إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ٢

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

محمد بن إسماعيل ، عن منصور (١) بزرج ، عن إسحاق بن عمار ، عن عبد الكريم بن عمرو قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عمّا لصاحب المرأة الحائض منها قال : « كل شي‌ء ما عدا القبل بعينه » .

وبهذا الاسناد عن علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمّد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الرجل يأتي المرأة فيما دون الفرج وهي حائض قال : « لا بأس إذا اجتنب ذلك الموضع » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد (٢) ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن إسماعيل ، عن عمر ابن حنظلة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ما للرجل من الحائض ؟ قال : « ما بين الفخذين » .

وبهذا الاسناد عن أحمد بن محمد ، عن البرقي ، عن عمر بن يزيد قال : قلت : لأبي عبد الله عليه‌السلام ما للرجل من الحائض ؟ قال : « ما بين ألييها ولا يوقب » .

السند :

في الأوّل : قد تكرّر القول في رجاله وهو مرسل .

والثاني : إلىٰ محمد بن علي مشترك في تكرّر القول ، وأمّا محمد بن علي فلا يبعد أن يكون ابن محبوب ، ومحمد بن إسماعيل كأنه ابن بزيع .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٨ / ٤٣٨ زيادة : بن يونس .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٠ زيادة : البرقي ، والظاهر أنّه خطأ والمراد به احمد ابن محمد بن الحسن بن الوليد .

٣٠١
 &

وأمّا منصور بزرج فالنجاشي وثقه (١) غير قائل إنّه واقفي . والشيخ في رجال الكاظم عليه‌السلام من كتابه قال : إنّه واقفي (٢) . وقد توقف العلّامة في شأنه لذلك (٣) .

وبعض حكم بعدم المنافاة بين التوثيق والوقف (٤) ، وقد كرّرنا ترجيح قول النجاشي ، فتدبر ، وإسحاق بن عمار تقدم فيه القول (٥) .

وعبد الكريم بن عمرو وثقه النجاشي ، وقال إنّه كان واقفياً (٦) ، والكشي روىٰ عن حمدويه قال : سمعت أشياخي يقولون : إنّ كراماً هو عبد الكريم بن عمرو واقفي (٧) .

والثالث : رجاله غني عن القول بعدما قدمناه .

والرابع : فيه البرقي وقد تقدم فيه القول (٨) ، وإسماعيل غير معلوم الحال للاشتراك (٩) ، وعمر بن حنظلة تقدم (١٠) .

والخامس : ليس فيه ارتياب إلّا بالبرقي .

المتن :

ظاهر الدلالة في الأوّل علىٰ جواز مباشرة ما عدا موضع الدم ،

__________________

(١) رجال النجاشي : ٤١٣ / ١١٠٠ .

(٢) رجال الطوسي : ٣٦٠ / ٢١ .

(٣) خلاصة العلّامة : ٢٥٩ .

(٤) كالجزائري في الحاوي ٣ : ٢٣١ .

(٥) راجع ج ١ : ٢٥٥ ـ ٢٥٦ .

(٦) رجال النجاشي : ٢٤٥ / ٦٤٥ .

(٧) رجال الكشي ٢ : ٨٣٠ / ١٠٤٩ .

(٨) راجع ج ١ : ٩٥ ـ ٩٦ .

(٩) هداية المحدثين : ١٨ .

(١٠) في ص ٦٢ .

٣٠٢
 &

والثاني : كذلك ، إلّا أنّه عام بالنسبة إلىٰ القبل . والثالث : مجمل في الموضع ، فيحتمل إرادة موضع الدم أو القبل . والرابع : صريح في أنّ له ما بين الفخذين . والخامس : واضح الدلالة علىٰ عدم جواز الإيقاب ، فيمكن أن يخصّ به عموم غيره أو يقيد إطلاقه .

والعلّامة في المختلف استدل بالأول والثاني والثالث علىٰ عدم تحريم ما عدا القبل ، وأضاف إلىٰ ذلك أولاً الاستدلال بقوله تعالىٰ : ( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ) (١) السالم عن معارضة النهي المختص بالقبل في قوله تعالىٰ : ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٢) أي في موضع الحيض (٣) . ولنا معه كلام في الآية ذكرته في حاشيته ، والحاصل أنّ الآية قابلة للبحث في مواضع :

أحدها : أنّ الحرث إنّما يؤتىٰ للزرع ، والنسبة في الآية ظاهر الوجه ، فلا يتم التناول للدبر .

وثانيها : أنّ كلمة أنّىٰ قد وردت بمعنىٰ أنّما المفيدة للعموم في المكان ، ووردت بمعنىٰ كيف كقوله تعالىٰ ( أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ ) (٤) فهي مشتركة ، فلا تدل علىٰ المطلوب لأنّ عموم الكيفية لا تدل علىٰ تعدّد الأمكنة بل علىٰ تعدّد الهيئات .

