إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

أيوب بن نوح.

وأبو جميلة مذكور مهملاً في الفهرست (١) ، ورجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ (٢). والعلاّمة قال : إنّه ضعيف كذّاب (٣). وهو أعلم بالمأخذ.

والثاني : تقدّمت أحوال رجاله.

ومحمد بن أبي حمزة فيه : هو ابن الثمالي على الظاهر ، واحتمال غيره المذكور في رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٤) بعيد.

وما قد يقال : من أنّ الراوي عن الثقة ابن أبي عمير كما صرّح به النجاشي (٥) والشيخ (٦) ، والراوي هنا أيوب بن نوح وهو متأخّر ، لأنّه من أصحاب الهادي عليه‌السلام والعسكري عليه‌السلام.

جوابه : أنّ النجاشي ذكر أنّ أيوب روى عن أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام (٧) ، ومحمد بن أبي حمزة من أصحابه عليه‌السلام. إلاّ أنّي متأمّل في مثل هذا الأمر ؛ لأنّ اللازم منه أنّ يكون محمد بن أبي حمزة أدرك الهادي عليه‌السلام ، فيكون أدرك أربعة من الأئمة عليهم‌السلام ، ولم يذكر ذلك في الرجال ، بل في كتاب الشيخ : أنّه من أصحاب الصادق عليه‌السلام لا غيره (٨).

__________________

(١) الفهرست : ١٧٠ / ٧٤٣.

(٢) رجال الطوسي : ٣٣٩ / ٩.

(٣) خلاصة العلاّمة : ٢٥٨ / ٢ ( مفضّل ) ، ولعل مأخذه قول ابن الغضائري فيه : ضعيف كذّاب يضع الحديث. ( مجمع الرجال ٦ : ١٢٢ ) وعدّه النجاشي : ( ١٢٨ / ٣٣٢ ) ممّن غُمز فيهم وضُعّفوا.

(٤) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٦٧٥.

(٥) رجال النجاشي : ٣٥٨ / ٩٦١.

(٦) الفهرست : ١٤٨ / ٦٣٠.

(٧) رجال النجاشي : ١٠٢ / ٢٥٤.

(٨) رجال الطوسي : ٣٢٢ / ٦٧٥.

٢٨١

ثم إنّ توثيقه ليس إلاّ من الكشي بهذه الصورة : سألت حمدويه بن نصير ، عن علي بن أبي حمزة الثمالي والحسين بن أبي حمزة ومحمد أخويه (١) ، فقال : كلّهم ثقات فاضلون (٢).

وحمدويه متأخّر عن هؤلاء ، لكنه ثقة مقبول القول ، غير أنّه وقع في البين بالنسبة إلى أنّ المخبَر عنه من حمدويه هو الثمالي نوع إشكال ، وهو أنّ النجاشي قال نقلاً عن محمد بن عمر الجعابيّ : إنّ أسماء (٣) ولد أبي حمزة : نوح ومنصور وحمزة ، قتلوا مع زيد (٤).

وهذا بظاهره يدل على أنّ محمداً والحسين وعلياً ليسوا من ولد أبي حمزة الثمالي (٥).

والذي يظهر من عبارة النجاشي كما ترى أنّها حكاية عن الغير ، ويحتمل أنّ لا يكون راضياً بها ؛ وما قاله في الخلاصة نقلاً عنه : أنّه قال : أسماء ولد أبي حمزة (٦) ، غريب على أنّ قول الجعابي في الأولاد الذين قتلوا مع زيد لا جميع الأولاد ، وفي هذا تأمّل ، إذ هو خلاف الظاهر.

والحق أنّ النجاشي غير قائل بالمنقول ؛ لأنّه قال في الحسين بن حمزة الليثي : ( الحسين بن حمزة الليثي ) (٧) ابن بنت أبي حمزة الثمالي ثقة ؛ ـ إلى أنّ قال ـ : وخاله محمد بن أبي حمزة ذكره أصحاب كتب‌

__________________

(١) في المصدر زيادة : وابنه.

(٢) رجال الكشي ٢ : ٧٠٧ / ٧٦١.

(٣) ليست في « فض ».

(٤) رجال النجاشي : ١١٥ / ٢٩٦.

(٥) في « د » زيادة : يكون الوهم وقع في الكشي ، وفي « رض » : لكون الوهم.

(٦) الخلاصة : ٥١.

(٧) ما بين القوسين ليس في « فض ».

٢٨٢

الرجال (١). وهو صريح في أنّ محمد بن أبي حمزة موجود ، غاية الأمر أنّ اللبس في الحسين وعلي ابني أبي حمزة ، فإنّ النجاشي لم يذكر إلاّ الحسين ابن حمزة الليثي ، وعلي بن أبي حمزة لم يذكره ؛ وغير بعيد أن يكون الحسين بن حمزة الليثي نسب إلى جدّه لأُمه.

