إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

الماء ، ولا مانع من إرادة الماء وحده من الطهور بقرينة وهي في الخبر مكشوفة ، وإطلاقه يقيد بما قبله من جهة الطلب ، ولا يدل قوله : « إذا لم يجد » على ذلك ، لأنّ عدم الوجدان لا يخرج عن الإجمال بعد ذكر الطلب في الأخبار ، وإن كان إطلاق الآية قد يقتضي نوع أشكال ، وحلّه يظهر ممّا قلناه ، فليتأمّل.

ولا يخفى دلالة الخبر الثاني على التيمم بالأرض.

قال :

فأما ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد ، عن الحسن بن علي ، عن يونس بن يعقوب ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل تيمم وصلّى ثم أصاب الماء فقال : « أمّا أنا فكنت فاعلاً ، إنّي كنت أتوضأ وأُعيد ».

فالوجه في هذا الخبر أنّه تجب الإعادة إذا وجد الماء وكان الوقت باقيا ، فامّا إذا صلّى في آخر الوقت وخرج الوقت لم تلزمه الإعادة ، والذي يدل على ذلك :

ما أخبرنا به الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن يعقوب ابن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل تيمم وصلّى فأصاب بعد صلاته ماءً ، أيتوضّأ ويعيد الصلاة أم تجوز صلاته؟ قال : « إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، وإن مضى الوقت فلا إعادة عليه ».

٤١

السند‌ :

في الأوّل فيه محمد بن خالد ، والظاهر من ممارسة الرجال أنّه البرقي ، وقد تقدم فيه قول (١) ، والحاصل أنّ الشيخ وثّقه في رجال الرضا عليه‌السلام من كتابه (٢) ، والنجاشي قال : إنّه كان ضعيفاً في الحديث (٣).

وفي فوائد جدّي قدس‌سره على الخلاصة ما هذا لفظه : الظاهر أنّ قول النجاشي لا يقتضي الطعن فيه نفسه ، بل في من يروي عنه ، ويؤيّد ذلك كلام ابن الغضائري ، وحينئذ فالأرجح قبول قوله لتوثيق الشيخ له وخلوه عن المعارض (٤). انتهى.

وقد يقال : إنّ النجاشي لو أراد بقوله : إنّه ضعيف في الحديث ، روايته عن الضعفاء ، فهذا لا يختص بمحمد بن خالد ، كما أوضحناه في مواضع.

ثم إنّ قول جدّي قدس‌سره إنّ كلام ابن الغضائري يؤيّده. ففيه : أنّ قول ابن الغضائري غير مؤيّد ، لأنّ عبارته على ما في الخلاصة نقلاً عنه : حديثه يعرف وينكر ويروي عن الضعفاء كثيراً ويعتمد المراسيل (٥). والظاهر من قوله : يعرف وينكر. اضطراب الحديث ، ولعلّ هذا هو المراد بضعف الحديث ، وذكر ابن الغضائري الرواية عن الضعفاء زائد على ذلك ، والحق أنّ ذكره لا وجه له ، وكذا اعتماد المراسيل كما ذكرناه مكرّراً.

__________________

(١) في ص ٦٨.

(٢) رجال الطوسي : ٣٨٦ / ٤.

(٣) رجال النجاشي : ٣٣٥ / ٨٩٨.

(٤) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ٢٢.

(٥) خلاصة العلاّمة : ١٣٩ / ١٤.

٤٢

ثم إنّ قول جدّي قدس‌سره : لعدم المعارض ، فيه : أنّ عدم توثيق النجاشي معارض قويّ كما نبّهنا عليه مراراً.

فإن قلت : لا وجه للمعارضة إذا لم يقدح فيه النجاشي.

قلت : القدح بضعف الحديث على ما قرّرناه حاصل ، وعلى تقدير غيره فعدم ذكر التوثيق مع تثبّته في الرجال قرينة عدم ثبوت توثيقه ، فليتأمّل.

وأمّا الحسن بن علي فاحتمال ابن فضال قريب عند الممارس ، وغيره بعيد وإن أمكن قرب الوشاء ، وحال بقية الرجال واضحة.

والثاني لا ارتياب فيه.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من نظر ، لأنّ ظاهر النص أنّ الإمام عليه‌السلام فعل ذلك ، ولو كان تأخير التيمّم واجباً على الإطلاق أو بالتفصيل فكيف يفعله الإمام عليه‌السلام؟ ولو حمل قول الإمام عليه‌السلام على أنّه لو كان فاعلاً كما قد يشعر به الكلام أمكن ، لكنّه لا يوافق المقام كما لا يخفى على من نظر في كنه الكلام ، وعلى تقدير الحمل على فعل الإمام عليه‌السلام ، فالحمل على الاستحباب له وجه ، وربما دل عليه قول الإمام عليه‌السلام ، إذ الاختصاص به لا وجه له ، فيكون مستحباً ، والتأسّي به مستحب.

