إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

من احتماله الاستحباب.

واعترض عليه شيخنا قدس‌سره بأنّه مناف لاستدلاله به على وجوب الوضوء في غسل الحيض ونحوه (١).

والذي ذكره المحقق في توجيه الاستدلال بهذا الخبر في الوضوء مع غسل الحيض ونحوه هو : أنّه لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجباً ، بل من الجائز أنّ يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه ، وغيره يجوز ، ولا يلزم من الجواز الوجوب (٢). وقد تبعه على هذا جدّي قدس‌سره في شرح الإرشاد (٣).

وفي نظري القاصر أنّ هذا مستغرب من المحقّق ؛ لأنّ احتمال الجواز في مثل هذا لو أثّر انتفى الاستدلال بكثير من الأخبار ، كما قدّمناه ؛ وكون الجواز أعم من الوجوب مسلّم على تقدير وقوع الجواز في الخبر لاحتماله ؛ وغير بعيد أنّ يكون غرض المحقق بذكر الجواز الإشارة إلى أنّ غسل الجنابة لمّا لم يجز معه الوضوء علم أنّ المراد بالوضوء في غيره الجواز ، فكأنّه عليه‌السلام قال : كل غسل فيه الوضوء جائز إلاّ (٤) غسل الجنابة فلا يجوز.

ولا يخفى عليك أنّ لقائلٍ أنّ يقول : إنّ ما دل على الوضوء مع غسل الجنابة يمكن حمله على الاستحباب كما ذهب إليه الشيخ (٥) فلا يتم مطلوب المحقق ؛ إلاّ أن يقال : إنّ ما دل على الوضوء محمول على التقية بل هو صريح فيها ، ولا عبرة بقول الشيخ. وفيه : أنّ مقام الاستدلال غير هذا ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٨٣.

(٢) المعتبر ١ : ٢٦٧.

(٣) روض الجنان : ١٠١.

(٤) في « فض » زيادة : في.

(٥) التهذيب ١ : ١٤٠.

٤٢١

فتأمّل.

نعم الأولى أنّ يقال : إنّ ظاهرها وإنّ أفاد الوجوب إلاّ أنّ الأخبار المظنون انتفاء الوضوء منها يدل على أنّ المراد من الخبر استحباب الوضوء ، لكن لا يخفى أنّ هذا يضرّ بحال الاستدلال بالخبر على وجوب الوضوء في الأغسال غير الجنابة.

فما وقع في كلام بعض من الاستدلال به على أنّ غير الجنابة من الأغسال يجب فيه الوضوء ، ثم في بحث الأموات قال : إنّ هذا الخبر يعني خبر ابن أبي عمير معارض بعدّة أخبار دلت على عدم الوضوء فضلاً عن وجوبه. لا يخلو من تنافر.

إلاّ أنّ يقال : إنّ الاستدلال به في وجوب الوضوء نظراً إلى ظاهر اللفظ ، وفي غسل الميت خصّصته (١) الأخبار.

وفيه : أنّ تخصيصه يقتضي عدم إرادة الوجوب منه إلاّ بتكلف يستغنى عنه.

وما أجيب به عن الخبر من أنّه مرسل لا يخلو من وجه ، كما أشرنا إليه في أول الكتاب ، وقد وجدت الآن للشيخ في هذا الكتاب في آخر باب العتق ردّ حديث رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابه بالإرسال (٢).

أمّا الاستدلال على عدم الوضوء في غسل الأموات بتشبيهه في بعض الأخبار بالجنابة فقد أجاب عنه العلاّمة في المختلف : بمنع المماثلة من كل وجه ، وإلاّ لزم الاتّحاد ونفي المماثلة ، وكل حكم يؤدّي ثبوته إلى نفيه يكون محالاً ، وإذا وجب حملها على البعض لا يتمّ الاستدلال ، لأنّا نمنع‌

__________________

(١) في « د » : خصته.

(٢) انظر الإستبصار ٤ : ٢٧.

٤٢٢

من مماثلتها في إسقاط الوضوء (١). انتهى.

ويتوجه عليه أنّه صرّح في باب الجمعة من المختلف بتحريم الكلام على من يسمع الخطبة ؛ للخبر الدال على أنّ الخطبتين صلاة ، فقال بعد أنّ وجّه أنّ المراد كونهما مثل الصلاة : وإنّما يتم المماثلة لو عمت المساواة في جميع الأحكام إلاّ ما يعلم انتفاؤه عنه ؛ إذ لو اكتفي بالتساوي من بعض الوجوه لم يكن للتخصيص بالخطبتين فائدة ؛ لأن كل شي‌ء يشارك كل شي‌ء في بعض الاعتبارات ولو في صحة المعلومية (٢). وغير خفي دلالة هذا الكلام على ما يخالف قوله السابق.

