إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

والبقر والغنم وأبوالها ولحومها؟ فقال : « لا تتوضأ منه ، وإنّ أصابك منه شي‌ء أو ثوباً لك فلا تغسله إلاّ أنّ تتنظّف » قال : وسألته عن أبوال الدواب والبغال والحمير؟ فقال : « اغسلها ، فإنّ لم تعلم مكانها فاغسل الثوب كله ، فإنّ شككت فانضحه ».

أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن أبان ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس بروث الحمير ، واغسل أبوالها ».

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن حسين بن عثمان ، عن ابن مسكان ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أبوال الخيل والبغال؟ قال : « اغسل ما أصابك منه ».

محمد بن يعقوب ، عن الحسين بن محمد ، عن معلى ( بن محمد ) (١) عن الوشاء ، عن أبان بن عثمان ، عن أبي مريم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في أبوال الدواب وأرواثها قال : « أمّا أبوالها فاغسل إنّ أصابك ، وأمّا أرواثها فهي أكثر من ذلك ».

الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يمسّه بعض (٢) أبوال البهائم أيغسله أم لا؟ قال : « يغسل بول الفرس والحمار والبغل ، وأما الشاة وكلّ ما يؤكل لحمه فلا بأس ببوله ».

محمد بن أحمد بن يحيى ، عن السندي بن محمد ، عن يونس ابن يعقوب ، عن عبد الأعلى بن أعين ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٧٨ / ٦٢٣.

(٢) ليست في « فض ».

٢٠١

أبوال الحمير (١) والبغال؟ قال : « اغسل ثوبك » قال : قلت فأرواثها قال : « هو أكبر من ذلك ».

قال محمد بن الحسن : هذه الأخبار كلّها محمولة على ضرب من الكراهة.

السند‌ :

في الأوّل : حسن بلا ريب ، كما تقدم (٢).

والثاني : فيه البرقي ، وقد تكرّر القول فيه ( منّا ) (٣) في هذا الكتاب (٤) وغيره ، وأبان لا ريب في صحة حديثه لو خلا من الموانع في غيره عند من لا يعمل بالموثق ؛ إذ الجارح له ثقة غير إمامي ، والإجماع على تصحيح ما يصحّ عن أبان كما في الكشي (٥) لا يخرج حديثه عن كونه موثّقاً ، غاية الأمر أنّ يوصف حديثه بالصحة على غير الاصطلاح.

فإنّ قلت : أبان مشترك فكيف يحكم بأنّه ابن عثمان؟

قلت : الأمر كما ذكرت ، إلاّ أنّ الظاهر في إطلاق مثله أنّ يكون ابن عثمان.

وقد اتفق للوالد قدس‌سره في المعالم أنّه قال : إنّ هذا الخبر لا يقصر عن الأخبار التي تظن صحتها في روايات التنجيس ، والتشبّث في تضعيفه‌

__________________

(١) في بعض نسخ الاستبصار ١ : ١٧٩ / ٦٢٥ : الخمر.

(٢) من جهة إبراهيم بن هاشم : راجع ص ٣٦ ، ٣٣٩.

(٣) في « رض » : هنا.

(٤) راجع ص ٦٨.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

٢٠٢

باشتمال طريقه على البرقي وأبان لا يتجه عند من يحكم بصحّة شي‌ء من أخبار النجاسة إلى أنّ قال وأما من جهة أبان فلأنّ القرائن قائمة على أنّه ابن عثمان ، وهو أحد الجماعة الذين حكى الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وما جرح به لم يثبت ؛ لأنّ الأصل فيه علي بن الحسن بن فضّال ، والمتقرّر في كلام الأصحاب أنّه من جملة الفطحية ، فلو قُبل طعنه في أبان لم يتجه المنع من قبول رواية أبان ؛ إذ ليس القدح إلاّ بفساد المذهب ، وهو مشترك بين الجارح والمجروح ، وقد اتضح بهذا وجه ثبوت التعارض بين الأخبار (١). انتهى كلامه قدس‌سره.

وفي نظري القاصر أنّه محل تأمّل ؛ لأنّ الظاهر من قوله : إنّ الخبر المتضمن لنفي البأس يعني الخبر المذكور لا يقصر عن الأخبار التي تظن صحتها ، كون الخبر صحيحاً ، فإنّ أراد المصطلح عليه كما هو المتعارف من الإطلاق في مثله ، ففيه أنّ العامل بالموثّق لا بدّ أنّ يكون الخبر عنده موثّقاً ؛ لما قدّمناه من لزوم القول بخبر علي بن فضّال في كون أبان فطحياً (٢) ومن لا يعمل بذلك فالخبر عنده صحيح على الاصطلاح ، فإطلاق الصحة لا يخفى ما فيه.

وإنّ أراد بالصحة غير المصطلح عليه كان استعمالاً للفظ في غير وضعه من غير قرينة.

ومن هنا يعلم أنّ ما في الحبل المتين من وصف الخبر المذكور بالصحة (٣) مع عمل مؤلّفة سلّمه الله بالموثّق لا يخلو من خلط في‌

__________________

(١) معالم الفقه ٢٠٤ و ٢٠٥.

