إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ٢

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني

إستقصاء الإعتبار في شرح الإستبصار - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد بن الحسن بن الشّهيد الثّاني


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN: 964-319-174-5
ISBN الدورة:
964-319-172-9

الصفحات: ٤٨٨
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

والثالث : لا يخفىٰ حسنه .

والرابع والخامس : لا ارتياب في صحتهما علىٰ ما قدّمناه .

المتن :

في الأولين ما قاله الشيخ لا يخلو من وجه ، غير أنّ ما ذكره من اعتبار الجريان يريد به ولو بمعاون ، كما ذكره المتأخرين (١) ، وقد قدّمنا فيه القول ، وإن أمكن المناقشة في قول الشيخ : إنّه لو لم يجر لم يسمّ غاسلاً .

وما استدل به رحمه‌الله من الخبرين لا يخلو من تأمّل ، أمّا الأوّل : فلأنّ دلالته من حيث المفهوم ، وبتقدير تماميته ظاهر ، ومنطوق الثاني خلافه ، إلّا أن يقال : إنّ الثاني مجمل والأوّل مبيّن ، فيحمل عليه . وفيه ما فيه ، وأما الثاني : فغير خفيّ دلالته علىٰ خلاف مطلوب الشيخ .

وبالجملة : فيما قدمناه كفاية بالنسبة إلىٰ ما هو المقصود هنا ، نعم ينبغي أن يعلم أنّ الشيخ رحمه‌الله أجمل المقام ، فإنّ الأخبار الأوّلة الدالة علىٰ الصاع للغسل لا ريب أنّها للاستحباب ، وهذه الأخبار منها ما هو دالّ علىٰ إجزاء ما يبلّ الجسد ، وهذا لا ريب أنّه لا يعارض الاستحباب ، وما دل منها علىٰ اعتبار الجريان ، ( ينبغي أن يذكر في مقام المعارضة لما دل علىٰ إجزاء مثل الدهن ، ثم يحمل علىٰ الجريان ) (٢) ولو بمعاون ، أو بيّن أنّ الدهن مبالغة ، والحال في كلام الشيخ ما ترىٰ .

ثم إنّ الأخبار المذكورة فيها إطلاق وفيها تقييد بالنسبة إلىٰ الغسل ، لكنّ الأصحاب لم يذكروا الفرق بين الأغسال علىٰ ما رأيت .

__________________

(١) منهم الشهيد في المسالك ١ : ٤١ ، وصاحب المدارك ١ : ٢٩١ .

(٢) ما بين القوسين ساقط من « رض » .

٢٦١
 &

قال :

باب وجوب الترتيب في غسل الجنابة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن أحمد بن محمد ، قال : سألت أبا الحسن (١) عليه‌السلام عن غسل الجنابة فقال : « تغسل يدك اليمنىٰ من المرفق إلىٰ أصابعك ، وتبول إن قدرت علىٰ البول ، ثم تدخل يدك في الإناء ، ثم اغسل ما أصابك منه ، ثم أفض علىٰ رأسك وجسدك ، ولا وضوء فيه » .

وبهذا الإسناد ، عن الحسين بن سعيد ، عن صفوان وفضالة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما‌السلام ، قال : سألته عن غسل الجنابة فقال : « تبدأ بكفيك ، ثم تغسل فرجك ، ثم تصبّ علىٰ رأسك ثلاثاً ، ثم تصبّ علىٰ سائر جسدك مرّتين ، فما يجري (٢) عليه الماء فقد طهر » .

أخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد بن يحيىٰ ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيىٰ ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد ( بن عيسىٰ ) (٣) ، عن حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « من اغتسل من جنابة ولم يغسل رأسه ، ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بدّاً من إعادة الغسل » .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤١٩ زيادة : الرضا .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٣ / ٤٢٠ : جرىٰ .

(٣) ليس في « رض » .

٢٦٢
 &

السند‌ :

في الأوّل والثاني : لا ارتياب فيه ، وأحمد بن محمد في الأوّل ـ الراوي عنه الحسين ـ هو ابن أبي نصر .

والثالث : فيه علي بن إسماعيل وقد كرّرنا القول في شأنه (١) .

المتن :

في الأخبار الثلاثة لا يدل علىٰ الترتيب المذكور في كلام المتأخّرين ، من الترتيب بين الجانبين أيضاً (٢) ، وفي فوائد شيخنا ـ أيّده الله ـ علىٰ الكتاب : بل مقتضىٰ صحيحتي أحمد بن محمد ومحمد بن مسلم ، عدم وجوب ذلك ، فإنّه لو كان واجباً لذكر في جواب السؤال ، وفي معناهما روايات ، منها : صحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، وصحيحة يعقوب ابن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام ، وهو ظاهر اختيار الصدوقين وابن الجنيد ، تمسكاً بمقتضىٰ الأخبار الصحيحة المطابقة لمقتضىٰ الأصل وظاهر القرآن .

