إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ٢

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ شيخنا قدس‌سره قال في المدارك : إنّ وجوب القضاء إذا حصل العذر المانع من الصلاة بعد أن يمضي من الوقت مقدار الصلاة وشرائطها المفقودة من الطهارة وغيرها مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا ، ويدل عليه عموم ما دل علىٰ وجوب قضاء الفوائت ، ورواية عبد الرحمان بن الحجاج ، وذكر الرواية الثانية ، وموثقة يونس بن يعقوب وذكر الاُولىٰ ، ثم قال : وأمّا سقوط القضاء إذا كان حصول العذر قبل أن يمضي من الوقت مقدار ذلك فهو مذهب الأكثر ، ونقل عليه الشيخ في الخلاف الإجماع ، وحكي عن ظاهر المرتضىٰ وابن بابويه وابن الجنيد اعتبار خلوّ أوّل الوقت من العذر بمقدار أكثر الصلاة ، ولم نقف لهم علىٰ مستند ، والأصح السقوط مطلقاً ، تمسكاً بمقتضىٰ الأصل (١) . انتهىٰ .

ولقائل أن يقول : إنّ ما ذكره أولاً من أنّ عموم ما دل علىٰ وجوب قضاء الفوائت يقتضي وجوب قضاء الفرض الذي مضىٰ مقداره مع شرائطه ، يتناول صورة عدم اتّساع الوقت ، لتحقق الفوات في الجميع ، فلا بد لإخراج الثاني من دليل ، إلّا أنّ الأصل يقتضي ما قاله ، واحتمال أن يقال : إن المتبادر من الفوات ما كان مع التمكن من الفعل ، يشكل بأنّه قدس‌سره استدل بعموم قضاء الفوائت علىٰ وجوب قضاء عادم المطهِّر من الماء والتراب ، والحال أنّه غير متمكن من الفعل .

ولو أمكن التسديد بأنّ استدلاله هناك محل بحث ، أمّا رفعه (٢) للاستدلال هنا فلا ، أمكن أن يقال : إنّ دعوىٰ التبادر محل كلام أيضاً ، علىٰ

__________________

(١) مدارك الأحكام ٣ : ٩١ وانظر الخلاف ١ : ٢٧٤ ، والجمل ( رسائل الشريف المرتضىٰ ٣ ) : ٣٨ ، والفقيه ١ : ٥٢ والمقنع : ١٧ ، والمختلف ٢ : ٤٥٢ .

(٢) كذا في النسخ .

٤٠١
 &

أنّه ربما يدّعىٰ أنّ المتبادر من الفوات فوات جميع الوقت لا الأعم من الجميع والبعض .

وما ذكره قدس‌سره ثانياً : من أنّه لم يقف لقول المذكورين علىٰ مستند . ربما يشكل بأنّ خبر الفضل بن يونس يدل علىٰ ذلك في الجملة عند من يعمل بالأخبار ، إلّا أنّ التسديد هنا ممكن كما لا يخفىٰ .

أمّا استدلال العلّامة في المنتهىٰ علىٰ عدم وجوب القضاء إذا لم يمض مقدار الصلاة وشرائطها ، بأنّ وجوب القضاء تابع لوجوب الأداء ، وهو منتف ، لأنّ التكليف يستدعي وقتاً وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق (١) . ففيه : أنّ القضاء فرض مستأنف كما حقق في الاُصول .

واعلم أنّ شيخنا قدس‌سره اعترض علىٰ العلّامة بما ذكرناه (٢) مع أنّه متوجه عليه ، فإنّ القضاء إذا كان فرضاً مستأنفاً لا تعلّق له بالأداء ، فالعمومات الدالة علىٰ وجوب قضاء الفوائت تتناول ما يمكن من أدائها وما لم يمكن ، فكيف لا يصلح العموم لإثبات ما يخرج عن الأصل ، ويمكن التسديد بأنّ الغرض من الجواب نفي ما قاله العلّامة من ارتباط القضاء بالأداء إذا دل الدليل علىٰ القضاء والمقصود في الاستدلال عدم الدليل علىٰ القضاء ( فالجواب كافٍ في المطلوب ) (٣) وعدم تناول العموم بجهة اُخرىٰ ، فليتأمّل .

قال :

فأمّا ما رواه ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي الورد

__________________

(١) المنتهىٰ ١ : ٢٠٩ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٤١ ، و ٣ : ٩٢ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » و « د » .

٤٠٢
 &

قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر وقد صلّت ركعتين ثم ترىٰ الدم قال : « تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين » قال : « فإن رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلّت ركعتين فلتقم من مسجدها ، فإذا طهرت فلتقضي الركعة التي قد فاتتها من المغرب » . ( فما يتضمن هذا الخبر من إسقاط قضاء الركعتين من صلاة الظهر متوجه إلىٰ من دخل في الصلاة في أوّل وقتها ) (١) لأنّ من ذلك حكمه لا يكون فرّط ، وإذا لم يفرّط لم يلزمه القضاء ، وما يتضمن من الأمر بإعادة الركعة من المغرب متوجه إلىٰ من دخل في الصلاة عند تضيّق الوقت ثم حاضت ، فيلزمها حينئذ ما فاتها .

