إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

تكون دالّة على المرّتين فيهما كما ذكره جماعة من محقّقي المتأخرين (١).

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من رواية ابن مسلم بعد تصريحه بحملها على التقية في بعض مدلولاتها لا يخلو من غرابة ؛ لأنّ الرواية إذا تضمنت التقية في بعضها خرجت عن الصلاحية لإثبات المطلوب ، وما عساه يقال : من أنّه لا يلزم من خروج البعض خروج الجميع ، فجوابه أنّ خروج البعض على تقدير تسليم أنّه لا يستلزم خروج الجميع إما لمخالفة حكمه الإجماع ، أو أخبار أُخر ، فإن كان الأوّل يقال : الإجماع إذا أحوج إلى الحمل على التقية والمدعى مركب في المعنى ، وحينئذ تنتفي الدلالة بفوات الجزء ، والاستدلال بالبعض الآخر على إثبات بعض المطلوب لا يفيد ، فليتأمّل.

أمّا ما قاله شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب : من أنّ رواية محمد بن مسلم لا دلالة فيها على هذا التفصيل بوجه. ففيه نظر واضح.

وما قاله أيضاً : من أنّ الأجود في الجميع هو حمل ما تضمن المرّتين على الاستحباب ؛ لأنّ المرّة الواحدة قد وردت في تيمم الجنابة في عدّة روايات ، ولأنّ الاقتصار في الجواب على ذكر أحد الفردين عند السؤال عن التيمم المتناول لهما فيه تأخير البيان عن وقت الحاجة وأنّه غير جائز ، لكن أخبار المرّة لا تخلو من قصور في السند والدلالة ، وكان اعتبار المرّتين فيهما معا أولى وأحوط.

لا يخلو من نظر في فكري الفاتر أمّا أوّلا : فما ذكره من أنّ المرّة الواحدة قد وردت في تيمم الجنابة في عدة روايات إنّ أراد به الروايات المتضمنة لقضية عمار ، فهو حق لكن الروايات بعضها تضمن السؤال عن‌

__________________

(١) انظر المدارك ٢ : ٢٣٢ وحبل المتين : ٨٦.

١٤١

التيمم بعد ذكر قصة عمار كما في رواية داود ، وبعضها وهو رواية زرارة تضمّن أنّه سمع أبا جعفر عليه‌السلام يقول : وذكر التيمم وما صنع عمار فوضع أبو جعفر كفّيه في الأرض ثم مسح وجهه وكفّيه.

وأنت خبير بأنّ مضمون رواية داود السؤال عن التيمم وهو محتمِل لتيمم الجنابة فقط ولمطلق التيمم ، ومضمون رواية زرارة موقوف في تشخيص المراد فيه على العلم بأنّه عليه‌السلام أراد بيان التيمم عن الجنابة ، والحال أنّ اللفظ محتمل لأنّ يكون ذكر قضية عمار في معرض بيان مطلق التيمم ، وليس هذا كما قاله الشيخ فيما يأتي والعلاّمة في المختلف كما سبق نقله عنه ليتوجه علينا أنّ فيه اعترافاً بما أنكرناه عليه (١).

وحينئذ فقول شيخنا قدس‌سره : إنّ المرّة وردت في تيمم الجنابة في عدة روايات ، ظاهره الاختصاص بالجنابة ، ومشرب الاختصاص لا يخلو عن شوب ، نعم لا يبعد دعوى الظهور.

وأمّا ثانيا : فما قال : من أنّ الاقتصار في الجواب على ذكر أحد الفردين. يريد به أنّ حمل أخبار التعدد على الغسل يقتضي أنّ الجواب الواقع في السؤال عن التيمم مطلقا جواب عن أحد الفردين مع السؤال عنهما من دون بيان.

ولا يخفى أنّ لقائل أنّ يقول : إنّ هذا آت في كل مطلق ومقيد كما سبق فيه القول مراراً ، ولعل الجواب بالفرق بين جواب السؤال وغيره ممكن.

وأمّا ثالثاً : فما قاله : من أنّ أخبار المرّة لا تخلو من قصور. إن أراد به أخبار المرّة في التيمم عن الوضوء. ( ففيه : أنّ التيمم عن‌

__________________

(١) راجع ص ٨٢٦.

١٤٢

الوضوء ) (١) لم يقع له ذكر في هذه الأخبار ، وإنّ أراد به التيمم (٢) عن الغسل ، ففيه : أنّ خبر داود بن النعمان صحيح عنده ، وإنّ أراد أخبار المرّة على الإطلاق فهو حق ، لكن أخبار التعدد إثبات الحكم بها على سبيل الوجوب مشكل ، لدلالة خبر داود على عدم وجوب المرّتين في الغسل ، واللازم حينئذ وجوب المرّتين في الوضوء والاستحباب في الغسل ، ولا يخفى عليك الحال.