نعم في حسنة زرارة ، قال : قلت : كيف يغتسل الرجل (٣) الجنب ؟ فقال : « إن لم يكن أصاب كفّه شي‌ء (٤) غمسها في الماء ، ثم بدأ بفرجه‌

__________________

(١) في ص ١٨٤ ، ١٨٧ .

(٢) منهم المحقق في المعتبر ١ : ١٨٢ ، والعلّامة في المنتهىٰ ١ : ٨٣ ، والشهيد الأوّل في الدروس ١ : ٩٦ .

(٣) ليست في « رض » و « د » .

(٤) في التهذيب ١ : ١٣٣ / ٣٦٨ : مَنيّ .

٢٦٣
 &

فأنقاه بثلاث غرف ، ثم صبّ علىٰ رأسه ثلاث أكفّ ، ثم صبّ علىٰ منكبه الأيمن مرّتين ، وعلىٰ منكبه الأيسر مرّتين ، فما جرىٰ عليه الماء فقد أجزأه » (١) وقوله : « ثم صبّ علىٰ منكبه الأيمن » يشعر بتقديمه ، لكن لا يعارض بمثله الأخبار المتقدمة ، وأين هذا من الترتيب المشهور ، والرجحان المطلق ممّا لا نزاع فيه ، فيمكن الجمع بالاستحباب والأولوّية . انتهىٰ كلامه أيّده الله .

وما قاله متوجه ، غير أنّ ما ذكره : من أنّ الترتيب لو كان واجباً لذكر في جواب السؤال . يشكل ، بأنّ هذا بعينه وارد في صحيح أحمد بن محمد ، فإنّ قوله « ثم أفض علىٰ رأسك وجسدك » لا يفيد الترتيب بين الرأس والبدن ، والحال أنّه لا قائل به ، ولو سلّم إرادته من حيث إنّ الظاهر من قوله : « ثم أفض علىٰ رأسك » البدأة به ، أشكل في صحيح زرارة الذي ذكره ، فإنّ فيه بعد ذكر المضمضة والاستنشاق « ثم تغسل جسدك من لدن قرنك إلىٰ قدميك » فما هو الجواب عن هذا فهو الجواب عن الجانب الآخر .

فإن قيل : الجواب عمّا ذكرت هو الإجماع مع الأخبار .

قلت : الإجماع مدعىٰ أيضاً من الجانب الآخر ، وخلاف معلوم النسب لا يضر بالحال ، ودلالة خبر زرارة الذي نقل أيضاً مساعد .

فإن قيل : ناقل الإجماع علىٰ الترتيب المشهور هو الشيخ ، والإجماع المنقول بخبر الواحد محل كلام .

قلنا : لا ارتياب عند الأصحاب في قبول الإجماع المنقول بخبر الواحد .

__________________

(١) الكافي ٣ : ٤٣ / ٣ ، التهذيب ١ : ١٣٣ / ٣٦٨ ، الوسائل ٢ : ٢٢٩ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٢ .

٢٦٤
 &

وهذا الكلام إنّما أوردناه لبيان حقيقة الحال ودفع ما عساه يقال ، والحق في المقام : أنّ نقل الإجماع بخبر الواحد لا يخرج عن كونه خبراً ، بل هو قريب من المرسل ، غاية الأمر أنّا لو سلّمنا أنّه مسند فهو حجّة كحجّية (١) الخبر ، فدليل العمل بخبر الواحد دليله ، وإن أمكن الفرق بأنّ العادة قاضية بامتناع تحقيق (٢) الإجماع في زمن مدعية ، إلّا أنّ إنكار ذلك إذا وقع من العدل مشكل (٣) .

ثم إنّ الإجماع المنقول إذا رجع إلىٰ الخبر كان مع المعارض حكمه حكم الخبر في الترجيح بالضبط ونحوه ، ولا ريب أنّ ناقل الإجماع إذا علم منه مخالفة نفسه أشكل الحكم بضبطه ، إلّا أن يقال : إنّ مخالفة نفسه قرينة علىٰ إرادته غير معنىٰ الإجماع منه ، وفيه : أنّ هذا يضر بالحال أيضاً ، لأنه نوع من التدليس ، كيف ومن لم يطلع علىٰ خلاف (٤) نفسه ينسىٰ علىٰ [ الظاهر ] (٥) نقل الإجماع ، ووجوب التتبّع ليصير من قبيل العام المخصوص لا وجه له ، إلّا أن يقال : إنّه إذا علم الخلاف يبين إرادة غير المعنىٰ الحقيقي ، وبدونه فلا ، وأنت خبير بما في هذا من التكلف ، وعدم المناسبة لصون الأحكام الشرعية عن التخليط .

وإذا عرفت هذا كلّه فاعلم أنّ الحال إذا رجع إلىٰ التعارض والترجيح ، فالإحالة علىٰ الفكر في حقائق الاُمور أولىٰ .

__________________

(١) في « رض » : لحجيّة .

(٢) في « رض » : تحقق .