وما ذكره الشيخ من الرواية للاستدلال على الجميع لا يأبى الحمل على الاستحباب ، وفيها دلالة على جواز التيمم مع السعة مطلقا ، نظراً إلى عدم التفصيل ، فهي مضادّة لما يظهر من الشيخ ، إذ التقديم على تقدير وجوب التأخير يقتضي الإعادة مطلقا ، ولو حملت على أنّ الوقت كان‌

٤٣

مظنون الضيق فظهر خلافه أمكن ، لولا أنّ ترك الاستفصال يفيد العموم ، فليتأمّل.

ونقل في المختلف عن ابن أبي عقيل أنّه قال : لا يجوز التيمم إلاّ في آخر الوقت ، ثم قال ـ يعني ابن أبي عقيل ـ : ولو تيمم في أوّل الوقت وصلّى ثم وجد الماء وعليه وقت تطهَّر بالماء وأعاد الصلاة ، وإن وجد الماء بعد مضيّ الوقت فلا إعادة عليه.

وذكر العلاّمة الاحتجاج له بصحيح يعقوب بن يقطين المذكور ، وأجاب عنه بعدم الدلالة ، لاحتمال إيقاع الصلاة على تقدير الإعادة في سعة الوقت لأنّه لم يفعلها على وجهها ، وإيقاعها على تقدير عدمها مع ضيق الوقت (١).

وهذا الجواب لا يخلو من غرابة ، لأنّ الإعادة على تقدير سعة الوقت لو حملت عليها الرواية لا يتم الاختصاص بالوقت ، والظاهر من الرواية أنّ خروج الوقت على التقدير المذكور يقتضي عدم الإعادة ، ولا وجه لذلك حينئذ لعدم وقوع العبادة على وجهها ، ولو حملت الرواية على الضيق لم يتم الحكم الأوّل ، ولو فصّلت الرواية فحكم في الإعادة مع السعة وعدمها مع الضيق ، اختلّ الجواب ، فإنّ حكم السعة : الإعادة في الوقت وخارجه ، نعم ما قدّمناه من احتمال ظن الضيق له وجه.

على أنّ قول ابن أبي عقيل لو تم استناده إلى الرواية أمكن توجيهه ، لكن الضرورة غير داعية بعد التوقف في اعتبار الضيق مطلقا ، كما ستسمع القول فيه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٨٦.

٤٤

قال :

ولا ينافي هذا الخبر ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإن أصاب الماء وقد صلّى بتيمم وهو في وقت ، قال : « تمّت صلاته ولا إعادة عليه ».

وما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن علي ، عن علي بن أسباط ، عن يعقوب بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في رجل تيمم وصلّى وأصاب الماء وهو في وقت ، قال : « مضت صلاته وليتطهّر ».

وما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العباس بن معروف ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن معاوية بن ميسرة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل في السفر لا يجد الماء فتيمم ثم صلّى ثم أتى الماء وعليه شي‌ء من الوقت أيمضي على صلاته أم يتوضّأ ويعيد الصلاة؟ قال : « يمضي على صلاته فإنّ رب الماء هو رب التراب ».

وما رواه أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تيمم وصلّى ثم بلغ الماء قبل أن يخرج الوقت فقال : « ليس عليه إعادة الصلاة ».

فالوجه في هذه الأخبار أن نحمل قوله : قبل خروج الوقت ، أن يكون ظرفا لحال الصلاة لا لوجود الماء ، لأن وقت التيمم هو آخر الوقت على ما ذكرناه في كتابنا الكبير ، وقد تقدّم أيضا من الأخبار ما يدل على ذلك ، فيكون التقدير في الخبر الأوّل : فإن أصاب الماء وقد‌

٤٥

صلّى بتيمم في وقتها ، والخبر الثاني : في رجل تيمم وصلّى وهو في وقت ثم أصاب الماء ويكون مقدّماً ومؤخّراً ، وكذلك الخبر الثالث قوله : لا يجد الماء ثم صلّى وعليه شي‌ء من الوقت ثم أتى الماء ، وكذلك الخبر الرابع قوله : عن رجل تيمم وصلّى قبل خروج الوقت ثم بلغ الماء. وإذا جاز هذا التقدير في هذه الأخبار لم يناف ما ذكرناه وسلمت الأخبار كلها.

