجميع (١).

ووجه التعجب أُمور :

الأوّل : الظاهر من استدلاله أنّه [ اختار (٢) ] قول الشيخ في النهاية المذكور أوّلاً ، والأخبار ليس فيها مقام عشرة أيّام ، فقوله : والضابط الذي ذكرناه لا ندري (٣) أين هو؟.

الثاني : أنّ الأخبار لا تدلّ على كثرة السفر مطلقاً ، بل مع الصنعة على ما فصّلناه.

الثالث : ما نقله عن الشيخ في الجمل يقتضي كما قاله أنّ الأقسام أصل ، وشرط عدم إقامة العشرة إنّما هو لمن كان سفره أكثر من حضره ،

__________________

(١) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٢٩ ٥٣٠ ، وهو في النهاية : ١٢٢ ، والجمل والعقود ( الرسائل العشر ) : ٢١٥ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : حينئذ ، وما أثبتناه من المصدر هو الأنسب.

(٢) في النسخ : أخبار ، والظاهر ما أثبتناه.

(٣) في « رض » : لا يدري.

١٠٥

ودفع هذا بالأخبار لا وجه له ، بل هي مؤيّدة في الجملة.

الرابع : أنّ الاستدلال برواية إسماعيل ثمّ الترديد أخيراً غير لائق ؛ لأنّ الخبر مع الاشتراك ضعيف ، فأيّ وجه للابتداء به مع الترديد؟.

وعلى كلّ حال فحيث قد علمت من الأقوال للمتقدّمين أنّ ليس فيها إقامة العشرة في غير البلد مع النيّة فإطلاق المتأخّرين غير محرّر الدليل ، وما سيأتي من احتمال الاستدلال لهم بالخبر سنوضّح الحال فيه إن شاء الله تعالى.

وما تضمّنه الرابع من قوله : « بيوتهم معهم » يدلّ على أنّ الأعراب إذا تفرّدوا (١) عن بيوتهم في سفر لا يلحقهم الحكم ، وحينئذ فيه تأييد لما أسلفناه (٢) ، فليتأمّل.

اللغة‌

قال شيخنا ـ أيّده الله ـ : الجابي العامل الذي يجمع الصدقات. وقال الشهيد في الذكرى : الاشتقان ، أمين البيدر (٣) ، وفي المختلف : الكريّ هو المكاري ، وقيل : إنّه من أسماء الأضداد يكون بمعنى المكاري والمكتري (٤).

وفي فوائد شيخنا قدس‌سره : الكريّ المكتري ، ويقال : على المكاري ، والحمل على الأول أولى ؛ لأنّ العطف يُؤذن بالمغايرة.

__________________

(١) في « رض » : انفردوا.

(٢) راجع ص ١١٣٣.

(٣) الذكرى : ٢٥٨.

(٤) المختلف ٢ : ٥٢٩.

١٠٦

ولا يخفى أنّ الظاهر من كلام المختلف غير ما ذكره شيخنا قدس‌سره لأنّ الضدّ يراد به المكتري ( والمكتري لا يكون السفر عمله فكيف يحمل عليه؟ بل مراده بالمكتري من يكري نفسه كما فهمته منه قدس‌سره ولو حمل المكتري ) (١) على أنّه عمله كان بعيداً. وفي القاموس : الكريّ كغنيّ : المكاري. وفيه : الأعراب سكّان البادية (٢).

قوله :

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين ابن سعيد ، عن فضالة ، عن العلاء بن رزين ، عن محمّد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « المكاري والجمّال إذا جدّ بهما السير (٣) فليقصّرا ».

عنه ، عن أحمد ، عن الحسين ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن الفضل بن عبد الملك قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المكارين الذين يختلفون؟ فقال : « إذا جدّوا السير فليقصّروا ».

فالوجه في هذين الخبرين ما ذكره محمّد بن يعقوب الكليني رحمه‌الله قال : هذا محمول على من يجعل المنزلين منزلاً فيقصّر في الطريق ، ويتمّ في المنزل ، والذي يكشف عمّا ذكرناه :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن عمران بن محمد بن عمران الأشعري ، عن بعض أصحابنا رفعه (٤) إلى أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « رض ».

(٢) القاموس المحيط ٤ : ٣٨٥ ( كري ) و ١ : ١٠٦ ( العرب ).