وقد سلك شيخنا المحقّق ميرزا محمد أيّده الله في فوائده على الكتاب مسلك شيخنا قدس‌سره وزاد أنّ المرّة تطابق ظاهر القرآن ، وأيّد ذلك بروايات رواها الشيخ في التهذيب :

أوّلها : عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى ( عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن التيمم من الوضوء ومن الجنابة ومن الحيض للنساء سواء؟ قال : « نعم » (٣) ... ) (٤).

وثانيها : ما رواه الشيخ ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن عمرو ابن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسى الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن التيمم من الوضوء والجنابة ومن الحيض سواء؟ فقال : « نعم » (٥).

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٢) لفظة : التيمم ، ليست في « رض ».

(٣) التهذيب ١ : ١٦٢ / ٤٦٥ ، الوسائل ٣ : ٣٦٢ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٦.

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٥) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٧ ، الوسائل ٣ : ٣٦٢ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٦.

١٤٣

وثالثها : ما رواه الشيخ عن أبي القاسم ، عن محمد بن محبوب ، عن محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن عثمان بن عيسى ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : وسألته عن تيمم الحائض والجنب سواء إذا لم يجدا ماءً قال : « نعم » (١) انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ المطابقة لظاهر القرآن إنّ أُريد بها أنّ ظاهره الاكتفاء بالمرة فقط ، فلا يخفى ما فيه ، وإنّ أُريد أنّ ظاهره تحقق التيمم بالمرّة والمرّتين نظراً إلى الإطلاق فهو حق ، لكن اللازم أنّ المتيمم لو أتى بالضربتين في بدل الوضوء بقصد كونها أحد أفراد المطلق تكون واجبة ، وكذلك في الغسل ، والظاهر من كلام شيخنا أيّده الله خلاف ذلك ، ولعلّ المانع من ذلك منتف ، وهذا كثيراً ما يخطر في البال ، فيقال : إنّ ظاهر الآية الإتيان بكل ما يتحقق به مطابقة الآية ، إلاّ ما خرج بالدليل من الإجماع ونحوه ، كنفي الزائد عن المرّتين.

ومن هنا يتجه أنّ يقال أيضاً : إنّ الأخبار وإنّ كانت مختلفة إلاّ أنّ كلاًّ منها مطابق لإطلاق القرآن ، فيجوز أنّ يكون الإخبار من الإمام عليه‌السلام بالتعدد لذلك ، وحينئذ يكون المراد بالاستحباب على هذا التقدير أحد فردي الواجب إنّ قصد أنّ مجموع الضربتين هو الواجب ، ولو قصد أنّ الواجب هو الضرب الواحد كان الثاني مستحباً بالمعنى الأُصولي ، لكن إثباته لا يخلو من إشكال ؛ لما عرفت ، وإنّ أمكن تسديد ما قيل في وجوه ترجيحه.

ولعلّ الأولى أنّ يقال في الاستدلال : إنّ إطلاق القرآن لا يخرج عنه إلى التقييد إلاّ بما تحقق كالأخبار الخالية عن المعارض ، وفي المقام قد‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٦ ، الوسائل ٣ : ٣٦٣ أبواب التيمم ب ١٢ ح ٧.

١٤٤

تعارضت الأخبار ، فالإطلاق باق على ما هو عليه.

وما عساه يقال : من أنّ الأخبار وإنّ تعارضت إلاّ أنّ تقيد الآية حاصل ، غاية الأمر أنّ التقييد بماذا هو؟ فهذا أمر آخر. فيدفعه أنّ الإجمال في المقيّد لا يخرج عن وصفه ما يخلص عن شوب الاحتمال والاحتمال قائم بالاستحباب ، والفرق بين الوضوء والغسل ، فليتأمّل.

وأمّا الأخبار التي ذكرها شيخنا أيّده الله ففيها نوع احتمال بإرادة المساواة في تسويغ التيمم ، على معنى أنّ التيمم يسوغ لكل ما ذكر على السواء وإنّ كان الظاهر خلاف ذلك ، ومقام التأييد واسع الباب ، وعليك بإنعام النظر في هذا المقام ، فإنّي لا أعلم أحداً حام حوله سوى ما نقلته.

