إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

مع‌ حصول الضرورة فبُعده ظاهر ، وقوله : إذا لم يتمكن ، يقتضي بإطلاقه وجوب التيمم مع عدم التمكّن ، وعدم التمكّن من أفراده حصول الضرورة ، وغاية التوجيه في هذا أن يكون مراده بالغسل على كل حال جميع الحالات حتى حالة الضرورة القليلة ، ويراد بقوله : فإن لم يتمكن الخوف على النفس ، وما استدل به من الأخبار ستسمع القول فيه.

والعلاّمة في المختلف قال : متعمّد الجنابة إذا خشي على نفسه التلف باستعماله الماء تيمم وصلّى ، قال الشيخ : ويعيد الصلاة إذا وجد الماء (١). وظاهر هذا الكلام أنّه فهم من مراد الشيخ خوف التلف ، وحينئذ يتم التوجيه.

وحكى العلاّمة عن الشيخ أنّه احتجّ على قوله برواية جعفر بن بشير عن ابن سنان أو غيره ، وذكر الرواية المبحوث عنها ، وكأنّ الاحتجاج في غير هذا الكتاب ، أمّا الذي فيه فما تراه ، وقد أجاب عنه العلاّمة بأنه مجهول الراوي فلا يكون حجة (٢).

وأنت خبير بأنّ الحديث تضمن أصابه الجنابة وهي أعم من التعمد والاحتلام ونحوه.

ثم إنّ خوف التلف من كلام الراوي فلا يقيد به الجواب كما نبّهنا عليه فيما تقدم ، والحمل على الاستحباب ممكن ، أمّا ما نقل عن الشيخ من الاستدلال بأنّه مفرط بتعمّد الجنابة فوجب عليه إعادة الصلاة (٣) فجوابه ظاهر بعد تأمّل أخبار التيمم.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٧٧ ، بتفاوت يسير.

(٢) المختلف ١ : ٢٧٩.

(٣) المختلف ١ : ٢٧٩.

٦١

( وممّا ذكره العلاّمة في الاستدلال ) (١) ما رواه الصدوق عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا أنّه قيل له : إنّ فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسّلوه فمات ، فقال : « قتلوه ، ألا سألوا؟ ألا يمّموه؟ إنّ شفاء العيّ (٢) السؤال » (٣) حيث أطلق عليه‌السلام تسويغ التيمم من غير تفصيل (٤). ففيه تأمّل ، لاحتمال إرادته عليه‌السلام أنّ مع خوف التلف لا يسوغ الغسل ، كما يدل عليه سوق الحديث.

أمّا الإطلاق في قضية أبي ذر من قوله عليه‌السلام : « يكفيك الصعيد عشر سنين » (٥) فله وجه.

لكن الأوضح الاستدلال بالأخبار الدالة على عدم إعادة الصلاة على الجنب المتيمم (٦) ، واحتمال أن يقال : إنّها مطلقة وغيرها من الأخبار مقيد ، فيه : أنّ الأخبار قابلة للحمل على الاستحباب كما يأتي ، ومعه لا يتعين حمل الشيخ ، مضافا إلى إطلاق الآية في قوله تعالى ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٧) وأمّا الأخبار الآتية فالكلام فيها إذا سمعته يندفع به احتمال الشيخ ، فليتأمّل.

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

(٢) العِيّ : بكسر العين وتشديد الياء : التحيّر في الكلام والمراد هنا الجهل ، مجمع البحرين ١ : ٣١١ ( عيا ).

(٣) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢١٨ ، الوسائل ٣ : ٣٤٦ أبواب التيمم ب ٥ ح ٢.

(٤) المختلف ١ : ٢٧٧.

(٥) الفقيه ١ : ٥٩ / ٢٢١ ، التهذيب ١ : ١٩٤ / ٥٦١ ، الوسائل ٣ : ٣٦٩ أبواب التيمم ب ١٤ ح ١٢.

(٦) الوسائل ٣ : ٣٦٦ أبواب التيمم ب ١٤.

(٧) الحج : ٧٨.

٦٢

قال :

والذي يدل على أنّ من هذه صفته فرضه الغسل على كل حال :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم رفعه قال : « إن أجنب فعليه أنّ يغتسل على ما كان منه ، وإن احتلم تيمّم ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن مجدور أصابته جنابة قال : « إن كان أجنب [ هو (١) ] فليغتسل وإن كان احتلم فليتيمم ».

