جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

النصف ، أو على أن لك النصف وإن سكت عن حصته.

أما لو قال : على أن لي النصف وسكت عن حصة العامل بطل على إشكال.

ولو قال : على أن لك الثلث ولي النصف وسكت عن السدس‌ صح ، وكان للمالك.

______________________________________________________

أي : هو تنصيف فيصحّ. وفيه نظر ، لأنّ الشرط يحتمل كونه للمالك ، فيكون العامل مسكوتا عن نصيبه ، والأصح فيه البطلان على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وتخيّل أنّ المحتاج إلى الاشتراط هو حق العامل ، ـ فيحمل الإطلاق عليه ـ ضعيف ، لأنّ الاحتياج إلى تعيينه لا يكفي في كون المذكور مختصا به ، إذ استدعاء المقام لا دلالة [ له ] (١) على قصد المتعاقدين.

قوله : ( أو على أنّ لك النصف وإن سكت عن حصته ).

أي : عن حصة نفسه ، إذ العاقد هو المالك ، والربح كلّه حق له ، فإذا شرط بعضه للعامل ، بقي الباقي له بحكم الأصل كما سبق.

قوله : ( أمّا لو قال : على أنّ لي النصف وسكت عن حصة العامل. بطل على إشكال ).

ينشأ : من فهم أنّ المسكوت عنه للعامل ، نظرا إلى العرف ، وتخصيص استحقاقه النصف بالذكر.

ومن ضعف دلالة المفهوم ، ومنع استقرار العرف على ذلك ، ولا يكفي لثبوت الشرط أمثال هذه التوهمات ، والأصحّ البطلان.

قوله : ( ولو قال : على انّ لك الثلث ولي النصف وسكت عن السدس ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في نسختي « ك‍ » و « ه‍ » وأثبتناه من الحجري لاقتضاء السياق له.

٨١

ولو قال : خذه مضاربة على الربع أو الثلث صح ، وكان تقدير النصيب للعامل.

ولو قال : لك ثلث الربح وثلث ما بقي صح ، وكان له خمسة أتساع ، لأنه معناه.

ولو قال : لك ثلث الربح وربع ما بقي فله النصف.

______________________________________________________

صحّ وكان للمالك ).

لتعارض المفهومين ، فيبقى أصل الاستحقاق بغير معارض.

قوله : ( ولو قال : خذه مضاربة على الربع أو الثلث صحّ ، وكان تقدير النصيب للعامل ).

هذه هي المسألة التي سبقت آنفا ، لكن غاير الغرض هنا وزاد التعليل.

ومعناه : أنّ النصيب المقدّر منزّل على أنّه للعامل ، لأنّه المحتاج إلى تقدير نصيبه دون المالك ، لاستحقاقه بالأصل ، وقد سبق ما يغني عن الإعادة. والمتّجه في الموضعين البطلان.

قوله : ( ولو قال : لك ثلث الربح وثلث ما بقي ، صحّ وكان له خمسة أتساع ، لأنّه معناه ).

وجهه : أنه لا بدّ من عدد له ثلث ، ولما يبقى منه بعد الثلث ثلث ، وذلك مضروب ثلاثة في ثلاثة ، فثلثه ثلاثة وثلث الباقي اثنان ، وذلك خمسة أتساع المجموع.

قوله : ( ولو قال : لك ثلث الربح وربع ما بقي ، فله النصف ).

وذلك لأنّه لا بدّ من عدد له ثلث ، ولما يبقى منه ربع وهو ستة ـ لأنّ الباقي بعد الثلث اثنان ـ انكسر في مخرج الربع ، وبينهما موافقة بالنصف ، فيضرب الوفق من الأربعة في الأصل يبلغ ذلك.

٨٢

ولو قال : لك الربع وربع ما بقي فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، سواء عرفا الحساب أو جهلاه ، لأنه أجزاء معلومة.

الرابع : أن يكون مقدّرا بالجزئية لا بالتقدير كالنصف أو الثلث ، فلو قال : على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي ، أو‌ بالعكس ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال : لك الربع وربع ما بقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن ).

وذلك لأنّ ما يبقى بعد الربع ـ وهو ثلاثة ـ انكسر في مخرج الربع ولا وفق ، فتضرب أربعة في أربعة.

قوله : ( سواء عرفا الحساب أو جهلاه ، لأنّه أجزاء معلومة ).

أي : العلم بها أمر محقق الوجود ، واستشكل شيخنا الشهيد صحة ذلك بانتفاء القصد لانتفاء العلم ، واختلاف الأغراض باختلاف حاصل الحساب ، ولأنّه بمنزلة من لقّن لغة لا يعلمها.