السند‌ :

في الأوّل : واضح ، وحمّاد هو ابن عيسى كما سيأتي التصريح به في مواضع من الكتاب ، ولا يضر وقوع واسطة بين الحسين وابن عيسى في بعض الأسانيد كما في باب زكاة الجنسين من الكتاب ، حيث روى الحسين ابن سعيد ، عن المختار بن زياد ، عن حماد بن عيسى (١) ؛ وإن كانت المرتبة لا تأبى أن يكون ابن عثمان ، لأنّه من أصحاب الرضا عليه‌السلام ، والحسين بن سعيد من أصحابه أيضا ، إلاّ أنّ الممارسة تقتضي الأوّل.

والثاني : فيه الحسن بن علي ، واحتمال ابن فضال فيه له قرب بل أظن تعيّنه ؛ وعلي بن أسباط ويعقوب قد قدّمنا فيهم القول (٢).

والثالث : فيه معاوية بن ميسرة ، وهو مذكور مهملاً في فهرست الشيخ (٣) وكتاب النجاشي (٤).

__________________

(١) الاستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٩.

(٢) في ص ١٠٩.

(٣) الفهرست : ١٦٧ / ٧٣١.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩٣.

٤٦

والرابع : فيه عثمان بن عيسى وأبو بصير ، وقد كرّرنا القول في شأنهما (١) ؛ وابن مسكان : عبد الله كما هو مصرح به في مواضع أيضاً ، وقد قدّمنا فيه قولاً أيضاً (٢).

المتن :

في الجميع ظاهر بل كاد أن يلحق بالصريح في تسويغ التيمم قبل آخر الوقت ، لأنّ عدم الاستفصال يوجب عموم السؤال ، فيندفع احتمال إرادة التقديم مع عدم رجاء زوال العذر كما يقوله البعض (٣) وسيأتي إن شاء الله ذكره في الباب الآتي معنوناً بتأخير التيمم ؛ ويندفع أيضاً القول بالتأخير مطلقا (٤) ، والخبر الأوّل الدال على التأخير يحمل على الاستحباب كما قدّمنا فيه القول (٥).

وما قد يقال : إنّ المعارض إذا وجد لا نفع في ترك الاستفصال لإفادة العموم ، فجوابه أنّ المعارض غير متعيّن لما قالوه كما ستسمعه ، نعم قد يظن أنّ ترجيح الاستحباب في الحمل لا بد له من مرجِّح وبدونه لا يفيد ، ويتوجه عليه أنّ الاحتمال يدفع جميع الأقوال ، والترجيح سيأتي بيانه في الباب الآتي إن شاء الله تعالى.

نعم يمكن القول بأنّ الأخبار المذكورة محمولة على ظن خروج‌

__________________

(١) راجع ص ٥٠ ، ٥١.

(٢) في ص ١٢١.

(٣) نقله عن ابن الجنيد في التنقيح الرائع ١ : ١٣٤.

(٤) الذي قال به السيد المرتضى في الانتصار : ٣١ ، والشيخ في المبسوط ١ : ٣١ ، وابن إدريس الحلّي في السرائر ١ : ١٣٥.

(٥) في ص ٧٥٣ ، ٧٥٤.

٤٧

الوقت ، ويدفعه ما قلناه من ترك الاستفصال وعدم ما يدل عليه مرجحا.

أمّا ما قاله الشيخ في توجيه الأخبار فممّا لا ينبغي ذكره في الكتب العلمية على ما أظن.

وقد ذكر العلاّمة في المختلف الخبر الأوّل والثالث في حجة ابن بابويه بعد أن نقل عنه القول بجواز التيمم في أوّل الوقت ، وأجاب عن الخبرين بوجوه : الأوّل : بالحمل على ما إذا علم أو ظن انتفاء الماء. الثاني : الحمل على من ظن ضيق الوقت. الثالث : ما قاله الشيخ (١) ، وأنت قد سمعت ما ذكرناه فلا وجه لإعادته.

وذكر العلاّمة أيضاً أنّ ابن بابويه احتج أيضاً بقوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) إلى قوله ( فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا ) (٢) قال : والعطف يقتضي التسوية في الحكم ، فكما صحّ في المعطوف عليه إيقاعه في أوّل الوقت ، فكذا المعطوف ، وبأنّ طهارة التيمم إحدى الطهارتين فيصح فعلها في أوّل الوقت كالأُخرى.

وأجاب عن الأوّل : بالمنع من التسوية في الحكم مطلقاً بين المعطوف والمعطوف عليه ، سلمنا ، لكن التسوية هنا ثابتة ، لأنّ قوله تعالى ( إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا ) معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة فيكون كذلك في المعطوف ، ونحن نمنع أنّ المضطر له أن يقوم إلى الصلاة في أوّل الوقت فإنّه نفس المتنازع ، ولا دلالة في الآية على اتحاد وقت الإرادة في الموضعين ، غاية ما في الباب دلالتها على إيجاد فعل الطهارتين عند الإرادة وإن كانت مختلفة في الوقت.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٥٥.

