إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

الثوب إذا اصابه البول وكذلك رواية سماعة ، ورواية الحلبي شاملة للثوب وغيره ، ورواية السكوني تضمنت نفي الغَسل عن الثوب.

فلو نظرنا الى ظاهر ما ذكره الشيخ وغيره من الفرق بين الصب والغَسل يحتاج في رواية الحلبي إلى أنّ نبيّن الوجه في المغايرة ، وهي بما ذكر من العصر وعدمه منتفية في البدن ، فإمّا أنّ يقال : إنّ الغَسل يحتاج إلى كثرة الماء بخلاف الصبّ ، أو نقول بالدلك (١) ، كما ذكره العلاّمة في النهاية والتحرير (٢).

إلاّ أنّ دليله على الدلك مدخول ، فإنّه استدل برواية عمار الساباطي الواردة في الإناء الذي يشرب فيه الخمر ، فإنّه عليه‌السلام قال : « لا يجزؤه الصب حتى يدلكه » (٣).

ووجه الدخل أنّ في الرواية احتمال كون الدلك لذهاب أجزاء (٤) الخمر ، ولو فرض في البول وجود أجزاء أمكن القول به ، لا مطلقاً.

وفي رواية الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن البول يُصيب الجسد؟ قال : « صبّ عليه الماء مرّتين » (٥) ومثلها رواية لأبي إسحاق النحوي (٦).

وأنت خبير بأنّ الظاهر من الروايتين الاكتفاء بالصبّ في البدن ، فالفرق المحتمل غير واضح.

__________________

(١) في « فض » : لدلك.

(٢) نهاية الإحكام ١ : ٢٧٨ ، تحرير الأحكام ١ : ٢٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٨٣ / ٨٣٠ ، الوسائل ٣ : ٤٩٤ أبواب النجاسات ب ٥١ ح ١.

(٤) في « رض » : آخر.

(٥) الكافي ٣ : ٥٥ / ١ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٤.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٩ / ٧١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٩٥ أبواب النجاسات ب ١ ح ٣.

١٦١

والمحقق رحمه‌الله جعل غَسل الثوب من البول مرّتين غَسلاً ، وفي البدن صبّاً ، وجعل وجه الفرق أنّ الغَسل يتضمن العصر والصب لا عصر معه ، قال : وأمّا الفرق بين الثوب والبدن فلأنّ البول يلاقي ظاهر البدن ، ولا يرسب فيه ، فيكفي صبّ الماء ؛ لأنّه يزيل ما على ظاهره ، وليس كذلك الثوب ، لأنّ النجاسة ترسخ فيه فلا تزول إلاّ بالعصر (١).

وأنت خبير بأنّ للمناقشة فيه مجالاً ، وما قاله من المرّتين في الثوب هو المشهور في غير بول الرضيع (٢) ، بل ظاهر كلامه في المعتبر أنّه لا خلاف فيه (٣) ، وقد صرح الشهيد في البيان بأنّ الخلاف متحقق بين الأصحاب فاكتفى بعض بالمرّة (٤).

وبالجملة فالإشكال في تحقق الفرق بين الصبّ والغَسل واقع ، والله تعالى أعلم بالحال.

الثاني : ظاهر رواية سماعة لزوم غسل الثوب كله إذا لم يجد مكانه ، وغير خفيّ أنّ الحكم مقيّد بما إذا لم يُعلم انتفاء النجاسة في جانب.

وقوله : فإن لم أجد مكانه ، معلوم أنّ المراد به العلم بالإصابة مع جهل المكان ، والخبر وإنّ لم يكن معتبراً إلاّ أنّ الشيخ في التهذيب روى بطريق حسن في باب تطهير الثياب ما يدل على مضمونه في المني ، ونحو ذلك أخبار صحاح (٥).

والمحقق في المعتبر استدل على الحكم حيث إنّ ظاهر الأخبار‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٢) انظر الحبل المتين : ٩٥.

(٣) المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٤) البيان : ٩٣.

(٥) التهذيب ١ : ٢٥١ ، ٢٥٢.

١٦٢

غَسل ما يقع فيه الاشتباه بأنّ النجاسة موجودة على اليقين ، ولا يحصل اليقين بزوالها إلاّ بغَسل جميع ما وقع فيه الاشتباه (١).

واعترض عليه بأنّ يقين (٢) النجاسة يرتفع بغَسل جزء ممّا وقع فيه الاشتباه وإنّ لم يحصل القطع بغَسل ذلك المحل بعينه (٣).

وفي نظري القاصر أنّ هذا الاعتراض لا وجه له بعد ورود معتبر الأخبار بغَسل الثوب كله ، وقد أوضحت الحال في حاشية التهذيب بما حاصله : أنّا نمنع ارتفاع يقين (٤) النجاسة بما ذكر ، لأنّه لا معنى للنجاسة إلاّ المنع من العبادة بسبب وصول العين النجسة (٥) إلى الثوب على وجه خاص ، فزوال المنع يتوقف على إباحة الشارع ما منع منه ، ولم يعلم إلاّ بغَسله كلّه ، وعدم يقين بقاء العين بعد غَسل جزء لا يستلزم زوال المنع.