أمّا ما وقع في الخلاصة فهو غريب ، لأنّه قال بعد نقل كلام النجاشي ـ الذي أشرنا إلى أنّه موهوم ؛ لأنّه أسنده إليه ، وإنّما هو نقل عن غيره ـ : ولم يذكر ـ يعني النجاشي ـ الحسين من عداد أولاده. وقال ابن عقدة : حسين بن بنت أبي حمزة الثمالي خال محمد بن أبي حمزة ، وأن الحسين ابن أبي حمزة ابن ابنة الحسين بن أبي حمزة الثمالي ، وأن الحسين بن حمزة الليثي الكوفي هو ابن بنت أبي حمزة الثمالي. وقال النجاشي أيضاً الحسين بن حمزة الليثي ؛ وذكر كلامه ـ إلى أنّ قال ـ : وأسقط « أبي » بين الحسين وحمزة ، وبالجملة هذا الرجل عندي مقبول الرواية ، ويجوز أنّ يكون ابن ابنة (٢) أبي حمزة ، وغلب عليه النسب إلى أبي حمزة (٣). انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ كلام ابن عقدة مخلوط ، وأنّ قوله خال محمد غلط ، بل خاله محمد كما في النجاشي (٤) ، ولفظ الحسين بعد قوله : ابن ابنة الحسين ؛ غلط أيضاً ، والمراد أنّ الحسين بن (٥) حمزة هو ابن بنت أبي حمزة الثمالي ، ومحمد خاله ؛ والحسين الذي يقال له ابن أبي حمزة‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢١.

(٢) في « رض » : ابنته.

(٣) الخلاصة : ٥١ بتفاوت يسير.

(٤) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢١.

(٥) في « فض » زيادة : أبي.

٢٨٣

هو ابن حمزة ، لكن لما كان ابن ابنة أبي حمزة نسب إليه.

ومن هنا يعلم أنّ قول جدّي قدس‌سره في فوائد الخلاصة ـ : إن كلام ابن عقدة يدل على وجود الحسين بن أبي حمزة الثمالي وإن شاركه غيره في الاسم. وقول النجاشي : إنّ الحسين بن حمزة الليثي هو ابن بنت أبي حمزة. لا ينافي كون أبي حمزة له ولد اسمه الحسين ، فظهر أنّ جميع ما ذكره ـ يعني العلاّمة ـ لا يظهر له فائدة ولا منافاة لقوله : ويجوز.

محلّ بحث ، أمّا أولاً : فلأنّ كلام النجاشي في الحسين بن حمزة صريح في أنّ خاله محمد بن أبي حمزة (١) ، ولو كان له خال يقال له الحسين لكان أحق بالذكر ، لكونه موثقاً في كلام حمدويه ، فلا أقل من ذكره مع محمد.

وأمّا ثانياً : فلأنّ كلام ابن عقدة لا يفيد التعدّد ، بل إنّما وقع الوهم من الزيادة والنقصان اللذين ذكرناهما (٢) مع زيادة ذكر الحسين مرّة ثالثة فكأنّه قال : الحسين بن حمزة الليثي يقال له « حسين بن بنت أبي حمزة » و « حسين بن أبي حمزة » و « حسين بن حمزة الليثي » ، والكل صحيح. ففي الأوّل : نسب لُامّه ، وفي الثاني : لجدّه لُامّه ، وفي الثالث لأبيه.

نعم يبقى الكلام في علي بن أبي حمزة الثمالي ، فإنّ عدم ذكر النجاشي له يشعر بعدم تحققه. والله أعلم بالحال.

المتن :

في الأوّل : كما ترى (٣) لا يخلو من تشويش ، والحاصل من معناه : أنّ‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢١.

(٢) في « رض » : ذكرهما.

(٣) في « د » مشطوبة.

٢٨٤

الحائض إذا لبست ثوباً واحداً إلى حين تطهر ، وكان لها أثواب فلا تصلّي فيه حتى تغسله ، لأنّ الغالب عدم خلوّه من إصابة النجاسة ، وإن تعدّد عليها صلّت في الأعلى ، لبُعده عن النجاسة ، وإنّ لم يكن لها إلاّ ثوب واحد فإنّه يكفيها أنّ تغسل بدنها حين الطمث ثم تلبسه ، فإذا طهرت صلّت فيه وإنّ لم تغسله.

وقول الشيخ : فيحتمل ما قلناه في الخبر الأوّل. يريد به أنّ الأمر بغَسل الثوب في أوّل الرواية لعدم خلوّها من النجاسة ، لا من جهة العرق. وقوله : إنّه محمول على الاستحباب. واضح ، إلاّ أنّه لا وجه لعدم ذكره في الأوّل أيضاً ، بل الأوّل أولى ؛ لأنّ الاستحباب في هذا يقتضي الغَسل في الصورة الأخيرة أيضاً.

والثاني : ظاهر في الاستحباب من قوله : « لا أُحب » أمّا قوله : « ثوباً تلزمه » فلعلّ المراد به ما ذكر في الخبر الأوّل ، أعني الثوب المستمر عليها إلى حين الطهر ، ويحتمل أنّ يراد الثوب الملاصق للجسم ، وهو المراد في الأوّل بقوله : « صلّت في الأعلى ».

