إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

شي‌ء مغبّر ، وإن كان في حال لا يجد إلاّ الطين فلا بأس أن يتيمّم منه » (١).

وهذا المتن في التهذيب كما نقله إلاّ في قوله : « أو شي‌ء مغبّر » ففي النسخة التي رأيتها من التهذيب : « شي‌ء معه » (٢) وفي الاستبصار على ما وجدته من النسخ كما ترى ، ولا يخلو من غرابة.

وجعل العلاّمة الرواية الأخيرة أيضا من المؤيّدات وأنت خبير بأنّ الدلالة على جميع مطلوب المفيد غير ظاهرة.

واتفق للعلاّمة أيضاً أنّه نقل عن الشيخ في النهاية جعله التيمم مراتب ، أُولاها التراب ، فإن فقد فالحجر ، فإن فقد تيمم بغبار عرف دابّته أو لبد سرجه ، فإن لم يكن معه دابّة تيمم بغبار ثوبه ، فإن لم يكن معه شي‌ء من ذلك تيمم بالوحل.

قال العلاّمة بعد نقل كلام المفيد السابق : فقد وقع الخلاف بين الشيخين في هذا المقام في موضعين ، الأول : أنّ المفيد خيّر بين الثوب وعرف الدابّة والطوسي رتّب بينهما. الثاني : أنّ المفيد شرط خروج غبار من الثوب أو العرف والطوسي أطلق (٣). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ الطوسي لم يطلق بل قال : بغبار عرف دابّته وغبار ثوبه. وهذا لا يتحقق إلاّ بإخراجه أو كونه خارجاً.

واحتمال أن يكون العلاّمة فهم من كلام المفيد أنّ مراده التيمم بالغبار الخارج حين النفض غير الموجود على الثوب أو اللبد بل المصاحب للهواء ، بخلاف قول الشيخ فإنّه أطلق من هذه الجهة ، بعيد عند التأمّل.

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٦٢.

(٢) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٥.

(٣) المختلف ١ : ٢٦١.

٢١

ولا يذهب عليك أنّ مفاد الأخبار الدالة على التيمم بالغبار وإن كان الإطلاق في الغبار من التراب وغيره ، إلاّ أنّ احتمال إرادة التراب قريب ، نظراً إلى أنّه المتعارف من الغبار غالباً.

وقد نقل العلاّمة في المختلف عن سلاّر أنّه قال : ( إذا وجد الثلج والوحل والحجر نفض ثوبه وسرجه ورحله ، فإن خرج منه تراب تيمم به (١). وعن المرتضى أنّه قال ) (٢) يجوز التيمم بالتراب وغبار الثوب وما أشبهه إذا كان الغبار من التراب (٣).

وظاهر نقل العلاّمة الأقوال أنّه فهم من كلام غير المذكورين إرادة إطلاق الغبار ومنهم المفيد وقد اختار قوله كما قدمنا الإشارة إليه ، غير أنّ العجب من العلاّمة أنّه قال بعد اختيار القول المذكور وذكر الأخبار المؤيّدة : وأمّا اشتراط الغبار فلمّا بيّنا من أنّ التيمم إنّما يكون بالأرض أو التراب (٤).

وأنت خبير بأنّ هذا يخالف إطلاق مذهب المفيد ، ولو حمل الإطلاق على التراب لم يتم نقله الأقوال على الإطلاق ، فليتأمّل.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ شيخنا قدس‌سره نقل في المدارك عن السيد المرتضى في الجمل أنّ الذي يظهر منه جواز التيمم بالغبار مع وجود التراب ، قال قدس‌سره : وهو بعيد ، لأنّه لا يسمّى صعيدا (٥).

وقد يقال : إنّ الصعيد هو التراب ، والغبار إذا كان من التراب لا وجه لخروجه عنه إلاّ من حيث تسميته غباراً ، وضرورة مثل هذه التسمية غير‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٦١.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) المختلف ١ : ٢٦٢.

(٤) المختلف ١ : ٢٦٣.

(٥) مدارك الاحكام ٢ : ٢٠٧.

٢٢

ظاهرة ؛ وإن كان الغبار من غير التراب فالكلام عليه ممكن في أصل الحكم ، ولا وجه لبعده ، هذا.

وقد يختلج الإشكال في صحّة التيمم بالغبار مع وجود الطين ، فإنّ الروايات صحيحها خبر رفاعة ، وهو دالّ على ما في زيادة التهذيب أنّ وجود الثلج المانع من الأرض هو المجوّز للتيمم بالغبار ، وحينئذ فإطلاق القول بتقديمه على الطين مشكل.

