إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

التأمّل وجهه ، هذا.

وقد اتفق للعلاّمة في المختلف الاحتجاج برواية إسماعيل الجعفي للقول بمساواة الدرهم للزائد عنه ، واقتصر منها على الشرط الأول (١) ، وهو غريب.

وفي المنتهى ذكرها في حجة مساواته للناقص (٢) ، ولا يخلو من تأمّل ؛ لأنّه وإن استفيد من الشرط الثاني إلاّ أنّ معارضة من الشرط الأول موجود في الرواية.

وقد أجاب العلاّمة عن خبر محمد بن مسلم بأنّه لم يسنده إلى إمام قال : وعدالته وإنّ كانت تقتضي الإخبار عن الإمام إلاّ أنّ ما ذكرناه يعني حديث ابن أبي يعفور لا لبس فيه (٣).

وأنت خبير بأنّ مثل هذا الإضمار لا يضر في الاخبار لا سيّما من مثل محمد بن مسلم ، كما أوضحه الوالد قدس‌سره (٤) وأشرنا إلى ذلك في موضعه (٥).

وللشهيد رحمه‌الله في الذكرى كلام على خبر ابن أبي يعفور (٦) ، وأجاب عنه الوالد قدس‌سره (٧) ولي في الجواب بحث وقد ذكرت جميع ذلك في حاشية التهذيب.

__________________

(١) المختلف ١ : ٣١٩.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٢.

(٣) المختلف ١ : ٣٢٠.

(٤) راجع ص ٨٥٩.

(٥) راجع ص ٨١٢.

(٦) الذكرى : ١٦.

(٧) معالم الفقه : ٢٩٣ ٢٩٤.

١٨١

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر الأخير تضمن السؤال عن الدم المتفرق ، والجواب منه عليه‌السلام كما ترى يدل على أنّه لا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ، وهو مؤيّد لعدم العفو عن مقدار الدرهم المجتمع.

والأصحاب مختلفون في الدم المتفرّق إذا كان لا يبلغ كل موضع منه قدر الدرهم ، فذهب سلاّر (١) من المتقدّمين وأكثر المتأخرين (٢) إلى أنّ حكمه حكم المجتمع فيجب إزالته إنّ بلغ المجموع على تقدير الاجتماع قدر الدرهم ، وإلاّ فلا.

ونقل عن ظاهر الشيخ في النهاية عدم وجوب الإزالة مطلقاً إلاّ أن يتفاحش (٣). وحكى الوالد قدس‌سره عن ظاهر المحقّق في المعتبر وفاق الشيخ في النهاية ، واحتج لعدم وجوب الإزالة وإنّ بلغ ( الدم ) (٤) الدرهم لو جمع بقوله عليه‌السلام في خبر عبد الله بن أبي يعفور : « إلاّ أنّ يكون مقدار الدرهم مجتمعاً » (٥).

وأجاب العلاّمة عن ذلك بأنّ الحديث كما يحتمل أنّ يكون قوله فيه : « مجتمعاً » خبراً بعد خبر لـ « يكون » فيدل على أنّ الاجتماع شرط في وجوب الإزالة يحتمل كونه حالاً مقدّرة فيصير المعنى إلاّ أنّ يكون مقدار الدرهم لو كان مجتمعاً (٦).

__________________

(١) المراسم : ٥٥.

(٢) كالعلاّمة في المختلف ١ : ٣٢٠.

(٣) النهاية : ٥١.

(٤) زيادة من « رض ».

(٥) معالم الفقه : ٢٩٥ ، ٢٩٦ وهو في المعتبر ١ : ٤٣٠.

(٦) المختلف ١ : ٣٢٢.

١٨٢

وناقش بعض المتأخرين العلاّمة في الجواب بأنّ الحال المقدّرة هي التي زمانها غير زمان عاملها كالمثال المشهور من قولهم : مررت برجل معه صقر صائداً به غداً ، والزمان فيما نحن فيه متّحد ، فبتقدير كونه حالاً يكون من قبيل المحققة لا المقدّرة (١).

وفي نظري القاصر أنّ المقام لا يخلو من إجمال ، وقد اتفق للوالد قدس‌سره وشيخنا قدس‌سره فيه نوع اضطراب ، والحال قد فصّلتها في حاشية الروضة غير أنّي أذكر هنا ما لا بدّ منه.

فاعلم أنّ الظاهر من خبر ابن أبي يعفور مطابقة الجواب للسؤال ، ولمّا كان السؤال عن المتفرق من الدم فالجواب في قوّة أنّ الدم المتفرق إذا كان مقدار الدرهم مجتمعاً فيه البأس.

واحتمال الحال المقدرة كما ذكره العلاّمة نوع وجه بالنسبة إلى كون المورد الدم المتفرق.

