إستقصاء الإعتبار - ج ٣

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار - ج ٣

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-175-3
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٥٠٢

على تصحيح ما يصح عن حماد (١) بتقدير الاعتماد على إبراهيم بن هاشم قد تكلّمنا عليه في أوّل الكتاب (٢).

والثاني : فيه الكاهلي وبسببه يدخل في الحسن ، لأنّ المعروف منه عند الإطلاق عبد الله بن يحيى كما ذكر في الرجال (٣) ، وقد قال النجاشي : إنّه كان وجهاً عند أبي الحسن عليه‌السلام. وهذه اللفظة من ألفاظ الحسن في اصطلاح المتأخّرين ، وزاد في النجاشي أنّ أبا الحسن عليه‌السلام وصلّى به علي ابن يقطين فقال : « أضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة » (٤).

والعلاّمة في الخلاصة نقل عبارة النجاشي ، وزاد فيها : فلم يزل علي بن يقطين يجري لهم الطعام والدراهم وجميع النفقات مستغنين حتى مات الكاهلي ، ثم قال العلاّمة : ولم أجد ما ينافي مدحه (٥).

والزيادة المذكورة من العلاّمة مروية مع الأصل في الكشي عن حمدويه بن نصير ، قال : حدثني محمد بن عيسى ، قال : زعم ( ابن أخي ) (٦) الكاهلي أنّ أبا الحسن عليه‌السلام قال لعلي بن يقطين : « اضمن لي الكاهلي وعياله أضمن لك الجنة » فزعم ابن أخيه أنّ عليّاً لم يزل يجري عليهم ... (٧).

__________________

(١) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٢) راجع ص ٣١.

(٣) كما في رجال الكشي ٢ : ٧٠٤ / ٧٤٩ ، ورجال ابن داود : ١٢٥ / ٩١٨ ، والخلاصة : ١٠٨ / ٣١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٢١ / ٥٨٠.

(٥) الخلاصة : ١٠٩.

(٦) ما بين القوسين ليس في المصدر.

(٧) رجال الكشي ٢ : ٧٤٥ / ٨٤١.

١٢١

ولا يخفى اشتمال السند على ابن أخيه وهو غير معلوم الحال ، ولعلّ النجاشي علم حاله أو أخذها من غير السند.

أمّا العلاّمة فأمره مضطرب ، وربما يصف بعض روايات فيها الكاهلي بالصحة في المختلف (١) ، إلاّ أن يريد الصحة الإضافية ، والموجود فيها الكاهلي في غير الأخير من الرواة لا أعلمه الآن.

والثالث : موثق.

والرابع : فيه داود بن النعمان ، والعلاّمة في الخلاصة قال فيه : ثقة عين (٢) ، قال الكشي : عن حمدويه عن أشياخه أنّه خير فاضل (٣).

والمعهود من العلاّمة أنّه كثيراً ما ينقل عبارة النجاشي ، ولم نجد في النسخ الموجودة الآن لفظ « ثقة » بل قال : داود بن النعمان أخو علي بن النعمان ، وداود الأكبر روى عن أبي الحسن موسى ، وقيل : أبي عبد الله (٤).

ولو لا نقله كلام الكشي لأمكن أن يكون استفاد التوثيق من قوله : خير فاضل ، فقد عدّ بعض أهل الدراية من ألفاظ التعديل هذين اللفظين (٥) ، وإن كان فيه كلاما.

وإسناد ذلك إلى أشياخ حمدويه لا يضر لأنّ الإضافة فيهم تفيد العموم وفيهم من هو ثقة لولا ما قدمناه.

وبالجملة : فالمكتفون بتعديل العلاّمة جازمون بصحة الخبر ، فليتأمّل.

__________________

(١) المختلف ٢ : ٥٢٧.

(٢) الخلاصة : ٦٩ / ٦.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٨٧٠ / ١١٤١.

(٤) رجال النجاشي : ١٥٩ / ٤١٩.

(٥) منهم الشهيد الثاني في الدراية : ٧٧.

١٢٢

المتن :

في الأوّل : كما ترى يدل بظاهره على أنّ المسح في التيمم من موضع القطع ، والمعروف بين الأصحاب أنّ القطع من الأصابع ، على أنّ ظاهر الرواية أيضاً أنّ المسح على الكفّ من حيث موضع القطع ، وظاهر الآية أنّ اليد اسم للأصابع في السرقة ، فالكلام غير منتظم على ما أفهمه ، وقد يمكن التوجيه بأنّ الكفّ تعمّ الأصابع بنوع توجيه ، فإذا ثبت مسح الأصابع سهل الأمر ، إلاّ أنّ هذا غير معروف بين المتأخّرين.

