جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

وسط داره ولم يذكر الاستطراق جاز.

الفصل الثاني : في الأحكام : الوقف إذا تم زال ملك الواقف عنه ،

______________________________________________________

وسط داره ولم يذكر الاستطراق جاز ).

لا ريب ان كل واحد من سفل الدار وعلوها مملوك يقبل النقل بانفراده فيتصور وقفه مسجدا وغيره ، فإن وقف العلو اختص الوقف به ويتبعه الهواء فوقه ، وإن وقف السفل فكذلك لكن يتبعه ما تحته.

ولو جعل وسط داره. أو موضعا فيه مسجدا صح لما قلناه ، ويثبت للموقوف عليه حق الاستطراق ، كما لو آجر بيتا من داره فإنه يثبت للمستأجر حق الاستطراق وإن لم يشترطه ، لتوقف الانتفاع عليه.

قوله : ( الوقف إذا تم زال ملك الواقف عنه ).

المراد بتمامه : استجماع ما يعتبر في صحته من الإيجاب ، والقبول حيث يشترط ، والقبض بالاذن مع باقي الشروط ، وهذا قول أكثر العلماء (١).

وظاهر كلام أبي الصلاح : إنه لا ينتقل عن ملك الواقف (٢) ، وهو قول بعض العامة (٣) ، لقوله عليه‌السلام : « حبس الأصل وسبّل الثمرة » (٤) ، ولأن شرطه يتبع ولو زال لما اتبع ، ولجواز إدخال من يريد في الوقف على أصاغر الأولاد.

وكل ذلك ضعيف ، لأن التحبيس لا ينافي الانتقال ، إذ المراد منه : منع بيعه وهبته وارثه وغير ذلك من أسباب نقل الملك ، وإنما وجب اتباع الشرط ، لأن الملك إنما زال على هذا الوجه. وقد سبق أن إدخال من يريد مع الأولاد الأصاغر لا يصح إذا تم الوقف إلاّ مع الشرط.

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر : ٣٧٦ ، وابن زهرة في الغنية ( المطبوع ضمن الجوامع الفقهية ) : ٥٤١.

(٢) الكافي في الفقه : ٣٢٤.

(٣) المجموع ١٥ : ٣٤٠ ، رحمة الأمة في اختلاف الأئمة المطبوع مع الميزان ٢ : ٤٤.

(٤) سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠ حديث ٢٣٩٧. سنن البيهقي ٦ : ١٦٢.

٦١

ثم إن كان مسجدا فهو فك ملك كالتحرير ، وإن كان على معيّن فالأقرب أنّه يملكه ، وإن كان على جهة عامة فالأقرب أن الملك لله تعالى.

______________________________________________________

والذي يدل على انتقال الملك أن الوقف سبب قطع تصرف الواقف في الرقبة والمنفعة أبدا فوجب أن يزول به الملك كالعتق ، ولما سيأتي إن شاء الله تعالى من الدلائل الدالة على انه ينتقل الى الموقوف عليه مع تشخصه ، ولا قائل بالفصل. قال في التذكرة : وفائدة الخلاف أنا إذا حكمنا ببقاء ملكه لزم مراعاته والخصومة فيه (١).

قوله : ( ثم إن كان مسجدا فهو فك ملك كالتحرير ، وإن كان على معيّن فالأقرب انه يملكه ، وإن كان على جهة عامة فالأقرب ان الملك لله تعالى ).

أشار بقوله ( ثم ) على أن هذا البحث إنما يستقيم بعد ثبوت زوال ملك الواقف وتحقيقه : انه بعد تحقق زوال ملك الواقف لا يخلو : إما أن يكون الموقوف مسجدا أو غيره ، وذلك الغير : إما أن يكون على معيّن مشخص ، أو على جهة عامة لربط الوقف بمنتشرين غير محصورين.

فإن كان مسجدا فوقفه عبارة عن فك ملك كتحرير العبد ، ومن ثم لا يشترط فيه القبول من الحاكم ولا من غيره ، ولا يشترط القبض من الحاكم بل كل من تولاّه من المسلمين صح قبضه. ويعتبر في قبضه الصلاة للقبض مع الاذن كما سبق ، ولا يكفي فيه التخلية إلاّ أن يقع ذلك من الحاكم على الأقرب ، وقد سبق بيان ذلك كله.

وكذا المقبرة ، وليس كذلك الوقوف على الجهات العامة ، لما عرفت من اشتراط قبض القيّم إياها ، واعتبار القبول على وجه. إذا تقرر هذا فمراد المصنف بقوله : ( فهو فك ملك كالتحرير ) الفرق بينه وبين الوقف على الجهة العامة بما قلناه ، وأما الملك فالظاهر انه ينتقل الى الله تعالى في الموضعين.

ويحتمل أن يريد بتشبيهه بالتحرير زوال الملك أصلا وصيرورته كسائر ما ليس بمملوك ولا يقبل الملك كالمعتق. ويشكل بأنه لو كان كذلك لم يشترط فيه‌

__________________

(١) التذكرة.

٦٢

______________________________________________________

القبض ، بل كان مجرّد قطع علاقة الملك كافيا كالعتق ، فلما اشترط فيه القبض تبيّن أن للقابض فيه حقا ، ولا ثمرة مهمة في تحقيق ذلك سوى ما تقدم.

وإن كان الوقف على معيّن فالأقرب انه يملكه ، لأنه مال لثبوت أحكام المالية فيه ، ولهذا يضمن بالقيمة فكان ملكا كأم الولد ، ونقض ببواري المسجد وآلاتها فإنها تضمن بالقيمة وملكها لله تعالى ، كذا قال المصنف في التذكرة (١).