وقد سبق في كتاب البيع فتوى المصنف ببطلان ما لو باعه بأربعة إلاّ ما يخص واحدا إذا لم يعلماه بالجبر والمقابلة ، أو غير ذلك من الطرق ، مع أنّ العلم به بالقوة محقّق.

وتوهم كون ذلك مفروضا فيما إذا تعذّر الحاسب ونحوه ليس بشي‌ء ، لأنّه أكثري الوجود ، مع أنّ ما يقال هناك يأتي بعينه هنا ، إلاّ أن يفرّق بأنّ هذا العقد لكونه جائزا يحتمل فيه ما لا يحتمل في غيره ، وفيه ما فيه.

قوله : ( الرابع : أن يكون مقدّرا بالجزئية ).

المراد : الجزئية المعلومة كما تقدّم في المساقاة.

قوله : ( كالنصف أو الثلث ، فلو قال : على أنّ لك من الربح مائة والباقي لي ، بالعكس ).

٨٣

أو على أنّ لك ربح هذه الألف ولي ربح الأخرى ، أو لك نصف الربح إلاّ عشرة دراهم ، أو وعشرة ، أو على أنّ لي ربح أحد الثوبين ، أو إحدى السفرتين ، أو ربح تجارة شهر كذا بطل ، وكذا لو قال : على أنّ لك مائة والباقي بيننا.

ويصح لو قال : على أنّ لك ربح نصفه ، أو‌ نصف ربحه.

______________________________________________________

إنّما لم يصحّ هنا ، لأنّه ربّما لم يربح إلاّ ذلك القدر ، فيلزم أن يختصّ به أحدهما ، وهو خلاف مقتضى العقد.

قوله : ( أو على أن لك ربح هذه الألف ولي ربح الأخرى ).

لأنّ ذلك خلاف وضع القراض ، لأنّ كلاّ منهما مال قراض ولا اشتراك في ربحه ، ولأنّه ربّما اختصت إحدى الألفين بالربح فيختص أحدهما به ، وهذا الحكم على ما فرضه المصنّف واضح لا إشكال فيه.

أمّا إذا قال : لك ربح ألف ولي ربح ألف ، فإن كانا (١) ممتزجين أو قصدا (٢) المزج فإنّه يصحّ ، لأنّ ذلك معناه : تنصيف الربح. وإن شرطا تميّزهما ، فالبطلان كما سبق ، وكذا لو أراداه بعقد الشرط.

قوله : ( أو لك نصف الرّبح إلاّ عشرة دراهم ، أو وعشرة ، أو على انّ لي ربح أحد الثوبين ، أو إحدى السفرتين ، أو ربح تجارة شهر كذا ، بطل ).

وجه البطلان : عدم الوثوق بحصول ذلك القدر المعيّن ـ سواء كان مستثنى أو مضموما ـ ولمخالفة الشروط الباقية مقتضى القراض.

قوله : ( وكذا لو قال : على انّ لك مائة والباقي بيننا ).

أي : وكذا لا يصحّ ذلك ، لعدم الوثوق بحصول المعين.

قوله : ( ويصحّ لو قال : على انّ لك ربح نصفه أو‌ نصف ربحه ).

__________________

(١) في « ك‍ » و « ه‍ » : كان. وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٧ : ٤٥٥ نقلا عن جامع المقاصد وهو الصحيح.

(٢) في « ك‍ » و « ه‍ » : قصد. وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٧ : ٤٥٥ نقلا عن جامع المقاصد وهو الصحيح.

٨٤

الفصل الثاني : في الأحكام ، ومطالبه أربعة :

الأول : العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة ، فليس له التصرف بالغبن ، ولا بالنسيئة بيعا ولا شراء ، إلاّ مع عموم الاذن كافعل ما شئت ، أو خصوصه ،

______________________________________________________

في بعض الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد : انّ بعض العامة فرّق بين الصورتين ، فأبطل ما إذا شرط له ربح النصف ، لإمكان أن لا يربح إلاّ نصف المال ، فيختص به العامل ، وربما ربح أكثر من النصف ، فلا تكون الحصة معلومة.

وردّه : بأن الإشارة ليست إلى نصف معين ، بل إلى مبهم ، فإذا ربح أحد النصفين ، فذلك الذي ربح هو المال ، والذي لم يربح لا اعتداد به.

وهذا حق إن لم يرد بربح نصفه ربح مجموع النصف أيّ نصف كان ، أما إذا أريد هذا ، فحقّه أن يبطل ، للمحذور السابق.

قوله : ( الفصل الثاني : في الأحكام ، ومطالبه أربعة :

الأول : العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة ، فليس له التصرف بالغبن ولا بالنسيئة بيعا ولا شراء ، إلا مع عموم الإذن ـ كافعل ما شئت ـ أو مع خصوصه ).