وبالجملة : فللمناقشة في تقديم الغبار على الطين مجال ، على أنّ الطين قد يناقش فيه بأنّ حكم التيمم به مقيد بعدم غيره ، فهو طهارة اضطرارية كالغبار ، فالترجيح محل كلام ، فما قاله شيخنا قدس‌سره : من إمكان المناقشة في جواز التيمّم بالغبار مع إمكان الطين (١). محل نظر من حيث الإطلاق ، وإن كنّا شاركناه في التأمّل من جهة أُخرى.

بقي شي‌ء وهو أنّ بعض الأصحاب قال : إنّ الطين لو أمكن تجفيفه قدّم على الغبار قطعا (٢). ( وله وجه ) (٣).

ثم إنّه يحتمل اعتبار الصبر إلى ذهاب النداوة في الطين إذا لم يخف فوت الوقت ، كما ينقل عن العلاّمة في التذكرة أنّه قيّد ما ذكر في الوحل بذلك (٤).

وفيه : أنّ الدليل غير معلوم في الوحل والطين ، واحتمال التوصل إلى ما قرب من التراب يشكل بأنّ النص مطلق.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٧.

(٢) منهم صاحب المدارك ٢ : ٢٠٧.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » و « د ».

(٤) التذكرة ٢ : ١٨١.

٢٣

اللغة :

قال في القاموس : لَبَدَ الصوف كضرب نَفَشَه وبلّه بماء ثم خاطه ، وقال أيضاً : اللبد بساط معروف وما تحت السرج (١).

قوله :

فأما ما رواه سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن علي ، عن أحمد ابن هلال ، عن أحمد بن محمد ، عن أبان بن عثمان ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال ، قلت : رجل دخل الأجَمَة (٢) ليس فيها ماء وفيها طين ما يصنع؟ قال : « يتيمّم ، فإنّه الصعيد » قلت : فإنّه راكب ولا يمكنه النزول من خوف وليس هو على وضوء؟ قال : « إن خاف على نفسه من سبع أو غيره وخاف فوت الوقت فليتيمّم يضرب بيده على اللبد والبرذعة ويتيمّم ويصلّي ».

فلا ينافي خبر أبي بصير وخبر رفاعة فإنّ (٣) فيهما : إذا لم تقدر على لبد أو سرج تنفضه تيمم بالطين ، وقال في هذا الخبر أوّلاً : يتيمم بالطين ، فإن لم يقدر على النزول للخوف تيمم من السرج لأنّ الوجه في الجمع بين الأخبار أنّه إذا كان في لبد السرج أو الثوب غبار يجب أن يتيمم منه ولا يتيمم من الطين ، فإذا لم يكن في الثوب غبرة أوّلاً يتيمم‌

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ٣٤٧ ( لبد ).

(٢) الأَجَمَة : منبت الشجر كالغَيْضة وهي الآجام ، تهذيب اللغة ١١ : ٢٢٧ ، لسان العرب ١٢ : ٨ ( أجم ).

(٣) في الاستبصار ١ : ١٥٧ ، فإنه قال.

٢٤

بالطين ، فإن خاف من النزول تيمّم من الثوب وإن لم يكن فيه غبار.

والذي يدل على أنّه إنّما يسوغ له التيمم باللبد والسرج إذا كان فيهما الغبار :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ولا يقدر على النزول؟ قال : « تيمم من لبده و (١) سرجه و (٢) مَعرفة دابّته فإنّ فيها غباراً ويصلّي ».

السند‌ :

في الأوّل : فيه أحمد بن هلال ، وقد قدّمنا أنّ الشيخ ضعّفه في هذا الكتاب (٣) ، وحينئذ لا حاجة إلى تعيين الحسن بن علي وإن كان في الظاهر أنّه ابن فضال ، وأمّا أحمد بن محمد فهو ابن أبي نصر على ما يقتضيه الممارسة.

والثاني : لا ارتياب فيه بعد ملاحظة ما قدّمناه مكرّراً ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ الشيخ في المشيخة لهذا الكتاب ذكر طريقه إلى الحسين بن سعيد عن الشيخ المفيد ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد. وعن الشيخ المفيد ، عن شيخه عماد الدين أبي محمد جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ، عن سعد ، عن أحمد بن محمد (٤).

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٧ : أو.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٥٧ : أو.

(٣) راجع ص ١٥٤.