فإنّ قلت : الدليل الدال على أنّ النجاسة لا بدّ فيها من العلم موجود وبتقدير غَسل الجزء يزول اليقين (٦) ، فيزول المنع.

قلت : قد تقدم منّا جواب هذا بما يغني عن الإعادة تفصيلاً ، والإجمال أنّ يقين (٧) النجاسة لا يرفعه إلاّ ما أعدّه الشارع ، والمعدّ هنا غَسل ما يحصل فيه الاشتباه ، وحصول النجاسة حينئذ بالظن لا يضرّ ، لأنّ الممنوع منه على ما يستفاد من الأدلة عدم الاعتبار بظن النجاسة ابتداءً ، وبالجملة‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٨.

(٢) في « فض » و « رض » : تعين.

(٣) كما في المدارك ٢ : ٣٣٤.

(٤) في « فض » و « رض » : تعين.

(٥) في « فض » : النجاسة.

(٦) في « فض » : التعين.

(٧) في « فض » « رض » : تعين.

١٦٣

لا تعارض بين ما دل على العلم وبين ما نحن فيه.

فإنّ قلت : مقتضى الرواية المروية (١) في التهذيب (٢) أنّ غَسل الثوب كله أحسن ، والمطلوب وجوب الغَسل لا حسنة ، إذ الأكملية لا ريب فيها.

قلت : الأمر كما ذكرت إلاّ أنّ غيره من الأخبار أصرح منه ، وإنّ أردت تحقيق الحال فارجع إلى ما ذكرناه ثَمّ.

الثالث : ربما يستفاد من خبر الحسين بن أبي العلاء أنّ العصر لكون البول استنقع في الثوب كما يشعر به قوله : الصبي يبول على الثوب. وقد ذكر الشهيد رحمه‌الله في الذكرى : أنّ العلّة في العصر وجوب إخراج النجاسة (٣). لكن لا يخفى أنّ الوجه المذكور يقتضي عدم لزوم العصر إذا علم انتفاء دخول شي‌ء من النجاسة في بطن الثوب ، والمدعى الوجوب مطلقاً ، والخبر المذكور لا يصلح للاعتماد عليه في إثبات الحكم ؛ لوجوه : أظهرها أنّ إطلاق الصب في الأخبار موجود مع قيام احتمال دخول النجاسة.

وما ذكره العلاّمة في التذكرة والنهاية (٤) : من أنّ وجه العصر نجاسة الغُسالة. ففيه : أنّ نجاسة الغسالة لا تختص بنجاسة دون نجاسة فيبقى العصر في نجاسة البول مطلقاً. ولا يقول به.

أمّا ما اعترض عليه به من أنّ اللازم من التوجيه الاكتفاء بما يحصل به الإزالة وإنّ كان بمجرّد الجفاف ، فلا يتعين العصر (٥). ففيه نظر ؛ لأنّ الظن‌

__________________

(١) لفظة : المروية ، ليست في « رض ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٥٢ / ٧٢٨ ، الوسائل ٣ : ٤٢٤ أبواب النجاسات ب ١٦ ح ٤.

(٣) الذكرى : ١٤.

(٤) التذكرة ١ : ٨٠ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٧٧.

(٥) كما في المدارك ٢ : ٣٢٦.

١٦٤

حاصل بانفصال النجاسة مع العصر دون الجفاف.

وما ذكره شيخنا قدس‌سره : من أنّ هذا يعني الظن المذكور مجرّد دعوى خلية عن الدليل (١). محل بحث.

نعم الأولى أنّ يقال : إنّ نجاسة الغُسالة على تقدير القول بها بعد الانفصال سواء كان بالعصر أو غيره ، فما يتخلف في الثوب لا يحكم بنجاسته كما تدل عليه الأدلة العامة المنبئة عن طهارته بالغَسل بصبّ الماء على المحل ، إلاّ أنّ في ثبوت ما يصلح للاستدلال بالاكتفاء بالصبّ على الإطلاق تأمّلاً ، فلا ينبغي الغفلة عن هذا كلّه.

اللغة :

قال في القاموس : عَصَرَ العِنَبَ ونحوَه يَعْصِرُه فهو مَعْصورٌ وعَصير ، واعْتَصَرَهُ اسْتَخْرَجَ ما فيه (٢).

وعرّفه جدّي قدس‌سره بأنّه كبس الثوب بالمعتاد لإخراج الماء المغسول به (٣). وأنت خبير بالمغايرة بين المعنى اللغوي والتفسير المذكور ، فتدبّر.

قوله :

باب المذي يصيب الثوب والجسد.

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسن بن سعيد ، عن ابن أبي‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٣٢٦.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٩٣ ( العصر ).

(٣) الروضة البهية ١ : ٦١.

١٦٥

عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ليس في المذي من الشهوة ، ولا من الإنعاظ ، ولا من القُبلة ، ولا من مسّ الفرج ، ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد ».