(٣) في « رض » و « فض » زيادة : وعدم الموافق علىٰ هذا إلّا من قلّ غير أن الضرورة غير داعية إلىٰ نفيه لانتفاء الثمرة ، كما ستعلمه .

(٤) في « فض » : خلافه .

(٥) في النسخ : ظاهر ، والأنسب ما أثبتناه .

٢٦٥
 &

ثم إنّ الأخبار المعتبرة لا ينكر إفادتها ما قاله شيخنا ـ أيّده الله ـ (١) وكذلك (٢) كان الوالد قدس‌سره يقول . وشيخنا قدس‌سره صرّح به في فوائد الكتاب ، إلّا أنّ القول بأنّه لو وجب الترتيب بين الجانبين لذكر في جواب السؤال ، مع الإجمال الواقع في بعضها لا يخلو من إشكال ، وقد قدّمنا ما يصلح للجواب عن ذلك في مواضع .

والحاصل : أنّ كل مطلق ومقيد لا يخرج عن هذا ، ولولا التسديد الذي قدمناه ما صح حمل مطلق علىٰ مقيد .

وما تضمنه الخبر الأوّل من قوله : « تغسل يدك » ودلالة الثاني علىٰ غَسل الكفّين قد قدّمنا القول فيه ، كما ذكرنا حكم البول المذكور في الأول .

وما تضمنه الخبر الثاني من الصب علىٰ الرأس ثلاثاً يحتمل أن يراد به الغسل ثلاثاً ، ويحتمل الصب ثلاثا والغَسل مرّة ، ودلالة الخبر الثالث علىٰ وجوب تقديم الرأس ظاهرة .

اللغة :

قال ابن الأثير : إفاضة الماء علىٰ الشي‌ء إفراغه عليه ، يقال : فاض الماء إذا جرىٰ ، وفاض الدمع إذا سال . وقال ابن الأثير في إحكام الأحكام : الأصل في « سائر » أن يستعمل بمعنىٰ البقية ، وقالوا : هو مأخوذ من السور ، قال الشنفري :

إذا احتملوا رأسي وفي الرأس أكثري

وغودر عند الملتقىٰ ثم سائري (٣)

__________________

(١) المتقدم في ص : ٢٥٩ ـ ٢٦٤ .

(٢) في « فض » : ولذلك .

(٣) الأغاني ٢١ : ١٨٢ وفيه : إذا احتملت . . .

٢٦٦
 &

أي بقيّتي ، وقد ذكر في أوهام الخواص أنّ جعلها بمعنىٰ جميع من ذلك ، وفي الصحاح ما يفيد جوازه (١) .

قال :

فأمّا ما رواه الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : كان أبو عبد الله عليه‌السلام فيما بين مكة والمدينة ، معه اُمّ إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها وتركت رأسها قال لها : « إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك » ففعلت ذلك فعلمت بذلك اُمّ إسماعيل فحلقت رأسها ، فلمّا كان من قابل انتهىٰ أبو عبد الله عليه‌السلام إلىٰ ذلك الموضع (٢) فقالت له اُمّ إسماعيل : أيّ موضع هذا ؟ فقال لها : « الموضع الذي أحبط الله فيه حجّك عام أوّل » .

فهذا الخبر يوشك أن يكون قد وهم الراوي فيه ، ولم يضبطه فاشتبه عليه الأمر ، لأنّه لا يمتنع أن يكون سمع أن يقول لها [ أبو عبد الله عليه‌السلام ] (٣) : إغسلي رأسك فإذا أردت الركوب فاغسلي جسدك ، فرواه بالعكس من ذلك ، والذي يدل علىٰ ذلك : أنّ راوي هذا الخبر وهو هشام بن سالم روىٰ هذا الخبر بعينه علىٰ ما قلناه :

روىٰ ذلك الحسين بن سعيد ، عن النضر ، عن هشام بن سالم ، عن محمد بن مسلم ، قال : دخلت علىٰ أبي عبد الله عليه‌السلام فسطاطه وهو يكلم امرأة فأبطأت عليه ، فقال : « اُدنه ، هذه اُمّ إسماعيل جاءت وأنا

__________________

(١) الصحاح ٢ : ٦٩٢ ( سير ) .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٢ : المكان .

(٣) ما بين المعقوفين أثبتناه من الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٢ .

٢٦٧
 &

أزعم أن هذا المكان الذي أحبط الله فيه حجّها عام أول ، كنت أردت الإحرام ، فقلت : ضعوا لي الماء في الخباء فذهبت الجارية بالماء فوضعته فاستخففتها فأصبت منها ، فقلت : اغسلي رأسك وامسحيه مسحاً شديداً لا تعلم به مولاتك فإذا أردت الإحرام فاغسلي جسدك ولا تغسلي رأسك فتستريب مولاتك ، فدخلت فسطاط مولاتها فدنت (١) تتناول شيئاً فمسّت مولاتها رأسها فإذا لزوجة الماء فحلقت رأسها وضربتها ، فقلت لها (٢) المكان الذي أحبط الله فيه حجّك » .