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد ؛ وحماد بن عيسى ، عن شعيب ، عن أبي بصير ؛ وفضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن عبد الله بن سليمان جميعاً عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه سئل عن رجل كان في أرض باردة فيخاف إن هو اغتسل أن يصيبه عنت من الغسل كيف يصنع؟ قال : « يغتسل وإن أصابه ما أصابه » قال : وذكر أنّه كان وجعاً شديد الوجع وأصابته جنابة وهو في مكان بارد وكانت ليلة شديدة الريح باردة فدعوت الغلمة فقلت لهم : « احملوني واغسلوني فقالوا : إنّا نخاف عليك ، فقلت : ليس بدّ فحملوني‌

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٦٢ / ٥٦٢.

٦٣

ووضعوني على خشبات ثم صبّوا عليّ الماء فغسّلوني ».

وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تصيبه الجنابة في أرض باردة ولا يجد الماء وعسى أن يكون الماء جامداً قال : « يغتسل على ما كان » حدّثه أنّه فعل ذلك فمرض شهراً من البرد قال : « اغتسل على ما كان فإنّه لا بدّ من الغسل » وذكر أبو عبد الله عليه‌السلام أنّه اضطرّ إلى ذلك وهو مريض فأتوه (١) به مسخناً فاغتسل به وقال : « لا بدّ من الغسل ».

السند‌ :

في الأوّل : مرفوع.

والثاني : فيه مع ذلك علي بن أحمد والظاهر أنّه ابن أشيم كما تكرر في الأخبار ، وهو غير معلوم الحال ، واحتمال غيره ليس بنافع ، أمّا عدم ذكر الإمام عليه‌السلام فيه (٢) صريحا ففي قدحه نظر قدمنا وجهه.

والثالث (٣) : قد اشتمل على ثلاث طرق من الحسين بن سعيد :

الأوّل : عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن سليمان بن خالد.

والثاني : عن حماد بن عيسى ، عن شعيب ، عن أبي بصير.

والثالث : عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن عبد الله بن سليمان.

__________________

(١) كذا ، وفي الاستبصار ١ : ١٦٣ / ٥٦٤ : فأتوا.

(٢) أي في الحديث الأوّل.

(٣) في هامش « فض » زيادة : فيه رواية الحسين عن حماد بن عيسى بناء على ظاهره.

٦٤

وأوّل الطرق : قد قدمنا فيه ما يزيل الارتياب (١).

وكذلك في الثاني ، إلاّ أنّ الضعف فيه قريب بسبب رواية شعيب عن أبي بصير ، فإنّ شعيب هو العقرقوفي إذا روى عن أبي بصير فهو المخلط كما يستفاد من بعض الأخبار ، وقدّمنا فيه القول كما يعرف من ممارسة الرجال.

وأمّا الثالث : فرجاله ثقات سوى عبد الله بن سليمان ، فإنّ الموجود في الرجال على ما رأيت في النجاشي عبد الله بن سليمان الصيرفي روى عن جعفر بن محمد له أصل (٢). وغير النجاشي لم يذكره حتى العلاّمة في الخلاصة مع تبعه للنجاشي في ذكر الرجال ، وحال الرجل كما ترى لا يزيد على الإهمال.

والرابع : لا ارتياب فيه بعد ما قدمناه (٣).

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ المجنب يغتسل والمحتلم يتيمم ، لكن إطلاقه من جهة الغسل مقيّد بعدم الخوف على النفس عند الشيخ.

وكذلك الثاني.

والثالث : يدل على فعل الغسل وإن حصل مشقّة لكن لا تقييد فيه بكون الرجل أجنب أو احتلم ، ولعل الشيخ يقيّده بغيره كما أنّ تقييد المشقّة فيه بما لا يبلغ هلاك النفس لا بدّ منه.

__________________

(١) راجع ص : ٥٦.

(٢) رجال النجاشي : ٢٢٥ / ٥٩٢.

(٣) في ص : ٥٦.

٦٥

وقوله عليه‌السلام : « وإن أصابه ما أصابه » يراد به حينئذ ما أصابه من المشقّة ، ثم الظاهر من قوله : وذكر. ، أنّ الإمام عليه‌السلام وقع له ذلك وفعل ما فعل ، ولا يخفى أنّه لا يلائم قول الشيخ في الحمل ، لأن تعمّد الجنابة من الإمام عليه‌السلام مع عدم الماء ربما يقطع بنفيه ، نظراً إلى ما تقدم من الخبر الدال على أنّ التيمّم في الجملة يوبق الدين ولا أقل من المرجوحية ، وإمكان فعل المرجوح لبيان الجواز له وجه فيدفع به الثاني (١).

ويحتمل أن يكون الفاعل : الراوي ، وحينئذ يندفع المحذور عن الشيخ ، إلاّ أنّه بعيد عن الظاهر ، كما أنّ احتمال كونه عليه‌السلام أجنب متعمّداً مع وجود الماء ثم تعذّر لا يلائم قول الشيخ.