فأمّا ما رواه أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال : « إن عرفت مكانه فاغسله وإنّ خفي مكانه عليك فاغسل الثوب كله ».

عنه ، عن علي ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب فيلتزق به؟ قال : « يغسله ولا يتوضّأ ».

فالوجه في قوله : « يغسله » ضرب من الاستحباب ، وقد استوفينا ما يتعلق بهذا الباب في الكتاب الكبير ، وفيما ذكرناه ها هنا وفيما تقدم من الكتاب كفاية إنّ شاء الله ، وقد روى هذا الراوي بعينه ما ذكرناه.

روى أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المذي يصيب الثوب؟ قال : « لا بأس به » فلما رددنا عليه قال : « ينضحه ».

السند :

في الأوّل معروف الحال ممّا تقدم (١) ، ومال بعض مشايخنا إلى عدّه من الصحيح (٢) ، وإنّ لم نقل بقبول مراسيل ابن أبي عمير ؛ لأنّ قوله : عن‌

__________________

(١) راجع ص ٥٤٣.

(٢) كصاحب المدارك ١ : ١٥٢.

١٦٦

غير واحد ، يفيد ذلك. ولا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ غير الواحد إذا لم يحصل فيهم الوصف المعتبر في القبول لا يفيد.

وكذلك حال الثاني ، غير أنّ علي بن الحكم قد أسلفنا أنّ الراوي عنه إذا كان أحمد بن محمد بن عيسى فهو الثقة (١) بتقدير الاشتراك.

ومرادنا بتقدير الاشتراك أنّ احتمال الاتحاد له نوع وجه ؛ لأنّ علي بن الحكم الكوفي الثقة ذكره الشيخ في الفهرست (٢) ، والنجاشي ذكر علي بن الحكم بن الزبير النخعي غير موثق (٣). والكشي ذكر علي بن الحكم الأنباري (٤) ، فالعلاّمة ظن التعدد (٥) وكذلك ابن داود (٦).

وربما كان الوجه في ذلك أنّ الكشي نقل عن حمدويه ، عن محمد بن عيسى : أنّ علي بن الحكم هو ابن أخت داود بن النعمان بيّاع الأنماط ، وهو نسيب بني الزبير الصيارفة ، وعلي بن الحكم تلميذ ابن أبي عمير (٧). ولا يبعد أنّ يكون الضمير في « وهو نسيب بني الزبير » عائداً إلى داود بن النعمان كما ينبه عليه ذكر علي بن الحكم ثانياً ، فلا يتوهم التعدد.

وممّا يؤيّد عدم التعدد أنّ الشيخ ذكر الكوفي خاصّة ، والنجاشي النخعي خاصّة ، والكشي الأنباري خاصّة ، ولا مانع من اتصاف الرجل الواحد بأوصاف ، غير أنّ مجال الاحتمال واسع ، أمّا ما اتفق للعلاّمة وابن‌

__________________

(١) راجع ص ٨٤٧.

(٢) الفهرست : ٨٧ / ٣٦٦.

(٣) رجال النجاشي : ٢٧٤ / ٧١٨.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٨٤٠ / ١٠٧٩.

(٥) خلاصة العلاّمة : ٩٣ / ١٤ و ٩٨ / ٣٣.

(٦) رجال ابن داود : ١٣٨ / ١٠٤٤ ١٠٤٦.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٨٤٠ / ١٠٧٩.

١٦٧

داود من الاختلاف فأمره سهل كما لا يخفى.

والثالث كالثاني.

والرابع ليس فيه إلاّ الحسين بن أبي العلاء ممّا يوجب التوقف في الصحة على ما قدّمناه (١).

المتن :

في الأوّل ظاهر الدلالة على طهارة المذي سواء حصل من الشهوة أو الإنعاظ أو القُبلة أو المسّ أو المضاجعة ، بقرينة قوله عليه‌السلام أخيراً : « ولا يغسل منه الثوب » وقد قدّمنا النقل عن العلاّمة في ما سبق أنّه استدل بهذا الخبر على نفي الوضوء بمسّ الفرج (٢) ، وبيّنا ما ذكرناه هنا.

والعجب من بعض المحقّقين سلّمه الله أنّه قال : قوله عليه‌السلام : « ولا من الإنعاظ » إمّا معطوف على قوله : « من الشهوة » أو على قوله : « في المذي » وعلى الأوّل يكون الكلام مقصوراً على ذكر عدم النقض بالمذي وحده سواء كان من الشهوة أو من الإنعاظ أو ما عطف عليه ، وعلى الثاني يكون الغرض عدم النقض بشي‌ء من الأُمور الخمسة ، قال ـ سلّمه الله ـ : وبهذا يظهر عدم صلاحيته للاستدلال على عدم النقض بمسّ الفرج ، فاستدلال العلاّمة وغيره على ذلك محل كلام (٣) ، انتهى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكرناه من دلالة آخر الحديث لا ارتياب فيها واحتمال غيره خلاف الظاهر ، بل خلاف الصريح ، على أنّ العطف على‌

__________________

(١) في ص ١٥٠.