والذي يدل علىٰ أنّ ذلك يتوجه إلىٰ من فرّط :

ما أخبرني به الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن أبي عبيدة ، أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إذا طهرت المرأة في وقت وأخّرت الصلاة حتىٰ يدخل وقت صلاة اُخرىٰ ثم رأت دماً كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها » .

السند :

في الأوّل : فيه أبو الورد ، وهو مذكور في رجال الباقر عليه‌السلام من كتاب الشيخ مهملاً (٢) ، وبقية رجال السند قد تقدّم القول فيهم ؛ وعلي بن رئاب ليس في جلالة قدره ارتياب .

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٢) رجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ .

٤٠٣
 &

والثاني : حسن ، وابن محبوب فيه هو الحسن ، وأبو عبيدة اسمه زياد ، واختلف في اسم أبيه فقيل : ابن عيسىٰ (١) . وقيل : ابن رجاء (٢) . ولا ريب في ثقته .

وقد يستغرب ما وقع في النجاشي من حيث إنّه قال : زياد بن عيسىٰ أبو عبيدة كوفي ثقة ، إلىٰ أن قال : وأخته حمادة بنت رجاء ، وقيل : بنت الحسن ، روت عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قاله ابن نوح عن ابن سعيد (٣) .

وهذا كما ترىٰ يقتضي أنّ أخته بنت رجاء ، وزياداً ابن عيسىٰ . وعدم التنبيه علىٰ الوجه من مثل النجاشي هو الموجب للغرابة ، ولا يبعد أن يقال : إنّ كلام النجاشي لا يقتضي تعين (٤) كون الأخت من الأب بل يحتمل كونها من الاُم ، أو أنّ النجاشي اعتمد في ترك البيان بمعلوميّة الحال .

وفي رجال الباقر عليه‌السلام من كتاب الشيخ : زياد بن عيسىٰ أبو عبيدة الحذّاء ، وقيل : زياد بن رجاء (٥) . وأضنّ أنّ وجه القول ما أشرنا إليه .

والعلّامة في الخلاصة قال : زياد بن أبي رجاء ، واسم أبي رجاء منذر ، كوفي ثقة صحيح (٦) .

وفي رجال الصادق والباقر عليهما‌السلام من كتاب الشيخ زياد بن أبي رجاء الكوفي (٧) .

__________________

(١) كما في رجال النجاشي : ١٧٠ / ٤٤٨ ورجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ .

(٢) انظر منهج المقال : ١٥١ .

(٣) رجال النجاشي : ١٧٠ / ٤٤٩ .

(٤) في « رض » تعيين .

(٥) رجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ .

(٦) خلاصة العلّامة : ٧٤ / ٣ .

(٧) رجال الطوسي : ١٢٢ / ٥ ، ١٩٨ / ٤٧ .

٤٠٤
 &

وذكر العلّامة في الخلاصة زياد بن عيسىٰ (١) ، كما ذكر الشيخ ذلك في رجال الصادق عليه‌السلام (٢) .

والنجاشي في ترجمة أبي عبيدة زاد عما قدمناه عنه : وقال سعد بن عبد الله الأشعري : ومن أصحاب أبي جعفر أبو عبيدة وهو زياد بن أبي رجاء كوفي ثقة صحيح ، واسم أبي رجاء منذر ، وقيل : زياد بن أخزم ولم يصح (٣) .

وأظنّ أنّ العلّامة أخذ ما قاله في زياد بن أبي رجاء من هذا الكلام ، ولكن التغاير الموجب لذكر الرّجلين بعد ذكر النجاشي لكلام سعد بن عبد الله في ترجمة زياد بن عيسىٰ لا وجه له ، إلّا من حيث إنّ الشيخ ذكرهما ، وهذا كثير الوقوع من الشيخ في الرجل الواحد إذا اختلفت صفاته بوجه ما ، ولا يخفىٰ أنّ الأمر هنا سهل ، غير أنّ ما ذكرناه للتنبيه علىٰ أمثاله وغرابة وقوعه من النجاشي مع العلم بكمال حاله .

المتن :

ظاهر الصدوق في الفقيه العمل بمقتضاه المستفاد من ظاهره وهو قضاء الركعة من المغرب دون جميع الصلاة ، فإنّه قال : فإن صلّت المرأة من الظهر ركعتين ثم رأت الدم قامت من مجلسها وليس عليها إذا طهرت قضاء الركعتين ، فإن كانت في صلاة المغرب وقد صلّت منها ركعتين قامت من مجلسها فإذا طهرت قضت الركعة (٤) .

__________________

(١) خلاصة العلّامة : ٧٤ / ٤ .