والآن قد وجدت بعد ما خطر بالبال كلاماً مجملاً لمولانا المحقِّق أحمد الأردبيلي قدس‌سره وفيه إشارة إلى احتمال الوجوب التخييري (١) ، فالحمد لله على موافقة مثل هذا الماهر لما اختلج في الخاطر.

وإذا عرفت جميع ما ذكرناه فاعلم أنّه تبقى في خبر ابن مسلم نكتة ذكرها بعض محققي المتأخّرين ، وهي أنّ قوله : « هذا التيمم على ما كان فيه الغسل » يراد به الغسل بفتح الغين المعجمة أي غسل الوضوء (٢) ، والمراد أن التيمم المأمور به على ما فيه الغسل في الوضوء ، فيكون الواو في قوله : وفي الوضوء زائدة كما نبّه على ذلك قوله : « وألقى ما كان عليه مسح الرأس ». فإنّ هذا من أوضح الشواهد على وقوع التصحيف ومثله في الأخبار كثير.

وأمّا ما ذكره الشيخ في خبر داود ففيه ما قدمناه عند نقل كلام العلاّمة‌

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٣١.

(٢) وهو الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٨٧.

١٤٥

في المختلف (١) ، فإنّه تبع الشيخ وزاد عليه ، والكلام في الأوّل يغني عن الإعادة في الآخر.

وعلى هذا انقطع الكلام في الجزء الأوّل من استقصاء الاعتبار لشرح الاستبصار ، ويتلوه إن شاء الله في الجزء الثاني أبواب تطهير الثياب ، والله المسئول أنّ يوفق لإكماله بجاه محمد وآله ، وقد اتفق بتوفيق الله تأليف ما تيسّر ابتداء وانتهاء في مشهد سيد الشهداء وخامس أصحاب العباء عليه وعلى جدّه وأبيه وأُمه وأخيه والتسعة من ذراريه أفضل الصلوات وكان الفراغ منه يوم الخميس السابع عشر من شهر جمادى الاولى من شهور السنة الخامسة والعشرين بعد الألف الهجرية على مشرفها أكمل التحية ، والحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. ورحمة الله‌ وبركاته.

__________________

(١) راجع ص ٨٢٦.

١٤٦

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

الحمد لله على آلائه ، والصلاة على أشرف أنبيائه وأكرم أحبّائه.

قوله (٢) ـ قدس الله روحه ـ :

أبواب تطهير الثياب والبدن من النجاسات.

باب بول الصبي‌

أخبرني الحسن بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً عليه‌السلام قال : « لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب قبل أنّ تطعم ، لأنّ لبنها يخرج من مثانة أُمّها ، ولبن‌

__________________

(١) في « فض » زيادة : وبه نستعين الاستعانة وعليه التكلان ، وفي « رض » زيادة : وبه نستعين.

(٢) في « رض » : قال.

١٤٧

الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله قبل أنّ يطعم ، لأنّ لبن الغلام يخرج من العضدين والمنكبين ».

السند‌ :

قد قدّمنا فيه القول بما يغني عن الإعادة ، غير أنّ النوفلي المذكور فيه ، هو الحسين بن يزيد ، وقد قال النجاشي : إنّه كان شاعراً أديباً وسكن الري ومات بها ، وقال قوم من القميين : إنّه غلا في آخر عمره ، والله أعلم ، وما رأينا له رواية تدل على هذا (١).

والعلاّمة في الخلاصة بعد نقل ما ذكره النجاشي قال : وأنا عندي توقف في روايته بمجرّد ما نقل عن القميين ، وعدم الظفر بتعديل الأصحاب له (٢). انتهى.

وأنت خبير بأنّ التوقف لا وجه له بعد ردّ (٣) رواية المجهول ، كما قرّر في الأُصول.

وأمّا السكوني : فقد ذكرنا فيما سبق فيه الكلام (٤) ، ونريد هنا تفصيل ما ذكره المحقق في المسائل العزّية (٥) ، وإنّ قدّمنا القول في ذلك إلاّ أنّ بُعد العهد ربما يقتضي إعادة ما سبق.

والحاصل : أنّ المحقِّق ذكر في المسائل حديثاً عن السكوني في أنّ الماء يطهِّر ولا يطهَّر ، وذكر أنّهم قدحوا في السكوني بأنه عامي ، وأجاب‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٣٨ / ٧٧.

(٢) الخلاصة : ٢١٧ / ٩ وفيه : وأمّا عندي.

(٣) ليست في « د ».

(٤) راجع ص ١٤١.

(٥) لم تطبع بعد.