والاعتراض عليه بأنّ الزمان متحد لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ المعترض إنّ أراد باتحاد الزمان زمان تقدير المتفرق مجتمعاً فإنّه واحد ، ففيه : أنّ هذا يستلزم عدم تحقق الحال المقدرة إلاّ بتكلّف ، على أنّ احتمال كونه خبراً بعد خبر له وجه أيضاً ، وفيه تأييد لما ذكرناه ؛ إذ هو في قوّة أنّ الدم المتفرق إذا كان مقدار الدرهم أو كان الدم مجتمعاً فيه البأس.

وفي النظر أنّ في هذا بحثاً ؛ لأنّ الجواب لا يصير مفيداً ، إذ حاصل الجواب أنّ المتفرّق إذا كان مقدار الدرهم به البأس ، لكن مقدار الدرهم مع التفرق إمّا أنّ يراد به كل قطعة منه أو المجموع بتقدير الاجتماع.

__________________

(١) انظر جامع المقاصد ١ : ١٧٢ ، ومعالم الفقه : ٢٩٦.

١٨٣

ثم إنّ قوله : « مجتمعاً » على تقدير كونه خبراً كما هو المفروض يصير مجملاً أيضاً ، إذ يحتمل أنّ يراد عدم العفو عنه مطلقاً أو مقدار الدرهم أو أزيد.

ولعلّ الجواب عن هذا ممكن ، بأنّ يقال : خرج الأقل بالإجماع ، ومقدار الدرهم يكتفى في الاستدلال له بذكر الدرهم في الخبر الأوّل.

وقد ينظر في هذا بأنّ مقدار الدرهم في المتفرق لا يدل على المجتمع ، إلاّ أنّ يقال : إنّ تركه في المجتمع دليل الاتحاد.

وفيه : أنّ هذا إنّما يتم لو انحصر الاحتمال والحال ما ترى ، على أنّ في النظر عدم مطابقة هذا لكونه خبراً بعد خبر لـ « يكون » إذ الاسم مختلف ، ومعه كيف يكون خبراً بعد خبر ، الاّ أنّ يجوز مثل هذا في العربيّة ، ولا أعلمه الآن ، فينبغي التأمّل فيه.

وإذا عرفت هذا فلا يخفى عليك حينئذ أنّه لا تعارض بين رواية محمد بن مسلم ورواية ابن ابي يعفور ، لأنّ المورد مختلف على بعض الاحتمالات ، وذلك كافٍ ، فإطلاق التعارض في كلام مشايخنا قدس‌سرهم محلّ بحث.

وكذلك ما اعترض به شيخنا قدس‌سره في المدارك على جواب العلاّمة : بأنّ تقدير الاجتماع هنا لا يدل عليه اللفظ ، ولو كانت الحال هنا مقدرة لكان الحديث مختصاً بما قدر فيه الاجتماع لا بما حقّق ، وهو خلاف الظاهر ، ولو جعل « مجتمعاً » حالاً محقّقة أفادت اشتراط الاجتماع أيضاً ؛ إذ يصير المعنى : إلاّ أنّ يكون الدم مقدار الدرهم حال كونه مجتمعاً ، وكيف‌

١٨٤

كان فدلالة الرواية على المطلوب واضحة (١). انتهى.

وحاصل البحث في هذا أوّلاً : أنّ ما ذكره من كون تقدير الاجتماع لا يدل عليه اللفظ محل كلام ؛ لأنّ السؤال صريح في الدم المفرق ، والمطابقة للسؤال يقتضي ذلك ، والظهور واضح ، غاية الأمر أنّ الاحتمال (٢) الذي أسلفناه ممكن لكن لا ينافي الظهور.

وثانياً : أنّ قوله : ولو جعل مجتمعاً حالاً ، إلى آخره ، محل نظر أيضاً ؛ لأنّ الدلالة على المعنيين معاً أعني المجتمع والمتفرق المسئول عنه بعيد التصور إلاّ على ما قدّمنا (٣) ، وظاهر كلامه قدس‌سره غير ما ذكرناه.

وثالثاً : أنّ قوله : دلالة الرواية على المطلوب واضحة ، غريب بعد ما قلناه. ( هذا كله فإني لا أعلم أحداً حام حول هذا المبحث ) (٤).

ويبقى الكلام فيما خطر بالبال على مشايخنا ٠ في بيان مراد المحقّق من الاستدلال برواية ابن أبي يعفور كما أشرنا إليه سابقاً (٥) ، ففي المدارك بعد نقل الاحتجاج عن المحقق ( بالرواية ) (٦) لعدم وجوب الإزالة إلاّ مع التفاحش ، قال : وهو حسن لكن لا دلالة في الرواية على ما اعتبره من القيد (٧) ، وأجاب العلاّمة في المختلف (٨) ، وذكر ما قدّمناه عن العلاّمة‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣١٩.