وثالثها : أنّ قوله تعالىٰ ( وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ) (٥) قيل : المراد به طلب الولد (٦) .

__________________

(١) البقرة : ٢٢٣ .

(٢) البقرة : ٢٢٢ .

(٣) المختلف ١ : ١٨٥ .

(٤) آل عمران : ٤٠ ، مريم : ٨ و ٢٠ .

(٥) البقرة : ٢٢٣ .

(٦) حكاه الدرّ المنثور : ١ ، ٢٦٧ عن عكرمة .

٣٠٣
 &

ورابعها : أنّ ما ذكره العلّامة من تفسير المحيض بالموضع (١) قد ورد تفسيره بوقت الحيض ، والعلّامة نفسه ذكر ذلك (٢) .

ثم إنّ عدم التعرض لخبر الإيقاب لا وجه له من العلّامة وغيره من المتأخّرين حتىٰ شيخنا قدس‌سره لما قدّمناه من إمكان التقييد ، مع أنّ شيخنا حكم بصحة رواية النهي عن الإيقاب (٣) إلّا أنّ القول بخصوص الإيقاب تحريماً لم أعلم بقائله الآن ، بل المنقول عن السيد المرتضىٰ القول بتحريم الوطء في الدبر وأنّه لا يحل الاستمتاع إلّا بما فوق المئزر (٤) واحتجّ له العلّامة ولم يذكر رواية الإيقاب (٥) . وسيأتي إن شاء الله ذلك .

اللغة :

قال في النهاية : الوقوب الدخول في كل شي‌ء (٦) . وفي القاموس : أوقب الشي‌ء : أدخله في الوقبة ( وقال : الوقبة الكوة (٧) ) (٨) .

قال :

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن محمد بن عبد الله بن زرارة ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، عن عبيد الله الحلبي ،

__________________

(١) المختلف ١ : ١٨٥ ، المنتهىٰ ١ : ١١١ .

(٢) المختلف ١ : ١٨٦ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٢ .

(٤ و ٥) المختلف ١ : ١٨٦ .

(٦) النهاية لابن الاثير ٥ : ٢١٢ .

(٧) القاموس المحيط ١ : ١٤٣ .

(٨) ما بين القوسين ليس في « فض » .

٣٠٤
 &

عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الحائض ما يحل لزوجها منها ؟ قال : « تتزر بإزار إلىٰ الركبتين وتخرج سرّتها ثم له ما فوق الإزار » .

عنه ، عن علي بن أسباط ، عن عمه يعقوب بن سالم الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سئل عن الحائض ما يحل لزوجها منها ؟ قال : « تتزر بإزار إلىٰ الركبتين وتخرج ساقيها وله ما فوق الإزار » .

عنه ، عن العباس بن عامر ، عن حجاج الخشاب ، قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض والنفساء ما يحل لزوجها منها ؟ قال (١) : « تلبس درعاً ثم تضطجع معه » .

فالوجه في هذه الاخبار أحد شيئين ، أحدهما : أن نحملها علىٰ ضرب من الاستحباب ، والأولة علىٰ الجواز ورفع الحظر ، والثاني : أن نحملها علىٰ ضرب من التقية لأنّها موافقة لمذاهب كثير من العامة .

فأمّا ما رواه علي بن الحسن ، عن العباس بن عامر ، وجعفر بن محمد بن حكيم ، عن أبان بن عثمان ، عن عبد الرحمان بن أبي عبد الله قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل ما يحلّ له من الطامث ؟ قال : « لا شي‌ء حتىٰ تطهر » .

فالوجه في قوله : « لا شي‌ء » أن يكون محمولاً علىٰ أنّه لا شي‌ء له من الوطء (٢) وإن كان له ما دون ذلك ، والوجهان الأولان اللذان ذكرناهما في الأخبار المتقدمة ممكنان (٣) أيضاً في هذا الخبر .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٩ / ٤٤٤ : فقال .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٥ زيادة : في الفرج .

(٣) في « فض » : فيمكنان ، وفي « رض » : يمكنان ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٥ .

٣٠٥
 &

السند‌ :

في الجميع قد كرّرنا القول فيه في الكتاب بما يغني عن الإعادة ، غير أنّه ينبغي أن يعلم أنّ يعقوب بن سالم اتفق أنّ الشيخ ذكره بهذه الصورة : يعقوب بن سالم أخو أسباط السراج ، في رجال الصادق عليه‌السلام من كتابه (١) ، وفي رجال الكاظم والصادق عليهما‌السلام قال : يعقوب بن سالم الأحمر الكوفي (٢) .