والأولى في الجواب ما ذكره بعض المحقّقين من أنّ المماثلة إضافية ، فما لم يعلم جهة المماثلة لا يمكن الاستدلال على العموم ولا الخصوص ، على أنّه سيأتي إنشاء الله تمام الكلام في الأخبار المعارضة.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ ما تضمنه الخبر المبحوث عنه من قوله : « يطرح فيه سبع ورقات » لا يبعد أنّ يعود إلى قوله : « يغسل رأسه بالسدر » كما يستفاد من كلام من رأينا كلامه من الأصحاب حيث نقل القول بمقدار سبع ورقات في ماء السدر.

واحتمال أنّ يراد كون السبع ورقات في الماء القراح له ظهور من اللفظ كما في الخبر الرابع ؛ ولعلّ جدّي قدس‌سره فهم ذلك كما نقلناه عنه سابقاً عند ذكر كلام القاموس (٣) ، لكن هذا غير معهود فيما وجدته الآن من كلام الأصحاب.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٢٣.

(٢) المختلف ٢ : ٢٣٣.

(٣) في : ١٠١١.

٤٢٣

والثاني : كما ترى كالأول ، وقد أشرنا إليه سابقاً (١).

والثالث : فيه دلالة على أنّ مسح البطن قبل الغسل ؛ وما تضمنه من وضع السدر في ماء الوضوء ، (٢) يستفاد منه الاستحباب لو صلح لذلك.

وأمّا الرابع : فقد اختلف متنه هنا وفي التهذيب ؛ أمّا هنا فدلالته على العصر أوّلاً ثم الوضوء بالأُشنان ثانياً. وفي التهذيب أمرني أبو عبد الله عليه‌السلام أنّ أعصر بطنه ثم أُوضّيه ، ثم أغسله بالأُشنان ، ثم أغسل رأسه (٣). وعلى ما هنا يحتمل أنّ يراد بالوضوء التنظيف لا وضوء الصلاة ، لكن ما في التهذيب له ظهور في الوضوء الشرعي مع احتمالٍ ما لغيره.

والكلام في قوله : « وأطرح فيه سبع ورقات » قد قدّمنا ما فيه.

وما تضمنه من الغسل بالقراح في الأثناء ؛ مدلول بعض الأخبار غيره أيضاً.

وأمّا الخامس : فالأمر فيه لا يخلو من إجمال ؛ ولا يبعد أنّ يكون قوله : « إنهم يأمرونك » إشارة إلى أهل الخلاف ؛ إلاّ أنّ قوله : « هذا كتاب أبي » خفيّ المرام ، إلاّ أنّ يراد دفعهم بعدم مخالفة الوصية ، وهم أعلم بالحقائق.

اللغة :

قال في القاموس : الأُشنان بالضم والكسر معروف (٤). وفيه‌

__________________

(١) في ١٠١٦.

(٢) في « فض » زيادة : ربما.

(٣) التهذيب ١ : ٣٠٣ / ٨٨٢ ، الوسائل ٢ : ٤٨٤ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٨.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ١٩٨ ( الأُشنة ).

٤٢٤

الكرسف كعصفر القطن (١).

قوله :

فأما ما رواه الحسين بن سعيد ، عن يعقوب بن يقطين قال : سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن غُسل (٢) الميت ، أفيه وضوء الصلاة أم لا؟ فقال : « غُسل الميت تبدأ بمرافقه فيغسل (٣) بالحُرض ، ثم يغسل (٤) وجهه ورأسه بالسدر ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرّات ، ولا يغسل إلاّ في قميص يدخل رجل يده ويصبّ الماء من فوقه ، ويجعل في الماء شي‌ء من سدر وشي‌ء من كافور ، ولا يعصر بطنه إلاّ أنّ يخاف شيئاً قريباً فيمسح به رفيقاً من غير أنّ يعصر ، ثم يغسل الذي غسّل يده قبل أنّ يكفنه إلى المنكبين ثلاث مرّات ، ثم إذا كفّنه اغتسل ».

فلا ينافي الأخبار الأُولى ؛ لأنّ الذي تضمن الخبر بيان غسل الميت ولم يحتج إلى بيان شرح الوضوء ، لأنّ ذلك معلوم ، ولم يعدل عن شرحه لأنّه غير واجب ، بل لما قدمناه.

وأمّا ما روي من الأخبار في : أنّ غُسل الميت مثل غُسل الجنب سواء ، فإذا كان غُسل الجنب ليس فيه وضوء فكذلك غُسل الميت ، فيعارضها الأخبار التي رويت في أنّ كل غُسل فيه الوضوء إلاّ الغُسل من الجنابة ، وإذا كان غُسل الميت غير غُسل الجنابة يجب أنّ يثبت فيه‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ١٩٥ ( كرسف ).