وإنما يتم النقض إذا جعلنا المضمون في الوقف على المعيّن وقفا ، ولو جعلناه للموقوف عليه لم يتم.

واحتج الشارح الفاضل (٢) برواية علي بن سليمان النوفلي ، عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام ، حيث كتب إليه يسأله عن أرض أوقفها جده على المحتاجين من ولد فلان بن فلان وهم كثيرون متفرقون في البلاد ، فأجاب عليه‌السلام : « ذكرت الأرض التي أوقفها جدك وهي لمن حضر البلد الذي فيه الوقف » (٣).

واللام للملك والمحكوم عليه الأرض لا منفعتها لأنها المذكور السابق.

وفيه نظر : أما أولا فلأن هذا غير المتنازع ، لأن مورد الرواية وقف على منتشرين ، وأما ثانيا فلأنه لو كان المحكوم عليه الأرض لم يجز أن يدفع الى غير من حضر في البلد من حاصلها شي‌ء ، لأنه إذا كان الملك لغيره لم يستحق شيئا. وليس كذلك بل الملك لله تعالى ، والمتفرقون من أولاد الرجل مصرف المنفعة ، والواجب قسمتها على من حضر في البلد منهم حتى لو ذهب فريق وحضر فريق آخر وقفت الى الفريق الحاضر في وقت وجود المنفعة ، لأن الجميع مصرف.

ويمكن أن يحتج برواية علي بن حنان عن الصادق عليه‌السلام المتضمنة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٠.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٠.

(٣) الكافي ٧ : ٣٧ باب ما يجوز من الوقف والصدقة ، الفقيه ٤ : ١٧٨ حديث ٦٢٧ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ حديث ٥٦٣.

٦٣

______________________________________________________

جواز بيع الوقف إذا حصل بالموقوف عليهم حاجة ولم تندفع إلاّ ببيع الوقف ، فإنه لو لا ملكهم إياه لم يستحقوا ثمنه (١) ، ودلالة هذه ظاهرة إن كانت حجة.

وكيف كان فالقول بملك الموقوف عليهم أظهر ، لوجود خصوصيات الملك كلها بالنسبة إليهم سوى نقله الى مالك آخر ، وهذا هو قول الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن إدريس (٣).

ونقل ابن إدريس انه ينتقل الى الله تعالى ، وحكاه الشيخ في المبسوط عن قوم. ووجهه : انه صدقة والصدقة لله تعالى ، ودليل الصغرى عدة روايات تدل على ان الوقف صدقة (٤) ، ودليل الكبرى صحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه‌السلام ، وقد سأله عن رجل تصدّق على ولده وهم صغار إله أن يرجع فيها؟ قال : « لا ، الصدقة لله » (٥) ، ولا دلالة له في ذلك ، لأنّ كون الصدقة لله لا يقتضي ملكه سبحانه إياها دون المتصدق عليه ، للقطع بأن الصدقة يملكها المتصدّق عليه بالقبض.

وإن كان الوقف على جهة عامة فالأقرب أن الملك لله تعالى ووجه القرب : أنّا قد بينا انتقال الملك عن الواقف ، فيمتنع انتقاله الى جميع افراد تلك الجهة ، لأن الفرض كونهم غير محصورين ، فلو ملكه الجميع امتنع صرفه الى البعض ، وكذا يمتنع انتقاله الى بعض دون بعض آخر ، لتساوي النسبة.

ويحتمل أن يكون ملكا للموقوف عليه وهو الكلي ، ويشكل بأن المالك لا بد أن يكون موجودا في الخارج ، لاستحالة ملك من لا وجود له ولا تعيّن ، والأقرب ما قربه‌

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٥ حديث ٢٩ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ حديث ٦٢٩ ، الاستبصار ٤ : ٩٩ حديث ٣٨٢.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٨٧.

(٣) السرائر : ٣٧٦.

(٤) الكافي ٧ : ٩٣ حديث ٤٠ ، الفقيه ٤ : ١٨٣ حديث ٢٢ ـ ٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٣ حديث ٥٥٨ ، الاستبصار ٤ : ٩٧ حديث ٣٧٨.

(٥) الكافي ٧ : ٣ حديث ٥ ، التهذيب ٩ : ١٣٥ حديث ٥٧٠ ، الاستبصار ٤ : ١٠٢ حديث ٣٩١.

٦٤

ولو وقف الشريك حصته ثم أعتقها لم يصحّ العتق ، وكذا لو أعتقها الموقوف عليه ، ولو أعتق الآخر لم يقوّم عليه الوقف.

______________________________________________________

المصنف.

واعلم أنه ليس المراد يكون الملك لله تعالى صيرورة الشي‌ء مباحا ، بل انفكاك المحل عن ملك الآدميين واختصاصهم.

ويمكن أن يكون إفراد المصنف المسجد بحكم ليس لأن الملك فيه ليس على نهج ما اختاره في الوقف على الجهات العامة ، لأن كلا منهما الملك فيه لله تعالى ، بل لأن حكم المسجد والمقبرة متفق عليه ، وأما الحكم في الجهات العامة فمختلف فيه ، كذا قال في التذكرة (١) ، فلو جمع الكل وعبّر بالأقرب لأشعر ذلك بأن الخلاف في الجميع.

قوله : ( ولو وقف الشريك حصته ثم أعتقها لم يصح العتق ).

لأنها انتقلت عنه بالوقف فليس بمالك.

قوله : ( وكذا لو أعتقها الموقوف عليه ).

أي : لا يصح العتق منه ، لأنه وإن كان مالكا إلاّ أنه ممنوع من كل تصرف ناقل للملك.