نعم نقل ابن إدريس عن بعض الأصحاب أنّ المسح من أصول الأصابع إلى رُؤوسها (١) ، وفي الخبر دلالة عليه لولا الإرسال ، والعجب من الشيخ حيث لم يتعرض للحديث ، مع أنّ ظاهره المنافاة في الجملة ، ولكن غير العامل به في راحة من تكلّف التوجيه.

أمّا قوله ( وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) (٢) فالظاهر أنّ الإتيان به لبيان أنّ جميع الأحكام مذكورة في القرآن ، فكما أنّ اليد المذكورة في التيمم مجملة يظن منها الإحالة على يد الوضوء فتمسح من المرافق ، محتملة لأن تكون محالة على يد السرقة ، غاية الأمر أنّ الاحتمال أيضاً يوجب الإجمال ، والبيان موكول لأهله أصحاب العصمة عليهم‌السلام ، فأراد الإمام إن كان ذلك من قوله التنبيه على أنّ اليد لها إطلاقات ، فلا تتعين إرادة اليد المذكورة في الوضوء.

وقد يحتمل الخبر أن يكون المراد به أنّ اليد تستعمل في معان ، ففي‌

__________________

(١) السرائر ١ : ١٣٧.

(٢) مريم : ٦٤.

١٢٣

الوضوء إلى المرافق ، وفي السرقة إلى الكفّ ، وفى التيمم نفس الكف ، فيكون عليه‌السلام أراد تفسير اليد المذكورة في القرآن ، فيد التيمم غير يد السرقة وغير يد الوضوء ، ولعلّ هذا الاحتمال لا بعد فيه إذا تأمّل المتأمّل الرواية ، إلاّ أنّ المعروف من المسح في التيمم من الزند ، وظاهر الرواية البدأة من موضع القطع ، فالمخالفة موجودة في الرواية على كل حال.

والثاني : قد تضمن ضرب يده عليه‌السلام على البساط وفيه دلالة على قول من اعتبر الضرب دون الوضع ، ولا يشكل الحال في الضرب على البساط وليس بأرض ، لاحتمال أن يكون هذا للتعليم لا لكونه عبادة ، ولا يضر وقوع صورة العبادة على غير وجهها بتقدير الاعتماد على الحديث ، واحتمال أن يقال : إنّ البساط لا يخلو من غبار ، غير نافع ؛ لأنّه عليه‌السلام لم يكن في حالة تسوِّغ له التيمم ، مضافاً إلى اشتراط الغبار بما تقدم ، وبالجملة فهذا لا وجه له.

وما تضمنه من اعتبار مسح الوجه أحد الأقوال للأصحاب (١) ، إلاّ أنّه بمعارضة ما دل على الجبهة حُمل على الاستحباب (٢) ، وقد يقال : إنّ المناسب التخيير لمقام التعليم ، فتأمّل.

فإن قلت : الحامل لِما دل على الوجه على الاستحباب لا بدّ من قوله بأنّه أفضل الفردين الواجبين ، وهو معنى التخيير الذي ذكرته.

قلت : الفرق بينهما أنّ اعتبار الجبهة فقط يقتضي قصد الوجوب بمسحها ، وبقية الوجه مستحبة محضة ، هذا على احتمال الاستحباب ، وأمّا على التخيير فجميع الوجه يقصد به أنّه فرد الواجب لكنّه الأكمل ، وهذا‌

__________________

(١) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف ١ : ٢٦٧.

(٢) مدارك الأحكام ٢ : ٢٢١.

١٢٤

الفرق وإن كان محلّ تأمّل إلاّ أنّ له نوع وجه.

وقد اتفق لشيخنا قدس‌سره في المدارك أنّه بعد ذكر الروايات الدالة على مسح الوجه ، قال : وبهذه الروايات أخذ علي ابن بابويه ، ويمكن الجواب بالحمل على الاستحباب ، أو على أنّ المراد بالوجه مسح بعضه ، قال في المعتبر : والجواب الحق العمل بالخبرين ، فيكون مخيّراً بين مسح الوجه وبعضه (١). انتهى.

وأنت خبير بأن هذا الكلام من شيخنا قدس‌سره لا يخلو من إجمال ؛ لأن الاستحباب إن كان هو ما ذكره المحقِّق في المعتبر من التخيير (٢) ، ففيه مع كونه خلاف الظاهر احتمال الفرق ، وإن كان غيره ففيه أنّ الاستحباب في مسح الوجه لا بدّ من بيانه بأيّ معنى ، فإنّ استحباب جميع الوجه من أوّل الأمر هو أحد فردي المخير ، ومسح الوجه بعد مسح الجبهة بقصد الوجوب والباقي بقصد الاستحباب موقوف على الدليل ، وأين ما يدل على هذا التفصيل؟ والحق أنّ التخيير أقرب إلى الاعتبار.