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣٠ : السفر.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣٢ : يرفعه.

١٠٧

قال : « الجمّال والمكاري إذا جدّ بهما السير فليقصّرا فيما بين المنزلين ويتمّا في المنزل ».

فأمّا ما رواه سعد بن عبد الله ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن سيف بن عميرة ، عن إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الذين يكرون الدواب يختلفون كلّ أيّام (١) أعليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال : « نعم ».

عنه ، عن أبي جعفر ، عن أبيه ومحمد بن خالد البرقي ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن أبي إبراهيم عليه‌السلام قال : سألته عن المكارين الذين يكرون الدواب يختلفون كلّ أيّام كلّما جاءهم شي‌ء اختلفوا فقال : « عليهم التقصير إذا سافروا ».

عنه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن محمّد بن جزك قال : كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه‌السلام : أنّ لي جِمالاً ولي قوّاماً (٢) عليها ولست أخرج فيها إلاّ في طريق مكّة لرغبتي في الحجّ أو في الندرة إلى بعض المواضع فماذا (٣) يجب عليَّ إذا أنا خرجت معهم أن أعمل ، أيجب عليَّ التقصير في الصلاة والصيام في السفر أو التمام؟ فوقّع عليه‌السلام : « إذا كنت لا تلزمها ولا تخرج معها في كلّ سفر إلاّ إلى مكّة فعليك تقصير وإفطار ».

فالوجه في هذه الأخبار أنّ التمام إنّما يجب على هؤلاء إذا كان مقامهم خمسة أيّام فما دونها ، فأمّا إذا كان أكثر من ذلك فحكمهم حكم سائر النّاس من وجوب التقصير عليهم والإفطار.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٣٣ / ٨٣٣ : الأيام.

(٢) في النسخ : قوام ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٥.

(٣) في النسخ : فما ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ٢٣٤ / ٨٣٥.

١٠٨

السند‌ :

في الأوّل : لا ارتياب في صحّته.

والثاني : على ما قدّمناه (١) في أبان بن عثمان من أنّ العامل بالموثّق يلزمه أن يكون موثّقاً إلاّ بتقدير ثبوت اعتبار الإيمان في الجارح ، ومن لم يعمل به فهو صحيح عنده ؛ لأنّ الجارح له عليّ بن الحسن بن فضّال وهو فطحيّ ثقة ، والإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان كما نقله الكشي ـ (٢) ربما يفيد العمل بهذا الموثّق من الأخبار ، لا على أنّه صحيح بالمعنى المصطلح عليه ، فلو سمّي بالصّحة من حيث العمل كان جائزاً بالقرينة ، وقد قدّمنا (٣) تفصيل ذلك ، والإعادة ليكون على ذُكر. وأحمد هو ابن محمد بن عيسى ، والحسين : ابن سعيد.

والثالث : فيه عمران بن محمّد ، وهو ثقة في رجال الرضا عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٤) فقط ، وإرساله مع كونه مرفوعاً واضح.

والرابع : فيه محمد بن خالد الطيالسي وهو مذكور في الفهرست مهملا (٥). وكذلك في النجاشي (٦). وقد اتفق للشيخ أنّه ذكر في من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام من كتابه محمّد بن خالد الطيالسي ، ثم فيهم محمد بن خالد الطيالسي ، وفي رجال الكاظم عليه‌السلام محمّد بن خالد الطيالسي (٧). ولو لا‌

__________________

(١) في ص ١٣٠.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٣) راجع ص ٤١.

(٤) رجال الطوسي : ٣٨١ / ٢١.

(٥) الفهرست : ١٤٩ / ٦٣٤.

(٦) رجال النجاشي : ٣٤٠ / ٩١٠.

(٧) رجال الطوسي : ٣٦٠ / ٢٦ ، ٤٩٣ / ١١ ، ٤٩٩ / ٥٤.

١٠٩

أنّ الرواة عنه في الجميع متحدوا المرتبة لظنّ التعدّد ، فإنّ الراوي عنه في الفهرست محمّد بن علي بن محبوب (١) ، وفي الرجال فيمن لم يرو (٢) سعد ابن عبد الله مرةً وحميد في الأُخرى (٣) ، والنجاشي ذكر أنّ الراوي عنه حميد (٤).

