جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

ولا يقبل إقراره بالرق لغير من هو في يده ، ومن تحرر نصفه نفذ نصف إقراره ، ويتبع بالباقي.

الثالث : المقر له ، وله شرطان :

أ : أهلية التملك ، فلو أقر لدابة أو لحائط لم يصحّ ، وإن قال : بسبب الدابة قيل : يكون إقرارا للمالك على تقدير الاستئجار.

وفيه نظر ، إذ قد يجب بسببها مالا يستحقه المالك كأرش الجناية‌

______________________________________________________

لا يختلف فيه العمد والخطأ ، فقوله آخرا ولا يتوجه هنا الفك بأقل الأمرين ، كان ينبغي أن يزيد فيه : لو كانت الجناية خطأ لتكون العبارة شاملة لحكم القسمين.

وإن أراد أنّ ذلك في الجناية عمدا ـ وهو المتبادر من سوق عبارته ـ فليس كذلك ، إذ ليس للمولى هنا الفك أصلا إلاّ بالتراضي ، فليس للمولى فيها الفك بأقل الأمرين أيضا ، فلا يستقيم ما ذكره. وذكر في بعض حواشيه كلاما لا يخلو من شي‌ء ، وذكره يحوج الى التطويل ، وما ذكرناه هو التحقيق.

قوله : ( ولا يقبل إقراره بالرق لغير من هو في يده ).

لأنّ اليد تقتضي الملك ، وإقراره بالرق لغيره يقتضي نفي ذلك فيكون إقرارا على الغير فلا يقبل. والمراد بكونه تحت يده : أن يكون تحت سلطنته على وجه الملكية كما هو معلوم في العادة.

قوله : ( ومن تحرر نصفه نفذ نصف إقراره ويتبع بالباقي ).

هذا إذا أقر بمال ، أو بجناية توجب مالا ، ولو أقر بجناية توجب قصاصا فاستيفاؤه متعذر ، فيمكن أن يجب نصف الدّية ويتبع بباقي ما أقر به في الصور بعد العتق ، بناء على الوجه في نفوذ إقراره في حق نفسه.

قوله : ( وإن قال : بسبب الدابة ، قيل : يكون إقرارا للمالك على تقدير الاستئجار ، وفيه نظر ، إذ قد يجب بسببها ما لا يستحقه المالك كأرش‌

٢٢١

على سائقها أو راكبها.

نعم لو قال : لمالكها ، أو لزيد عليّ بسببها لزم.

ولو قال : بسبب حملها لم يلزمه شي‌ء إذ لا يمكن إيجاب شي‌ء بسبب‌

______________________________________________________

الجناية على سائقها أو راكبها. نعم لو قال : لمالكها ، أو لزيد عليّ بسببها لزم ).

القول المحكي هو قول الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، وتنقيحه : أنّ قول المقر : عليّ بسبب الدابة كذا منزّل على أنّ عليه لمالكها بسبب يقتضي ملكه من استئجارها ، أو ضمان أجرتها بنحو غصب أو جناية عليها وما جرى هذا المجرى.

ووجه وجوب حمل إطلاق الإقرار على استحقاق مالكها : أن المال الثابت في الذمّة بسبب الدابة جار مجرى نمائها وسائر منافعها فيكون للمالك. وذكر المصنف أنّ فيه نظرا ، لأن الإقرار أعم ، إذ قد يجب بسبب الدابة شي‌ء لغير المالك ، كما لو جنت على أجنبي وهي في يد سائقها أو راكبها فإنّ الواجب بسببها حينئذ للمجني عليه الأجنبي لا للمالك.

فإن قيل : كونه للمالك أرجح ، لأنّ الغالب في التملك بسببها أن يكون للمالك ، ولأنّ كونه للمالك مستغن عن تقدير أمر زائد ، وهو وقوع جنايتها في يده على غير المالك ، والراجح يتعيّن المصير اليه.

قلنا : أرجحيته باعتبار كثرة وقوعه لا تقتضي أرجحية استحقاق المالك إياه على غيره في نظر الشرع ، والإقرار محتمل.

والّذي يقتضيه صحيح النظر الاستفسار وقبول ما يفسر به ، ومع تعذره فهو إقرار لمجهول. أمّا لو قال : عليّ بسببها لمالكها ، أو قال : عليّ بسببها لزيد فلا كلام في نفوذ الإقرار ، وهو المراد بقوله : ( نعم لو قال : لمالكها أو لزيد عليّ بسببها لزم ).

ولو أتى بلفظ الإقرار هكذا طولب بالبيان ، فإن تعذر بنحو موته أقرع.

قوله : ( ولو قال : بسبب حملها لم يلزمه شي‌ء ، إذ لا يمكن إيجاب‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٨.

٢٢٢

الحمل. ولو أقر لميت صحّ وانتقل الى ورثته ، ولو قال : لا وارث له سوى هذا لزم التسليم اليه إن كان دينا ، وفي العين نظر أقربه وجوب البحث.

______________________________________________________

شي‌ء بسبب الحمل ).

أي : لو قال لمالك الدابة : علي كذا بسبب حملها لغا الإقرار لامتناعه في العادة.

ولقائل أن يقول : إنّ الضميمة تقتضي بطلان الإقرار فوجب أن تقع لاغية ، ويصحّ الإقرار كما لو قال له : كذا من ثمن خمر ، وفيه قوة.

فإن قيل : الكلام لا يتم إلاّ بآخره ومتمماته.

قلنا : نعم ، لكن إن اقتضت إلغاءه فحقها أو تلغى.

