جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

وكذا لو قال : لك في ذمتي ألف وجاء بها وقال : هي وديعة وهذه بدلها ، أمّا لو قال : في ذمتي ألف وهذه التي أقررت بها كانت وديعة لم يقبل.

______________________________________________________

عليّ ضمانا في الذمّة ، لأنه قصد به الإلزام للمال الّذي عليه ، وذلك لا يثبت إلاّ في الذمّة ، فوجد ما يدل على الثبوت في الذمّة هنا بخلاف مسألتنا. هذا محصّل كلامه ، ومختار الشيخ أقوى.

واعلم أنّ المصنف طاب ثراه جزم فيما إذا فسر بالوديعة على الاتصال بعدم القبول ، مع أنّ الشيخ رحمه‌الله نقل الإجماع على القبول وتردد هنا ، وليس بجيد.

قوله : ( وكذا لو قال : لك في ذمتي ألف وجاء بها وقال : هي وديعة وهذه بدلها ).

أي : يجي‌ء فيه الاحتمالان السابقان ، ومنشأهما : من أنّه فسّر الألف بكونها وديعة وهو بظاهره مناف لكونها في الذمّة ، ومن أنّه كمّل التفسير بما يقتضي أنّه أراد كونها وديعة في الأصل وأنّها تلفت ووجب بدلها في الذّمة.

والقبول أرجح ، لأنّ غايته إرادة المجاز وهو كون التي في الذمّة وديعة باعتبار أنّ سببها كان كذلك ، والمجاز أيضا يصار إليه بالقرينة.

قوله : ( أمّا لو قال : لك في ذمتي ألف وهذه التي أقررت بها كانت وديعة لم يقبل ).

لا يخفى أنّه إن كان المشار اليه بقوله : وهذه ، هو الألف الّذي قال أنّه في الذمّة لم يلزمه سوى ما أقر به إذا لم يقر بشي‌ء آخر ، إذ لو سلّمنا أنّ ما في الذمّة ينافي التفسير بالوديعة على كلّ حال فغاية ما يلزم أن يكون قد وصف المقر به بوصف يمتنع ثبوته له.

وإن كان المشار اليه بهذه شيئا غير مذكور ، بل هو مقدّر بأنّه أحضر ألفا وقال : هذه التي أقررت بها إلى آخره فهنا يتجه وجوب ألف أخرى.

وفي عدم قبول قوله في أنّ المقر به هو ما أحضره وجهان كالمسألة السابقة ،

٣٤١

ولو قال : له عليّ ألف ودفعها ، ثم قال : كانت وديعة وكنت أظنها باقية فبانت تالفة لم يقبل ، لأنه مكذب لإقراره ، أما لو ادعى تلفها بعد الإقرار قبل بالبينة.

______________________________________________________

لكن عدم القبول هنا أولى ، لأنّ ما في الذمّة لا يكون وديعة ، فإنّ الوديعة هي العين المستناب في حفظها ، وما في الذمة ليس عينا.

وليس ببعيد القبول ، لأنّ قوله : كانت وديعة لا ينافي تجدد ثبوتها في الذّمة بتلف قارنه الضمان ، وغاية ما يلزم ارتكاب المجاز في حكمه بأن المأتي به كان وديعة ، فإنّ الوديعة حقيقة هو التالف والمأتي به بدله. ولا محذور في المجاز إذا دلّ عليه دليل ، خصوصا إذا كان شائعا في الاستعمال.

قوله : ( ولو قال : له عليّ ألف ودفعها ، ثم قال : كانت وديعة وكنت أظنها باقية فبانت تالفة لم يقبل ، لأنّه مكذّب لإقراره ).

لأنّ تفسيره يقتضي أن يكون إقراره لاغيا ، حيث أنّه لو تم تفسيره لم يكن عليه شي‌ء حال الإقرار به ، لكن لا بد أن يكون تلفها منزّلا على وجه لا ضمان معه إذ مع الضمان لا تكذيب. ولا يخفى أنّ قوله : ( ودفعها ) لا دخل له في الحكم ، إذ لا يتفاوت الحال بعدمه.

وفي التذكرة لم يأت بهذا القيد بل قال : ولو قال : لك عليّ ألف ثم قال : كانت وديعة وكانت تلفت قبل إقراري وكنت أظن إنّها باقية لم يقبل منه ، لأنّه كذّب بهذا إقراره (١). وقيد في الدروس تبيّن تلفها بكونه بغير تفريط (٢).

قوله : ( أمّا لو ادعى تلفها بعد الإقرار قبل بالبينة ).

لعدم المنافاة للإقرار فتكون دعوى مستأنفة ، ومن هذا يعلم أنّ قوله سابقا :

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٦٨.

(٢) الدروس : ٣١٣.

٣٤٢

ولو قال : له عندي وديعة دينا أو مضاربة دينا صحّ ولزمه الضمان ، لأنه قد يتعدى فيها فيكون دينا ، ولو قال : أردت أنه شرط علي ضمانها لم يقبل.

ولو قال : أودعني مائة فلم أقبضها ، أو أقرضني مائة فلم آخذها قبل مع الاتصال على إشكال.

______________________________________________________

( لم يقبل ) يراد به عدم القبول مطلقا ولا مع البينة.

قوله : ( ولو قال : له عندي وديعة دينا أو مضاربة دينا صحّ ولزمه الضمان ، لأنّه قد يتعدّى فيها فيكون دينا ، ولو قال : أردت أنّه شرط عليّ ضمانها لم يقبل ).