وأمّا ما قيل : من أنّ ما دل على مسح الجبينين يحمل على الاستحباب (٣) ، كالخبر الآتي في الباب الذي بعد هذا ، نظراً إلى ما دل على الجبهة كالخبر المبحوث عنه.

ففي نظري القاصر أنّه غير تامّ ؛ لأنّ الاستحباب في هذا المقام لا وجه له ، إذ الفرد الكامل لا يتحقق من حيث إنّ الجبينين لا يتناولان الجبهة ، بخلاف الوجه ، واستحباب غير الفرد الكامل لا معنى له ، إذ لم يتحقق‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢٢١.

(٢) المعتبر ١ : ٣٨٦.

(٣) روض الجنان : ١٢٦.

١٢٥

واجب يكون غيره مستحباً معه في الخبر الدال على الجبينين كما ستسمعه ، فالأولى أن يقال بالتخيير في الجمع.

فإن قلت : يجوز أن يكون مسح الجبينين فرداً كاملاً وإن لم يدخل فيه الجبهة.

قلت : لا ريب في الجواز إنّ تحقق ما يدل على كماله ، والكلام فيه ، وبالجملة فالمقام من مزالّ الأقدام.

فإن قلت : ما أشرت إليه من دلالة الخبر على الضرب له شواهد من الأخبار ، كما أنّ ما دل على الوضع موجود كما يأتي في خبر داود فكيف التوفيق؟.

قلت : قد ذكر شيخنا قدس‌سره في المدارك بعد ذكر ما دل على الضرب ما هذا لفظه : ولا ينافي ذلك ما ورد في بعض الأخبار المتضمنة لوصف تيمم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من أنّه أهوى بيديه إلى الأرض فوضعهما على الصعيد ، لأنّ الفعل

المثبت لا عموم له كما حُقّق في محله ، ولو ثبت إفادته العموم لوجب حمله على الخاص جمعاً بين الأدلة (١). انتهى.

وقد ذكرت ما يتوجه على الجواب في موضع آخر ، والحاصل أنّ عدم عموم الفعل المثبت في هذا المقام إن أُريد به الاختصاص بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو معلوم الانتفاء ، ولا دخل له بعدم العموم على تقدير الاختصاص ، وإن أُريد به أنّه لا يعم الأوقات فالإشكال بحاله ، ولو أُريد أنّ التأسّي لا يجب فهو أمر آخر.

وبالجملة فإلى الآن لم أفهم حقيقة هذا الكلام ، على أنّه سيأتي في‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢١٨.

١٢٦

خبر داود بن النعمان أنّ الإمام عليه‌السلام وضع يده (١) ، والاقتصار على فعل النبي وأنّه فعل مثبت لا وجه له ، إلاّ أن يقال : إنّ فعل الإمام عليه‌السلام كذلك ، وفي الظن أنّ فعله عليه‌السلام دليل على الجواز ، فإن لم يثبت وجوب التأسي فهو مستحب ، والمنافاة لما دل على تعيّن الضرب حاصلة.

نعم يظهر من كثير من الأخبار إطلاق الضرب على الوضع كما في حديث اغتسال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( مع بعض نسائه (٢) ، أمّا اكتفاء الشهيد رحمه‌الله بمسمى الوضع وإن [ لم ] يكن معه اعتماد ، لحصول الغرض بقصد الصعيد (٣) ) (٤). لا يخلو من بُعد بعد دلالة الأخبار على الضرب ، وهو الوضع المشتمل على الاعتماد كما قيل (٥) ، وإن كان في البين تأمّل ؛ لعدم ثبوت ما ذكر ، ووجود الوضع في بعض الأخبار ، والاحتياط مطلوب.

وما تضمنه الخبر من قوله : « ثم مسح كفّيه إحداهما على ظهر الأُخرى » قد يدل على أنّ المسح ببطن الكفّ على ظهر الأُخرى لأنّه المتبادر وإن احتمل غيره ، والظاهر أنّ المراد من الرواية بطن كل كفّ على ظهر الأُخرى وإن احتمل غيره أيضا ، قيل : إنّ ظاهر كلامهم أنّ ذلك مجمع عليه من (٦) أنّ محل المسح في الكفّين ظهورهما لا بطونهما (٧).

ولا يخفى عدم منافاته لعلوق شي‌ء من التراب كما يدل عليه خبر‌

__________________

(١) يأتي في ص ٨٣٥.

(٢) الفقيه ١ : ٢٣ / ٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٣ أبواب الجنابة ب ٣٢ ح ٤.

(٣) الذكرى : ١٠٨.

(٤) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٥) قال به في المدارك ٢ : ٢١٧.

(٦) في النسخ زيادة : على.

(٧) قال به في المدارك ٢ : ٢٢٦.

١٢٧

زرارة المتقدم في باب الوضوء. فما قاله شيخنا قدس‌سره من [ أنّ ] استحباب النفض يدل على عدم اشتراط علوق شي‌ء من التراب (١). محل بحث.