قوله : ( ولو أقر لميت صحّ وانتقل الى ورثته ).

لأنّ الميت في حكم المالك فكفى ذلك في صحة الإقرار له.

قوله : ( ولو قال : لا وارث له سوى هذا لزم التسليم إليه إن كان دينا ).

لأنّه في الحقيقة قد أقر بوجوب تسليم هذا القدر من ماله اليه فوجب أن يكون نافذا ، وقد سبق في الوكالة ذكر هذه المسألة في أحكام النزاع.

قوله : ( وفي العين نظر أقربه وجوب البحث ).

منشأ : النظر من أنّه إقرار من صاحب اليد بما يقتضي الملكية ، لأنّ قوله : هذا مال زيد الميت ولا وارث له ، إلاّ هذا يجري مجرى الإقرار لهذا من أول الأمر ، ومن أنّه قد ثبت بإقراره كونه للميت فيكون لورثته. وقوله : لا وارث له إلاّ هذا إقرار على غيره ، فلا يكون نافذا بحيث يلزم بالتسليم من الحاكم ، ولما فيه من التغرير بمال لم يثبت انحصار ملكه فيه وتعريضه للتلف ، وقوة هذا الوجه هي وجه القرب.

والفرق بين الدين والعين ظاهر ، فإنّ الدين لا يتعيّن بمجرد تعيين المديون ما لم‌

٢٢٣

ولو أقر للعبد صحّ وكان للمولى ، ولو أقر لحمل فلانة وعزاه الى وصية أو ميراث صحّ ، فإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما على حسب استحقاقهما.

ولو عزاه الى سبب ممتنع كالجناية عليه والمعاملة فالأقرب اللزوم‌

______________________________________________________

يقبضه المالك أو من يقوم مقامه ، فإقرار المديون فيه في الحقيقة إقرار على نفسه ، وما قرّبه المصنف هو الأصح. نعم لو أراد المقر دفع العين لم يمنع ، فإن ظهر وارث آخر كان له مطالبته.

قوله : ( ولو أقر للعبد صحّ وكان للمولى ).

وذلك لأنّ الإقرار له يقتضي الاعتراف له باليد ، وذلك ممكن في حق العبد ومصحح للإقرار له ، ولمّا كانت يده يد السيد كان الإقرار للسيد. وأيضا فإنّ المعاملة مع العبد ، والإضافة إليه في البيع والهبة ، وسائر الإنشاءات أمر واقع ، وهو كاف في صحة الإقرار.

قيل : الإقرار يقتضي الملك وهو ممتنع في حق العبد.

قلنا : هذا القدر كاف للصحة.

قيل : هو مجاز :

قلنا : لا يضرّ فإنّه شائع شهير.

قوله : ( ولو أقر لحمل فلانة وعزاه الى وصية أو ميراث صح ).

للإطباق على أنّه تصح الوصية له وإنه يرث.

قوله : ( فإن ولدت ذكرا وأنثى فهو بينهما على حسب استحقاقهما ).

العبارة تشعر بتفاوتهما في النصيب ، وهذا في الإرث ، أمّا في الوصية فإنهما سواء على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو عزاه الى سبب ممتنع كالجناية عليه ، والمعاملة له فالأقرب‌

٢٢٤

وإلغاء المبطل ،

______________________________________________________

اللزوم وإلغاء المبطل ).

أي : لو عزا الإقرار للحمل الى سبب ممتنع ـ وهو القسم الثاني من أقسام الإقرار للحمل ـ ففي صحة الإقرار وإلغاء الضميمة وبطلانه وجهان أقربهما الأول.

أمّا صحة الإقرار فلعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ، ولأنّ كلام المكلف مصون عن اللغو بحسب الممكن. وأمّا إلغاء الضميمة فلأنّها تقتضي إبطال الإقرار ورفعه فوجب الحكم بإبطالها لسبق الحكم بصحته ، ولأنّ الاقتصار على إبطال البعض مع إمكانه أولى ، ولأنّ ذلك جار مجرى له عليّ ألف من ثمن خمر ، مع أنّ الضميمة غير مؤثرة في صحة الإقرار هنا قطعا ، وكذا الاستثناء المستغرق.

فإن قيل : أي فرق بينه وبين قوله : له عليّ ألف إن دخلت الدار.

قلنا : يمكن الفرق بأنّه لا إقرار هنا أصلا ، لأنّه لم يخبر بكون الألف عنده بل أخبر بثبوتها على التقدير ، وقد أخبر في صورة النزاع بكون المقر به عنده ، ثم وصفه بما يمتنع معه الثبوت فيكون رفعا للإقرار بعد ثبوته.

فان قيل : لم لم تلغ الضميمة هنا أيضا؟.

قلنا : الإلغاء فرع ثبوت الإقرار في نفسه ولم يثبت هناك للتعليق.

فان قيل : لم لم يلغ الشرط ليتحقق الثبوت؟.

قلنا : لا دليل على الغاية ، فإنّ كل ما كان من متممات الكلام بحسب القانون الوضعي وجب الحكم بأنّه لا يتم الكلام بدونه ، ولمّا لم يتحقق إقرار تام مشتمل على اخبار لم يعد الباقي ضميمة منافية يجب إلغاؤها بخلاف محل النزاع ، هذا مع الإجماع على عدم الإقرار مع التعليق وانتفائه هنا.

ويحتمل ضعيفا البطلان ، لأنّ الكلام لا يتم إلاّ بآخره ومتمماته ، وجوابه مستفاد‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

٢٢٥

ولو أطلق فالوجه الصحة تنزيلا على المحتمل ، ويكون بين الذكر والأنثى نصفين.