وغير بعيد أن يحمل ما دل على الغسل على الاستحباب بمعنى استحباب الغسل وإن حصل نوع مشقّة وكذلك إعادة الصلاة ، لكن لا يخفى دلالة الخبر الثالث على جواز التولية مع الضرورة إن كان من فعل الإمام عليه‌السلام ، هذا.

وربما يحتمل أن يراد بالاغتسال مع الجنابة وإن حصل مشقّة إذا كان تعمّد الجنابة مع العلم بعدم الماء ، إلاّ أنّ قصة الإمام عليه‌السلام لا تلائمه بل هي مؤيّدة للاستحباب.

وأمّا الخبر الرابع : فهو ظاهر الإطلاق في المتعمّد وغيره ، وقوله : حدّثه ، الظاهر أنّه من الراوي ، والمعنى أنّه أخبر الإمام عليه‌السلام بأنه فعل الغسل مرة على الوجه المذكور فمرض.

ويحتمل أن يكون الإمام عليه‌السلام حدّث محمد بن مسلم أنّه فعل ذلك ، ولا ينافي قوله ، قال : « اغتسل على ما كان » لاحتمال أن يكون إعادة‌

__________________

(١) في « فض » ما يمكن أن يقرأ : التالي.

٦٦

للجواب ، إلاّ أنّ الظاهر الأوّل ، وقوله : وذكر أبو عبد الله. يؤيّد ذلك ، إلاّ أنّه يوجب نوع شك بسبب المخالفة للسابق ، لأنّ الظاهر من الأوّل خلاف هذا ، كما أنّ فيه تأييداً لأن يكون قوله في الخبر السابق : وذكر أنّه كان وجعاً شديداً. ليس من الإمام عليه‌السلام إلاّ أن تكون الواقعة متكررة.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ المفيد قال في المقنعة : وإن أجنب نفسه مختاراً وجب عليه الغسل وإن خاف منه على نفسه (١). والشيخ في التهذيب ذكر الروايات دليلاً على قوله (٢). وأنت خبير بما في الاستدلال بعد ملاحظة ما قدمناه.

والعلاّمة في المختلف بعد أن نقل عن المفيد ما نقلناه قال : احتج (٣) ، وذكر الروايات ، وأظنّ أنّ الحجّة أخذها من التهذيب ، وأجاب عنها بضعف الإسناد ، والصحيح منها حمله على المشقّة اليسيرة.

والجواب لا يخلو من وجه.

وممّا يؤيّد استحباب إعادة الصلاة ما رواه الصدوق صحيحاً عن عبد الله بن سنان : أنّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل تصيبه الجنابة في الليلة الباردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل ، فقال : « يتيمّم ويصلّي (٤) ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة » (٥).

ووجه التأييد ظاهر ، ( إلاّ أن يقال : إنّه لا مانع من وجوب الإعادة‌

__________________

(١) المقنعة : ٦٠ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ١ : ١٩٧ / ٥٧٣ ، ١٩٨ / ٥٧٤ ٥٧٦ ، الوسائل ٣ : ٣٧٣ أبواب التيمم ب ١٧ ح ١ ٣ و ٤.

(٣) المختلف ١ : ٢٧٧.

(٤) في « فض » : تيمّم فصلّى.

(٥) الفقيه ١ : ٦٠ / ٢٢٤.

٦٧

للدليل ، وفيه ما فيه ، لأنّ الأمر يقتضي الإجزاء ، فالإعادة على الاستحباب ، فاحتمال صحة الصلاة واضح ) (١).

أمّا على قول المفيد فالخبر لا يمكنه العمل به ، من حيث إنّ ظاهر قوله عدم جواز التيمم ، على أنّ الخبر مطلق في المتعمّد وغيره ، إلاّ أن يقيّد بغيره ، ولو أتى الشيخ بهذا مع الأخبار كان أولى.

اللغة‌ :

قال في القاموس : العَنَت محركة ، الفساد والإثم والهلاك ودخول المشقّة على الإنسان (٢). وزاد ابن الأثير في النهاية الغلط والخطاء (٣). ولا يخفى احتمال الحديث للهلاك والمشقّة فلا يتم مطلوب الشيخ.

قوله :

باب المتيمم يجوز أن يصلي بتيممه صلوات كثيرة أم لا؟

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال ، قلت : لأبي جعفر عليه‌السلام أيصلّي الرجل بتيمّم واحد صلاة الليل والنهار كلها؟ فقال : « نعم ما لم يحدث أو يصيب الماء ».

وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حماد بن‌

__________________

(١) في « فض » بتفاوت.

(٢) القاموس المحيط ١ : ١٥٩.

(٣) النهاية لابن الأثير ٣ : ٣٠٦.

٦٨

عثمان قال : سألت أبا عبد الله عن رجل لا يجد الماء أيتيمم لكل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء ».

وأخبرني (١) الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن أبي همام ، عن محمد بن سعيد بن غزوان ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « لا بأس بأن يصلّي صلاة الليل والنهار بتيمّم واحد ما لم يحدث أو يصيب الماء ».

السند‌ :

في الأوّل واضح بعد تكرر البيان.

وكذا الثاني ، لكن فيه دلالة على رواية الحسين بن سعيد بواسطة عن حماد بن عثمان.

و (٢) في كتب الرجال قد يظن منه التعدد ، لأن النجاشي قال : حماد بن عثمان الفزاري كان يسكن عرزم فنسب إليها ، وأخوه عبد الله ثقتان ، رويا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

والشيخ في الفهرست قال : حماد بن عثمان الناب (٤) ثقة جليل القدر له كتاب (٥).

وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه : حماد بن عثمان ذو الناب مولى‌

__________________

(١) في « رض » و « د » زيادة : الشيخ.

(٢) في « فض » : ثم حماد بن عثمان في.

(٣) رجال النجاشي : ١٤٣ / ٣٧١.

(٤) في « فض » : النساب.

(٥) الفهرست : ٦٠ / ٢٣٠.

٦٩

غني كوفي. وفي رجال الكاظم عليه‌السلام : حماد بن عثمان لقبه الناب (١) مولى الأزدي له كتاب. وفي رجال الرضا عليه‌السلام : حماد بن عثمان الناب (٢) من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام (٣).

والعلاّمة في الخلاصة أتى بعبارة النجاشي (٤).

وفي الإيضاح قال : الفزاري العَرْزَمي بفتح العين المهملة وإسكان الراء وفتح الزاي (٥).

وفي الكشي : حمدويه قال : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً وجعفراً والحسين بني عثمان بن زياد الرواسي وحماد يلقب بالناب (٦) كلهم ثقات فاضلون خيار ، حماد بن عثمان مولى غني مات سنة تسعين ومائة بالكوفة (٧) انتهى. ولم يذكر في الإخوة عبد الله المذكور في النجاشي ، وهذا من جملة الأسباب لظن التعدد ، والوالد قدس‌سره كان جازما بالاتحاد (٨).

وشيخنا المحقق أيّده الله في كتاب الرجال احتمل الاتحاد (٩) ، وربما يقرّبه ذكر النجاشي لشخص واحد ، والشيخ كثيراً ما يكرّر اسم الرجل الواحد على حسب ما يجده في المأخوذ منه بوصف مغاير للوصف الآخر وإن أمكن الاجتماع في شخص واحد نظراً إلى أنّ وضع الأوصاف تابع‌

__________________

(١) في « فض » : النساب.

(٢) في « فض » : النساب.

(٣) رجال الطوسي : ١٧٣ / ١٣٩ ، ٣٤٦ / ٢ ، ٣٧١ / ١.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٥٦ / ٤.

(٥) إيضاح الاشتباه : ١٦٤ / ٢٣٣.

(٦) في « فض » : النساب.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٤.

(٨) منتقى الجمان ١ : ٣٨.

(٩) لم نعثر في منهج المقال على هذا الاحتمال ، ولكن نقله الوحيد البهبهاني في تعليقته عليه عن جدّه ص ١٢٤.

٧٠

لاختلاف الأحوال.

وما وقع في الكشي من قوله : حماد بن عثمان. لا يخلو من شي‌ء ، وكأنّ الواو سقط من النسخة ، إلاّ أنّ ذكر مولى غني يشعر بالمغايرة لما سبق ، وقوله : عن حمدويه. ربما يظن أنّه لا يفيد التوثيق.

وقد يوجّه لو احتيج إليه بأنّ الظاهر من الأشياخ الجميع ، وفيهم من هو ثقة كما لا يخفى على الممارس للطرق في الكشي وغيره.

وإنّما قلنا : لو احتيج إليه ؛ لأن الإجماع مدعى على تصحيح ما يصح عن حماد في الكشي (١) ، مضافا إلى توثيق الشيخ إن كان حماد الناب غير العَرْزَمي ، وإن اتحدا فالنجاشي كلامه كاف ، هذا.

ولا يخفى أنّ الإجماع المنقول في حماد بن عثمان في حيّز الإجمال على تقدير التعدد ، وحينئذ فالأمر لا يخلو من إشكال ، فتأمّل.