( ومن هنا يعلم أنّ قول شيخنا قدس‌سره : إنّ رواية الكاهلي تدل على مسح الظهور ، لا البطون (٢). محل كلام.

وما تضمنه الخبر الثالث من النفض على الاستحباب في المشهور ، بل ظاهر المنتهى أنّه إجماعي (٣) ) (٤).

ودلالة الخبر على الجبهة ظاهرة ، وهي على ما ذكره الأصحاب الذين رأينا كلامهم من قصاص شعر الرأس إلى طرف الأنف (٥) ، واعتبار الأعلى يمكن توجيهه بأنّ الأخبار تضمنت الجبهة والجبينين والوجه ، فإدخال الأنف بخصوصه لا وجه له.

ونقل شيخنا قدس‌سره عن الشهيد في الذكرى أنّه قال بعد أن فسّر الجبهة : وهذا القدر متفق عليه بين الأصحاب ، وأوجب الصدوق في الفقيه مسح الجبينين والحاجبين أيضاً ، وقال أبوه بمسح الوجه بأجمعه (٦). انتهى.

ولا أدري تمام كلام الشهيد ما هو ، وعلى كل حال لا يخلو من خلل بعد ما قدمناه من التخيير ، فإنّه قول منقول ، إلاّ أن يقال : إنّ التخيير لا ينافي‌

__________________

(١) المدارك ٢ : ٢١٨.

(٢) المدارك ٢ : ٢٢٦.

(٣) المنتهى ١ : ١٤٧.

(٤) ما بين القوسين ليس في « فض ».

(٥) منهم العلاّمة في التذكرة ٢ : ١٩٠ ، والشهيد الأول في الدروس ١ : ١٣٢ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢١٩.

(٦) المدارك ٢ : ٢١٩ وهو في الذكرى : ١٠٨ ، والفقيه ١ : ٥٧ وحكاه عن والد الصدوق في المختلف ١ : ٢٦٧.

١٢٨

الاتفاق على وجوب مسح الجبهة فيراد بوجوب مسحها إمّا منفردة أو مع غيرها ، وعلى تقدير الانفراد إما لتعيّنها أو لكونها أحد الفردين ، وفيه ما فيه.

ولا يخفى أنّ إطلاق الخبر في مسح الجبهة باليدين ومسح الكفّين من دون تقيد بالبطن يمكن تقييده بغيره في الكفّين.

وما تضمنه الخبر الرابع من قصة عمار كثيراً ما كنت أتفكر في وجهه ، إذ العمل من مثل عمار بالحكم الشرعي من دون اجتهاد أو نقل لا يخلو من غرابة ، وقد وجدت بعض أهل الخلاف ذكر ذلك في شرح أحاديثهم ، ووجّهه أنّه عمل بالقياس (١) ، لكن الاستهزاء به يضرب وجوه العاملين بالقياس ، ولهم في التسديد كلام ذكرته في معاهد التنبيه على نكت من لا يحضره الفقيه ، أمّا عند الأصحاب بعد نفيهم القياس لا بد من توجيه قصة عمار ، ولم أر ذلك في كلام أحد.

ولا يخفى دلالة ظاهر الرواية على أنّ التيمم بدلاً من الجنابة يكفي فيه ضربة واحدة ، وقد اتفق للعلاّمة في المختلف كلام في هذه الرواية أراد به نفي دلالتها على الضربة الواحدة في التيمم بدلاً عن الغسل ، لكنّه نقلها على ما رواه زرارة ، ومتنها عن الباقر عليه‌السلام : وقد ذكر التيمم وما صنع عمار ، فوضع أبو جعفر عليه‌السلام كفّيه على الأرض ثم مسح وجهه وكفّيه ولم يمسح الذراعين بشي‌ء (٢).

وقد ذكرت ذلك مفصلاً في محل آخر ، وحاصل كلامه أنّ الإمام عليه‌السلام بيّن كيفيّة التيمّم ومسحه وحدّ أعضائه ، كما يدل عليه سياق الرواية من‌

__________________

(١) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ١ : ٣٧٠ ، ٣٧١ ، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري ٤ : ١٩.

(٢) الوسائل ٣ : ٣٥٩ أبواب التيمّم ب ١١ ح ٥.

١٢٩

قوله : ولم يمسح الذراعين بشي‌ء ، وإذا سيق لهذا وجب بيانه خاصّة وأهمل عدد الضربات ، ومع ذلك فليس في الحديث أنّه اقتصر على ضربة واحدة أو ضربتين ، ولا دلالة فيه على أنّ التيمم الذي وصفه بدل من الوضوء أو الغسل ، وذكر قصة عمار لا تدل على إرادة بيان أنّه بدل من الغسل ، لاحتمال ذكر القصة ثم سُئل عن كيفية التيمم مطلقا أو الذي هو بدل من الوضوء (١). انتهى.

