جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٦

وإفلاس المتهب لا يبطل حق الرجوع ، ومع الحجر إشكال ،

______________________________________________________

هذا مذهب الشيخ‌ في النهاية (١) ، وجماعة (٢) ، ونقل في الخلاف انهما يجريان مجرى ذوي الرحم (٣) ، واختاره المصنف في التذكرة (٤) ، والشارح الفاضل (٥) ، لصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام انه قال : « ولا يرجع الرجل في ما يهبه لزوجته ، ولا المرأة في ما تهبه لزوجها حيز أو لم يحز ، أليس الله تعالى يقول ( وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً ) (٦) ( فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً ) (٧) ، وهذا يدخل فيه الصداق والهبة » (٨).

فإن قيل : ما دل عليه الحديث لا يقولون به ، لأنه دلّ على اللزوم من دون القبض.

قلنا : يمكن تنزيله على أن المراد نفي قبض جديد حيث يكون الموهوب مقبوضا جمعا بين الأخبار ، ومختار التذكرة هو الأصح.

قوله : ( وإفلاس المتهب لا يبطل حق الرجوع ).

المراد به : إذا لم يحجر عليه بدليل :

قوله : ( ومع الحجر إشكال ).

__________________

(١) النهاية : ٦٠٣.

(٢) منهم المحقق في الشرائع ٢ : ٢٣٠ والمختصر النافع : ١٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٧٣٦ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٨١.

(٣) الخلاف ٢ : ١٣٦ مسألة ١٢ كتاب الهبة.

(٤) التذكرة ٢ : ٤١٨.

(٥) إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٧.

(٦) البقرة : ٢٢٩. هكذا وردت الآية في ضمن الحديث المروي في الاستبصار ، اما في التهذيب والكافي ونسختي « ك‍ » و « ه‍ » والحجرية وردت : ( ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) والظاهر ان المراد فيها مفاد الآية والله العالم.

(٧) النساء : ٤.

(٨) الكافي ٧ : ٣٠ حديث ٣ ، التهذيب ٩ : ١٥٢ حديث ٦٢٤ ، الاستبصار ٤ : ١١٠ حديث ٤٢٣.

١٦١

أمّا جناية الهبة فالأقرب أنّها تبطل حق رجوع الواهب.

______________________________________________________

ينشأ : من تعلق حق‌ الغرماء بها ، فإنها من جملة أموال المفلّس ، والحرج يقتضي تعلق الديون بجميعها ، ولهذا لا يحجر عليه لو وفّت أمواله مع الهبة بالديون ، وعموم الدلائل الدالة على تعلق حقوق الغرماء بأمواله يتناولها ، واختاره في التذكرة (١).

ومن وجود العين ، وسبق تعلق حق الواهب بها كالمبيع بخيار ، والفرق ظاهر ، فإن الواهب سلّط المتهب على جميع التصرفات في الهبة وأدائها في الدين ، وأعدها لتعلق حق الغرماء بها فلا يكون له إبطاله ، كما لا يكون له إبطال البيع ، بخلاف المبيع بخيار فإن المشتري ممنوع من التصرفات المخرجة عن الملك ، والأول أقوى.

قوله : ( أما جناية الهبة فالأقرب انها تبطل حق رجوع الواهب ).

المراد : جناية العبد الموهوب ، ووجه القرب أن أرش الجناية مقدّم على الملك الحقيقي وحق الواهب أضعف ، ولأن تصرف الموهوب منه مانع من الرجوع فتعلق الجناية ، أولى ، ويحتمل العدم لأنه حق أسبق.

والتحقيق : انه إن أراد ببطلان حق رجوع الواهب : كونه لا يستحق استرجاع العين إذا أخذها المجني عليه في الجناية فهو صحيح ، إلاّ انه لا معنى لقوله : ( الأقرب ) إذ لا يحتمل مقابله أصلا. وإن أراد : انه ليس له الرجوع بحال فلي كذلك ، فإنه لا منافاة بين الرجوع وبقاء حق الجناية حتى لو كانت الجناية خطأ كان له فداء الجاني بالأرش ، ولو كانت عمدا ورضي المجني عليه به كان له بذله والاختصاص بالعين ، ولا معنى للأقرب هنا أيضا.

فإن قيل : أي فرق بين تعلق حقوق غرماء المتهب المفلس وبين تعلق أرش الجناية.

قلنا : الفرق أظهر من الشمس ، لأن تعلق حقوق الغرماء يقتضي نبوت مالية‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٢٠.

١٦٢

ولو جوزنا الرجوع مع التصرف فإن كان لازما كالكتابة والإجارة فهو باق على حاله.

ولو باع أو أعتق فلا رجوع.

______________________________________________________

الهبة للمفلس وتأكدها ، لأن الديون في ذمته وعليه أداؤها من ماله ، وأرش الجناية لا تعلق للمتهب فيه ، وإنما هو حق لأجنبي ثبت له استقلالا بسبب الجناية من دون توسط المتهب ، ولا يخفى أن هذا إنما هو في مقدار أرش الجناية ، أما الزائد فلا كلام في أن له الرجوع فيه ، كذا قال الشارح الفاضل (١).

ولقائل أن يقول : بل لنا فيه كلام ، لأنه إذا بطل رجوعه في بعض العين ، لتعلق حق المجني عليه به فليس له الرجوع ، إذ ليست الهبة قائمة بعينها بل صار بعضها حق شخص آخر إذ ذلك بمنزلة تلف البعض ، وكيف كان فالمختار ما حققناه.