(٢) في « فض » الإجمال.

(٣) راجع ص ٨٦٠.

(٤) ما بين القوسين ليس في « د » ، وفي « رض » : لا أعلم أحداً حام حول هذا المبحث.

(٥) راجع ص ٨٦٠.

(٦) بدل ما بين القوسين في « فض » : جاعلاً الدليل من الرواية.

(٧) المدارك ٢ : ٣١٩‌

(٨) مختلف الشيعة ١ : ٣٢٢.

١٨٥

وتنظّر فيه بما سبق بيانه (١).

وهذا كلّه إذا تأمّله المتأمّل يعطي أنّ مراد المحقق الاستدلال لعدم وجوب إزالة المتفرّق مطلقاً إلاّ أن يتفاحش ، سواء كان درهماً بتقدير الاجتماع أو أكثر ، إلاّ أن يتفاحش ، لأنّ العلاّمة فهم أن يكون مراده الاجتماع المحقّق في مقدار الدرهم ، فيكون المفرّق مطلقاً ثابتاً له حكم العفو ، وإلاّ لما حسن الجواب باحتمال الحال المقدرة ، وعلى هذا فهو منافٍ لما صرّح به شيخنا قدس‌سره قبل ذلك بأنّ محل الخلاف ما إذا كان بحيث لو جمع بلغ الدرهم ، على أنّه نقل القول بالعفو مطلقاً إلاّ مع التفاحش ، ولو كان غرض المحقّق هذا أعني كونه لو جمع بلغ الدرهم فلا وجه لاعتراض العلاّمة ، لموافقة المحقّق عليه.

والوالد قدس‌سره في المعالم نقل احتجاج المحقق كما أسلفناه (٢) ولم يذكر اعتبار التفاحش عنه في الدليل ، بل (٣) إنّما نبّه على أنّه وإن بلغ الدرهم لو جمع ، ولم يفهم منه المنع من الزائد عن الدرهم ، لكن الرواية كما علمت إذا صارت مطلقة في المتفرق أفادت العفو مطلقاً ، فالمنع من الزائد عن الدرهم يحتاج إلى الوقوف على ما يقتضي المنع منه في المتفرق ، وللكلام في المقام تتمّة تطلب ممّا أشرنا إليه أوّلاً والله ولي التوفيق.

بقي في المقام شي‌ء وهو أنّ الأخبار المذكورة خاصة بالثوب إذا كان فيه الدم ، لكن نقل الإجماع على مساواة البدن له في بعض الأحكام المذكورة (٤).

__________________

(١) في ص : ١٨٢.

(٢) في ص : ١٨١.

(٣) ليست في « رض ».

(٤) نقله في معالم الفقه : ٣١٢.

١٨٦

اللغة :

قدّمنا عن القاموس أنّ النضح الرشّ (١).

قوله (٢) :

فأمّا ما رواه معاوية بن حكيم ، عن ابن المغيرة ، عن مثنى بن عبد السلام ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قلت له : إني حككت جلدي فخرج منه دم فقال : « ان اجتمع قدر حمصة فاغسله وإلاّ فلا ».

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من الاستحباب دون الإيجاب ، ولا ينافي في ذلك :

ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن إسماعيل الجعفي قال : رأيت أبا جعفر عليه‌السلام يصلّي والدم يسيل (٣) من ساقيه (٤).

لأنّ هذا الخبر محمول على ما يشق التحرّز منه من الجراحات اللازمة والدماميل التي لا يمكن معها الاحتراز.

السند‌ :

في الأوّل : فيه معاوية (٥) ، وقد قدّمنا نقل كونه فطحياً عن الكشي (٦) ،

__________________

(١) راجع ص : ١٧٣.

(٢) في « رض » : قال.

(٣) في « فض » يسأل.

(٤) في « فض » و « رض » : ساقه.

(٥) في « فض » زيادة : بن حكيم.

(٦) رجال الكشي ٢ : ٦٣٥ / ٦٣٩ ، وراجع ج ١ : ٤٤٥.

١٨٧

وظاهر المتأخرين عنه من مصنّفي الرجال عدم الالتفات إلى ذلك ، بل النجاشي وثّقه ساكتاً على التوثيق (١) ، وسيأتي إنّ شاء الله في كتاب الطلاق من هذا الكتاب كلام الشيخ في مسألة عدّة الآئسة والصغيرة أنّ الذي اختاره الشيخ مذهب معاوية بن حكيم من متقدّمي فقهاء أصحابنا (٢) ، وهذا لفظ الشيخ ، وهو كما ترى ظاهر في عدم كون الرجل فطحياً.

وما قد يقال : إنّه رحمه‌الله ذكر أيضاً قريباً من هذه المسألة مسألة أُخرى وقال فيها : إنّه مذهب الحسن بن محمد بن سماعة وهو (٣) من الواقفة : يمكن الجواب عنه بتكلّف ، إلاّ أنّ العبارة في معاوية بن حكيم أظهر دلالة في كونه غير فطحي.