لمّا كان الغرض الأقصى من القراض تحصيل الربح والفائدة ، وجب أن يكون تصرّف العامل مقصورا على ما يحصل هذه الفائدة ، فيمنع من التصرف المؤدي الى ما يضاد هذا الغرض ، ويجب مع ذلك رعاية الغبطة للمالك ، لأنّ العامل كالوكيل ، فليس له التصرف بالغبن بما لا يتغابن به الناس غالبا بيعا ولا شراء ، لمنافاة ذلك لمقصود القراض الأقصى ، وهو تحصيل الربح غالبا.

ولو ندر اشتمال التصرف بالغبن على الغبطة ـ كما يعتاده التجارة في‌

٨٥

______________________________________________________

المعاوضات : فإنهم إذا اشتروا مال تاجر بزيادة ربما كان وسيلة إلى رغبته في شراء مالهم بزيادة ، حيث يجعل ثمن أحد العوضين ثمنا للعوض الآخر ـ فهل يجوز؟

ظاهر إطلاق العبارة عدم الجواز ، وكأنّه لندور هذا الغرض.

وكذا ليس له أن يبيع نسيئة ، وإن كان فيه ربح بل هو مظنة الربح لم يجز ، لما فيه من التغرير بمال المالك. ولو احتاط بأخذ رهن أو شراء شي‌ء من مال المشتري بثمن لا ينقص عن ثمن المبيع مؤجل إلى أجله ، ففي الجواز احتمال.

وكذا ليس له أن يشتري نسيئة ، لأنه ربما يتلف رأس المال بغير تفريط ، فيبقى الثمن في ذمة المالك ، وذلك ضرر. ولأن عقد القراض يقتضي الشراء بالعين ، والنسيئة تنافي ذلك ، فلا يكون مأذونا فيها.

فإن قيل : المصنف جعل الشراء بالنسيئة مما لا غبطة فيه ، مع أن الواقع بخلافه.

قلنا : قد بينا أنه لا غبطة فيه ، لاحتمال تلف المال وبقاء الثمن في الذمة.

فإن قيل : فكيف كان الشراء نسيئة في الوكيل غبطة؟

قلنا : لأنه ليس من لوازم الوكالة في الشراء تسليم المال.

وهذا الحكم إنما هو مع إطلاق الإذن الذي تضمنه عقد القراض ، أما لو عمم له الإذن ، كما لو قال له : اعمل برأيك أو بما رأيت أو كيف شئت ، فإن له أن يفعل ذلك وكل ما يتناوله العموم ، وقد عرفت سابقا وجه الفرق بين العموم والإطلاق. ولو خصّ الإذن بشي‌ء تولاه وإن كان خلاف المصلحة.

إذا عرفت ذلك فاعلم : أنّ قول المصنف : ( العامل كالوكيل في تنفيذ تصرفه بالغبطة ) لا يراد منه المساواة بينهما في ذلك مطلقا ، بل تصرف العامل دائر مع الربح ، فيشتري المعيب مع حصول الغرض به ، ويبيع بالغرض كذلك ، وبغير نقد البلد مع الغبطة على أقرب الوجهين ، إذ لا يقصر عن الغرض ، وهو الذي مال إليه المصنف في‌

٨٦

فإن فعل لا معه وقف على الإجازة ، والأقرب أنه يضمن القيمة ، لأنه لم يفت بالبيع أكثر منها ، ولا يتحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها.

______________________________________________________

التذكرة ، حيث قال في سياق ذلك : وليس بعيدا من الصواب اعتبار المصلحة (١). وهذا كله بخلاف حكم الوكيل.

واعلم أن قوله : ( بيعا ولا شراء ) ـ تمييز للتصرف بالغبن وبالنسيئة ـ أراد به التعميم.

قوله : ( فإن فعل لا معه وقف على الإجازة ، والأقرب أنّه يضمن القيمة ، لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها ولا يتحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن حصلت بتفريطه فلا يضمنها ).

أي : فإن فعل العامل شيئا ممّا ذكر من التصرف بالغبن أو بالنسيئة لا مع الأذن ، فهو تصرف غير مأذون فيه ، فيقف على الإجازة. فلو حصل التلف ، فالأقرب عند المصنف أنّه يضمن قيمة المتاع الذي باعه.

ووجه القرب ما ذكره ، وهو : أنه لم يفت بالبيع أكثر منها ، ولو تركه لم يتحفظ بتركه سواها ، وزيادة الثمن التي حصلت بالبيع المذكور حيث يكون زائدا على القيمة غير مستحقة ، لأنها حصلت بتفريطه بالبيع فلا تكون مضمونة. ويحتمل ضمان الثمن كله ، لوقوع البيع به.