قوله : ( ولو جوزنا الرجوع مع التصرف ، فان كان لازما كالكتابة والإجارة فهو باق على حاله ، ولو باع أو أعتق فلا رجوع ).

هذا بيان حال التصرف في صحته وبطلانه ، بناء على أن التصرف غير مانع من الرجوع.

وتحقيقه : ان التصرف : إما أن يكون لازما أولا ، وسيأتي حكم الجائز إن شاء الله تعالى عن قريب. واللازم : إما أن يمتنع فسخه كالعتق والوقف أولا ، وغير الممتنع : إما أن يكون له أمد ينتظر كالإجارة والسكنى والمزارعة أو لا كالبيع ، فإن كان له أمد ينتظر كالإجارة ونحوها صح الرجوع في العين ، وصبر الى انقضاء مدة الإجارة وأخواتها ، ونحو ذلك ما لو زوّج الجارية. ومال الإجارة والحصة في المزارعة والمهر في النكاح للمتهب ، لأنه حصل في ملكه ، وليس للواهب فيه شي‌ء لا عمّا مضى ولا عمّا يأتي.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٧.

١٦٣

ولو كان جائزا بطل كالتدبير ، والوصية ، والهبة قبل القبض.

______________________________________________________

وأما ما لا أمد له ينتظر ، فإن كان كتابة للعبد وانفسخت بعجزه عن النجوم ، أو رهنا انفك بنحو أداء الدين فجواز الرجوع ثابت حينئذ ، لعدم زوال الملك بالرهن ولا بالكتابة لا قبله لانقطاع السلطنة عن المكاتب ، وتعلق حق المرتهن بنفس الرهن على وجه لازم ، ولو كان بيعا ونحوه فعدم الرجوع قبل عوده الى ملك المتهب ظاهر.

أما إذا عاد بإرث ، أو شراء ، أو غير ذلك ففي جواز الرجوع وجهان أشار إليهما المصنف في آخر الباب.

أحدهما : الرجوع ، لأنه وجد عين ماله عند من يجوز له الرجوع في ما وهب منه.

والثاني : المنع ، لأنّ هذا الملك غير مستفاد منه حتى يزيله ويرجع فيه وإنما هو ملك مستأنف ، ومثله ما لو فسخ البيع بعيب أو خيار أو كان التصرف هبة فرجع فيها ، والثاني أقوى تفريعا على أن التصرف لا يمنع الرجوع ، لأن خروج الملك عن المتهب يقتضي سقوط رجوع الواهب ، لأنه إنما يرجع في ملك المتهب فعوده يحتاج الى دليل.

وعلى الأول فلو اشتراه من المشتري بثمن مؤجل ثم أفلس كان المشتري أحق بها من الواهب ، لأن حقه تعلق بها من جهة ملكه إياها بالبيع فكان أولى كما لو اشتراها ولم يبعها. ولو ارتد العبد في يد المتهب لم يسقط حق الرجوع ، لأنه لا يخرج بذلك عن الملك وإن كانت الردة فطرية بخلاف ردة المتهب.

واعلم أن عبارة المصنف لا تخلو من مناقشة ، لأن حكمه ببقاء التصرف بالكتابة والإجارة على حاله يشعر بعدم الرجوع معه. وقوله ( ولو باع أو أعتق فلا رجوع ) يشعر بثبوت الرجوع في ما قبله ، والتحقيق ما قلناه.

قوله : ( ولو كان جائز بطل كالتدبير ، والوصية ، والهبة قبل القبض ).

هذا هو القسم الموعود به سابقا ، وانما بطل لسبق حق الواهب وبقاء الملك‌

١٦٤

والرجوع يكون باللفظ مثل : رجعت ، أو ارتجعت ، أو أبطلت ، أو رددت ، أو فسخت ، وغيرها من الألفاظ الدالة على الرجوع وبالفعل مثل : أن يبيع ، أو يعتق ، أو يهب.

______________________________________________________

للمتهب من غير أن يتعلق به حق ثابت بالتصرف.

وقيّد الهبة بكونها قبل القبض احترازا عما إذا قبضت فإنه لا رجوع هنا ، لأن الهبة الثابتة إن امتنع الرجوع فيها فظاهر ، وإلاّ فإن حق المتهب الثاني قد تعلق بها بتسليط الواهب الأول ، وقد خرج الملك عن الواهب الثاني فإبطال ملك المتهب الثاني يحتاج الى دليل.

فان قيل الدليل أصالة البقاء.

قلنا أصالة البقاء معارضة بأصالة عدم سلطنته عن المتهب الثاني ، كالمشتري من المتهب ، ولو باع المتهب بخيار له فكالهبة التي يجوز الرجوع فيها.

قوله : ( والرجوع يكون باللفظ مثل : رجعت ، أو ارتجعت ، أو أبطلت ، أو رددت ، أو فسخت ، وغيرها من الألفاظ الدالة على الرجوع ).

مثل : نقضت الهبة ، ونحوها ، ولا فرق بين هذه الألفاظ عندنا ، والشافعية بنوا الفرق وعدمه على أن الرجوع نقض وإبطال للهبة أم لا؟ فعلى الأول ينبغي أن يستعمل لفظ النقض والإبطال ، إلاّ أن يجعل كناية عن المقصود ويفتقر إلى النية مثل فسخت الهبة (١) ، وهذا ساقط عندنا.