______________________________________________________

ممّا ذكرنا ، والأصح الأول. ولا يخفى أنّ موضع الاحتمال ما إذا وصل كلامه بالإضافة إلى السبب الممتنع ، فلو تراخى زمانهما فالإقرار ماض وجها واحدا.

قوله : ( ولو أطلق فالوجه الصحة تنزيلا على المحتمل ).

هذا هو القسم الثالث من أقسام الإقرار للحمل ، وهو أن يطلق الإقرار له من غير أن يضيف الى سبب ، قال الشيخ في المبسوط : قيل فيه قولان : أحدهما يصحّ ، والآخر لا يصحّ ، وقوّى الأول (١).

ووجه الصحة عموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٢) ولأنّا قد بيّنا أنّه لو عزاه الى سبب ممتنع صحّ الإقرار والغي المبطل فهنا أولى ، لإمكان تنزيل الإقرار على السبب الصحيح ، فيجب التنزيل عليه صونا للإقرار عن الفساد.

وهذا هو المراد بقوله : ( تنزيلا على المحتمل ) ، أي : تنزيلا للإطلاق على السبب الصحيح المحتمل فإنّه ممكن وإن كان نادرا.

ووجه البطلان : إنّ المال في الغالب إنّما يثبت بمعاملة أو جناية ، وذلك منتف في حقه ، ولانتفاء الحكم بالملك قبل سقوطه حيا فلا يكون مالكا حقيقة. والميراث والوصية سببان للملك عند سقوطه حيا ومانعا لملك غيره قبله ، فحمل الإطلاق عليهما يحتاج الى دليل. وضعفه ظاهر ، فإنّ هذا القدر كاف في صحة نسبة المال إليه.

قوله : ( ويكون بين الذكر والأنثى نصفين ).

لأنّ الأصل عدم ما يقتضي التفضيل ، ولا يخفى أنّه لا يستقيم هذا على إطلاقه ، بل إنّما هو مع تعذر الاستعلام ، فإن أمكن تعيّن ، لأنّ الإقرار أعم من الاستواء والتفاضل ، فلا يجوز الاقدام على التسوية مع إمكان أن يكون الاستحقاق على وجه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٤.

(٢) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

٢٢٦

ويملك الحمل ما أقر له به بعد وجوده حيا لدون ستة أشهر من حين الإقرار ، ولو ولد لأكثر من مدة الحمل بطل ، ولو وضع فيما بينهما ولا زوج ولا مالك حكم له ، لتحققه وقت الإقرار.

______________________________________________________

التفاضل.

نعم مع تعذر الاستعلام يقسم نصفين تمسكا بأصالة عدم ما يقتضي خلافه ، مع احتمال الإيقاف الى أن يصطلحها ، لأنّ الجهل بالسبب المقتضي للملك لا يقتضي الاستواء ، لإمكان كونه الإرث ، بخلاف الوقف والوصية إذا جهل التفضيل ، فإنّ نسبة السبب الى جميع المستحقين واحدة.

قوله : ( ويملك الحمل ما أقرّ له به بعد وجوده حيا لدون ستة أشهر من حين الإقرار ).

المراد بـ ( وجوده حيا ) : تولده كذلك ، إذ لا يثبت له ملك قبل ذلك ، نعم يمتنع تملك غيره في تلك المدة.

ولا بد من أن يكون وجوده كذلك لدون ستة أشهر من حين الإقرار ليقطع بوجوده حين صدوره ، بخلاف ما لو كان لستة فصاعدا فإنه يمكن تجدده بعد الإقرار ، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر.

قوله : ( ولو ولد لأكثر من مدة الحمل بطل ).

المراد : لأكثر من أقصى مدة الحمل ، ووجه البطلان : القطع بأنّه لم يكن موجودا حين الإقرار.

قوله : ( ولو وضع فيما بينهما ولا زوج ولا مالك حكم له لتحققه حال الإقرار ).

أي : فيما بين أقل مدة الحمل والأكثر من أقصاها ، فإنّه حينئذ يمكن كونه للفراش الأول ، فحيث انتفى تجدد فراش آخر تعيّن كونه للأول.

٢٢٧

ولو كان لها زوج أو مولى ففي الحكم له إشكال ينشأ : من عدم اليقين بوجوده ، ومن صحة الإقرار وللعادة.

ولو سقط ميتا فإن عزا إلى إرث أو وصية عاد الى مورّث الطفل والموصى ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان لها زوج أو مولى ففي الحكم له إشكال ينشأ من عدم اليقين بوجوده ، ومن صحة الإقرار وللعادة ).

أي : لو وضع فيما بينهما ولها ـ أي : وللام ـ زوج أو مولى ، ولم يجر للام ذكر لكن دل عليها الزوج والمالك المذكوران سابقا ولا بدّ من أن يكون الدخول قد حصل ليكون فراشا له ، ويمضي لوضعه من حين الدخول ستة أشهر ليمكن اللحاق ، وإلاّ لم يكن في صحة الإقرار إشكال. وحينئذ ففي صحة الإقرار إشكال ينشأ : من عدم اليقين بوجوده حين الإقرار ، ووجود المقر له شرط الصحة فلا بد من تحققه ، ولأنّ الولد لاحق بالثاني كما سيأتي إن شاء الله تعالى فكيف يحكم بوجوده حين الإقرار.

ومن أنّ الأصل في الإقرار الصحة ، ووجوده حين صدور الإقرار أمر ممكن فلا يحكم ببطلان الإقرار بمجرد الاحتمال ، ولقضاء العادة ببقاء الحمل تسعة أشهر ، والأول أقوى.