١٤٨

بأنَّه وإنّ كان عاميا فهو من ثقات الرواة ، ونقل عن الشيخ رحمه‌الله في مواضع من كتبه أنّه قال : الإمامية مجمعة على العمل بما يرويه السكوني وعمّار ومن ماثلهما من الثقات ، ولم يقدح بالمذهب في الرواية مع اشتهار الصدق ، وكتب جماعتنا مملوءة من الفتاوي المستندة إلى نقله ، فلتكن هذه كذلك. انتهى.

ولا يخفى عليك أنّ الظاهر من الكلام توثيق السكوني ، ولم نجد ذلك في كلام غيره.

وما نقله عن الشيخ فيه احتمال ينافي التوثيق ، وهو أنّ يراد بمن ماثله في مخالفة المذهب الحق ، وقوله : من الثقات ، يعود للماثل (١).

ولا يذهب عليك بُعد هذا الاحتمال ، إلاّ أنّ عدم توثيقه في كتب الرجال يؤيّده ، وكلام المحقِّق بعد لا يخلو من نظر أيضا ، فإنّ الإجماع على العمل بما يرويه الرجل لا يقتضي توثيقه كما هو واضح ، ولتفصيل القول محل آخر.

المتن :

نقل العلاّمة في المختلف عن ابن الجنيد أنّه قال : بول البالغ وغير البالغ نجس إلاّ أنّ يكون غير البالغ صبياً ذكراً ، فإنّ بوله ولبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس ، وأنّه احتج بهذه الرواية ، وحكى عنه أيضاً ، أنّ الظاهر من كلامه غَسل الثوب من لبن الجارية وجوباً ، وذكر الرواية ، وحملها العلاّمة على الاستحباب في اللبن.

__________________

(١) في « ش » : للماثل.

١٤٩

وأجاب عن الأوّل : بنحو ما ذكره الشيخ فيما يأتي.

وزاد العلاّمة في النقل عن ابن الجنيد أنّه احتج أيضاً لما ذهب إليه في بول غير البالغ ، بأنّه لو كان نجساً لوجب غَسله كبول البالغ ، ولم يكتف بالصّب كغيره من الأبوال.

وأجاب العلاّمة بالمنع من المشاركة في كيفيّة الإزالة ؛ فإنّ النجاسات تتفاوت وتقبل الشدة والضعف ، فجاز أنّ يكون بول الرضيع ضعيف النجاسة فاكتفي فيه بالصّب ، دون بول البالغ (١) انتهى.

وفي نظري القاصر أنّ جميع ما ذكره العلاّمة لا يخلو من نظر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ الاحتجاج بالرواية على ما نقله عن ابن الجنيد لا وجه له ، إذ لا دلالة لها على مدّعاه ، لأنّ موردها بول الصبي قبل ان يطعم ، وأين هذا من المدعي؟! فكان الأولى ردّ الرواية من هذا الوجه.

وأما ثانياً : فما ذكره في جواب الاحتجاج ثانياً لا وجه له ، لأنّ الصبّ إن كان لمطلق الصبي الشامل لمدعي ابن الجنيد فالجواب من العلاّمة بأنّ بول الرضيع ضعيف النجاسة غير تام ، إذ هو أخص من المدعى ، وبالجملة فالمقام غير محرّر كغيره من مباحثه.

وأما ثالثاً : فما أجاب به عن حجة ابن الجنيد في اللبن من الحمل على الاستحباب فيه تقوية لقوله بأنّ البول طاهر ؛ فإنّ الغَسل في الخبر إذا كان مستحباً في بعض مدلولاته وواجباً في بعض مع ظاهر الاتحاد بعيد عن موافقة الحكمة.

ثم إنّ الرواية ردّها العلاّمة وغيره ممّن تأخّر عنه (٢) بضعف الاسناد ،

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٠١.

(٢) المختلف ١ : ٣٠١ والمدرك ٢ : ٢٦٣.

١٥٠

وقد عرفت وجهه ، إلاّ أنّ الصدوق في الفقيه نقل الرواية (١) ولها مزية بنقله (٢) ظاهرة كما أسلفنا القول فيه ، من أنّه لا يبعد أنّ يكون أقوى من توثيق. النجاشي والشيخ ، إذ مرجع توثيقهما إلى الاجتهاد ، وشهادة الصدوق بصحة ما في كتابه لا ريب في كونها أقوى.

وما عساه يتوجه من أنّ قبول قول الصدوق تقليد ، ولا كلام فيه.