قوله : ( وبالفعل مثل أن يبيع أو يعتق أو يهب ).

عدوا مثل هذه أفعالا مع أنها عقود مركبة من الألفاظ نظرا الى أن عقد البيع يقتضي إنشاء نقل الملك ، ومثله ما لو وطأ الجارية الموهوبة. ووجه حصول الرجوع بها : انها لا تسوغ لفاعلها إلاّ في ملكه كما لو اتي بشي‌ء منها في زمن الخيار.

__________________

(١) مغني المحتاج ٢ : ٤٠٣.

١٦٥

وهل يكون ذلك فسخا لا غير ، أو فسخا وعقدا؟ الأقرب الثاني.

والأقرب أنّ الأخذ ليس فسخا ،

______________________________________________________

قوله : ( وهل يكون ذلك فسخا لا غير ، أو فسخا وعقدا؟ الأقرب الثاني ).

أشار بـ ( ذلك ) الى البيع والعتق والهبة التي أوقعها الواهب ، وأراد بكونها فسخا وعقدا : حصول فسخ الهبة بالعقد الواقع وصحة العقد في نفسه. وبكونها فسخا لا غير : إفادتها فسخ الهبة وعدم ترتب مقتضاها عليها من انتقال المبيع إلى المشتري ، والموهوب الى المتهب ، وانعتاق العبد.

ووجه القرب : ان ثبوت الفسخ فرع صحة العقد في نفسه ، لأنه أثره ، والفاسد من العقود ما لا يترتب أثره عليه ، ولعموم :

( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) و ( المسلمون عند شروطهم ) (٢).

ويحتمل كونها فسخا لا غير ، لأن العقد وقع في غير ملك ، إذ الفسخ وعود الملك الى الواهب أثره فيتأخر عنه. وفيه نظر ، لجواز أن يكون حصول العقد كاشفا عن حصول الفسخ بالقصد إلى إيقاعه ، ومجرد هذا الخيال لا ينهض معارضا ، لعموم الكتاب والسنة ، على انه لو لم يصح العقد لزم عدم حصول الفسخ ايضا كما تقدم ، وذهب الشيخ في المبسوط الى بطلان البيع (٣) ، والأول أقوى.

قوله : ( والأقرب أن الأخذ ليس فسخا ).

جزم المصنف في التذكرة بأن الواهب لو أخذ الهبة من المتهب ناويا الرجوع كان فسخا (٤) ، وهو حق ، إذ لا ينقص ذلك عن الوطء ، والقول قوله في نيته ، لأنه‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨. صحيح البخاري ٣ : ١٢٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٤٠٣ حديث ١٣٦٣.

(٣) المبسوط ٣ : ٣٠٤.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٢١.

١٦٦

وإذا رجع وهي معيبة لم يرجع بالأرش وإن كان بفعل المتهب ، وإن زادت زيادة متصلة فهي للواهب وإن كانت بفعله إن سوغنا الرجوع مع التصرف ،

______________________________________________________

أبصر بها.

فإن لم يعلم ما نواه وتعذر الرجوع اليه بموت ونحوه : فإن لم توجد قرينة تدل على ارادة الرجوع لم يحكم بكونه رجوعا ، لأن الأخذ يحتمل الرجوع وعدمه ، فلا يزال الحكم المتيقن بالمشكوك فيه ، وإن وجدت قرينة تدل على ذلك فوجهان : أحدهما : كونه رجوعا لمكان القرينة الدالة على النية ، والثاني : العدم ، لأن الأخذ أعم من الرجوع. ويضعّف بأن وجود القرينة رافع للعموم ، والأول أقوى ، واختاره المصنف في التحرير (١).

ومما حققناه يعلم أن عبارة الكتاب تحتاج الى تنقيح ، وما احتج به الشارح الفاضل للأقرب من احتياج العقد اللفظي في رفعه الى لفظ ، ودعواه انه لم يأت من الشارع إبطاله بمجرد الفعل (٢) ينافي كون الوطء موجبا للفسخ في الهبة والبيع بخيار ، وهو لا يقول به.

قوله : ( وإذا رجع وهي معيبة لم يرجع بالأرش وإن كان بفعل المتهب ).

لأنها غير مضمونة عليه ، وقد سلطه على إتلافها مجانا فأبعاضها أولى ، وعدم الضمان لو تلف البعض بنفسه أحرى.

قوله : ( وإن زادت زيادة متصلة فهي للواهب وإن كانت بفعله إن سوغنا الرجوع مع التصرف ).

لأنها جزء العين وداخلة في المسمى ، ويظهر من العبارة ان علف الدابة‌

__________________

(١) التحرير : ٢٨٣.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٤١٨.

١٦٧

وإن كانت منفصلة كالولد واللبن فهي للمتهب.

ولو صبغ الثوب فهو شريك بقيمة الصبغ ، ولكل منهما القلع ، وفي الأرش إشكال.

______________________________________________________

تصرف ، وفي عده تصرفا نظر. نعم يمكن أن يقال : هو بمنزلة التصرف ، لأن ثبوت الرجوع معه إضرار بالمتهب وتخسير له.

قوله : ( وإن كانت منفصلة كالولد واللبن فهي للمتهب ).