واعلم أن هذه المسألة لم يذكر المصنف موضوعها هل هو تلف العين أو تلف الثمن؟ بعد الإجازة أو قبلها؟ ولا يخفى أنّه بعد التأمل الصادق لا يستقيم ما ذكره على كل واحد من التقديرات :

أمّا إذا قدّرنا تلف العين ، فلأنّ التلف إمّا أن يكون قبل قبض المشتري أو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٧.

٨٧

______________________________________________________

بعده :

والأول غير مراد ، لأنّه لا ضمان فيه مع عدم التفريط ، لأنّ مجرد العقد الفضولي لا يقتضي الضمان.

والثاني إمّا أن يكون التلف فيه مع الإجازة أو بدونها :

فمع الإجازة يصح البيع ويدخل الثمن في ملك المالك ، وتخرج العين عن ملكه ، فيكون تلفها من المشتري ، فكيف يضمن العامل قيمتها ولا حقّ للمالك فيها؟

ولا فرق بين وقوع الإجازة قبل التلف أو بعده إن قلنا أنّ الإجازة كاشفة ، بخلاف ما إذا قلنا أنّها جزء السبب ، فان البيع يبطل حينئذ ، فيكون الحكم كما في عدم الإجازة.

ولا مع الإجازة يبطل البيع وينحصر حق المالك في العين ، فكيف يجي‌ء احتمال ضمان الزيادة التي اشتمل عليها الثمن؟

وإن قدّرنا تلف الثمن مع الإجازة ، فلا بحث في أنه المضمون ، وبدونها لا بحث في ضمان قيمة العين ، فلا يتجه ما ذكره بحال.

والذي ذكره المصنف في التذكرة وأرشد إليه : تعليله : ان موضوع المسألة ما إذا تلفت العين أو تعذر ردّها وتعذر حصول الثمن وأجاز المالك البيع بناء على عدم بطلانه. واختار أنه يضمن الثمن ، معلّلا بأنه ثبت بالبيع الصحيح وملكه صاحب السلعة وقد فات بتفريط البائع (١).

وهذه القيود التي ذكرناها وإن لم يصرح بجميعها في كلامه ، الا أن تعليله دال عليها ، لأنّ قوله : وملكه صاحب السلعة ، يدلّ على الإجازة ، لامتناع حصول الملك مع عدمها. وقوله : وقد فات بتفريطه ، يدلّ على تعذّر حصوله. وأمّا تلف العين أو تعذّر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٧.

٨٨

وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ، ولا يشتري بأكثر منه مما لا يتغابن الناس به ،

______________________________________________________

حصولها فذكره في أول كلامه.

وقال أيضا : ولو نقص الثمن عن القيمة لم يلزم أكثر منه ، لأنّ الوجوب انتقل اليه ، بدليل أنه لو حصل الثمن لم يضمن شيئا (١). وهذا صحيح ، وهو شاهد على ما ذكرناه ايضا.

وما افتى به في التذكرة وإن كان صحيحا ، الا أن مقابل الأقرب في كلامه غير محتمل أصلا. وأمّا ما ذكره هنا ، فقد علمت أنه لا يتجه على حال ، والمقدمات التي ذكرها في استدلاله مدخولة.

أمّا قوله : ( لأنّه لم يفت بالبيع أكثر منها ) فلا ملازمة بينه وبين المدّعى ، لأن المطلوب ضمانه هو : ما حصل بالبيع الصحيح على تقدير الإجازة ، فإنّه قد صار حقّا وملكا للمالك ، فلا يضمن سواه. وقريب منه قوله : ( ولا يتحفظ بتركه سواها ) فإنه لا أثر لفرض ترك البيع بعد صدوره والحكم بصحته.

وقوله ( وزيادة الثمن حصلت بتفريطه ) أبعد من الجميع ، فإنّه بعد دخولها في الملك لا التفات الى السبب الذي اقتضى تملكها من تفريط وغيره ، وقد سبق في الغصب ما يوافق ذلك ، والتحقيق ما ذكرناه.

قوله : ( وليس له أن يبيع بدون ثمن المثل ولا يشتري بأكثر منه ، مما لا يتغابن الناس به ).

أي : في العادة ، والجار في قوله ( ممّا لا يتغابن الناس به يتعلق بمحذوف ، على أنّه صفة لما دل عليه قوله : ( بدون ثمن المثل ) و ( أكثر منه ) وهو قلّة وكثرة ، أي : قلّة وكثرة ممّا لا يتغابن الناس به عادة. وقد سبق هذا الحكم في أول كلامه ، وأنه لا يجوز‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٧.

٨٩

فإن خالف احتمل بطلان البيع وضمان النقص ، وعلى البطلان لو تعذّر الرد ضمن النقص.

______________________________________________________

ذلك مع إطلاق الاذن ، وكأنّه إنما أعاده ليبني عليه.

قوله : ( فإن خالف احتمل بطلان البيع وضمان النقص ).