(٢) راجع ص ٣٩٤ ٣٩٩.

(٣) البهائي في الحبل المتين : ٣١.

١٦٨

قوله : « في المذي » يوجب سماجة (١) اللفظ كما هو واضح.

والخبر الثاني والثالث نقل العلاّمة في المختلف عن ابن الجنيد أنّه احتج بهما على نجاسة المذي بعد أن نقل عنه أنّه قال : ما كان من المذي ناقضاً لطهارة الإنسان غُسل منه الثوب والجسد ، ولو غُسل من جميعه كان أحوط (٢). قال العلاّمة : وجَعَل المذي الناقض ما خرج عقيب شهوة لا ما كان ) (٣) من الخلقة.

وأجاب العلاّمة عن الحديثين بالمنع من صحة السند أوّلاً ، وبالحمل على الاستحباب ثانياً.

وزاد في الحجّة أيضاً أنّ المذي خارج من أحد السبيلين فكان نجساً كالبول. وأجاب بما هذا لفظه : الجواب عن القياس بالفرق بما افترق به الأصل والفرع وإلاّ لاتّحدا وهو ينافي القياس ، على أنّ القياس عندنا باطل (٤).

واعترض الوالد قدس‌سره على الحجّة بالخبرين أنّهما لا يناسبان قول ابن الجنيد ؛ لأنّه خصّ بالناقض ، وجعل الغَسل من الجميع أحوط ، قال قدس‌سره : وهذا يعني تخصيص قول ابن الجنيد وإنّ كان في موضع النظر من حيث إنّ المعروف من المذي ما كان عقيب الشهوة ، وقد فسّر به الناقض الذي جعله مناطاً لوجوب الغَسل ، إلاّ أنّه بعد فرضه صدق الاسم عليه وعلى غيره لا يناسبه التمسك بالحديثين ، قال قدس‌سره : وأمّا القياس على‌

__________________

(١) سَمج كَكَرُمَ سَماجَة قبُحَ ، القاموس المحيط ١ : ٢٠١ ( سمج ).

(٢) المختلف ١ : ٣٠٤.

(٣) بدل ما بين القوسين في « د » : إلاّ ما كان ، وفي « رض » : لا ما خرج.

(٤) المختلف ١ : ٣٠٥.

١٦٩

البول فلأنه يقتضي نجاسة الجميع والتفصيل ينافيه. (١). انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ لابن الجنيد أنّ يقول في دفع الاعتراض : أما الأوّل فبأنّ ما دل على النقض تضمن التخصيص بما كان عن شهوة ، وهو خبر علي بن يقطين المعدود في الصحيح حيث قال عليه‌السلام فيه عن المذي : « إنّ كان عن شهوة نقض » (٢).

والمناقشة بأنّ المعروف في المذي ما كان عقيب الشهوة ، يدفعها الخبر المبحوث عنه فإنّه ذكر المذي من الشهوة وغيرها ، وفي خبر لعلي بن يقطين أنّ المذي من شهوة وغير شهوة منه الوضوء (٣). وهذا وإنّ كان مخالفاً لقول ابن الجنيد ، إلاّ أنّه يدفع المناقشة ، ولابن الجنيد أنّ يوجّه ذلك ، وإن كان الحق اندفاع ما قاله من النقض بما ذكرناه في موضعه ، غاية الأمر أنّ ما ذكره الوالد قدس‌سره لا يخلو من غرابة.

ثم الاعتراض بعدم دلالة الخبرين على التفصيل له وجه إلاّ أنّ النظر الى الأخبار الدالة على النقض والدالة على الغَسل يوجب التقييد ، والاكتفاء بالإجمال اعتماداً على الظهور غير عزيز الوجود ، ومثل هذا القياس على البول.

وقد أجاب العلاّمة بضعف الخبرين (٤) ، إمّا للحسين بن أبي العلاء ، أو لاشتراك علي بن الحكم على ما ظنه ، فلا صراحة في كلامه على عدم توثيق الحسين بن أبي العلاء.

__________________

(١) معالم الفقه : ٢١٠.

(٢) التهذيب ١ : ١٩ / ٤٥ ، الوسائل ١ : ٢٧٩ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ح ١١.

(٣) التهذيب ١ : ٢١ / ٥٣ ، الإستبصار ١ : ٩٥ / ٣٠٦ ، الوسائل ١ : ٢٨١ أبواب نواقض الوضوء ب ١٢ ١٦ ، وفي الجميع : يعقوب بن يقطين بدل علي بن يقطين.

(٤) راجع ص ٨٥٣.