وأعلم أنّ إطلاق ثبوت الاشكال مع وجود الزوج والمولى في العبارة يحتاج الى التقييد بالدخول ومضي ستة أشهر للوضع من حينه.

وقوله : ( وللعادة ) إنّما يستقيم التعليل به إذا كان الوضع لدون تسعة أشهر من حين الإقرار ، والمسألة شاملة لما فوق التسعة إلى أقصى مدة الحمل.

قوله : ( ولو سقط ميتا فإن عزا إلى إرث أو وصية عاد الى مورث الطفل والموصي ).

أي : لو سقط الحمل المقر له ميتا ، فإن كان المقر قد عزا الإقرار إلى الإرث‌

٢٢٨

وإن أطلق كلّف السبب وعمل بقوله ، وإن تعذّر التفسير بموته أو غيره بطل الإقرار.

ولو ولدت اثنين أحدهما ميت فالمال للآخر.

ولو أقر لمسجد ، أو مشهد ، أو مقبرة ، أو مصنع ، أو طريق وعزاه الى‌

______________________________________________________

أو الوصية عاد الى المورث والموصى فيرثه وارث غيره من أمواله ، وأراد بـ ( الطفل ) : الحمل نفسه و ( مورثه ) : هو الذي استحق الإرث منه.

قوله : ( وإن أطلق كلّف السبب وعمل بقوله ).

أمّا وجه تكليفه السبب فلأنّ العلم بمستحق ذلك موقوف على بيانه ، لأنّه إن كان وصية فالمستحق وارث الموصي ، وإن كان إرثا فالمستحق وارث مورثه وتغايرهما أكثري ، وإنّما لم يعتبر المصنف فيما سبق تكليف السبب إذا أطلق الإقرار ، لعدم توقف الإقرار عليه وانتفاء تعذر العلم بالمصرف بدونه بخلاف ما هنا.

وأما وجه العمل بقوله فلان المرجع في أصل الإقرار إليه فكذا فيما يترتب عليه ، ولأنّه لا طريق الى العلم بالحال إلاّ بقوله ، والأصل في اخباره الصحة ولا معارض. وأعلم أنّ الذي يتولى تكليفه بيان السبب هو الحاكم ليصل الحق إلى مستحقه.

قوله : ( وإن تعذر التفسير بموته أو غيره بطل الإقرار ).

وذلك لانتفاء المقر له ، فهو كما لو أقر لواحد من خلق الله تعالى ، ولا مجال للقرعة هنا إذ ليس هنا من يقرع بينهم.

قوله : ( ولو ولدت اثنين أحدهما ميت فالمال للآخر ).

لأنّ الميت بمنزلة من لم يكن.

قوله : ( ولو أقر لمسجد ، أو مشهد ، أو مقبرة ، أو مصنع ، أو طريق‌

٢٢٩

سبب صحيح مثل أن يقول : من غلة وقفه صحّ ، وإن أطلق أو عزاه الى سبب باطل فالوجهان.

ب : عدم التكذيب ، فلو قال : هذه الدار لزيد فكذّبه لم يسلّم اليه.

______________________________________________________

وعزاه الى سبب صحيح مثل أن يقول : من غلة وقفه صحّ ).

أي : وجها واحدا كما سبق في الحمل.

قوله : ( وإن أطلق ، أو عزاه الى سبب باطل فالوجهان ).

أي : فالوجهان السابقان في نظيرهما من الإقرار للحمل يأتيان هنا ، وقد سبق أنّ الوجه (١) تنزيل الإطلاق على الأمر الصحيح المحتمل ، وإنّ الأقرب لزوم الإقرار ، وإلغاء الضميمة فيما إذا عزا الى سبب ممتنع فيكون مثل ذلك هنا.

قوله : ( فلو قال : هذه الدار لزيد فكذّبه لم تسلّم إليه ).

أي : لم تسلّم الى زيد على طريق اللزوم والوجوب ، فإنّه سيأتي إن شاء الله تعالى إنّه لو رجع الى التصديق عن الإنكار استحقها فيجوز تسليمها إليه في حال الإنكار ، ولأنّها ماله بزعم المقر فله التسليم على مقتضى إقراره.

ويمكن أن يقال : إن أوجبنا انتزاعه من يد المقر لم يجز التسليم الى المقر له ، إذ لم ينفذ الإقرار بالنسبة إليه فيستحق به ، ولم (٢) يعلم استحقاقه إياه عند الحاكم فلا يجوز الدفع اليه ، وإلاّ جاز ، وهو متين. ويمكن أن يكون المراد : لم يجز التسليم اليه ، الانتفاء المقر به عنه بتكذيبه فكيف يجوز تسليم ما ليس له اليه.

ويمكن أن يبنى ذلك على أنّ المقر هل هو مؤاخذ بإقراره هذا أم لا؟ فعلى الأول يجوز له التسليم إذ هو بالنسبة إليه مال المقر له ، وعلى الثاني لا يجوز. نعم ليس له الإلزام بذلك ، خلافا لبعض الشافعية (٣).

__________________

(١) في « ك‍ » : الأوجه.

(٢) في « ص » : ما لم.

(٣) انظر : الوجيز : ١٩٦.

٢٣٠

ثم إمّا أن يترك في يد المقر ، أو القاضي.

______________________________________________________

قوله : ( ثم إمّا أن يترك في يد المقر أو القاضي ).