وذكر في النجاشي يعقوب بن (٣) السراج وأنّه ثقة مع ذكره يعقوب بن سالم الأحمر وأنّه أخو أسباط ووثّقه (٤) ، وظاهر الحال المغايرة .

وكلام الشيخ يوهم أنّ يعقوب بن سالم هو السرّاج ، لكن الظنّ أنّ ذكر السراج سبق قلم من الشيخ .

والعجب أنّ جدّي قدس‌سره كتب في فوائد الخلاصة ـ حيث قال العلّامة : إنّ يعقوب بن سالم أخو أسباط ـ : جعله أخا أسباط ، يقتضي كون أسباط أشهر منه ، مع أنّه لم يذكره ـ يعني العلّامة ـ في القسمين ولا غيره ، مع أنّه كثير الرواية (٥) .

والحال أنّ النجاشي ذكره (٦) ، والشيخ في الفهرست (٧) وكتاب ‌

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٣٧ / ٦٥ .

(٢) رجال الطوسي : ٣٦٣ / ٦ ، ٣٣٦ / ٥٤ .

(٣) ليست في النجاشي .

(٤) رجال النجاشي : ٤٥١ / ١٢١٧ و ٤٤٩ / ١٢١٢ .

(٥) حواشي الشهيد الثاني علىٰ الخلاصة : ٢٣ ( مخطوط ) .

(٦) رجال النجاشي : ١٠٦ / ٢٦٨ .

(٧) الفهرست : ٣٨ / ١١٢ .

٣٠٦
 &

الرجال (١) إلّا أنّهما لم يتعرضا له بمدح ولا قدح ، والعذر لجدّي قدس‌سره من جهة النجاشي واضح ، إذ لم يكن عنده ، أمّا غيره فلا عذر له .

المتن :

ما قاله الشيخ لا يخلو من وجه ، إلّا أنّ حديث الخشاب يقتضي اختلاف مراتب الاستحباب كما لا يخفىٰ ، وما قدّمناه من جهة الإيقاب قد عرفت الحال فيه ، فقول الشيخ : يحمل الأولة علىٰ الجواز ورفع الحظر ، علىٰ الإطلاق مشكل .

وفي المختلف استدل للمرتضىٰ رضي‌الله‌عنه بالرواية الاُولىٰ والثانية ، وزاد الاستدلال بالآية أعني قوله تعالىٰ ( وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ) (٢) وبقوله تعالىٰ ( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ) (٣) أي في زمن المحيض .

وأجاب العلّامة عن الآية الاُولىٰ بأنّ حقيقة القرب ليست مرادة بالإجماع ، فيحمل علىٰ المجاز المتعارف وهو الجماع في القبل ، لأنّ غيره نادر .

وعن الآية الثانية بأنّه يحتمل إرادة موضع الحيض بل هو المراد قطعاً ، فإنّ اعتزال النساء مطلقاً ليس مراداً ، بل اعتزال الوطء في القبل .

وعن الحديث بالحمل علىٰ الكراهة (٤) .

وأنت خبير بأنّ ما ذكره في الآية الاُولىٰ : من أنّ إرادة حقيقة القرب ليست مرادة . حق ، أمّا الحمل علىٰ المجاز المتعارف وهو الوطء في القبل ، لا يخلو من وجه .

__________________

(١) رجال الطوسي : ١٥٣ / ٢٢٠ .

(٢ و ٣) البقرة : ٢٢٢ .

(٤) المختلف ١ : ١٨٦ .

٣٠٧
 &

أمّا قوله في الآية الثانية : إنّ المراد موضع الحيض قطعاً . في الظاهر مجرد دعوىٰ ، فلا بد من بيان دليلها ، وكون الاعتزال ليس مراداً ، لا يدل علىٰ الاختصاص بالقبل .

ولعل الأولىٰ أن يقال : إنّ الظاهر من قوله تعالىٰ ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ . . . ) (١) إرادة محل الحيض لا زمان الحيض ، وبهذا يندفع بعض ما قدّمناه في الآية ، وذكر بعض المتأخّرين أيضاً أنّ قياس اللفظ يقتضيه ، ولسلامته من الإضمار والتخصيص اللازمين بحمله علىٰ المصدر (٢) . وفيه بحث إلّا أنّ مقام التأييد واسع الباب .

واعلم أنّ رواية الحلبي مروية في الفقيه بطريقه الصحيح (٣) ، وقد أجاب بعضهم عنها بأنّ دلالتها من باب مفهوم الخطاب وهو ضعيف (٤) . واعترض عليه بأنّ الظاهر كون دلالتها من باب مفهوم الحصر (٥) . ولا يخلو من تأمّل .

وما ذكره الشيخ في تأويل الخبر الأخير لا يخفىٰ أنّه لا يطابق الخبر ، لأنّ قوله : « لا شي‌ء » في جواب : ما يحل له ؟ لا يقبل التأويل .