إنّما وحّد الضمير في قوله : ( فيها ) لمكان « أو » أن يتعدّي في الوديعة أو في المضاربة ، ومقتضى العبارة أنّه إذا أطلق قوله : له عندي وديعة دينا الى آخره صحّ ونزل قوله على الضمان بالتعدّي ، لأنّه محتمل ، ولو فسر قوله بذلك صحّ بطريق أولى.

وإن قال : أردت أنّه شرط على ضمانها لم يقبل ، لأنّ ذلك شرط فاسد ، ولأنّها لا تكون دينا بذلك فيفسد التفسير ويجب عليه في ذمته المقر به.

ويلوح من العبارة وجوب ألف أخرى ، وقد يستدلّ له بأنّ التفسير يقتضي وجوب ألف وديعة مشروط ضمانها ، وقد أقر بألف دينا ، وهو بعيد ، لأنّه قد فسّر الألف التي قال أنها دين بتفسير فاسد ، ولاحتمال أن يريد : أنّ صيرورتها دينا لتلفها مع اشتراط ضمانها ، وحينئذ فيلغو التفسير ، لأنّه يقتضي عدم الاستحقاق وهو مناف للإقرار.

قوله : ( ولو قال : أودعني مائة فلم أقبضها ، أو أقرضني مائة فلم آخذها قبل مع الاتصال على إشكال ).

ينشأ : من استعمال ( أودعني ) و ( أقرضني ) في إيجاب الوديعة والقرض ، ولهذا‌

٣٤٣

ز : لو أقر بالبيع وقبض الثمن ، ثم أنكر وادعى الإشهاد تبعا للعادة من غير قبض فالأقرب سماع دعواه فيحلف المشتري ، وكذا لو أقر بالاقتراض ثم ادعى الاشهاب في الصك قبل القبض حلف المقرض.

______________________________________________________

يقال : أودعني فلم استودع وأقرضني فلم اقترض ، ولو لا ذلك لناقضة. وأقل أحواله أن يكون مجازا والتفسير به مع القرينة صحيح.

ومن أنّ الإيداع والاقتراض شرعا إنّما يكون مع القبض والأخذ فيكون آخر الكلام رافعا لأوله ، ومثله : باع مني فلم أقبل. وموضع الإشكال إنّما هو مع الاتصال ، أمّا مع الانفصال فلا يقبل جزما ، وفي التذكرة حكم بقبول قوله مع الاتصال ، وجعل في قبوله مع الانفصال اشكالا (١).

والذي يقتضيه النظر إن باع وأودع وأقرض إن صدّق على الإيجاب حقيقة لم يفرّق بين الاتصال والانفصال في القبول ، وإلاّ لم يقبل مع الانفصال قطعا. ومع الاتصال فالراجح عدم القبول ، لأنّه يقتضي رفع الإقرار من أصله والرجوع عنه ، وأنا في ذلك من المتوقفين.

قوله : ( ولو أقر بالبيع وقبض الثمن ثم أنكر وادعى الاشهاد تبعا للعادة من غير قبض فالأقرب سماع دعواه فيحلف المشتري ).

وجه القرب جريان العادة بذلك ، فلو لم تسمع دعواه لزم الضرر ويحتمل عدم السماع ، لأنّه تكذيب للإقرار ، ويضعّف بأنّ ذلك واقع تعم به البلوى فعدم السماع يقتضي الضرر ، وحينئذ فيحلف المشتري على الإقباض أو على عدم المواطاة ، وقد سبق نظيره في الهبة وهو الأصحّ.

قوله : ( وكذا لو أقر بالإقراض ثم ادعى الإشهاد في الصك قبل القبض حلف المقرض ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٦٨.

٣٤٤

أمّا لو شهد الشاهدان بمشاهدة القبض في الموضعين لم تسمع دعواه ، ولا يمين على المدعي.

الفصل الرابع : في الإقرار بالنسب : المقر به : إما ولد ، أو غيره. أمّا الولد فيشترط في الإقرار به : عدم تكذيب الحس ، والشرع ، والمقر به ، وعدم المنازع. فلو أقر ببنوة من هو أكبر سنا أو مساو أو أصغر بما لم تجر العادة بتولده عنه ، أو بمن بينه وبين أمه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، أو ببنوة مشهور النسب بغيره ، أو بمن كذّبه الولد البالغ لم يثبت.

ولو نازعه غيره لم يلحق بأحدهما إلاّ بالبينة أو القرعة.

______________________________________________________

أي : الحكم السابق‌ آت مثله هنا ، ودليله ما تقدم.

قوله : ( أمّا لو شهد الشاهدان بمشاهدة القبض في الموضعين لم تسمع دعواه ولا يمين على المدعي ).

لأنّ ذلك طعن في البينة وإكذاب لها فلا يلتفت اليه.

قوله : ( الفصل الرابع : في الإقرار بالنسب : المقر به إمّا ولد أو غيره.

أمّا الولد فيشترط في الإقرار به عدم تكذيب الحس والشرع والمقر به ، وعدم المنازع. فلو أقر ببنوة من هو أكبر منه سنا أو مساو أو أصغر بما لم تجر العادة بتولده عنه ، أو بمن بينه وبين أمه مسافة لا يمكن الوصول في مثل عمر الولد إليها ، أو ببنوة مشهور النسب بغيره ، أو بمن كذبه الولد البالغ لم يثبت ، ولو نازعه غيره لم يلحق بأحدهما إلاّ بالبينة أو القرعة ).