وعلى كل حال فالحكم قد عرفت أنّ عليه الإجماع مدعى بالنسبة إلى العرق ، وأمّا غيره فبحسب النجاسات ، وأحكام إزالتها تابعة لها.

اللغة :

قال في القاموس : طمثت كنصر وسمِع حاضت ، والطمث المسّ والدنَسَ (١).

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٧٦.

٢٨٥

قوله (١) :

فأما ما رواه سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسن ابن محبوب ، عن أبان بن عثمان ، عن محمد الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل أجنب في ثوبه ولم يكن معه ثوب غيره؟ قال : « يصلّي فيه ، وإذا وجد الماء (٢) غسله ».

فهذا الخبر يحتمل شيئين ، أحدهما : وهو الأشبه أن يكون أصاب الثوب نجاسة من المني ، فحينئذ يصلّي فيه إذا لم يجد غيره ولا يمكنه نزعه ، وكان عليه الإعادة على ما بيّنّاه فيما مضى. ويحتمل أن يكون المراد إذا أصابته الجنابة من حرام وعرق فيه ، فإنّه يصلّي فيه ، فإذا وجد الماء غسله.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن عاصم بن حميد ، عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثوب يجنب فيه الرجل ويعرق فيه ، فقال : « أمّا أنا فلا أُحب أن أنام فيه ، وإن كان الشتاء فلا بأس به (٣) ما لم يعرق فيه ».

فالوجه في هذا الخبر ضرب من الكراهية وهو صريح فيه. ويمكن أن يكون محمولاً على أنّه إذا كانت الجنابة من حرام.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، أيتجفف فيه من غسله؟

__________________

(١) في « رض » : قال.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٨٧ / ٦٥٥ : ماءً.

(٣) ليست في الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٦ ، والتهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣١.

٢٨٦

قال : « نعم ، لا بأس به ، إلاّ أنّ تكون النطفة فيه رطبة ، فإنّ كانت جافّة فلا بأس ».

فالوجه فيما تضمنه هذا الخبر من جواز التنشف بالثوب إذا كان المني يابساً محمول على أنّه إذا لم يتنشف بالموضع الذي يكون فيه المني ، لأنّه لو تنشف بذلك الموضع ، لتعدي النجاسة إليه (١).

السند :

في الأوّل : لا ارتياب في صحته ، لأنّ الطريق إلى سعد صحيح ، وهو : عن المفيد ، عن محمد بن علي بن بابويه ، عن أبيه ، عنه. وله طريق آخر : عن ابن قولويه ، عن أبيه. وفي الأب كلام قد تقدم (٢).

وأبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى على ما ذكره العلاّمة في فوائد الخلاصة (٣) ، والاعتبار يساعد عليه لولا شي‌ء ما قدّمناه (٤).

وعلي بن الحكم هو الثقة بقرينة رواية أحمد بن محمد بن عيسى عنه (٥) على تقديره ، والإضمار فيه غير مضر كما كرّرنا القول فيه (٦).

والثاني : فيه النضر ، وهو على الظاهر ابن سويد ، لما يستفاد من الرجال والأخبار (٧).

__________________

(١) في الإستبصار ١ : ١٨٨ زيادة : إذا ابتلّ.

(٢) في ص ٨١.

(٣) الخلاصة : ٢٧١.

(٤) في ص ١٢١.

(٥) راجع ص ١٨٠.

(٦) راجع ص ٥١ ، ولا يخفى أنّه ليس في السند المبحوث عنه عنوان أبي جعفر وعلي ابن الحكم ، ولبس فيه إضمار أيضاً.

(٧) بقرينة رواية الحسين بن سعيد عنه ، راجع الفهرست : ١٧١ / ٧٦٠. والاستبصار ١ : ١٥٩ / ٥٤٩.

٢٨٧

وأبو بصير : كرّرنا ذكره (١) ، غير أنّ شيخنا قدس‌سره كان يرجّح كون عاصم بن حميد إذا روى عن أبي بصير فهو ليث المرادي ، والوالد قدس‌سره كان يتوقف في ذلك ، لوجدانه رواية عاصم عن يحيى فيما أظن منه سماعاً.

والثالث : لا ارتياب في صحته ، والإضمار غير قادح.

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة ، بل صريح في أنّ المني إذا أصاب الثوب ولم يكن مع الإنسان غيره ولم يقدر على الغَسل يصلّي فيه ، غاية الأمر أنّ التقييد بالضرورة مذكور في كلام بعض الأصحاب (٢) ، وعليه يدل بعض الأخبار ، كما تقدم ذلك كلّه مفصلاً (٣).

والعجب أنّ الشيخ ذكره سابقاً في باب الرجل يصيب ثوبه الجنابة (٤) ، وهنا ذكر احتمال الجنابة من حرام وعرق فيه ، والخبر عن هذا الاحتمال بمراحل.