السند :

في الخبرين لا ارتياب فيه .

المتن :

ما قاله الشيخ فيه لا يخلو من وجه ، وإن بَعَّدَه احتمال أن يكون الرواية الاُولىٰ مشافهة والثانية بواسطة ، فلا تدل علىٰ مطلوب الشيخ ، مضافاً إلىٰ أنّ التخالف غير محصور فيما قاله الشيخ كما يظهر من ملاحظة الروايتين .

ثم إنّ ( مثل هؤلاء الرواة الأثبات ) (٣) يستبعد منهم عدم الضبط ، والله تعالىٰ أعلم بالحال .

ولا يخفىٰ أنّ دلالة الخبرين علىٰ إبطال الحج علىٰ وجه المبالغة (٤) لنقصان الثواب .

__________________

(١) في الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٣ : فذهبت .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٤ / ٤٢٣ زيادة : هذا .

(٣) في « فض » هكذا : مثلها ولا الرواية الاتيان ، وفي « رض » : مثل هذه الرواة .

(٤) في « فض » ما يمكن أن يقرء : المتابعة .

٢٦٨
 &

وأنت خبير بأنّه يستفاد من خبر هشام عدم وجوب الموالاة في الغسل كما هو المشهور بين الأصحاب ، بل قيل : إنّه متفق عليه (١) ، واستدل علىٰ عدم الوجوب بصدق الامتثال بدونها ، وبصحيح إبراهيم بن عمر اليماني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « إن عليّاً عليه‌السلام لم ير بأساً أن يغسل الجنب رأسه غدوة وسائر جسده عند الصلاة » (٢) .

ولا يذهب عليك أنّ ظاهر الحديث المستدل به مع هذه الرواية عدم صحة غَسل بعض الرأس مع أنّ إطلاق عدم وجوب الموالاة يقتضي الصحة ، مضافاً إلىٰ إطلاق الأمر الذي قالوه ، ولم أر من ذكر ذلك من الأصحاب .

أمّا ما قد يقال : من أنّ بعض الاستدلال في الوضوء يتناول الغسل . فجوابه الخروج بالدليل ، فليتأملّ .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ خبر محمد بن مسلم وغيره من الأخبار الدالة علىٰ تقديم الرأس لا يخلو من إجمال في حقيقة الرأس ، فيحتمل أن يراد به منابت الشعر خاصة ، ويحتمل إرادة المنابت مع الرقبة . وذكر شيخنا قدس‌سره : أنّ صحيح يعقوب بن يقطين يدل علىٰ أنّ الرأس المنابت خاصة (٣) ، والرواية لم يحضرني الآن سندها ، لكن متنها : « ثم يصب الماء علىٰ رأسه وعلىٰ وجهه وعلىٰ جسده كله » وكان وجه استفادة ما قاله من ذكر الوجه بعد الرأس ، ولا يخفىٰ عليك الحال بسبب بقاء نوع إجمال .

__________________

(١) قال به الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤١ .

(٢) الكافي ٣ : ٤٤ / ٨ ، التهذيب ١ : ١٣٤ / ٣٧٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٨ أبواب الجنابة ب ٢٩ ح ٣ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٩٤ .

٢٦٩
 &

وفي حسنة زرارة : « ثم صبّ علىٰ رأسه ثلاث أكفّ ، ثم صبّ علىٰ منكبه الأيمن » (١) وظاهرها يقتضي دخول الرقبة والوجه في الرأس . وصرح جدي قدس‌سره في الروضة بأنّ الرأس والرقبة عضو واحد (٢) . ولا يبعد استفادة ذلك من الروايات ، ويكون ذكر الوجه بينهما في صحيح يعقوب تنصيصاً (٣) عليه لا لكونه خارجاً عن الرأس ، ومع ذلك فالحكم لا يخلو من إشكال .

ورواية هشام لا صراحة فيها بكون الرأس هو المنابت كما لا يخفىٰ .

وثمرة ما ذكرنا في الرأس تظهر في الموالاة التي أشرنا إليها سابقاً ، فلا ينبغي الغفلة عن جميع ذلك ، فإني لم أره محرّراً في كلام المتأخّرين ، والله أعلم بالحال .

اللغة : قال في النهاية : الفُسطاط بالضم والكسر المدينة ، وقال الزمخشري : هو ضرب من الأبنية في السفر (٤) . وفي القاموس من جملة معانيه : السرادق من الأبنية (٥) . وقيل : إنّ المراد به بيت من الشَعر (٦) .

والخباء بكسر الخاء المعجمة : خيمة من وبر أو صوف ولا يكون من شَعر وهو علىٰ عمودين أو ثلاثة ، وما فوق ذلك فهو بيت ، كذا نقل عن الصحاح (٧) .

__________________

(١) المتقدمة في ص ٢٦٣ ـ ٢٦٤ .