أي : لو خالف فباع بدون ثمن المثل ، وسيأتي إن شاء الله تعالى مخالفته بالشراء بأزيد من ثمن المثل بعد ذلك.

ووجه البطلان فيه : أنّه تصرف غير مأذون فيه ، فيقع باطلا مع عدم الإجازة ـ كما قيد به في التذكرة (١) ، وإن أطلق العبارة هنا ـ أما معها فلا ، لأنه لا ينقص عن تصرف الأجنبي.

ووجه ضمان النقص : أن العامل مأذون في التصرف مطلقا ، لأن الفرض إطلاق الإذن ، والمنع في صورة النزاع إنّما كان لضرر النقص ، وذلك مندفع بضمان النقص ، فيصح العقد بالإذن السابق ، ويكون إيقاعه التزاما للنقص.

وهذا ضعيف جدا ، فإن إطلاق الإذن لا يتناول هذا الفرد ، ولضعف هذا الاحتمال نزّل الشارح السيد عميد الدين العبارة على أن البطلان وضمان النقص حكمان لشيئين ، وليسا احتمالين لشي‌ء واحد ، فالبطلان مع عدم الإجازة يجب معه استرداد العين ، وضمان النقص على تقدير التعذر.

وليس بشي‌ء ، لأنّ ضمان النقص وقع مقابلا للبطلان في العبارة ، فوجب أن ينتفي البطلان معه.

وأيضا فإن استرداد السلعة لم يجر له ذكر في العبارة ، ومع ذلك فيكون قوله بعد : ( وعلى البطلان لو تعذر الرد ... ) مستدركا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٣٦.

٩٠

ولو أمكن الرد وجب ردّه إن كان باقيا ، ورد قيمته إن كان تالفا. وللمالك إلزام من شاء ، فإن رجع على المشتري بالقيمة رجع المشتري على العامل بالثمن ،

______________________________________________________

والحق أنّهما احتمالان في المسألة ، كما فهمه الشارح الفاضل ولد المصنف (١) ، وبه صرح في التذكرة ، ونسب القول بالصحة وضمان النقص على ما قررناه سابقا إلى بعض علمائنا ، وحكاه عن إحدى روايتي أحمد (٢) ، والمذهب هو الأول (٣).

قوله : ( ولو أمكن الرّد وجب ردّه إن كان باقيا ، وردّ قيمته إن كان تالفا ).

لا يخفى أنه لا فرق بين التلف وتعذر الرّد في ضمان القيمة ، فإن كان ضمان النقص مع الثمن محصلا لذلك ، كفى في الصورتين ، وإلاّ تعيّن ضمان القيمة فيهما. ففي العبارة مناقشة مع طول بغير فائدة ، وكان حقه أن يقول : وعلى البطلان يجب الرد فان تعذّر بتلف ونحوه فالقيمة ، فإن كان الثمن من جنسها ضمن معه النقص. ولا يخفى أن ضمان القيمة إنّما هو في القيميّ.

قوله : ( وللمالك إلزام من شاء ).

أي : من العامل والمشتري ، سواء كان المشتري عالما أو جاهلا ، وسواء كانت العين باقية فيلزمه بها أو تالفة فيلزمه بالقيمة ، لأنّ كل واحد منهما عاد ضامن.

قوله : ( فان رجع على المشتري بالقيمة ، رجع المشتري على العامل بالثمن ).

إن كان باقيا أو كان المشتري جاهلا كما سبق في البيع ، وكذا يرجع عليه‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣١٢.

(٢) المغني لابن قدامه ٥ : ١٥٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٣٦.

٩١

وإن رجع على العامل رجع العامل بالزائد من قيمته على المشتري.

ولو ظهر ربح فللمالك المطالبة بحصته دون العامل.

ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع ،

______________________________________________________

بزيادة القيمة عن الثمن مع جهله على أصح الوجهين ، لا مع علمه.

قوله : ( وإن رجع على العامل ، رجع العامل بالزائد من قيمته على المشتري ).

إن كان المشتري عالما بالحال ، لاستقرار التلف في يده ، لا إن كان جاهلا ، لأنّه مغرور ولم يدخل إلاّ على بذل الثمن في مقابل العين ، فلا يتلف عليه سواه.

وجزم المصنف هنا ينافي استشكاله في رجوع المشتري على الغاصب بالزيادة لو اغترمها مع جهله.

قوله : ( ولو ظهر ربح ، فللمالك المطالبة بحصته دون العامل ).

أي : لو ظهر ربح في العين المذكورة ، وهي : التي باعها بدون ثمن المثل ، ولم يجز المالك (١) ، فالذي يستحق المطالبة به هو ثمنها الأول ، وحصة المالك من الربح الزائد على أصل الثمن دون العامل ، لأنّه بذل حقه مجانا.