وفي التهذيب قال : لا يجوز أنّ يكون المراد بهذا الخبر إلاّ من عرق في الثوب من جنابة إذا كانت من حرام. قال رحمه‌الله لأنّا قد بيّنا أنّ نفس الجنابة لا تتعدى إلى الثوب ، وذكرنا أيضاً أنّ عرق الجنب لا ينجس الثوب ، فلم يبق معنىً يحمل عليه الخبر إلاّ عرق الجنابة من حرام (٥). انتهى.

__________________

(١) راجع ص ٥١ و ٩٢.

(٢) منهم الأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٣٥١.

(٣) راجع : ص ٩١٠.

(٤) راجع : ص ٨١١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٧١ ، بتفاوت يسير.

٢٨٨

ولا يخفى عليك أنّ الاستدلال بمثل هذا الخبر موضع التعجب.

والثاني : أيضاً كذلك ، بل هو بمعزل عن احتمال الجنابة من حرام ؛ لأنّ قوله عليه‌السلام : « أمّا أنا فلا أُحبّ أنّ أنام فيه » يأبى ذلك ، إلاّ على احتمال متكلّف ، وهو أنّ يراد كون غيره لو أجنب من حرام لا ينام فيه عليه‌السلام بتقدير لبسه.

وما قاله رحمه‌الله من صراحته في الكراهة. لا يعتريه شوب الارتياب. والظاهر أنّ وجه الكراهة بُعد خلوّ الثوب من النجاسة.

وينبغي أنّ يعلم أنّ القول بنجاسة عرق المجنب من حرام محكي في المختلف عن الشيخين وابن البراج (١). وفي رسالة علي بن بابويه : وإن كانت يعني الجنابة من حرام فحرام الصلاة فيه. يعني من جهة العرق ؛ لتقدم ذكره. وكذلك عبارة ولده في الفقيه (٢). وفي الظن أن العبارتين لا صراحة فيهما بالنجاسة.

نعم عبارة المفيد في المقنعة ربما كانت ظاهرة ، لأنّه قال : لا يجب غَسل الثوب من عرق الجنب إلاّ أنّ تكون الجنابة من حرام (٣). وإنّما قلنا : الظاهر منها ذلك ؛ لاحتمال القول بوجوب الغَسل لإزالة العرق لأجل الصلاة ، حيث لا تصح الصلاة فيه.

وابن الجنيد في المختصر الأحمدي قال : عرق الحائض لا ينجّس الثوب ، وكذلك عرق الجنب من حلال ، فإنّ كان أجنب من حرام غَسَل‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٠٢ ، وهو في المقنعة : ٧١ ، وفي النهاية : ٥٣ ، وفي المهذب ١ : ٥١.

(٢) الفقيه ١ : ٤٠.

(٣) المقنعة : ٧١.

٢٨٩

الثوب. وهذا الكلام ربما يقال بصراحته في النجاسة ، إلاّ أنّ فيه نوع تأمّل.

والشيخ في الخلاف قال : عرق الجنب من حرام حرام الصلاة فيه (١). وفي النهاية : إلاّ أنّ تكون الجنابة من حرام ، فإنّه يجب غَسل الثوب (٢).

واحتج في الخلاف : بالإجماع والاحتياط والأخبار (٣) ، محيلاً لها على كتابي الحديث. والحال ما ترى من جهة الأخبار ، فإنّ في الكتابين مستنده هذين الحديثين (٤) ، وكلام الشيخ في التهذيب قد سمعته مع قوله هنا ، وقد ذكر احتمال إصابة الثوب النجاسة في التهذيب (٥). وبالجملة ، فالأمر لا يخلو من غرابة بالنسبة إلى الشيخ ، حيث تعرض للاستدلال بالأخبار.

وأمّا الإجماع فلا يمكن الاطّلاع فيه على الحقيقة بعد ما يوجد خلاف نفسه فيه ، كما يعلم من مراجعة ما ذكره جدّي قدس‌سره في بعض فوائده.

غير أنّ هذه المسألة لم نقف للمتقدمين على قول بالطهارة ، نعم ابن إدريس وسلاّر نقل عنهما (٦) ذلك ، وجمهور المتأخرين على الطهارة (٧). وهو غريب منهم مع معهوديّة اتباع الشيخ غالباً ، وعدم نقل مخالف من‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٤٨٣ بتفاوت يسير.

(٢) النهاية : ٥٣ بتفاوت يسير.

(٣) الخلاف ١ : ٤٨٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٧١ / ٧٩٩ و ٤٢١ / ١٣٣١ ، الاستبصار ١ : ١٨٧ / ٦٥٥ و ١٨٨ / ٦٥٦ ، الوسائل ٣ : ٤٤٧ أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٠ ، ١١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٧١.

(٦) حكاه عنهما في المختلف ١ : ٣٠٣ ، وهو في السرائر ١ : ١٨١ ، والمراسم : ٥٦.