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ لا يوجد : غسل.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ : فتغسلها.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣١ لا يوجد : يغسل.

٤٢٥

الوضوء ؛ على أنّ الوجه في قولهم : غسل الميت مثل الجنابة ، هو بيان كيفية الغسل ومراعاة الترتيب فيه ؛ لأنّهما على حدّ واحد وإنّ كان في أحدهما وضوء وليس في الآخر وضوء ، كما أنّ غُسل الحيض مثل غُسل الجنابة وإنّ كان فيه وضوء على ما بيّناه ، وليس في غُسل الجنابة.

روى ما ذكرناه علي بن الحسين ، عن عبد الله بن جعفر ، عن إبراهيم بن مهزيار ، عن أخيه علي بن مهزيار ، عن فضالة بن أيوب ، عن القاسم بن بريد (١) ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « غُسل الميت مثل غُسل الجنب ، وإنّ كان كثير الشعر (٢) فزد عليه (٣) ثلاث مرّات ».

والذي يعارضه ما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد بن عثمان ، أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في كل غُسل وضوء إلاّ غُسل (٤) الجنابة ».

والوجه في الجمع بينهما ما قدّمناه.

السند :

في الأوّل : لا ارتياب في صحّته.

والثاني : وإنّ كان الطريق إلى علي بن الحسين غير مذكور في‌

__________________

(١) في « رض » : يزيد.

(٢) في « فض » : السفر.

(٣) في الاستبصار ١ : ٢٠٨ / ٧٣٢ زيادة : الماء.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٣ لا يوجد : غسل.

٤٢٦

المشيخة ، إلاّ أنّ الشيخ في الفهرست ذكر الطريق إلى جميع كتبه ورواياته من غير ارتياب فيه (١).

وعبد الله بن جعفر هو الحميري الثقة الجليل.

أمّا إبراهيم بن مهزيار ففي توثيقه كلام ، وأمّا ما قاله شيخنا أيّده الله في كتاب الرجال : من أنّه يستفاد من تصحيح العلاّمة طريق الصدوق إلى بحر السقّاء توثيقه (٢). موضع نظر.

والثالث : فيه الإرسال ، وقد قدّمنا القول في مراسيل ابن أبي عمير في أول الكتاب مفصلاً (٣) ، وفي المبحث (٤) السابق مجملاً ، والمقصود بإعادته فيما قرب دفع ما يظن أنّ مراسيل ابن أبي عمير متّفق على قبولها ، والحال أنّ الشيخ قد سمعت ما نقلناه عنه (٥).

المتن :

في الأوّل : ما ذكره الشيخ فيه لا يخلو من إجمال ؛ إذ الظاهر منه أنّ مورد الخبر بيان الغُسل لا الوضوء ، والحال أنّ السائل سأل عن الوضوء فكيف يكون الجواب خالياً عنه لو كان واجباً إنّ كان السؤال عن الوجوب والندب؟! وإنّ كان السؤال عن غيرهما لكان الخلوّ عن جواب السائل لا بدّ له من نكتة.

وقول الشيخ : إنّه لم يحتج إلى بيان شرح الوضوء ؛ لأنّ ذلك معلوم.

__________________

(١) الفهرست : ٩٣ / ٣٨٢.

(٢) منهج المقال : ٢٨.

(٣) راجع ص ٧٢.

(٤) في « رض » : البحث.

(٥) راجع ص ٧٣.

٤٢٧

غريب ؛ لأنّ السؤال عنه ، فكيف يكون معلوماً؟!

وقوله : لم يعدل عنه لأنّه غير واجب ، بل لما قدّمناه. إنّ أراد بما قدّمه هو كونه معلوماً لزم ما ذكرناه ، وإنّ أراد لكونه مذكوراً في الأخبار الأُخر فالسائل لا يُعلم علمه بالأخبار أوّلاً.

وفي نظري القاصر أنّه لا يبعد أنّ يكون السؤال عن دخول الوضوء في غُسل الميت على أنّ يكون جزءاً منه ، لا عن وجوبه واستحبابه ، والجواب حينئذٍ يطابق السؤال ، على معنى أنّه وافٍ به ؛ لأنّه عليه‌السلام قال : « غُسل الميت تبدأ بمرافقه » إلى آخره فكأنه قال : ليس الوضوء جزءاً ، بل الغُسل كذا وكذا.

على أنّ في الخبر احتمالاً وهو أنّ يكون المبدوّ به الوضوء ، وهو غَسل المرافق ، وإطلاق الوضوء على هذا مستعمل ، إلاّ أنّ ما في الأخبار من وضوء الصلاة يأبى هذا إلاّ بتكلّف.