جوابه يعلم من اعتبار توثيق أصحاب الرجال الذين لم يعاصروا الرواة. وبالجملة : فللكلام مجال واسع في أمثال هذه الرواية ، ممّا نقله الصدوق ، ويحكى عن أبيه أنّه رواها أيضاً (٣).

اللغة :

قال في القاموس : مَثَنَهُ يَمْثِنُهُ ويَمْثُنُه أصاب مثانته وهي موضع الولد ، أو موضع البول. والعضد ما بين المرفق إلى الكتف. والمنكب مجتمع رأس الكتف والعضد (٤).

قوله (٥) :

فأما ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حمّاد ، عن الحلبي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ، عن بول الصبي قال : « تصبّ عليه الماء ، فإنّ كان قد أكل فاغسله غَسلاً ،

__________________

(١) الفقيه ١ : ٤٠ / ١٥٧ ، الوسائل ٣ : ٣٩٨ أبواب النجاسات ب ٣ ح ٤.

(٢) في « رض » : ينقلها.

(٣) حكاه عنه في المختلف ١ : ٣٠٢.

(٤) القاموس المحيط ١ : ١٢٩ ( نكب ) وص ٣٢٦ ( العضد ) وج ٤ : ٢٧٢ ( مثن ).

(٥) في « رض » : قال.

١٥١

والغلام والجارية شرع سواء ».

فلا ينافي الخبر الأوّل ؛ لأنّ الخبر الأوّل إنّما نفى غسل الثوب منه كما يغسل من بول الرجل أو بوله بعد أنّ يأكل الطعام ، ولم ينف أنّ بصبّ الماء عليه ، وليس كذلك حكم بول الجارية ، لأنّ بولها لا بد من غسله ، ويكون قوله عليه‌السلام : « الغلام والجارية شرع سواء (١) » معناه بعد أكل الطعام.

السند :

حسن بإبراهيم كما قدّمنا القول فيه (٢).

المتن :

ظاهر في أنّ الصبي قبل أنّ يأكل يكتفي بصبّ الماء على بوله ، وبعد الأكل يغسل.

وقد استدل بعض من قال بالعصر في ما يقبله كالمحقّق ( في المعتبر ) (٣) بأنّ الغَسل إنّما يتحقق في الثوب ونحوه بالعصر ، وبدونه يكون صبّاً (٤).

والعلاّمة في المنتهى استدل على اعتبار العصر برواية أبي العباس المعدودة من الصحيح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « إنّ أصاب ثوبك من‌

__________________

(١) في « فض » سوى.

(٢) في ص ٣٦.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) المعتبر ١ : ٤٣٥.

١٥٢

الكلب رطوبة فاغسله ، وإنّ مسّه جافّاً فاصبب عليه الماء (١) » (٢).

وفي نظري القاصر أنّ استدلاله بهذه الرواية المبحوث عنها أولى ؛ لاحتمال رواية أبي العباس أنّ يراد بالصبّ الرشّ ، لتصريح الأصحاب ومنهم العلاّمة (٣) بأنّ الرشّ هو الذي يفعل والحال هذه ، وبتقدير إرادة الرشّ لا يتم مطلوبه من أنّ الغَسل لا يتحقق إلاّ بالعصر ؛ لأنّ عدم الرشّ يتم بالصبّ كما هو واضح.

والرواية المبحوث عنها وجه الأولوية فيها أنّه عليه‌السلام جعل حكم ما قبل الأكل صبّاً ، والمفروض نجاسة البول فلا يحتمل إرادة الرشّ ، ومفارقة الحكم بعد الأكل يقتضي أنّ يراد بالغَسل غير ذلك ، فيمكن إتمام الاستدلال على تقدير العمل بالرواية حينئذ ، وإن أمكن أنّ يقال بتحقق المغايرة بين الصبّ والغَسل بكثرة الماء في الغَسل دون الصبّ.

فان قلت : لِمَ لا يحمل الصبّ في الرواية على الرشّ لئلاّ يخالف مدلول الرواية الأُولى ، فيكون البول طاهراً غاية الأمر أنّ الرشّ تعبّد كما في حكم الكلب؟.

قلت : لو ثبت الحكم بطهارة البول أمكن التوجيه وكان أقرب من توجيه الشيخ ، إلاّ أنّ للكلام فيه مجالاً (٤) من حيث إطباق الأصحاب فيما يظهر منهم ما عدا ابن الجنيد على النجاسة (٥) وإنّ كان (٦) ظاهر الصدوق‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٦١ / ٧٥٩ ، الوسائل ٣ : ٤١٤ أبواب النجاسات ب ١٢ ح ١.

(٢) المنتهى ١ : ١٧٥.