(٧) منهم المحقق الحلي في الشرائع ١ : ٥٣ ، والكركي في جامع المقاصد ١ : ١٦٥ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٩٩.

٢٩٠

المتقدّمين على الشيخ ليكون القدح في الإجماع حاصلاً على احتمال ، بل العلاّمة في المختلف قال : إنّ الطهارة اختيار سلاّر وابن إدريس وهو المعتمد ، واحتج بالأصل والأخبار الدالة على طهارة عرق الجنب من غير تفصيل ، وبأنّ المجنب من حرام ليس بنجس ، فلا يكون عرقه نجسا ، ثم ذكر حجّة الشيخين بالأخبار ولم يتعرض للإجماع المذكور في الخلاف (١).

وفي الذكرى قال الشهيد رحمه‌الله بعد حكايته عن المبسوط أنّه نسب الحكم إلى رواية الأصحاب : ولعلّه ما رواه محمّد بن همام بإسناده إلى إدريس بن همام (٢) الكفرثوثي إنّه كان يقول بالوقف فدخل إلى سرّ من رأى في عهد أبي الحسن عليه‌السلام وأراد أن يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب ، أيصلّى فيه؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره عليه‌السلام حرّكه أبو الحسن عليه‌السلام بمقرعته ، وقال مبتدئاً : « إن كان من حلال فصَلِّ ، وإن كان من حرام فلا تصلِّ فيه » (٣) ثم قال رحمه‌الله : وروى الكليني بإسناده إلى الرضا عليه‌السلام في الحمام « يغتسل فيه الجنب من الحرام » (٤) وعن أبي الحسن عليه‌السلام : « لا يغتسل من غسالته ، فإنّه يغتسل فيه من الزنا » (٥) انتهى (٦).

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٠٣.

(٢) كذا في النسخ ، وفي الوسائل : إدريس بن يزداد ، وفي الذكرى : إدريس بن زياد الكفرتوثي ، وهو الصواب ، راجع رجال النجاشي : ١٠٣ / ٢٥٧ ، والفهرست : ٣٩ / ١١٤ ، ورجال ابن داود : ٣٩ / ٩٤٨.

(٣) الوسائل ٣ : ٤٤٧ ، أبواب النجاسات ب ٢٧ ح ١٢.

(٤) الكافي ٦ : ٥٠٣ / ٣٨.

(٥) الكافي ٦ : ٤٩٨ / ١٠.

(٦) الذكرى : ١٤ ، بتفاوت يسير.

٢٩١

وهذه الروايات كما ترى ربما دلت في الجملة سيّما الاولى ، لكن الطرق في الأخيرتين غير سليمة ، والأولى لم نقف على أصلها ، والاحتمال الذي أسلفناه من إمكان تحريم الصلاة من دون النجاسة (١) قائم هنا.

ولا يبعد أن يوجه عند القائل بالموثق : بأنّ دلالة رواية ابن بكير الموثقة الدالة على أنّ ما لا يؤكل لحمه لا يصلّى في شي‌ء منه تتناول عرق الإنسان (٢) ، ولمّا خرج عرق الإنسان بالإجماع ، ينبغي الاقتصار على مورده ، وهو غير المجنب من حرام ؛ لوقوع الخلاف فيه ، فيعمل الخبر عمله فيما عداه.

إلاّ أنّ يقال : إنّ الإجماع إنّما خرجنا عنه في المجنب من حرام إذا كان نجساً لا مع الطهارة ، إذ (٣) لم يعلم فيه الخلاف.

ويمكن الجواب : بعدم صراحة القول بالنجاسة في كلام بعض من تقدم (٤) ، فينبغي تأمّل هذا ، فإنّي لم أقف على من نبّه عليه من العاملين بالموثق.

ثم إنّ الثالث من الأخبار كما ترى يدل بظاهره على التجفف بالثوب إذا لم تكن النطفة رطبة ، والحال فيه لا يخلو من خفاء ؛ لأنّ ما ذكره الشيخ في توجيهه له وجه في الجملة ، إلاّ أنّ الإجمال باق من حيث إنّ موضع المني إذا لم ينشف به فلا فرق بين الرطب واليابس.

__________________

(١) ص : ٢٨٩ ٢٩٠.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٣) في « فض » و « رض » : إذا.

(٤) راجع ص : ٢٨٩.

٢٩٢

واحتمال أنّ يراد أنّ التنشف بالثوب إذا لم يعلم بإصابة الجنابة له لا بأس به إذا كانت يابسة ، بمعنى عدم العلم بها لكونها يابسة ، واليبس حينئذ هو سبب عدم العلم ، بخلاف ما إذا كانت رطبة ، فإنّها تتحقق.

غير تام ؛ لأنّ عدم العلم بإصابة النجاسة يقتضي جواز التنشف به ، والرطوبة المذكورة إنّ كانت تعلم قبل التنشف فلا فرق ، وإنّ كانت بعد فكذلك ، إلاّ أنّ يحصل العلم بإصابتها ، ومع اليبوسة على تقدير علمها كذلك.