(٢) رجال الطوسي : ١٩٨ / ٣٤ .

(٣) رجال النجاشي : ١٧٠ / ٤٤٩ .

(٤) الفقيه ١ : ٥٢ .

٤٠٥
 &

وما قاله الشيخ في توجيه الخبر لا يخلو من إجمال في أمرين :

أحدهما : أنّ مراده بقضاء الركعة هل هو قضاء جميع الصلاة والتعبير بالركعة مجاز ؛ كما ذكره العلّامة في المختلف جواباً عن الاستدلال بالرواية للصدوق (١) ، ( أو المراد قضاء الركعة فقط بحصول التفريط ، فيكون موافقاً للصدوق ) (٢) .

وثانيهما : أنّ قوله : يتوجه إلىٰ من دخل في الصلاة في أوّل وقتها . وقوله : متوجه إلىٰ من دخل في الصلاة عند تضيق الوقت . محتمل لأن يراد بالوقت المختص أو الأعم منه ومن المشترك ، أو يريد به ما تضمنه خبر الفضل بن يونس السابق .

ولا يبعد أن يكون مراده في الأوّل قضاء جميع الصلاة ، وقول الصدوق إن لم يكن صرَّح به في غير الفقيه لا يخلو الجزم به من تأمّل ، لأنّ عبارته في الفقيه ليست نصّاً في قضاء الركعة فقط ، بل أتىٰ بمضمون الرواية ، والاحتمال في الرواية واقع في عبارته ، غاية الأمر أنّ العدول عن ظاهرها لا بدّ له من مقتض .

والعلّامة في المختلف اقتصر علىٰ نقل عبارة الفقيه ، وأنّ مؤلّفه عوّل في الحكم علىٰ رواية أبي الورد (٣) ، وأجاب بما قدّمناه ، ولم يذكر الدليل علىٰ خلاف مضمون الرواية المحوج إلىٰ حملها علىٰ التجوز ، ولعله اعتمد علىٰ معلومية ذلك .

وأمّا الإجمال من الجهة الثانية فلا يبعد أن يكون المراد فيه ما قدّمه ،

__________________

(١) المختلف ١ : ٢٠٧ .

(٢) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٣) المختلف ١ : ٢٠٧ .

٤٠٦
 &

والاعتماد عليه هو الموجب لعدم البيان .

وقد يقال عليه : إنّ الخبر الحسن دالّ علىٰ أنّ تأخير الصلاة عن وقتها إلىٰ وقت اُخرىٰ يوجب قضاء تلك الصلاة مع عدم فعلها ، فينافي ما سبق في رواية الفضل من إعتبار مضي أربعة أقدام ، فإنّ وقت الصلاة الثانية قد يدخل قبل مضي الأربعة ، فلا وجه لعدم تعرض الشيخ لذلك ، ولعلّه اعتمد علىٰ تفصيله السابق ، وإن كان في التحقيق أنّه لما ذكرناه غير موافق ، والله تعالىٰ أعلم بالحقائق .

قال :

باب المرأة تحيض في يوم من أيّام شهر رمضان‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أحمد بن الحسن ، عن عمرو بن سعيد ، عن مصدق بن صدقة ، عن عمار بن موسىٰ الساباطي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المرأة يطلع الفجر وهي حائض في شهر رمضان فإذا أصبحت طهرت وقد أكلت ثم صلّت الظهر والعصر كيف تصنع في ذلك اليوم الذي طهرت فيه ؟ قال : « تصوم ولا تعتد به » .

وعنه ، عن عبد الرحمان بن أبي نجران ، عن صفوان بن يحيىٰ ، عن عيص بن القاسم البجلي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن امرأة طمثت في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس قال : « تفطر حين تطمث » .

عنه ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن جميل بن دراج ومحمد ابن حمران ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أيّ‌

٤٠٧
 &

ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر الصائمة إذا طمثت ، وإذا (١) رأت الطهر في ساعة من النهار قضت صلاة اليوم والليل (٢) » .

السند :

في الأوّل : معدود من الموثق عند بعض الأصحاب ، وفيه تأمّل قد قدّمنا وجهه .

والثاني : ضمير « عنه » فيه راجع إلىٰ علي بن الحسن علىٰ الظاهر من الممارسة ، وبقية الرجال المذكورين لا ارتياب في ثقتهم وجلالة شأنهم .

وضمير « عنه » في الثالث كالثاني ، ورجاله كذلك ، ومحمد بن حمران (٣) لا يضرّ اشتراكه بين الثقة وغيره (٤) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر الدلالة علىٰ أنّ الحائض إذا طهرت بعد طلوع الفجر وقد مضىٰ جزء من النهار في الحيض وأكلت لا يعتدّ بصومها مع وجوب الإمساك ، أمّا قوله : ثم صلّت الظهر والعصر ، فلا مدخل له في الحكم ، ولا يفيد شيئاً لكونه من السائل . وقوله : فإذا أصبحت طهرت ، كأنّ المراد به إذا اتضح الفجر ، ويحتمل أن يراد به الفجر الأوّل من الطلوع والفجر الثاني

__________________

(١) في النسخ : وإن ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩ .

(٢) في النسخ : والليلة ، وما أثبتاه من الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٤٩٩ .

(٣) في « فض » زيادة : من جهة أحمد بن عبدون وعلي بن الزبير . وتوجد هذه الزيادة في حاشية « رض » من دون إشارة إلىٰ موضعها .

(٤) في حاشية « رض » يوجد هكذا : لا يتوجه أن ذكر ذلك لا وجه له لأنه معلوم ، لأن الغرض التنبّه علىٰ الاشتراك فتدبّر . منه سلّمه الله تعالىٰ .

٤٠٨
 &

من الإصباح ، والسؤال حينئذ عن الأكل بعد الطهر ، وفيه ما لا يخفىٰ .

والثاني : صريح الدلالة علىٰ أن الحيض موجب للإفطار .

والثالث : كذلك ، إلّا أنّ ألفاظه لا تخلو من حزازة والنقل بالمعنىٰ ، ولعل قوله : « الصائمة إذا طمثت » بيان للمرأة والدم ، يعني إنّ المرأة إذا كانت صائمة وحصل الدم من الطمث وجب الإفطار ، لكن تقدير الكلام حينئذ يحتاج إلىٰ مزيد تكلّف ، والأمر سهل .

ثم إنّ الخبر الأوّل كما ترىٰ يدل علىٰ أنّ وجود الدم في الجزء الأوّل من النهار ثم زواله يقتضي وجوب الصوم وعدم الاعتداد به ، والخبر الثاني يدل علىٰ أنّ حصول الطمث ابتداءً يوجب الإفطار ، وكذلك الثالث ، والتغاير في المدلول موجود ، والعنوان مجمل ، لكن التسديد ممكن بأن يراد عدم صحة الصوم مع الحيض إجمالاً وإن كان العنوان يفيد بظاهره غير مدلول الخبر الأوّل ، ومثل هذا في كلام الشيخ كثير .

وما تضمنه الثالث من قوله : « وإذا رأت الطهر في ساعة من النهار قضت صلاة اليوم والليلة » محمول علىٰ غيره من الأخبار المفصّلة .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتد بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب » .

فهذا الخبر وهم من الراوي ، لأنّه إذا كان رؤية الدم هو المفطر‌

٤٠٩
 &

فلا يجوز لها أن تعتد ( بصوم ) (١) ذلك اليوم ، وإنّما يستحب لها أن تمسك بقية النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال .

والذي يدل علىٰ ذلك :

ما أخبرني به أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن علي بن أسباط ، عن محمد بن حمران ، عن محمد بن مسلم قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة ترىٰ الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ؟ قال : « تفطر ، وإذا كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمض علىٰ صومها ولتقض ذلك اليوم » .

السند‌ :

في الأوّل : تكرّر القول فيه .

وكذلك الثاني : إلّا أنّ محمد بن حمران فيه هو الثقة بقرينة رواية علي بن أسباط عنه كما يستفاد من النجاشي (٢) .

المتن :

في الأوّل : ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من غرابة ، أمّا أوّلاً : فلأنّ الوهم من الراوي في مثل هذا لا وجه له ، وإرادة غير معنىٰ الوهم مضر بحال الراوي ، فإن كان الالتفات من الشيخ لردّ الخبر توهّم الراوي لا بالقدح فيه ، فهو محل كلام ، لأنّ اشتراط الضبط في الراوي يخالف ما قاله ، إلّا أن يراد

__________________

(١) أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٤٦ / ٥٠٠ .

(٢) رجال النجاشي : ٣٥٩ / ٩٦٥ .

٤١٠
 &

بالوهم نادراً فلا يقدح في الضبط ، وفيه : أنّ مثل هذا الحكم المستفاد من الرواية لا يتصور من الوهم النادر كما يعلم بالتأمّل ؛ وإن كان التفات الشيخ إلىٰ القدح في الراوي ، فليست عادة الشيخ في الردّ إلّا بعد العجز عن الحمل ؛ وإن كان في الردّ بضعف السند تأمّل ، لما عرف من الشيخ وغيره من المتقدّمين أنّ الاعتماد علىٰ الأخبار ليس من جهة الأسناد كما سلكه المتأخّرون .

وأمّا ثانياً : فقوله : إذا كان رؤية الدم هو المفطر ، لا يصلح لإثبات وهم الراوي ، فإنّ تعارض الأخبار في هذا الموضع وغيره لا يوجب احتمال الوهم ، لدلالة بعض الأخبار علىٰ غير مدلول البعض الآخر .