١٧٠

وقد اعترض الوالد قدس‌سره على جواب العلاّمة عن الحجّة الأُخرى بأنّ محاولته إبداء الفارق يشعر بكونه جواباً على طريق التنزل والتسليم ، لا سيما بقرينة قوله : على أنّ القياس. فإنّه ارتقاء من الأدنى يعني تجويز القياس إلى منع العمل ، به واعتبار الفرق الذي ذكره يقتضي نفي القياس رأساً ؛ إذ ما من قياس إلاّ يتأتّى فيه هذا الفرق ، ولو حمل على جعله وجهاً لإبطال أصل القياس لم يبق لقوله « على » معنىً ، هذا (١). انتهى ملخصاً.

ولا يخفى وجاهته ، غير ان في نظري القاصر يمكن تكلّف الجواب بأنّ مراده أوّلاً بيان بطلان القياس على مذهب الخصم ، فلو رام دفع الجواب بأنّ الفرق بين الفرع والأصل لا يقتضي عدم صحة القياس يقال : إنّه عندنا باطل بالإجماع ، ويكون لفظة : عندنا ، دالاًّ على الإجماع ، والترقي من الأدنى إلى الأعلى ممكن بأنّ يقال : إنّ المراد ابطال القياس بوجهين : أدنى ، وهو لزوم عدم الفرق ، وأعلى وهو الإجماع ، ووجه كون الأوّل أدنى إمكان الدخل فيه بخلاف الثاني.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ العلاّمة قال في الاحتجاج للطهارة : لنا : الإجماع من الإمامية على طهارته ، وخلاف ابن الجنيد غير معتدٍّ به ، فإنّ الشيخ رحمه‌الله لمّا ذكره في الفهرست وأثنى عليه قال : إلاّ أنّ أصحابنا تركوا خلافه لأنّه كان يقول بالقياس (٢). انتهى.

ولقائل أنّ يقول : العجب منه رحمه‌الله أوّلاً : أنّ الإجماع لا يشترط فيه جميع الأعصار ليحتاج إلى الطعن في ابن الجنيد ، وثانياً : أنّه لو كان معتمداً لما ضرّ على تقدير اعتبار الجميع لمعلومية النسب ، وثالثاً أنّه في إيضاح‌

__________________

(١) معلم الفقه : ٢١١.

(٢) المختلف ١ : ٣٠٤ ، وهو في الفهرست : ١٣٤ / ٥٩٠.

١٧١

الاشتباه قال في ترجمة ابن الجنيد ما هذا لفظه ـ بعد نقل كلام لصفي الدين ابن معد يتضمن المدح لبعض مصنفات ابن الجنيد ـ : وأقول : وقع إليّ من مصنفات الشيخ المعظم الشأن كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي ، وهو مختصر هذا الكتاب ، جيّد ، يدل على فضل هذا الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره ، وأنا ذكرت خلافه وأقواله في كتاب مختلف الشيعة (١). انتهى.

وأنت خبير بأنّ هذا الكلام مناف لما قاله في المختلف.

وربما يمكن الجواب عن الأوّل : بأنّ الإجماع وإن لم يعتبر فيه جميع الأعصار إلاّ أنّه إذا اتفقت فيه جميع الأعصار كان أولى بالاستدلال.

وعن الثاني : بأنّ معلومية النسب وإن كانت غير قادحة في الإجماع عنده إلاّ أنّه إذا انضمّ إليها ما يزيد الدليل قوة كان أحرى بالقبول ، على أنّ في عدم القدح بالمعلوم نوع كلام ، لاحتمال وجود المشارك كما ذكره بعض مشايخنا (٢) ، وإن كان فيه نظر ؛ لأنّ المفروض انحصار المخالف في المعلوم ، والاحتمال البعيد لا يقدح ، غير أنّ تحقق الإجماع الحقيقي على تقدير الإمكان في بعض الأزمان في غاية البعد ، هذا.

وما ذكره الشيخ من الحمل على الاستحباب ظاهر الوجاهة ، وقد يحتمل التقية لولا نفي الوضوء في الخبر الثالث.

بقي فيه شي‌ء وهو أنّ قوله : قال : « ينضحه » كما يحتمل أنّ يكون من الإمام عليه‌السلام حين ردّد عليه الحسين أبي العلاء يحتمل أنّ يكون من الحسين والرادّ عليه علي بن الحكم ، ووجه الرّد أنّهم رووا عنه أنّه سمع‌

__________________

(١) إيضاح الاشتباه : ٢٩١.

(٢) لم نعثر عليه في المدارك والحبل المتين.

١٧٢

خلاف ذلك ، فقال عوض لا بأس به » « ينضحه » لكن لا يخفى بُعد هذا ، فتأمّل.

اللغة :

قد قدّمنا تفسير المذي عن بعض (١) ، والإنعاظ قال في القاموس : إنّه قيام الذكر (٢). وفيه أيضاً : نضح البيت ينضحه : رشّه (٣).

قوله :

باب المقدار الذي يجب إزالته من الدم وما لا يجب

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد ابن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد ، عن حريز ، عن محمد بن مسلم قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ، قال : « إنّ رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، فإنّ لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك ولا اعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم [ وإنّ كان أقل (٤) ] من ذلك فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره ، فاذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم وضيّعت غَسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه ».

وأخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيى ،

__________________

(١) راجع ص ٨٥٣.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٤١٤ ( نعظ ).

(٣) القاموس المحيط ١ : ٢٦٢ ( نضح ).

(٤) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٧٥ / ٦٠٩.

١٧٣

عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن الحسين بن الحسن ، عن جعفر بن بشير ، عن إسماعيل الجعفي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام (١) قال في الدم يكون في الثوب : « إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلّى فليعد صلاته ، وإن لم يكن رآه حتى صلّى فلا يعيد الصلاة ».

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار (٢) ، عن علي بن الحكم ، عن زياد بن أبي الحلال ، عن عبد الله بن أبي يعفور قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في دم البراغيث؟ قال : « ليس به بأس » قال ، قلت : إنّه يكثر ، قال : « وإن كثر » قال : قلت : فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى (٣) أن يغسله فيصلّي ثم يذكر بعد ما صلّى أيعيد صلاته؟ قال : « يغسله ولا يعيد صلاته إلاّ أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة ».

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر ، عن علي بن حديد ، عن جميل بن درّاج ، عن بعض أصحابنا ، عن ابي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام أنّهما قالا : « لا بأس بأن يصلّي الرجل في الثوب وفيه الدم متفرقاً شبه النضح ، فإن كان قد رآه صاحبه قبل ذلك فلا بأس به ما لم يكن مجتمعاً قدر الدرهم ».

__________________

(١) في « د » : أبي عبد الله عليه‌السلام.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ زيادة : عن أحمد بن محمد.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٧٦ / ٦١١ : فنسي.

١٧٤

السند‌ :

في الأوّل : لا ارتياب فيه على ما قدّمناه ، وحمّاد هو ابن عيسى كما صرّح به الصدوق في الفقيه حيث قال في إسناده إلى وصية أمير المؤمنين عليه‌السلام لابنه محمد بن الحنفية : عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، ويغلط أكثر الناس فيجعلون مكان حماد بن عيسى : حمّاد بن عثمان ، وإبراهيم بن هاشم لم يلق حمّاد بن عثمان (١). والعلاّمة في الخلاصة ذكر ذلك تبعاً (٢). وما قد يظن من ( إمكان ذلك للتصريح في ) (٣) كتب الرجال حيث ذكر إبراهيم وحمّاد بن عثمان في أصحاب الرضا (٤) ، يدفعه أنّ اللقاء أمر آخر كما لا يخفى.

والثاني : فيه الحسين بن الحسن على ما وقفت عليه من النسخ ، ولا يبعد كونه ابن أبان ، وقد أسلفنا بيان حاله (٥).

وفي فوائد شيخنا المحقق أيّده الله على الكتاب ما هذا لفظه : قيل : لعلّ الصواب : الحسن بن الحسين ، وهو اللؤلؤي ؛ لما تقدم في باب من دخل في الصلاة بتيمم من رواية محمد بن علي بن محبوب ، عنه ، عن جعفر بن بشير. وفيه نظر ، وكأنّ الحسين هو ابن الحسن بن أبان والحديث صحيح ، أو هو ابن الحسن الفارسي المذكور مهملاً. انتهى كلامه أيّده الله.

وكأنّ وجه النظر أنّه لا يلزم من تلك الرواية كونه مطّرداً ، وهو كذلك ،

__________________

(١) مشيخة الفقيه ( الفقيه ٤ ) : ١٢٥.

(٢) الخلاصة : ٥٦ / ٢.

(٣) ما بين القوسين ليس في « د ».

(٤) راجع رجال الطوسي : ٣٦٩ / ٣٠ و ٣٧١ / ١.

(٥) في ص ٢٧.

١٧٥

إلاّ أنّ الظن يقرب إلى ترجيح ما ذكره القائل لولا اتفاق النسخ ، وبالجملة فللكلام مجال في صحة الحديث بالنسبة إلى الرجل المبحوث عنه بعد وجود من ذكر مهملاً.

وأمّا إسماعيل الجعفي فهو وإنّ كان مشتركاً بين ابن جابر وبين ابن عبد الرحمن المذكور في رجال الباقر والصادق عليهما‌السلام من كتاب الشيخ : إنّه كان فقيهاً (١). إلاّ أنّ الظاهر كونه ابن جابر وقد وقع فيه نوع اضطراب ؛ لأن النجاشي ذكره من غير توثيق (٢) ، والعلاّمة وثّقه (٣).

والذي وجدناه في كتاب الشيخ من رجال الباقر عليه‌السلام إسماعيل بن جابر الخثعمي وقال إنّه ثقة ممدوح (٤). والعلاّمة قال بعد لفظ ثقة : ممدوح ، وهو قرينة على أنّ الأخذ من كلام الشيخ ، فيكون الخثعمي في النسخ ، وممّا يؤيّد ذلك أنّ النجاشي قال في : إنّه روى حديث الأذان (٥) ، والحديث في كتابي (٦) الشيخ بلفظ الجُعفي.