اللهم إلاّ أنّ يقال : على تقدير اليبوسة إذا وقع التنشف بالثوب وبقيت اليبوسة فالعلم حاصل بعدم الإصابة ، بخلافه مع الرطوبة ؛ لاحتمال الإصابة من حيث الاشتراك في الرطوبة. وأظنّ أنّ هذا الوجه لا يخلو من وجاهة ، غير أنّه يقتضي حمل الخبر على الاستحباب ، من حيث إن مجرّد الاحتمال لا يحكم بالتنجيس به ، فليتأمّل.

قوله :

باب بول الخشاف

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن موسى بن عمر ، عن يحيى بن عمر ، عن داود الرقّي قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن بول الخشاف (١) ، يصيب ثوبي فأطلبه ولا أجده ، قال : « اغسل ثوبك ».

فأما ما رواه أحمد بن محمد ، عن محمد بن يحيى ، عن غياث ،

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٨٨ / ٦٥٨ : الخشاشيف.

٢٩٣

عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام قال : « لا بأس بدم البراغيث والبقّ ، وبول الخشاشيف ».

فالوجه في هذه الرواية أنّ نحملها على ضرب من التقية ؛ لأنّها مخالفة لأُصول المذهب ، لأنّا قد بيّنا أنّ كل ما لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة في بوله ، والخشّاف ممّا لا يؤكل لحمه ، فلا تجوز الصلاة في بوله. والرواية الاولى تؤكّد هذه الأُصول بصريحها.

السند‌ :

في الأوّل : فيه موسى بن عمر ، وهو مشترك (١) بين ثقة ومهملين.

ويحيى بن عمر مجهول.

أمّا داود الرقّي : ففيه كلام ؛ لأنّ النجاشي ضعّفه (٢) ، والشيخ وثّقه (٣) ، لكن لا يخفى بعد ما كرّرنا القول فيه حقيقة الحال ، غير أنّ في إرشاد المفيد : أنّه من خاصة أبي الحسن موسى عليه‌السلام وثقاته (٤). والصدوق في طريق الفقيه قال : روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : « انزلوا داود الرقي منّي بمنزلة المقداد من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » (٥) إلاّ أنّ قوله : وروى. يشعر بعدم الثبوت ، ويمكن أنّ يقال : إنّ الصدوق يستعمل هذه اللفظة في كتابه مع ضمانة صحة ما فيه ، إلاّ أنّ يقال : إنّ ما في الطرق خارج عن الكتاب.

ومن هنا يعلم أنّ ما اعترض به جدّي قدس‌سره على العلاّمة في قوله‌

__________________

(١) هداية المحدثين : ٢٦٢.

(٢) رجال النجاشي : ١٥٦ / ٤١٠.

(٣) رجال الطوسي : ٣٤٩ / ١.

(٤) إرشاد المفيد ٢ : ٢٤٨.

(٥) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ٩٥ بتفاوت يسير.

٢٩٤

بعد ما نقل كلام النجاشي بأنّه ضعيف جدّاً ، وقول الشيخ إنّه ثقة : والأقوى قبول قوله ، لقول الشيخ (١) من أنّ الجرح مقدَّم ، فكيف يرجح قول الشيخ (٢)؟ لا يخلو من وجاهة من حيث لم يتعرض العلاّمة لما نقلناه.

والحقّ أنّ للنجاشي الرجحان ، لوجود الاحتمال في عبارة الصدوق ، وكلام المفيد غير معلوم المراد من عبارته ، فإنّه كثيراً ما يوثّق من ليس له أهليّة التوثيق ، أو يقال : إنّ توثيقه متقدّم على الضعف كما في محمد بن سنان ، وفي هذا شي‌ء قدمناه (٣) في محمد بن سنان من جهة بُعد عدم وقوف المفيد على الضعف وإطلاق التوثيق ، فليتأمّل.

والثاني : فيه محمد بن يحيى ، وهو إمّا الخثعمي ، وقد صرح الشيخ بأنّه عامي في هذا الكتاب ، وكونه ثقة صرّح به النجاشي (٤). وإمّا الخزّاز ، وهو ثقة ، وما قد يقال : إنّ كثرة الرواية عن غياث من الخثعمي تؤيّد تعيّنه. محلّ تأمّل ؛ إذ الكثرة غير معلومة ، فإنّ التصريح بالخثعمي في الأكثر عَسِر الإثبات ، والإطلاق لا يفيد ما ذكر كما لا يخفى.

فإن قلت : قد ذكر الشيخ في رجال من لم يرو عن الأئمّة عليهم‌السلام غياث بن إبراهيم روى عنه محمد بن يحيى الخزّاز (٥). وظاهر هذا الكلام الاختصاص بالخزاز.

قلت : الاختصاص غير معلوم ، كما يعرف من عبارة (٦) الشيخ في‌

__________________

(١) الخلاصة : ٦٧ / ١.

(٢) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ١١.

(٣) راجع ص ٨٥.

(٤) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٣.