نعم الحمل علىٰ الكراهة أو التقية له وجه ، وقد نقل أهل الخلاف في أحاديثهم أنّ عائشة قالت : كان يأمرني فأتّزر فيباشرني وأنا حائض (٦) ، وذكر ابن الأثير في شرح الحديث أنّه دال علىٰ جواز المباشرة فوق الإزار ،

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢ .

(٢) المدارك ١ : ٣٥١ .

(٣) الفقيه ١ : ٥٤ / ٢٠٤ ، الوسائل ٢ : ٣٢٣ أبواب الحيض ب ٢٦ ح ١ .

(٤) كالمحقق الحلي في المعتبر ١ : ٢٢٥ .

(٥) كما في مدارك الأحكام ١ : ٣٥٣ .

(٦) صحيح البخاري ١ : ٨٢ .

٣٠٨
 &

وأمّا تحت الإزار فقد اختلف الفقهاء فيه .

وما تضمنه حديث أبي بصير من قوله : « تخرج ساقيها » يحتمل أن يكون سهواً ، وإنّما هو : وتخرج سرّتها . كما في خبر الحلبي ، ويحتمل الصحة بأن يراد بإخراج الساق عدم وصول المئزر إليه . وقوله : « وله ما فوق الإزار » ربما يدل علىٰ الاختصاص ويكون ما تحته من الساق ليس كذلك ، ويحتمل غير ذلك ، والأمر سهل مع ضعف الرواية .

قوله :

باب أقل الحيض وأكثره‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسىٰ ، عن علي بن أحمد بن أشيم ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن أدنىٰ ما يكون من الحيض ، فقال (١) « أدناه (٢) ثلاثة أيّام وأكثره عشرة » .

وبهذا الإسناد عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الفضل بن شاذان ، عن صفوان بن يحيىٰ قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن أدنىٰ ما يكون من الحيض ، فقال : « أدناه ثلاثة أيّام (٣) وأبعده عشرة » .

وأخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن

__________________

(١) في النسخ : قال ، وما أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٦ .

(٢) ليست في النسخ ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٦ .

(٣) ليست في النسخ ، أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٣٠ / ٤٤٧ .

٣٠٩
 &

الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن يعقوب بن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : « أدنىٰ الحيض ثلاثة وأقصاه عشرة » .

وأخبرني أحمد بن عبدون ، عن علي بن محمد بن الزبير ، عن علي بن الحسن بن فضال ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أقل ما يكون الحيض ثلاثة أيّام ، وإذا رأت الدم قبل العشرة أيّام فهي من الحيضة الاُولىٰ ، وإذا رأته بعد عشرة أيّام فهو من حيضة اُخرىٰ مستقبلة » .

وبهذا الإسناد عن علي بن الحسن ، عن الحسن بن علي بن زياد الخزّاز ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصلاة ؟ فقال : « أقلّ الحيض ثلاثة وأكثره عشرة وتجمع بين الصلاتين » .

السند‌ :

ليس فيه من يحتاج إلىٰ البيان بعد ما قدّمناه سوىٰ علي بن أحمد بن أشيم ، وقد ذكره الشيخ في رجال الرضا عليه‌السلام من كتابه وقال : إنّه مجهول (١) . والعلّامة ذكره كذلك ، وقال : إنّ أشيم بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المنقطة تحتها نقطتين (٢) .

والنضر في الحديث الثالث هو ابن سويد ، لرواية الحسين بن سعيد عنه ، كما لا يخفىٰ علىٰ الممارس .

__________________

(١) رجال الطوسي : ٣٨٤ / ٢٦ ، ٦٦ .

(٢) خلاصة العلّامة : ٢٣٢ / ٥ .

٣١٠
 &

المتن :

في الجميع واضح الدلالة علىٰ أنّ أقل الحيض ثلاثة وأكثره عشرة ، سوىٰ خبر محمد بن مسلم فإنّ في دلالته علىٰ الأكثر نوع إجمال ، و (١) استفادة الأكثر غير مستبعدة ، إلّا أنّ الضرورة ليست داعية إلىٰ ذلك ، أمّا استدلال العلّامة رحمه‌الله في المنتهىٰ بالحديث علىٰ أنّ أقل الطهر عشرة (٢) . فلا يخلو من وجه ، لأنّ قوله : « وإذا رأته بعد عشرة أيّام » يفيد بظاهره أنّ العشرة غير الاُولىٰ بقرينة تنكير العشرة ، غاية الأمر أنّ مبدأ العشرة غير معلوم ، وهذا لا يضر بالحال ، ( هذا كله علىٰ تقدير متن الرواية هنا .