قوله : ( ولو أعتق الآخر لم يقوّم عليه الوقف ).

أي : ولو أعتق الشريك الآخر الذي حصته طلق حصته لم يقوّم عليه الوقف ، وهذا هو أصح الوجهين ، لأن العتق لا ينفذ فيه مباشرة فالسراية أولى ، لأنها أضعف من المباشرة ، ولاقتضائها سلطنة على مال الغير فيقتصر فيها على موضع الوفاق ، ولاستلزامها إبطال حق الموقوف عليهم من غير الوقف ، ومن عموم ثبوت السراية الشامل لصورة النزاع ، والعتق مبني على التغليب.

ويرجح الأول باستصحاب حال الوقف الى أن يثبت ناقل خال عن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٠.

٦٥

ويملك الموقوف عليه المنافع المتجددة ملكا تاما كالصوف ، واللبن ، والنتاج ، وعوض البضع ، واجرة الدابة والدار والعبد ولو شرط دخول النتاج في الوقف فهو وقف ،

______________________________________________________

المعارض ، والأصح عدم التقويم ، وهو مختار الشيخ (١) ، والمصنف في أكثر كتبه (٢) ، وتردد في الإرشاد (٣). قال شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد ـ : إن احتمال التقويم يضعّف على القول بانتقال الموقوف الى الله تعالى ، ويقوى على القول بانتقاله الى الموقوف عليهم ، وكأنه نظر الى أن انتقال الملك الى الله تعالى في معنى التحرير.

قوله : ( ويملك الموقوف عليه المنافع المتجددة ملكا تاما كالصوف ، واللبن ، والنتاج ، وعوض البضع ، واجرة الدابة والدار والعبد ).

ونحو ذلك مما له اجرة ، ووجهه : ان الوقف عبارة عن تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، وذلك يقتضي أن تكون فوائده ومنافعه للموقوف عليه يتصرف فيها كيف شاء تصرف المالكين في أملاكهم من البيع ، والهبة ، والوقف ، وغير ذلك ، وهذا هو الغرض من الوقف ، ومعنى قول المصنف ( ملكا تاما ) ما قلناه.

ولو كان الوقف شجرة فثمارها للموقوف عليه ، وأما الأغصان فإن كانت معتادة القطع فهي كالثمرة يملكها ملكا تاما كشجرة الخلاف فإن أغصانها كثمار غيرها ، ولو لم تكن معتادة فهي كالأصل ، كذا ذكره في التذكرة (٤).

ولا يبعد أن يكون ما جرت العادة بقطعه في كل سنة مما فيه إصلاح الشجرة والثمرة من تهذيب الأغصان ، وما يقطع من أغصان شجرة العنب ملحقا بالثمار.

قوله : ( ولو شرط دخول النتاج في الوقف فهو وقف ).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٨.

(٢) تحرير الأحكام : ٢٨ ، تذكرة الفقهاء ٢ : ٤٣١.

(٣) إرشاد الأذهان : ٤٥٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٤٠.

٦٦

ويملك الموقوف عليه الصوف واللبن الموجودين وقت الوقف ما لم يستثنه.

ولا يصحّ بيع الوقف ، ولا هبته ، ولا نقله.

______________________________________________________

لأنه شرط لا يخالف‌ مقتضي العقد فيجب اتباعه.

قوله : ( ويملك الموقوف عليه الصوف واللبن الموجودين وقت الوقف ما لم يستثنه ).

أما وجه ملك الموقوف عليه لهما : فلأنهما جزء من الموقوف فيتناولهما العقد كما يتناولهما البيع ، لكن لا بد في اللبن من ان يكون موجودا في الضرع والصوف على الظهر ، فلو احتلب اللبن أو جز الصوف لم يدخلا قطعا.

ولو كان الموقوف نخلة وكان طلعها موجودا حين العقد لم يدخل في الوقف ، سواء أبّر أم لا ، لأنه ليس جزءا من المسمى ، وبه صرح المصنف في التذكرة (١) ، وشيخنا الشهيد في الدروس. (٢).

فإن قيل عقد الوقف إن تناول الصوف واللبن وجب أن يكونا وقفا ، عملا بمقتضى العقد ، وذلك ممتنع في اللبن. وإن لم يتناولهما كانا على ملك الواقف كالحمل.

قلنا تناول العقد لهما لا يقتضي كونهما وقفا ، لأن مقتضاه تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، وهما محسوبان من المنافع فيتناولهما العقد باعتبار شمول المسمى إياهما على حكمهما.

وأما إذا استثنى الواقف الصوف واللبن الموجودين ، فلأنه لا منافاة في هذا الاستثناء لمقتضى العقد ، لأن الموقوف ما عداهما والمعتبر ما يتجدد من المنافع ، أعني : ما يتكون بعد تحقق الوقف ، فلو استثنى شيئا من تلك المنافع لم يصح.

قوله : ( ولا يصح بيع الوقف ، ولا هبته ، ولا نقله ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٠.

(٢) الدروس : ٢٣٤.

٦٧

ولو خربت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ، ولم يجز بيعها. ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم لم يجز بيعه أيضا على رأي.

______________________________________________________

ولا غير ذلك من‌ الأسباب الموجبة لإبطال حكم الوقف.

قوله : ( ولو خربت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف ولم يجز بيعها ).

لأنها من جملة الموقوف ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث » (١) ، وقال أحمد : إذا خرب الوقف وبطلت منافعه كدار انهدمت ، أو أرض خربت وعادت مواتا ولم يكن عمارتها ، أو مسجدا انتقل أهل القرية عنه وصار في موضع لا يصلّى فيه ، أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه في موضعه ، أو تشعث جميعه ولم يمكن عمارته ولا عمارة بعضه إلاّ ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته ، فإن لم يمكن الانتفاع بشي‌ء منه بيع جميعه (٢) ، ولا يعتد بخلافه.