ظاهر هذه العبارة تخيير القاضي بين الأمرين ، وهو الذي صرّح به في التذكرة (١) ، والّذي فهمه الشارح الفاضل أنّ ذلك ترديد بين القولين (٢).

ووجه الأول : إنّ الأصل في يد المسلم أن لا تكون يد عدوان ، وربما كانت يد استحقاق فلا يجوز الانتزاع من يده ، لأنّ ذلك فرع كونها بغير استحقاق وهو خلاف الأصل.

وفيه نظر ، لأنّ الاستحقاق خلاف الأصل ، كما أنّ العدوان خلاف الأصل ، لتوقف كل منهما على سبب يقتضيه والأصل عدمه ، مع أصالة براءة الذمّة المقتضي لعدم العدوان ، واليد الشرعية أعم من استحقاقها الإدامة وعدمه ، لإمكان حصول المقر به في يد المقر بوجه حسبة كالتخليص من يد ظالم ، وإطارة الريح الثوب الى داره ، ومثل هذا لا يقتضي الإبقاء في يده ، والأصل عدم ما يقتضي أمرا زائدا.

ووجه الثاني ، أنّ القاضي هو ولي الغائب والمتولي لحفظ المال الضائع والمجهول المالك ، وهذا في حكم الضائع والمجهول المالك فينتزعه ويسلّمه إلى أمينه. والظاهر أنّ مختار التذكرة لا يخرج عن الثاني ، لأنّ تخييره بين الأمرين يقتضي جواز الانتزاع وهو خلاف الأول ، وكيف كان فالثاني أصحّ. ولا ريب إنّه ورأى إبقاءه في يد المقر صلاحا أبقاه في يده.

وفي شرح الإرشاد : أنّها تبقى في يد المقر إن قبلنا رجوعه ، لأصالة بقاء يده ، ولإمكان أن يدعيها فيثبت له. وفيه نظر ، إذ لا أصل يرجع إليه في إدامة يده كما بيناه ، وإمكان دعواه ملكيتها بعد ذلك وقبولها منه لا يقتضي استحقاق الإدامة الآن ، إذ‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٩.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٣٥.

٢٣١

فإن رجع المقر له عن الإنكار سلم إليه ، فإن رجع المقر في حال الإنكار فالأقرب عدم القبول ، لأنّه أثبت الحق لغيره ، بخلاف المقر له فإنه اقتصر على الإنكار.

______________________________________________________

لا تلازم بينهما. قال : وإن لم نقل به ففي انتزاعها منه وجهان ، وقد عرفت ما يكفي في مجي‌ء الوجهين على كل من تقدير قبول الرجوع وعدمه.

قوله : ( فإن رجع المقر له عن الإنكار سلّم إليه ، فإن رجع المقر في حال الإنكار فالأقرب عدم القبول ، لأنّه أثبت الحق لغيره ، بخلاف المقر له فإنّه اقتصر على الإنكار ).

إذا رجع المقر له عن الإنكار وتكذيب الإقرار سلّم اليه المقر به لاستحقاقه إياه وذلك لزوال حكم الإنكار بالتصديق فيبقى الإقرار سليما عن المعارض ، ولأنّه مال لا يدعيه غيره ، وصاحب اليد مقر له به فكان له.

ولو رجع المقر عن إقراره في حال إنكار المقر له فأقر بها لآخر أو ادّعى ملكيتها فالأقرب عدم القبول ، لأنّ إقراره الأول مضى عليه ، وحكم عليه به فانقطعت سلطنته عن المقر به فإنّ « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ، والمشروط بعدم التكذيب إنّما هو نفوذ الإقرار في حق المقر له بحيث يجب عليه تسلّم المقر به ، لا أن ذلك شرط صحة الإقرار في نفسه ، إذ لا دليل عليه.

ويحتمل القبول ، لأنّه مال لا يدّعيه أحد ، واليد عليه له فيجب أن يقبل إقراره فيه ودعواه ملكيته ، ولأنّه لمّا حصر ملكيته في زيد وقد انتفى عنه ينفيه جرى مجرى المباح وليس بشي‌ء ، لما قلناه من الحكم بصحة الإقرار السابق في حقه.

وهذا إما هو إذا قلنا بعدم جواز انتزاعه من يده ، فإن جوزناه لم يقبل رجوعه‌

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

٢٣٢

ولو أقر لعبد بنكاح أو تعزير قذف فكذّب السيد فالأقرب اللزوم ، بخلاف ما لو كذب العبد ، إذ لا حق للسيد هنا.

______________________________________________________

قطعا إذ لا يد له عليه ، وبه صرّح في التذكرة (١) ، وقول المصنف : ( لأنّه أثبت الحق لغيره ) إشارة إلى وجه الفرق بين رجوع المقر له ورجوع المقر ، فيناسب أن يكون جوابا عن سؤال مقدّر.

وتحقيقه : إن المقر أثبت الحق لغيره بإقراره ، فقطع سلطنته وأثبتها للغير فلم يقبل منه ما ينافي ذلك ، لأنّ الإنكار بعد الإقرار غير مسموع ، ولأنّه أخرج الملك عن نفسه بالإقرار فلا يعود اليه بمجرد الدعوى ، وبصيرورة الحق لغيره يكون رجوعه عنه الى آخر إقرارا في حق الغير ، بخلاف المقر له فإنّه اقتصر على الإنكار وهو لا يدل على كون الملك لغيره بشي‌ء من الدلالات الثلاث :

ولأنّه ربّما بنى على ظاهر الحال عنده ، لإمكان أن لا يعلم سبب حدوث الملك له ونحو ذلك ، فإنكاره قابل للتأويل ، ولأنّ رجوعه متضمن للاعتراف بدعوى وجوب التسليم ، والإقرار بالدعوى بعد الإنكار مسموع.