(٤) مشيخة الاستبصار ( الاستبصار ٤ ) : ٣٢٧.

٢٥

وقد روى الشيخ الحديث في التهذيب عن المفيد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد (١). وهذا لا يضرّ بحال ما ذكره في المشيخة ، لأنّ له طرقاً إلى الرجل ، وفي المشيخة اقتصر على البعض ، والشيخ رحمه‌الله لم يلتفت إلى صحّة الطريق ، ولا إلى العالي منه ، اعتماداً على أنّ الأحاديث مأخوذة من كتب عليها المعوّل ، وإنّما ذكر الأسانيد دفعاً لبعض الشبهات.

المتن :

في الأوّل ما قاله الشيخ فيه بعيد جدّاً ، واحتمال التخيير في الجمع بين الأخبار لعلّه أولى.

وما قد يقال : إنّ مفاد خبر زرارة كونه إذا خاف السبع أو فوت الوقت يتيمم على اللبد ، وظاهر المفهوم أنّه مع القدرة لا يجوز ، والتخيير ينافي هذا.

يمكن الجواب عنه بأن التخيير لا ينافي كون الأفضل الطين ويكون الشرط لذلك.

وما ذكره الشيخ : من التيمم بالثوب وإن لم يكن فيه غبار. لا دليل عليه ، فإن السابقة دل بعضها على النفض وهو يشعر بإرادة الغبار ، والبعض الآخر وهو الساقط منه المطلوب دل على الغبار ، ولو فرض إطلاق البعض في النفض حمل على المقيّد بالغبار.

والرواية الثانية المذكورة من الشيخ للدلالة على أنّه إنّما يسوغ التيمم باللبد والسرج إذا كان فيهما الغبار ، تنافي الجمع ، على أنّ في دلالتها على‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٨٩ / ٥٤٤.

٢٦

الحصر نوع تأمّل ، لكنه سهل الجواب ، ولا يخفى عدم دلالتها على أنّ التيمم باللبد إنّما يسوغ للضرورة ، لأنّ التقييد من كلام السائل.

وبهذا يندفع ما ذكره شيخنا قدس‌سره : من أنّ الرواية تدل على جواز التيمم مع الضرورة ، فلا يتم مطلوب القائل بجواز التيمم بالغبار مع وجود الطين (١).

وما قاله الشيخ : من دلالة خبر أبي بصير وخبر رفاعة. يؤيّد كونه ذكر الحديث مع الزيادة التي في التهذيب فكأنّها سقطت من النسخ التي رأيتها.

بقي في المقام أُمور :

الأوّل : في الرواية الأُولى ما يقتضي أنّ الصعيد هو الطين ، وهذا لا يخفى ما فيه ظاهراً ، ولعل المراد هو الطين من الصعيد ، وقد يستبعد ذلك لكن مع ثبوت النص لا (٢) إشكال.

الثاني : ما تضمنته الروايات في الباب اشتمل على الطين ، والأقوال المذكورة في المختلف وقع التعبير فيها بالوَحل (٣) ، فكأنّ الحكم واحد على ما فهمه الأصحاب ، وربما يظن المغايرة. وفي القاموس : الوحل : الطين ترتطم فيه الدواب (٤). وهذا ظاهره أنّه غير الطين ، نعم في الصحاح : الوحل بسكون الحاء وفتحها : الطين الرقيق (٥).

الثالث : ظاهر الرواية الأخيرة أنّ مجرّد وجود الغبار في المذكورين كاف في صحّة التيمّم ، ولعل إطلاقه يقيد بما تضمن النفض ، فليتأمّل.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٢ : ٢٠٧.

(٢) في « رض » : فلا.

(٣) المختلف ١ : ٢٦١ : ٢٦٢.

(٤) القاموس المحيط ٤ : ٦٥ ( الوحل ).

(٥) الصحاح ٥ : ١٨٤٠ ( وحل ).

٢٧

قوله :

باب الرجل يكون (١) في أرض غطاها الثلج.

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في السفر لا يجد (٢) إلاّ الثلج ، قال (٣) : « يغتسل بالثلج أو ماء النهر ».

وبهذا الاسناد عن محمد بن أحمد ابن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن معاوية بن شريح قال : سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده ، فقال : يصيبنا الدَّمَق والثلج ونريد أن نتوضّأ ولا نجد إلاّ ماءً جامداً فكيف أتوضّأ أدلك به جلدي؟ قال : « نعم ».