(٢) راجع ص ١٣٠.

(٣) الحبل المتين : ٩٤.

٢٠٣

الاصطلاح بغيره.

ويمكن الجواب من جهة الوالد قدس‌سره أنّ مراده كون القائلين بالنجاسة وصفوا أخباراً بالصحة وفيها أبان ، والحال في الخبر أنّه مشتمل على أبان ، لكن لا يخفى عليك أنّهم إذا لم يلتفتوا إلى ما ذكرناه كان على الوالد قدس‌سره أنّ يبيّن ذلك.

والثالث : فيه الحسين بن عثمان ، و (١) المذكور في النجاشي : الحسين ابن عثمان الأحمسي البجلي ، كوفي ثقة ، ذكره أبو العباس في رجال أبي عبد الله (٢). وفيه أيضاً : الحسين بن عثمان بن شريك بن عدي العامري الوحيدي ثقة ، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ، ذكره أصحابنا في رجال أبي عبد الله ، له كتاب يختلف الرواة فيه ، فمنها ما رواه ابن أبي عمير (٣).

والشيخ رحمه‌الله في الفهرست ذكر الأحمسي من غير توثيق (٤) ، وكذلك في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه (٥) ، وذكر العامري أيضاً في رجال الصادق عليه‌السلام من غير توثيق (٦).

والكشي قال في الحسين ، ( بن عثمان ) (٧) بن زياد الرواسي ، عن حمدويه ، عن أشياخه ، أنّه ثقة خير فاضل (٨). وهذا الرجل في ظاهر الحال‌

__________________

(١) في « فض » زيادة قدّمنا فيه كلاماً في الجزء الأوّل ونذكر هنا ما لا بد منه ، لبعد العهد زيادة الفائدة والحاصل أنّ.

(٢) رجال النجاشي : ٥٤ / ١٢٢.

(٣) رجال النجاشي : ٥٣ / ١١٩ ، وفيه : له كتاب تختلف الرواية فيه.

(٤) الفهرست : ٥٦ / ٢٠٣.

(٥) رجال الطوسي : ١٨٣ / ٣٠٥.

(٦) رجال الطوسي : ١٦٩ / ٦٣.

(٧) ما بين القوسين أثبتناه من المصدر.

(٨) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٤.

٢٠٤

أنّه غير الأوّلين ، والذي في الكشي ما ذكرته.

لكن قال الوالد قدس‌سره : إنّ الحسين بن عثمان مشترك بين رجلين وثّقهما النجاشي ، وحكى الكشي توثيق أحدهما عن حمدويه عن أشياخه ، مع أنّ عبارة الاختيار توهم مغايرة المحكي بتوثيقه (١) لهما ، وهذه الحكاية لا تخرجه عند التحقيق عن عداد من عرفت عدالته بتزكية الواحد (٢). انتهى كلامه قدس‌سره.

وفي نظري القاصر أنّه محلّ تأمّل ؛ لأنّ ما ذكرناه عن الكشي يقتضي المغايرة ، فيكونون ثلاثة ، وهذه عبارة الكشي : حمدويه قال : سمعت أشياخي يذكرون أنّ حماداً وجعفراً والحسين بني عثمان بن زياد الرواسي ، وحمّاد يلقّب بالناب ، كلّهم ثقات (٣).

والعلاّمة في الخلاصة ذكر الحسين بن عثمان بن شريك ، ثم قال : قال الكشي عن حمدويه ، عن أشياخه أنّ الحسين بن عثمان خيّر فاضل ، ثقة (٤).

والظاهر من العلاّمة أنّه ظن كون الرواسي هو العامري ، أو أنّ لفظ الرواسي لم يكن في نسخة الكشي التي عنده.

وقول الوالد قدس‌سره : إنّ الكشي حكى توثيق أحدهما. يقتضي أنّ ما وقف عليه من الأخبار للكشي ليس فيه الرواسي ، إلاّ أنّ قوله : إنّ عبارة الاختيار توهم المغايرة يدلّ على أنّ لفظ الرواسي موجود في الاختيار ، معه فالوهم غير ظاهر الوجه ، إلاّ أنّ يكون اعتمد قدس‌سره على قرائن تدلّ على‌

__________________

(١) في المصدر : توثيقه.

(٢) معالم الفقه : ٢٠٣ ٢٠٤.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٤.

(٤) خلاصة العلاّمة : ٥١ / ١٥.

٢٠٥

تعدد الوصف لأحد الرجلين ، ولا أعلم الآن حقيقة الحال ، ونسخة الاختيار لم تحضرني.

ثم إنّ ما ذكره قدس‌سره : من أنّ هذه الحكاية لا تخرجه ، إلى آخره ، يريد به المشي على أُصوله من اعتبار تزكية الاثنين ، والوجه في عدم الخروج بالحكاية عن تزكية الواحد لا يخلو من أحد أمرين :

أحدهما : أنّ يكون المذكور في الكشي أحد الرجلين الموثّقين من النجاشي فقط ، والكشي توثيقه لا يفيد ؛ لأنّه يرجع إلى شيوخ حمدويه ، وحالتهم غير معلومة ، فيكون التوثيق من النجاشي خاصة.