لأنها نماء حدث في ملكه فيختص به ، ولا فرق في ذلك بين كون الرجوع قبل الولادة وحلب اللبن أو بعدهما.

قال ابن حمزة : إن له الرجوع في الأم والحمل وإن نما على ملك المتهب (١) ، وهو بناء على أن الحمل جزء من الام وأنه لا حكم له بانفراده ، وليس بجيد (٢) كما سبق في البيع وكذا الصوف. ولا يخفى أن المراد بهذه الزيادة ما تجدد بعد الإقباض لا ما كان سالفا فإنه للواهب.

قوله : ( ولو صبغ الثوب فهو شريك بقيمة الصبغ ).

الأولى أن يقول فهو شريك بقدر قيمة الصبغ ، والمراد ظاهر ، وهذا تفريع على جواز الرجوع مع التصرف.

قوله : ( ولكل منهما القلع ، وفي الأرش إشكال ).

لا ريب أن لكل منهما قلع الصبغ عن الثوب إذا أمكن ، لأن لكل منهما تخليص ما له من مال غيره فإن الشركة ضرر. فإن حدث نقص بالتخليص في الثوب أو الصبغ : فإن كان بفعل مالكه فلا بحث ، وإن كان بفعل الآخر ففي لزوم الأرش إشكال ينشأ : من انه عيّب ملك غيره لتلخيص ملكه فيكون مضمونا عليه ، لأن الإتلاف عليه في‌

__________________

(١) الوسيلة : ٧٣٦.

(٢) في « ك‍ » : وهو جيد.

١٦٨

والأقرب عدم انتقال حق الرجوع الى الوارث.

ولو مات المتهب لم يرجع الواهب ، ولو جن فالأقرب جواز رجوع الولي مع الغبطة.

______________________________________________________

الضمان ، ومن انه فعل مأذون فيه شرعا فلا يتعقبه ضمان. ولأن النقص إن كان في الثوب بفعل المتهب فهو مأذون في الصبغ وسائر التصرفات من الواهب ، وإن كان في الصبغ بفعل الواهب فإن المتهب عرض ماله للنقص حيث صبغ وهو يعلم أن للواهب الرجوع ، والأصح الأول.

والاذن الشرعي لا يقتضي منع الضمان مع مباشرة الإتلاف ، والاذن في الصبغ لا يدل على الاذن في الإتلاف للتخليص بوجه. كما أن علم المتهب باستحقاق الرجوع لا يدل على الاذن في الإتلاف.

قوله : ( والأقرب عدم انتقال حق الرجوع الى الوارث ).

أي : إلى وارث الواهب لو مات ، ووجهه القرب ان الرجوع على خلاف الأصل ، لأنه تسلط على انتزاع مال الغير فيقتصر فيه على الواهب لخروجه بالدليل فيبقى غيره على الأصل ، وهو الأصح.

ويحتمل انتقاله إليه ، لأنه حق من الحقوق فيورث كالخيار ، والفرق قائم ، فإن الخيار حق مؤكد ولهذا لا يمنعه تصرف المشتري مثلا. ولا يسوغ للمشتري إخراج المبيع عن ملكه ، ولو فعل لم يمض. وحق الرجوع للواهب ضعيف ، ولم يدل على انتقاله دليل فيتمسك فيه بالأصل.

وقريب منه موت المتهب ، ففي استحقاق رجوع الواهب على وارثه الوجهان ، والأقرب العدم. والمصنف لم يشر الى الوجهين فيه ، بل ذكره على وجه الجزم بقوله : ( ولو مات المتهب لم يرجع الواهب ).

قوله : ( ولو جن فالأقرب جواز رجوع الولي مع الغبطة ).

١٦٩

ويكره تفضيل بعض الولد على بعض في العطية ، ويستحب التسوية ،

______________________________________________________

وجه القرب : ان الرجوع‌ حق ثابت له والولي قائم مقامه ، وتصرفاته المشتملة على الغبطة ماضية في حقوقه وأمواله وهذا من جملتها.

ويحتمل عدمه ، لأن ذلك منوط بإرادته وهي مجهولة ، ويضعّف بأن هذا لو منع لمنعت جميع تصرفاته ، والأصح الأول.

قوله : ( ويكره تفضيل بعض الولد على بعض في العطية ، ويستحب التسوية ).

المشهور بين الأصحاب كراهية التفضيل ، وحرمه ابن الجنيد (١) ، وهو ضعيف. ورواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام : انه لا يصلح إعطاء الوالد ولده إذا كان مريضا ، بخلاف ما إذا كان صحيحا (٢) ، وصحيحة أبي بصير عنه عليه‌السلام وقد سأله عن الرجل يخص بعض ولده بالعطية قال : « إن كان موسرا فنعم ، وإن كان معسرا فلا » (٣) غير صريحين في التحريم مع قبولهما الحمل على الكراهية ، لمعارضتهما بمثل قوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (٤) ، ونحوه من الأخبار المتواترة (٥) ، مع الاعتضاد بالشهرة. ويؤيد الكراهية ما فيه من اثارة التباغض والتشاحن كما في قصة يوسف عليه‌السلام.

قال المصنف في المختلف : إن الكراهية إنما تثبت مع المرض أو الإعسار لاقتضاء الحديثين ذلك (٦) ، وقضية كلام التذكرة الكراهية مطلقا حتى انه قال : لو فضّل‌

__________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٨٧.

(٢) التهذيب ٩ : ١٥٦ حديث ٦٤٢.