لا ريب أنّه يشترط في المقر بالنسب أن يكون بالصفات المعتبرة في مطلق المقرين كما سبق ، ويزيد في الإقرار بالنسب قيود اخرى.

وتحقيقه : أنّ المقر بنسبه إمّا ولد أو غيره ، فإن كان ولدا اعتبر أمور :

٣٤٥

______________________________________________________

الأول : عدم تكذيب الحسي بأن يكون ما يدعيه ممكنا ، فلو أقر ببنوة من هو أكبر منه سنا أو مساو له أو أصغر بما لم تجر العادة بتولده عنه لم يقبل قطعا ، وكذا لو كان بين المقر وبين أم الولد مسافة لا يمكن الوصول في عمر الولد إليها ، أو علم عدم خروج المقر الى بلد قدمته أم الولد ، ونحو ذلك.

الثاني : أن لا يكذّبه الشرع ، فلو أقر ببنوة مشهور النسب بغيره لم يعتد بإقراره ، لأنّ النسب الثابت شرعا لا ينقل. ولو صدّقه الولد أو من انتسابه اليه معلوم لم يلتفت إليه أيضا. ولو نفى نسب ولد باللعان فاستلحقه آخر ففي صحة الاستلحاق إشكال ينشأ : من أنّه أقر بنسب لا منازع له فيه فيلحق به ، ومن أنّ فيه شبهة للملاعن.

الثالث : أن لا يكذّبه المقر له ، وفي التذكرة : أن يصدّقه المقر له إن كان من أهل التصديق بأن يكون بالغا عاقلا (١) وهو أولى مما هنا ، لأنّ عدم التكذيب غير كاف في البالغ العاقل.

إذا عرفت هذا ، فلو أقر ببنوة بالغ عاقل لم يثبت ما لم يصدّقه ، سواء كذّبه أو سكت ، إلاّ أن يقيم عليه بينة ، ومع عدمها يحلف المنكر فتسقط الدعوى ، فان نكل حلف المدعي وثبت النسب. وكذا لو قال شخص لآخر : أنت أبي ، فانّ القول قول المنكر بيمينه.

واعلم أنّ قول المصنف : ( أو بمن كذّبه الولد البالغ ) المراد منه : إنّه ادعى بنوة شخص كذّبه في ذلك الولد البالغ وهو الشخص المدعى بنوته وهو بالغ ، ولكنه لمّا أقام المظهر وهو الولد مقام المضمر وهو الضمير في كذبه لو لا الإظهار وهو العائد الى الموصول صار في العبارة فساد ، ولو جعل الولد بدلا من الضمير لصار فيها تعقيد.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٧٠.

٣٤٦

وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر.

ولا يعتبر تصديق الصغير ، ولو أنكر بعد بلوغه لم يلتفت الى إنكاره ، لسبق ثبوت نسبه.

______________________________________________________

الرابع : أن لا ينازعه في الدعوى من يمكن اللحاق به ، فانّ الولد حينئذ لا يلحق بالمقر ولا بالآخر إلاّ بالبينة أو القرعة ، ولو كان الولد بالغا رشيدا اعتبر تصديقه فيثبت نسب من صدقه ، ولا اعتبار بتصديق الام ولا بتكذيبها على الظاهر.

فرع : لو ثبت النسب بالإقرار والتصديق مثلا ، ثم تصادقا على رفعه لم يرتفع بعد الثبوت.

قوله : ( وهل حكم المرأة في إقرارها بالولد حكم الرجل؟ نظر ).

ينشأ : من أنّه إقرار بالولد فيدخل تحت عموم : الدليل الدال على نفوذ الإقرار به ، ومن أن ثبوت نسب غير معلوم الثبوت على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على إقرار الرجل بالولد الصغير للإجماع ، ويبقى ما عداه على الأصل فيتوقف على البينة أو التصديق.

قوله : ( ولا يعتبر تصديق الصغير ).

أي : ليس بشرط في نفوذ الإقرار ، فلا يتوقف على بلوغه وتصديقه ، وكذا لا يعتبر تصديقه وتكذيبه ، حالة الصغر ، فعلى هذا متى استلحق صغيرا ثبت أحكام النسب كلها تبعا لثبوته.

قوله : ( ولو أنكر بعد بلوغه لم يلتفت الى إنكاره لسبق ثبوت نسبه ).

كما لو ثبت بالبينة ، ولأنّ النسب مبني على التغليب فلا يتأثر بالإنكار بعد الحكم بثبوته ، وهو مقرّب التذكرة (١).

وللشافعية قول أنّه يندفع النسب بالإنكار لأنّا إنّما حكمنا به حيث لم يكن‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٧٠.

٣٤٧

ولو مات الصغير ورثه الأب.

ولو اعترف ببنوة ميت مجهول ثبت نسبه وورثه وإن كان كبيرا ذا مال مع عدم وارث غيره ،

______________________________________________________

إنكارا ، فإذا تحقق لم يثبت (١) ، وليس بشي‌ء. ولو أراد المقر به تحليف المقر لم يمكّن من ذلك ، ومثله ما لو استلحق مجنونا فلمّا أفاق أنكر.

قوله : ( ولو مات الصغير ورثه الأب ).