وثانيهما : أنّ يكون المذكور غير الاثنين ، والتوثيق حينئذ ليس إلاّ من الكشي وإن كان راجعاً إلى شيوخ حمدويه ، إلاّ أنّ ظاهر الإضافة في أشياخه يفيد العموم وفيهم من هو ثقة كما يعلم من الفهرست ، وحينئذ لا يخرج الرجل عن توثيق الواحد.

وفي نظري القاصر أنّ كلا الأمرين لا يخلو من شي‌ء.

أمّا الأول : فلأنّ كونه أحد الرجلين من غير تعيين (١) يقتضي عدم صحة الخبر عنده وإن أفاد كلام الكشي التوثيق ؛ إذ عدم تعيين (٢) الموثق بالاثنين كاف في عدم الصحة ، وظاهر الكلام يعطي أنّ المانع من الصحة كون الرجل من الذين عرفت عدالتهم بتزكية الواحد ، فليتأمّل.

وأمّا الثاني : فلأنّ الثالث إذا تحقق وقلنا بدلالة الإضافة على العموم وكان في الأشياخ من هو ثقة ، فلا ريب أنّها لا يخرجه عن كونه مزكّى بالواحد ، فالاحتياج إلى قوله : عند التحقيق ، لا وجه له ، على أنّه بعد ذكر‌

__________________

(١) في « رض » و « د » تعيّن.

(٢) في « فض » و « رض » : تعيّن.

٢٠٦

إيهام العبارة للمغايرة لا وجه لكون الرجل غير الأوّلين.

وبالجملة : فالرجل على ما في الكشي محتمل لثلاثة ، والثلاثة لا يبعد توثيقهم ؛ لما أشرنا إليه من الإضافة ، على أنّ الذي يستفاد من النجاشي أن الراوي عن الرجلين ابن أبي عمير (١) فيحتمل الاتحاد ، والله أعلم.

والرابع : فيه معلّى بن محمد ، وهو البصري ، لما صرح به الشيخ في رجال من لم يرو عن احمد من الأئمّة عليهم‌السلام أنّ الراوي عنه الحسين بن محمد (٢) وكذلك النجاشي ، وهذا الرجل قال النجاشي : إنّه مضطرب الحديث والمذهب (٣). والوشاء قد قدّمنا القول فيه (٤). وأبو مريم اسمه عبد الغفار ، وقد وثّقه النجاشي (٥).

والخامس : واضح الحال بعد ما أسلفناه من المقال.

والسادس : فيه عبد الأعلى بن أعين ، وهو مهمل في رجال الصادق عليه‌السلام. من كتاب الشيخ (٦). أمّا يونس بن يعقوب فقد قال النجاشي : إنّه قال بعبد الله ورجع ، وكان يتوكّل لأبي الحسن عليه‌السلام ، إلى أنّ قال : وكان حظيّا عندهم موثقاً (٧). والشيخ رحمه‌الله وثّقه في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتابه (٨).

ولا يخفى أنّ عبارة النجاشي من قوله : وكان موثقاً عندهم. إذا دلّت‌

__________________

(١) راجع ص ٨٧١.

(٢) رجال الطوسي : ٥١٥ / ١٣٢.

(٣) رجال النجاشي : ٤١٨ / ١١١٧.

(٤) في ص ١١١.

(٥) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٩.

(٦) رجال الطوسي : ٢٣٨ / ٢٣٩.

(٧) رجال النجاشي : ٤٤٦ / ١٢٠٧.

(٨) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٤.

٢٠٧

على التوثيق المعتبر في الرواية أفادت توثيق النجاشي للرجل ، لكن فيها نوع احتمال ، ولعلّ توثيق الشيخ هو المعتبر.

غير أنّ قول العلاّمة في الخلاصة بعد نقل الفطحية عن ابن بابويه ، والكشي في روايته عن حمدويه عن بعض أصحابه : والذي أعتمد عليه قبول روايته (١). محل تأمّل ؛ لأنّ الرجوع لا يعلم قبل الرواية أو بعدها ، والعلاّمة لا يعمل بالموثق كما يظهر من المختلف.

أمّا ما قاله العلاّمة بعد ذلك : وروى الكشي أحاديث حسنة تدل على حسن عقيدة هذا الرجل (٢). ففيه : أنّ الأحاديث التي في الكشي ليس فيها صحيح ولا حسن ، ولعلّ مراده بالحسن معنى آخر غير المصطلح عليه.

المتن :

في الأول : استدل به القائلون بالنجاسة مطلقاً (٣) ، أعني البول والروث ، وهي كما ترى خاصة بالبول.

والثاني : ذكره الوالد قدس‌سره في الاستدلال للطهارة في الروث والبول ، موجّهاً للاستدلال به أنّ مقتضاه نفي البأس عن الروث ، فيكون الأمر بغَسل البول للاستحباب ؛ إذ لا قائل بالفصل فيما يظهر (٤). انتهى.