وأمّا الثالث : ففيه السكوني وحاله قد قدّمناه (٢) مع الشهرة المغنية عن الذكر ؛ ومحمد بن سعيد بن غزوان مذكور في النجاشي مهملا (٣) ؛ وأبو همام هو إسماعيل بن همام الثقة.

المتن :

في الأوّل ربما يظهر منه إرادة صلاة النهار والليل الفرائض أو ما يعم النوافل ، أمّا احتمال إرادة نوافل الليل مع صلاة الصبح ونحوها فبعيد عن الظاهر ، وعلى كل حال في الخبر دلالة على أنّ تأخير الصلاة إنّما هو مع‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٢) في ص ١٤١.

(٣) رجال النجاشي : ٣٧٢ / ١٠١٧.

٧١

التيمّم المبتدأ ( لتأخيره أيضاً ) (١).

والثاني أوضح دلالة ؛ لأنّ قوله : إنّما « هو بمنزلة الماء » يدل على أنّ ما ثبت للماء يثبت له ، إلاّ ما خرج بالدليل.

والثالث كالأول في الدلالة.

ولا يخفى على من لاحظ الأخبار المبحوث عنها وغيرها ، مما دلّ على تأخير التيمم والصلاة أنّه لا مانع من وجوب (٢) تأخير الصلاة والتيمم على تقديره إذا كان مبتدءاً وتقديم الصلاة بدونه ، واحتمال أن تكون العلّة في تأخير الصلاة احتمال وجود الماء ، والعلّة موجودة في صورة الاستدامة ، يدفعه أنّه يجوز أن يكون لحصول التيمم مدخل في نفي احتمال وجود الماء ، وقد قدّمنا عن بعض محققي المتأخّرين كلاماً في تأييد مثل هذه الأخبار لتوسعة التيمم (٣) ، ونقول هنا أنّ قوله : إنّما هو بمنزلة الماء. مؤيّد قويّ.

فإن قلت : الأخبار لا تدل على جواز الفعل في أوّل الوقت ، بل إنّما تدل على جواز فعل صلاة الليل والنهار بتيمم واحد ، وعلى تقدير ظاهر الدلالة فالخبر الدال بقوله : وليصلّ في آخر الوقت. فيه احتمال أن يقال : إنّه دالّ على تأخير التيمم والصلاة ، فإذا انتفى الأوّل بقي الآخر.

قلت : دلالة الأخبار على الإطلاق غير خفية ، والخبر السابق له ظهور في أنّ المبتدئ بالتيمم يؤخّر الصلاة لا مطلق المتيمّم ، فلا وجه لتقييد أحدهما بالآخر.

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٢) ليست في « رض ».

(٣) راجع ص : ٧٦٤ ، ٧٦٥.

٧٢

وفي المختلف نقل عن الشيخ في المبسوط أنّه قال : لو تيمم لنافلة في غير وقت فريضة أو لقضاء فريضة في غير وقت حاضرة جاز ذلك ، فإذا دخل وقت الفريضة جاز له أن يصلّي بذلك التيمم ؛ وهو يشعر بجواز الصلاة في أوّل وقتها ، وفيه نظر ، أقربه وجوب التأخير إلى آخر الوقت إن كان العذر مما يمكن زواله ، لنا أنّ المقتضي لوجوب التأخير عند ابتداء التيمم موجود عند استصحابه فيجب التأخير عملاً بالمقتضي ، وبيان اتحاد العلّة أنّ التيمم إنّما أوجبناه في آخر الوقت لجواز إصابة الماء (١).

ثم قال : لا يقال : لا نسلّم أنّ المقتضي هو ما ذكرتم ، بل وجوب الطلب ، وهذا المعنى غير متحقق في صورة النزاع ، لأنّه لا يجب تعدد الطلب بتعدد الصلاة إجماعا ، وإذا انتفى المقتضي انتفى الحكم قضاءً للعلّية.

سلّمنا أنّ المقتضي ليس هو وجوب الطلب لكن لِمَ قلتم : إنّ المقتضي هنا هو ما ذكرتم ، بل ها هنا سبب آخر وهو أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة ، والتيمم لا يجوز فعله ابتداءً في أوّل الوقت للحديث الصحيح ، وإذا لم يجز فعله ابتداءً في أوّل الوقت وجب تأخير الصلاة لفوات شرطها وهو الطهارة ، أمّا مع سبق التيمم السابق على الوقت فإنّه غير مشروط بآخر الوقت إجماعاً ، لوقوعه قبل الوقت على وجه الصحة فصحّت الصلاة في أوّل الوقت.