قوله : ( ولو وقع بين الموقوف عليهم خلف بحيث يخشى خرابه جاز بيعه ، ولو لم يقع خلف ولا خشي خرابه بل كان البيع أنفع لهم لم يجز بيعه أيضا على رأي ).

اختلف كلام الأصحاب في جواز بيع الوقف : فمنعه ابن إدريس على جميع الأحوال (٣).

وهو مختار ابن الجنيد.

وجوّزه في الجملة الأكثر واختلفوا : فجوزه المفيد إذا خرب ولم يوجد له عامر ، أو كان غير مجد نفعا ، أو اضطر الموقوف عليهم الى ثمنه ، أو كان بيعه أعود عليهم ، أو‌

__________________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٢٥٥ حديث ١٦٣٢ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠ حديث ٢٣٩٦ ، مسند احمد بن حنبل ٢ : ٥٥.

(٢) المغني لابن قدامة ٦ : ٢٥١.

(٣) السرائر : ٣٧٦.

٦٨

______________________________________________________

يحدثون ما يمنع الشرع من معونتهم والتقرب الى الله بصلتهم (١).

وجوّز المرتضى بيعه إذا خرب بحيث لا يجدي نفعا ، أو حصل للموقوف عليهم ضرورة شديدة إلى ثمنه (٢).

وجوّز الصدوق بيع المنقطع الآخر دون المؤبد (٣) ، وقول سلاّر (٤) قريب من قول المرتضى (٥) ، وكذا ابن حمزة إلاّ أنه اكتفى بخوف خرابه (٦) ، وجوّز الشيخ بيعه إذا خيف خرابه أو خيف خلف بين أربابه (٧).

وحكى المصنف في المختلف جواز البيع إذا خيف وقوع فتنة بين أربابه ، أو خرب وتعذرت عمارته عن الشيخين (٨) ، وإن كانت عبارتهما لا تفي بذلك. واختار المصنف في المختلف جواز البيع مع خرابه ، وعدم التمكن من عمارته ، ومع خوف فتنة بين أربابه يحصل باعتبارها فساد لا يمكن استدراكه مع بقائه (٩) ، وفي التحرير نحو هذا (١٠).

والحاصل ، ان القول بجواز بيعه إذا حصل خلف بين أربابه بحيث خشي منه فتنة عظيمة لا يستدرك مع بقائه ، تدل عليه مكاتبة علي بن مهزيار الصحيحة الى أبي جعفر عليه‌السلام : يسأله عن بعض ضيعة موقوفة على قوم بينهم اختلاف شديد‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٩.

(٢) الانتصار : ١٩٢.

(٣) الفقيه ٤ : ١٧٩ ذيل حديث ٦٢٨.

(٤) المراسم : ١٩٧.

(٥) الانتصار : ٢٢٦.

(٦) الوسيلة : ٤٤١.

(٧) النهاية : ٥٩٩.

(٨) المختلف : ٤٨٩ ، المبسوط ٣ : ٢٨٧ ، المقنعة : ٩٩.

(٩) المختلف : ٤٨٩.

(١٠) التحرير : ٢٩٠.

٦٩

______________________________________________________

وليس يؤمن أن يتفاقم ذلك بينهم فأجاب عليه‌السلام بأنه : « إذا علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف فبيع الوقف أمثل فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس » (١).

والقول بجواز البيع إذا كان بالموقوف عليهم حاجة شديدة مستنده ما رواه جعفر بن حيّان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أوقف غلّة له على قرابة من أبيه وقرابة من امه فللورثة أن يبيعوا الأرض إذا احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال : « نعم إذا رضوا كلهم وكان البيع خيرا لهم باعوا » (٢).

قال المصنف في المختلف والتذكرة : إنّ مفهوم هذه الرواية عدم التأبيد ، وجعلها دليلا لمن جوّز بيع الوقف الذي ليس بمؤبد ، وهو أبو الصلاح وابن البراج (٣) ، ولا دلالة فيها على أن الوقف على قرابة الأب والام فقط ، بل حكاية الحال محتملة ، وقد ترك عليه‌السلام الاستفصال وذلك دليل العموم.

ثم انه إذا حكمنا بصحة الوقف المنقطع الآخر ، وانه بعد انقراض الموقوف عليه يكون في وجوه البر فهو بمنزلة المؤبّد ، فمتى جاز البيع في المنقطع جاز في غيره. وقد أفتى بمضمون هاتين الروايتين شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد ، والعمل بالأولى هو المختار ، وليس ببعيد العمل بالثانية.

وأما القول بجواز البيع إذا خرب وتعطّل ولم يبق فيه نفع أصلا فوجهه : ان الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة ، ومع خرابه وعطلته بحيث لا يرجى عوده عادة ، ولا حصول نفع منه أصلا يفوت فيه مقصود الواقف ، وينتفي عنه الغرض الأصلي من الوقف فوجب أن يجوز بيعه تحصيلا لغرض الواقف كما في الهدي إذا عطب فإنه يذبح‌

__________________

(١) الفقيه ٤ : ١٧٨ حديث ٦٢٨ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ حديث ٥٥٧ ، الاستبصار ٤ : ٩٨ حديث ٣٨١.

(٢) الكافي ٧ : ٣٥ حديث ٢٩ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ حديث ٦٣٠ ، التهذيب ٩ : ١٣٣ حديث ٥٦٥.

(٣) المختلف : ٤٩٠ ، التذكرة ٢ : ٤٤٤ ، الكافي في الفقه : ٣٢٥ ، المهذب ٢ : ٩٢.