(٥) رجال الطوسي : ٤٨٨ / ٢.

(٦) في « فض » و « رض » : عادة.

٢٩٥

كثير من الرجال ، ووجود الخثعمي راوياً عن غياث لا شبهة فيه في الأخبار (١).

ومن هنا يعلم أنّ ما ذكره شيخنا قدس‌سره في بعض فوائده على الكتاب : من أنّ الرواية معتبرة الإسناد ؛ لأنّ محمد بن يحيى الذي يروي عن غياث هو الخثمعي ، كما وقع التصريح به في عدّة روايات ، أو الخزّاز كما ورد في بعض آخر ، وكلاهما ثقة ، وأمّا غياث فهو ابن إبراهيم الأسدي ، وقد وثّقه النجاشي والعلاّمة ، لكن قال العلاّمة : إنّه كان بُترياً ، والظاهر أنّ الأصل في ذلك ما نقله الكشي ، عن حمدويه ، عن بعض أشياخه : أنه كان كذلك. لكن الجارح مجهول ، فلا يعتدّ بجرحه.

محلّ بحث ؛ لأنّ الشيخ قد صرّح بكونه بترياً كما نقلناه عنه (٢). ولا يبعد أن يكون قول الشيخ مستنداً إلى ما قاله الكشي أيضاً ، إلاّ أنّ الجزم به غير معلوم ، ولم أقف الآن على ما نقله شيخنا قدس‌سره عن الكشي ، فإنّ شيخنا أيّده الله في كتاب الرجال لم ينقل عن الكشي ذلك (٣) ، وفي فوائده على الكتاب ما يقتضي عدم وقوفه على ذلك ، فإنّه قال بعد ما اعترض به شيخنا قدس‌سره : فيه أنّ الشيخ في رجاله حكم بكونه بُتريا ، ورواية الكشي على ما نقله يعني شيخنا إنّ لم تؤيّد ذلك وتقوّيه فلا تقدح فيه. انتهى.

__________________

(١) الكافي ٤ : ٦٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٢٥٦ / ٦٧١ ، الوسائل ١٠ : ٣١٩ أبواب أحكام شهر رمضان ب ١٩ ح ١.

(٢) رجال الطوسي : ١٣٢ / ١.

(٣) منهج المقال : ٢٥٧.

٢٩٦

المتن :

في الأوّل : كما ترى يدل على غَسل الثوب من بول الخشاشيف.

والثاني : على نفي البأس ، فالحمل على الاستحباب ممكن في الجمع.

وما قاله الشيخ : من أنّه قد بيّن أنّ كل ما لا يؤكل لحمه لا تجوز الصلاة في بوله. محل كلام ، فإنّه إنّ استند في هذه الكلية إلى ما رواه في الحسن عن عبد الله بن سنان قال : قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه » (١). ففيه : أنّها معارضة بما رواه في التهذيب عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن جميل بن دراج ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كل شي‌ء يطير فلا بأس بخرئه وبوله » (٢).

وإنّ استند إلى موثقة ابن بكير الدالة على أنّ كل شي‌ء لا يؤكل لحمه فلا يصلّي في شي‌ء منه (٣). ففيه : أنّ عدم الصلاة فيه أعم من النجاسة ، على أنّ المنقول عن الشيخ في المبسوط : أنّ أبوال الطيور كلّها طاهرة ، أُكِل لحمها أم لم يُؤكل ، إلاّ الخشّاف (٤). فالكليّة المذكورة غير سليمة عنده.

إلاّ أنّ يقال : إنّ الكلية إذا ثبتت يخرج منها ما خرج بالدليل ، فيبقى الباقي ومنه الخشاف. وفيه : أنّ مع تعارض الأخبار في الخشاف لا يتحقق‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦٤ / ٧٧٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٥ أبواب النجاسات ب ٨ ح ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٧٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٢ أبواب النجاسات ب ١٠ ح ١.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٠٩ / ٨١٨ ، الوسائل ٤ : ٣٤٥ أبواب لباس المصلي ب ٢ ح ١.

(٤) حكاه عنه في المختلف ١ : ٢٩٨ ، وهو في المبسوط ١ : ٣٩.

٢٩٧

الحكم بخروجه كما لا يخفى.

والعجب من ادعاء العلاّمة (١) والمحقّق إجماع علماء الإسلام على نجاسة بول وروث ما لا يؤكل لحمه (٢) ، مع أنّ فضلة الطير الخلاف فيها منقول. ولعل الوجه في عدم استثناء الطير أنّ مرادهما في غيره ، بقرينة ذكر خلاف بعض العامة بعد نقل الإجماع في طهارة أبوال البهائم ، ونقل قول الشيخ في المبسوط.

والصدوق في الفقيه ظاهره القول بالطهارة ، لأنّه قال : ولا بأس بخرء ما طار وبوله (٣). وينقل عن ابن أبي عقيل نحو ذلك (٤). ويحتمل أنّ يكون الإجماع لا يضرّ فيه مثل هذا ، لمعلوميّة النسب كما احتمله الوالد قدس‌سره (٥). وفيه من البُعد ما لا يخفى.