وأمّا ابن المغيرة فهو عبد الله ، والنجاشي قال : إنّه ثقة ثقة لا يعدل به أحد من جلالته ودينه وورعه (٤) ، والشيخ ذكره من غير توثيق في رجال الصادق والكاظم عليهما‌السلام (٥) ، والعلاّمة حكى عن الكشي أنّه قال : روى أنّه كان واقفياً ثم رجع (٦).

والذي وقفت عليه من كتاب الكشي صورته : وجدت بخط أبي عبد الله بن محمد الشاذاني قال العبيدي محمد بن عيسى : حدثني الحسن بن علي بن فضال ، قال : قال عبد الله بن المغيرة : كنت واقفاً فحججت على‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٢ / ١٠٩٨.

(٢) الاستبصار ٣ : ٣٣٨.

(٣) الاستبصار ٣ : ٣٢٨.

(٤) رجال النجاشي : ٢١٥ / ٥١٦.

(٥) رجال الطوسي : ٣٥٥ / ٢١ ، ٣٥٦ / ٣٢ ، ٣٧٩ / ٤ ، في أصحاب الكاظم والرضا عليهما‌السلام ولم يذكره في أصحاب الصادق عليه‌السلام.

(٦) خلاصة العلاّمة : ١٠٩ / ٣٤.

١٨٨

تلك الحالة (١) ، وذكر الرواية الدالة على رجوعه. والرواية ضعيفة ، وتصرّف العلاّمة لا يخفى ما فيه.

وأمّا مثنّى بن عبد السلام فالنجاشي اقتصر على أنّ له كتاباً (٢) ، والعلاّمة عدّه في القسم الأوّل ناقلاً عن الكشي ، عن محمد بن مسعود ، عن علي بن الحسن ، أنّه كوفي حنّاط (٣) لا بأس به (٤). ولا يخفى عليك الحال.

والثاني معروف ممّا قدمناه سابقاً.

المتن :

في الأوّل ظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمضمونه ، إلاّ أنّه قيّده بأن لا يكون دم حيض (٥) ، وحكى الوالد قدس‌سره ذلك عن والده أيضاً في الرسالة ، وذكر الوالد قدس‌سره أنّ هذا الخبر لو كان صحيحاً لكان حجة فيما ذهب إليه الصدوق ، لكنه غير صحيح (٦). وأنت خبير بإمكان أنّ يقال نحو ما قدّمناه في اعتماد الصدوق ، إلاّ أنّ ما قاله الصدوق أزيد من مدلول الرواية كما لا يخفى.

إذا عرفت هذا فالذي يظهر من الشيخ حيث حمل الخبر على الاستحباب أنّه ظن وروده في الصلاة على معنى عدم جواز الصلاة فيه إذا‌

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٥٧ / ١١١٠.

(٢) رجال النجاشي : ٤١٥ / ١١٠٧.

(٣) في « رض » و « فض » : خياط.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١٦٨ / ١.

(٥) الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٥.

(٦) معالم الفقه : ٤١٩.

١٨٩

اجتمع قدر حمصة واستحباب إزالته ، أمّا لو كان الحديث مورده الطهارة وعدمها فالاستحباب لا وجه له إلاّ على تكلّفٍ تركه أولى من ذكره.

ولو أردنا الجمع بينه وبين ما دلّ على نجاسة الدم مطلقاً أمكن توجيه ما ذكره الشيخ وإن بعد ، إلاّ أنّ الذي يظهر من العلاّمة في المختلف أن دليل نجاسة الدم وغيره قليلاً وكثيراً العمومات ، وذكر خبراً في البول ، وهو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن رجل يبول في الليل فيحسب أنّ البول اصابه فلا يستيقن إلى أنّ قال عليه‌السلام : « يغسل ما استبان أنّه أصابه » الحديث (١). ثم نقل عن المرتضى رضي‌الله‌عنه ما يقتضي أن البول إذا ترشش عند الاستنجاء كرؤوس الإبر يعفى عنه (٢).

ولا يخفى عليك أنّ العمومات قابلة للتخصيص بتقدير وجودها في الدم ، إلاّ أنّه لا خروج عن المشهور.

ثم إنّ الثاني كما ترى غير صريح في كون الإمام عليه‌السلام عالماً بالدم ليحتاج إلى حمل الشيخ ، ولو كان عالماً لا دلالة في الرواية على كونه درهماً أو أقلّ أو أكثر ، ويجوز كونه أقل ، وحمل الشيخ ممكن أيضاً ، إلاّ أنّ في التقييد بما لا يمكن معه الاحتراز كلاماً يأتي إنّ شاء الله تعالى.