٧٠

ولو انقلعت نخلة قيل : جاز بيعها ، والأولى المنع مع تحقق المنفعة بالإجارة للتسقيف وشبهه.

______________________________________________________

في الحال ، وإن اختص بموضع معيّن فإنه لما تعذّر المحل ترك مراعاة الخاص لتعذره ، وكما لو وقف على بقعة فتعطلت أصلا فإنه يصرف في وجوه البر. وهذا القول قوي متين جدا ، وأما باقي الأقوال في تجويز البيع فضعيفة.

وحمل المصنف في المختلف (١) قول المفيد على ما إذا شرط الواقف شرطا يمتنع بدونه اجراء الوقف على حاله.

واحتج المانع بإطلاق النصوص بعدم جواز بيع الوقف ، ومنها رواية علي بن راشد ، عن أبي الحسن عليه‌السلام (٢) ، ولا حجة فيها ، لأن الخاص مقدّم.

واعلم انه متى جوّزنا بيع الوقف وجب شراء بدله إن أمكن ، ويجب التوصل الى ما يكون أقرب الى غرض الواقف بحسب الإمكان ، صيانة لحق الواقف فيه وباقي البطون عن التضييع. وإذا كان المجوّز إن شاء الله تعالى في نظير هذه المسألة من يكون هو المتولي للبيع والشراء عن قريب.

قوله : ( ولو انقلعت نخلة ، قيل جاز بيعها ، والأولى المنع مع تحقق المنفعة بالإجارة للتسقيف وشبهه ).

اختلف الشيخ وابن إدريس في هذه المسألة ، فالقائل بجواز البيع هو الشيخ ، محتجا بأنه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ على هذا الوجه (٣).

واحتج ابن إدريس بأن الوقف يقتضي الدوام مع بقاء المنفعة ، وتعطيل المنفعة المخصوصة التابعة لكونها شجرة لا تستلزم زوال جميع المنافع ، لإمكان التسقيف بها‌

__________________

(١) المختلف : ٤٩٠.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧ ح ٣٥ ، الفقيه ٤ : ١٧٩ حديث ٦٢٩ ، التهذيب ٩ : ١٣٠ حديث ٥٥٦ ، الاستبصار ٤ : ٩٧ حديث ٣٧٧.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٠٠ ، الخلاف ٢ : ١٣٣ مسألة ٢٣ كتاب الوقف.

٧١

ولو شرط بيعه عند التضرر به ـ كزيادة خراج ، وشبهه ـ وشراء غيره بثمنه ، أو عند خرابه وعطلته ، أو خروجه عن حد الانتفاع ، أو قلة نفعه ففي صحة الشرط اشكال

______________________________________________________

ونحوه (١). وحقق المصنف انه لا نزاع بينهما ، لأن تعليل الشيخ بأنه لا يمكن الانتفاع بها إلاّ على ذلك الوجه المخصوص اعتراف بسلب جميع منافعها فيرتفع الخلاف.

ولقائل أن يقول : إن دليله وان اقتضى ذلك ، إلاّ أن سلب جميع المنافع في هذه الحالة موضع تأمل ، والأصح مختار ابن إدريس. نعم لو لم تبق منفعة يعتد بها مع بقاء العين جاز البيع ، ومثله ما لو زمنت الدابة ، ومتى جاز البيع وجب ان يشترى بثمنه ما يكون وقفا على الأصح وفاقا لابن الجنيد (٢).

قوله : ( ولو شرط بيعه عند التضرر به كزيادة خراج وشبهه وشراء غيره بثمنه ، أو عند خرابه وعطلته ، أو خروجه عن حد الانتفاع أو قلة نفعه ففي صحة الشرط إشكال ).

أي : لو شرط في عقد الوقف بيع الموقوف عند التضرر به للموقوف عليه أو للناظر كزيادة خراج وتغلب ظالم ونحو ذلك ، وشراء ما يكون وقفا بثمنه ، أو شرط بيعه عند خرابه وعطلته وإن لم يخرج عن حد الانتفاع كما لو تعطلت المنفعة العظمى المقصودة من الوقف غالبا ، أو شرط ذلك عند خروجه عن حد الانتفاع كأن تبلغ الشجرة حدا لا تصلح لغير النار ، أو شرط ذلك عند قلة نفعه المقصود ففي صحة الشرط اشكال : من التردد في انه شرط مناف لمقتضى العقد ، أولا.

فمن حيث انه مناف للتأبيد المعتبر في الوقف ما دامت العين باقية يلزم منافاته ، ومن حيث انه إذا بلغ هذه الحالات جاز بيعه وان لم يشترط كما سبق بيانه ،

__________________

(١) السرائر : ٣٨٠.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٣٦.

٧٢

ومع البطلان ففي إبطال الوقف نظر.

______________________________________________________

فلا يكون الاشتراط منافيا.

وقد تقدّم في رواية. جعفر بن حيّان : جواز بيعه للضرورة الشديدة للموقوف عليهم (١) ، والضرورة قائمة في محل النزاع. ولعموم قول العسكري عليه‌السلام : « الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها » (٢) ، ولأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه فجاز اشتراطه تخلصا من الضرر. والتحقيق : ان كل موضع يجوز فيه بيع الوقف يجوز اشتراط البيع في العقد إذا بلغ الوقف تلك الحالة ، لأنه شرط مؤكد وليس بمناف ، وما لا فلا للمنافاة.