السند‌ :

لا لبس فيه في الخبرين بعد ما كرّرنا ذكره ، غير أنّ علي بن إسماعيل الواقع في الأوّل لا بأس بإعادة ما ذكرناه مجملا ، والحاصل أنّ الموجود في الرجال الموجودة الآن علي بن إسماعيل بن ميثم التمار ، وهذا مهمل في الرجال (٤) ، وعلي بن إسماعيل بن عيسى مذكور في طرق الفقيه إلى إسحاق‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٧ : يحصل.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤٢ زيادة : في السفر.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٥٧ / ٥٤٢ : فقال.

(٤) انظر رجال النجاشي : ٢٥١ / ٦٦١.

٢٨

ابن عمار (١) ، والعلاّمة وصفه بالصحة (٢). والرجل المذكور في مرتبةٍ لا يبعد أن يكون هو المراد هنا.

لكن تصحيح العلاّمة محلّ تأمّل في إفادته التوثيق المعتبر ، لكثرة ما وقع له من الأوهام في توثيق الرجال لا لأنّ تصحيح الأخبار اجتهاديّ ولا يفيد غير المقلد له ، لإمكان أن يقال على هذا : إنّ النجاشي وغيره من المتقدمين الذين لم يعاصروا الرواة توثيقهم أيضا بالاجتهاد كما يقتضيه الاعتبار.

نعم قد يشكل الحال في توثيق الشيخ ؛ لأنّه أيضاً كثير الأوهام على نحو العلاّمة.

وربما يقال : إنّ التزكية ليست من قبيل الفتوى ، بل من قبيل الإخبار ، والواحد فيها مقبول لمفهوم الآية ، فإذا تحققت العدالة لا وجه للتوقف في تصحيح العلاّمة.

وفيه : أنّ التصحيح محتمل لأن يريد به حصول القرائن المفيدة لصدق الراوي ، فهو ظن خاص بالمجتهد ، والتوثيق أمر آخر.

إلاّ أن يقال : إنّ هذا بعينه جار في التوثيق. ( وفيه احتمال الفرق كما يعرف من حقيقة التوثيق ، إلاّ أن يقال : إنّ الصحة العرفية يتوقف على التوثيق ) (٣) فالحكم بالصحة حكم بها.

وفيه : أنّ الاضطراب قد علم من العلاّمة في التصحيح كما يعرف من المنتهى والمختلف.

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٦.

(٢) خلاصة العلاّمة : ٢٧٧.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

٢٩

نعم تصحيح الصدوق له مزيّة يقرب معها أن يكون على نحو التوثيق ، ومن ثم تطمئن النفس إلى إخباره في الفقيه ، حيث قال في أوّله : أنّه يورد فيه ما يعتقد صحته (١).

وما قد يقال : إنّ اعتقاد صحّة الحديث عند الصدوق لا يدل على توثيق الرجل ، لأنّ الصحّة عند المتقدّمين لا يتوقف على التوثيق.

فجوابه : أنّنا لا ندعي توثيق رجال الحديث من الحكم بصحته من الصدوق ، بل نقول : إنّ الخبر صحيح على نحو الصحيح الاصطلاحي ، فينبغي تأمّل هذا فإنّه حريّ بالتأمّل.

وإذا تمهّد ما قلناه فاعلم أنّ طريق الفقيه المذكور فيه إسماعيل بن عيسى لا يخلو من خلل على ما أظن في ذكر ابن عيسى ، كما نبّهنا عليه في حاشيته.

وفي الرجال علي بن إسماعيل الدهقان ، قال النجاشي : إنّه خيّر فاضل من أصحاب العياشي (٢). وكذلك قال الشيخ في من لم يرو عن أحد من الأئمّة عليهم‌السلام في كتابه (٣). ومرتبة هذا الرجل لا توافق ما نحن فيه إلاّ بتكلّف.

وفي الرجال علي بن إسماعيل بن عمار من وجوه من روى الحديث على ما قاله النجاشي في ترجمة إسحاق (٤). وحاله لا يخفى ( وفي الرجال على ما ذكره العلاّمة في الخلاصة في علي بن السري ) (٥) نقلا عن الكشي أنّه قال : قال نصر بن الصباح : علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السري ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٣.

(٢) ليست في رجال النجاشي.

(٣) رجال الطوسي : ٤٧٨ / ٩.

(٤) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٥) ما بين القوسين ساقط من « فض ».

٣٠

لقّب إسماعيل بالسري (١) قال العلاّمة : ونصر بن الصباح ضعيف (٢).