لكن الشيخ في التهذيب رواها في الحسن ومتنها ) (٣) هكذا : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولىٰ وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » (٤) .

والتعريف في العشرة الثانية يشكل معه الحال في الاستدلال علىٰ أنّ أقل الطهر عشرة ، إلّا أن يقال : إنّ عشرة الاُولىٰ هي عشرة الطهر ، والمعنىٰ أنّ الدم قبل عشرة أيّام من الحيضة الاُولىٰ ، وبعد العشرة من الحيضة الثانية ، فتكون العشرة الثانية هي والجميع هي الطهر ، فلا يدل علىٰ أكثر الحيض حينئذ ، ولا يتم استدلال العلّامة بها علىٰ أنّ ما تراه من الثلاثة إلىٰ العشرة ثم ينقطع حيض (٥) .

__________________

(١) في « فض » : أي .

(٢) المنتهىٰ ١ : ٩٩ .

(٣) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٤) التهذيب ١ : ١٥٩ / ٤٥٤ ، الوسائل ٢ : ٢٩٩ أبواب الحيض ب ١٢ ح ١ .

(٥) المنتهىٰ ١ : ٩٨ .

٣١١
 &

نعم علىٰ بعض الاحتمالات قد يتم كلامه كما ذكرناه في حاشية التهذيب ولا يخلو من تأمّل علىٰ ما أظنه الآن ، واعتراض بعض محقّقي المتأخّرين ـ سلّمه الله ـ علىٰ العلّامة بتقدير ذكر الحديث علىٰ ما في التهذيب (١) . له وجه .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الأصحاب قد اختلفوا في أنّ الثلاثة هل يشترط تواليها أم يكفي كونها في جملة العشرة ، فالمنقول عن الشيخ قولان ، أحدهما : اشتراط التوالي (٢) ، وإليه ذهب جماعة (٣) ، وثانيهما : عدم الاشتراط ، وهو منقول عن النهاية وابن البراج (٤) .

والعلّامة في المختلف اختار التوالي ، واحتج عليه بأنّ الصلاة ثابتة في الذمّة بيقين ، فلا يسقط التكليف بها إلّا مع تيقّن السبب ، ولا يقين بثبوته هنا ، ولأنّ تقدير الحيض أمر شرعي غير معقول فيقف علىٰ مورد الشرع ، ولم يثبت في المتفرق (٥) .

وقد مشىٰ شيخنا قدس‌سره في الاستدلال علىٰ منهج العلّامة في الاستدلال بهذا النحو قائلاً : إنّه لا يقين مع انتفاء التوالي (٦) .

وفي نظري القاصر أنّه يتوجه علىٰ الاستدلال أنّ ثبوت العبادة بيقين إن كان مع وجود صفة الدم المذكور في الأخبار المعتبرة أنّ المرأة تترك الصلاة مع وجودها ، فظاهر الدفع .

__________________

(١) كالشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٨ .

(٢) نقله عنه في المختلف ١ : ١٩٢ ، وهو في الجمل والعقود : ١٦٣ والمبسوط ١ : ٤٢ .

(٣) منهم المحقق في الشرائع ١ : ٢٩ والشهيد في الدروس ١ : ٩٧ وصاحب المدارك ١ : ٣٢٠ .

(٤) نقله عنهما في المختلف ١ : ١٩٣ وهو في النهاية : ٢٦ والمهذب ١ : ٣٤ .

(٥) المختلف ١ : ١٩٣ .

(٦) المدارك ١ : ٣٢٠ .

٣١٢
 &

وقد صرّح به العلّامة وشيخنا (١) قدس‌سرهما في المبتدئة ، حيث ذهبا إلىٰ أنّها تتحيّض برؤيته من دون انتظار ثلاثة أيّام ، لعموم قوله عليه‌السلام : « فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة » .

قال شيخنا قدس‌سره : ويشهد له صحيحة منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « أيّ ساعة رأت الدم فهي تفطر الصائمة » وهذه كما ترىٰ تدل علىٰ أنّ ثبوت العبادة بيقين غير معلوم .

وإن أراد مع عدم صفة الدم فلا ريب في انتفاء القول فيه .

نعم زاد شيخنا قدس‌سره في الاستدلال أنّ المتبادر من قولهم : أدنىٰ الحيض ثلاثة . التوالي (٢) ، وهذا لا يخلو من وجه وإن أمكن أن يقال : إنّهم قالوا أيضاً : وأكثره عشرة ، ولا يعتبر التوالي قطعاً ، والفرق بين الثلاثة والعشرة غير واضح ، إلّا بأن يقال : إنّ العشرة خرجت بالإجماع .

أمّا استدلال العلّامة بأنّ تقدير الحيض ، إلىٰ آخره ، فالذي يتوجه عليه غير محتاج إلىٰ البيان ، إذ المتوالي أيّ بيان له من الشارع ؟ .