(٢) المائدة : ٦.

٤٨

وعن الثاني : بأنّه قياس مع الفرق ، فإنّ إحدى الطهارتين اختيارية والأُخرى اضطرارية (١).

وفي نظري القاصر أنّ الجواب عن الأوّل غير تامّ ، أمّا أوّلا : فما ذكره من منع التسوية إن أراد به أنّ المساواة من كل وجه غير معتبرة فمتوجه ، لكن مطلوب الصدوق ظاهره أنّ الظاهر من العطف المشاركة بين الوضوء والتيمم في وجوبه إذا قام الإنسان إلى الصلاة ، ولما كانت إرادة القيام هي المرادة عند البعض (٢) فالمشاركة في الوجوب عند الإرادة حاصلة ، وحينئذ فمنع المساواة لا وجه له ، وإن كان الحق أنّ تفسير الآية بالإرادة غير معلوم الإرادة من الصلاة ، لما (٣) في بعض الأخبار من أنّ المراد به القيام من النوم (٤).

والعجب من العلاّمة أنّه قال هنا : معناه إذا أردتم على سبيل الجزم (٥) ، وفي موجب الوضوء عند ذكر النوم استدل بكلام المفسرين على أنّه القيام من النوم (٦) ، وفي المنتهى ذكر ضد ذلك في الأوّل (٧) ، وفي النوم ذكر الخبر الدال على القيام من النوم (٨) ، وهذا من العجلة المتكرر منه أمثالها.

وأمّا ثانياً : فما ذكره من تسليم التسوية إلى آخر ما قاله ، فيه : أنّ‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٥٦ ، بتفاوت يسير.

(٢) كالسيد المرتضى في الانتصار : ٣٢ ، والمحقق الحلي في المعتبر ١ : ٣٨١.

(٣) في « رض » : كما.

(٤) التهذيب ١ : ٧ / ٩ ، الوسائل ١ : ٢٥٣ أبواب نواقض الوضوء ب ٣ ح ٧.

(٥) المختلف ١ : ٢٥٦.

(٦) المختلف ١ : ٩٠.

(٧) المنتهى ١ : ١٥٠.

(٨) المنتهى ١ : ٣٣.

٤٩

التسوية إذا سلّمت اقتضت المشاركة في كل من أراد القيام ، إلاّ ما خرج بالدليل ، وحينئذ يحتاج الفرق إلى إثبات الدليل ، فليس من النزاع في شي‌ء ، بل هو استدلال على المطلوب ما لم يثبت خلافه ، فقوله : لا دلالة في الآية على اتحاد وقت الإرادة. غريب ، بل هي ظاهرة في ذلك حينئذ فضلاً عن احتمال التسليم للمساواة ، وكأن العلاّمة لمّا اقتضى ظنّه التأخير في الجملة ، رأى أنّ الآية تصير دالّة على اتحاد فعل الطهارتين فقط ، وقد عرفت الحال.

نعم ربما يقال في الاستدلال : إنّ تعيّن العطف غير معلوم ، بل يجوز الاستئناف (١).

ولا يرد (٢) أنّ الاستئناف لو جاز لوجب التيمم لنفسه ، كما قيل في الغسل على تقدير الاستئناف (٣). لإمكان الجواب بأنّ هذا لا يضر بالحال لوجود القائل بوجوب الطهارات الثلاث لنفسها ، كما حكاه الشهيد في الذكرى (٤) ، وقد ذكرت ما لا بد منه في الآية في موضع آخر.

والذي يمكن التسديد به من جانب الصدوق حيث ذكر العطف مقتصرا عليه ، أنّ الظاهر له من الآية العطف على مقتضى الدليل ، وإن كان فيه نوع تأمّل ، بل ربما كان الظاهر الاستئناف ، غير أنّ الأخبار لمّا تظافرت على اشتراط التيمم بدخول الوقت ، بل الإجماع المدعى من بعض أيضا كان اعتبار العطف في الآية على الوضوء له ظهور وإن أمكن أن يناقش في ذلك ، وعلى تقدير الاستئناف لا يضر بحال الاستدلال أيضا ، لأن الإطلاق‌

__________________

(١) قال به الكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٣ ، والشهيد الثاني في روض الجنان : ٥١.

(٢) في « رض » : يراد.

(٣) في « رض » زيادة : فيه.

(٤) الذكرى : ٢٣.

٥٠

كاف في جواز التيمم أيّ وقت شاء ، فإذا أخرج الدليل ما قبل الوقت بقي ما بعده.