والذي حققه شيخنا المحقق أيّده الله في كتاب الرجال أنّ لفظة ثقة تصحيف يق (٣) كما يقتضيه سوق كلام الكشي ، والعلاّمة غيّر كلام الكشي لظنّه أنّ فيه تصحيح المرام ، وعلى كل حال فالرجل المبحوث عنه غير معلوم الحال بعد احتمال الاشتراك ، وبتقدير كونه الدهقان فهو ممدوح ، وقد وصفها العلاّمة في المختلف بالصحّة (٤).

وأمّا معاوية بن شريح في الثاني ، فالظاهر أنّه ابن ميسرة بن شريح وهو مهمل في رجال النجاشي (٥) ، والشيخ في الفهرست (٦).

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة على تحقّق الغُسل بالثلج ولزوم الغُسل لا التيمّم ، فيندفع به على تقدير الصحة ما ينقل عن السيد المرتضى رضي‌الله‌عنه أنّه قال : إذا لم يجد إلاّ الثلج ضرب بيده وتيمّم بنداوته (٧).

والعلاّمة جعل الخبر مؤيّداً لما اختاره من الاغتسال بالثلج ، واعتمد في الدليل على أنّ المغتسل والمتوضّئ يجب عليه مماسّة أعضاء الطهارة‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٦٠ / ١١١٩ وفيه السدي بدل السري ، وفي الخلاصة : ٩٦ / ٢٨ : السري نقلاً عن الكشي.

(٢) خلاصة العلاّمة : ٩٦ / ٢٨.

(٣) منهج المقال : ٢٣٣.

(٤) المختلف ١ : ٢٦٣.

(٥) رجال النجاشي : ٤١٠ / ١٠٩٣.

(٦) الفهرست : ١٦٦ / ٧٢٧.

(٧) المختلف ١ : ٢٦٣.

٣١

بالماء وإجراؤه عليها ، فإذا تعذّر الثاني وجب الأوّل ، إذ لا يلزم من سقوط أحد الواجبين لعذر سقوط الآخر.

قال : ويؤيّده ما رواه الشيخ في الصحيح وذكر الرواية ، ثم قال : لا يقال : لا دلالة في هذا الحديث على مطلوبكم وهو الاجتزاء بالمماسّة ، لأنّ مفهوم الاغتسال إجراء الماء الجاري على الأعضاء ، لا نفس المماسّة ، لأنّا نقول : يمنع أوّلاً دخول الجريان في مفهوم الاغتسال ، سلّمنا ، لكن الاغتسال إذا علّق بشي‌ء اقتضى جريان ذلك الشي‌ء على العضو ، أمّا حقيقة الماء فيمنع ذلك ، ونحن نقول هنا بموجبه ، فإنّ الثلج يجوز إجراؤه على الأعضاء لتحصل الرطوبة عليها ويعتمد على الثلج بيده ، ويؤكد ذلك ما رواه معاوية بن شريح ، وذكر الرواية الثانية (١).

وفي نظري القاصر أنّ كلامه محلّ تأمّل ، أمّا أوّلاً : فما قاله من وجوب الأمرين ، فإذا تعذر أحدهما لم يسقط الآخر. فيه : أنّا لا نسلّم وجوب أمرين ، بل الواجب الغُسل المركّب من الأمرين ، والمركّب ينتفي بانتفاء أحد جزءيه.

وأمّا ثانياً : فما ذكره في جواب الإيراد اقتضى أوّلاً منع دخول الجريان في مفهوم الاغتسال ، وهو مناف لتصريحه أوّلاً في الدليل بأنّ الواجب أمران.

ثم إنّ الجواب اقتضى ثانياً أنّ الاغتسال إذا علّق بشي‌ء اقتضى جريان ذلك الشي‌ء ، فظاهر الحال أنّه الثلج ، لأنّه المعلّق في الرواية ، وقوله : نحن نقول بموجبه. مقتضاه إجراء الثلج لتحصل الرطوبة ، والجريان للرطوبة‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٦٣.

٣٢

لا للثلج ، وقد يمكن تسديد هذا ، إلاّ أنّ الحقّ أنّه إنّما يتم على تقدير صلاحية الرواية للاستدلال على أن يكون نصا في جريان الثلج ، والحال أنها محتملة لأن يراد بالاغتسال بالثلج إجراء مائه ولو بمعونة ، ومن ثم جعلها العلاّمة مؤيّدة ، فالتأييد مع الاستدلال بها لا يخلو من خلل على تقدير الإغماض عن السند.

والخبر الثاني المتضمن لذلك غير سليم السند.