وأمّا ثالثاً : فما ذكره من أنّه يستحب الإمساك تأديباً ، إلىٰ آخره ، إن أراد به الجمع بين الأخبار أمكن ، إلّا أن الظاهر إيراده لإثبات الوهم ، وإن أراد به إثبات الوهم مع أنّه وجه للجمع أشكل بأنّ الخبر المستدل به لا يدل علىٰ الغسل الوارد في الخبر الأوّل ، وقد يمكن تسديد هذا بما لا يخفىٰ .

أمّا ما تضمنه الخبر الأوّل من الاعتداد بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب فلا يخلو توجيهه من عسر ، ولعلّ المراد بالاعتداد حصول ثواب الصوم ، وقوله : « ما لم تأكل وتشرب » يراد به حينئذ أنّ ثواب الصوم الكامل ما لم تأكل وتشرب ، ومع الأكل والشرب لا يحصل الثواب الكامل .

وما قد يقال : إنّ الرواية الأخيرة تدل علىٰ المضيّ في صومها والأمر للوجوب ، ومطلوب الشيخ الاستحباب ، فله وجه ، غير أنّي لم أعلم الآن القائل بالوجوب .

أمّا ما يستفاد من الرواية الاُولىٰ في قوله : « ما لم تأكل وتشرب » من

٤١١
 &

أن الأكل والشرب يقتضيان (١) عدم الاعتداد بالصوم فهو لا يخلو من إجمال ، لأنّ الأكل والشرب إن جاز فعلهما فلا وجه للاعتداد بالصوم ، وإن لم يجز فعلهما لم يتم التعبير بقوله : « ما لم تأكل وتشرب » إلّا أنّ يقال : إنّ المراد ما لم تفطر ، وعلىٰ كل حال لا ينافي الإجمال ما قدمناه .

وغير بعيد أن يستفاد إرادة الاستحباب من قوله : « ما لم تأكل وتشرب » فيقال : إنّ المرأة المبحوث عنها في الرواية إذا اغتسلت ولم تأكل ولم تشرب حصل لها ثواب الصوم ، وإن أكلت وشربت لم يحصل ذلك .

ولا يشكل بأنّ ترك الأكل والشرب بعد فعلهما مستحب تأديباً ، فيكون الثواب عليه حاصلا .

لإمكان أن يقال : إنّ الثواب الكامل مع عدم الأكل والشرب ، وكلام الشيخ كما ترىٰ غير واف بتحقيق المقام .

ولا يخفىٰ ما في الحديث الأخير من قوله عليه‌السلام : « بعد العصر أو بعد الزوال » من الخفاء في وجه ذكر الأمرين ، ولعلّه يتضح بأدنىٰ تأمّل .

قال :

باب المرأة الجنب تحيض عليها غسل واحد أم غسلان‌

أخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن محمد بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسىٰ ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « إذا حاضت المرأة وهي جنب أجزأها غسل واحد » .

__________________

(١) في « رض » مقتضيان .

٤١٢
 &

عنه ، عن علي بن أسباط ، عن عمّه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن رجل أصاب من امرأته ثم حاضت قبل أن تغتسل قال : « تجعله غسلاً واحداً » .

عنه ، عن العباس بن عامر ، عن حجاج الخشاب قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقع علىٰ امرأته فطمثت بعد ما فرغ أتجعله غسلاً واحداً إذا طهرت أو تغتسل مرّتين ؟ قال : « تجعله غسلاً واحداً عند طهرها » .

السند‌ :

في الجميع تكرّر القول في رجاله ، غير أنّ محمد بن إسماعيل في الأوّل مشترك بين الثقة وغيره (١) ، وإن كان ليس بالبعيد : ابن بزيع ، ولا فائدة هنا لتحقيق الأمر إلّا بتقدير كون الخبر من الموثّق وعمل به .

وضمير عنه في الثاني إلىٰ علي بن الحسن ، فإنّه الراوي عن علي بن أسباط بعض كتبه كما في النجاشي (٢) ( وهذا يؤنس بما أسلفناه في الباب السابق من رجوع ضمير « عنه » عن عبد الرحمان بن أبي نجران إلىٰ علي بن الحسن ) (٣) (٤) .

وضمير عنه في الثالث كذلك .

__________________

(١) هداية المحدثين : ٢٢٧ ـ ٢٢٩ .

(٢) رجال النجاشي : ٢٥٢ / ٦٦٣ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « رض » .

(٤) راجع ص ٤٠٨ .

٤١٣
 &

المتن :

في الأخبار الثلاثة صريح في إجزاء غسل واحد ، إلّا أنّ الواحد مجمل ، فيحتمل أن يراد به أحد الغسلين إذا قصد يجزىء عن الآخر ، ويحتمل أن يراد غسل واحد يكفي فيه القربة ويجزىء عنهما ، لأنّها قدر مشترك ، وفيه نوع تأمّل يظهر ممّا نذكره ، ويحتمل أن يراد بالواحد السابق سببه فيتعين ويجزىء عن اللاحق ، وترجيح أحد الاحتمالات لا يخلو من إشكال ، والاستدلال بالإطلاق علىٰ جواز الجميع لأنّ مفاد مثل هذا الإطلاق العموم لا يخلو من وجه لو صلحت الأخبار للاعتماد .