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب : من أنّ هذه الرواية صحيحة السند وهي كالصريحة في عدم وجوب الوضوء ؛ لأن السؤال فيها عن غُسل الميت أفيه وضوء أم لا؟ فأجاب عليه‌السلام بذكر كيفيّة الغُسل وما يستحب فعله قبل الشروع ، إلى أنّ ذكر التكفين ، فلا يكون واجباً ، وإلاّ لوجب ذكره في جواب السؤال.

محلّ بحث أمّا أوّلاً : فلما قلناه.

وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله قدس‌سره : وما يستحب فعله. يقتضي أنّ الوضوء لا يستحب أيضاً ؛ لأنّ ما ذكره عليه‌السلام من المستحبات (١) قبل الشروع ينبغي أنّ‌

__________________

(١) في « فض » : الاستحباب.

٤٢٨

ينفي الوضوء استحباباً ، كما أنّ عدم ذكر الوضوء في الواجبات ينفيه وجوباً ، والحال أنّه قدس‌سره قائل بالاستحباب فما هو الجواب فهو الجواب.

إذا عرفت هذا فالذي يقتضيه ظاهر الحديث هو غَسل الوجه والرأس بالسدر ، ثم يفاض عليه الماء ثلاث مرّات ، ولم يذكر الكافور.

والذي يستفاد من خبر معاوية بن عمّار السابق أنّ إفاضة الماء ثلاث مرّات على السدر ، ثم غسله بالماء القراح ، ثم ماء الكافور.

وقوله عليه‌السلام في الخبر المبحوث عنه : « ويجعل في الماء شي‌ء من سدر وشي‌ء من كافور » إنّ أُريد به الغسلة الثانية فالسدر غير معروف كونه موضوعاً مع الكافور.

وقوله عليه‌السلام : « ولا يعصر بطنه » في الظاهر يعود إلى الغسلة الثانية إن جعلنا الماء الذي فيه السدر والكافور هو ماء الثانية ، والحال أنّ الشيخ جعل العصر في الغسلتين ، وإنّ جعلنا قوله : « ولا يعصر » راجعاً لجميع (١) الحالات فالإشكال واضح ، على أنّ ظاهر الخبر أنّ مع الخوف لا يُعصر مطلقاً.

فإنّ قلت : هذا الخبر لا يخلو من إجمال ، لكن غيره ممّا دلّ على التفصيل موجود ، فأيّ حاجة إلى ما ذكرت؟

قلت : الذي يقتضيه التأمّل في أخبار التغسيل أنّها لا تخلو من إجمال ، ألا ترى إلى ما رواه ابن مسكان ممّا هو معدود في الصحيح عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن غسل الميت ، فقال : « اغسله بماء وسدر ، ثم اغسله على أثر ذلك غسلة اخرى بماء وكافور وذريرة إنّ كانت واغسله‌

__________________

(١) في « د » و « فض » : بجميع.

٤٢٩

ثالثاً (١) بالقراح » قلت : أغسله ثلاث غسلات لجسده كلّه؟ قال : « نعم » (٢) الحديث.

وغير خفيّ أنّ ظاهره وجوب الذريرة (٣) ولا قائل به فيما أظن (٤) ، ولا أقلّ من الاستحباب ، ولم يذكره أيضاً من رأينا كلامه من الأصحاب.

ثم إنّ ما هو مشهور بين المتأخّرين من الترتيب بين الأعضاء في كلّ غَسلة لا تخلو استفادته من الروايات من خفاء ، نعم في الرواية الآتية من أنّه كغُسل الجنابة احتمال الاستفادة ، وإنّ كان فيها نوع إجمال ؛ لأن التشبيه يحتمل أنّ يكون لمجموع الغُسل ، ويحتمل للقراح ، ويحتمل التشبيه باعتبار الماء ، كما يستفاد من قوله عليه‌السلام : « وإنّ كان كثير الشعر فزد عليه ثلاث مرّات ».

وفي حسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا أردت غُسل الميت فاجعل بينك وبينه ثوباً يستر عورته إمّا قميصاً أو غيره ، ثم تبدأ بكفّيه وتغسل رأسه ثلاث مرّات بالسدر ، ثم سائر جسده ، وابدأ بشقّه الأيمن » إلى أنّ قال : « فإذا فرغت من غَسله بالسدر فاغسله مرّة أُخرى بماء وكافور وشي‌ء من حنوطه ، ثم اغسله بماء بحت (٥) غسله أُخرى » (٦).

وهذه الرواية كما ترى وإنّ كان (٧) فيها نوع من الترتيب ، إلاّ أنّها‌

__________________

(١) في التهذيب ١ : ١٠٨ / ٢٨٢ : الثالثة.