لأنّا نجيب عن الأوّل : بمنع كون الطلب علّة لجواز التأخير ، وإلاّ لزم أحد الأمرين : وهو إمّا خرق الإجماع أو خروج العلّة عن كونها علّة ، واللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٨٨ ، بتفاوت يسير.

٧٣

بيان الشرطية : أنّ الطلب إمّا أن يجب في جميع أجزاء الوقت الموسّع إلى أن يضيق وقته أو لا يجب ، فإن كان الأوّل لزم خرق الإجماع وهو أحد الأمرين ، إذ لا قائل بوجوب استيعاب وقت السعة للطلب ، ولقائل أن يمنع ذلك ، ووجوب السعي في الطلب غلوة سهم وسهمين لا يدل على انتفاء مطلق الطلب الذي يحصل بالانتظار له.

والثاني : يلزم منه الأمر الثاني ، لأنّه إذا انتفى وجوب الطلب قبل تضيق الوقت لم يجب التأخير ، وإلاّ لوجد المعلول من دون العلّة ، فتخرج عن كونها علّة.

وعن الثاني : أنّ المانع من جواز التيمم في أوّل الوقت إيقاع الصلاة بطهارة اضطرارية لا عدم إيقاعه في أوّل الوقت لذاته ، ولا شك أنّ هذا ثابت في صورة النزاع ، وبالجملة فالمسألة مشكلة حيث لم نجد فيها نصا عن الأئمة عليهم‌السلام ، وقول الجماعة إنّه يصلي بالتيمم الواحد صلوات الليل والنهار لا يعطي مطلوب الشيخ رحمه‌الله ـ ، انتهى كلامه (١).

ولقائل أن يقول : أوّلاً : إنّ ما ذكره من أنّ المقتضي لوجوب التأخير عند ابتداء التيمم موجود عند استصحابه ، فيه : أنّ المقتضي لم يذكر دليله ، وإنّما هو مجرّد دعوى ، فكيف يجعل دليلا ، والتوجيه بأنّا إنّما أوجبنا التيمم في آخر الوقت بجواز إصابة الماء لا يصلح للإثبات ، بل العلة مستنبطة ، ومن ثم ذهب بعض الأصحاب إلى المضايقة وإن حصل اليأس من الماء (٢) ، ولو سلّم أنّ المقتضي ما ذكره لكن يجوز أنّ هذا المقتضي إنّما هو لإيجاد التيمم لا لاستمراره.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٨٨.

(٢) انظر السرائر ١ : ١٤٠.

٧٤

فإن قلت : الدليل على أنّ المقتضي ما ذكر هو العلم الضروري بأنّ العلّة جواز إصابة الماء.

قلت : هذا العلم في ابتداء التيمم لو تم لا يلزم مثله في الاستمرار ، فليتأمّل.

وثانيا : ما ذكره في الاعتراض من أنّه مع سبق التيمم السابق على الوقت فإنّه غير مشروط بآخر الوقت إجماعا. فيه : أنّ المراد بالتيمم السابق إن كان المجدد سابقا فلا ريب أنّه تابع في الوقوع (١) للخلاف ، وإن كان المستمر فلا دخل له بل هو غير ما الكلام فيه ، واشتراط التأخير في المستصحب من قبيل اللغو كما يعرف بأدنى تأمّل.

فإن قلت : محصّل الإيراد أيّ شي‌ء هو؟.

قلت : حاصله أنّ ما ادّعيته من المقتضي وهو جواز إصابة الماء غير مسلّم ، بل المقتضي وجوب الطلب ، ومع التيمم السابق لا يجب الطلب ، إذ لا يجب الطلب للصلوات المتعددة إجماعاً ، وإذا انتفى المقتضي ينتفي الحكم ، ولو سلّم أنّ المقتضي ليس هو وجوب الطلب ، فهنا سبب آخر غير ما ذكره المصنف من المقتضي ، وهو أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة ، والتيمم لا يجوز فعله ابتداءً في أوّل الوقت للخبر ، فوجب تأخير الصلاة لفوات شرطها وهو الطهارة ، ومع سبق التيمم يتحقق الشرط فتجب الصلاة.

وأنت خبير بأنّ السؤال يتوجه عليه أوّلا : أنّ قوله : لا يجب تعدد الطلب بتعدد الصلاة إجماعا ، إمّا أن يريد بالطلب ما هو معروف من الغلوة والغلوتين أو غير ذلك ، فإن كان الأوّل فما ذكره من عدم الوجوب يمكن تسليمه.

__________________

(١) في « فض » : الوقت.