وقد نقل في المختلف عن ابن إدريس أنّه منع من التيمم به والوضوء والغُسل ، وأنّه احتج بأنّ الجنب ممنوع من الصلاة إلاّ بعد الغسل ، ولا يطلق الغُسل إلاّ مع الجريان (١) وأجاب العلاّمة بما قدّمه وقد سمعت ما فيه.

وفي المقنعة قال المفيد : وإن كان في أرض قد غطّاها الثلج ولا سبيل إلى التراب فليكسره وليتوضّأ به مثل الدهن (٢).

وقد يقال على هذا : إنّ ظاهر الكلام أوّلاً أنّ التيمم مقدم إذا أمكن التراب ، وعلى تقدير التعذّر فليتوضّأ من الثلج. ويشكل بأنّ الثلج إن تحقق به الوضوء لا وجه للتيمم.

ويمكن الجواب بأنّ قوله : ولا سبيل إلى التراب. ليس المراد به إرادة التيمم ، بل هو لبيان كون الثلج ساتراً للأرض ، ولا يخفى ما فيه من التكلّف.

بقي شي‌ء ، وهو أنّ قوله عليه‌السلام : « يغتسل من الثلج أو ماء النهر » لا يخلو من إجمال ، لأن ماء النهر مع وجوده ربما كان أقرب إلى مدلول الغسل فيتعيّن ، إلاّ أن يقال : إنّ الغرض من الإمام عليه‌السلام بيان عدم اعتبار‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٦٣ ، ٢٦٤.

(٢) المقنعة : ٥٩.

٣٣

الجريان في الغسل ، وأنّه لا فرق بين ماء النهر والثلج ، وقد يحتمل أنّ يكون الترديد من الراوي بحصول الشك ، ولا يخلو من بُعد ، فليتأملّ ذلك كلّه.

اللغة‌ :

قال في القاموس : الدمق : ريح وثلج ، معرّبة دَمَه (١).

قوله :

فأما ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن العبيدي ، عن حماد ابن عيسى ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يجنب في السفر فلا يجد إلاّ الثلج أو ماءً جامداً فقال : « هو بمنزلة الضرورة يتيمّم ولا أرى أن يعود إلى هذه الأرض التي توبق دينه ».

عنه ، عن معاوية بن حكيم ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إن أصابه الثلج فلينظر لبد سرجه فليتيممّ من غباره أو من شي‌ء معه ».

سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن عبد الله ابن المغيرة ، عن رفاعة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا كان في ثلج فلينظر لبد سرجه فليتيمّم من غباره أو من شي‌ء مغبّر ».

فلا تنافي بين هذه الأخبار و (٢) الأخبار الأوّلة ، لأنّ الوجه في الجمع بينهما أنّه يجب على الإنسان أن يتدلّك بالثلج أو الجمد ، لأنّه‌

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٤٠ ( دَمَقْ ).

(٢) في الاستبصار ١ : ١٥٨ زيادة : بين.

٣٤

ماء إذا أمكنه ذلك ولا يخاف على نفسه (١) لا يعدل عن ذلك إلى التيمم بالتراب والغبار ، فإذا ( يمكنه ذلك وخاف ) (٢) من استعماله جاز له أن يعدل إلى التيمم كما يجوز له العدول عن الماء إلى التراب عند الخوف ، والذي يدل على ذلك :

ما أخبرني به الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن أحمد العلوي ، عن العمركي ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل الجنب ( أو على غير وضوء ) (٣) لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجاً وصعيداً أيّهما أفضل أيتيمم أم يتمسح بالثلج وجهه؟ قال : « الثلج إذا بلّ رأسه وجسده أفضل ، فإن لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمّم ».

السند‌ :

في الأوّل : ليس التوقف فيه إلاّ من العبيدي وهو محمد بن عيسى ، وقد قدمنا وجه عدم التوقف (٤) ، والطريق إلى محمد بن علي بن محبوب في المشيخة : الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٥٨ زيادة : من استعماله و.

(٢) بدل ما بين القوسين في « رض » : تمكّن من ذلك وخاف ، وفي « د » : تمكنه ذلك ، وفي الاستبصار ١ : ١٥٨ : لم يمكنه ذلك ويخاف على نفسه.

(٣) في « فض » : أو غير وضوء ، وفي « رض » : أو لا على وضوء ، وفي « د » : أو على وضوء ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٥٨ / ٥٤٧.

(٤) في ص ٥٣ ٥٩.