والأخبار الدالة على التأخير (١) لما كان معارضها وهو الدال على التوسعة موجود فالإطلاق لا يقيد إلاّ بما خلا عن المعارض ، على أنّ التعارض يمكن الجمع فيه بوجه لا ينافي الإطلاق وهو الاستحباب في التأخير ، إمّا التضيق مطلقاً فالمخالفة فيه للإطلاق تقتضي أن يقيد به إذا خلا عن المعارض بلا ريب ، إلاّ أن يقال : إنّ ما دل على التأخير ظاهر ، وما دل على التوسعة مجمل فلا يقاومه ، وفيه : أنّ ترك الاستفصال من الإمام عليه‌السلام في الجواب يصيّر السؤال ظاهراً في العموم ، والتأويل في المعارض مع التساوي في الظهور بالاستحباب له نوع رجحان إذ لا يخرج به العموم عن حقيقته بخلاف ما إذا أُريد وجوب التأخير مطلقاً ، وحمل ما ظاهره للعموم على ظن الضيق ثم يظهر خلافه ، فإنّ هذا يخرج العموم عن حقيقته ، والتفصيل برجاء زوال العذر وعدمه كذلك.

إلاّ أن يقال : إنّ ترك الاستفصال في جواب السؤال إنّما يكون ظاهراً في العموم إذا لم تتعارض الأخبار ، أمّا مع تعارضها فيجوز أن يكون السائل عالماً بحقيقة الحال فلا يفيد عدم الاستفصال عموم السؤال ، كما يظهر من تتبع مظانّ حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد من الأخبار ، فليتأمل في هذا ؛ فإنّي لم أر من حام حول تحقيقه ، وسيأتي إن شاء الله تتمّة الكلام في بقية الأقوال (٢) ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.

بقي في المقام أشياء‌ :

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٥ أبواب التيمم ب ٢٢.

(٢) في ص ٧٩٩ ٨٠٢.

٥١

الأوّل : قول الشيخ : لأن وقت التيمم هو آخر الوقت على ما ذكرناه في كتابنا الكبير (١). لا يخلو من غرابة في الظاهر ، لأنّه يأتي باب أنّ التيمم لا يجب إلاّ في آخر الوقت عن قريب.

وقوله : وقد تقدم من الأخبار ما يدل على ذلك. يريد به خبر زرارة ، ولا يخفى أنّ ظاهر الخبر الطلب وهو يشعر بإمكان وجود الماء فلا يدل على التأخير مع عدم الإمكان (٢) ، والمذكور منه في التهذيب يقتضي اعتبار التأخير مطلقا.

ثم إنّ الخبر المشار إليه اقتضى وجوب الطلب بظاهره ، والآية الكريمة اقتضت بظاهرها أنّ عدم الوجدان كاف في [ التيمّم (٣) ] ، وحينئذ يمكن تقييد الإطلاق في الآية بالخبر إن صلح لذلك ، وإن كان في تقييد الإطلاق بالأخبار نوع كلام ذكرته في حاشية التهذيب.

والذي يقال هنا : إنّ الخبر الدال على التأخير إذا حمل على الاستحباب لم يكن الطلب واجباً ما دام في الوقت ، ويشكل الحال بأنّ ظاهر الآية وإن كان عدم الوجدان دون الطلب ، إلاّ أنّ العلاّمة في المختلف قال : إنّه لا يثبت كون الإنسان غير واجد إلاّ بعد الطلب ، لجواز أن يكون الماء بقربه ولا يعلمه ، ولهذا لم يعدّ من لم يطلب الرقبة في كفّارة الظهار غير واجد ولم يبح له الصوم حتى يطلب (٤). وهذا الكلام له نوع وجه. وعليه فالخبر لا يقيد إطلاق الآية بل يفيد مدلولها على وجه أوضح.

__________________

(١) راجع ص ٧٥٩.

(٢) راجع ص ٧٥٢.

(٣) في النسخ : الوضوء ، والظاهر ما أثبتناه.

(٤) المختلف ١ : ٢٥٥ بتفاوت يسير.

٥٢

وقد يقال : إنّ ظاهر الخبر إذا لم يجد الماء فليطلب ، وهذا يدل على أنّ الطلب زائد.

وفي نظري القاصر إمكان توجيه الاستحباب بأنّ المطلوب منه كون الطلب ما دام في الوقت غير واجب ، لأنّ مطلق الطلب غير واجب ، أمّا من يقول بالتضيق مطلقا كالشيخ ، فالخبر يحتاج بالنسبة إلى الآية ليكون مقيداً أو مخصصا إلى نوع تأمّل لا ينبغي الغفلة عنه.

الثاني : ذكر بعض محققي المتأخرين قدس‌سره إنّ من الأدلة على التوسعة في التيمم مطلقا الأخبار الدالة على أفضلية أوّل الوقت أو تعينه.

وقولهم عليهم‌السلام : « رب الماء ورب الصعيد واحد » (١).