(٣) المنتهى ١ : ١٧٧.

(٤) في « فض » : محلا.

(٥) راجع المختلف ١ : ٣٠١.

(٦) لفظة : كان ، ليست في « رض ».

١٥٣

العمل بالرواية ، والحال فيها ما قدمناه (١) ، وتناول الأخبار الواردة في البول لبول الرضيع محل كلام ، هذا.

وما ادّعاه البعض من دخول العصر في مفهوم الغَسل (٢) ، فقد نوقش بأنّ اللازم من ذلك لزوم العصر في غير القليل ، وهو منتف إجماعاً.

ولا يخفى عليك أنّ الجواب عن المناقشة سهل ؛ فإنّ الإجماع إن تحقق فهو المخصِّص ، وإلاّ فالاطراد ممكن ، وقد صرح الصدوق في الفقيه بالعصر إذا غسل الثوب في الراكد (٣) الشامل للكرّ فما زاد ، والناقص عن الكرّ ، وحينئذ لا استغراب في الإلزام.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الظاهر من الرواية مساواة الغلام والجارية في الغَسل بعد الأكل والصبّ قبله ، والشيخ كما ترى حمل المساواة على ما بعد الأكل لمعارضة خبر السكوني ، واعترضه شيخنا قدس‌سره في فوائد الكتاب : بأنّ المستفاد من الرواية تساوي بول الغلام والجارية في الحكمين معاً ، وتخصيصه بما بعد أكل الطعام تعويلاً على رواية السكوني لا يخفى ما فيه. انتهى.

وأنت خبير بعد ما قدّمناه من نقل الرواية في الفقيه (٤) إنّها لا تقصر عن غيرها ، وحينئذ لا محيد عن تأويل الشيخ ، غاية الأمر إمكان أنّ يقال على الشيخ.

أوّلاً : ما ذكره من أنّ الخبر لا ينفي الصبّ ، مسلّم ، إلاّ أنّ ظاهر الخبر‌

__________________

(١) ص ٨٤٣.

(٢) هو المحقق في المعتبر ١ : ٤٣٥.

(٣) الفقيه ١ : ٤٠.

(٤) راجع ص ٨٤٣.

١٥٤

الأوّل الطهارة بقرينة ذكر البول مع اللبن ، والحال أنَّ لبن الغلام لا ريب في طهارته ، والمشاركة للبن الجارية ( مع بولها في الغَسل غير منقول عن الشيخ القول به ، بل هو منقول عن ابن الجنيد في المختلف (١) ، فإنّ كان الشيخ ) (٢) مصرّحاً بالطهارة في غير الكتاب أمكن أنّ يكون العلاّمة فهم منه عدم القول بموافقة ابن الجنيد ، وإنْ كان محل بحث ؛ لأنّ العلاّمة كثيراً ما ينقل مذهب الشيخ في الاستبصار ، وإنّ كان في نظري القاصر أنّ اعتماد الشيخ في الكتاب عند ما يذكره في كل محل لا يخلو من تأمّل ، كما يعلم من ممارسة الكتاب ، ويظهر أيضاً من الأصحاب ، فإنّ في الكتاب احتمالات لم ينقل القول بها في الكتب المعدة بخلاف (٣) الأصحاب ، لكن التعجب من العلاّمة في المختلف واقع ، حيث لم ينقل في اللبن إلاّ قول ابن الجنيد ، مع أن الشيخ ( ظاهره القول به على ما يعهد من العلاّمة في نقل أقوال الشيخ في الاستبصار.

وأمّا ثانياً : فما ذكره الشيخ ) (٤) من أنّ بول الجارية لا بدّ من غسله ، إنْ كان استناده (٥) فيه إلى رواية السكوني ففيه : أنّ اقتران اللبن فيه مع البول يقتضي حمل الغَسل على الاستحباب ، إلاّ أنّ يقول الشيخ بوجوب غَسل اللبن ، وقد عرفت الحال فيه.

ولو حمل الغَسل في البول على الوجوب وفي اللبن على الاستحباب أشكل بمعارضة ما دل على المساواة بين الجارية والصبي الظاهر منه‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٣٠١ و ٣٠٢.

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٣) كذا في النسخ ، ولعل الأنسب : لخلاف.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٥) في « رض » استناد.

١٥٥

المساواة في الأمرين أعني قبل الأكل وبعده ، وحينئذ يحمل الغَسل على الاستحباب ، ويؤيّده اللبن ليتوافق نظم الخبر ، وحمل الشيخ التسوية فيما بعد الأكل يتوقف على عدم الاحتمال في خبر السكوني ، وقد سمعت القول فيه.