لثبوت النسب المقتضي للإرث ، وكذا العكس.

قوله : ( ولو اعترف ببنوة ميت مجهول ثبت نسبه وورثه ، وإن كان كبيرا ذا مال مع عدم وارث غيره ).

إن كان الميت الّذي ادعيت بنوته صغيرا وكان مجهول النسب لحق بالمدعي وثبت نسبه ، لأنّ تصديقه غير معتبر وتكذيبه غير مؤثر ، سواء كان ذا مال أم لا.

ولا ينظر إلى التهمة بطلب المال ، لأنّ أمر النسب مبني على التغليب ، ولهذا يثبت بمجرد الإمكان بالنسبة إلى الولد ، حتى أنّه لو قتله ثم ادعى بنوته قبل استلحاقه حكم بسقوط القصاص. ومنع من ذلك أبو حنيفة للتهمة بوجود المال (٢) ، وهو غلط ، ولهذا لا يمتنع نفوذ الإقرار بيسار الصبي وفقر المقر في حال الحياة.

وإن كان كبيرا ففي ثبوت النسب إشكال ينشأ : من أنّ شرط لحوق البالغ تصديقه ، وهو منتف هنا ، ولأنّ تأخير الاستلحاق الى الموت يوشك أن يكون لخوف إنكاره. ومن أنّ التصديق ممتنع من الميت فجرى مجرى الصبي والمجنون في كون لحاق نسبه غير مشروط بالتصديق.

وقد يمنع اشتراط التصديق في لحوق البالغ العاقل مطلقا ، ويجري الوجهان‌

__________________

(١) مغني المحتاج ٢ : ٢٦٠.

(٢) بدائع الصنائع ٧ : ٢٢٨ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٣٣٤.

٣٤٨

وكذا المجنون لا يعتبر تصديقه. والأقرب اشتراط التصديق في الكبير العاقل.

______________________________________________________

فيما إذا استلحق مجنونا تجدد جنونه بعد بلوغه كاملا ، سواء استلحقه حيا أو ميتا. والّذي يقتضيه الدليل عدم الثبوت في الموضعين ، لأنّ ثبوت نسب الغير بمجرد قول يره على خلاف الأصل ، ولا نصّ ولا إجماع على ذلك فيتمسك بالأصل إلى أن يثبت الناقل.

وتردد المصنف في التذكرة (١) ، وافتى هنا وفي التحرير بالثبوت (٢) ، وكذا شيخنا الشهيد في الدروس (٣) ، والمحقق نجم الدين بن سعيد (٤) ، والشيخ في المبسوط مدعيا ان لا خلاف فيه (٥) فعلى هذا المفتي به ما عليه الأصحاب.

قوله : ( وكذا المجنون لا يعتبر تصديقه ).

عطف على ما سبق من قوله : ( ولا يعتبر تصديق الصغير ) ، والحاصل أنّ المجنون لا يعتبر تصديقه كما لا يعتبر تصديق الصغير إذ لا اعتداد بعبارته ، ولا خلاف في ذلك ، وإنكاره بعد الإفاقة كإنكار الصبي بعد البلوغ.

قوله : ( والأقرب اشتراط التصديق في الكبير العاقل ).

وجه القرب أنّ الإقرار بالنسب يتضمن الإقرار في حق الغير ، لأنّه أمر إضافي فيتوقف على تصديقه أو البينة ، وسقوط ذلك في الصبي والمجنون ـ بالإجماع ـ لتعذر التصديق منهما لا يوجب السقوط هنا اقتصارا في مخالفة الأصل على موضع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٧٠.

(٢) التحرير ٢ : ١٢٠.

(٣) الدروس : ٣٢٣.

(٤) شرائع الإسلام ٢ : ٢٥١.

(٥) المبسوط ٣ : ٤١.

٣٤٩

وليس الإقرار بالولد إقرار بزوجية امه وإن كانت مشهورة بالحرية.

ولو أقر ببنوة ولد أمته لحق به وكان حرا إن لم يكن لها زوج ولو أقر ببنوة ولد إحدى أمتيه وعيّنه لحق به وكان الآخر رقا ، وكذا لو كانا من أم واحدة‌

______________________________________________________

الوفاق ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (١) ، وابن إدريس (٢) ، وابن الجنيد (٣).

ويحتمل العدم ، لأنّ ذلك إقرار في حق نفسه ، وإلاّ لم ينفذ مع الصغر وهو قول الشيخ في النهاية (٤) ، وضعفه ظاهر. والأصح الأول.

قوله : ( وليس الإقرار بالولد إقرار بزوجية امه وإن كانت مشهورة بالحرية ).

وذلك لأنّ الزوجية والنسب أمران متغايران غير متلازمين ، فلا يدل أحدهما على الآخر بشي‌ء من الدلالات الثلاث. وقال أبو حنيفة : إن كانت الأم مشهورة بالحرية كان الإقرار بالولد إقرارا بزوجيتها ، وإن لم تكن مشهورة فلا (٥).

واعلم أنّه سيأتي في أخر باب الصداق إن شاء الله تعالى حكم تعلق المهر بالمقر ببنوة الولد لامه نفيا وإثباتا ، وقد اختار المصنف هناك وجوبه.

قوله : ( ولو أقر ببنوة ولد أمته لحق به وكان حرا إن لم يكن لها زوج ).