والذي وقفت عليه في غير الكتاب من الروايات ما رواه الكليني في الحسن عن زرارة قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة ، والجمعة ، وعرفة ، والنحر ، والحلق ، والذبح ، والزيارة ، وإذا اجتمعت لله عليك حقوق أجزأك عنها (١) غسل واحد » قال : ثم قال : « وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها ، وإحرامها ، وجمعتها ، وغسلها من حيضها وعيدها (٢) » (٣) . وقد رواها الشيخ في التهذيب من غير إضمار (٤) ، لكن في الطريق علي بن السندي ، ولا ريب انّ الإضمار لا يضر بالحال كما أسلفنا الوجه فيه (٥) ، غير أنّ حسنها يمنع من العمل بها عند من يتوقف عمله علىٰ الصحيح .

__________________

(١) كذا في النسخ ، وفي المصدر : أجزأها عنك .

(٢) في النسخ : أو عيدها ، وما أثبتناه من المصدر .

(٣) الكافي ٣ : ٤١ / ١ ، الوسائل ٢ : ٢٦١ أبواب الجنابة ب ٤٣ ح ١ .

(٤) التهذيب ١ : ١٠٧ / ٢٧٩ .

(٥) راجع ج ١ : ٧٣ .

٤١٤
 &

وقد نقل شيخنا قدس‌سره عن ابن إدريس في سرائره ، أنّه ذكرها في جملة الأحاديث المنتزعة من كتب المشيخة ، فنقلها من كتاب حريز ، وقال نقلاً من الكتاب المذكور : وقال زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : « إذا اغتسلت » إلىٰ آخر الرواية (١) .

ثم إنّ ابن إدريس ذكر أنّ كتاب حريز أصل معتمد ، وهذا يقتضي صحة الرواية . ومفادها كما ترىٰ تداخل الأغسال مع الاختلاف في الوجوب والندب ، والحقوق في الخبر لا يبعد تناولها للمندوب ، بل الظاهر من الرواية ذلك ، واحتمال كونه كلاماً مستقلاً لبيان تداخل الواجبة حيث إنّ السابق لتداخل الواجب والمندوب ممكن ، إلّا أنّه خلاف الظاهر .

وما قيل : من أنّ المراد بالواحد الوحدة النوعية . فالسياق يدفعه والاعتبار الصحيح يمنعه ، ولا يخفىٰ أنّ المستفاد من الرواية الاجتزاء (٢) بغسل واحد علىٰ تقدير الاختلاف في الوجوب والندب (٣) ، لا أنّ جميع المندوبات حاصلة مع غسل الجنابة ، فإنّ غسل النحر وعرفة لا يجتمعان ، وحينئذ فالمقصود في الخبر الاكتفاء بغسل واحد علىٰ تقدير التعدّد بأيّ وجه اتفق .

ويستفاد منه أنّ الاكتفاء بالغسل الواحد علىٰ تقدير وجوب الأغسال مع الاختلاف بطريق أولىٰ علىٰ قاعدة الأصحاب في مفهوم الموافقة ، إلّا أنّ فيه بحثاً قدمناه ، ولعلّ الأولىٰ الاستدلال علىٰ ذلك بالخبر من حيث قوله : « وإذا اجتمعت لله عليك حقوق » إلىٰ آخره . واحتمال أن يكون المراد

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٥ وهو في مستطرفات السرائر : ٧٥ .

(٢) في « فض » : الإجزاء .

(٣) في « فض » زيادة : الجميع .

٤١٥
 &

بالحقوق المذكورة في الرواية هي المجتمعة من الوجوب والندب ـ علىٰ تقدير صدق الحقوق علىٰ المندوبات كما يستفاد من ظاهر الخبر ـ بعيد .

ومن هنا يعلم أنّ قول شيخنا قدس‌سره بعد ذكر رواية زرارة : إنّها نصّ في المطلوب (١) . محل بحث ، فسيأتي إن شاء الله في باب غسل الأموات ما يدل علىٰ التداخل (٢) ، وإن كان فيه نوع كلام نذكره في محله إن شاء الله تعالىٰ .

وروىٰ الصدوق في باب الصوم مرسلاً : إنّ من جامع في أوّل شهر رمضان ثم نسي الغسل حتىٰ خرج من شهر رمضان عليه أن يغتسل ويقضي صومه وصلاته ، إلّا أن يكون قد اغتسل للجمعة (٣) . وفيه تأييده .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب اختلافاً في مسألة التداخل ، واضطراباً في الاستدلال ، حيث ضويقوا من جهة القول بنيّة الوجه في العبادة ، فقال بعض بالتداخل مطلقاً (٤) . وقيل : إن نوىٰ الجميع أجزأ غسل واحد ، وإن نوىٰ البعض اختص (٥) . قال في الذكرىٰ : ومن قال برفع المندوب الحدث فلا إشكال عنده في التداخل (٦) .