(٣) التهذيب ٩ : ١٥٦ حديث ٦٤٤.

(٤) عوالي اللئالي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

(٥) الكافي ٧ : ٧ حديث ، التهذيب ٩ : ٢٠ حديث ٨٠١.

(٦) المختلف : ٤٨٧.

١٧٠

والعطية لذي الرحم ويتأكد في الولد والوالد.

وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة ، وصحّ لا معه‌

______________________________________________________

بعضا لمعنى يقتضيه كشدة حاجة وزمانة ونحوها أو اشتغال بعلم ، أو حرم بعضا لفسقه أو بدعته أو كونه يستعين بما يأخذه على معصية الله تعالى جاز ولم يكن مكروها على اشكال (١) ، والأقرب عدم الكراهية هنا ، واختاره في التحرير (٢).

وهل يكره فيما عدا ذلك أم يختص بما ذكره في المختلف؟ الظاهر الأول ، لما فيه من كسر قلب المفضل عليه وتعريضهم للعداوة ، وما رواه النعمان بن بشير ان أباه تصدق عليه ببعض ماله ، فلما جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليشهده فقال : « أكل ولدك أعطيت مثله؟ » قال : لا ، قال : « فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم » قال : فرجع أبي في تلك الصدقة (٣) (. وفي لفظ قال « فاردده » ، وفي آخر « فارجعه » ، وفي آخر « لا تشهدني على جور » ، ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى.

قوله : ( والعطية لذي الرحم ويتأكد في الوالد والولد ).

لأنها صدقة وصلة. وعن الصادق عليه‌السلام في قضيته مع المنصور العباسي انه كان في ما حدثه به انه عليه‌السلام روى عن أبيه ، عن جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « الرحم حبل متصل ممدود من الأرض إلى السماء ، ينادي كل يوم : وصل الله من وصلني وقطع الله من قطعني » (٤) الحديث ، وغيره من الاخبار الكثيرة (٥).

قوله : ( وإذا باع الواهب بعد الإقباض بطل مع لزوم الهبة ، وصح‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٢٤.

(٢) التحرير : ٢٨٣.

(٣) صحيح البخاري ٣ : ٢٠٦.

(٤) عوالي اللآلئ : ٣٦٢ حديث ٤٥.

(٥) الكافي ٢ : ١٥ باب صلة الرحم.

١٧١

على رأي ، ولو كانت فاسدة صحّ إجماعا.

ولو باع مال مورثه معتقدا بقاءه ، أو أوصى بمن أعتقه وظهر بطلان عتقه فكذلك.

______________________________________________________

لا معه على رأي ).

المراد بالبطلان مع الإقباض كونه فضوليا ، ووجه الصحة ما تقدم عن قريب ، والقائل بالبطلان الشيخ في المبسوط (١) ، والحكم ما تقدم. والضمير في قوله : ( وصح لا معه ) يعود الى اللزوم ، أي : وصح لا مع لزوم الهبة.

قوله : ( ولو كانت فاسدة صح إجماعا ).

لا شك في ذلك إذا كان عالما بالفساد ، أما مع جهله فإشكال ، لعدم القصد الى البيع لاعتقاده انه متلاعب ، ومن مصادفة الملك ، والإجماع في هذا القسم غير متحقق ، وعبارة المصنف أعم ، وإن كان ما ذكره من المسألتين بعدها وتشبيهها بها في الحكم مشعر بأن ذلك مع الجهل فتشكل دعوى الإجماع حينئذ وفي الدروس ما يدل على ما قلناه (٢).

وما أشبه هذه بمسألة من باع مال أبيه بظن الحياة فبان موته ، وحاول في الدروس الفرق بينهما بالقصد إلى صيغة صحيحة في مال المورّث بخلاف الهبة (٣) ، والفرق غير ظاهر.

قوله : ( ولو باع مال مورّثه معتقدا بقاءه ، أو اوصى بمن أعتقه وظهر بطلان عتقه فكذلك ).

لو قال : كما لو باع مال مورثه. ، ليكون ذلك مشبّها به ، فيكون علة ذكره‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٠٤.

(٢) الدروس : ٢٣٧.

(٣) الدروس : ٢٣٧.

١٧٢

ولو أنكر القبض صدّق باليمين وإن اعترف بالهبة ، ولو أنكره عقيب قوله وهبته وملكته فكذلك إن اعتقد رأي مالك.

______________________________________________________

في هذا الباب التشبيه به لكان أولى.

واعلم أن المراد من قوله ( فكذلك ) الصحة هنا أيضا وإن كان السابق الى الفهم الصحة إجماعا ، لكنه لا يستقيم ، فإن في من باع مال مورّثه معتقدا بقاءه وجهين سبقا في البيع ، وكذا من أعتقه لو ظهر بطلان عتقه فيه وجهان ، وعبارة التذكرة في الهبة ترشد الى ذلك (١).

قوله : ( ولو أنكر القبض صدّق باليمين وإن اعترف بالهبة ).

لأن القبض ليس جزء مفهوم الهبة وإنما هو شرط صحتها ، وإنما الهبة الإيجاب والقبول. لكن قد سبق في أول الباب ان القبض ركن الهبة وركن الشي‌ء جزء ماهيته ، إلاّ أن يقال أراد بالركن ما هو أعم من الجزء والشرط مجازا ، فإن الشرط مشبه للركن في انه لا بد منه.