٧٥

وأمّا الثاني فالقائل به ربما كان موجوداً ، لأن الذي يظهر من المحقّق العمل بمضمون الخبر السابق الدال على أنّه يطلب ما دام في الوقت بناءً على ما فهمه منه (١). والظاهر أنّ فهم ذلك له وجه على ما خطر في بالي الآن ، وإن سبق احتمال في معناه ، لكن الكلام في الرجحان ، وحينئذ فالطلب له معنيان.

وما أجاب به العلاّمة أوّلاً بناه على إرادة الطلب غلوة سهم أو سهمين ، ثم تفطن لاحتمال إرادة معنىً آخر ، لكن كان عليه أن يذكر أن الإجماع المذكور ليس عامّاً في كل طلب وإلاّ لما تم المطلوب.

أمّا عبارته في توجيه الثاني فلا تخلو من شي‌ء على ما وجدته في النسخ لكن المعنى غير خفي.

وأمّا جوابه عن الثاني ففيه : أنّ المانع غير مسلم الثبوت بل يجوز أن يكون المانع إيقاع الصلاة بطهارة اضطرارية ابتداء لا استدامة ، وهذه واسطة بين كونه لذاته وما ذكر.

وأمّا (٢) ثالثا فما ذكره من عدم وجود النص ، فيه : أنّ النصوص المبحوث عنها صالحة للاستدلال ، مضافا إلى بعض الاعتبارات التي قدّمناها ، وعدم اقتضاء قول الجماعة مطلوب الشيخ ليس بواضح ، بل قولهم يتناول ما ذكره من حيث الإطلاق ، فليتدبّر.

قال :

فأما ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن أبي همام ، عن الرضا عليه‌السلام قال : « يتيمم لكل صلاة حتى يجد الماء ».

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٨٢.

(٢) ليست في « رض ».

٧٦

ورواه أيضا محمد بن أحمد بن يحيى ، عن العباس ، عن أبي همام ، عن محمد بن سعيد بن غزوان ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام قال : « لا يتمتع بالتيمم إلاّ صلاة واحدة ونافلتها ».

فأوّل ما في هذا الخبر أنّه واحد ، ومع ذلك تختلف ألفاظه والراوي واحد ، لأنّ أبا همام في رواية محمد بن علي بن محبوب رواه عن الرضا عليه‌السلام بلا واسطة ، وفي رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن سعيد بن غزوان عن السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، والحكم واحد ، وهذا يضعف الاحتجاج به ، على أنّ راوي هذا الخبر بهذا الاسناد بعينه روى مثل ما ذكرناه ، وهي رواية محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس ، عن أبي همام ، عن محمد بن سعيد بن غزوان ، عن السكوني عن جعفر عليه‌السلام وقد قدمناها ، فعلم بذلك أنّ ما تضمنه هذا الخبر سهو من الراوي ، ويمكن مع تسليم الخبر أن نحمله على من يكون تمكن من استعمال الماء فيما بعد فلم يتوضّأ فلا يجوز له أن يستبيح بالتيمم المتقدم أكثر من صلاة واحدة ، وعليه أن يستأنف التيمم لما يستقبل من الصلاة.

والذي يدل على ذلك :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : يصلّي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل والنهار كلها ، قال : « نعم ما لم يحدث أو يصيب ماء » قلت : فإن أصاب الماء ورجا أن يقدر على ماء آخر وظن أنّه يقدر عليه فلمّا أراده تعسّر ذلك عليه ، قال : « ينقض ذلك تيممه وعليه أن يعيد التيمم ».

٧٧

على أنّه يمكن حمله على ضرب من الاستحباب مثل تجديد الوضوء لكل صلاة وأنّه إسباغ.

السند‌ :

في الخبرين الأولين واضح ممّا قدّمناه ، وكذلك الثالث والرابع.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من تأمّل أمّا أوّلاً : فقوله : ورواه أيضا محمد بن أحمد بن يحيى. غير واضح ، لأنّ المتن متغاير ، ومفاد الثاني زيادة النافلة.

وأمّا ثانياً : فقوله : إنّ اختلاف الألفاظ مع اتحاد الراوي يضعف الاحتجاج. فيه : أنّ الراوي غير متحد ، لأنّ أبا همام روى كل حكم عن إمام ، وكونه روى (١) ما ذكره الشيخ لا يضر بالحال ، غاية الأمر أنّ الجمع لا بد منه ، وبالجملة فضرورة ما ذكره بالاحتجاج محل كلام.

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من الجمع لا ينبغي إبداؤه في كتب الحديث لأنّه أمر معلوم ، فوقوع مثله من الإمام عليه‌السلام من قبيل ما لا فائدة فيه ، مع أنّ ذكر النافلة أيضاً لا وجه له ، كما أنّ الاختصاص بوجود الماء كذلك ، والخبر الذي استدل به لا يفيد فائدة جديدة.