ويشكل ما قاله من عدم القائل بالفصل ، بأنّ العلاّمة في المنتهى ، إنما نقل الخلاف في بول الدواب (٥) ، والظاهر من ذلك وجود القائل بالفصل.

أمّا الثالث : فهو مذكور في أدلة القائلين بالنجاسة مطلقاً على ما حكاه‌

__________________

(١) الخلاصة : ١٨٥ / ٢.

(٢) الخلاصة : ١٨٥ / ٢.

(٣) انظر المختلف ١ : ٣٠٠ ، ومعالم الفقه : ٢٠١.

(٤) معالم الفقه : ٢٠١.

(٥) المنتهى ١ : ١٦٠.

٢٠٨

الوالد قدس‌سره (١) ، والحال ما ترى.

والرابع : مذكور في كلام الوالد قدس‌سره لتأييد القول بالطهارة (٢) على نحو ما ذكره في خبر الحلبي. أمّا قوله عليه‌السلام : « وأمّا أرواثها فهي أكثر من ذلك » فسيجي‌ء بيانه.

( [ والسادس (٣) ] : مذكور في حجّة الطهارة مطلقاً في كلام الوالد قدس‌سره (٤) أيضاً ) (٥) وكذلك ذكره المحقق في المعتبر قائلاً : يعني أنّ كثرتها يمنع التكليف بإزالتها (٦).

وهذا يعطي أنّ : « أكثر » بالثاء المثلثة ، واحتمال أن يراد أكثر نجاسة قائم ، بخلاف رواية أبي مريم (٧) فإنّ سياقها يعطي ما ذكره المحقّق فكان متوجهاً ، وما في بعض النسخ من لفظ أكبر بالباء الموحدة فقد يمكن توجيهه بما لا ينافي ذلك ، لكن لا يخفى أنّه لا بد من ضميمة عدم القائل بالفصل ، ليلزم من طهارة الروث طهارة البول ، وقد سمعت ما قدّمناه عن المنتهى (٨)

، وغير بعيد أن يكون ما في المنتهى قصور عبارة ؛ لأنّه رحمه‌الله في المختلف بعد الرواية الثانية قال : ونفي البأس عن الروث يقتضي طهارته ، ويلزم من ذلك طهارة البول ؛ لعدم القائل بالفرق (٩).

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ عدم القائل بالفرق في الطهارة لا يستلزم عدم‌

__________________

(١) معالم الفقه : ٢٠١.

(٢) معالم الفقه : ٢٠٢.

(٣) في « رض » و « د » : والخامس ، والصواب ما أثبتناه بقرينة ما ذكر بعده.

(٤) معالم الفقه : ٢٠١.

(٥) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٦) المعتبر ١ : ٤١٤.

(٧) راجع ص : ٢٠١.

(٨) راجع ص : ٢٠٨.

(٩) المختلف ١ : ٣٠١.

٢٠٩

القائل بالفرق في النجاسة. وفيه : أنّ المنافاة لإطلاق المنتهى حاصلة ، فتأمّل.

بقي شي‌ء وهو أنّه تقدّم في أوّل الكتاب خبر صحيح تضمّن السؤال عن الماء تبول فيه الدواب وتلغ فيه الكلاب ، والجواب تضمّن أنّ الماء إذا كان قدر كرّ لا ينجسه شي‌ء. وهو يفيد بسبب التقرير نجاسة أبوال الدواب ، ولم أر من تعرض له في الاستدلال هنا ، وقد نبّهنا على ذلك في أوّل الكتاب (١).

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ القائلين بالطهارة استدلوا بالأصل مع الأخبار المذكورة (٢).

وقد يقال : إنّ الأصل قد علم المخرج عنه من الأخبار فكيف يتم الاستدلال؟

ويمكن الجواب بأنّ الأصل لا يخرج عنه إلاّ بالأخبار السليمة من التعارض وهو موجود ، فإن من الأخبار ما هو صحيح من الطرفين في الجملة ، وتوجيه دفع التعارض ممكن بالاستحباب فيعمل الأصل عمله والأخبار كذلك.

وقد يشكل الحال بأنّ الأصل إذ علم من مجموع الأخبار الخروج عنه انتفى عمله.

وفيه : أنّ هذا أوّل البحث بعد تحقق التعارض.

أمّا الاستدلال على الطهارة بالعمومات الدالة على طهارة بول ما يؤكل‌

__________________

(١) راجع ص ٢٥ و ٣٠.

(٢) كالمحقق في المعتبر ١ : ٤١٤ ، وصاحب معالم الفقه : ٢٠٠ و ٢٠١.

٢١٠

لحمه ، ففيه : أنّ الخاص مقدّم كما ذكر بعض محقّقي المتأخرين (١).

وربما يقال : إنّ الخاص لا يعلم تخصيصه مع التعارض والحال ما رأيت.