وفي رجال الصادق عليه‌السلام من كتاب الشيخ : الخثعمي أيضاً من غير توثيق (٧).

والثالث : فيه أنّ الصواب رواية الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٠٤ / ١٥ و ١٤٧ / ٨٤.

(٢) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٣) خلاصة العلاّمة : ٨ / ٢.

(٤) رجال الطوسي : ١٠٥ / ١٨.

(٥) رجال النجاشي : ٣٢ / ٧١.

(٦) في « د » و « رض » : كتاب. والحديث موجود في التهذيب ٢ : ٥٩ / ٢٠٨ ، والاستبصار ١ : ٣٠٥ / ١١٣٢.

(٧) رجال الطوسي : ١٤٧ / ٩٣.

١٧٦

علي بن الحكم ، كما في التهذيب (١). وزياد بن أبي الحلال وعبد الله حالهما في الجلالة غني عن المقال.

والرابع : ضعيف بعلي بن حديد والإرسال ، وأبو جعفر هو أحمد بن محمد بن عيسى على ما ذكره العلاّمة في الخلاصة (٢) ، والاعتبار يساعده ، إلاّ أنّا قدّمنا ما يوجب نوع ريب في ذلك ، وأمره سهل (٣).

والعجب من العلاّمة رحمه‌الله في الخلاصة أنّه قال في ترجمة إسماعيل بن عبد الرحمن الجعفي الذي أشرنا إلى احتماله سابقاً ما هذا لفظه : إسماعيل ابن عبد الرحمن الجُعفي الكوفي تابعي من أصحاب أبي عبد الله الصادق سمع من أبي الطفيل مات في حياة أبي عبد الله عليه‌السلام وكان فقيهاً وروى عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام ، ونقل ابن عقدة أنّ الصادق عليه‌السلام ترحّم عليه ، وحكي عن ابن نمير أنّه قال : إنّه ثقة ، وبالجملة إنّ حديثه اعتمد عليه (٤). انتهى.

وأنت خبير بأنّ ما ذكره لا يصلح للاعتماد إلاّ أن يكون له وجه آخر مخفي ، ومثل هذا يوجب التعجب.

المتن :

في الأوّل : يدل صدره على أنّ الدم إذا رئي في الثوب في أثناء الصلاة وكان على المصلّي ثوب غير الذي فيه الدم فليطرح الثوب وليصلّ ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٥ / ٧٤٠ ، الوسائل ٣ : ٤٣٥ أبواب النجاسات ب ٢٣ ح ١.

(٢) الخلاصة : ٢٧١.

(٣) في « د » زيادة : حاصل ما ذكرناه أنّ العلاّمة في فوائد الخلاصة جزم بأنّ ما يذكره الشيخ وغيره عن سعد بن عبد الله عن أبي جعفر ، فالمراد بأبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى والحال أنّ في الكافي في تاريخ مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سعد بن عبد الله عن أبي جعفر محمد بن عمرو بن سعيد ، نعم الشيخ صرّح بأنه أحمد بن محمد في التهذيب في كتاب الطهارة في سؤر الكلب ، فتأمل.

(٤) الخلاصة : ٨ / ٣.

١٧٧

وإن لم يكن غيره فليمض في الصلاة ، وقوله : « ما لم يزد » هكذا فيما وقفت عليه ، لكنه في التهذيب : « وما لم يزد » (١) والمعنى على ما في التهذيب أوضح ، لكن الظاهر ارتباطه بالسابق أيضاً على معنى أنّ وجوب الطرح إنّما هو إذا زاد على مقدار الدرهم.

وقد يشكل الارتباط بأنّ الزيادة إنّما ذكرت لما بعدها من جهة الفرق بين الرؤية وعدمها. ويمكن أن يقال : إنّه لا منافاة فيجتمع الأحكام.

وأنت خبير بأنّ الإطلاق في صدره يشمل ما لو استلزم الطرح فعلاً كثيراً وعدمه ، وبعض المتأخّرين قيّد الحكم بغير الفعل الكثير (٢).

ثم إنّ الإطلاق في المضيّ يتناول الضرورة وعدمها ، وفيه أيضاً كلام ذكرناه في محلّه.

ثم إنّ ما يقتضيه هذه العبارة من قوله : « ما لم يزد » من دون الواو لو كان مرتبطاً بما قبله إمّا بالإعادة ، أو بالمضي في الصلاة ، أو بالطرح والصلاة لم يبق لقوله : « فليس بشي‌ء رأيته أو لم تره » مناسبة كما لا يخفى ، بل يضر بحال ما تقدم ؛ لأنّه إذا كان ليس بشي‌ء فلا وجه لبعض ما تقدّم إلاّ بالحمل على الاستحباب في بعض ، ويلزم نوع اضطراب في المتن.