قوله : ( ولو أنكره عقيب قوله : وهبته وملّكته فكذلك إن اعتقد رأي مالك ).

لما كان رأي مالك حصول الملك في الهبة بمجرد العقد من دون قبض (٢) ، كان إقرار من يعتقد هذا الرأي بالهبة والتمليك غير مستلزم لحصول القبض المقتضي للملك عندنا ، لأنه ربما كان إقراره بذلك اكتفاء بحصول العقد في ثبوت الملك نظرا الى مقتضى مذهبه ، ومثله ما لو جهل الحال فإن الأصل عدم القبض.

ولا يخفى أن هذا الرأي غير مخصوص بمالك ، فإن جمعا من أصحابنا يقولون : إن القبض شرط في لزوم الهبة لا في صحتها وانعقادها فيحصل الملك بدونه ، ومنهم‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٢١.

(٢) بداية المجتهد ٢ : ٣٢٩.

١٧٣

ولا تستلزم الهبة العوض من دون شرط مطلقا على رأي ، فإن عوض لم يكن للمالك الرجوع. ولا يجب على الواهب القبول مع الإطلاق ،

______________________________________________________

المصنف في المختلف (١). والظاهر انه لا فرق بين أن يقول وهبته أو ملكته فقط لتطرق الاحتمال.

قوله : ( ولا تستلزم الهبة العوض من دون شرط مطلقا على رأي ، فإن عوّض لم يكن للواهب الرجوع ).

أراد بقوله : ( مطلقا ) انه على جميع الحالات سواء كانت الهبة للأدنى أو للأعلى أو للمساوي ، وما ذكره مختار ابن إدريس (٢) ، وأكثر المتأخرين. وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط الهبة على ثلاثة أقسام : هبة لمن فوقه ، وهبة لمن دونه ، وهبة لمن هو مثله وكلها تقتضي الثواب (٣). وقال أبو الصلاح : إن هبة الأدنى إلى الأعلى تقتضي الثواب فيعوّض عنها بمثلها ، ولا يجوز التصرف فيها ولما يعوض عنها (٤).

وحقق المصنف في المختلف إن مراد الشيخ من اقتضاء الهبة الثواب : ان لزومها إنما يتحقق به ، وهو حق ، لأن استدلاله كالصريح في ذلك ، فإنه استدل بروايات أصحابنا ثم قال : وروى أبو هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : « الواهب أحق بهبته ما لم يثب » قال : فأثبت للواهب حق الرجوع قبل أن يثاب ، وأسقط حقه من الرجوع بالثواب وجعله ثوابا على الحقيقة (٥) ، وهذا دال على ما قلناه. وكيف كان فالمختار عدم الاستلزام ، نعم للواهب الرجوع بدونه لا معه.

قوله : ( ولا يجب على الواهب القبول مع الإطلاق ).

__________________

(١) المختلف : ٤٨٦.

(٢) السرائر : ٣٨١.

(٣) الخلاف : مسألة ١٣ كتاب الهبة ، المبسوط ٣ : ٣١٠.

(٤) الكافي في الفقه : ٣٢٨.

(٥) المختلف : ٤٨٥.

١٧٤

فإن دفع عوضا مع عدم شرطه فهي هبة أخرى ، فإن شرطه صحّ مطلقا ومعيّنا ، وله الرجوع ما لم يدفع المشروط.

______________________________________________________

لأصالة البراءة ، ولأنه‌ اكتساب مال فإنه هبة أخرى ولا يجب قبولها ، ولأن له الرجوع في هبته فلا يجب عليه قبول ما يقتضي سقوط ذلك.

قوله : ( فان دفع عوضا مع عدم شرط فهي هبة أخرى ).

وليس عوضا حقيقة إذا لم يقتضه العقد ، وحيث كان هبة أخرى فيشترط فيه كل ما يشترط في الهبة من الإيجاب والقبول والقبض. وينبغي أن يكون هناك ما يدل على كونه عوضا عن الهبة الأولى ليمتنع به الرجوع ، ولم أجد به تصريحا.

قوله : ( فان شرطه صح مطلقا ومعيّنا ).

لا فرق بين كون الثواب المشروط معلوما أو مجهولا في الصحة ، وهو مقرب المصنف في التذكرة (١) ، لأن الهبة في نفسها لا تقتضي الثواب فإذا شرط عوضا مجهولا صح كما لو لم يشترط شيئا. وقد روى إسحاق بن عمار قال قلت له الرجل الفقير يهدي الهدية متعرض لما عندي فآخذها ولا أعطيه شيئا أتحل لي؟ قال : « نعم هي لك حلال ولكن لا تدع ان تعطيه » (٢).

وقال الشافعي : إن قلنا إن الهبة لا تقتضي الثواب بطل العقد لتعذر تصحيحه بيعا وهبة ، وان قلنا انها تقتضيه صح ، وليس فيه إلاّ التصريح بمقتضي العقد.

قوله : ( وله الرجوع ما لم يدفع المشروط ).

لأن ذلك مقتضى الشرط ، ولرواية عيسى بن أعين عن الصادق عليه‌السلام انه قال في الهدية المرجو ثوابها إذا لم ينبه حتى هلك وأصاب الرجل هديته بعينها إله أن يرتجعها إن قدر على ذلك؟ قال : « لا بأس أن يأخذه ، أما مع دفعه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٢٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٣ : ١٩٢ حديث ٨٧٢.