ويمكن الجواب بأنّ البول لا تعارض في أخباره ، فالتخصيص لا مانع منه ، إلاّ أنّ يقال : إنّ في بعض الاخبار ما يفيد المعارضة ، وهو ما رواه الصدوق في الفقيه عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير ، عن أبي الأغرّ النخّاس أنَّه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام فقال : إنّي أُعالج الدواب فربما خرجت بالليل وقد بالت وراثت فتضرب إحداها بيدها أو برجلها فينضح على ثوبي فقال : « لا بأس به » (٢).

وأبو الأغرّ وإنّ كان مجهول الحال ، إلاّ أنّ رواية الصدوق لها توجب المزية الظاهرة كما قدّمناه (٣) ، مضافاً الى رواية الثقتين (٤) عنه ، وقد قيل في مدحهما (٥) ما يشعر بالقبول في الجملة ، وحينئذ [ نقول (٦) ] في جهة البول أنّ الأخبار متعارضة فلا يخرج عن الأصل ، غير أنّ الاحتياط مطلوب.

ومن غريب ما وقع للعلاّمة في المختلف أنّه استدل للطهارة في جملة أشياء بأنّ طهارة أبوال الإبل مثلاً مع نجاسة هذه الأبوال ممّا لا يجتمعان ، والأول ثابت فينتفي الثاني ، ووجه المنافاة أنّ كون الحيوان‌

__________________

(١) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٠١.

(٢) الفقيه ١ : ٤١ / ١٦٤ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢.

(٣) راجع ص ٤٨.

(٤) وهما صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير.

(٥) معالم الفقه : ٢٠٤ ، منهج المقال : ٣٨٣.

(٦) في النسخ : يقول ، والظاهر ما أثبتناه.

٢١١

مأكول اللحم إمّا أنّ يقتضي طهارة رجيعه أو لا ، وعلى كلا التقديرين يلزم التنافي ، أما على الأوّل فلوجود المشترك في صورة النزاع ، وأمّا على الثاني فلأنّه يلزم نجاسة أبوال الإبل عملاً بالعموم الدال على نجاسة البول مطلقاً السالم عن معارضة كون الحيوان مأكولاً عادة ، وأما ثبوت الأول فبالإجماع (١). انتهى.

وأنت إذا لاحظت الكلام بأيسر نظر ترى أنّه منحرف عن جادة التحقيق ، بل لا ينبغي صدور مثله عن مثله لكن في المختلف له نظائر.

وأغرب منه ما وقع منه في المنتهى بعد ذكر رواية لابن سنان تتضمن الأمر بغَسل الثوب من أبوال ما لا يؤكل لحمه ، أنّ لقائل أن يقول : إنّ رواية ابن سنان غير مصرحة بالتنجيس ، أقصى ما في الباب أنّه أمر بالغَسل ، وهو غير دال على النجاسة إلاّ من حيث المفهوم ، والمنطوق أقوى (٢). انتهى. ولا يخفى عليك الحال.

بقي شي‌ء في المقام وهو أنّ الخبر الأول تضمّن جميع الألبان والبول واللحم في السؤال ، والجواب كما ترى تضمّن النهي عن الوضوء ، وغير بعيد أنّ يراد بالوضوء غَسل اليدين ، واستعماله في هذا غير عزيز ، وربما كان ذكر عدم غَسل الثوب قرينة على ذلك ، واحتمال الوضوء الحقيقي لا وجه له ، والأعم منه ومن غَسل اليدين بعيد ، فتأمّل.

اللغة :

قد تقدّم تفسير النضح عن القاموس بأنه الرشّ (٣) ، لكن في الحبل‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٠٠.

(٢) المنتهى ١ : ١٦٠.

(٣) راجع ص ٨٥٥.

٢١٢

المتين أنّ ظاهر كلام العلاّمة في النهاية يعطي أنّ الرشّ أخص من النضح ، لأنّه قال : مراتب (١) إيراد الماء ثلاث : النضح المجرد ومع الغلبة ، ومع الجريان ، ولا حاجة في الرشّ إلى الدرجة الثالثة قطعاً ، وهل يحتاج إلى الثانية؟ الأقرب ذلك ، ويفرّق بين الرشّ والغَسل بالسيلان والتقاطر (٢). انتهى. وهو أعلم بوجه ما قاله.

قوله :

والذي يدل على ذلك : ما أوردناه في كتابنا الكبير ، وفيما تقدم أيضاً من هذا الكتاب أنّ ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه ، وإذا كانت هذه الأشياء غير محرّمة اللحوم لم تكن أرواثها وأبوالها محرّماً.

ويدلُّ على ذلك أيضاً : ما رواه أحمد بن محمد ، عن محمد بن خالد ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أحدهما عليهما‌السلام في أبوال الدواب يصيب الثوب فكرهه ، فقلت : أليس لحومها حلالاً؟ قال : « بلى ولكن ليس ممّا جعلها الله للأكل ».

فجاء هذا الخبر مفسّراً للأخبار كلّها (٣) ومصرّحاً بكراهة ما تضمنته.