قوله : ( ولو اشترى بأكثر من ثمن المثل بعين المال فهو كالبيع ).

أي : يقف على الإجازة ، فإن لم يجز بطل. ويحتمل الصحة وضمان التفاوت كما دلّ عليه كلامه سابقا.

فان قيل : ما مرّ في كلامه إنما يضمن حكم البيع.

قلنا : قوله ( فإن خالف ) يشملهما ، وقوله : ( احتمل بطلان البيع ) شامل للمطلوب ، لأنّ بطلان البيع يقتضي بطلان الشراء ، لأنّ البيع والشراء يتضمنهما عقد‌

__________________

(١) في نسختي « ك‍ » و « ه‍ » : ولم يجز المالك ربح.

٩٢

وإن اشترى في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز المالك ، وإن ذكر المالك بطل مع عدم الإجازة.

وليس له أن يبيع إلاّ نقدا بنقد البلد.

والأقرب أنّ له أن يبيع بالعرض مع الغبطة ،

______________________________________________________

واحد.

قوله : ( وإن اشترى في الذمة ، لزم العامل ان أطلق الشراء ولم يجز المالك ).

المراد بإطلاق الشراء : عدم ذكر المالك ، لأن البيع ظاهرا يقع له. ويفهم منه أنه لو أجاز صح ، وهو كذلك ، لأن العقود بالقصود.

قوله : ( وإن ذكر المالك ، بطل مع عدم الإجازة ).

لأن الفضولي يبطل مع عدم الإجازة.

قوله : ( وليس له أن يبيع إلا نقدا بنقد البلد ).

حملا للإطلاق على الغالب المتعارف. ومقتضى العبارة : أنه لا يجوز البيع بالعرض ولا بغير نقد البلد ، لكن قد رجع عن هذا في قوله : ( والأقرب ان له أن يبيع بالعرض مع الغبطة ).

ووجه القرب : أن الغرض من القراض الاسترباح ، وهو يحصل بالبيع بالعرض كما يحصل بالبيع بالنقد ، فلا يتقيد بأحد

الأمرين.

وقول الشيخ بعدم الجواز إلاّ نقدا بنقد البلد كالوكيل (١) ضعيف ، لما بيناه سابقا ، فإنّ غرض القراض غير غرض الوكالة.

واقتصر المصنف على تجويز البيع بالعرض ، وسكت عن البيع بغير نقد البلد ، ولا يكاد يكون بينهما فرق ، وفي التذكرة مال إلى تجويزه مع الغبطة (٢) ، كما حكيناه عنه‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٣٦.

٩٣

وليس له الزراعة ، ولا يشتري إلاّ بعين المال ، فإن اشترى في الذمة من دون اذن وقع له إن لم يذكر المالك ، وإلاّ بطل.

______________________________________________________

سابقا أيضا ، وهو المختار.

قوله : ( وليس له الزراعة ).

أي : وليس للعامل الزراعة ـ وفي بعض النسخ المزارعة ـ وذلك لأن المضاربة لا يفهم من إطلاقها المزارعة ، لأن وضعها على الاسترباح بالتجارة ، وليس منه المزارعة.

فإن فعل ضمن المال والزرع لصاحب البذر ، فان كان هو المالك فلا أجرة للعامل ـ سواء كان من مال القراض أو من غيره ـ وإن كان العامل فعليه أجرة أرض المالك وإصلاحها وأرش النقص.

قوله : ( ولا يشتري إلاّ بعين المال ).

لأنّ مقصود القراض أن يكون ربح المال بينهما ، ولا يكون ذلك إلاّ إذا اشترى بالعين ، لأن الحاصل بالشراء في الذمة ليس ربح هذا المال.

قوله : ( فان اشترى في الذمة من دون إذن ، وقع له إن لم يذكر المالك ).

مقتضى الإطلاق أن الشراء له وإن نوى المالك إذا لم يذكره ، ومفهوم قوله فيما تقدم : ( وان اشترى في الذمة لزم العامل إن أطلق الشراء ولم يجز المالك ) أنه مع الإجازة يقع له كما نبهنا عليه. وينبغي أن يجي‌ء احتمال كون الربح المالك إن ربح وكان قد نقد مال القراض ثمنا ، لأنه كالغاصب حينئذ.

قوله : ( وإلاّ بطل ).

أي : وإن ذكر المالك في الشراء بطل ، لكن مع عدم الإجازة ، لأن الفضولي موقوف. وإنما أطلق المصنف هنا البطلان ، اكتفاء بما ذكره سابقا.

واعلم : أن الفرق بين ما ذكره هنا وبين قوله ـ سابقا : ( وإن اشترى في الذمة‌

٩٤

وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال ، فلو اشترى عبدا بألف هي رأس المال ، ثم اشترى بعينها آخر بطل الثاني ، وإن اشترى في ذمته صح له إذا لم يذكر المالك ، وإلاّ وقف على الإجازة.