قوله :

والذي يدلّ على ذلك : ما رواه الحسين بن سعيد ، عن فضالة وصفوان ، عن العلاء بن رزين ، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يخرج به القروح ولا تزال تُدمي كيف يصلّي؟

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤٢١ / ١٣٣٤ ، الوسائل ٣ : ٤٦٦ أبواب النجاسات ب ٣٧ ح ٢.

(٢) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣٣١ ، وهو في رسائل الشريف المرتضى ١ : ٢٨٨.

١٩٠

قال : « يصلّي وإن كانت الدماء تسيل ».

وروى أحمد بن محمد ، عن معاوية بن حكيم ، عن معلّى أبي (١) عثمان ، عن أبي بصير قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دماً. فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ بثوبك دماً ، فقال : « إنّ بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ ».

وما رواه محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألته عن الرجل به القروح أو الجروح (٢) فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه؟ قال : « يصلّي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلاّ مرّة ، فإنه لا يستطيع أنّ يغسل ثوبه كل ساعة » فهذا الخبر أيضاً (٣) محمول على الاستحباب ، وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في كتابنا الكبير ، فمن أراده وقف عليه من هناك (٤).

السند‌ :

في الأوّل : لا ارتياب في صحّته ، غير أنّه ينبغي أنّ يعلم أنّ الشيخ في الفهرست قال : العلاء بن رزين القلاء ثقة جليل القدر له كتاب وهو أربع نسخ ، منها رواية الحسن بن محبوب ، ومنها رواية محمد بن خالد‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٦ : معلى بن عثمان ، وفي التهذيب ١ : ٢٥٨ / ٧٤٧ : معلى أبي عثمان.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٧٧ / ٦١٧ : القرح أو الجرح.

(٣) ليست في « فض » و « رض » ، أثبتناه من « نش » والاستبصار ١ : ١٧٧.

(٤) في المصدر زيادة : إنشاء الله.

١٩١

الطيالسي ، ومنها رواية محمد بن أبي الصهبان ، ومنها رواية الحسن بن علي بن فضال. انتهى (١).

وأنت خبير بأنّ محمد بن أبي الصهبان إنّ كان يروي كتاب العلاء عنه ففيه أنّ محمداً من أصحاب الهادي عليه‌السلام والعلاء من أصحاب أبي عبد الله عليه‌السلام ، وإنّ كان يرويه بواسطة فهو خلاف المتعارف عند الإطلاق.

أمّا ما وقع في النجاشي نقلاً عن البعض : من أنّ الحسين لم يلق فضالة وانّ أخاه الحسن تفرّد به. فلا يثبت حكماً (٢) ، وعلى تقدير ثبوته لا يضّر في هذا السند مع وجود صفوان.

والثاني : فيه أبو بصير الضرير بقرينة ذكر القائد ، وقد أسلفنا القول فيه (٣). وأمّا المعلّى فهو ابن عثمان ، وقد وثّقه النجاشي ، ونقل أنه ابن يزيد في قول (٤).

والثالث : فيه عثمان بن عيسى وقد تقدّم ذكره مفصّلاً (٥). وسماعة أيضاً تقدّم (٦) ، والإضمار فيه لا يضرّ بالحال لو خلا ممّا ذكر.

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة على جواز الصلاة لصاحب القروح وإنّ كانت الدماء تسيل ، ويستفاد منه جواز الصلاة مع عدم السيلان ؛ لأنّ المفهوم من‌

__________________

(١) الفهرست : ١١٢ / ٤٨٨.

(٢) رجال النجاشي ٥٨ / ١٣٧.

(٣) راجع ص ٥١ و ٩٢.

(٤) رجال النجاشي : ٤١٧ / ١١١٥ وفيه : معلّى بن عثمان أبو عثمان ، وقيل : ابن زيد الأحول.

(٥) راجع ص ٥٠.

(٦) راجع ص ٧٨.

١٩٢

هذا التركيب كون المفهوم أولى بالحكم كما قاله الوالد قدس‌سره.

أمّا ما قيل : من أنّه يستفاد من قوله : لا تزال تدمي ، أنّ الحكم مفروض فيما هو مستمرّ الجريان. ففيه أولاً : أنّ هذا من كلام السائل فلا يفيد حكماً ، وثانياً : أنَّ معنى : لا تزال تدمي ، ليس هو الاستمرار في كل حين ، بل الظاهر أنّ المراد تكرر خروج الدم ولو حيناً بعد حين ، كما يقال : فلان لا يزال يتردّد إلى محل كذا (١).

وقد روى الشيخ في التهذيب صحيحاً عن ليث المرادي قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً وثيابه بمنزلة جلده؟ قال : « يصلّي في ثيابه ولا شي‌ء عليه ولا يغسلها » (٢).

وروى في الصحيح عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي؟ فقال : « دعه فلا يضرّك أنّ لا تغسله » (٣).