ولقائل أن يقول على الشق الأخير : قد سبق في المواضع التي خلا الوقف فيها عن التأبيد انه يبطل وقفا ويصح حبسا وهو الوقف المنقطع الآخر ، والمؤبد على تقدير ، ومنقطع الآخر على تقدير آخر ، والمشروط رجوعه عند الحاجة فكان حقه أن يحكم بصحة الشرط ويكون حبسا ، لأن المقتضي في الموضعين واحد.

ويمكن الجواب بأن الحبس لا يستدعي الخروج عن الملك ، واشتراط الشراء بثمنه ما يكون وقفا يقتضيه فلا يكون وقفا ولا حبسا فوجب الحكم ببطلان الشرط.

قوله : ( ومع البطلان ففي إبطال الوقف نظر ).

ينشأ : من أن الواقف أتى بشيئين الوقف والشرط ، فإذا بطل أحدهما بقي الآخر ، لانتفاء المقتضي لبطلانه ، وهو قول الشيخ. ومن ان الوقف لم يقع إلاّ على وجه الاشتراط ، وهو فاسد من هذا الوجه لفساد الشرط ، وغيره غير واقع فلا يكون صحيحا.

وربما فرّق بين الشروط الفاسدة في عقود المعاوضات ونحو الوقف : بأن للشرط دخلا في العوض فيكون ملحوظا في الرضى بالعقد ، فإذا فات انتفى الرضى ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣٥ حديث ٢٩.

(٢) الكافي ٧ : ٣٧ حديث ٣٤ ، الفقيه ٤ : ١٧٦ حديث ٦٢٠ ، التهذيب ٩ : ١٢٩ حديث ٥٥٥.

٧٣

ونفقة المملوك على الموقوف عليهم وان كان ذا كسب على رأي.

______________________________________________________

بخلاف الوقف فإنه تبرع على كل حال فلا ينتفي الرضى بانتفاء الشرط. وفي الفرق نظر ، لأن الأغراض تتفاوت بتفاوت وجوه التبرعات فيكون للشرط تأثير بيّن في الرضي ، والقول بالبطلان أقوى.

وقوله : ( ونفقة المملوك على الموقوف عليهم ، وإن كان ذا كسب على رأي ).

لا ريب ان المملوك إن كان وقفا على غير معيّن كالمنتشرين فنفقته في كسبه ان كان ذا كسب ، والاّ ففي بيت المال.

وإن كان وقفا على معيّن : فعلى القول بأن الوقف ينتقل الى الله تعالى (١) قيل الحكم كذلك. ويحتمل أن يكون في كسبه إن أوجبنا نفقته الأجير الخاص والموصى بخدمته على مستحق المنافع ، ومع عجزه فعلى الموقوف عليهم. ويحتمل أن يكون في كسبه مطلقا ، ثم على بيت المال. وكذا إن قلنا انه للواقف ، لكن هنا إنما يجب في بيت المال مع عدم وجوده ، أو مع إعساره.

وعلى القول بانتقاله الى الموقوف عليهم ، للأصحاب قولان :

أحدهما : انها في كسبه إن لم يشترط خلاف ذلك ـ وهو قول الشيخ في المبسوط (٢) ، لأن الغرض بالوقف انتفاع الموقوف عليه ، وإنما يمكن ذلك ببقاء عينه ، وإنما تبقى عينه بالنفقة فيصير كأنه شرطها في كسبه ، ولم يذكر حكم ما إذا لم يكن كاسبا.

والثاني : انها على الموقوف عليهم ـ وهو مختار المصنف ـ ، لأنها تابعة للملك ، والفرض انه مملوك للموقوف عليهم وهو الأصح ، وعمارة العقار حيث شرط الواقف وإلاّ ففي غلته ، ولو قصرت لم تجب عمارته بخلاف الحيوان ، لوجوب صيانة روحه ، ولو‌

__________________

(١) قاله الشهيد في الدروس : ٢٣٤.

(٢) المبسوط ٣ : ٢٨٨.

٧٤

ولو أقعد ، أو أعمى ، أو جذم عتق وسقطت النفقة ولو قتل قصاصا بطل الوقف ، ولو قطع فالباقي وقف ، ولو أوجبت ما لا تعلّق بكسبه إن قلنا بعدم الانتقال ، وكذا إن كان على المساكين أو على المعسر ، وإلا فعلى الموقوف عليه. لتعذر بيعه على الإشكال ينشأ : من أنّ المولى لا يعقل عبدا ، والأقرب الكسب ،

______________________________________________________

مات العبد فمؤنة تجهيزه كنفقته في حياته.

قوله : ( ولو أقعد ، أو عمي ، أو جذم عتق وسقطت النفقة ).

لصيرورته حرا فتسقط نفقته.

قوله : ( ولو قتل قصاصا بطل الوقف ).

لفوات متعلقة ، لا الى بدل.

قوله : ( لو قطع فالباقي وقف ).

إذ لا يبطل الوقف بتلف بعض الموقوف.

قوله : ( ولو أوجبت مالا تعلق بكسبه إن قلنا بعدم الانتقال ، وكذا إن كان على المساكين أو على المعسر ، وإلاّ فعلى الموقوف عليه لتعذر بيعه على اشكال ينشأ : من أن المولى لا يعقل عبدا ، والأقرب الكسب ).

إذا جنى العبد الموقوف فلا يخلو : إما أن تكون جنايته موجبة للمال ، أو للقصاص. فإن أوجبت مالا فلا يخلو : إما أن يكون وقفا على معين ، أولا. وعلى الأول إما أن نقول بانتقال الوقف عن الواقف الى الله تعالى أو الى الموقوف عليه ، أو نقول بعدم الانتقال أصلا.