(٢) الكافي ٣ : ١٩٣ / ٢ ، التهذيب ١ : ١٠٨ / ٢٨٢ ، الوسائل ٢ : ٤٧٩ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ١.

(٣) الذريرة : فتات من قصب الطيب لسان العرب ٤ : ٣٠٣.

(٤) في « فض » : أمكن.

(٥) في « رض » خالص.

(٦) الكافي ٣ : ١٣٩ / ١ بتفاوت يسير ، الوسائل ٢ : ٤٨٠ أبواب غسل الميت ب ٢ ح ٢.

(٧) ليست في « فض ».

٤٣٠

لا تخرج عن حيّز الإجمال ؛ لأنّ قوله : « تغسل رأسه ثلاث مرّات بالسدر ثم سائر جسده » ظاهر في أنّ الترتيب بين الرأس والبدن فقط ، لا بين الأيمن من الجانبين والأيسر ، وقوله : « وابدأ بالشقّ الأيمن » كما يحتمل أنّ يكون في البدن فيفيد الترتيب في الجانبين يحتمل أنّ يراد في الرأس ، لأنّ البدأة في الغسل به.

وعلى تقدير الشمول فالدلالة على ترتيب جميع الجانب غير ظاهرة.

ولو قلنا إنّه (١) كغُسل الجنابة في تقديم الرأس على الجسد كما هو مدلول الأخبار في الجنابة ، ففيه : أنّ الإجماع قد ادّعاه الشيخ على الترتيب ( المقرّر عند المتأخرين ) (٢) في الجنابة ، والظاهر منه وممّن تابعه مشاركة غُسل الميت له على الإطلاق ، ولا يبعد استفادة الترتيب في الجانبين من قوله : « وابدأ بالشقّ الأيمن » بنوع من التوجيه.

غير أنّ العجب من شيخنا قدس‌سره أنّه عند قول المحقّق في الشرائع : ثم يغسل بالسدر يبدأ برأسه ثم بجانبه الأيمن ثم الأيسر. قال : مذهب الأصحاب خلا سلاّر أنّه يجب تغسيل الميت ثلاث غسلات بماء السدر ثم بالكافور (٣) ثم بالماء القراح ، وحجّتهم الأخبار المستفيضة عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم ، ثم ذكر حسنة الحلبي وصحيح ابن مسكان ـ إلى أنّ قال ـ : والأظهر وجوب الترتيب في الغسلات وبينها ، وقول ابن حمزة باستحباب الترتيب بينها ضعيف (٤). انتهى.

__________________

(١) في « رض » زيادة : يغسل.

(٢) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٣) في « رض » : بماء الكافور.

(٤) مدارك الأحكام ٢ : ٧٨.

٤٣١

ووجه التعجّب يظهر ممّا قرّرناه في الخبرين ، وما نقله عن ابن حمزة قد حكى في المختلف أنّ كلامه يشعر بأنّ الترتيب بين هذه الأغسال غير واجب (١).

ثم إنّ العلاّمة استدل بالأحاديث على الترتيب ، وذكر منها حسنة الحلبي (٢) فقط.

وبالجملة : فالمشهور لا خروج عنه ، إلاّ أنّ الكلام في إجمال الأخبار مع عدم الالتفات إلى البيان ، هذا.

وما ذكره الشيخ رحمه‌الله في الخبر المتضمّن لأنّ غُسل الميت مثل غُسل الجنب فقد تكلّمنا فيه سابقاً (٣) حيث إنّ العلاّمة تعرّض للكلام فيه.

ونقول هنا : إنّ ما ذكره الشيخ : من معارضة ما دلّ على أنّ كل غُسل فيه الوضوء ، إلى آخره. فيه : أنّ المغايرة وإنّ حصلت ، إلاّ أنّ التخصيص غير ممنوع منه ، وحينئذ يجوز أنّ يكون كل غُسل من أغسال المكلّفين بقرينة ذكر غُسل الجنابة ، ولو سلّم التناول لغير ما ذكر ظاهراً ، فإذا دلّ الدليل على عدم الوضوء في غُسل الميت فأيّ مانع منه؟ ولو سلّم عدم الدليل على نفي الوضوء لكن وجوبه لا دليل عليه.

فإنّ قال : إنّ دليل الوجوب من ظاهر قوله : « كل غُسل فيه الوضوء » فإنّ الجملة الخبرية تفيد ذلك إذا كانت بمعنى الأمر.

أمكن أنّ يقال : إنّ كونها بمعنى الأمر موقوف على العلم بأنّ‌

__________________

(١) المختلف : ٢٢٥.

(٢) المختلف : ٢٢٥.