وفي كلام بعض : إنّ الأغسال إذا كانت كلها واجبة فالمكتفي بالقربة قال بالتداخل ، إذ المقصود رفع الحدث أو الاستباحة وهو شي‌ء واحد ، ومن لم يكتف بالقربة وأوجب نيّة الرفع أو الاستباحة فصّل بأنّه إن نوىٰ

__________________

(١) المدارك ١ : ١٩٥ .

(٢) يأتي في ج ٣ : ٣٢٨ .

(٣) الفقيه ٢ : ٧٤ / ٣٢١ .

(٤) كالشهيد الثاني في روض الجنان : ١٩ ، والأردبيلي في مجمع الفائدة ١ : ٧٩ .

(٥) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ ، ٣٦٢ .

(٦) الذكرىٰ ١ : ٢٠٥ .

٤١٦
 &

أحدهما فلا يخلو إمّا أن لا يعيّن رفع أحد الأحداث أو يعيّن ، فإن كان الأوّل تداخلت ، وإن كان الثاني فإن لم يكن معها غسل الجنابة أو كان وساوىٰ غيره في عدم الوضوء كفىٰ عن الباقي ، وإن اشترط الوضوء في غيره وكان المعيّن هو الجنابة أجزأ عن غيره عند بعض ، وإن كان غيره هو المعيّن ففيه قولان ، وقيل : هما احتمالان : الإجزاء لأنّه غسل صحيح نوىٰ به الاستباحة فيجزيء ، والعدم ، لعدم تأثير الوضوء في غسل الجنابة ، وتوقف بعض (١) .

وفي مدارك شيخنا قدس‌سره أنّ الأظهر التداخل مع الاقتصار علىٰ نية القربة ، وكذا مع ضم الرفع أو الاستباحة ، يعني علىٰ تقدير أن تكون الاغسال كلها واجبة ، ثم قال قدس‌سره : ولو عيّن أحد الأحداث فإن كان المعيّن هو الجنابة فالمشهور إجزاؤه عن غيره ، بل قيل : إنّه متفق عليه ، وإن كان غيره ففيه قولان (٢) . انتهىٰ .

ثم علىٰ تقدير الاختلاف بالوجوب والندب قيل : إن نوىٰ الواجب ارتفع حدثه ، وفي الإجزاء عن المندوب قولان : قول بالإجزاء للرواية ، وقول بالعدم لاشتراط نيّة الوجه ؛ وقرّب بعض صحة المندوب ، لعدم اشتراط خلوّ المكلّف من الحدث الأكبر كما في غسل الإحرام للحائض (٣) ، وفي الذكرىٰ : الأقرب تفريعاً علىٰ القول بأنّ المندوب لا يرفع الحدث صحّته من كل محدث لحصول الغاية (٤) .

__________________

(١) لم نعثر عليه .

(٢) المدارك ١ : ١٩٤ .

(٣) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ .

(٤) ذكرىٰ الشيعة ١ : ٢٠٦ .

٤١٧
 &

ونقل عن المبسوط القول بعدم الإجزاء عن أحدهما (١) .

وعلىٰ تقدير نيّة الجميع قيل : بعدم الإجزاء ، لاعتبار نيّة السبب ، وتضادّ وجهي الوجوب والندب ، فإن نوىٰ الندب لزم عدم ارتفاع الحدث لعدم رفعه بالمندوب ، وإن نوىٰ الوجوب لزم نيّة وجوب ما ليس بواجب ، وإن نواهما لزم الجمع بين الضدّين وترجّح أحدهما من غير مرجّح (٢) .

ويظهر من البعض إجزاء نيّة الوجوب عن الندب ، لأنّ نيّة الوجوب تستلزم نيّة الندب ، لاشتراكهما في رجحان الفعل ، ولا يضر اعتقاد منع الترك لأنّه مؤكِّد (٣) .

وفي نهاية العلّامة : لو نوىٰ المجنب رفع الحدث أو الاستباحة ترتفع جميع الأحداث ويجزىء عن جميع الأغسال الواجبة ، وكذا لو نوىٰ الجنابة ، ثم قال : والأقوىٰ عدم رفع الجنابة مع نيّة الحيض ، لأنّه أدون ، ثم قال : يحتمل قوة الحيض لاحتياجه إلىٰ الطهارتين ؛ وفي النهاية أيضاً : لو اجتمعت الأغسال المندوبة احتمل التداخل لقول ، أحدهما عليهما‌السلام : « إذا اجتمعت » إلىٰ آخره ، فحينئذ يكتفىٰ بنيّة مطلقة (٤) .

وفي المنتهىٰ قال بتداخل الأغسال المندوبة (٥) . وفي الإرشاد نفىٰ التداخل (٦) ، وظاهره الإطلاق ، إلّا أنّ فيه احتمالاً يعرف من مراجعة عبارته .