لا يخفى أنّ إلحاقه به مشروط بإمكان كونه منه وحينئذ فيكون حرا ، وهل‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٨.

(٢) السرائر : ٤١٤.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٤١.

(٤) النهاية : ٦٨٤.

(٥) المغني لابن قدامة ٥ : ٣٣٥.

٣٥٠

فإن ادعت الأخرى أن ولدها هو المقر به قدّم قوله مع اليمين ،

______________________________________________________

تكون الجارية أم ولد بمجرد ذلك؟ قال المصنف في التذكرة : فيه إشكال ينشأ : من أنّ استيلادها قد يكون قبل الملك بنكاح أو شبهة أو تحليل. ومن أن استناد الاستيلاد الى وقوعه في الملك هو الظاهر ، لأنّه موجود والأصل عدم غيره (١) ، وفي الأول قوة.

وموضع الاشكال ما إذا جهل تأخر العلوق به عن الملك وتقدّمه ، وما إذا لم تكن الأمة فراشا للسيد ، فان علم أحد الأمرين اجري عليه حكمه ، وإن كانت فراشا فالولد لاحق بحكم الفراش لا بالإقرار فيثبت الاستيلاد حينئذ. وهذا كلّه إذا لم تكن

الأمة مزوجة ، فإنّ الولد مع التزويج للزوج ، لأنّه تابع للفراش.

فرع : لو قال : ولدته في ملكي لم يكن ذلك إقرارا بالاستيلاد لإمكان أن يكون العلوق في غير الملك.

فرع : ( ولو أقر ببنوة ولد إحدى أمتيه وعيّنه لحق به وكان الآخر رقا ، وكذا لو كانا من أم واحدة ).

وذلك لأنّ المرجع في التعيين اليه ، ولا يخفى أنّ ذلك إنّما هو مع عدم تزويجهما أو تزويج إحداهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( فان ادّعت الأخرى أنّ ولدها هو المقر به قدّم قوله مع اليمين ).

لأنّ الأصل معه وهو ينفي ما تدعيه ، وكذا لو بلغ الولد وادعى فان نكل السيد حلف المدعي وقضي بيمينه ، كذا قال في التذكرة (٢) ومقتضاه أنّ الجارية تحلف.

ويشكل بأنّها تثبت حقا لغيرها ، وهو حرية الولد. نعم لو تضمنت الدعوى الاستيلاد اتجه ذلك فينبغي تأمله.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٧١.

(٢) التذكرة ٢ : ١٧١.

٣٥١

ولو لم يعين ومات فالأقرب القرعة.

وهل يقبل تعيين الوارث؟ اشكال.

ولو عيّن واشتبه ومات أو لم يعيّن استخرج بالقرعة وكان الآخر رقا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو لم يعيّن ومات فالأقرب القرعة ).

وجه القرب : أنّها تجري في كل أمر مشكل بالنص عن الأئمة عليهم‌السلام (١) ، وقال الشيخ : يقوم الوارث مقامه في التعيين ، فانّ امتنع منه وقال لا أعلم أقرع ، فإذا أخرجت القرعة واحدا وكان السيد قد ذكر ما يقتضي أمّيّة أم الولد صارت أم ولد بذلك من غير احتياج إلى قرعة أخرى (٢).

قوله : ( وهل يقبل تعيين الوارث؟ إشكال ).

ينشأ : من أنّه إقرار في حق الغير ولا دليل على قوله ، ولأنّ التعيين إنّما يعتد به إذا كان من جميع الورثة والمقر به منهم ، فلو اعتبر تعيينه لزم الدور. ومن أنّه قائم مقام المورث.

ويشكل بأنّه إن أخبر عن تعيين المورث كان شاهدا فاعتبرت أحكام الشهادة ، وكذا لو أخبر بذلك عن علم سابق له بالحال ، وإن كان ينشأ التعيين من غير علم سابق له بحقيقة الحال كان اقداما على القول بمجرد التشهي.

والظاهر أنّ المراد إنّه إذا كان عالما بالحال فتعين اكتفى بتعيينه كالمورث لقيامه مقامه. ويضعّف بأنّ ذلك قول في حق الغير ، فيتوقف قبوله شرعا على دليل شرعي ولم يثبت قيامه مقام المورث هنا ، والأقوى عدم القبول.

قوله : ( ولو عيّن واشتبه ، أو مات ، أو لم يعيّن استخرج بالقرعة وكان

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٣ : ٥٢ حديث ١٧٤ ، التهذيب ٦ : ٢٤٠ حديث ٥٩٣.

(٢) المبسوط ٣ : ٤٦.

٣٥٢

ويثبت الاستيلاد لام من أخرجته القرعة.

ولو كان لهما زوجان بطل إقراره ، ولو كان لأحدهما زوج انصرف الإقرار إلى ولد الأخرى.

______________________________________________________

الآخر رقا ).

لأنّ القرعة‌ لكل أمر مشكل.

قوله : ( ويثبت الاستيلاد لام من أخرجته القرعة ).

قد سبق أنّه إذا أقر ببنوة ولد أمته ففي صيرورة امه أم ولد بمجرد ذلك إشكال ، فيكون في ثبوته هنا بالقرعة إشكال. وإطلاق المصنف ثبوت الاستيلاد هنا يقتضي الاكتفاء في ثبوته بمجرد القرعة ، والذي ذكره في آخر المبحث في التذكرة أنّه إن لم يوجد من السيد ما يقتضيه لم يثبت ، فإن وجد كفت القرعة لإخراج الولد ولم يحتج إلى قرعة أخرى (١).