(٣) راجع ص ١٠٢١.

٤٣٢

الإمام عليه‌السلام عدل عن الأمر إلى الخبر لبيان أن (١) الطلب على الوجه الأبلغ كما هو مقرّر في فنّ البلاغة ، والعلم بهذا عزيز الحصول.

ولو قال : إنّ مثلهم عليهم‌السلام لا يعدلون في الخطاب إلى الجملة الخبرية إلاّ لما ذكر.

أمكن الجواب بأنه يجوز أنّ يكون العدول لدفع إرادة توهّم الوجوب من الأمر ، حيث إنّه حقيقة فيه أو مشترك بينه وبين الندب ، فالعدول قرينة الندب.

وهذا الوجه لم نذكره سابقاً في توجيه كلام المحقق ، وإنّما أخّرنا إلى هنا لبيان مرام الشيخ ، حيث إنّه يقول باستحباب الوضوء في غُسل الجنابة ، فاللازم عليه أنّ يحمل الخبر (٢) على أنّ كل غُسل فيه الوضوء واجب إلاّ غُسل الجنابة فليس بواجب.

لكن لا يخفى أنّ الاستثناء يتحقّق إذا كان الوضوء مستحباً في غُسل الجنابة ، فلا يتم المطلوب.

وما ذكره : من أنّ المراد بالمماثلة بيان الكيفيّة. غير واضح الدليل ، بل الظاهر من الخبر خلافه كما قدّمناه (٣) ، ولو قلنا بعدم الظهور فالمماثلة في حيّز الإجمال.

ولو قال الشيخ : إنّ المتبادر المماثلة في نفس الغُسل ، والوضوء خارج.

أمكن أنّ يقال : إنّ نفس الغُسل يتحقق المماثلة فيه من غير جهة الترتيب.

__________________

(١) ليس في « رض ».

(٢) ليس في « رض ».

(٣) راجع ص ١٠٢٧.

٤٣٣

ولو قال : إنّ الأخبار الدالة على عدم مقدار معيّن للماء في الأموات تدلّ على نفي المماثلة في ذلك.

أمكن أنّ يقال : إنّ المماثلة في كون الماء مطلقاً ، أو في كونه مفتقراً إلى النية ، أو إلى إزالة النجاسة أوّلاً عن بدنه من النجاسات الخبثيّة ، وإذا قام الاحتمال كفى في إبطال الاستدلال.

وما ذكره الشيخ في غُسل الحيض مسلّم ، إلاّ أنّه لا يدل على الحصر في الكيفية.

وإذا تمهّد هذا فالخبر الدال على المماثلة ربما استفيد منه الاكتفاء بالارتماس في غُسل الميت ، وعليه جماعة من المتأخّرين (١).

وأجاب عنه شيخنا قدس‌سره بضعف السند ، والخروج به عن الأخبار المستفيضة الواردة في كيفيّة الغُسل مشكل (٢). ولا يخفى عليك بعد ما قرّرناه من الإجمال قوة الإشكال.

وفي المدارك قال قدس‌سره في غُسل الحيض عند قول المحقّق : وكيفيّته مثل غُسل الجنابة : هذا مذهب العلماء كافّة ، ويدلُّ عليه مضافاً إلى الإطلاقات خصوص موثّقة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام قال : « غُسل الجنابة والحيض واحد » انتهى كلامه (٣).

ولا يخفى أنّ هذا الخبر لا يخلو من إجمال ؛ إذ من الجائز أنّ يراد التداخل لو اجتمعا ، ويجوز إرادة المماثلة في الكيفيّة الترتيبيّة ، أمّا الشمول‌

__________________

(١) منهم العلاّمة في القواعد ١ : ١٨ ، والشهيد الأوّل في الذكرى : ٤٥ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ٣٧٨ والشهيد الثاني في المسالك ١ : ١٢.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٨١.

(٣) مدارك الأحكام ٢ : ٣٥٧.

٤٣٤

للارتماس منه محلّ كلام لولا دعوى الاتفاق ، أمّا الإطلاقات فتناولها للارتماس مشكل ، ولعلّ عدم القائل بالمنع يسهّل الخطب.

اللغة :

قال في القاموس : فاض الماء يفيض فيضاً كَثُرَ ، ثم قال : وأفاض الماء على نفسه أفرغه (١) ، وفيه أيضاً الحُرض بضمّة وبضمّتين (٢) الأُشنان (٣).

قوله :

باب تجمير الكفن

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا تجمّر الكفن ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن يعقوب ، عن عدّة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد الكوفي ، عن ابن جمهور ، عن أبيه ، عن محمّد بن سنان ، عن المفضّل بن عمر قال : حدّثنا (٤) عبد الله بن عبد الرحمن ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : « لا تجمّروا الأكفان ولا تمسّوا (٥) موتاكم بالطيب إلاّ بالكافور ، فإنّ الميت بمنزلة المُحرِم ».