ثم إنّ المحقق احتج على مساواة الطير لغيره مع الإجماع بأنّ : ما دل على نجاسة العذرة ممّا لا يؤكل لحمه يتناوله ، لأنّ الخرء والعذرة مترادفان. قال : و ( الاستناد إلى ) (٦) رواية أبي بصير وإنّ كانت حسنة إلاّ أنّ العامل بها من الأصحاب قليل (٧).

واعترض الوالد قدس‌سره على الاحتجاج : بأنّ الإجماع إنّ ثبت فهو الحجة على الطير وغيره ، وإنّ خصّ بغير الطير فأين الأدلّة العامة على‌

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٥٩ ، ١٦٠.

(٢) المعتبر ١ : ٤١٠.

(٣) الفقيه ١ : ٤١.

(٤) حكاه عنه في المختلف ١ : ٢٩٨.

(٥) معالم الفقه : ١٩٧.

(٦) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٧) المعتبر ١ : ٤١١.

٢٩٨

نجاسة العذرة ممّا لا يؤكل لحمه؟ والحال أنّا لم نقف إلاّ على حسنة ابن سنان ، وهي واردة في البول ، ولم يذكرها هو يعني المحقق في بحثه ، بل اقتصر على الإجماع ، فلا ندري لفظ العذرة أين وقع معلّقاً عليه الحكم ، ليضطر إلى بيان مرادفة الخرء له؟ ثم تعجّب من المحقق (١).

وفي نظري القاصر أنّ كلام الوالد قدس‌سره على الإطلاق محل تعجّب ؛ فإنّ العذرة قد وقع الحكم معلقاً بها في بعض الأخبار ، وقد نقله قدس‌سره قريب هذا المبحث ، وهو صحيح موسى بن القاسم ، عن علي بن محمد قال : سألته عن الفأرة والدجاجة والحمام وأشباهها ، تطأ العذرة ثم تطأ الثوب (٢) (٣). ( وغير ذلك من أخبار ذكرتها في حاشية الروضة ، وإذا تحقق تعليق الحكم على العذرة وكانت مرادفة للخرء أمكن إثبات المطلوب. ويمكن إثبات المرادفة بما قدّمناه عن القاموس ) (٤) من أنّها أردأ ما يخرج من الطعام ، فإنّه شامل للطير وغيره (٥).

وما قاله شيخنا قدس‌سره في الاعتراض على المحقق أيضاً ـ : من أنّ العذرة ليست مرادفة للخرء ، بل الظاهر اختصاصها بفضلة الإنسان ، كما دل عليه العرف ونص أهل اللغة ، قال الجوهري (٦) : العذرة أصلها فناء الدار ،

__________________

(١) معالم الفقه : ١٩٧ بتفاوت يسير.

(٢) التهذيب ١ : ٤٢٤ / ١٣٤٧ ، قرب الإسناد : ٨٩ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٣.

(٣) معالم الفقه : ١٩٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٨٩.

(٦) في « فض » : الهروي.

٢٩٩

وسميت عذرة الناس بها لأنّها كانت تلقى في الأفنية (١) (٢) ففي نظري القاصر : أنّه لا يخلو من تأمّل :

أمّا أولاً : فلوجود بعض الأخبار الدالة على إطلاقها على غير الإنسان ، ففي صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب (٣).

اللهم إلاّ أنّ يقال : إنّ العذرة هنا مقيّدة ، ويجوز التجوّز بقرينة ، والمدعى الإطلاق.

وفيه : أنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة ، إلاّ أنّ تسبق الحقيقة بشي‌ء ثم يستعمل اللفظ في غيره ، فيكون أعم من الحقيقة والمجاز ، كما حققناه في الأُصول ، وفيما نحن فيه لم نعلم أنّ الأصل هو عذرة الإنسان ليكون في غيرها مجازاً ، لأنّه خير من الاشتراك ، فليتأمّل.

وأمّا ثانياً : فلأنّ كلام الجوهري (٤) يعارضه كلام القاموس ، والجمع ممكن ، بأنّ يراد أصل استعمال العذرة فيما ذكر ، ثم صارت تطلق على الجميع.

أمّا ما قد يقال : إنّ العذرة في الرواية قد استعملت في عذرة الإنسان وهي حقيقة ، فلو كانت مجازاً في غيره لكان استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه ، وهو غير جائز.

ففيه : أنّ اللفظ لم يستعمل في حقيقته ومجازه ، بل هنا ألفاظ مقدّرة‌

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٧٣٨ ( عذر ).

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٦٠ ، بتفاوت يسير.

(٣) الكافي ٣ : ٤٠٦ / ١١ ، التهذيب ٢ : ٣٥٩ / ١٤٨٧ ، الإستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٧٥ أبواب النجاسات ب ٤٠ ح ٥.

(٤) في « فض » : الهروي.

٣٠٠