وأمّا رابعاً : فالحمل على الاستحباب وإن أمكن إلاّ أنّ إثباته بمجرّد الاحتمال لا وجه له ، بل ينبغي ذكر ما يدل عليه ، وقوله : إنّ تجديد الوضوء‌

__________________

(١) ليست في « رض ».

٧٨

إسباغ ، غير معروف من تفسير الإسباغ ، ولعل هذا لا يضر بالحال.

وربما يقال في توجيه الخبر الأوّل أنّ المراد به كون التيمم لا يختص باليومية ، بل هو سائغ لكل صلاة من اليومية وغيرها.

وأمّا الخبر الثاني : فالاعتماد عليه يوجب الإشكال بالنسبة إلى الشيخ في اعتبار التأخير ، إذ مقتضاه أنّ التيمم جائز للفرض والنافلة ، والشيخ إن أراد بالتأخير ما يتناول الفرض والنفل ، أمكن توجيه كلامه ، لكن لم أقف الآن على مصرح به ، وكون هذا مذهبا للشيخ في الكتاب غير معلوم كما نبّهنا عليه ، وعلى كل حال في الخبر دلالة على التوسعة في الجملة إن صح ، والحمل على الاستحباب قابل للتوجيه في الخبر الثاني ، أمّا الأوّل فالوجه الذي ذكرناه ربما ساوى احتمال الاستحباب ، فليتأمّل.

ثم إنّ الخبر الأخير ظاهره أنّ مجرّد إصابة الماء تنقض التيمم وإن لم تستمرّ القدرة على استعماله بمقدار الطهارة ، ويحتمل أن يقيد من خارج بما دل على أنّ التكليف فرع القدرة.

ولا يشكل بأنّه لو توقف على مضي الزمان لزم عدم الحكم بإبطال الصلاة مع وجود الماء في الأثناء على التفصيل الآتي ، لإمكان أن يقال نحو ما قلناه هنا.

إلاّ أنّ الحق لزوم الإشكال في مثل هذا باحتمال وجوب الوضوء أو نقض التيمم مراعى ، وفيه : أنّ المراعاة تقتضي عدم الوجوب في أوّل الأمر مع دلالة بعض الأخبار على خلافه ، ولعلّ من لم يعتبر الوجه فالأمر عنده سهل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما ذكره بعض محقّقي المعاصرين أيده الله بعد النقل عن بعض أنّه مال إلى عدم الانتقاض إلاّ بمضيّ ذلك المقدار ،

٧٩

مستدلاً بامتناع التكليف بعبادة في وقت لا يسعها ، من أنّ فيه نظراً ، إذ لقائل أن يقول : لا ملازمة بين عدم تكليف المتيمم باستعمال الماء وبين بقاء تيممه من غير إيجاب تيمم آخر عليه ، بل الظاهر أن يكون نفس وجدان الماء المظنون بقاؤه ذلك المقدار استصحاباً للحال ناقضاً فيجب به تيمّم آخر إذا لم يبق ذلك المقدار بطروّ انعدام عليه أو سبق آخر إليه (١).

لا يخلو من وجه لولا إمكان أن يقال : إنّ الملازمة لا يمكن نفيها مطلقا بالنسبة إلى الماء ، إذ لو أصاب الماء المتيمم وهو لا يقدر شرعاً على استعماله كما في صورة الدخول في الصلاة ثم يجد الماء على التفصيل الآتي ينبغي انتقاض التيمم حينئذ ، والحال أنّه ليس كذلك.

ويمكن الجواب بأنّ المراد عدم الملازمة ما لم يقم الدليل على خلافه ، والاعتماد في ترك البيان على عدم الخفاء.

ثم الإضراب الواقع لا دليل عليه ، بل النص مطلق في أنّ مجرّد إصابة الماء موجبة للتيمم ، فاعتبار الظن إن كان للملازمة المذكورة من القائل فهو اعتراف بعد النظر ، واحتمال إرادة القائل للعلم بعيد ، فليتأمّل.

( بقي شي‌ء وهو أنّ الذي وقفت عليه ممّا سمعته تضمن وجدان الماء ، أمّا لو حصل ظن زوال العذر الموجب للتيمم فهل هو كوجدان الماء؟ أم يخص الحكم بمورد الدليل ، ويبقى ما عداه على حكم التيمم إلى أن يحصل العلم ، احتمالان ، ولعلّ الثاني له رجحان ... ) (٢)

__________________

(١) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٩٤.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٨٠