وقد ذكر شيخنا قدس‌سره بعد جملة من الأخبار ـ منها ما ذكر ـ : أنَّه يستفاد من إطلاق الروايات العفو عن هذا الدم في الثوب ( والبدن سواء شقّت إزالته أم لا ، وسواء كان له فترة ينقطع فيها بقدر الصلاة أم لا ، وأنّه لا يجب إبدال الثوب ) (٤) ولا تخفيف النجاسة ، ولا عصب موضع الدم بحيث يمنع من الخروج (٥).

__________________

(١) معالم الفقه : ٢٨٨.

(٢) التهذيب ١ : ٣٤٩ / ١٠٢٩ ، الوسائل ٣ : ٤٣٤ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٥٩ / ٧٥١ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٢ ح ٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٥) المدارك ٢ : ٣١٠.

١٩٣

وربما يقال : إنّ في الدلالة على بعض ما ذكر تأمّلاً ؛ إذ الصالح من الأخبار للاستدلال ما ذكرناه ، والباقي غير صالح بأبي بصير ( وعثمان بن عيسى ) (١).

وذكر المحقّق الشيخ علي في بعض مصنفاته أنّ الشيخ نقل الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح وتقليل الدم ، بل يصلّي كيف كان وإنّ سال وتفاحش إلى أنّ يبرأ (٢). انتهى.

وللمتأخّرين عن الشيخ اختلاف في حدّ العفو ، فمنهم من جعله البرء (٣) ، ومنهم من جعله الانقطاع ، وذكر الوالد قدس‌سره أنّهم بين مطلق له يعني للانقطاع ومقيّد بكونه في زمان يتسع لأداء الفريضة ، فالإطلاق للعلاّمة والشهيد في غير الذكرى (٤) ، والتقييد للمحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى (٥) ، انتهى. وأنت إذا تأمّلت الأخبار لا يخفى عليك حقيقة الحال.

والثاني : صريح الدلالة على اعتبار البرء لو صحّ.

والثالث : فيه دلالة على الغَسل في اليوم مرة ، لكن جماعة من الأصحاب قالوا باستحباب ذلك (٦) ، والعلاّمة في المنتهى احتجّ للاستحباب‌

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٢) قال به في شرح الألفيّة ( رسائل المحقق الكركي ٣ ) : ٢٣٢.

(٣) كالشهيد الثاني في الروضة ١ : ٥٠ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٣١٨. وصاحب المدارك ٢ : ٣٠٩.

(٤) نهاية الإحكام ١ : ٢٨٥ ، المنتهى ١ : ١٧٢ ، الدروس ١ : ١٢٦ والبيان : ٩٥.

(٥) المعتبر ١ : ٤٢٩ والذكرى : ١٦.

(٦) كالعلاّمة في تحرير الاحكام ١ : ٢٤ ، وصاحب معالم الفقه : ٢٨٩ وصاحب المدارك ٢ : ٣١١.

١٩٤

مع الرواية بأنّ فيه تطهيراً غير مشقّ فكان مطلوباً (١).

وأنت خبير بأنّ إثبات الاستحباب بالخبر يتوقف على ثبوت قاعدة التساهل في أخبار السنن ، أما الوجه الآخر فلا يثبت الاستحباب كما هو واضح.

وفي المنتهى : لو تعدّى الدم عن محل الضرورة في الثوب أو البدن بأن لمس بالسليم من بدنه دم الجرح أو بالطاهر من ثوبه فالأقرب عدم الترخّص فيه (٢).

وقال الوالد قدس‌سره : إنّه حسن (٣).

وفي نظري القاصر أنّه محل بحث على الإطلاق بعد ملاحظة الأخبار ، إلاّ أنّ يريد الوالد قدس‌سره بالأحسنية استحباب الإزالة ، وهو خلاف الظاهر من العبارة‌

اللغة :

قال في القاموس : الدُّمَّل كسُكَّر وصُرَد الخُراجُ ، الجمع دماميل (٤).

وفيه أيضاً : برأ المريض يَبْرأ ويَبْرُؤ بُراً بالضم (٥) نقه. وفيه : نَقِهَ من مرضه صح (٦). وفيه أيضاً : القَرْحُ ويضم : عَضُّ السِّلاح ونحوه ممّا يخرج بالبدن (٧). وفيه رَبَطه يربِطه ويَربطُه : شدّه (٨).

__________________

(١) المنتهى ١ : ١٧٢.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٢.

(٣) معالم الفقه : ٢٨٩.

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٣٨٨ ( الدّمال ).

(٥) القاموس المحيط ١ : ٨ ( برأ ).

(٦) القاموس المحيط ٤ : ٢٩٦ ( نَقِه ).

(٧) القاموس المحيط ١ : ٢٥٠ ( القرح ).