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ٣٥٣ ( فاض ).

(٢) في « رض » : وضمتين.

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٣٣٩ ( الحرض ).

(٤) في « ش » والاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٥ : وحدّثنا.

(٥) في الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٥ : ولا تمسحوا.

٤٣٥

وبهذا الاسناد عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني (١) ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى أنّ تتبع جنازة بمجمرة ».

الحسن بن محبوب ، عن أبي حمزة (٢) قال ، قال أبو جعفر عليه‌السلام : « لا تقرّبوا موتاكم النار » يعني الدخنة.

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن الحسن بن علي بن بنت إلياس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بدخنة كفن الميت ، وينبغي للمرء المسلم أنّ يدخن ثيابه إنّ كان يقدر ».

وما رواه غياث بن إبراهيم ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما‌السلام : « إنّه كان يجمّر الميت بالعود فيه المسك (٣) وربما (٤) جعل على النعش الحنوط ، وربما لم يجعله ، وكان يكره أنّ يتبع الميت بالمجمرة ».

فالوجه في هذين الخبرين أنّ نحملهما على ضرب من التقية ( لأنّهما موافقان لمذاهب (٥) العامة ) (٦).

السند :

في الأوّل : فيه الإرسال.

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٦ : والسكوني.

(٢) في الاستبصار ١ : ٢٠٩ / ٧٣٧ : ابن أبي حمزة.

(٣) في « فض » : المشك.

(٤) في الاستبصار ١ : ٢١٠ / ٧٣٩ : فربما.

(٥) في « رض » : لمذهب.

(٦) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٤٣٦

والثاني : فيه أحمد بن محمد الكوفي وهو البرقي ، وقد قدّمنا فيه القول (١) ، والعدّة التي تروي عنه كذلك ، والحاصل أنّ العلاّمة في الخلاصة نقل عن محمد بن يعقوب أنّه قال : كلما كان في كتابي عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد فهم : علي بن إبراهيم ، وعلي بن محمد (٢) ، وذكر غيرهما.

فإنّ قلت : من أين أنّ أحمد بن محمد الكوفي هو ابن خالد والحال أنّ في الرجال أحمد بن محمد الكوفي غيره موجود وأحمد وإنّ كان كوفياً إلاّ أنّ الإطلاق عليه غير معروف؟

قلت : القرينة باعتبار ذكر العدّة دالّة على أنّه ابن خالد ، وما ذكر في الرجال بلفظ أحمد بن محمد الكوفي بعيد المرتبة ؛ لأنّه من رجال الكاظم عليه‌السلام (٣) ، وغيره وإنّ أمكن إلاّ أنّ قرب الاحتمال ربما لا ينكر.

وأمّا ابن جمهور فالذي وقفت عليه في الرجال محمد بن جمهور ، وذكر النجاشي أنّه ضعيف في الحديث فاسد المذهب (٤). وذكره الشيخ أيضاً في رجال الرضا عليه‌السلام من كتابه (٥). والراوي عنه في النجاشي أحمد بن الحسين بن سعيد ، وابنه الحسن (٦).

وفي الفهرست : محمد بن الحسن بن جمهور ، وهو المذكور أوّلاً ؛ لأن الشيخ قال : إنّ الراوي عنه أحمد بن الحسين ، وقال بعد الرواية : عن‌

__________________

(١) في ص ٣٢.

(٢) خلاصة العلاّمة : ٢٧٢.

(٣) راجع رجال الطوسي : ٣٤٣ / ١٧.

(٤) رجال النجاشي : ٣٣٧ / ٩٠١.

(٥) رجال الطوسي : ٣٨٧ / ١٧.

(٦) رجال النجاشي : ٣٣٧ / ٩٠١.

٤٣٧

محمد بن جمهور (١).

وأمّا جمهور أبوه فغير معلوم الحال ؛ لأنّ في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ جمهور بن أحمر مهملاً (٢).

ومحمد بن سنان والمفضّل قد تقدّم فيهما (٣).

وعبد الرحمن بن عبد الله (٤) مجهول ، والموجود في رجال الحسين عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٥).

والثالث : فيه النوفلي والسكوني وقد تقدّما (٦).

والرابع : لا يخلو من ارتياب في صحّته بعد ما قدّمناه (٧) من جهة رواية ابن محبوب عن أبي حمزة وهو الثمالي.

والخامس : فيه الحسن بن علي الذي يقال له الوشّاء ، وهو معدود من الممدوحين عند بعض (٨).