١٧٥

ولا يجب على المتهب دفعه ، لكن إن امتنع فللواهب الرجوع ،

______________________________________________________

فلا رجوع له » (١).

قوله : ( ولا يجب على المتهب دفعه لكن إن امتنع فللواهب الرجوع ).

أما الحكم الثاني فظاهر ، وحكى في الدروس عن ابن الجنيد تعيّن دفعه بالبيع (٢).

وأما الأول ، فلان اشتراط الثواب لا يقتضي جعل الهبة من عقود المعاوضات بحيث يثبت العوض في الذمة ، بل فائدته جواز الرجوع في العين بدون بذل العوض.

واعلم أن مقتضى قول المصنف : ( لكن إن امتنع فللواهب الرجوع ) ، وقوله بعد : ( وإن لم يرض تخيّر المتهب بين دفع الموهوب وعوض المثل ) انه متى بذل المتهب العوض المشروط أو عوض المثل مع عدم التعيين فليس للواهب الامتناع والرجوع في الهبة.

وقرّب الشارح الفاضل جواز الرجوع (٣) ، ولا استبعد الأول عملا بقوله : « المسلمون عند شروطهم » (٤) ، ولما أطبقوا على عدم الوجوب من طرف المتهب انتفى وبقي الوجوب من طرف الواهب لا مانع منه ، ولأن الرجوع على خلاف الأصل فيقتصر فيه على محل اليقين ، ولظاهر قوله تعالى ( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) (٥) ولقوله عليه‌السلام : « الناس مسلطون على أموالهم » (٦).

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٩٢ حديث ٨٧١.

(٢) الدروس : ٢٣٧.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٢٠.

(٤) الكافي ٥ : ٤٠٤ حديث ٨ ، سنن البيهقي ٧ : ٢٤٩.

(٥) النساء : ٢٩.

(٦) عوالي اللآلئ ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٣.

١٧٦

فلو تلف الموهوب أو عاب قبل دفع المشترط وقبل الرجوع ففي التضمين نظر ،

______________________________________________________

فان قيل : قد حكم عليه‌السلام بجواز الرجوع ما لم يثب.

قلنا : هو معارض بقوله عليه‌السلام : « والذي يثاب من هبته » (١) ، وهو شامل لصورة النزاع فيجمع بينهما بحمل الأول على ما عدا صورة النزاع لئلا يلزم اطراح الثاني ، أو لاعتضاد الثاني بالعمومات السابقة ، أو يقال : يتساقطان ويبقى ما عداهما بغير معارض.

قوله : ( فلو تلف الموهوب أو عاب قبل دفع المشترط وقبل الرجوع ففي التضمين نظر ).

ينشأ من انه لم يقبضه مجانا بل ليدفع عوضه فكان مضمونا ، ولأن الواجب أحد الأمرين رده ، أو دفع العوض ، فإذا تعذر الأول وجب الثاني ، لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢). وهو مختار ابن الجنيد (٣).

ومن انه دخل في ملكه وتلف قبل رجوعه الى ملك الواهب فلا يكون مضمونا ، ولأن المتهب لا يجب عليه دفع العوض ، بل للواهب الرجوع في العين فالتفريط منه. ويضعّف بأنه لم يدخل في ملكه مجانا ، وذلك معنى الضمان. وعدم وجوب دفع العوض على المتهب إن أريد : عدم وجوبه عينا فذلك حق ولا يلزم منه نفي الوجوب على البدل ، وان أريد : عدم الوجوب أصلا فليس كذلك (٤) ، فإذا تعذر أحد الأمرين المخيّر فيهما تعيّن الآخر ، والأصح التضمين.

واحترز بقوله : ( قبل الرجوع ) عما إذا كان التلف بعد الرجوع فإنه لا تضمين حينئذ ، لأنه أمانة في يد المتهب حيث أقرّ يده عليه بعد الرجوع. ويشكل بعموم : « على‌

__________________

(١) التهذيب ٩ : ١٥٨ حديث ٦٥٠ ، الاستبصار ٤ : ١٠٨ حديث ٤١٤.

(٢) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٧.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٨٧.

(٤) في « ك‍ » : فكذلك.

١٧٧

فإن أوجبناه فالأقرب مع التلف ضمان أقل الأمرين من العوض وقيمة الموهوب.

______________________________________________________

اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) ، ولأنها يد ضمان قبل الرجوع كما بيناه فكذا بعده عملا بالاستصحاب.

واعلم أنه لا فرق بين كون تلف الموهوب ، أو تعيّبه بنفسه ، أو بفعل المتهب في اطراد الوجهين في كل منهما ، لأنه إذا كان مالكا والعوض غير لازم له فإتلافه إنما هو لملكه.

قوله : ( فإن أوجبناه فالأقرب مع التلف ضمان أقل الأمرين من العوض وقيمة الموهوب ).

وجه القرب : ان المتهب مخيّر بين الأمرين فالمحقق ـ اللزوم ـ هو الأقل ، ولأنه إن كان العوض أقل فقد رضي به الواهب في مقابل العين.

وإن كان الموهوب أقل فإن المتهب لا يجب عليه العوض ، بل للواهب الرجوع في العين فلا يجب أكثر من قيمتها ، ويحتمل قيمة الموهوب وقت تلفه ، لأنه مضمون فوجب ضمانه بالقيمة ، ويضعّف بأن له إتلافه بالعوض لأنه قد سلطه على ذلك ، والأصح الأول.