وإذا قلنا بانتقاله الى الموقوف عليه فلا يخلو : إما أن يكون مؤسرا ، أو معسرا. فإن كان وقفا على المساكين ، أو قلنا بعدم الانتقال الى الموقوف عليه ، أو قلنا بالانتقال وكان معسرا تعلق الأرش في هذه المواضع كلها بكسبه لا برقبته ، لامتناع بيعه بسبب‌

٧٥

______________________________________________________

الوقف مع إمكان استيفاء الأرش من كسبه ففيه جمع بين الحقين. وقال المصنف في التذكرة : إن قلنا الملك للواقف فهو الذي يفديه (١) ، وقد يوجه بأنه المالك الذي منع الرقبة من تعلّق الأرش بها.

وإن قلنا بالانتقال الى الله تعالى ، فقد قيل إن الفداء من مال الواقف ، لأنه الذي منع من تعلق الأرش بالرقبة (٢) ، وقيل : يكون في بيت المال كالحر المعسر (٣) ، وقيل يتعلق بكسبه (٤).

وإن قلنا بالانتقال الى الموقوف عليه وجب الأرش في ماله ، صرح به الشيخ في المبسوط (٥) والمصنف في التذكرة (٦) لامتناع تعلقه برقبته ، إذ لا يتعلق الأرش إلاّ برقبة من يباع وإنما منع من ذلك لحق الموقوف عليه فكان عليه أن يفديه بالأرش.

وذكر المصنف في هذا الكتاب اشكالا هنا ينشأ : مما ذكر ، ومن أن العاقلة لا يعقل عبدا ، ثم اختار تعلقه بالكسب وهو الأصح ، لأن فيه جمعا بين الحقين.

واحتمل في المختلف التعلّق بالرقبة وجواز البيع كما يقتل في العمد ، والبيع أدون من القتل (٧). ويضعف بإمكان الجمع بين الحقين هنا بخلاف العمد ، لأن القصاص مع بقاء العين ممتنع.

فرع : لو لم يكن العبد كاسبا أمكن جواز البيع هنا ، ويحتمل أخذ الأرش من بيت المال إن أمكن كالحر المعسر ، وكيف كان فلا يطل دم امرئ مسلم.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٤٣.

(٢) المجموع ١٥ : ٣٤٢.

(٣) المجموع ١٥ : ٣٤٢.

(٤) المجموع ١٥ : ٣٤٢.

(٥) المبسوط ٣ : ٢٨٩.

(٦) التذكرة ٢ : ٤٤٣.

(٧) المختلف : ٤٩٥.

٧٦

وليس للمجني عليه استرقاقه في العمد على اشكال.

ولو جنى عليه بما يوجب المال احتمل اختصاص الموجودين به فلهم العفو وشراء عبد أو شقص عبد بها يكون وقفا ، سواء أوجبت أرشا أو دية ، فليس للموجودين العفو حينئذ.

______________________________________________________

قوله : ( وليس للمجنى عليه استرقاقه في العمد على اشكال ).

هذا إشارة إلى حكم ما إذا أوجبت جناية العبد الموقوف قصاصه ، وتحقيقه : انه إذا جنى جناية توجب القصاص بأن جنى عمدا جاز الاقتصاص منه قطعا. وهل يجوز استرقاقه؟ فيه إشكال ينشأ : من أن الوقف يقتضي التأبيد ما دامت العين باقية وهو ينافي الاسترقاق ، ومن أن المجني عليه استحق إبطال الوقف وإخراجه عن ملك الموقوف عليهم ، والعفو مطلوب شرعا ، وفي الاسترقاق جمع بين العفو المحبوب وبين حقه فيكون أولى من القتل. والتأبيد الواجب في الوقف إنما هو حيث لا يطرأ عليه ما ينافيه ، وهذا أقوى ، للجمع بين حق الجناية والعفو المندوب اليه كما ذكرناه.

قوله : ( ولو جني عليه بما يوجب المال احتمل اختصاص الموجودين به ، فلهم العفو ، وشراء عبد أو شقص عبد بها يكون وقفا ، سواء أوجبت أرشا أو دية ، وليس للموجودين العفو حينئذ ).

ما سبق حكم ما إذا جنى العبد الموقوف ، وهذا حكم ما إذا جني عليه. ثم الجناية عليه : إما أن توجب مالا ، أو قصاصا. فإن أوجبت مالا فهل يختص به الموجودون من الموقوف عليهم وقت الجناية أم لا؟ احتمالان :

أحدهما : الاختصاص ، لأن الفائت بالجناية منه سواء كان نفسا أو ما دونها حق لهم حين الجناية ، وقد بطل كونه وقفا بإتلافه ، فامتنع أن يكون لمن سيوجد من البطون فيه حق ، لأنهم حال الجناية غير مستحقين ، ووقت صيرورتهم مستحقين قد خرج التالف عن كونه وقفا وصلاحية استحقاقهم إياه ، وهو قول الشيخ في‌

٧٧

______________________________________________________

المبسوط (١).

والثاني : العدم ، لأنه ليس ملكا تاما للموجودين وقت الجناية ولا حقا لهم بانفرادهم ، بل هو ملك لجميع البطون فللموجودين بالفعل ولغيرهم بالقوة القريبة ، لحصول السبب المملك والمعدات للملك ، ولم يبق سوى وجودهم فلا سبيل إلى إبطال حقهم.

ومن ثم نقول : إن البطن الثاني يتلقى عن الواقف ، فيجب أن يشترى بعوض الجناية عبد أو شقص عبد يكون وقفا ، وهذا أقوى ، لأن فيه إبقاء للوقف وصيانة له عن الابطال وتوصلا الى غرض الواقف ومطلوب الله تعالى ، ولأن الوقف تابع لبقاء المالية ، ولهذا يجب الشراء بقيمة الوقف حيث جوّزنا بيع ما يكون وقفا.