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة ، قال : سألته عن بول السنّور والكلب والحمار والفرس ، فقال : « كأبوال الإنسان ».

__________________

(١) ليست في النسخ : أثبتناه من المصدر.

(٢) الحبل المتين : ٩٦.

(٣) في المصدر زيادة : جلياً.

٢١٣

فالوجه في هذا الخبر أنّ نحمل قوله : « كأبوال الإنسان » على أنّه راجع إلى بول السنّور والكلب ؛ لأنّهما ممّا لا يؤكل لحمهما ، ويجوز أن يكون الوجه في هذه الأحاديث أيضاً ضرباً من التقية لأنّها موافقة لمذاهب [ بعض (١) ] العامة.

والذي يدل أيضاً على أنّها خرجت مخرج ( الكراهيّة للتقيّة ) (٢) :

ما رواه محمد [ بن أحمد (٣) ] بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمار ، عن المعلّى بن خنيس وعبد الله بن أبي يعفور قالا : كنّا في جنازة وقدّامنا حمار فبال فجاءت الريح ببوله حتى صكّت وجوهنا وثيابنا فدخلنا على أبي عبد الله ٧ فأخبرناه فقال : « ليس عليكم بأس ».

السند‌ :

في الأول : فيه القاسم بن عروة ولم يذكر النجاشي فيه بعد النسب سوى أنّه روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام له كتاب (٤). وفي الفهرست قال الشيخ : القاسم بن عروة له كتاب (٥). وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه كذلك (٦) مع زيادة لا فائدة فيها.

__________________

(١) ليست في النسخ : أثبتناه من الإستبصار ١ : ١٨٠.

(٢) ما بين القوسين في « فض » : الكراهية وللتقية ، وفي « د » : الكراهة أو التقية ، وفي « رض » : الكراهية أو للتقية ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٨٠.

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٨٠ / ٦٢٨.

(٤) رجال النجاشي : ٣١٤ / ٨٦٠.

(٥) الفهرست : ١٢٧ / ٥٦٦.

(٦) رجال الطوسي : ٢٧٦ / ٥١.

٢١٤

وابن بكير قدّمنا ذكره مفصّلاً (١) ، والحاصل أنّ النجاشي ذكره من غير توثيق ولا مدح (٢) ، والشيخ في الفهرست قال : إنّه فطحي إلاّ أنّه ثقة (٣) ، وقد كرّرنا القول في أنّ عدم ذكر النجاشي في أمثال الرجل المذكور كونه فطحياً دليل على انتفائه عنده (٤) ؛ إذ من البعيد اطّلاع الشيخ على ما لم يطّلع عليه النجاشي ، مع اتحاد [ العصر (٥) ] وشدة ممارسة النجاشي للرجال وعدم سلوكه سبيل الاستعجال.

والثاني : غير خفي الحال.

والثالث : فيه الحكم بن مسكين وهو مجهول. وإسحاق بن عمار ثقة في النجاشي (٦). والشيخ قال : إنّه فطحي في الفهرست (٧). ووثّقة فيه وفي رجال الكاظم عليه‌السلام (٨) ، وقد سمعت القول من جهة عدم ذكر النجاشي لكونه فطحياً.

فإن قلت : النجاشي قال في آخر كلامه : ذكر ذلك أحمد بن محمد بن سعيد في رجاله (٩). وأحمد هو (١٠) ابن عقدة الزيدي المشهور فلا يفيد‌

__________________

(١) منها في ج ١ ص ١٢١ ، ص ٨٩ ، ولكن نسب إلى النجاشي هناك ما نسبه إلى الشيخ في الفهرست هنا ، فراجع.

(٢) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١.

(٣) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢.

(٤) في ص ٧٩.

(٥) في النسخ : القصر ، والظاهر ما أثبتناه.

(٦) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(٧) الفهرست : ١٥ / ٥٢.

(٨) رجال الطوسي : ٣٤٢ / ٣.

(٩) رجال النجاشي : ٧١ / ١٦٩.

(١٠) ليست في « د ».

٢١٥

التوثيق ، وبتقدير احتمال عود الإشارة إلى روايته عن أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما‌السلام ؛ لأنّه ذكر هذا قبل الإشارة ، فلا أقل من احتمال غيره ، وهو كافٍ في عدم الصلاحيّة للتوثيق.

قلت : الاحتمال الأوّل بعيد وإنّ قرّبه الإشارة للبعيد ، على أنّ توثيق الشيخ موجود.

فإن قلت : إثبات توثيق النجاشي له فائدة ، وهو تعارض الجرح والتعديل ، فالجارح وإنّ كان مقدماً في الجملة على ما فصل في موضعه (١) إلاّ أنّ مثل النجاشي له رجحان يوجب تقديم تعديله على جرح الشيخ كما ذكر أيضاً في محله (٢) ، وحينئذ فاذا ثبت توثيق النجاشي أمكن أنّ يقال بأنّ إسحاق إمامي ثقة ، وبدون ثبوت التوثيق لا يثبت ذلك فلا يكون خبره صحيحاً إذا خلا من الموانع غيره.