والسادس : فيه مع عدم الطريق إليه (٩) في المشيخة واختصاص‌

__________________

(١) الفهرست : ١٤٦ / ٦١٥.

(٢) رجال الطوسي : ١٦٤ / ٦٦.

(٣) في ص ٨٥ و ٩٨٣.

(٤) كذا في النسخ ولعله سهو من قلمه الشريف فإنّ المذكور في سند الحديث عبد الله بن عبد الرحمن كما تقدم عنه حين نقله في ص ٤١٢ وهو موجود في كتب الرجال أيضاً راجع رجال النجاشي : ٢١٧ / ٥٦٦ ، ٢٢٠ / ٥٧٥ ، ٢٢١ / ٥٧٩ ، ورجال الشيخ : ٢٢٤ / ٢٨ و ٢٢٥ / ٣٩.

(٥) رجال الطوسي : ٧٧ / ٢١.

(٦) في ص ١٤١.

(٧) راجع ص ٤٧١ ، ٤٧٣.

(٨) كالنجاشي في رجاله : ٣٩ / ٨٠.

(٩) يعني إلى غياث بن إبراهيم.

٤٣٨

الطريق في الفهرست بكتابه (١) ما قدّمناه في بيان حاله من أنّ العلاّمة قال : إنّه بتري ثقة (٢). ونقل شيخنا ذلك عن الكشي عن حمدويه عن بعض أشياخه.

المتن :

لا يخفى دلالة الأوّل على أنّه لا يجمر الكفن.

والثاني : على أنّه لا يجمّر الكفن ولا يمسّ الميت بالطيب (٣) غير الكافور.

والثالث : تضمن أنّه نهى عن أنّ تتبع الجنازة بمجمرة.

والرابع : تضمّن النهي عن قرب الميت الدخنة.

والخامس : تضمّن نفي البأس عن دخنة كفن الميت.

والسادس : فيه أنّ الباقر عليه‌السلام كان يجمّر الميت بالعود فيه المسك (٤) ، وتضمّن أيضاً أنّه عليه‌السلام كان يكره أنّ يتبع الميت بمجمرة.

والشيخ كما ترى حمل الخبرين على التقية ، وغير خفيّ أنّ الخبر الأخير تضمّن التجمير بالعود فيه المسك (٥) ، فيمكن أنّ يخص ما دلّ على عدم مسّ الميت بالطيب والدخنة بغير العود.

وما تضمّنه آخر الحديث من كراهته أنّ يتبع الميت بمجمرة موافق لما تضمّن النهي عن الأتباع بمجمرة ، فالحمل على التقية فيه غير لازم.

__________________

(١) الفهرست : ١٢٣ / ٥٤٩.

(٢) خلاصة العلاّمة : ٢٤٥ / ١.

(٣) في « د » : الطيب.

(٤) في « فض » : المشك.

(٥) في « فض » : المشك.

٤٣٩

وأمّا خبر ابن سنان فيمكن أنّ يخصّ بغير العود مع ما معه من المسك ، إلاّ أنّ ظاهر التعليل في خبر ابن مسلم يقتضي الشمول لكل طيب ويتناول العود وغيره فكأنّ (١) الشيخ نظر إلى ذلك ، ومن يتوقف عمله على الخبر الصحيح له أنّ يقول : إنّ خبر أبي حمزة تضمّن الدخنة بالنار لا مطلق الطيب ، وحينئذ لا بدّ له من حمل ما ينافيه على التقيّة أو على بيان الجواز.

وفي المختلف قال : إنّ المشهور كراهية أن يجعل مع الكافور مسك (٢) ، واستدل برواية محمد بن مسلم ، وحكى عن الصدوق أنّه استحب المسك (٣) ، وأنّه روى مرسلاً أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حنّط بمثقال مسك (٤) ، سوى الكافور ، ثم قال : يعني الصدوق وسُئل أبو الحسن الثالث عليه‌السلام هل يقرب إلى الميت المسك والبخور؟ قال : « نعم » (٥) وأجاب العلاّمة عن الروايتين بالإرسال (٦) ، ولا يخفى أنّ مرسلة ابن أبي عمير أقوى من رواية محمد بن مسلم عند الاعتبار الذي قدّمناه ، فاستناد العلاّمة في الكراهة إلى رواية محمد وردّ روايتي الصدوق بالإرسال محلّ تأمّل.

اللغة :

قال في القاموس : المِجْمَر كمنْبَر الذي يوضع فيه الجمر بالدخنة‌

__________________

(١) في « د » : وكان.

(٢) في « فض » : مشك.

(٣) في « فض » : المشك.

(٤) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٢.

(٥) الفقيه ١ : ٩٣ / ٤٢٦.

(٦) المختلف ١ : ٢٤٩.

٤٤٠