قوله : ( ولو أقر لعبد بنكاح أو تعزير قذف فكذب السيد فالأقرب اللزوم بخلاف ما لو كذب العبد إذ لا حق للسيد هنا ).

أي : لو أقر مقر لعبد ، بنكاح. وتعزير قذف فكذب السيد فالأقرب اللزوم ونفوذ الإقرار في حق المقر ، ولا يتوقف ذلك على تصديق السيد. ووجه القرب : عموم قوله عليه‌السلام : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (٢) ، ولا حق للسيد في المقر به.

أمّا النكاح فإنّه وإن توقفت صحته على رضى السيد ، إلاّ أنّه إذا ثبت محض حق للعبد لا حق للسيد فيه ، ونحن لا نريد ثبوته في حق السيد بحيث يحكم به بالنسبة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٤٩.

(٢) عوالي اللآلي : ٢٢٣ حديث ١٠٤.

٢٣٣

ولو أنكر المقر له بعبد قيل : يعتق ، وليس بجيد ، بل يبقى على الرقية المجهولة المالك ، ويحتمل الحرية إن ادعاها العبد.

______________________________________________________

الى العبد ، بل نريد نفوذه في حق المقر ، فلا يجوز للمرأة المقرة به أن تتزوج بغيره.

وأمّا التعزير للقذف فظاهر ، إذ لا تعلق للسيد بذلك. ويحتمل عدم النفوذ مع تكذيب السيد ، لإطلاق قولهم : الإقرار للعبد إقرار للسيد ، وليس بشي‌ء ، فإنّ ذلك إنّما يعقل فيما يتصور كونه للسيد. ثم أنّ المقر مؤاخذ بإقراره صدق المقر له أو كذب ، نعم استيفاء التعزير موقوف على تصديق العبد ومطالبته.

وأعلم أنّ قوله : ( إذ لا حق للسيد هنا ) تعليل للأمرين معا أعني : قوله : ( فالأقرب اللزوم ) فإنّ المراد : وإن لم يصدق السيد ، وقوله : ( بخلاف ما لو كذب العبد ) فإن معناه : إنّه لا يلزم. لكن قد علمت ان نفوذ إقرار المرأة بزوجية العبد عبارة عن عدم جواز تزوجها بغيره ، وهذا لا يتفاوت الحال فيه بتصديقه وتكذيبه فلا يستقيم قوله ، بخلاف ما لو كذب العبد على إطلاقه.

قوله : ( ولو أنكر المقر له بعبد قيل : يعتق ، وليس بجيد بل يبقى على الرقية المجهولة المالك ، ويحتمل الحرية إن ادعاها العبد ).

قد سبق حكم ما إذا كان المقر به ممّا لا يكون له عبارة ولا يتصور منه تصديق ولا تكذيب ، وهذا حكم ماله ذلك.

فإذا أقر لزيد بعبد تحت يده ، ولا يتم ذلك إلاّ إذا كانت للمقر يد شرعية على إنسان يقتضي سلطنة الملك بحيث يكون مملوكا بمقتضى ظاهر الحال ، إذ لو لم يكن الأمر كذلك لم ينفذ إقرار المقر وإن صدّقه المقر له ، بل لا يعد ذلك إقرارا ، وحينئذ لو أنكر المقر له ذلك قيل : يعتق العبد ، والقائل بذلك الشيخ (١) ، وابن البراج (٢).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٣.

(٢) المهذب : ٤١١.

٢٣٤

______________________________________________________

ووجهه : أنّ صاحب اليد قد نفى ملكيته عنه بإقراره به لغيره ، ويلزم منه انتفاء ملكيته عن كل من عدا المقر له ، والمقر له قد أنكر تملكه فيكون حرا إذ لا مالك له.

وفيه نظر ، إذ لا يلزم من نفي المالك ظاهرا انتفاؤه بحسب الواقع ، والفرض إنّ رقيّة العبد أمر محقق كما قررناه فلا يتم ذلك ، وأيضا فإنّه لا علقة للمقر على العبد لإقراره به للمعين ولا لمن عدا المعيّن لاقتضاء حصر الملك فيه نفيه عن غيره ، ولأصالة عدم مالك آخر ، ولا للمعيّن لإنكاره ملكيته ، والجمع بين انتفاء العلقة وثبوت الرقيّة محال. وفيه أيضا نظر ، لأنّ نفي العلقة إنّما تحقق ظاهرا لا بحسب الواقع ، لثبوت الرقيّة قبل ذلك ، وثبوت العلقة تابع لثبوتها ، ونفي العلقة ظاهرا يجتمع مع الرقية بحسب الواقع.

فإن قيل : انتفاء العلقة ظاهرا يقتضي انتفاء الرقية ظاهرا ولا نعني بالحرية إلاّ ذلك ، إذ لا نريد إلاّ الحرية ظاهرا.

قلنا : تحقيق المقام إنّ المنتفي ظاهرا هو علقة شخص معيّن ، أمّا مطلق العلقة فإنّها غير منتفية لأنّ الغرض أنّ الرقية كانت محققة الثبوت حين الإقرار والعلقة تابعة لها ، فإذا نفاها المقر عن نفسه وعمن عدا المقر له ونفاها المقر له عن نفسه لم يلزم انتفاؤها بالكلية بعد تحقق ثبوتها.