قوله : ( ولو كان لهما زوجان بطل إقراره ).

لأنّ الولد لاحق بالزوج لأنّه للفراش ، قال في التذكرة : وإن كانتا فراشا للسيد بأنّ كان قد أقر بوطئهما لحقه الولدان بحكم الفراش (٢) ، ومراده بذلك ما إذا لم يكن لهما زوج كما لا يخفى.

قوله : ( ولو كان لإحداهما زوج انصرف الإقرار إلى ولد الأخرى ).

لأنّ ولد المزوجة لاحق بالزوج ، لأنّ الولد للفراش ، وفي التذكرة : إنّه مع تزويج إحداهما لا يتعيّن إقراره في ولد الأخرى بل يطالب بالتعيين ، فإن عيّن في ولد المزوجة لم يقبل ، وإن عيّن في ولد الأخرى قبل ويثبت نسبه (٣) ، وهو مخالف لما هنا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٧٢.

(٢) التذكرة ٢ : ١٧١.

(٣) التذكرة ٢ : ١٧١.

٣٥٣

وامّا غير الولد فيشترط التصديق أو البينة وإن كان ولد ولد ،

______________________________________________________

ويشكل بأنّ عدم تعيّنه في ولد الأخرى يقتضي قبول رجوعه عن الإقرار ، فإنّه إذا عيّن في ولد المزوجة فإن أبطلنا الإقرار لزم ما ذكرناه ، وإن تعيّن في الأخرى كانت مطالبته بالتعيين بغير فائدة.

فرع : لو كانت إحدى الأمتين فراشا دون الأخرى لم يتعين الإقرار في ولد من هي فراش ، بل يطالب بالتعيين لإمكان أن

يعيّن في ولد الأخرى فيلحقه بالإقرار ، وولد الأخرى لاحق بالفراش.

قوله : ( وأمّا غير الولد فيشترط التصديق أو البينة وإن كان ولد ولد ).

ما سبق من المسائل فالإقرار بالنسب فيها على نفسه ، لأنّه يلحق النسب فيها بنفسه وهذه يلحق النسب فيها بغيره ، فإذا قال : هذا أخي كان معناه : إنّه ابن أبي أو ابن أمي.

ولو أقر بعمومة غيره كان النسب ملحقا بالجد فكأنّه قال : ابن جدي ، ويثبت النسب بهذا الإلحاق بالشرائط السابقة وشروط أخرى زائدة عليها :

الأول : تصديق المقر به ، أو البينة على الدعوى وإن كان ولد ولد ، لأنّ إلحاقه بالولد قياس مع وجود الفرق ، فإنّه إلحاق النسب بالغير وهو الولد.

الثاني : أن يكون الملحق به ميتا ، فما داما حيا لم يكن لغيره الحاقه به وإن كان مجنونا.

الثالث : أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به ، فإن نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته فإشكال ينشأ : من أنه لو استلحقه المورث بعد ما نفاه باللعان وغيره لحق به وإن لم يرثه ، ومن سبق الحكم ببطلان هذا النسب ، ففي إلحاقه به بعد الموت إلحاق عار بنسبه ، وشرط الوارث أن يفعل ما فيه حظ المورث لا ما يتضرر به ، كذا ذكر في التذكرة‌

٣٥٤

فإذا أقر بوالد أو أخ أو غيرهما ولا وارث له وصدّقه المقر به توارثا بينهما ، ولا يتعدّى التوارث الى غيرهما.

ولو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب وإن تصادقا ،

______________________________________________________

ثم قوى الأول (١).

الرابع : صدور الإقرار من الورثة الحائزين ، فلو أقر الأجنبي لم يثبت به النسب ولو مات مسلم عن ابن كافر أو قاتل أو رقيق لم يقبل إقراره عليه بالنسب ، كما لا يقبل إقراره عليه بالمال.

قوله : ( فإذا أقر بوالد أو أخ أو غيرهما ولا وارث له ، وصدّقه المقر به توارثا فيما بينهما ، ولا يتعدى التوارث الى غيرهما ).

كل موضع لا يثبت النسب فيه إلاّ بالإقرار مع التصديق من المقر به لا يتعدى التوارث من المتصادقين الى وارثهما إلاّ مع التصادق أيضا ، لأنّ حكم النسب هنا إنّما يثبت بالإقرار والتصديق ، فيقتصر فيه على المتصادقين ، سواء في ذلك الإقرار بالوالد وبالأخ وبغيرهما.

ومقتضى ذلك أن يكون الإقرار ببنوة البالغ لا يتعدى حكمها المقر والمقر به بناء على اعتبار التصديق ، فعلى هذا يكون الإقرار بالولد متفاوتا بالنسبة إلى الكبير والصغير بناء على اشتراط التصديق في الكبير.

وفي المبسوط يتعدّى التوارث إلى أولاد المتصادقين لا غيرهم من ذوي النسب إلاّ بالتصادق بينهم على ذلك (٢) ، والفرق غير ظاهر.

قوله : ( ولو كان له ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب وإن تصادقا ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٧٢.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٩.

٣٥٥

وإذا أقر أحد الولدين خاصة ولا وارث غيرهما بثالث لم يثبت نسبه في حق المنكر ولا المقر ، لعدم تبعض النسب ، بل يشارك بالنسبة إلى حصة المقر فيأخذ ثلث ما في يده ، وهو فضل ما في يد المقر عن ميراثه.