وأنت خبير بما في هذا الكلام من التعسف ، وليت شعري لم لا يتتبّع الرواية ( ليعلم كيفية نقلها في البعض كما في رواية داود المبحوث عنها ، [ نعم احتمال (٢) ] ، إرادة السؤال عن مطلق التيمم ) (٣) ممكن لكن يضر بحال مطلوبه من التعدد في التيمم بدلاً من الغسل.

وبالجملة : فإنكار دلالة الرواية على أنّ الواجب ضربة واحدة في التيمم بدلا من الغسل لا يخرج عن ربقة المجازفة.

وما تضمنه الخبر من مسح اليد فوق الكف قليلاً عليه اعتماد جماعة من الأصحاب ، وقد عبّروا بمسح اليد من الزند (٤) وهو بفتح الزاي مَوصِل الكفّ في الذراع ، وقد تقدم القول في المنقول من ابن إدريس (٥) ، وسيأتي غيره أيضاً ، هذا.

والمعروف في كلام من رأينا كلامه من الأصحاب ، أنّ الضرب‌

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٧٣.

(٢) ما بين المعقوفين أثبتناه لاستقامة العبارة.

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض ».

(٤) منهم الصدوق في الفقيه ١ : ٥٧ والعلاّمة في المختلف ١ : ٢٧٣ ، وصاحب المدارك ٢ : ٢٢٢.

(٥) في ص ٨٢٢.

١٣٠

باليدين معاً (١) ، بل ادّعى شيخنا قدس‌سره أنّه إجماعي (٢) ، والروايات المبحوث عنها كما ترى فيها : فضرب بيده ، ووضع يده ، وفي غيرها من الأخبار كما يأتي : تضرب كفيك ، وضرب بيده ، ويمكن الجمع بتقدير الإجماع بأن يحمل المطلق على المقيد.

أمّا توجيه بعض الأفاضل للضرب باليدين بأن النية لما كانت مقارنة للضرب فلا بد من الضرب بهما لأنّ المتأخّرة لم تقع لها النيّة (٣). ففيه ما لا يخفى.

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن سماعة قال : سألته كيف التيمم؟ فوضع يده على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين.

فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من التقية لأنّه موافق لمذاهب العامة ، وقد قيل في تأويله : إنّ المراد به الحكم لا الفعل لأنّه إذا مسح ظاهر الكف فكأنّه غسل ذراعيه في الوضوء ، فيحصل له بمسح الكفّين في التيمم حكم غسل الذراعين في الوضوء.

السند‌ :

في الخبر واضح بعد ما قدّمناه.

__________________

(١) منهم الشهيدان في الذكرى : ١٠٧ وروض الجنان : ١٢٤ والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٢٢٨.

(٢) المدارك ٢ : ٢١٧.

(٣) الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٢٨.

١٣١

المتن :

كما ترى ظاهر الدلالة على مسح الذراعين ، والحمل على ما قاله الشيخ من التقية له وجه وجيه ، أمّا المنقول ففي غاية البعد.

ثم العجب من الشيخ في اقتصاره على هذا الخبر من جهة المنافاة ، مع أنّه سيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يخالف الأخبار.

وفي المعتبر : الحق عندي أنّ مسح ظاهر الكفين لازم ، ولو مسح الذراعين جاز أيضاً عملاً بالأخبار كلها ، لكن الكفّين على الوجوب ، وما زاد على الجواز لأنّه أخذ بالمتيقن (١). انتهى.

وأراد بالجواز الاستحباب ، ولا يخلو من إشكال في معنى الاستحباب ، لأنّه إن أراد كما هو الظاهر من كلامه أنّ الزائد عن الكف مستحب (٢) بمعناه الأُصولي ، ففيه أنّ القصد لو وقع من أوّل الشروع لا يتم فيه الاستحباب ، وإن وقع بعد مسح الكف أمكن ، لكن لا يوافق مدلول الأخبار ، ولا ينطبق على قول ابن بابويه على أنّ المسح من المرفقين (٣) ، مضافاً إلى أنّ مدلول الرواية المبحوث عنها إلى المرفقين ، اللهم إلاّ أن يقال : إنّ الغاية للممسوح.

وإن أراد بالمستحب أفضل الفردين فيكون الإنسان مخيراً لم يوافق الأخذ بالمتيقن إلاّ على تكلف.

وبالجملة : فالأخذ بالمتيقن محل كلام ، وسيأتي إن شاء الله في الباب الآتي تتمّة القول في هذا.

__________________

(١) المعتبر ١ : ٣٨٧.

(٢) في « فض » زيادة : فيكون المستحب.

(٣) حكاه عن علي بن بابويه في المختلف ١ : ٢٦٧.