(٢) الروضة البهية ١ : ٩٤ .

(٣) في « فض » : بنفسها .

(٤) النهاية لابن الاثير ٣ : ٤٤٥ .

(٥) القاموس المحيط ٢ : ٣٩١ .

(٦) الصحاح ٣ : / ١١٥٠ .

(٧) نقله عنه في الحبل المتين : ٤١ ، وهو في الصحاح ٦ : ٢٣٢٥ .

٢٧٠
 &

والهاء في قوله : « اُدنه » هاء السكت . وأبطأت أي توقّفت ولم أسرع . وقوله : « فاستخففتها » قيل : المراد به وجدتها خفيفة علىٰ طبعي (١) .

بقي شي‌ء وهو أنّ قوله عليه‌السلام : « لا تعلم به مولاتك » يجوز نصبه بأن مقدّرة أي لئلّا تعلم ، والضمير المجرور يعود إلىٰ الغسل ، ويمكن أن يكون مرفوعاً بأن يكون جملة « لا تعلم » نعتاً للمسح والمجرور عائد إليه ، والفعل في قوله : « فتستريب مولاتك » منصوب بفاء السببية بعد النهي ، كما ذكر في الحبل المتين (٢) ، فليتأملّ .

قال :

فأمّا ما رواه محمد بن يعقوب ، عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن الحلبي قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : « إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك من غسله » .

فلا ينافي ما قدمناه من وجوب الترتيب ، لأنّ المرتمس يترتب حكماً وإن لم يترتب فعلاً ، لأنّه إذا خرج من الماء حكم له أوّلاً بطهارة رأسه ثم جانبه الأيمن ثم جانبه الأيسر فيكون علىٰ هذا التقدير مرتّباً ، ويجوز أن يكون عند الارتماس يسقط مراعاة الترتيب كما يسقط عند غسل الجنابة فرض الوضوء .

فأمّا ما رواه محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن موسىٰ بن القاسم ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسىٰ بن

__________________

(١ و ٢) الحبل المتين : ٤١ .

٢٧١
 &

جعفر عليهما‌السلام قال : سألته عن الرجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتىٰ يغسل رأسه وجسده وهو يقدر علىٰ ما سوىٰ ذلك ؟ قال : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » .

فهذا الخبر أيضاً يحتمل أن يكون إنّما أجاز له إذا غسل هو الأعضاء عند نزول المطر عليه علىٰ ما يجب ترتيبها ، ويحتمل أن يكون القول فيه ما قلناه في الخبر الأوّل من أنّه مترتّب حكماً لا فعلاً ، أو يكون هذا حكم يخصّه دون من يريد الغسل بوضع الماء علىٰ جسده .

السند‌ :

في الأوّل حسن ، وفي الثاني صحيح .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في أنّ الارتماس يقوم مقام الترتيب ، وما ذكره الشيخ من أنّه إذا خرج من الماء إلىٰ آخره ، غير واضح الوجه ، بل الوجه الثاني هو الظاهر من الرواية ، وقد تقدم في باب المضمضة (١) عن التهذيب خبراً صحيحاً عن زرارة ، وفيه : « ولو أنّ رجلاً جنباً ارتمس في الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وإن لم يدلك جسده » (٢) .

وهو ربما يدل علىٰ إجزاء الارتماس عن الترتيب ، واحتمال أن يراد الإجزاء فيه بالنسبة إلىٰ عدم دلك الجسد وإن أمكن ، إلّا أنّا بيّنا سابقاً

__________________

(١) راجع : ص ٢٣٣ .

(٢) التهذيب ١ : ١٤٨ / ٤٢٢ ، الوسائل ٢ : ٢٣٠ أبواب الجنابة ب ٢٦ ح ٥ .

٢٧٢
 &

احتمالا لا ينافي إبقاءه علىٰ الإطلاق من وجه آخر (١) .

وفي فوائد شيخنا قدس‌سره علىٰ الكتاب ما هذا لفظه : أقول : إنّ الذي دلت عليه الرواية الصحيحة السند المعتبرة فيمن لا يحضره الفقيه أنّ الغسل يتحقق بالارتماسة الواحدة ، وأمّا أنّ غسل الارتماس يترتب في نفسه بالمعنىٰ الذي ذكره الشيخ في هذا الكتاب ، أو أنّ المغتسِل يعتقد الترتيب كما ذكره بعض آخر فليس في الأدلّة الشرعية ما يدل عليه ، فإثباته مجازفة . انتهىٰ .

وأشار قدس‌سره برواية الفقيه إلىٰ ما رواه عن الحلبي (٢) ، وطريقه إليه صحيح علىٰ ما بيّناه في حاشيته ، وما ذكره قدس‌سره عن البعض : من اعتقاد الترتيب ، فقد حكي عن الشيخ في المبسوط أنّه نقل عن بعض الأصحاب أنّ غسل الارتماس يترتب حكماً (٣) .