وبالجملة : فالأقوال متكثرة في المسألة ، والتوجيهات المنقولة إجمالاً

__________________

(١) المبسوط ١ : ٤٠ .

(٢) انظر مختلف الشيعة ١ : ١٥٦ ، روض الجنان : ١٨ .

(٣) انظر ذكرىٰ الشيعة ١ : ٢٠٥ .

(٤) نهاية الإحكام ١ : ١١٢ ـ ١١٣ .

(٥) منتهىٰ المطلب ١ : ١٣٢ .

(٦) الإرشاد ١ : ٢٢١ .

٤١٨
 &

لا تخلو من نظر في مواضع ، وأظن أنّ الوجه في النظر منكشف .

والذي يخطر في البال بعد ما قدمناه من جهة دلالة رواية زرارة أنّ التوقف في التداخل مطلقا لا وجه له ، والشك الذي حصل للبعض من جهة نيّة الوجه (١) يمكن دفعه بأنّ دليل وجوب نيّة الوجه الذي ذكره القائلون بذلك ـ علىٰ تقدير تماميّته ـ لا يمنع التخصيص بما دلّت عليه الرواية ، والعقل لا يدفع مدلول الرواية لتكون مخالفة لدليل العقل فتطرح .

وما عساه يقال : إنّ اجتماع الضدّين إذا كان محالاً فلا بدّ من عدم العمل بالرواية .

جوابه : أنّ التضادّ إنّما يتحقق لو اعتبرنا نيّة الوجه ، وقد نفينا ذلك في الذي نحن فيه ، فالإشكال من حيث نيّة الوجه أمره سهل .

غاية الأمر إنّ الحكم بالتداخل ـ مع ثبوت أنّ كل سبب يقتضي وجوب مسبّبه ، والتداخل خلاف الأصل ـ محل بحث .

فإن قلت : قد ثبت في الأحكام الشرعية تعدّد الأسباب مع الاكتفاء بالمسبّب الواحد كالوضوء والغسل إذا تعدّد سببهما مع الاتحاد نوعاً في الثاني كالجنابة مثلاً ، والأعم من ذلك كأسباب الوضوء .

قلت : لا ريب فيما ذكرت ، إلّا أنّ الإجماع وغيره قد ثبت فيما ذكرت ، والكلام فيما فيه الخلاف .

وليس لأحد أن يقول : إنّ المقصود من الشارع فعل الغسل بإجراء الماء علىٰ البدن بالنحو المقرّر ، وهو حاصل بالغسل الواحد ، كالوضوء علىٰ تقدير تعدّد السبب ، والغسل علىٰ تقدير الاتحاد النوعي .

__________________

(١) انظر المعتبر ١ : ٣٦١ .

٤١٩
 &

لإمكان الجواب بأنّ العلم بكون ما ذكر هو المقصود غير حاصل ، ومجرّد الاحتمال لا يكفي في إثبات الحكم شرعاً .

ومن هنا يعلم أنّ ما قاله شيخنا قدس‌سره في الاستدلال علىٰ التداخل مع كون الأغسال كلّها واجبة : بصدق الامتثال بالفعل ، مضافاً إلىٰ رواية زرارة (١) . محل بحث . .

أمّا أوّلاً : فلأنّ تحقق الامتثال أصل المدّعىٰ ، مضافاً إلىٰ معارضة أصالة عدم التداخل .

وأمّا ثانياً : فلأنّ الرواية فيها احتمال (٢) أسلفناه لا تخلو معه من إشكال في الدلالة ، مضافاً إلىٰ أنّ مورد الاستدلال علىٰ تقدير الاكتفاء بالقربة ، وكذا مع ضم الرفع أو الاستباحة والحكم في الرواية من جهة قوله : « وإذا اجتمعت » إلىٰ آخره ، لا يختص بحالة القربة والرفع أو الاستباحة ، بل لو قلنا بنيّة الوجه كذلك .

نعم علىٰ تقدير اعتبار التعيين للسبب قد يتوقف في التداخل ، وإن كان مدلول الرواية يتناوله أيضاً ، إلّا أنّ يقال : إنّ الغسل الواحد في الرواية مجمل ، فلا يتم الاستدلال بها مع الإجمال ، وفيه : أنّ الإجمال هنا لا يضرّ بالحال ، لأنّه من قبيل المطلق المفيد فائدة العموم ، فيتناول الغسل الواحد الحاصل في ضمن الأغسال وغيره بأن يقصد به مجرّد القربة .

فإن قلت : أيّ فرق بين الغسل الحاصل في الضمن وبين غيره ؟ .

قلت : الفرق من حيث إنّ الحاصل في الضمن يقصد فيه التعيين (٣)

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ١٩٤ .

(٢) في « رض » زيادة : ما .

(٣) في « رض » : التعيّن .

٤٢٠