ويمكن الجواب عن الأوّل : بأنّ استحباب الغَسل لا يقتضي طهارة البول ، بل يقال بالنجاسة والاكتفاء في زوالها بالصب (١) ، ويستحب الغَسل ، وهو بزيادة الماء أو العصر ونحو ذلك ، وحينئذ فالمشاركة في الاستحباب بين اللبن والبول حاصلة في الجملة ، ويتم مطلوب الشيخ ، ولو نوزع في هذا أمكن أنّ يقال بجواز إرادة ما يعم الوجوب والاستحباب من الغَسل ، ووجود مثله كثير في الأخبار.

وعن الثاني : بأنّ غَسل بول الجارية مشهور كما نقله البعض (٢) ، كما أنّ الاكتفاء بالصبّ في بول الصبي كذلك (٣) ، بل ادّعى بعض عدم العلم بالخلاف فيه (٤) ، وفي الخلاف نقل الشيخ إجماع الفرقة في بول الصبي على ما حكاه شيخنا قدس‌سره (٥).

ويحكى عن علي بن بابويه : أنّه ساوى بين بول الصبي والصبيّة في الغَسل (٦) ، وربما أمكن الاستدلال بالرواية المبحوث عنها من حيث التسوية ظاهراً ، وما أجاب به المحقق في المعتبر : من حمل التسوية على التنجيس ،

__________________

(١) لفظة : بالصب ، ليست في « رض ».

(٢) كصاحب المدارك : ٢ : ٣٣٣.

(٣) كما في المنتهى ١ : ١٧٦.

(٤) كما في المدارك ٢ : ٣٣٢.

(٥) الخلاف ١ : ٤٨٤ و ٤٨٥.

(٦) حكاه عنه في المعتبر ١ : ٤٣٧.

١٥٦

بمعنى أنّهما سواء في التنجيس لا في كيفية الإزالة ، بعيد (١) ، وسيأتي في الرواية الدالة على العصر بعد الصبّ التنبيه على احتمال المساواة كما ظنه بعض من أنّ الفرق بين الغَسل والصب بالعصر وعدمه (٢).

وإذا تمهد هذا كلّه فما تضمنته الرواية من قوله : « فإنّ كان قد أكل » قيل : المراد به الأكل المستند إلى شهوته وإرادته (٣).

وفي المعتبر : المعتبر أن يطعم ما يكون غذاءً له (٤) ، ولا عبرة بما يلعق دواءً ومن الغذاء في الندرة ، ولا تصغ إلى من يُعلّق الحكم بالحولين ، بل (٥) هو مجازف ، بل لو استقل بالغذاء قبل الحولين تعلق ببوله وجوب الغسل (٦) ، انتهى.

وفي كلام جماعة من المتأخّرين بول الرضيع (٧) ، وقد عرفت مدلول الخبر ، والله أعلم.

اللغة :

قال في القاموس : الناسُ في هذا شَرْعٌ ويُحَرَّكُ أي سواء (٨). وفي النهاية : أنتم شرع سواء وهو مصدر بفتح الراء وسكونها يستوي فيه الواحد‌

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٣٧.

(٢) انظر مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٣٣٧.

(٣) قال به العلاّمة في المنتهى ١ : ١٧٦ ، وصاحب المدارك ٢ : ٣٣٤.

(٤) لفظة : له ، ليست في « فض » و « رض ».

(٥) في المصدر : فإنّه.

(٦) المعتبر ١ : ٤٣٦.

(٧) منهم الفاضلان في الشرائع ١ : ٥٤ ، والإرشاد ١ : ٢٣٩ ، والشهيد في البيان : ٩٥.

(٨) القاموس المحيط ٣ : ٤٥ ( الشريعة ).

١٥٧

والمؤنّث والاثنان والجمع (١).

قوله :

ويدلُّ على ذلك أيضاً ما رواه أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن الحسين بن أبي العلاء ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصبي يبول على الثوب؟ قال : « تصبّ عليه الماء قليلاً ثم تعصر ».

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال : سألته عن بول الصبي يصيب الثوب؟ فقال « اغسله » قلت : فان لم أجد مكانه؟ قال : « اغسل الثوب كلّه » فلا ينافي ما قدّمناه ، لأنّه يحتمل أنْ يكون المراد بقوله : « اغسله » صبّ عليه الماء ، ويجوز أنّ يكون أراد بول من أكل الطعام.

السند :

في الأوّل والثاني قد كرّرنا القول فيه.