وينقل عن الشيخ أنّه احتج لعدم اعتبار التوالي بالرواية المذكورة هنا عن محمد بن مسلم علىٰ ما في التهذيب من المتن (٣) ، وهو : « إذا رأت المرأة الدم قبل عشرة أيّام فهو من الحيضة الاُولىٰ ، وإن كان بعد العشرة فهو من الحيضة المستقبلة » .

واُجيب عن الرواية : بأنّ مقتضاها أنّ ما تراه في العشرة فهو من الحيضة الاُولىٰ ، ولا نزاع فيه ، لكن لا بد من تحقق الحيض أولا (٤) .

__________________

(١) المختلف ١ : ١٩٨ ، المدارك ١ : ٣٢٩ .

(٢ و ٣) المدارك ١ : ٣٢٠ .

(٤) المدارك ١ : ٣٢٠ .

٣١٣
 &

( وقد يقال إنّ في الجواب تأمّلاً ) (١) لأنّ الرواية إذا سلّم دلالتها علىٰ أنّ ما تراه في جملة العشرة فهو حيض بناء علىٰ أنّ معنىٰ الرواية هذا ، فكلام الشيخ له وجه ، لأنّ من أفراده أن ترىٰ ثلاثة في جملة عشرة ، ولو حملت الرواية علىٰ أنّ الثلاثة تحققت بالتوالي ثم ما تراه بعد ذلك إلىٰ العشرة فهو من الحيضة الاُولىٰ ، لم يتم مراد الشيخ ، إلّا أنّ ترجيح هذا المعنىٰ من أين ؟ والشيخ يكفيه الإطلاق في الاستدلال ، إلّا علىٰ الاحتمال الذي قدّمناه ، فإنّ الاستدلال بها يحتمل ، كما لا يخفىٰ علىٰ المتأمّل .

والأولىٰ في الجواب أن يقال : إنّ الظاهر من الرواية حصول الثلاثة المتوالية لا مجرد وجود الدم بصفة الحيض .

وقد يناقش في هذا : بأنّ التوالي كيف يعلم من الرواية ؟

ويجاب : بأنّ قوله : فهو من الاُولىٰ . يشعر به ، إلّا أن يقال : إنّ القائل بعدم التوالي يجوّز كون الثلاثة في جملة خمسة ، وحينئذ يتحقق الحيضة الاُولىٰ ، فليتأمّل .

والعلّامة نقل الاستدلال للشيخ برواية مرسلة رواها يونس عن بعض رجاله (٢) . ولا أرىٰ في ذكرها مع الإرسال فائدة .

نعم ينبغي أن يعلم أنّ جدّي قدس‌سره قال في شرح الإرشاد : وعلىٰ هذا القول ـ يعني عدم اعتبار التوالي ـ لو رأت الأوّل والخامس والعاشر ، فالثلاثة حيض لا غير ، فإذا رأت الدم يوماً وانقطع فإن كان يغمس القطنة وجب الغسل ، لأنّه إن كان حيضاً فقد وجب الغسل للحكم بأنّ أيّام النقاء طهر ، وإن لم يكن حيضاً فهو استحاضة ، والغامس منها يوجب الغسل ،

__________________

(١) ما بين القوسين ليس في « فض » .

(٢) المختلف ١ : ١٩٣ .

٣١٤
 &

وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصة لاحتمال كونه استحاضة ، فإن رأته مرّة ثانية يوماً مثلاً (١) وانقطع فكذلك ، فإذا رأته ثالثة في العشرة ثبت أن الأوّل حيض ، وتبيّن بطلان ما فعلت بالوضوء ، إذ قد ثبت أنّ الدم حيض يوجب انقطاعه الغسل (٢) . انتهىٰ .

وفي نظري القاصر أنّ هذا الكلام من جدّي قدس‌سره إلزام للشيخ ومن يقول بمقالته ، من حيث إنّ القائلين بعدم التوالي يلزمهم أن لا يتحقق الفرق بين أقل الحيض وأكثره في صورة رؤية الدم أول يوم والخامس والعاشر إذا كان الجميع حيضاً ، ولو كان الثلاثة فقط هي الحيض لزم الإشكال الذي ذكره ، ( لا أنّ ) (٣) القائل به معترف بما ذكره ، فإنّ الإجماع مدّعىٰ علىٰ أنّ الطهر لا يكون أقل من عشرة أيّام .

وصرّح جماعة من الأصحاب منهم المحقق في المعتبر (٤) والعلّامة في المنتهىٰ : بأنّ المرأة لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر كان الجميع حيضاً (٥) .