ومن هنا يعلم أنّ الشيخ يكرّر الرجل بمجرّد رؤيته بوصف مغاير للوصف الآخر ، أو لكون الراوي عنه غير الراوي ( عن الآخر ) (٥) كما يعرف من مراجعة كتابه في الرجال حتى أنّه يظنّ اشتراك من ليس بمشترك ، ورُدّ كثير من الروايات بذلك ، حيث يذكر الرجل الثقة غير موثّق فيتوهّم المغايرة والاشتراك ، وللمارسة في هذا أثر بيّن يطّلع به على اتحاد كثيرٍ ممّن يظنّ تعدّده ، وقد نبّه الوالد قدس‌سره في المنتقى على جملة من ذلك ، ولو لا أنّه أغنانا عن بيانه لذكرناه. وأمّا سيف بن عميرة وإسحاق فقد كرّرنا ذكرهما (٦).

والخامس : فيه أبو جعفر وهو أحمد بن محمد بن عيسى على ما نقلناه سابقاً عن العلاّمة في الخلاصة من أنّه قال : إنّ الشيخ إذا روى عن سعد عن أبي جعفر فهو أحمد (٧). وذكرنا أنّ في الكافي حديثاً فيه : سعد ابن عبد الله عن أبي جعفر غير أحمد بن محمد. ولكنّ الظاهر من تتبّع روايات الشيخ أنّ مراده ما قال العلاّمة سيّما في مثل هذه الرواية.

__________________

(١) الفهرست : ١٤٩ / ٦٣٤.

(٢) في المصدر زيادة : علي بن الحسن بن فضال و.

(٣) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١١ و ٤٩٩ / ٥٤.

(٤) رجال النجاشي : ٣٤٠ / ٩١٠.

(٥) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٦) راجع ص ١٩١ و ١٤٦.

(٧) خلاصة العلاّمة : ٢٧١ ، الفائدة الثانية.

١١٠

وأمّا أبوه وهو محمّد بن عيسى الأشعري فقد أسلفنا (١) أنّه غير معلوم التوثيق ، إلاّ أن يكون ما قالوه فيه من : أنّه وجه الأشاعرة وشيخ القميّين (٢). يقتضيه ، مضافاً إلى ما أسلفناه عن أهل قم من أنّهم كانوا يخرجون من يتّهمونه بالرواية عن الضعفاء ، وضميمة محمّد بن خالد إليه إنّما تفيد لو خلا محمد بن خالد من الكلام ، وقد سلف ما فيه (٣).

وعبد الله بن المغيرة قد وثّقه النجاشي مكرّراً (٤) ، والكشي روى بسند فيه الشاذاني وابن فضال : أنّه كان واقفيّاً ورجع (٥). ولا يخفى عليك الحال. وقد تقدّم مع إسحاق بن عمّار أيضاً القول مفصّلاً (٦).

والسادس : فيه محمّد بن جزك وهو ثقة في رجال الهادي عليه‌السلام من كتاب الشيخ موصوفاً بالجمّال (٧).

المتن :

ما قاله الشيخ رحمه‌الله في الأوّل والثاني نقلاً عن الثقة الجليل محمد بن يعقوب جيّد لو ثبت دليله ، والرواية المستدلّ بها غير دالّة على ما ذكره صريحاً بتقدير صحّة السند ، إلاّ أن يُحْمَل التقصير الوارد في الخبرين على الطريق ، والإطلاق في مثلهما لا مانع من تقييده كما في سائر الإطلاقات ،

__________________

(١) راجع ص ٥٣.

(٢) كما في رجال النجاشي : ٣٣٨ / ٩٠٥ ، ورجال ابن داود : ١٨١ / ١٤٧٦ ، وخلاصة العلاّمة : ١٥٤ / ٨٣.

(٣) راجع ص ١١٣٧.

(٤) رجال النجاشي : ٢١٥ / ٥٦١.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٨٥٧ / ١١١٠.

(٦) راجع ص ١٠٤ و ١٤٦ و ٩٩.

(٧) رجال الطوسي : ٤٢٢ / ٧.

١١١

ولزوم الألغاز الذي يذكره شيخنا قدس‌سره كثيراً في مثل هذا ، يدفعه ما أسلفناه من جواز البيان للراوي وقت الحاجة.

نعم قد يشكل الحال بأنّ الراوي إذا بيّن له ذلك فكيف يجوز الإطلاق منه.