قال في الذكرىٰ : وما قاله الشيخ يحتمل أمرين : أحدهما : ـ وهو الذي عقله عنه الفاضل ـ إنّه يعتقد الترتيب حال الارتماس ، ويظهر ذلك من المعتبر حيث قال : وقال بعض الأصحاب يرتب حكماً . فذكره بصيغة الفعل المتعدي وفيه ضمير يعود إلىٰ المغتسِل .

الثاني : أنّ الغسل بالارتماس في حكم الغسل المرتب بغير الارتماس ، وتظهر الفائدة لو وجد لمعة مغفلة فإنّه يأتي بها وبما بعدها (٤) . انتهىٰ .

ولا يخفىٰ عليك حال الكلام من جميع جهاته ، فإنّه مجرد كلام من‌

__________________

(١) راجع ص ٢٣٤ .

(٢) الفقيه ١ : ٤٨ / ١٩١ .

(٣) حكاه عنه في المدارك ١ : ٢٩٦ ، وهو في المبسوط ١ : ٢٩ .

(٤) ذكرىٰ الشيعة ٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ .

٢٧٣
 &

غير التفات إلىٰ تحقيق أصله ، وهم أعلم بما قالوه .

ثم إنّ الخبر الثاني قد نقل عن الشيخ في المبسوط أنّه ألحق فيه بالارتماس الوقوف تحت المجرىٰ والمطر الغزيرين (١) ، واحتج بهذا الخبر . وفي المختلف حكىٰ عن ابن إدريس أنّه قال : يسقط الترتيب مع الارتماس لا مع الوقوف تحت المطر والمجرىٰ (٢) .

وفي مدارك شيخنا قدس‌سره أنّ حديث علي بن جعفر قاصر عن إفادة ما ادعاه الشيخ (٣) .

وبعض محققي المتأخّرين ـ سلّمه الله ـ وجّه استدلال الشيخ بالرواية بأنّ قوله عليه‌السلام : « إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه ذلك » مطلق ، فإذا كان الاغتسال علىٰ نوعين ، غسل ترتيب وغسل ارتماس ، فالحديث يدل علىٰ أنّ أيّ هذين النوعين حصل بالوقوف تحت المطر أجزأ ، فدليل الشيخ غير قاصر (٤) .

وقد ذكرت في حاشية الفقيه وحاشية المختلف كلاماً طويلاً في المقام ، والذي يقال هنا : إنّ وجه القصور هو أنّ معاد الأخبار إجزاء الارتماس عن الترتيب ، والارتماس ليس له حقيقة شرعية ولا لغوية يرجع إليها ، بل المرجع إلىٰ العرف ، فالحديث بمجرّده لا يستفاد منه العموم إلّا مع تحقق النوعين في مدلوله ، والعرف لا يساعد عليه كما لا يخفىٰ علىٰ من راجع وجدانه .

__________________

(١) نقله عنه في مدارك الأحكام ١ : ٢٩٧ ، وهو المبسوط ١ : ٢٩ .

(٢) المختلف ١ : ١٧٤ ، وهو في السرائر ١ : ١٣٥ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٢٩٧ .

(٤) الشيخ البهائي في الحبل المتين : ٤١ .

٢٧٤
 &

وما وقع للعلّامة في الحديث غريب كما يعلمه من وقف علىٰ كلامنا وكلامه ، ولولا خوف الخروج عما نحن بصدده لذكرناه .

ولا يخفىٰ عليك ما في قول الشيخ بعد ذكر خبر علي بن جعفر ، فإنّ مقتضىٰ قوله أوّلاً : إنّه إنّما أجاز له إذا غسل هو الأعضاء علىٰ ما يجب ترتيبها . أن يكون قوله عليه‌السلام في الرواية : « إن كان يغسله » إلىٰ آخره ، يراد به أنّ ماء المطر إذا فعل به الغاسل كما يفعل بغير ماء المطر أجزأه ، وهذا لا يخلو من إجمال ، لأنّه إمّا أن يراد القصد إلىٰ الترتيب أو القصد مع المباشرة بدلك الجسد ، والمتقدم من الشيخ أنّ المرتمس بمجرد خروج العضو يحصل له الترتيب لا بغيره من القصد ، إلّا أن يقال : إنّ ذلك في الارتماس لا في الترتيب . وفيه أنّه جعل الارتماس مرتباً حكماً ، فلا بد من المغايرة ، وتحقّقها بأيّ نوع في حيّز الإجمال ، بل ظاهر الأوّل الحصر في نوع .

ثم قول الشيخ ثانياً : ويحتمل أن يكون القول فيه ما قلناه في الخبر الأوّل ، إلىٰ آخره ، إن أراد به ما ذكره من أنّه إذا خرج من الماء لم (١) يختلف الحكم الأوّل والثاني إلّا بأن يقال : إنّ الثاني ليس بارتماس . والظاهر خلافه ، وقوله عليه‌السلام حينئذ : « إن كان يغسله اغتساله » يبقىٰ علىٰ إجماله .