١٣٢

قوله :

باب عدد المرات في التيمم‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد جميعاً ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن التيمم (١)؟ فضرب بيديه الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح بهما جبينه (٢) وكفّيه مرّة واحدة.

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن أبي عبد الله ٧ أنّه وصف التيمم فضرب بيديه على الأرض ثم رفعهما فنفضهما ثم مسح على جبينه وكفّيه مرّة واحدة.

وبهذا الإسناد ، عن الحسين بن سعيد ، عن القاسم بن عروة ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام في التيمم قال : « تضرب بكفّيك الأرض ثم تنفضهما وتمسح (٣) وجهك ويديك ».

السند‌ :

في الأوّل : معدود من الموثق نظراً إلى ابن بكير ، وقد قدّمنا فيه أنّ‌

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٣ زيادة : قال :.

(٢) في « رض » : جبهته.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٧١ / ٥٩٥ زيادة : بهما.

١٣٣

النجاشي لم يذكر توثيقه ولا أنّه فطحي (١). والشيخ وثّقه قائلاً إنّه فطحي (٢). والذي يظهر على تقدير التدبر في أحوال النجاشي عدم ثبوت الفطحية ، وأمّا التوثيق فهو مقارن الفطحية في كلام الشيخ ، فثبوته من دون كونه فطحيا مشكل ، والكشي قد ذكر في موضعٍ الإجماع على تصحيح ما يصح عنه (٣) ، وذكر أنّه فطحي في موضعٍ آخر عن محمد بن مسعود (٤) ، فالارتياب في أنّه فطحي حاصل ، والاعتماد على تصحيح ما يصح عنه محتمل.

أمّا اشتمال السند على إبراهيم بن هاشم الممدوح فلا يضر بحال وصف السند بالموثق ، على ما يظهر من تعريف الموثق ، وإنّ كان فيه نوع كلام ، وقد أشرت إليه في موضع آخر.

والذي يمكن أنّ يقال هنا : إنّ الموثق قد عُرّف بأنّه ما دخل في طريقه مَن ليس بإمامي لكنه منصوص على توثيقه ، ولم يشتمل باقي الطريق على ضعف من جهة أُخرى ، وغير خفي أنّ عدم الاشتمال على الضعف وإنّ احتمل أنّ يراد به الضعف المقابل للثلاثة أعني الصحيح والحسن والموثق ، لكنه يحتمل أنّ يراد به غير الصحيح لإطلاق الضعيف عليه ، لكن الظاهر من الضعيف الأوّل ، وأنت خبير بأنّ العامل بالموثق لو عمل بالحسن كلّياً (٥) اندفع ما أشرنا إليه ، وإلاّ فهو باق ، والأمر في هذا سهل.

ثم إنّ علي بن محمد معطوف على علي بن إبراهيم ، وقوله : جميعاً ، يرجع لسهل وإبراهيم بن هاشم. وعلي بن محمد هو علان على الظاهر.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٢٢ / ٥٨١.

(٢) الفهرست : ١٠٦ / ٤٥٢ وراجع ص ١٢٠ و ٣١٩.

(٣) رجال الكشي ٢ : ٦٧٣ / ٧٠٥.

(٤) رجال الكشي ٢ : ٦٣٥ / ٦٣٩.

(٥) في « رض » : كلاهما.

١٣٤

والثاني : فيه عمرو بن أبي المقدام ، وقال النجاشي : عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز ـ إلى أنّ قال ـ : روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام له كتاب لطيف (١).

والعلاّمة في القسم الأوّل من الخلاصة قال : عمرو بن أبي المقدام روى الكشي بإسناد متصل إلى أبي العرندس عن رجل من قريش أنّ الصادق عليه‌السلام قال عنه : هذا أمير الحاج ، وهذه الرواية من المرجحات ، ولعلّ الذي وثقه ابن الغضائري ونقل عن أصحابنا تضعيفه هو هذا (٢). انتهى.

وفي فوائد جدّي قدس‌سره على الخلاصة : حيث كان السند مرسلاً مجهول حال بعض الرواة يشكل إثبات الترجيح به مع أنّ في إثبات الترجيح بما ذكر نظر (٣). انتهى.

والذي في الكشي الآن : حدثني حمدويه بن نصير قال : حدثني محمد بن الحسين ، عن أحمد بن الحسين (٤) الميثمي ، عن أبي العرندس الكندي ، عن رجل من قريش ، قال : كنّا بفناء الكعبة وأبو عبد الله عليه‌السلام قاعد ، فقيل له : ما أكثر الحاج ، قال : « ما أقل الحاج » فمرّ عمرو بن أبي المقدام فقال : « هذا من الحاج » (٥).

وأنت خبير بأنّ ما في الخلاصة لا يبعد أنّ يكون تصحيفاً ، ولو صح طريق الخبر ربما أفاد مدحاً ما.