ولا فرق في الوجهين بين أن نقول بانتقال الوقف الى الله تعالى أو إلى الموقوف عليهم. ويحتمل أن يقال ـ على القول بالانتقال لله تعالى ـ : يجب الشراء وجها واحدا.

ويتفرع على الوجهين المذكورين صحة العفو عن الجناية وعدمه (٢) ، فعلى الأول لهم العفو ، لأن الحق لهم ومنحصر فيهم ، وعلى الثاني ليس لهم ذلك ، لعدم انحصار الحق فيهم فإذا عفوا فإنما يسقط حقهم ، وهو استحقاق المطالبة بالأرش أو الدية ليشتري به ما يكون وقفا يعود عليهم نفعه.

وكذا لا فرق بين كون الجناية على النفس أو ما دونها ، لتعلق حق الوقف بالأبعاض كتعلقه بالمجموع.

إذا تقرر هذا فمن المشتري للعبد أو بعضه؟ الظاهر انه الحاكم ، لأن الملك إن كان لله تعالى فواضح ، وإن كان للموقوف عليهم فلا اختصاص له بالموجودين.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٨٩.

(٢) في النسختين الخطبتين والحجرية : الجناية المذكورين وعدمه‌

٧٨

ولو جنى عليه عبد بما يوجب القصاص ، فان اقتص الموقوف عليه استوفى ، وان عفى فهل لمن بعده من البطون الاستيفاء؟ الأقرب ذلك إن لم يكن نفسا.

______________________________________________________

ويحتمل على هذا أن يتولاه الموجودون ، لأن الحق لهم الآن وحق الباقي تابع. وينبغي أن يكون هذا إذا لم يكون هناك ناظر خاص كما نبّه عليه شيخنا في شرح الإرشاد اشترطه الواقف ، فان كان تولى ذلك. والظاهر انه بالشراء يصير وقفا من غير احتياج إلى إنشاء صيغة أخرى ، لتعلق حق الوقف بعوض الجناية نحوا من تعلقه بالمجني عليه كالرهن ، وهو المتبادر من قول المصنف ( يكون وقفا ) ويحتمل وجوب إنشاء صيغة أخرى ويتولاها الحاكم مع عدم الناظر. والظاهر انه لا فرق بين إنشاء الوقف والشراء في المتولي لذلك ، لاستوائهما في تعلّق حق البطون الباقية به ، بل حق الواقف فإن له حقا في بقاء الوقف ودوامه.

ولا يخفى أنه لو زادت الدية أو الأرش عن قيمة. عبد اشترى بالزائد آخرا وبعضه.

واعلم أن قول المصنف : ( وشراء عبد أو شقص عبد ) إشارة إلى الاحتمال الثاني ، والضمير في قوله ( بها ) يعود الى المال الواجب بالجناية بتأويل القيمة.

قوله : ( وليس للموجودين العفو حينئذ ).

أراد به : ما يتفرع على الاحتمال الثاني ، أي : حين إذ وجب شراء ما يكون وقفا بالقيمة.

قوله : ( ولو جنى عليه عبد بما يوجب القصاص : فان اقتص الموقوف عليه استوفى ، وإن عفى فهل لمن بعده من البطون الاستيفاء الأقرب ذلك إن لم تكن نفسا ).

هذا حكم ما إذا أوجبت الجناية على العبد الموقوف قصاصا ، وتحقيقه : إنه إذا‌

٧٩

______________________________________________________

جنى عليه كذلك : فأما أن يقتص الموقوف عليه الموجود ، أو يعفو ، أو يرضى بالفداء.

فإن أراد القصاص كان له كذلك ، لأنه المستحق الآن ، فإذا اقتص فقد استوفى الحق.

وإن عفى فهل لمن بعده من البطون الاستيفاء؟ فيه وجهان ، أقربهما عند المصنف ذلك إن لم تكن الجناية نفسا. ووجه القرب : ان الحق في الوقف لا يختص بالبطن الأول ، فإذا عفى فإنما يسقط استحقاقه دون حق باقي البطون. ويحتمل أن لا يكون لهم ذلك للسقوط بعفو الأول حين كان الحق منحصرا فيه ، وضعفه ظاهر مما سبق.

وهذا إذا لم تكن الجناية نفسا ، فإن كانت فالمفهوم من العبارة انه ليس لهم ذلك. ووجهه انه إذا جنى على نفس الموقوف بطل الوقف لفوات محله فبطل حق باقي البطون ، بخلاف ما إذا لم يكن نفسا ، لبقاء الوقف ببقاء محله ، وليس بشي‌ء ، لاستواء النفس وما دونها في بطلان الوقف في الفائت منهما ، على أن هذا الفرق لو تم لكان لازما للمصنف مقتضاه فيما لو أوجبت الجناية ما لا بغير تفاوت ، والأصح ان لهم الاستيفاء مطلقا.

إذا تقرر ذلك ، فما الذي يستوفونه أهو المال أم القصاص؟ المتبادر من عبارة المصنف هو الثاني ، ووجهه : ان الحق للبطون وإن كان للموجودين حق المطالبة والاقتصاص ، فإذا عفوا بطل حقهم خاصة دون أصل الحق.

وحكى الشارح الفاضل قولا آخر بأن لهم المطالبة بالدية (١) ورجّحه تغليبا للعفو ، وهو محتمل ، وفي الأول قوة ، وفي الثاني أيضا قوة ، لأن له أن يعفو على مال والعفو مبني على التغليب ، وإن كان لقائل أن يقول إن هذا عفو غير صحيح ، أما العفو‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٩٦.

٨٠