٣٥

أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب (١) ، ولا يستبعد رواية العبيدي عن حمّاد من ممارس الرجال.

والثاني : تقدم القول في رجاله ، وذكر الحديث هنا بهذه الصورة يؤيد النقيصة في الخبر السابق ، كما حكيناه سابقا (٢) ، وضمير « عنه » راجع إلى ابن محبوب ، وقد تقدم اسناد آخر للخبر.

والثالث : تقدم أيضا.

والرابع : فيه محمد بن أحمد العلوي ، ولم أقف في الرجال على ذكره ، نعم في كتاب كمال الدين قرب باب النص على القائم عليه‌السلام ما هذا لفظه : حدثنا الشريف الديِّن الصدوق أبو علي محمد بن أحمد بن محمد ابن زيارة بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عن علي بن محمد بن قتيبة (٣). وهذا الرجل يروي عنه الصدوق فرواية ابن محبوب عنه غير معقولة ، ولا يخفى مدح الرجل من الصدوق.

المتن :

في الأوّل ظاهر في تعين التيمم وإن أمكن الغسل بالثلج والماء الجامد ، والظاهر أيضا أنّ التيمم ليس بالثلج وإن كان باب الاحتمال واسعا.

وفي الفقيه : ومن أجنب في أرض ولم يجد الماء إلاّ ماءً جامداً أو (٤)

__________________

(١) مشيخة الاستبصار ( الاستبصار ٤ ) : ٣٢٤.

(٢) في ص ٧٣٨.

(٣) كمال الدين : ٢٣٩ ، بتفاوت يسير.

(٤) في المصدر : و.

٣٦

لا يخلص إلى الصعيد فليصلّ بالمسح ، ثم لا يعد إلى الأرض التي يوبق فيها دينه (١). ولفظة « أو » في النسخة التي رأيتها ، والظاهر أنّه بمعنى الواو أو الألف غلط ؛ واحتمال أن يكون قوله : أو لا يخلص عطفاً على لم يجد ، أي إذا حصل أحد الأمرين إمّا عدم الماء أو عدم الخلاص إلى الصعيد ، لا يخفى أنّه يوجب الاختلال في العبارة ، كما يعرف بأدنى تأمّل.

والظاهر أنّ الصدوق أتى بمدلول الرواية ، وربما يفهم من العبارة أنّ المسح على الماء الجامد ، واحتمال إرادة التيمم ربما كان له قرب إلى العبارة.

وقد نقل العلاّمة في المختلف عن سلاّر وجماعة أنهم قالوا : يتيمم بنداوة الثلج ، ثم قال العلاّمة : احتجّ سلاّر بما رواه محمد بن مسلم في الصحيح (٢). وذكر الرواية الأولى ، وفي وصفها بالصحّة دلالة على توثيق محمد بن عيسى إن كانت مأخوذة من الكتاب.

ثم إنّه أجاب عن الاحتجاج بجواز أن يكون المراد يتيمم بالتراب كما فهم الشيخ ، أو يتيمم بالثلج ، بمعنى أنّه يمسح الأعضاء بأجمعها ، ويطلق عليه اسم التيمم إمّا للحقيقة اللغوية أو المجاز الشرعي وهو الإمساس (٣). ولا يخفى عليك ما في الجواب.

وما قاله الشيخ في الجمع بين الأخبار لا يخلو من نظر أيضا ، إلاّ أنّه قابل للتسديد ، والاستدلال له بالرواية الأخيرة غير تام كما يعرف من ملاحظة كنه الرواية وكلام الشيخ ، وفي الخبر الأوّل نكتة توجب قصم‌

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٨.

(٢) المختلف ١ : ٢٦٣.

(٣) المختلف ١ : ٢٦٤ بتفاوت يسير.

٣٧

الظهور ، والله تعالى أعلم بحقائق الأُمور.

اللغة‌ :

توبق دينه أي تهلكه ، من قولهم : أوبقت الشي‌ء أهلكته ، كذا في الحبل المتين (١).

قوله :

باب أنّ المتيمّم إذا وجد الماء لا يجب عليه إعادة الصلاة

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « إذا لم يجد المسافر الماء فليطلب ما دام في الوقت ، فإذا خاف أن يفوته الوقت فليتيمّم وليصلّ في آخر الوقت ، فإذا وجد الماء فلا قضاء عليه وليتوضّأ لما يستقبل ».

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا لم يجد الرجل طهوراً وكان جنباً فليمسح من الأرض وليصلّ ، فإذا وجد ماءً فليغتسل وقد أجزأته صلاته التي صلّى ».