ويمكن الجواب بأنّه يجوز أن يكون الراوي ذكر ذلك في كتب الأُصول لكن لمّا تفرّقت الأخبار ، واضمحلّت الأُصول من أهل الضلال حصل في الأحكام مثل هذا الاختلال ، ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره : من أنّ الرواية مع ضعف سندها غير دالة على ما اعتبراه (١). محلّ تأمّل.

أمّا حمل الشهيد في الذكرى للخبرين على ما إذا أنشأ المكاري والجمّال سفراً غير صنعتهما قال رحمه‌الله : ويكون المراد بجدّ السير أن يكون مسيرهما متّصلاً كالحجّ والأسفار التي لا تصدق عليها صنعة (٢).

ففيه : أنّ الاحتمال ممكن كما أسلفناه (٣) من ظاهر التعليل في الأخبار السابقة ، إلاّ أنّ لفظ : « جدّ بهما السير » لا يطابق ما ذكره ؛ إذ مجرّد الخروج عن الصنعة يقتضي عدم لزوم الحكم التابع لها ، والفرق بين الأسفار المتّصلة وغيرها إنّما يصلح لو كان السفر في الصنعة ليصير وجهاً آخر للجمع ، ويراد حينئذ أنّ المكاري والجمّال إنّما يتمّان في السفر المعتاد ، أمّا لو خرجا عنه وحصلت المشقّة أمكن جواز القصر. وهذا يرجع إلى قول محمّد بن يعقوب لولا أنّه اعتبر الإتمام في المنزل ، وربما كان اعتبار الإتمام في المنزل لزوال المشقّة ، وعلى كل حال فكلام الشهيد رحمه‌الله لا يخلو من‌

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٤٥٥.

(٢) الذكرى : ٢٥٨.

(٣) راجع ص : ١١٣٠.

١١٢

تشويش ، فقول شيخنا قدس‌سره بعد نقل كلامه : إنّه قريب (١). غريب.

وللشهيد رحمه‌الله احتمال آخر في الذكرى ، وهو أنّ المكارين يتمّون ما داموا متردّدين في أقلّ من المسافة أو في مسافة غير مقصودة ، فإذا قصدوا مسافةً قصّروا ، قال رحمه‌الله : ولكن هذا لا يختص بالمكاري والجمّال بل كلّ مسافر ، ولعلّ ذلك مستند ابن أبي عقيل على ما نقل عنه حيث عمّم وجوب القصر على كلّ مسافرٍ ولم يستثن أحداً (٢). انتهى.

ولا يذهب عليك أنّ ذكر مثل هذا الاحتمال لا يليق في كتب الاستدلال ، ونسبة الاستناد إلى ابن أبي عقيل كذلك.

وفي المختلف قال العلاّمة بعد نقل كلام الشيخ : والأقرب عندي حمل الحديثين على أنّهما إذا أقاما عشرة أيّام قصّرا (٣).

ولا يخفى أنّ هذا أغرب من قول الشهيد ؛ لأنّ صريح الروايتين : إذا جدّ بهما السير ، والإقامة ضدّ ذلك.

وفي شرح الإرشاد حملهما جدّي قدس‌سره على ما إذا قصد المكاري والجمّال المسافة قبل تحقّق الكثرة (٤). وبُعْده ظاهرٌ ، ولعلّ احتمال الحمل على الظاهر من الخبرين وهو التقصير مع الجدّ في السير لحصول المشقّة ممكن ، إن لم يثبت ما قاله أمين الإسلام محمّد بن يعقوب (٥). والله تعالى أعلم.

وأمّا الأخبار الأُخر فما ذكره الشيخ في توجيهها غير واضح‌ :

__________________

(١) مدارك الأحكام ٤ : ٤٥٦.

(٢) الذكرى : ٢٥٨.

(٣) المختلف ٢ : ٥٣١.

(٤) روض الجنان : ٣٩٠.

(٥) الكافي ٣ : ٤٣٧.