قلت : لما ذكرت وجه ، إلاّ أنّ ظهور احتمال العود إلى الأخير كافٍ في الجواب ، على أنّه يمكن أن يقال : إنّ قول الشيخ بالفطحية وعدم ذكر النجاشي لها من قبيل التعارض في الجملة ، فترجيح النجاشي من هذه الجهة على حاله ، وتوثيق الشيخ لا معارض له ؛ إذ الفطحية تجامعه تارة وتنفك عنه اخرى ، اللهم إلاّ أنّ يقال : إنّ كلام الشيخ في حكم المركب فكان حكمه بالتوثيق مع كونه فطحياً ، فليتأمّل.

وفي الطريق المعلى بن خنيس ، وفيه كلام ، إلاّ أنَّه لا يضر بحال الرواية لو سلمت من غيره كما لا يخفى (٣).

__________________

(١) كما قال به الشهيد الثاني في الدراية : ٧٣.

(٢) راجع ص ٧٩.

(٣) لأنّ الرواية رواها عبد الله بن أبي يعفور أيضاً وهو ممن وثقه النجاشي مرتين ، راجع رجال النجاشي : ٣١٣ / ٥٥٦.

٢١٦

ثم إنّ المعلى بن خنيس قال النجاشي : إنّه ضعيف جدّاً لا يعوّل عليه (١) ، والعلاّمة في الخلاصة نقل عن الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بغير اسناد : أنّه كان من قوّام أبي عبد الله عليه‌السلام وكان محموداً عنده ومضى على منهاجه. وهذا يقتضي وصفه بالعدالة (٢).

وفي نظري القاصر أنّ كلام الشيخ لا يقتضي الوصف بالعدالة ، أمّا من جهة كونه من القوّام فلأنّ الوكالة لا تفيد العدالة ، إلاّ إذا تعلّقت بمشروط بها ، وذلك غير معلوم.

وكونه محموداً عنده لم يعلم أنَّه من أي جهة ، وربما يكون من حيث قضاء مآربه عليه‌السلام على الوجه الأكمل ، وهذا أمر آخر.

ثم قوله : بغير إسناد. إنّ أراد به أنّه على سبيل الجزم من الشيخ فكان ينبغي بيان التعارض بينه وبين تضعيف النجاشي ، وإن كان الشيخ ذكر ما يشعر بالرواية فاقتضاء كلامه التعديل لا وجه له.

وغير بعيد أنّ غرض العلاّمة التنبيه على رجحان جانب الجرح ؛ لأنّه ذكره عن النجاشي وابن الغضائري (٣) ، وقد روى الكليني في الروضة من الكافي عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن ابي عمير ، عن الوليد بن صبيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : دخلت عليه يوماً فالقى ( عليّ ثيابه ) (٤) وقال : « يا وليد ردّها على مطاويها » فقمت بين يديه ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : « رحم الله المعلّى بن خنيس » ثم قال : « أُفٍّ للدنيا إنّما الدنيا دار بلاء سلّط الله فيها عدوّه على وليّه » (٥).

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٤.

(٢) الخلاصة : ٢٥٩ / ١.

(٣) الخلاصة : ٢٥٩ / ١.

(٤) ما بين القوسين في المصدر : إليّ ثياباً.

(٥) الكافي ٨ : ٣٠٤ / ٤٦٩ ، بتفاوت في المتن.

٢١٧

وهذا الحديث ربما دل على مدح في الجملة ، وفي كتاب الدين من التهذيب حديث حسن أيضا ربما يفيد نوع مدح (١) والله أعلم بالحال.

المتن :

في الأوّل حمل الشيخ فيه الكراهة على معناها الأُصولي ، ولا يخلو من تأمّل ؛ لوجود استعمالها في التحريم كما في كثير من الأخبار ، وللشيخ في ذلك اضطراب يعلمه من تصفّح كتبه.

ثم لفظه : كرهه ، إمّا أنّ تقرأ بالتضعيف على معنى أنّه جعله مكروهاً ، وحينئذ يصير مشتركاً بين التحريم والكراهة الأُصولية كما يستفاد من الأخبار ، وإمّا بغير التضعيف على معنى أنّه نفر منه ، والاشتراك أيضاً محتمل من النفرة ، وعلى كل حال فقول الشيخ : جاء الخبر مصرّحاً بالكراهة صحيح ، أمّا تفسير معنى الكراهة منه فمحل كلام ، غاية الأمر أنّه إذا نظر الى تعارض الأخبار أمكن حمل الكراهة على معناها الأُصولي.

وما قاله الشيخ رحمه‌الله : من أنّه أورد في الكتاب الكبير (٢) وفيما تقدم أنّ ما يؤكل لحمه لا بأس ببوله وروثه. صحيح أيضاً ، إلاّ أنّ الأخبار لو صحّت لكانت قابلة للتخصيص ، كما أوضحنا الحال فيه سابقاً (٣) ، ونقول هنا : إنّ ما دل على النجاسة ناقل ، وما دلّ على الطهارة مقرّر للأصل ، وعند التعارض يرجّح (٤) الناقل ، مضافاً إلى أنّ أخبار النجاسة أكثر ، بل ربما كانت‌

__________________

(١) التهذيب ٦ : ١٨٦ / ٣٨٦ ، الوسائل ١٨ : ٣٣٥ أبواب الدين والقرض ب ٩ ح ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٧ / ٧١١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٩.