ومن هنا يعلم أنّ ما اعترض به بعض المتأخّرين ، وتبعه شيخنا قدس‌سره علىٰ جدّي قدس‌سره : من أنّ مقتضىٰ كلامه أنّ أيّام النقاء المتخلّلة بين أيّام رؤية الدم يكون طهراً ، وهو خلاف الإجماع (٦) . لا وجه له بعد ما قلناه ، غاية الأمر أنّ قول جدّي قدس‌سره يوهم ذلك .

وأمّا ما قد يتخيل من عدم تحقق الأقل . فيدفعه أنّ الشيخ ومن معه (٧)

__________________

(١) ليست في « فض » .

(٢) روض الجنان : ٦٣ .

(٣) بدل ما بين القوسين في « د » : إذ .

(٤) المعتبر ١ : ٢٠٣ .

(٥) المنتهىٰ ١ : ٩٨ .

(٦) المدارك ١ : ٣٢١ .

(٧) راجع ص ٣١٢ .

٣١٥
 &

لا يقولون بتعيّن عدم التوالي ، بل إنّ التوالي ليس بشرط ، فالأقل عندهم يتحقق مع التوالي وعدمه ، والإلزام من جدّي قدس‌سره لهم أن يخرجوا عنه بأنّه لا يحكم بالحيض إلّا بتمام العشرة ، وفيها لا يحكم بالحيض بل يحكم بأفعال المستحاضة أو غير ذلك .

ثم قد يتوجه علىٰ جدّي قدس‌سره أنّ قوله : وإن لم يغمسها وجب الوضوء خاصة . محل بحث ، لأنّ الحيض لا يعتبر فيه الكثرة فاحتماله موجود ، وإذا وجب الغسل مع الكثرة وجب مع القلة ، والفرق غير ظاهر الوجه ، وبالجملة فالكلام محل إبهام إلّا أنّ مقصوده ما سمعته علىٰ ما أظن .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ للأصحاب خلافاً علىٰ القول بالتوالي ، والأكثر علىٰ الاكتفاء برؤية الدم في كل يوم من الأيّام الثلاثة وقتاً مّا عملاً بالعموم (١) .

وقيل : يشترط اتصاله في مجموع الأيّام الثلاثة (٢) . وذهب بعض إلىٰ اعتبار حصوله في أول اليوم الأوّل وآخر الآخر وفي أيّ جزء كان من الوسط (٣) . ولم أقف علىٰ أدلّة القولين .

بقي في المقام شي‌ء ، وهو أنّ ما أوردناه علىٰ العلّامة وشيخنا قدس‌سره من جهة استدلالهم المذكور (٤) بأنّ ما دل علىٰ اعتبار أوصاف الدم وكون وجدانها موجباً لترك العبادة إلزامي لهم بما ذكروه من الأخبار في المبتدئة .

والذي وقفت عليه من الأخبار في ذلك لم يحضرني الآن صحته ،

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٢٢ .

(٢) جامع المقاصد ١ : ٢٨٧ .

(٣) نفىٰ عنه البُعد في حبل المتين : ٤٧ .

(٤) في ص ٣١٢ .

٣١٦
 &

وصحيح منصور بن حازم المذكور من شيخنا قدس‌سره (١) لم أقف الآن عليه ، والله تعالىٰ أعلم بحقيقة الحال .

اللغة :

قال ابن الأثير في إحكام الأحكام : يقال : حاضت المرأة وتحيّضت تحيض حيضاً ومحاضاً (٢) ومحيضا ، إذا سال الدم منها في نوبة معلومة ، وإذا استمر من غير نوبة قيل : استحيضت فهي مستحاضة .

ومن هنا يعلم أنّ قوله في حديث محمد بن مسلم الأخير سألته عن المستحاضة كيف تصنع إذا رأت الدم وإذا رأت الصفرة وكم تدع الصلاة ؟ يمكن أن يراد به المستحاضة بالمعنىٰ الذي ذكره ابن الأثير ، وإن أمكن التوجيه علىٰ تقدير إرادة المستحاضة وهي من يسيل دمها متجاوزاً أيّام الحيض بنوع من التقريب ، لكنه بعيد عن المساق .

وفي القاموس : المستحاضة من يسيل دمها لا من الحيض (٣) . وهذا المعنىٰ غير مراد من الحديث في الظاهر .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : « إنّ أكثر ما يكون الحيض ثمان وأدنىٰ ما يكون ثلاثة » .

__________________

(١) المدارك ١ : ٣٢٩ .

(٢) في « رض » : محياضاً .

(٣) القاموس المحيط ٢ : ٣٤١ .