(٨) القاموس المحيط ٢ : ٣٧٤ ( رَبَطه ).

١٩٥

قوله رحمه‌الله :

باب ذرق الدجاج

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ( بن يحيى ) (١) عن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه عليهما‌السلام أنَّه قال : « لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب ».

فأمّا ما رواه محمد بن احمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن فارس قال : كتب اليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج يجوز الصلاة فيه؟ فكتب : « لا ».

فالوجه في هذه الرواية أنّه لا تجوز الصلاة فيه إذا كان الدجاج جلاّلا ، ويجوز أيضاً أن يكون محمولاً على ضرب من الاستحباب ، أو محمولاً على التقية ؛ لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة.

السند‌ :

في الأوّل فيه محمد بن عيسى الأشعري المعبّر عنه بأبيه بعد أبي جعفر ، وهو أحمد بن محمد بن عيسى ، وقد قدّمنا فيه القول (٢) ، والحاصل أنّ توثيقه غير معلوم ؛ إذ النجاشي قال : إنّه شيخ القميّين وجه الأشاعرة (٣). والعلاّمة عدّه في القسم الأوّل ، وذكر عبارة [ النجاشي (٤) ] وفي فوائد‌

__________________

(١) ليست في « نش ».

(٢) في ص ١٤٧.

(٣) رجال النجاشي : ٨١ / ١٩٨.

(٤) خلاصة العلاّمة : ١٣ ، وبدل ما بين المعقوفين في النسخ : الكشي ، والظاهر ما أثبتناه.

١٩٦

جدي قدس‌سره على الخلاصة أنّ هذه العبارة لا تدل صريحاً على توثيقه ، نعم قد يظهر منها ذلك ، مع أنّ المصنف يصف (١) الروايات التي هو فيها بالصحة. انتهى.

ولا يخفى أنّ ظهور التوثيق غير واضح ، ووصف الصحة في رواياته من العلاّمة (٢) وغيره (٣) كذلك ، إلاّ أنّ للعلاّمة رحمه‌الله في الرجال كثرة أوهام يبعد زيادة بُعدٍ معها الاعتماد ، بخلاف مثل الصدوق ، فإنّ احتمال الاعتماد قد يوجه كما أسلفناه (٤).

على أنّ في السند أيضاً وهب بن وهب ، وهو أبو البختري ، وقد قال النجاشي : إنّه كان كذّابا (٥) وفي الفهرست للشيخ : إنّه عاميّ المذهب ضعيف (٦). وفي الفقيه بعد ذكر حديث في طريقه وهب بن وهب قال ، قال مصنف هذا الكتاب : جاء هذا الحديث هكذا في رواية وهب بن وهب ، وهو ضعيف (٧). وسيأتي ان شاء الله في هذا الكتاب أيضاً ما صورته : وهب بن وهب عامي متروك العمل فيما يختص بروايته (٨).

والثاني : فيه فارس ، والظاهر أنّه ابن حاتم ، وقد ذكره الشيخ في رجال الهادي عليه‌السلام من كتابه ، وقال : إنّه غال ملعون (٩). والكشي أورد فيه‌

__________________

(١) في « رض » : وصف.

(٢) المختلف ١ : ٩٥. وفي الصحيح عن زيد الشحّام.

(٣) المدارك ١ : ٢١٩. في الصحيح عن زرارة وأخيه بكير.

(٤) راجع ص ٤٨.

(٥) رجال النجاشي : ٤٣٠ / ١١٥٥.

(٦) الفهرست : ١٧٣ / ٧٥٧.

(٧) الفقيه ٤ : ٢٥ / ٥٨.

(٨) راجع التهذيب ١ : ٣١ وج ٩ : ٧٦ ، والاستبصار ١ : ٤٨. ولم نعثر على غيرهما.

(٩) رجال الطوسي : ٤٢٠ / ٣.

١٩٧

من الذمّ ما لا حاجة إلى ذكره (١).

وإنّما قلنا : الظاهر ؛ لوجود من هو بالاسم غير أنّي لم أعلم مرتبته ، والوالد قدس‌سره جزم بأنّه فارس بن حاتم (٢) (٣).

المتن :

في الأوّل ظاهره الدلالة على الطهارة ، وضعفه يؤيّد بالأصل وعموم رواية لعمار الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كلّ ما أُكل لحمه فلا بأس بما يخرج منه » (٤).

وفي المعتبر بعد ذكر الروايتين والتنبيه على ضعفهما (٥) بما أشرنا إليه الدال على ما جزم به الوالد قدس‌سره وغيره من مشايخنا قال المحقّق على ما نقله الوالد قدس‌سره : إنّ المرجع إلى الأصل وهو الطهارة.

ولو قيل : الدجاج لا يتوقّى النجاسة ، فرجيعه مستحيل عنها فيكون نجساً.