كما أنّ انتفاء ملك المقر عن غير العبد بإقراره والمقر له بتكذيبه لا يقتضي نفي أصل الملك والحاقه بالمباحات ، وأيضا فإنّ الحرية أصل في الآدمي والرقية بأمر طارئ ، ولم تثبت الرقية هنا فغلب الأصل. وفيه أيضا نظر ، فإنّ الفرض ثبوتها والانتقال عن حكم الأصل.

وردّ المصنف كلام الشيخ وحكم ببقاء العبد على الرقية المجهولة المالك كغيره‌

٢٣٥

المطلب الرابع : في المقر به ، وهو : أمّا مال ، أو نسب ، أو حق.

ولا يشترط في المال العلم ، فيقبل بالمجهول ثم يطالب بالبيان

______________________________________________________

من الأموال ، وهو الأصحّ ، لأنّ الرقية قد تثبت شرعا فلا تزول إلاّ بأحد الأسباب المقتضية للتحرير ، وليس الجهل بمالك العبد منها.

واحتمل المصنف ثبوت الحرية في العبد إن ادّعاها ، لأنّه مدع لا ينازعه في دعواه منازع ولا سلطنة لأحد عليه ، وليس بشي‌ء ، لأنّه يجب على الحاكم أن ينازعه ويدافعه ، ويثبت اليد عليه ، ويصونه عن الضياع كسائر الأموال المجهولة المالك ، لما قدمناه من ثبوت رقيته وتحققها ظاهرا.

قوله : ( المطلب الرابع : في المقر به : وهو إمّا مال ، أو نسب ، أو حق ).

الحق كالقصاص ، والخيار ، والشفعة ، والأولوية ، وما جرى هذا المجرى.

قوله : ( ولا يشترط في المال العلم فيقبل بالمجهول ثم يطالب بالبيان ).

أي : لا يشترط في المال المقر به أن يكون معلوما فيصحّ الإقرار بالمجهول ، لأنّ الإقرار إخبار عن حق سابق ، والخبر قد يقع عن الشي‌ء على جهة الإجمال كما يقع على جهة التفصيل.

وربّما كان في ذمّة الإنسان ما لا يعلم قدره ، فلا بدّ له من الاخبار عنه ليتفق هو وصاحبه على الصلح عنه بشي‌ء ، فدعت الحاجة الى سماع الإقرار بالمجهول ، بخلاف الإنشاءات فإنّ أغلبها لا يحتمل الجهالة احتياطا ، لابتداء الثبوت وتحرزا من الغرر ، وحينئذ فيطالب المقر بمجهول بالبيان والتفسير.

فإن امتنع ، ففي التذكرة إنّ الأقرب حبسه حتى يبيّن ، لأنّ البيان واجب‌

٢٣٦

ولا أن يكون ملكا للمقر ، بل إن كان بطل ، فلو قال : داري لفلان ، أو مالي ، أو ملكي ، أو عبدي ، أو بقري لفلان بطل للتناقض.

______________________________________________________

عليه ، فإذا امتنع منه حبس كما يحبس على أداء الحق (١) ومقتضاه أنّه لو ادّعى الجهالة بنسيان ونحوه لا تسمع.

وقال في التحرير : ولو قال : نسيت احتمل الرجوع الى المدعي مع اليمين ، ولا فرق في صحة الإقرار بالمجهول بين أن يقع في جواب الدعوى أو ابتداء (٢).

قوله : ( ولا أن يكون ملكا للمقر بل لو كان بطل ).

أي : لا يشترط لصحة الإقرار أن يكون المقر به ملكا للمقر حين يقر به ، بل الشرط في الإقرار بالأعيان أن لا تكون مملوكة للمقر حين إقراره ، لأنّ الإقرار لا يزيل الملك عن صاحبه ، وإنّما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له حين إقراره. والخبر حكاية عن المخبر به فيتأخر عنه ، فلا بدّ أن يكون الملك للمقر له في نظر المقر حتى تقع المطابقة بين إقراره وما في نفس الأمر ، هكذا أطلقوا القول.

وينبغي أن يقال : إنّ عدم ملك المقر في نفس الأمر شرط لصحة الإقرار لتقع المطابقة بين الخبر والمخبر عنه ، وأمّا بحسب الظاهر فلا بدّ أن تكون له سلطنة تقتضي في ظاهر الحال كونه مالكا ، لأنّ الإقرار لشخص بما هو مملوك لغيره ظاهرا لا اعتداد به قطعا.

وعلى هذا ففي تفريع قوله : ( فلو قال : داري لفلان ، أو ملكي أو مالي أو عبدي أو ثوبي لفلان بطل للتناقض ) نظر ، لأنّ شرط الصحة الإقرار وإن كان هو انتفاء ملك المقر بحسب الواقع ، إلاّ أنّ شرط صحته أيضا كونه مالكا بحسب الظاهر على ما سيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٥١.

(٢) التحرير ٢ : ١١٥.

٢٣٧

______________________________________________________

فإذا قال : داري لفلان لم يمتنع أن يكون المراد به : الدار التي هي بحسب الظاهر لي ملك لفلان في نفس الأمر ، وليس في ذلك تناقض ولا تناف ، إلاّ أن يقال : إنّ المتبادر من قوله : داري الدار التي هي لي بحسب الواقع ، وهذا أظهر في قوله : ملكي لفلان ، ولا يضرّ ذلك ، لأنّه إن سلّم كونه متبادرا فشيوع الآخر في الاستعمال أمر واضح.