٣١٧
 &

فهذا الخبر لا ينافي ما قدمناه من الأخبار ، لإجماع الطائفة علىٰ خلافه ، وأنّ أحداً من أصحابنا لم يعتبر في أقصىٰ مدّة أيّام الحيض أقل من عشرة أيّام ، ولو سلّم لجاز أن نحمله علىٰ امرأة كانت عادتها ثمانية أيّام ثم استحيضت فأنّ أكثر ما يجب عليها أن تترك الصلاة أيّام عادتها وهي ثمانية أيّام علىٰ ما بيّناه في كتاب تهذيب الأحكام (١) .

السند‌ :

واضح لا ارتياب فيه .

المتن :

ما ذكره الشيخ فيه في غاية التكلّف بسبب البعد عن ظاهر الحديث ، وأظنّ أنّ الأقرب إلىٰ مدلوله إرادة : أكثر عادات النساء الثمانية ، فقوله عليه‌السلام : « إنّ أكثر ما يكون الحيض » إلىٰ آخره ، يراد به أنّ غالب العادات ثمانية أيّام ، وهو كذلك .

ثم إنّ قول الشيخ : فإنّ أكثر ما يجب عليها أن تترك الصلاة أيّام عادتها ، إلىٰ آخره ، لا يخلو من إجمال ، فإنّ المشهور كون الانقطاع علىٰ العاشر يوجب كون الجميع حيضاً وإن كان في استفادة هذا الحكم من الأخبار نظر .

ويمكن توجيه كلام الشيخ بأنّ مراده أنّ وجوب الترك لا يتحقق إلّا في الثمانية لكن إذا انقطع علىٰ العاشر تبيّن بطلان ما فعلت من‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٥٧ / ٤٥٠ ، الوسائل ٢ : ٢٩٧ أبواب الحيض ب ١٠ ح ١٤ .

٣١٨
 &

العبادة ، وأمّا أيّام الاستظهار فلا يشكل الحال فيها ، فإنّ جواز ترك العبادة أيّام الاستظهار لا ينافي قوله : يجب عليها أن تترك أيّام عادتها ، كما لا يخفىٰ .

قال :

باب أقلّ الطهر‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن أحمد بن محمد ، عن صفوان ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « لا يكون القرء أقلّ من عشرة أيّام (١) ، فما زاد أقل ما يكون عشرة من حين تطهر إلىٰ أن ترىٰ الدم » .

السند‌ :

لا ارتياب فيه .

المتن :

لا يخلو من إجمال بالنظر إلىٰ تركيب لفظه ، ويخطر في البال أنّ قوله : « فما زاد » كلام مستأنف في الجملة ، والمعنىٰ أنّ ما زاد عن الأقل من عشرة أقل ما يكون عشرة ، لأنّ مراتب الزيادة عن الأقل من عشرة كثيرة فبيّن عليه‌السلام أنّ أقلها عشرة .

وفي كلام بعض محقّقي المعاصرين ـ سلّمه الله ـ ما هذه صورته : قوله عليه‌السلام : « فما زاد » المتبادر منه إرادة أنّه لا يكون أقل من عشرة فصاعداً ،

__________________

(١) ليست في الاستبصار ١ : ١٣١ / ٤٥٢ .

٣١٩
 &

ولا يخلو من إشكال بحسب المعنىٰ ، فلعلّ التقدير : فالقرء ما زاد ، علىٰ أن يكون الفاء فصيحة ، أي إذا كان كذلك فالقرء ما زاد علىٰ أقل من عشرة ، وقوله عليه‌السلام : « أقل ما يكون عشرة » إلىٰ آخره لعله إنّما ذكره عليه‌السلام للتوضيح ودفع ما عساه يتوهم من أنّ المراد بالقرء المعنىٰ الآخر ، ولفظ يكون تامة ، وعشرة بالرفع خبر (١) . انتهىٰ . ولا يخفىٰ عليك حقيقة الحال .

اللغة :

قال في النهاية : فيه « دَعي الصلاة أيّام أقرائك » وقد تكرّرت هذه اللفظة في الحديث مفردة ومجموعة ، والمفردة بفتح القاف ، وتجمع علىٰ أقراء وقروء ، وهو من الأضداد يقع علىٰ الطهر ، وإليه ذهب الشافعي وأهل الحجاز ، وعلىٰ الحيض ، وإليه ذهب أبو حنيفة وأهل العراق ، والأصل في القرء الوقت المعلوم ، فلذلك وقع علىٰ الضدّين لأنّ لكل منهما وقتاً ، وأقرأت المرأة : إذا حاضت وإذا طهرت (٢) .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن يونس ابن يعقوب ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام المرأة ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة قال : « تدع الصلاة » قلت : فإنّها ترىٰ الطهر ثلاثة أيّام أو أربعة أيّام قال : « تصلي » قلت : فإنّها ترىٰ الدم ثلاثة أيّام أو أربعة‌

__________________

(١) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤٨ .

(٢) النهاية لابن الاثير ٤ : ٣٢ .

٣٢٠