وعلي بن الحكم وإنّ ظن اشتراكه (٢) ، إلاّ أنّ رواية أحمد بن محمد بن عيسى يعيّن كونه الثقة كما يعرف من النجاشي.

والحسين بن أبي العلاء غير معلوم التوثيق إلاّ بما نقله ابن داود عن ابن طاوس في البشرى (٣) ، وكونه أوجه أخويه كما في كتب الرجال (٤) مع‌

__________________

(١) النهاية لابن الأثير ٢ : ٤٦١ ( شرع ). وفيه : يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنّث.

(٢) راجع هداية المحدثين : ٢١٦.

(٣) رجال ابن داود : ٧٩.

(٤) راجع رجال النجاشي : ٥٢ / ١١٧ ، منهج المقال : ١١٠.

١٥٨

أن أحدهما ثقة (١) لا يقتضي التوثيق بعد التأمّل.

وعثمان بن عيسى لا أعلم توثيقه ، وقد ذكرت فيما تقدم الوجه فيه (٢).

المتن :

في الأوّل : ظاهر في الصبّ والعصر ، فيندفع ما ذكره البعض من الفرق بين الصبّ والغَسل بالعصر (٣) ، إلاّ أن يحمل العصر على الاستحباب لا لتوقف تحقق التطهير عليه ليكون غَسلاً ، وفيه : أنّ الفرق غير منحصر فيما ذكره كما نبهنا (٤) عليه فيما سبق.

والثاني : صريح في الغَسل ، ولا منافاة فيه للأوّل على تقدير أن يكون الغسل بالصب والعصر ، والشيخ رحمه‌الله كأنّه أراد عدم منافاته لما قدّمه في الخبر الأوّل ، أعني رواية السكوني الدالة على أنّه لا يغسل منه الثوب (٥).

فإنّ قلت : جواب الشيخ عن ذلك باحتمال إرادة الصب من الغَسل لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ ما تقدم منه من الأخبار الدالة على الصب ليس إلاّ رواية الحلبي ، ورواية الحسين الدالة على العصر تقتضي تقييدها إمّا بكون الماء كثيراً في رواية الحلبي فلا تكون حاجة إلى العصر لأنّ رواية الحسين تضمنت قلّة الماء ، أو لأنّ العصر مستحب ، وكلا الأمرين يوجب عدم‌

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٤٦ / ٦٤٧.

(٢) راجع ج ١ : ٧١.

(٣) راجع ص : ١٥٠.

(٤) في « فض » : ههنا.

(٥) راجع ص : ١٤٧.

١٥٩

تماميّة توجيه الشيخ.

أما الأوّل : فلأنّ كثرة الماء تقتضي تحقق الغَسل والحال أنّه عليه‌السلام جعل الغَسل مع الأكل فلا بد أنّ يراد بالصب مع (١) قلّة الماء ، ومعه لا بدّ من العصر كما تضمنته رواية الحسين.

وأما الثاني : فلأنّ استحباب العصر يتوقف على ثبوت المعارض ولم يتقدم إلاّ رواية الحلبي وفيها الاحتمال الأوّل أعني إرادة الكثرة من الماء.

قلت : إنّ ما ذكر (٢) مندفع عن الشيخ لأنّ الصب إذا دل عليه خبر الحلبي بالإطلاق تعيّن حمل العصر على الاستحباب ، أمّا من يقول بأنّ الفرق بين الغَسل والصب يتحقق بكثرة الماء وقلّته فالإشكال عليه وارد لو عمل بالأخبار ، ومن توقف عمله على الصحيح فهو في (٣) راحة من هذا كله.

أمّا ما ذكره الشيخ رحمه‌الله من الحمل على إرادة بول من أكل الطعام فله وجه ، إلاّ أنّ الحمل على الاستحباب أوجه.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ في المقام أُموراً لا بد من التنبيه عليها.

الأوّل : قد عرفت ممّا ذكرناه سابقاً عن البعض أنّ الفرق بين الغَسل والصب لا يتم الاّ بالعصر (٤) ، وهذا إنّما يتم فيما يمكن فيه العصر ، أمّا البدن ونحوه فالحكم فيه مشكل حينئذ ، والشيخ كما ترى ذكر الأخبار هنا ولم يتعرض لشي‌ء من ذلك والحال أنَّ مدلول رواية الحسين بن أبي العلاء‌

__________________

(١) لفظة : مع ، ليست في « رض ».

(٢) في « د » : ذكره.

(٣) لفظة : في ، ليست في « رض ».

(٤) راجع ص ٨٤٧.

١٦٠