وقول الشيخ ثالثاً : أو يكون هذا حكم يخصه . لا أعلم وجه مغايرته للسابق بعد التأمّل بقدر الإمكان ، علىٰ أنّ في قوله عليه‌السلام : « إن كان يغسله » احتمالات بالنسبة إلىٰ الضمير ( والفاعل ، وبسبب ) (٢) ذلك فالقصور في الاستدلال به للارتماس لا يكاد ينكره من أنعم نظره في حقيقة الحال ،

__________________

(١) ليست في « رض » .

(٢) ما بين القوسين في « رض » : والفاعل سبب .

٢٧٥
 &

ولم يسلك في تحقيق هذه المطالب مسلك الإجمال ، وعلىٰ الله سبحانه في اُمورنا كلّها الاتّكال .

قال :

باب سقوط فرض الوضوء عند الغسل من الجنابة‌

أخبرني الشيخ رحمه‌الله عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن يعقوب بن شعيب ، عن حريز ، أو عمّن رواه ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : إنّ أهل الكوفة يروون عن علي عليه‌السلام أنّه كان يأمر بالوضوء قبل الغسل من الجنابة قال : « كذبوا علىٰ عليٍّ عليه‌السلام ما وجدوا ذلك في كتاب علي عليه‌السلام ، قال الله تعالىٰ : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) (١) » .

عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن عبد الحميد بن عواض ، عن محمد ابن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « الغسل يجزئ عن الوضوء ، وأيّ وضوء أطهر من الغسل » .

عنه ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيىٰ ، عن محمد بن أحمد ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد (٢) بن أبي عمير ، عن رجل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « كل غسل قبله وضوء إلّا غسل الجنابة » .

__________________

(١) المائدة : ٦ .

(٢) في الاستبصار ١ : ١٢٦ / ٤٢٨ لا يوجد : محمّد .

٢٧٦
 &

السند :

في الأوّل : فيه الإرسال ، والظاهر أنّ قوله : أو عمّن رواه . ترديد من يعقوب في أنّ الراوي عن محمد بن مسلم حريز أو غيره ، ويحتمل غير ذلك ، لكنه في غاية البعد .

والثاني : ليس فيه ارتياب علىٰ ما قدّمناه ، وعبد الحميد ثقة ، وقد ضبط ابن داود : غواض بالغين والضاد المعجمتين (١) .

والثالث : ليس فيه إلّا الإرسال ، وكونه من ابن أبي عمير كرّرنا فيه الكلام (٢) (٣) .

المتن :

في الأوّل : ظاهر في نفي الوضوء مع غسل الجنابة مطلقاً وإن كان أوله يفيد نفي الوضوء قبله ، إلّا أنّ قوله عليه‌السلام : « قال الله تعالىٰ ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ) » يقتضي أنّ مفاد الآية الاكتفاء بالغسل عن الوضوء .

واحتمال أن يقال : إنّ الخبر يدل علىٰ نفي الوجوب قبل ، أو قبل وبعد للآية لا علىٰ نفي أصل المشروعية ، ستسمع القول في دفعه (٤) .

وما تضمنه الخبر من قوله : « ما وجدوا » إلىٰ آخره ، لا يخلو من شي‌ء ، والأمر سهل بعد ضعف الخبر .

__________________

(١) رجال ابن داود : ١٢٧ / ٩٤٠ .

(٢) في « رض » : القول .

(٣) راجع ج ١ : ١٠٢ ـ ١٠٣ .

(٤) في ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦ .

٢٧٧
 &

والثاني : ظاهر الدلالة علىٰ نفي الوضوء مع الغسل ، والمتبادر من الغسل فيه غسل الجنابة ، لشيوع ثبوت الوضوء معه بين المخالفين ونفيه عند غيرهم .

والوالد قدس‌سره قرّب ذلك بأنّ التعريف فيه ليس للعموم ، إذ هو من المفرد المحلّىٰ ، وإنّما يأتي العموم في مثله نظراً إلىٰ أنّ غيره من المعاني ينافي الحكمة ، إذ العهد إلىٰ معلوم غير ظاهر ، وغير المعلوم لا يليق بالحكمة ، فلم يبق إلّا الاستغراق (١) ؛ أمّا في ما نحن فيه فالمعلومية حاصلة كما ذكرناه .

وشيخنا قدس‌سره وجّه العموم بما ذكرناه ، وأيّده بالتعليل الموجود في الخبر قال : إذ لا خصوصية لغسل الجنابة بهذا الوصف (٢) . ولا يخفىٰ عليك الحال .

وأمّا الخبر الثالث : فهو ظاهر في نفي الوضوء قبل غسل الجنابة .

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الحديث السابق في أوّل باب وجوب الترتيب عن أحمد بن محمد ، يؤيّد ما دل علىٰ عدم الوضوء مع غسل الجنابة ، قال عليه‌السلام : « ولا وضوء فيه » (٣) .