__________________

(١) رجال النجاشي : ٢٩٠ / ٧٧٧.

(٢) الخلاصة : ١٢٠ / ٢.

(٣) حواشي الشهيد الثاني على الخلاصة : ٢٠.

(٤) في رجال الكشي ٢ : ٦٩٠ / ٧٣٨ : الحسن.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٩٠ / ٧٣٨.

١٣٥

ثم إنّ العلاّمة في القسم الثاني من الخلاصة ذكر ما هذا لفظه : عمر بن ثابت بن هرمز (١) أبو المقدام ـ إلى أنّ قال ـ : روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله عليهم‌السلام ضعيف جدّاً قاله ابن الغضائري (٢).

وذكر في الفائدة الاولى من الخلاصة : عمر بن ثابت هو عمر بن أبي المقدام (٣).

ولا يخفى دلالة ما في القسم الثاني على أنّ أبا المقدام كنية عمر.

والشيخ في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه قال : عمر بن أبي المقدام كوفي واسم أبي المقدام ثابت (٤).

وبالجملة فالعلاّمة وقع في كلامه تخليط ، والأمر سهل ، غير أنا ذكرنا ما ذكرناه لتعلم حقيقة الحال في تفاوت المصنفات في الرجال.

والثالث : فيه القاسم بن عروة ولم أطّلع من حاله على غير الإهمال إن لم يفد كونه وزير أبي جعفر المنصور ـ كما في الكشي ـ (٥) نوع إشكال.

المتن :

في الأخبار الثلاثة دال بظاهره على وحدة الضربات في التيمم الشامل لما كان بدلاً عن الغسل أو الوضوء نظراً إلى ترك الاستفصال ، والأوّل والثاني كما ترى دالاّن على مسح الجبينين وقد قدمنا ما في ذلك من القول.

__________________

(١) الخلاصة : ٢٤١ / ١٠ : هرم.

(٢) الخلاصة : ٢٤١ / ١٠.

(٣) الخلاصة : ٢٧٠ / ٢٩ ، ولكن فيه : عمرو بن ثابت هو عمر بن أبي المقدام.

(٤) رجال الطوسي : ٢٤٧ / ٣٨٠ ، وفيه : عمرو بن أبي المقدام ثابت بن هرمز العجلي مولاهم كوفي تابعي.

(٥) رجال الكشي ٢ : ٦٧٠ / ٦٩٥.

١٣٦

وأمّا الثالث فمقتضاه مسح الوجه ، ويمكن أنّ يقال فيه : إنّ اليدين مطلقتان فكما قُيدتا بالكفّين كذلك يقيّد الوجه ، إلاّ أنّ الخبر قد سمعت حال سنده.

ولا يخفى عليك أنّ الأخبار المعتمدة في البابين الدالة على الوحدة في الضرب منحصرة في خبر داود بن النعمان عند من يختص عمله بالصحيح ، ولكن الخبر خاص بالغُسل كما قدّمنا الكلام فيه ، وفي التهذيب رواه أيضا في الصحيح عن زرارة (١) ، وفي الفقيه رواه أيضا (٢) ، وحينئذ فالوحدة في التيمم عن الوضوء لم تكن في خبر صحيح ، ورواية الكاهلي السابقة قد عرفت أنّها حسنة (٣) ، وستجي‌ء فائدة ما قلناه عن قريب إنشاء الله.

قال :

وأمّا ما رواه الحسين بن سعيد (٤) ، عن ابن مسكان ، عن ليث المرادي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في التيمم قال : « تضرب بكفيك على الأرض مرتين ثم تنفضهما وتمسح بهما وجهك وذراعيك ».

وروى سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد (٥) ، عن إسماعيل بن همام الكندي ، عن الرضا عليه‌السلام قال : « التيمم ضربة للوجه وضربة للكفّين ».

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢١٢ / ٦١٥.

(٢) الفقيه ١ : ٥٧ / ٢١٢.

(٣) في ص ٨١٩ و ٨٧٠.

(٤) في التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٨ زيادة : عن ابن سنان.

(٥) في الاستبصار ١ : ١٧١ / ٣٩٧ زيادة : بن عيسى.

١٣٧

الحسين بن سعيد ، عن صفوان بن يحيى ، عن العلاء ، عن محمد ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : سألته عن التيمم فقال : « مرّتين (١) للوجه واليدين ».

فالوجه في الجمع بين هذه الأخبار أنّ ما تضمنت من الضربة الواحدة تكون مخصوصة بالطهارة الصغرى ، وما تضمنت من الضربتين بالطهارة الكبرى لئلاّ تتناقض الأخبار.

والذي يدل على هذا التفصيل :

ما رواه الحسين بن سعيد ، عن حماد ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت له كيف التيمم؟ قال : « هو ضرب واحد للوضوء ، والغسل (٢) من الجنابة تضرب بيدك مرّتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين ومتى أصبت الماء فعليك الغسل إنّ كنت جنباً والوضوء إنّ لم تكن جنبا ».

الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أُذينة ، عن (٣) ابن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التيمم ، فضرب بكفّيه الأرض ثم مسح بهما وجهه ، ثم ضرب بشماله الأرض فمسح بها مرفقه إلى أطراف الأصابع واحدة على ظهرها وواحدة على بطنها ، ثم ضرب بيمينه الأرض ثم صنع بشماله كما صنع بيمينه ، ثم قال : « هذا التيمم على ما كان فيه الغسل ، وفي الوضوء الوجه واليدين إلى المرفقين وأُلقي ما كان عليه مسح الرأس والقدمين فلا يؤمم بالصعيد ».

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٧٢ / ٥٩٨ زيادة : مرتين.

(٢) في الاستبصار ١ : ١٧٢ / ٥٩٩ : وللغسل.

(٣) في الاستبصار ١ : ١٧٢ / ٦٠٠ زيادة : محمد.

١٣٨

فما تضمن هذا الحديث من أنّه مسح من المرفق إلى أطراف الأصابع واحدة على بطنها وواحدة على ظهرها فمحمول على ما قدّمناه من التقية أو الحكم حسب ما مضى في تأويل خبر سماعة ، والذي تضمنه من التفريق بين ضربة اليمين والشمال في مسح اليدين لا يوجب أنّ تكون الضربات ثلاثاً ؛ لأنّ المراعى في كل واحدة من الضربتين أن يكون باليدين معاً فإذا فرّق في واحدة من الضربتين بين اليدين لم يكن مخالفاً لذلك.

فأمّا خبر داود بن النعمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام المتضمن لقصة عمار لا يوجب أنّ يكتفى في الغسل من الجنابة بضربة واحدة ، من حيث [ إنّه (١) ] قال فيه : إنّه وضع يديه على الأرض ثم رفعهما فمسح بهما وجهه ويديه فوق الكف قليلا ، لأنه إنّما أخبر عن كيفية الفعل في التيمم ولم يقل إنّه فعل ذلك بضربة أو ضربتين ، وإذا احتمل ذلك حملنا الخبر على ما ورد في الأخبار المفصّلة التي أوردناها.

السند‌ :

في الأوّل لا يخلو من اختلال ، لأنّ في التهذيب رواه عن الحسين بن سعيد ، عن ابن سنان ، عن ابن مسكان (٢) ، وهو الموافق للممارسة ، لأنّ ابن مسكان لا يروي عنه الحسين بغير واسطة ، وهي محمد بن سنان ، فالرواية ضعيفة ، وتوهم أنّ ابن سنان ليس بمحمد لا يفيد إنّ لم يتحقق كونه عبد الله ، والحق تعين كونه محمداً كما كررنا فيه القول (٣).

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار.

(٢) التهذيب ١ : ٢٠٩ / ٦٠٨.

(٣) راجع ص ٨٥ و ٨٦ و ٦٤٣.

١٣٩

والثاني ليس في صحته ارتياب ، وكذلك الثالث ، والعلاء هو ابن رزين : ومحمد هو ابن مسلم كما يعلم بالممارسة ، والرابع كذلك ، ومثله الخامس.

المتن :

في الأوّل له ظهور في تعدد الضرب ، لكن ربما لاح منه أنّ التعدد في أول الضرب بأن يضرب كل كفّ مرّة أو بالكفّين مرّتين أوّلاً ، إلاّ أنّ الشيخ لم يفهم منه إلاّ الضرب مرّتين مرّة للوجه وأُخرى لليدين ، وذلك غير بعيد الاستفادة منه كما ينبّه عليه الحديث الرابع ، حيث قال فيه : « تضرب بيدك مرّتين ثم تنفضهما نفضة للوجه ومرّة لليدين ».

والثاني مع صحته على التعدد مطلقا ، أعني في التيمم عن الوضوء والغسل ، وكذلك الثالث ، إلاّ أنّ فيه نوع إجمال في المرّتين ، ويدفعه تبادر الضربتين.

وما قاله الشيخ في وجه الجمع لا يخلو من نظر :

أمّا أوّلاً : فلأنّ التناقض لا ينحصر دفعه فيما ذكره ، بل يحصل بحمل التعدد على الاستحباب.

وأمّا ثانياً : فالرواية التي استدل بها في الأوّل إنّما يتم إثبات مطلوبه بها لو جعل قوله : ضرب واحد ، بمعنى ضربة واحدة ويكون الغسل ابتداء كلام ، أمّا لو جعل الغسل معطوفاً على الوضوء ويراد بالضرب الواحد النوع كما هو الظاهر من الرواية ، ولا أقل من احتماله فلا يتم الاستدلال بها ، بل‌

١٤٠