والخبر الصحيح الدال على أنّ المتيمم إذا أصاب وقد دخل في الصلاة ينصرف ما لم يركع ، فإن كان قد ركع مضى في صلاته ، فإنّ التيمم هو أحد الطهورين (٢). قال : ومن المعلوم أنّ هذا الحكم لا يتم الاّ مع سعة الوقت.

وكذلك الأخبار الصحيحة الدالة على أنّ الرجل يصلّي صلاة الليل والنهار بتيمم واحد (٣).

وصحيح حماد : قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل لا يجد الماء يتيمم لكل صلاة؟ فقال : « لا ، هو بمنزلة الماء » (٤) وغير ذلك من الأخبار.

ثم قال قدس‌سره : ولأنّ وجوب تأخير التيمم إلى آخر الوقت إنّما هو‌

__________________

(١) انظر الوسائل ٣ : ٣٨٦ أبواب التيمم ب ٢٣ ح ٦.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٨١ أبواب التيمم ب ٢١ ح ١.

(٣) الوسائل ٣ : ٣٧٩ أبواب التيمم ب ٢٠ ح ١.

(٤) الوسائل ٣ : ٣٧٩ أبواب التيمم ب ٢٠ ح ٣.

٥٣

لوقوع الصلاة في آخره على ما هو الظاهر ، ويدلُّ عليه الخبر الدال على التأخير حيث قال : « فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت » (١) فيكون الأمر سهلا ، إذ يجوز للإنسان أن يصلّي النوافل دائماً فيجوز أن يتيمم في أوّل الوقت بل قبل الوقت للنافلة أو صلاة نذر ثم يدخل الوقت فيصلّي دائماً متيمّماً ، وحينئذ يصير تأخير التيمم من الشارع إلى آخر الوقت عبثا (٢). انتهى ملخصا. وهو كلام لا بأس به في مقام التأييد ، إلاّ أنّه لا يخلو من مناقشة على تقدير إرادة الاستقلال بالاستدلال.

الثالث : من مؤيّدات الحمل على الاستحباب فيما دل على التأخير ما سيأتي في رواية محمد بن حمران من قوله عليه‌السلام : « واعلم أنّه ليس ينبغي لأحد أن يتيمم إلاّ في آخر الوقت » (٣) فإنّ لفظ « لا ينبغي » له ظهور في الاستحباب. وجعل شيخنا قدس‌سره خبر محمد بن حمران صحيحا (٤) ، وسنذكر حال سنده هنا إن شاء الله.

قوله :

باب الجنب إذا تيمم وصلّى هل تجب عليه الإعادة أم لا؟

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن العيص قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل يأتي الماء وهو جنب‌

__________________

(١) الوسائل ٣ : ٣٨٤ أبواب التيمم ب ٢٢ ح ٢.

(٢) مجمع الفائدة ١ : ٢٢٣ ٢٢٤.

(٣) الاستبصار ١ : ١٦٦ / ٥٧٥ ، ويأتي في ص ٩٨.

(٤) المدارك ١ : ٢١٠.

٥٤

وقد صلّى قال : « يغتسل ولا يعيد الصلاة ».

وبهذا الاسناد عن الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب فتيمم بالصعيد وصلّى ثم وجد الماء فقال : « لا يعيد إنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين ».

عنه ، عن النضر ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول « إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليمسح من الأرض وليصلِّ ، فإذا وجد الماء فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلّى ».

السند‌ :

في الأوّل ليس فيه ارتياب ، غير أنّه اتفق للعلاّمة بسبب العيص شي‌ء لا بأس بالتنبيه عليه ، وهو أنّ العيص قد صرح النجاشي والعلاّمة تبعاً بأنّه ابن أُخت سليمان بن خالد (١) ، ثم إنّ العلاّمة ذكر في الخلاصة الحكم بن عيص ، وهذا لم يذكره أحد من أصحاب الرجال ، وفي الخلاصة بعد قوله : الحكم بن عيص ، قال : روى الكشي عن محمد بن الحسن الرازي ، عن إسماعيل بن محمد بن موسى ، عن الحكم بن عيص ابن خالة سليمان بن خالد قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّه يعرف هذا الأمر (٢) ، انتهى.

ولا يخفى بأيسر نظر أنّ الحديث في الكشي مغلوط ، وأنّ الصواب : عن الحكم عن عيص أنّ خاله سليمان ، لأنّه قد علم أنّ خاله سليمان ، لا أن الحكم بن عيص ابن خالة سليمان ، ولا العيص ابن خالة سليمان أيضاً ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٠٢ / ٨٢٤ ، الخلاصة : ١٣١ / ١٧.

(٢) الخلاصة : ٦٠ / ١.