وأعلم أنّ الشيخ رحمه‌الله قال : إذا قال له : في ميراثي من أبي ألف درهم كان هبة لا إقرارا ، لأنّه أضاف إلى نفسه (١) ، وتبعه ابن إدريس (٢) ، وكذا لو قال : داري هذه لفلان لم يكن إقرارا ، قال ابن إدريس : لأنّه يكون مناقضة ، وكيف يكون داره لفلان في حال ما هي له؟ قالا : ولو قال في ذلك : بأمر حق واجب كان إقرارا صحيحا ، لأنّه يجوز أن يكون له حق وجعل داره في مقابلة ذلك الحق.

وذهب المصنف في المختلف إلى التسوية بينهما وصحة الإقرار فيهما ، لأنّ الإضافة إلى الشي‌ء يكفي فيها أدنى ملابسة كقوله تعالى ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ) (٣) ، وكقول أحد حاملي الخشبة : خذ طرفك ، ولأنّ الإضافة قد تكون للملك وقد تكون للتخصيص ، ولمّا امتنع الحمل على الأول لإسناد الملك المصرح به باللام الى غيره فيحمل على الثاني ، لوجود القرينة الصارفة للفظ عن أحد محامله الى غيره ، ولا يحكم ببطلان الثاني المصرّح به للاحتمال في الأول (٤).

هذا محصّل كلام المختلف ، ولا ريب أنّ الإضافة بأدنى ملابسة مجاز إلا أنّه لا يضر ذلك ، لأنّه استعمال شائع مشهور والتناقض الذي فرّ منه الشيخ وابن إدريس‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢١.

(٢) السرائر : ٢٨٢.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) المختلف : ٤٤٠.

٢٣٨

ولو شهد الشاهد بأنّه أقر له بدار كانت ملك المقر الى أن أقر فالشهادة باطلة.

ولو قال : هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الإقرار لم تسمع الضميمة وصحّ إقراره ، نعم يشترط ان يكون المقر به تحت يده وتصرفه ، فلو قال : الدار التي في يدي أو تحت تصرفي لزيد لزم

______________________________________________________

في القرض لا يندفع بقوله : بأمر حق واجب ، ومختار المختلف قوي. ( ويمكن أن يقال : إنّه لمّا أتى بمؤكد الاستحقاق الدال على ذلك نصا علم أنّه لا يريد بقوله في ميراثي وملكي إلاّ المجاز ، لوجود القاطع في الدلالة ) (١).

قوله : ( ولو شهد الشاهد بأنّه أقر له بدار كانت ملك المقر الى أن أقر فالشهادة باطلة ).

لما سبق من أنّ الإقرار لا يزيل الملك فيشترط لصحته كونه غير مملوك للمقر.

قوله : ( ولو قال : هذه الدار لفلان وكانت ملكي إلى وقت الإقرار لم تسمع الضميمة وصحّ إقراره ).

وذلك لأنّ الضميمة تقتضي بطلان الإقرار فتلغو ، كما لو قال له : عليّ ألف من ثمن خمر.

قوله : ( نعم يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرّفه ، فلو قال : الدار التي في يدي أو تحت تصرّفي لزيد لزم ).

هذا استدراك لما عسى أن يشعر به قوله السابق : ( ولا أن يكون ملكا للمقر ) فإنّه ربّما أوهم اشتراط انتفاء ما يقتضي الملك ظاهرا. وليس كذلك ، إذ لا ينفذ الإقرار إلاّ مع وجود ما يقتضي ذلك ، وإلاّ لكان إقرارا على الغير.

__________________

(١) لم ترد في « ك‍ ».

٢٣٩

ولو قال : له في ميراث أبي ، أو من ميراث أبي مائة صحّ وكان إقرارا بدين على التركة.

ولو قال : في ميراثي من أبي ، أو من ميراثي من أبي لم يكن إقرارا ،

______________________________________________________

ولا يخفى أنّه لا بدّ في قوله : ( يشترط أن يكون المقر به تحت يده وتصرّفه ) أن يراد باليد والتصرّف : ما يقتضي الملك ظاهرا ، لما قلناه من لزوم كون الإقرار على الغير ، فإنّ اليد إذا كانت يد عارية أو إجارة ونحو ذلك يكون فرعا على يد الغير. فإذا علم لم يعتد بإقرار ذي اليد حينئذ ، وإن جهل كان إقرار ذي اليد نافذا بالنسبة إلى تعيينه ، لأنّ أصل كون الملك للغير معلوم بدون الإقرار.

إذا تقرر ذلك فقوله : الدار التي في يدي لفلان لازم ونافذ ، لأن كونه في يده شرط صحة الإقرار كما عرفت ، فالتصريح به يكون مؤكدا للصحة.

قوله : ( ولو قال : له في ميراث أبي أو من ميراث أبي مائة صحّ وكان إقرارا بدين على التركة ).

لقائل أن يقول : التناقض المدّعى لزومه في قوله : ( داري لفلان ) لازم هنا ، لأنّ ما كان ميراثا لأبي المقر فهو ملك له ، أو على حكم مال الميت مع الدين. وعلى كل تقدير فليس ملكا للمدين ، وقد اقتضى الإقرار كونه ملكا له.

فإن قيل المراد من قوله : ( له في ميراث أبي ) استحقاق ذلك قلنا : هو خلاف الظاهر ، فإنّه خلاف الوضع اللغوي والشهير في الاستعمال العرفي ، وإذا جاز ارتكاب مثل هذا هنا ففي ما سبق أولى.

قوله : ( ولو قال : في ميراثي من أبي ، أو من ميراثي من أبي لم يكن إقرارا ).

بعد ملاحظة ما قلناه لا يظهر فرق بين المسألتين ، والأقوى صحة الإقرار فيهما.

٢٤٠