__________________

(١) الحبل المتين : ٨٣ بتفاوت يسير.

٣٨

السند‌ :

في الخبرين واضح بعد ما قدّمناه ، وذكرنا سابقا أنّ ابن أُذينة هو عمر ابن محمد بن أُذينة الثقة في كتاب الشيخ للرجال (١) وإن كان التعبير عنه بعمر بن أُذينة ، والنجاشي لم يوثّقه لكن ترجمه بعمر بن محمد بن أُذينة ، وفي السند إلى كتابه قال : عمر بن أُذينة (٢).

وما قاله جدّي قدس‌سره من أنّ سبب وهم ابن داود في عدّهما اثنين هو ذكر الشيخ له بعنوان عمر بن أُذينة ، والنجاشي بعنوان عمر بن محمد بن أُذينة (٣) لا يخلو من تأمّل ، فإنّ النجاشي قد سمعت ما ذكره.

نعم قد يشكل الحال بأنّ النجاشي قد قدّمنا أنّه مرجَّح على الشيخ في مقام تعارض الجرح والتعديل ، لأنّ عدم ذكر الجرح في الرجل مثل كونه فطحياً يدل على أنّه لم يثبت عنده ذلك ، ومن ثم يذكر مخالف المذهب في كتابه ، وهذا ربما يعطي تقديم قوله في عدم التوثيق أيضا ، وحينئذ يشكل الاعتماد على توثيق الشيخ مع تمشّي ما قلناه فيه بعينه ، فليتأملّ.

المتن :

في الأوّل ظاهر في أنّ المسافر يطلب ما دام في الوقت فإذا خاف فوته تيمّم ، وربما يدّعى أنّ الظاهر فوت جميع الوقت لا فوات الفضيلة وإن كان باب الاحتمال واسعاً ، سيّما واستفادة فوت وقت الفضيلة من الأخبار غير عزيز.

__________________

(١) رجال الطوسي : ٢٥٣ / ٤٨٢ ، ٣٥٣ / ٨.

(٢) رجال النجاشي : ٢٨٣ / ٧٥٢.

(٣) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ٢٠.

٣٩

ثم الظاهر من الطلب الإطلاق كما قاله في المعتبر (١) ، وما يأتي من الأخبار في كيفية الطلب قاصر السند ، ومن ثم قال المحقق : والتقدير بالغلوة والغلوتين رواية السكوني وهو ضعيف غير أنّ الجماعة عملوا بها ، ثم قال : والوجه أنّه يطلب من كل جهة يرجو فيها الإصابة ولا يكلّف التباعد بما يشقّ ، ورواية زرارة تدل على أنّه يطلب دائما ما دام في الوقت حتى يخشى الفوات ، وهو حسن ، والرواية واضحة السند والمعنى (٢). انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ ما قاله المحقق رحمه‌الله لا يخلو من تأمّل ، لأنّ استفادة الطلب دائماً ما دام في الوقت من الرواية غير واضحة ، إذ الأمر لا يفيد الدوام ، وقوله عليه‌السلام « ما دام في الوقت » بيان لزمان الطلب ، وحينئذ وضوح معنى الرواية فيما ذكره محلّ كلام ، بل ربما يدّعى دلالتها على الطلب المتعارف ، وهو ما ذكره المحقق أوّل الكلام إن لم يثبت المقيد.

وما تضمنته الرواية من قوله : « في آخر الوقت » الظاهر أنّه راجع إلى الأمرين أعني التيمم والصلاة ، واحتمال أن يراد إذا خاف أن يفوته الوقت لو طلب يتيمم ولو في أوّل الوقت ، لكن لا يصلّي إلاّ في آخره. دفعه أظهر من أن يخفى ، نعم يحتمل إرادة إذا خاف من الطلب فوت الوقت ، لكن يؤخّر التيمم والصلاة ، وقد يوجب هذا نوع شك.

وقوله : « فإن وجد الماء فلا قضاء عليه » محتمل لأمرين أحدهما : أنّه إذا وجد بعد الطلب ، وثانيهما : إذا وجده بعد ترك الطلب بخوف فوت الوقت ، وسيأتي إن شاء الله ذكر ما لا بدّ منه في الباب المعنون به.

وقوله عليه‌السلام في الخبر الثاني : « إذا لم يجد الرجل طهوراً » يريد به‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٩٢.

(٢) المعتبر ١ : ٣٩٣ بتفاوت يسير.

٤٠