وله أن يشتري المعيب ، ويرد بالعيب ، ويأخذ الأرش. كل ذلك مع الغبطة.

______________________________________________________

لزم العامل ) أن ذاك من أحكام ما إذا اشترى بأزيد من ثمن المثل ، وهذا حكم الشراء في الذمة مطلقا.

قوله : ( وليس له أن يشتري بأكثر من رأس المال ).

لأن عقد القراض إنما تضمن الاذن في الشراء برأس المال ، فلا يتسلط على الشراء بما زاد ، لان الشراء إنّما هو بالعين فقط.

قوله : ( فلو اشترى عبدا بألف هي رأس المال ثم اشترى بعينها آخر ، بطل ).

مقتضى قوله : ( هي رأس المال ) أن الشراء بعينها ، وكذا قوله بعد : ( وإن اشترى في ذمته ... ) وحيث كان كذلك فقد ملكها البائع ، فامتنع الشراء بها للمالك مرة أخرى ، فيقع العقد له باطلا.

قوله : ( وإن اشترى في ذمته صح له إن لم يذكر المالك ، وإلاّ وقف على الإجازة ).

ينبغي أنه إذا نوى المالك ولم يذكره وأجاز يصح.

قوله : ( وله أن يشتري المعيب ويرد بالعيب ويأخذ الأرش ، كلّ ذلك مع الغبطة ).

لأن مدار التصرف على الاسترباح ، وقد يحصل الربح في المعيب ، وقد تحقق الغبطة في ردّه أو في أخذ الأرش.

٩٥

ولو اختلفا في الرد والأرش قدّم جانب الغبطة ، فإن انتفت قدّم المالك.

وليس له أن يشتري من ينعتق على المالك إلاّ بإذنه ، فإن فعل صح وعتق وبطلت المضاربة في ثمنه ، فإن كان كل‌ المال بطلت المضاربة.

______________________________________________________

ويتصور هذا الفرض : بأن يشتري بظن السلامة ثم يظهر العيب ، فقد يكون الرد أغبط وقد يكون الأغبط أخذ الأرش ، بخلاف الوكيل ، إذ ليس المقصود ذلك ، فيجب حمل إطلاق التوكيل على شراء الصحيح ، إذ ربما قصد المالك القنية.

قوله : ( ولو اختلفا في الرد والأرش ، قدّم جانب الغبطة ).

سواء كانت في جانب المالك أم العامل ، لأن للعامل حقا في المال ، باعتبار أن له حظا من الربح ، فليس للمالك إبطال حقّه من الغبطة.

قوله : ( فان انتفت قدم المالك ).

المتبادر من انتفاء الغبطة : أن لا يكون في أحد الجانبين غبطة أصلا ، فيستويان في عدمها ، فلا حقّ للعامل حينئذ ، فيقدم جانب المالك ، لأن الناس مسلطون على أموالهم.

وتتصور صحة البيع في هذا الفرض : بأن تكون الغبطة عند الشراء ثم تزول ، ويشكل جواز الرد حينئذ ، لأن التصرف من أوله صحيح ماض. ويتصور فيما إذا لم يكن عالما بالعيب ثم تجدد علمه به.

وفي بعض النسخ : ( فان اتفقت ... ) ومعناه : انه إذا اتفقت الغبطة من الجانبين ، قدم المالك ، وهو صحيح أيضا ، إذ ليس للعامل حق يفوت بأحد الأمرين حينئذ.

قوله : ( وليس له أن يشتري من ينعتق على المالك إلا بإذنه ).

لأن ذلك مناف لمقصود القراض ، إذ المراد الاسترباح ، وهذا تخسير محض على تقدير صحته.

قوله : ( فإن فعل صح وعتق وبطلت المضاربة في ثمنه ، فان كان كلّ‌

٩٦

ولو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته ، والوجه الأجرة ،

______________________________________________________

المال بطلت المضاربة ).

أي : فان أذن المالك فاشترى صح الشراء ـ كما لو باشره بنفسه أو وكّل فيه ـ وعتق على المالك وبطلت المضاربة في ثمنه خاصة ، لأنه بمنزلة التالف ، وصار الباقي رأس المال. ولو كان ثمنه جميع المال بطلت المضاربة ، كما لو تلف جميع مال المضاربة.

هذا كله إذا لم يكن في العبد ربح ، ولو كان فيه ربح ففيه قولان أشار إليهما المصنف بقوله : ( ولو كان فيه ربح فللعامل المطالبة بثمن حصته ، والوجه الأجرة ).