١١٣

أمّا أوّلاً : فلأنّ الخبر الأخير يدلّ على أنّ صاحب الجِمال إذا لم يكن مداوماً على السفر يلزمه التقصير ، وقول الشيخ : إنّ التمام إنّما يجب على هؤلاء إذا أقاموا خمسة فما دونها ، فأمّا إذا كان أكثر من ذلك فحكمهم التقصير. غير مفاد الرواية ؛ لأنّ مفادها ظاهراً أنّه إذا لم يخرج في كلّ سفر إلاّ إلى مكة فعليه القصر ، والمفهوم من هذا أنّه لو داوم على السفر لزمه الإتمام (١) وإرادة السفر في كلّ وقت من الأوقات بعيدة ، بل يقرب السفر المعتاد ، والحمل على أنّه أقام عشرة بعيد ، بل الظاهر نفيه ( من الخبر ) (٢).

وأمّا غيره من الأخبار السابقة فيمكن دعوى إطلاقها فتقيد بغيرها إن ثبت ، وستسمع الكلام في الأخبار التي استدلّ بها الشيخ.

وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله : إذا كان مقامهم خمسة فما دونها ، ثمّ قوله : وأمّا إذا كان أكثر من ذلك. يوهم أنّ إقامة ستّة أيّام فما فوقها يوجب التقصير ، والأخبار تفيد خلاف ذلك كما يجي‌ء إن شاء الله ومراده بما فوقها : العشرة ، لكن العبارة لا يخفى حالها.

ثمّ إنّ روايتي إسحاق بن عمّار ربما يلوح منهما عدم المداومة على السفر ؛ لأنّ قوله في الثانية : كلّما جاءهم شي‌ء اختلفوا ، يدلّ على أنّ سفرهم موقوف ، وكذلك في الأُولى لقوله : يختلفون كلّ أيّام.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر الأخير ، وهو خبر محمّد بن جزك فيه تأييد للتعليل المستفاد من الخبر السابق في قوله : « لأنّه عملهم » ويستفاد منه أيضاً أنّ الجمّال ليس هو صاحب الجِمال ، بل من يكري الجِمال ويسافر معها ، وربما يدّعى عدم لزوم كون الجمال للكراء كما يظهر من الرواية.

__________________

(١) في « د » : التمام.

(٢) ما بين القوسين ليس في « د ».

١١٤

وبهذا يندفع إمكان أنّ يستدل لابن أبي عقيل على تقصير المسافر مطلقا بعموم أخبار التقصير ، والمخصّص إنّما يعمل عمله مع عدم المعارض ، وهذه الأخبار المبحوث عنها معارضة.

وحاصل الاندفاع أنّ الأخبار المعارضة قابلة للتأويل بما قدّمناه من الاحتمال إلاّ أن يقال : إنّ التأويل محلّ كلام ، فلا يخرج عن العموم ، وفيه ما فيه.

أمّا ما قاله بعض محقّقي المتأخّرين رحمه‌الله في الاستدلال لابن أبي عقيل بالعمومات ، وأنّ الأخبار الدالة على الإتمام يمكن توجيهها باحتمال أن يكون الوجه في إتمام الاشتقان لأنّ فعله معصية ، فلا يكون السفر سائغاً ، وفي المكاري ونحوه عدم القصد إلى مسافة معيّنة ، وفي الملاّح ما ذكر في الخبر من أنّ بيته معه فلا يكون مسافراً ، وحينئذ يمكن أن يوجّه قول ابن أبي عقيل القائل بالقصر على كلّ واحد ، بما ذكر (١) ، ولا يخفى عليك الحال فإنّ هذه التّوجيهات لا تصلح في مقام الاستدلال.

قوله :

يدلّ على ذلك :

ما رواه سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « المكاري إن لم يستقر في منزله إلاّ خمسة أيّام وأقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان‌

__________________

(١) مجمع الفائدة ٣ : ٣٩١.

١١٥

له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام وأكثر قصّر في سفره وأفطر ».

محمد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل ابن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن بعض رجاله قال : سألته عن حدّ المكاري الذي يصوم ويتمّ ، قال : « أيّما مُكارٍ أقام في منزله أو البلد الذي يدخله أقلّ من عشرة أيّام وجب عليه الصيام والتمام أبداً ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيّام فعليه التقصير والإفطار ».

الصفّار ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد بن هلال ، عن أبي سعيد الخراساني قال : دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بخراسان فسألاه عن التقصير فقال لأحدهما : « وجب عليك التقصير لأنّك قصدتني » وقال للآخر : « وجب عليك التمام لأنّك قصدت السلطان ».