واعلم أن الشارح الفاضل حقق هاهنا : ان رجوع الواهب في الهبة المشروط فيها العوض هل هو منوط بعدم دفع العوض مطلقا أم بامتناعه من أدائه؟ واختار الأول محتجا بقوله عليه‌السلام : « ما لم يثب » (٢). وقبل دفع العوض لم يثب ، قال فعلى هذا إذا رجع بعد تلفها وقبل دفع العوض رجع بقيمتها أو مثلها ، لاستحالة وجوب دفع العوض بعد انفساخ العقد المقتضي له. قال : وعلى الثاني إن دفع العوض لم يكن‌

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٧.

(٢) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٩٨ حديث ٢٣٨٧ ، نيل الأوطار ٥ : ١١٥.

١٧٨

وإذا أطلق العوض دفع المتهب ما شاء ، فإن رضي الواهب وقبضه لم يكن له الرجوع ، وإن لم يرض تخيّر المتهب بين دفع الموهوب وعوض المثل.

______________________________________________________

للمالك غيره ، زائدا كان أو ناقصا عن القيمة ، وإلاّ كان له مثل الموهوب أو قيمته ، لأنه ليس له الإلزام بالعوض على مذهب المصنف (١).

أقول : إن الواهب إذا ملّكه العين بالعوض وسلّطه على إتلافها كيف يثبت له الفسخ ، والامتناع من قبض العوض لو كان أقل من القيمة ، وجواز الفسخ والرجوع الى القيمة مناف للإذن في الإتلاف بالعوض.

أما المتهب فإنه حيث كان مخيرا بين العوض ورد العين ، يبقى تخييره بعد التلف عملا بالاستصحاب ، فيرد القيمة إنّ شاء مع احتمال وجوب العوض على كل تقدير ، لأن التخيير إنما هو بين العين والعوض ، أما القيمة فلا دليل على التخيير فيها ، ومن هذا يعلم ضعف ما حققه ، والأصح ما قربه المصنف ، واعلم أن هذا إنما هو إذا شرط عوضا مقدرا ، أما إذا أطلق فالواجب هو القيمة لا محالة ، إذ لم يرض المالك بما دونها.

قوله : ( وإذا أطلق العوض دفع المتهب ما شاء ، فإن رضي الواهب وقبضه لم يكن له الرجوع ، وإن لم يرض تخيّر المتهب بين دفع الموهوب وعوض المثل ).

لا ريب أنه لا يجب على المتهب دفع عوض بخصوصه ، لأنّه لا يجب عليه دفع العوض أصلا إذا رد العين ، فإذا دفع عوضا ورضي به الواهب وقبضه صح وامتنع الرجوع ، قليلا كان أو كثيرا ، وإلا تخيّر المتهب ( بين دفع الموهوب وعوض المثل لأنه لا يتعين عليه دفع العوض.

والحاصل انه مع إطلاق العوض لو طلب الواهب العوض فان ما يلزم المتهب‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٢١.

١٧٩

ولو خرج العوض أو بعضه مستحقا أخذه مالكه ، ثم إن كانت الهبة مطلقة لم يجب دفع بدله لكن الواهب الرجوع ، وإن شرطت بالعوض دفع المتهب مثله أو قيمته مع التعيين ، أو العين ، أو ما شاء إن رضي الواهب مع الإطلاق.

______________________________________________________

بأقل ما ينطلق عليه الاسم ، وإلاّ فإن بذل المتهب عوضا لم يجب قبوله إلا إذا كان عوض المثل. وانما تخير بين دفع العين وعوض المثل دون مطلق العوض لأن إطلاق العوض انما ينصرف في العادة الغالبة إلى عوض المثل ) (١).

ويظهر من قوله : ( تخيّر المتهب ) انه إذا دفع واحدا من الأمرين وجب على الواهب قبوله ، ويدل عليه قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) ، وقوله عليه‌السلام في صحيحة عبد الله بن سنان : « تجوز الهبة لذوي القربى ، والذي يثاب من هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء » (٣) ، وكلام الشارح الفاضل في تحقيقه يقتضي جواز الرجوع قبل دفع العوض مطلقا ، وهو يتناول ما إذا بذله المتهب (٤) ، وظاهر الرواية مخالف له.

قوله : ( ولو خرج العوض أو بعضه مستحقا أخذه مالكه ، ثم إن كانت الهبة مطلقة لم يجب دفع بدله لكن للواهب الرجوع ، وان شرطت بالعوض دفع المتهب مثله ، أو قيمته مع التعيين ، أو العين ، أو ما شاء إن رضي الواهب مع الإطلاق ).

لا ريب ان الهبة إذا كانت مطلقة ـ أي : غير مشروطة بالعوض ـ لا يجب على الواهب دفع بدل العوض الذي ظهر باستحقاقه ، إذ لا يجب عليه دفع عوض من أول‌

__________________

(١) في النسختين « ك‍ » و « ه‍ » ورد ما بين القوسين مشوشا ، وما أثبتناه فهو من النسخة الحجرية.

(٢) المائدة : ١.

(٣) التهذيب ٩ : ١٥٨ حديث ٦٥٠ ، الاستبصار ٤ : ١٠٨ حديث ٤١٤.

(٤) إيضاح الفوائد ٢ : ٤٢١.

١٨٠