(٣) راجع ص ٨٧٤.

(٤) في « د » : يترجح.

٢١٨

أصحّ ، كما يعرف بمراجعتها ، إلاّ أنّه محل كلام بعد ما ذكرناه من رواية الصدوق (١) ، ويؤيدّها أنّ الثقة الجليل محمد بن يعقوب رواها أيضاً (٢).

وقد ذكر الوالد قدس‌سره في المعالم بعد ما قدّمناه عنه سابقاً (٣) من توجيهه لصحّة خبر الحلبي الدال على نفي البأس عن روث الحمير ما هذا لفظه : وقد علمت أنّ المشي على طريقهم في تصحيح الأخبار مقتضٍ لصحّة الخبر المذكور ، واللازم من الأمرين يعني صحة الخبر وعدم القائل بالفصل ثبوت الطهارة ، وتبقى الأخبار الأُخر عاضدة ، وقد أشار المحقّق في المعتبر إلى خلو الأخبار عن نجاسة الروث ، فقال بعد نقل جملة من الروايات فخلّص من هذا تطابق أخبارنا على طهارة الروث وتصادمها على البول ، فيقضى بالكراهة (٤) عملاً بالروايتين ، ولأنّ تعارض النقل يثمر الطهارة لوجهين ، أحدهما : أنّ الأصل الطهارة فيكون طرفها أرجح ، الثاني : ما روى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « كل شي‌ء نظيف حتى تعلم أنّه قذر » (٥) انتهى (٦).

وأنت خبير بعد ما ذكرناه من ترجيح الناقل على المقرّر يشكل ما ذكره الوالد قدس‌سره والمحقّق ، إلاّ أنّ يقال : إنّ أخبار النجاسة غير صريحة في ذلك ، بل بعضها المقترن بالروث قرينة الاستحباب فيه موجودة ، نظراً إلى ما تقدم من عدم القائل بالفصل ، فإذا حكم بطهارة الروث في الخبر ومعه‌

__________________

(١) المتقدمة في ص ٨٧٤.

(٢) الكافي ٣ : ٥٨ / ١٠ ، الوسائل ٣ : ٤٠٧ أبواب النجاسات ب ٩ ح ٢.

(٣) راجع ص ٨٧٣.

(٤) في المصدر : بالكراهية.

(٥) التهذيب ١ : ٢٨٤ / ٨٣٢ ، الوسائل ٣ : ٤٦٧ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٤.

(٦) معالم الفقه : ٢٠٥.

٢١٩

الأمر بغَسل البول كان للاستحباب ، والبعض الخالي من الاقتران لا بدّ حينئذ من حمله على الاستحباب كالمقترن ، إذ يبعد الحكم في بعض دون بعض ، وإذا لم تكن الأخبار صريحة فترجيح الناقل يتوقف على ذلك.

ويمكن أنّ يجاب عن هذا بأنّ إثبات عدم القائل بالفصل عسر ، بل هو من قبيل الإجماع الذي يدّعى من المتأخّرين ، هذا.

والعجب من بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّه ذكر ترجيح الناقل على المقرّر في خبرين ، أحدهما دالّ على الأمر بغَسل الثوب من بول ما لا يؤكل لحمه ، والآخر دالّ على أنّ كل شي‌ء يطير لا بأس بخرئه وبوله (١) ، والحال أنّه ذكر في مسألة أبوال الدواب أنّ أخبار النجاسة ربما حملت على الاستحباب لاعتضادها بالأصل وعمل الأكثر ، ثم قال : والمسألة محل توقف (٢).

والوجه في التعجب أنّ هذا المحل أولى بذكر المقرّر والناقل ؛ لأنّ أحد ذينك الخبرين رواية أبي بصير ، فليس الاعتناء به أولى من غيره ، ولا يبعد أنّ يكون عمل الأكثر كما ذكر مع الأصل مؤيداً قويّاً ، إلاّ أنّ الكلام في ثبوت الأكثرية ، وبالجملة فالمقام واسع الباب ، والله سبحانه الهادي إلى الصواب.

ثم إنّ ما تضمنه الأوّل من قوله : « ولكن ليس ممّا جعلها الله للأكل » لا يخلو من إجمال ، ولعلّ المراد أنّ المأكول الخالي بوله وروثه من الريب ما أعدّه الله للأكل ، بمعنى أنّ خلقه للأكل بالذات ، والاستعمال في غير الأكل بالعرض ؛ أمّا ما كان خلقه بالذات للاستعمال كالخيل والبغال والحمير ،

__________________

(١) الحبل المتين : ٩٦.

(٢) الحبل المتين : ٩٥.

٢٢٠