وروىٰ الشيخ في التهذيب عن الشيخ ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن يعقوب ابن يقطين ، عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : سألته عن غسل الجنابة فيه وضوء أم لا فيما نزل به جبرئيل عليه‌السلام ؟ فقال : « الجنب . . . » وساق الحديث إلىٰ أن قال : « ولا وضوء فيه » (٤) .

__________________

(١) منتقىٰ الجمان ١ : ١٨٤ .

(٢) مدارك الأحكام ١ : ٣٦٠ .

(٣) راجع ص ٢٦٢ .

(٤) التهذيب ١ : ١٤٢ / ٤٠٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٦ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ١ .

٢٧٨
 &

وروىٰ أيضاً عن حكم بن حكيم المعدود في الصحيح ما يؤيّد ذلك (١) ، وبالجملة فالأمر في ذلك يكاد أن يلحق بالضروريات .

وينبغي أن يعلم أنّ العلّامة في المختلف نقل رواية عدّها في الحسن ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : « في كل غسل وضوء إلّا الجنابة » (٢) .

والذي وقفت عليه في الاُصول الجامعة للحديث ما رواه الشيخ هنا ، وفي التهذيب عن ابن أبي عمير عن رجل إلىٰ آخر الرواية السابقة (٣) .

وفي التهذيب روىٰ عن محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن حماد بن عثمان ، أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « في كل غسل وضوء إلّا الجنابة » (٤) .

ورواية العلّامة لم أقف عليها ، وشيخنا قدس‌سره حكم بأنّ الرواية واحدة ، وأنّه لا وجه لعدّ العلّامة رحمه‌الله روايتين (٥) .

وأنت خبير بأنّ الاتحاد محل كلام لاختلاف المتن ، وما أشار إليه من ذكر العلّامة روايتين ، أراد به أنّه في المختلف ذكر رواية ابن أبي عمير المرسلة قبل الرواية الحسنة (٦) .

وقد اتفق للمحقق أنّه أجاب عن رواية حماد أو غيره في المعتبر علىٰ ما نقله شيخنا قدس‌سره بأنّها غير صريحة في وجوب الوضوء مع غير غسل‌

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩٢ ، الوسائل ٢ : ٢٤٧ أبواب الجنابة ب ٣٤ ح ٤ .

(٢) المختلف ١ : ١٧٨ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٢ .

(٣) التهذيب ١ : ١٣٩ / ٣٩١ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ١ .

(٤) التهذيب ١ : ١٤٣ / ٤٠٣ ، الوسائل ٢ : ٢٤٨ أبواب الجنابة ب ٣٥ ح ٢ .

(٥) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٨ .

(٦) المختلف ١ : ١٧٨ .

٢٧٩
 &

الجنابة (١) . وصورة كلام المحقق هذه : لا يقال رواية ابن أبي عمير ، عن حماد أو غيره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في كل غسل وضوء إلّا غسل الجنابة » يدل علىٰ الوجوب ، لأنّا نقول : لا يلزم من كون الوضوء في الغسل أن يكون واجباً ، بل من الجائز أن يكون غسل الجنابة لا يجوز فعل الوضوء فيه ، وغيره يجوز ، ولا يلزم من الجواز الوجوب (٢) .

قال شيخنا قدس‌سره بعد نقل ذلك : وتبعه علىٰ ذلك العلّامة في المختلف ، وجدّي في روض الجنان (٣) . وقد اكتفىٰ ـ قدس‌سره ـ بهذا الجواب ، بعد أن ذكر أنّ الرواية مرسلة ، وإن كان المرسِل لها ابن أبي عمير .

وفي نظري القاصر أنّ المقام غير محرّر لهما (٤) ، لأنّ إنكار ظهور دلالة رواية ابن أبي عمير عن حماد أو غيره علىٰ الوجوب لا وجه له ، ومجرد الاحتمال لو أثّر في الاستدلال لم يتمّ دليل أصلاً ، بل المؤثِّر من الاحتمالات ما ينافي الظهور ، ولو نظرنا إلىٰ المعارض الدال علىٰ عدم الوجوب في غير غسل الجنابة كان الدخل من جهة اُخرىٰ .

والظاهر من المحقق أنّ اعتقاده اتحاد رواية ابن أبي عمير عن رجل ، مع روايته عن حماد أو غيره ، ليكون الدّخل في متن الرواية الدال علىٰ أنّ كل غسل قبله وضوء ، ووجه الدخل حينئذ أنّ قوله عليه‌السلام : « كل غسل قبله وضوء » مع دلالة بعض الأدلة علىٰ عدم وجوب التقديم كما ظنه بعض ، يدل علىٰ أنّ مفاد الحديث غير صريح في وجوب الوضوء ، بل يجوز أن

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٩ .

(٢) المعتبر ١ : ٢٦٧ .

(٣) مدارك الأحكام ١ : ٣٥٩ .

(٤) ليست في « رض » و « د » .

٢٨٠