٥٥

وعلى تقدير البناء على الموجود فالرواية متهافتة المتن ، بخلاف ما إذا كان الكلام بما ذكر ، وهو أنّ خاله قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إنّ العيص يعرف هذا الأمر ، فلا ينبغي الغفلة عن هذا وأمثاله.

والثاني : لا خفاء فيه أيضا بعد ما كرّرنا القول سابقا.

والثالث : فيه النضر ، والظن على أنّه ابن سويد لا يعتريه شوب شك بعد الممارسة للأخبار وكتب الرجال.

المتن :

في الأخبار الثلاثة صريح الدلالة على إجزاء الصلاة الواقعة بالتيمم وهي شاملة لعدم الإعادة في الوقت وخارجه ، وما دل من الأخبار السابقة على أنّ من وجد الماء في الوقت لا يلزمه الإعادة ظاهر التأييد لهذه الأخبار ، وقد أسلفنا استدلال بعض الأصحاب بظواهر بعض هذه الأخبار على توسعة وقت التيمم من حيث التعليل بأنّ ربّ الماء ربّ الصعيد فقد فعل أحد الطهورين (١).

أمّا ما تضمنه خبر يعقوب بن يقطين (٢) من الإعادة في الوقت فأقرب شي‌ء إلى حمله الاستحباب فيما أظنه.

وقد اتفق للعلاّمة أنّه استدل بخبر يعقوب بن يقطين على وجوب التأخير مع رجاء زوال العذر بعد أن مهّد له ما هذه صورته : الثاني : لو جاز التيمّم في أوّل الوقت والصلاة به لما وجب عليه إعادتها بعد وجود الماء ، والتالي باطل فالمقدم مثله ؛ ثم بيّن الشرطية بأنّ الأمر يقتضي الإجزاء‌

__________________

(١) راجع ص ٧٦٤ ، ٧٦٥.

(٢) المتقدم في ص ٧٥٥.

٥٦

وبطلان الثاني برواية يعقوب (١).

وأنت خبير بأنّ الأخبار الدالة على عدم الإعادة مطلقا تقتضي حمل خبر يعقوب على الاستحباب فيما يظهر ، ولا أقل من الاحتمال ، فالحكم من العلاّمة بأنه يقتضي الوجوب من غير التفات إلى المعارض لا يخلو من غرابة.

وقد ذكرت في حواشي المختلف غير ذلك ممّا يزيد في الإيراد على استدلاله بالخبر.

ولا يخفى اشتمال الخبر الثالث على الأرض ، وما تضمن الصعيد وهو الثاني لا يفيد حكماً ، لأنّه من كلام السائل ، ولا إشكال في صحة التيمم بالصعيد ، ولا حصر في الخبر من جهة تقرير الإمام ، على أنّ التقرير في المقام غير ظاهر ، بل هو سؤال عن فرد من الأفراد ، وكثيراً ما يغفل عن ذلك وهو من المهمات ، فليتأمّل فيه حق التأمّل.

قال :

فأما ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن جعفر بن بشير ، عمن رواه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة ويخاف على نفسه التلف إن اغتسل قال : « يتيمم فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة ».

ورواه أيضا عن سعد و (٢) محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ،

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٥٤ بتفاوت يسير.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٦١ / ٥٦٠ : ورواه أيضا سعد عن ، وهو موافق للتهذيب ١ : ١٩٦ / ٥٦٨.

٥٧

عن جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن سنان أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثل ذلك.

فأوّل ما فيه أنّه خبر مرسل منقطع الإسناد ، لأنّ جعفر بن بشير في الرواية الأُولى قال : عمن رواه. وفي الرواية الثانية قال : عن عبد الله بن سنان أو غيره فأورده وهو شاك ، وما يجري هذا المجرى لا يجب العمل به ، ولو صحّ الخبر على ما فيه لكان محمولاً على من أجنب نفسه مختاراً لأنّ من كان كذلك ففرضة الغسل على كل حال ، فإذا لم يتمكن تيمم وصلّى ثم أعاد إذا تمكن من استعماله.

السند‌ :

في الخبرين مرسل ، ورجاله المذكورون لا ارتياب فيهم كما قدّمناه ، غير أنّ سند الثاني لا يخلو من تشويش في النسخ التي رأيتها ، ففي البعض ما نقلته ، ولفظ عن سعد لا وجه له ، إذ لا يوجد في غير هذا الموضع على ما أظن رواية محمد بن أحمد بن يحيى عن سعد ، بل المذكور في رجال الشيخ أنّ سعداً يروي عنه (١) ، واحتمال رواية كل منهما من الآخر في غاية البعد ، فالظاهر أنّ لفظ « عن » زائدة.