______________________________________________________

أي : ولو كان للمقر‌ بالنسب ورثة مشهورون لم يقبل إقراره في النسب وإن تصادق المقر والمقر به ، لأنّ ذلك يقتضي منعهم من الإرث ، أو مشاركتهم ، أو مشاركة من يمت بهم بمجرد الإقرار ، وذلك باطل ، لأنّه إقرار في حق الغير.

قوله : ( وإذا أقر أحد الولدين خاصة ـ ولا وارث غيرهما ـ بثالث لم يثبت نسبه في حق المنكر ولا المقر ، لعدم تبعض النسب بل يشارك بالنسبة إلى حصة المقر ، فيأخذ ثلث ما في يده وهو فضل ما في يده المقر عن ميراثه ).

إنّما لم يثبت النسب في حق المنكر لأنّ تصديقه معتبر ، وقول المنكر مع عدم البينة مقدّم. ولمّا كان النسب أمرا إضافيا إن ثبت وجب ، وإن لم يثبت في حق الجميع امتنع ثبوته في حق المقر خاصة.

نعم ينفذ الإقرار في المال فيدفع المقر الى المقر به فضل ما بيده عن ميراثه وهو سدس الأصل ، لأنّهم إذا كانوا ثلاثة كان لكل واحد ثلث وبيد المقر نصف والورثة اثنان ، فيكون فضل ما بيده ما ذكرناه. ومقتضي ما سبق في البيع من أنّ الإقرار ينزّل على الإشاعة أن يدفع إليه نصف ما بيده ، لأنّ الحاصل لهما والتالف بينهما ، وسيأتي هذا احتمالا في كلام المصنف في الفرع السابع إن شاء الله تعالى ، ونذكر فيه ما يسنح بتوفيق الله ومشيئته.

ولو أقر أحد الولدين بأب فكما لو أقر بأخ ، ولو كان أحد الولدين صغيرا فأقر البالغ انتظر بلوغ الصبي ، فإذا بلغ ووافق ثبت النسب. وإن مات قبل البلوغ ، فإن لم يكن الميت قد خلّف سوى المقر ثبت النسب ولم يحتج الى تجديد الإقرار ، وإن خلّف ورثة سواه اعتبر موافقتهم ، ولو كان أحدهما مجنونا فهو كما لو كان صغيرا.

٣٥٦

ولو كان الإقرار ببنت لزمه دفع خمس ما في يده.

ولو أقرا معا ثبت للمقر له كمال حصته.

ولو أقر اثنان من الورثة بنسب للميت وكانا عدلين ثبت النسب والميراث وإلا أخذ من حصتهما بالنسبة ، ولو شهد الأخوان بابن للميت وكانا عدلين ثبت نسبه وحاز الميراث ولا دور ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان الإقرار ببنت لزمه دفع خمس ما في يده ).

لأنّه لو ثبت نسبها لكان لها مع الابنين خمس الأصل وبيده زيادة عن نصيبه بمقتضى إقراره ونصف ذلك وهو خمس النصف ، وعلى الاحتمال يدفع ثلث ما في يده.

قوله : ( ولو أقرا معا ثبت للمقر به كمال حصته ).

أي : لو أقر الابنان ، ووجهه انحصار الإرث فيهما ، وهو ظاهر.

قوله : ( ولو أقر اثنان من الورثة بنسب للميت وكانا عدلين ثبت النسب والميراث وإلاّ أخذ من حصتهما بالنسبة ).

أمّا إذا كانا عدلين فلأن النسب يثبت بشهادة العدلين ، ولا أثر لاعتبار الإرث.

وأمّا مع عدم العدالة فلأنّ النسب لا يتبعض فينفذ إقرار المقرين في استحقاقهما من الإرث ، فينظر كم قدر استحقاق المقر به من مجموع التركة لو ثبت نسبه؟ وكم نسبته الى المجموع ، فيؤخذ من حصتهما بتلك النسبة ، فيدفعان إليه ما فضل عن نصيبهما ، وعلى الاحتمال الآخر تكون حصتهما بينهما وبينه موزعة على قدر الاستحقاق.

قوله : ( ولو شهد الأخوان بابن للميت وكانا عدلين ثبت نسبه وجاز الميراث ولا دور ).

أشار بذلك الى الرد على كلام الشيخ رحمه‌الله في المبسوط فإنّه قال : يثبت‌

٣٥٧

ولو كانا فاسقين أخذ الميراث ولم يثبت النسب.

وإنما يثبت النسب بشهادة رجلين عدلين ، لا بشهادة رجل وامرأتين ، ولا رجل ويمين ، ولا بشهادة فاسقين وإن كانا وارثين.

______________________________________________________

نسبه ولا يرث ، لأنّه لو ورث لحجب الأخوين وخرجا عن الإرث ، فيلزم من صحة الإرث بطلانه ، ومن بطلانه صحته ، ثم قال : ولو قلنا يثبت الميراث أيضا كان قويا ، لأنّه يكون قد يثبت بشهادتهما فيتبعه الميراث لا بالإقرار (١) ، فحاصل كلامه أن الدور يلزم من اعتبار إقرارهما لا من اعتبار كونهما شاهدين.