فأمّا ما رواه محمّد بن علي بن محبوب ، عن محمّد بن الحسين ، عن الحسين بن عثمان ، عن إسماعيل بن جابر قال : استأذنت أبا عبد الله عليه‌السلام ونحن نصوم رمضان لنلقى وليداً بالأعوص فقال : « تلقّه وأفطر ».

فالوجه في هذا الخبر حال التقية والخوف دون حال الاختيار.

السند :‌

في الأوّل : فيه إسماعيل بن مرّار ، وقد تقدّم (١).

__________________

(١) في ص ١١١٠.

١١٦

والثاني : فيه مع إسماعيل الإرسال.

والثالث : فيه أحمد بن هلال ، وقد تقدّم تضعيفه عن الشيخ (١) ، والحسن بن علي كأنّه ابن فضّال ، وأبو سعيد الخراساني ذكره الشيخ في كتابه من رجال الرضا عليه‌السلام وأنّه مجهول (٢).

والرابع : فيه إسماعيل بن جابر ، وهو الجعفي ، وقد تقدّم فيه القول مفصّلاً (٣) ، والحاصل أنّ فيه كلاماً ، والشيخ وثّقه في رجال الباقر عليه‌السلام من كتابه (٤).

المتن :

في الأوّل : كما ترى واضح الدلالة على أنّ المكاري إذا لم يستقرّ في منزله إلاّ خمسة أيّام وأقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل وصام ، وإن كان له مقام عشرة أيّام وأكثر قصّر وأفطر ، والشيخ قال في وجه الجمع : إنّ الإقامة خمسة فما دونها توجب الإتمام مطلقاً ، وإن كان أكثر وجب التقصير.

وقد بيّنا فيما تقدّم (٥) أنّ الأكثر يتناول ما فوق الخمسة ودون العشرة ، وكأنّ مراد الشيخ بالأكثر مدلول الرواية ، ويريد بالتمام في الليل كالرواية ، وهي وإن كانت هنا كما ترى ضعيفة ، إلاّ أنّ الصدوق رواها بطريق صحيح وفي متنها زيادة ، فإنّه قال فيها : « المكاري إذا لم يستقرّ في منزله إلاّ خمسة أيّام أو أقلّ قصّر في سفره بالنهار وأتمّ صلاته بالليل ، وعليه صوم شهر‌

__________________

(١) راجع ص ١٥٤.

(٢) رجال الطوسي : ٣٩٧ / ١٨.

(٣) في ص ٧٠١.

(٤) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨.

(٥) راجع ص ١١٤٠.

١١٧

رمضان ، فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيّام أو أكثر قصّر في سفره وأفطر » (١).

ومقتضى الرواية اعتبار الأمرين في العشرة ، والقائل بها غير الصدوق ليس بمعلوم ، والقدح بذلك لا وجه له.

ومن العجب قول العلاّمة في المنتهى بعد نقله عن الشيخ أنّ هؤلاء السبعة يعني بهم ما ذكرهم من المكاري ونحوه إنّما يتمّون إذا لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام : لما رواه عبد الله بن سنان ، وذكر الرواية ثمّ قال : وهذه الرواية مع سلامتها تدلّ على المكاري خاصة (٢). ولا يخفى عليك أنّ عدم الدلالة ليس من هذه الجهة فقط.

ونقل عن الشيخ في المنتهى أنّه قال : ولو أقاموا خمسة لزمهم التقصير في الصلاة والإتمام [ في الصوم (٣) ] لهذه الرواية (٤). ولا يخفى عليك الحال.

وأغرب من ذلك أنّه في المختلف نقل عن الشيخ في النهاية والمبسوط أنّه قال : لو كان لهم إقامة خمسة أيّام في بلدهم قصّروا بالنهار وتمّموا الصلاة بالليل ، واختاره ابن البراج وابن حمزة ، ومنعه ابن إدريس وأوجب التمام مطلقاً ، [ وهو الأقوى (٥) ] لنا : أنّ حكم السفر ينقطع بنيّة إقامة العشرة ، فدلّ على أنّ إقامة هذا العدد يخرج المسافر عن السفر ، ويوجب‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٨١ / ١٢٧٨ ، الوسائل ٨ : ٤٨٩ أبواب صلاة المسافر ب ١٢ ح ٥.

(٢) المنتهى ١ : ٣٩٣.

(٣) أثبتناه من المصدر.

(٤) المنتهى ١ : ٣٩٣.