ثم في النسخة كما ترى : ومحمد بن الحسين. وهو يؤيّد أن يكون الراوي عن سعد محمد بن أحمد بن يحيى لأنّه يروي عن محمد بن الحسين في الخبر الأوّل ، لكن الحال ما سمعته ، وفي بعض النسخ : ورواه عن سعد محمد بن الحسين. وهو أيضا كالأول في الإشكال.

__________________

(١) رجال الطوسي : ٤٩٣ / ١٢.

٥٨

وما ذكره العلاّمة في الخلاصة من أنّ محمد بن الحسين من رجال الجواد عليه‌السلام (١) ، المفيد بحسب ظاهره الاختصاص به عليه‌السلام ، وسعد لم يدرك الجواد عليه‌السلام على ما في الرجال غير محتاج إليه ، فإنّ الممارسة تنفي ذلك ، وما قاله العلاّمة محل كلام ، لأن الشيخ رحمه‌الله ذكر محمد بن الحسين في رجال العسكري عليه‌السلام من كتابه (٢) ، والعلاّمة كأنّه لم يتتبّع كتاب الشيخ ؛ وقد ذكر النجاشي أنّ سعداً لقي أبا محمد عليه‌السلام ، لكن قال : رأيت أصحابنا يضعّفون لقاءه لأبي محمد ويقولون : هذه حكاية موضوعة عليه. والله أعلم (٣). انتهى.

ولا يخفى أنّ كلام النجاشي ظاهره الجزم باللقاء والتوقف في قول بعض الأصحاب ، إلاّ أنّ هذا لا فائدة له بعد ما قدمناه ، ولا يذهب عليك الإجمال في حكاية النجاشي عن بعض الأصحاب ، فإنّ الظاهر من الكلام أوّلاً حكاية تضعيف اللقاء ، وثانيا كون الحكاية موضوعة ، فإن كان سبب تضعيف اللقاء كون الحكاية موضوعة فلا وجه له ، إذ لا يلزم من كون الحكاية موضوعة تضعيف اللقاء ، إلاّ إذا كان اللقاء منحصراً في الحكاية ، وظاهر المقام خلافه ؛ وإن كان قول بعض الأصحاب مشتملاً على أمرين : تضعيف اللقاء ، وكون الحكاية موضوعة ، فالتعبير من النجاشي بقوله : ويقولون : هذه حكاية موضوعة عليه. غير لائق ، لأنّ الإشارة ظاهرة في خلاف هذا ، والمعهود من النجاشي سلامة التعبير عن المراد.

فإن قلت : على تقدير تعدد المحكي أيّ حكاية هي؟ قلت : في كتاب كمال الدين للصدوق ذكر رواية في طريقها جهالة تضمّنت أنّ‌

__________________

(١) الخلاصة : ١٤١ / ١٩.

(٢) رجال الطوسي : ٤٣٥ / ٨.

(٣) رجال النجاشي : ١٧٧ / ٤٦٧.

٥٩

العسكري عليه‌السلام كان يكتب والقائم عليه‌السلام يشغله عن الكتابة ويقبض على أصابعه وكان يلهيه بتدحرج رمانة ذهب كانت بين يديه (١). وجعل بعض هذا من أمارات الوضع ، وغير ذلك أيضا ممّا تضمّنته الرواية ، ولا يخفى عليك الحال.

وبالجملة : فالظاهر في السند أن يقال : ورواه سعد عن محمد بن الحسين.

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من نظر ، أمّا أوّلاً : فما ذكره من أنّ جعفر ابن بشير قال تارة عمّن رواه ، وأُخرى عن عبد الله بن سنان أو غيره ، فيكون شاكّاً ، وذلك يقتضي عدم العمل بالخبر. ففيه : أنّ هذا لا وجه لردّ الخبر به إن كان مأخوذاً من الأُصول ( المعتمدة ) (٢) كما يستفاد من كلام الشيخ وغيره ، وإن كانت الرواية إنّما يعمل بها لصحة الاسناد المتعارف عند المتأخّرين فالإرسال كاف ، ولا ريب أنّ الثاني منتف عند المتقدمين ، فتعيّن الأوّل وقد عرفت حاله (٣).

ثم إنّ الشك من الراوي لا يوجب ردّ روايته ، وعدّه من الاضطراب محل كلام.

وأمّا ثانياً : فلأن ما ذكره من أنّ متعمّد الجنابة يغتسل على كل حال ، وأنّه إذا لم يتمكن يتيمم ويصلّي (٤) ثم يغتسل ويعيد الصلاة ، إن أراد الغسل

__________________

(١) كمال الدين : ٤٥٤ / ٢١.

(٢) بدل ما بين القوسين في « فض » : قطعاً ، وساقط عن « د ».

(٣) راجع ص ٧٦٩.

(٤) ليست في « فض ».

٦٠