ولا يخفى دلالة عجز الخبر على اعتبار كون الدم أكثر من درهم ، لكن يدل على أنّ الدم رئي لتكون الصلاة وقعت نسياناً أو جهلاً على احتمال لا يخلو من تأمّل ، والرؤية المذكورة لا تخلو من شمول بحسب الإطلاق لما قبل الصلاة أو في أثنائها ، وقد يظن ظهور تضييع الغَسل بما‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٤ / ٧٣٦ ، الوسائل ٣ : ٤٣١ أبواب النجاسات ب ٢٠ ح ٦ وفيه : ما لم يزد.

(٢) كما في المدارك ٢ : ٣٥٣.

١٧٨

قبل الصلاة كما يعرف بالتأمّل ، كما يظهر منه وجه التأمل في تناول الجاهل ، وإن أمكن أن يكون من أسباب التضييع عدم السؤال عن حكمه.

وأنت خبير بأنّ الظاهر أيضاً من التضييع ينافي النسيان ، ولعل التوجيه غير عسر.

والخبر الثاني : له تأييد لما تضمنه العجز ، والكلام في الرؤية فيه كالأوّل ، إلاّ أنّ له ظهوراً أزيد من الأوّل في الدلالة على ما قبل الصلاة ، واحتمال أنّ يقال بصراحته ، لما يفهم من قوله : « حتى صلّى » يدفعه التأمّل الصادق.

وقد نقل العلاّمة (١) والمحقّق (٢) في المعتبر الإجماع على وجوب إزالة ما زاد على الدرهم ، كما ادّعيا الإجماع على أنّ الأقل من الدرهم لا تجب إزالته ، وإنّما الخلاف في مقدار الدرهم ، فذهب البعض إلى عدم العفو عنه (٣) ، وينقل عن السيّد المرتضى وسلاّر عدم وجوب الإزالة (٤).

والخبر الثالث : كما ترى يدل على اعتبار مقدار الدرهم مجتمعاً.

وقيل في توجيه دلالته : إنّه لو كان العفو عن مقدار الدرهم حاصلاً لما وجب إعادة الصلاة مع النسيان (٥).

والخبران الأوّلان يدلان على اعتبار الزيادة ، والمفهوم منهما العفو عن المساوي ، إلاّ أنّ بعض القائلين بالعفو عن المساوي قال : إنّه لا يعارض الخبران (٦) الخبر الثالث لاعتضاد الخبرين بأصالة البراءة ، والقائلون بعدم العفو‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٧٣ والمختلف ١ : ٣١٩.

(٢) المعتبر ١ : ٤٢٩.

(٣) اختاره في المختلف ١ : ٣١٩.

(٤) نقله عنهما في المختلف ١ : ٣١٨ ، وهو في الانتصار : ١٣ ، والمراسم : ٥٥.

(٥) قال به العلاّمة في المختلف ١ : ٣١٩ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣١٢.

(٦) في « فض » زيادة : مفهوم.

١٧٩

عن المساوي أيّدوا الخبرين بالأخبار المطلقة الدالة على إزالة الدم كيف كان ، خرج ما وقع الاتفاق عليه ، وهو الناقص ، فبقي الباقي ، وللكلام في المقام مجال وقد بسطنا القول فيه في حاشية الروضة غير أنّا نذكر هنا ما لا بدّ منه.

( فنقول : لا ريب في تعارض خبري محمد بن مسلم وابن أبي يعفور عند من يعمل بالحسن على ما ذكره من رأينا كلامه ) (١) من الأصحاب (٢) أمّا خبر الجعفي فالعمل به غير واضح الوجه ، ومع التعارض فالأولى الاعتماد على أنّ ذكر الزيادة في خبر ابن مسلم تنبيه على أن اتفاق كون الدم بمقدار الدرهم بعيد ، والغالب فيه الزيادة والنقصان ، ويؤيّد ذلك ما في رواية إسماعيل الجعفي من ذكر الأقل والأكثر من دون ذكر المساوي ، وعلى هذا فالمفهوم الحاصل من رواية محمّد بن مسلم يقيد برواية ابن أبي يعفور ، كما أنَّ مفهوم الشرط الأوّل في رواية الجعفي يقيّد الثاني فيها.

وإنّ لم يعمل بالحسن فخبر ابن ابي يعفور لا معارض له ، نعم فيه نوع إجمال وسنذكره إنّ شاء الله.

وفي نظري القاصر أنّ المفهوم في خبر محمد بن مسلم وإنّ ذكره والدي قدس‌سره (٣) أيضاً لا يخلو من تأمّل ؛ لاحتماله أمرين : أحدهما عدم الرؤية وهو أكثر من مقدار الدرهم ، وثانيهما الرؤية وهو مساوٍ ، وخبر ابن أبي يعفور تضمن النسيان ، وهو مخصوص بالرؤية ، إذ النسيان لا يكون إلاّ معها ، فإطلاق تقييد كل من الروايتين بالأخرى محل بحث يظهر بمزيد‌

__________________

(١) ما بين القوسين ساقط من « رض ».

(٢) معالم الفقه : ٢٩٣ ٢٩٤.

(٣) معالم الفقه : ٢٩٣ ٢٩٤.

١٨٠