(٥) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر لاستقامة المتن.

١١٨

له حكم المقيم ، فإذا أنشأ أحدهم سفراً بعد إقامة هذه المدّة وجب عليه التقصير ، لدخوله تحت اسم المسافر. احتجّ بما رواه عبد الله بن سنان ـ وذكر الرواية ثمّ قال ـ : والجواب الحمل على تقصير النافلة ، بمعنى أنّه تسقط عنه نوافل النهار (١). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ الغرابة من وجوه :

الأوّل : أنّ مدلول الرواية غير ما قاله الشيخ.

الثاني : أنّ الرواية لم يذكر حال سندها ، وعدم التتبّع لمظانّ الرواية غير لائق.

الثالث : أنّ الرواية خاصّة بالمكاري كما ذكره في المنتهى (٢).

الرابع : جوابه عنها بالنوافل إمّا أن يكون لصحّتها ، فالعدول عن ظاهرها لا وجه له ، وإن كان لعدم الصحة فالطرح أولى من الحمل البعيد ، إلاّ أنّه يمكن لهذا نوع تسديد.

الخامس : استدلاله بأنّ الإقامة عشرة تقطع السفر. إن أُريد بها قطع سفر من فرضه التقصير فمسلّم ، وإن أُريد قطع سفر من فرضه التمام فهو أوّل المدّعى ، كيف والخلاف موجود ، فإنّه نقل عن المرتضى التقصير مطلقاً من غير شرط (٣).

السادس : قوله : وإذا أنشأ أحدهم سفراً بعد إقامة هذه المدّة وجب عليه التقصير. محض القياس أو مصادرة على المطلوب.

فإن قلت : الأخبار الدالة على أنّ إقامة العشرة قاطعة للسفر عامة‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٥٣١.

(٢) المنتهى ١ : ٣٩٣.

(٣) حكاه عنه في المختلف ٢ : ٥٣٠ ، وهو في الانتصار : ٥٣.

١١٩

للمكاري وغيره ، فإذا ثبت فيه قطع السفر تحقّق المطلوب.

قلت : لا معنى لشمولها للمكاري ونحوه ؛ إذ لا قطع للسفر بالنسبة إليه كما هو واضح ، على أنّ اللازم من كلام العلاّمة أنّ وصوله ( الى بلده ) (١) بمجرّده كاف من دون الإقامة ، لانقطاع السفر بالوصول ، وهو لا يقول به ، بل صرّح بأنّ المكاري لو خرج ثانياً من دون إقامة عشرة خرج مُتمِّماً ، هذا.

ولا يبعد أن يكون الشيخ فهم من قوله في الرواية : « خمسة أيّام وأقلّ » على أنّ المراد خمسة أيّام ومعها أقلّ من خمسة لا معها خمسة لتكون عشرة ، فيصدق على من أقام ستّة وسبعة وهكذا ، وحينئذ يراد بالأكثر العشرة فما فوقها ، وهذا التوجيه ممكن في رواية الشيخ.

أمّا رواية الصدوق ، فلا يخفى عدم تماميّتها ، وغير بعيد أن تكون رواية الصدوق بالواو دون أو ، لكن النسخ الآن متّفقة على ما نقلناه.

أمّا ما في رواية الصدوق من قوله : « وينصرف » إلى آخره (٢). فواضح الدلالة على اعتبار الأمرين ، لكن يمكن أن يكون الواو بمعنى أو ، ويوجّه بأنّ مقتضى الرواية بيان الأمرين : إقامة الخمسة أو ما دونها وإقامة العشرة ، فلو كانت العشرة معتبرة في البلد وغيرها لزم خلوّ الرواية من القسم الثالث وهو إقامة العشرة في البلد خاصّة أو في غيرها خاصّة.

وفيه نظر ؛ لأنّ الظاهر من الرواية بيان حالتي الاختلاف في القصر نهاراً والإتْمام ليلاً والقصر مطلقاً ، وهذا لا يتوقف على بيان الوجه الثالث ؛ إذ يجوز أن يكون الثالث البقاء على حكم المكاري من التمام مطلقاً ، نعم لو ثبت عدم القائل بمضمونها أمكن أن يكون الوجه ما قلناه ، لضرورة عدم‌

__________________

(١) في « د » : لبلده.

(٢) راجع ص ١١٧ ١١٨.

١٢٠