قلنا : بتقدير أنّ يكون ذلك محضاً ، يكون التنجيس ثابتاً ، أما إذا كان يمزج علفه فإنّه يستحيل إمّا عنهما أو عن أحدهما ، فلا يتحقق الاستحالة عن النجاسة ؛ إذ لو حكم بغلبة النجاسة لسرى التحريم إلى لحمها ، ولمّا حصل الإجماع على حلّها مع الإرسال بطل الحكم بغلبة النجاسة على رجيعها (٦) انتهى.

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٨٠٥ / ٩٩٩ و ٨٠٦ / ١٠٠٣ و ١٠٠٤.

(٢) معالم الفقه : ٢٠٦.

(٣) في « فض » زيادة : وكذلك العلاّمة في المختلف.

(٤) التهذيب ١ : ٢٦٦ / ٧٨١ ، الوسائل ٣ : ٤٠٩ أبواب النجاسات ب ٩ ح ١٢.

(٥) المعتبر ١ : ٤١٣.

(٦) فعالم الفقه : ٢٠٧.

١٩٨

ولا يخفى عليك حال هذا الكلام.

وفي المختلف قال العلاّمة ، ذرق الدجاج الجلاّل نجس إجماعاً ، وفي غير الجلاّل قولان ، أحدهما الطهارة ـ إلى أنّ قال ـ : وأمّا الشيخان فإنهما استثنيا ذرق الدجاج من الحكم بطهارته من جميع (١) ما يؤكل لحمه ، وهو يدل على حكمهما (٢) بالتنجيس ، إلاّ أنّ الشيخ ذهب إلى طهارته في الاستبصار ـ إلى أنّ قال ـ : احتج المانعون بما رواه فارس في الحسن ، وذكر الرواية ، ثم أجاب عنها : بأنّ السائل لم يذكر المسئول فجاز أن يكون غير الإمام ، ويحتمل كون الألف واللام للعهد ، ويراد به الجلاّل ، كاحتمال إرادة الجنس (٣). انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ العلاّمة لم يجعل فارس المذكور ابن حاتم ؛ إذ قد صرح في الخلاصة بأنّه غال ملعون (٤) ، بل ظنّ أنّه فارس بن سليمان الذي قال النجاشي : إنّه شيخ من أصحابنا كثير الأدب (٥) ، وذكره في الخلاصة في القسم الأوّل بعين عبارة النجاشي (٦). لكن لا أعلم الوجه في تعيّن كونه ابن سليمان ، وقد أسلفنا أنّ مرتبته غير معلومة ، إذ لم يذكر في أصحاب أحد من الأئمّة عليهم‌السلام ، نعم ذكر النجاشي أنّه أخذ عن محمد بن بحر الرهني (٧) ، وذكر النجاشي : أنّ لمحمد كتاباً يرويه أحمد بن علي بن‌

__________________

(١) في المصدر : رجيع.

(٢) في المصدر : حكمها.

(٣) المختلف ١ : ٢٩٧ وهو في المقنعة : ٦٨ والمبسوط ١ : ١٢.

(٤) الخلاصة : ٢٤٧ / ٢.

(٥) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٤٩.

(٦) الخلاصة : ١٣٣ / ٣.

(٧) رجال النجاشي : ٣١٠ / ٨٤٩.

١٩٩

نوح أبو العباس (١). وهذا متأخّر كما لا يخفى.

وما قاله العلاّمة : أنّه يجوز أنّ يكون المسئول غير الإمام. لا وجه له ، كما أسلفنا الإشارة إلى ذلك (٢).

أمّا الحمل على الجلاّل نظراً إلى المعارض الدالّ على الطهارة كما ذكره الشيخ فلا يخلو من وجه.

اللغة :

قال في القاموس : الخُرء بالضم : العذرة (٣) وفيه أيضاً : ذرق الطائرُ يَذْرُقُ ويَذْرِقُ زرق ، وقال : زرق الطائر يزرق ذرق (٤). ولا يخفى دلالة الخبر وكلام القاموس أنّ العذرة تقال لغير الإنسان ، اللهم إلاّ أنّ يقال : إن العذرة مع الإطلاق للإنسان والخرء لغيره ، وفيه تأمّل يظهر ممّا كتبناه على الروضة.

قوله رحمه‌الله :

باب أبوال الدوابّ والبغال والحمير

أخبرني الشيخ ; عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله ٧ عن ألبان الإبل‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٨٤ / ١٠٤٤ ، وفيه : أبو العباس أحمد بن علي بن العباس بن نوح.

(٢) راجع ص ٥١.

(٣) القاموس المحيط ١ : ١٤ ( خَرِئ ).

(٤) القاموس المحيط ٣ : ٢٤١ ( ذرق ) ، وص ٢٤٨ ( الزرَقُ ).

٢٠٠