ولا يخفى انّهما لو كانا غير وارثين لاعتبرت شهادتهما مع العدالة ، فلا ينظر الى كونهما وارثين وعدمه ، على أنّه لو اعتبر الإرث لكفى كونهما وارثين ظاهرا حين الإقرار.

قوله : ( ولو كانا فاسقين أخذ الميراث ولم يثبت النسب ).

أمّا أخذ الميراث فلأنّ إقرارهما نافذ فيه ولا يتوقف على ثبوت النسب ، وأمّا النسب فلأنّه لا يثبت بقول الفاسق وإنّما يؤثّر تصادق مجهولي النسب بالنسبة إليهما ، أمّا من كان له ورثة مشهورون فلا.

قوله : ( وإنّما يثبت النسب بشهادة رجلين عدلين ، لا بشهادة رجل وامرأتين ، ولا رجل ويمين ، ولا بشهادة فاسقين وإن كانا وارثين ).

اعتبر الشيخ في المبسوط لثبوت النسب إقرار رجلين عدلين أو امرأتين من الورثة (٢) ، مع إنّه قال في آخر هذا الباب : إنّه لا يسمع شاهد وامرأتان ولا شاهد ويمين (٣) ، والمختار هو المشهور.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٩.

(٢) المبسوط ٣ : ٣٩.

(٣) المبسوط ٣ : ٤٧.

٣٥٨

فروع :

أ : لو أقر الولد بآخر فأقرا بثالث ثبت نسب الثالث مع عدالتهما ، فلو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني ويأخذ السدس ، والثالث النصف ، والأول الثلث ، فإن مات الثالث عن ابن مقر دفع السدس الى الثاني أيضا.

ولو كان الأولان معلومي النسب لم يلتفت الى إنكاره لأحدهما ، وكانت التركة أثلاثا.

______________________________________________________

وهنا سؤال ، وهو : إنّهم ذكروا في باب الشهادات أنّ النسب يثبت بالشياع ، وذكروا هنا أنه لا بد من شاهدين ذكرين عدلين ، فلا بد من تنقيح المبحث ، وقد يقال : إنّ اشتراط العدلين مع المنازع والاكتفاء بالشياع مع عدمه.

قوله : ( لو أقر الولد بآخر ، فاقرا بثالث ثبت نسب الثالث مع عدالتهما ، فلو أنكر الثالث الثاني لم يثبت نسب الثاني ، ويأخذ السدس والثالث النصف والأول الثلث ).

لما ثبت نسب الثالث بشهادة عدلين كان إنكاره لنسب الثاني مؤثرا ، فيأخذ الثالث النصف ، لأنّه الوارث مع الأول بزعمه ، ويأخذ الأول الثلث لانه بزعمه ثلاثة ، ويدفع ما زاد على نصيبه وهو سدس الأصل الى الثاني بمقتضى إقراره ، وعلى الاحتمال يستويان فيما في يده.

قوله : ( فإن مات الثالث عن ابن مقر دفع السدس الى الثاني أيضا ).

المراد كون الابن مقرا بكون الثاني ابنا أيضا كإقرار الولد الأول ، فنفذ إقراره في السدس مع انحصار الإرث فيه.

٣٥٩

ولو أنكر الأول وكان معلوم النسب لم يلتفت الى إنكاره ، وإلاّ فله النصف وللأول السدس ان صدّقه الثاني.

ب : لو أقر الوارث بمن هو أولى منه كان المال للمقر له ، فلو أقر العم بأخ سلّم إليه التركة ، فإن أقر الأخ بولد سلّمت التركة إلى الولد.

ولو كان المقر العم بعد إقراره بالأخ فإن صدّقه الأخ فالتركة للولد ، وإن كذّبه فالتركة للأخ ، ويغرم العم التركة للولد إن نفي وارثا غيره ، وإلاّ فإشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أنكر الأول وكان معلوم النسب لم يلتفت الى إنكاره ، وإلاّ فله النصف ، وللأول السدس إن صدّقه الثاني ).

أي : لو أنكر الثالث الأول ، ولا ريب أنّه إذا كان معلوم النسب لا يلتفت الى إنكاره ، وبدون ذلك يكون للثالث النصف ، لأنّ الوارث بزعمه هو والثاني ، فإن صدّق الثاني الأول دفع اليه مما في يده السدس ـ أي : سدس الأصل ـ لأنّه فاضل عن حقه كما ذكرناه غير مرة ، وعلى الاحتمال يشتركان فيما في يده.

قوله : ( لو أقر الوارث بمن هو أولى منه كان المال للمقر له ، فلو أقر العم بأخ سلّم إليه التركة ، فإن أقر الأخ بولد سلّمت التركة إلى الولد ، ولو كان المقر العم بعد إقراره بالأخ فإن صدّقه الأخ فالتركة للولد ، وإن كذّبه فالتركة للأخ ويغرم العم التركة للولد إن نفى وارثا غيره ، وإلاّ فإشكال ).

لا ريب أنّه إذا أقر الوارث بمن هو اولى منه بالإرث ينفذ إقراره بالنسبة إلى المال ، لأنّه إقرار في حق نفسه ، فلو أقر عم الميت الوارث ظاهرا بأخ سلّم إليه التركة ، فإن أقر الأخ بولد نفذ إقراره.

ولو كان المقر بالولد العم بعد إقراره بالأخ ، فإن صدّقه الأخ فلا بحث ، وإن‌

٣٦٠