فالأول : قول الشيخ في المبسوط (١) ، ووجهه : ان العامل يملك حصته من الربح بالظهور ، وأن المالك بإذنه في الشراء الموجب للعتق كأنه استردّ طائفة من المال بعد ظهور الربح وأتلفها ، ولأن العامل شريك سرى العتق في نصيبه ، فيضمن المالك النصيب.

وفيه نظر ، لأن ذلك إنما يتم إذا قلنا أن السراية تتحقق بالعتق القهري أو باختيار سبب العتق ، بناء على أن اختيار السبب اختيار للمسبب.

ونظر آخر يظهر من توجيه كلام المصنف الآتي ، وهو : أن هذا التصرف ليس من تصرفات القراض ، فلا يستحق في مقابله الحصة.

ووجه الثاني ـ وهو ما اختاره المصنف من وجوب أجرة المثل ـ أن المضاربة تبطل بالشراء ، لأن مثل هذا الشراء لا يقع للمضاربة ، فإن شراء المضاربة هو الذي يقبل التقليب والبيع مرة بعد اخرى للاسترباح ، وهذا لكونه يستعقب العتق غير قابل لذلك ، فإذا صرف مال المضاربة فيه بطلت وضمن المالك أجرة المثل ، لأن العامل قد عمل ما حصل للمالك به النفع المطلوب ، وقد فاتت الحصة المعينة في مقابله بفسخ المضاربة ، فيستحق أجرة المثل. ولو قلنا : أن العامل إنما يملك الحصة بالقسمة أو‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٧٧.

٩٧

فإن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة وذكر المالك ، وإلاّ وقع للعامل مع علمه ، وفي جاهل النسب أو الحكم إشكال.

______________________________________________________

الانضاض ، استحق الأجرة قولا واحدا.

وفي هذا نظر ، لأن استحقاق العامل الأجرة إنّما هو في العمل المحسوب للمضاربة إذا فاتت الحصة ، وقد قرر المصنف أن هذا ليس من أعمال المضاربة ، بل هو خلاف مقتضاها ، فيكون توكيلا محضا ، وليس من مقتضيات التوكيل ثبوت الأجرة للوكيل على عمل مقتضاها ، فكل من القولين مشكل.

والذي ينساق إليه النظر عدم استحقاق العامل شيئا إن لم يكن ذلك إحداثا لقول ثالث.

ولقائل أن يقول : إن مقتضى القراض الاسترباح ، وهو حاصل بالبيع المذكور ، ولا نسلّم أنه لا بدّ من قبول كلّ شراء للقراض ترتب البيع عليه والتقليب ، لأن جواز الفسخ من العامل أو المالك ينافي ذلك ، ولأنه لو عيّن زمان القراض بحيث لا يسع مع الشراء البيع ، يجب أن يكون فاسدا. وفيه منع ظاهر ، ولعل المنع من شرائه بدون الإذن للضرر المقارن له ، وهو التخسير ، لا لعدم تناول الإذن له.

إذا عرفت ذلك فهنا أمران :

الأول : على قول الشيخ لو كان المالك معسرا بقي قدر نصيب العامل رقيقا ، وعلى الثاني ينعتق الجميع وتبقى الأجرة على المالك إلى ميسرة.

الثاني : على قول الشيخ لو لم يكن ربح لا شي‌ء للعامل ، وعلى الثاني ذكر المصنف في التحرير ترددا في ثبوت الأجرة (١) ، وفي ثبوتها بعد.

قوله : ( وإن لم يأذن فالأقرب البطلان إن كان الشراء بالعين أو في الذمة وذكر المالك ، وإلاّ وقع للعامل مع علمه ).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٧٧.

٩٨

______________________________________________________

ما سبق حكم ما إذا أذن المالك في الشراء ، فأما إذا لم يأذن واشترى العامل‌ من ينعتق على المالك فلا يخلو : إما أن يكون عالما بالنسب والحكم أو لا ، فإن كان عالما : فان اشترى بعين المال ، أو في الذمة وذكر المالك فالأقرب عند المصنف البطلان ، وينبغي أن يكون ذلك مقيّدا بعدم الإجازة ، لأنه فضولي كما لا يخفى.

ويظهر من تقرير الشارح الفاضل أن مراد المصنف بالبطلان : أنه لا يقع موقوفا بل يقع باطلا ، لاستلزام عقد القراض النهي عن هذا التصرف ، وان مقابل الأقرب انه يحتمل وقوفه على الإجازة (١) ، وهو بعيد.

ووجه القرب : أنه تصرّف بغير إذن المالك ، لأن عقد القراض لا يتناوله ، لأنه مقصور على الاسترباح ، وهذا إتلاف ولم يصدر منه إذن آخر.

ويحتمل ضعيفا الصحة ، لأنه مال مقوّم قابل للعقود في نفسه فيصح شراؤه ، كما لو اشتراه بإذن ربّ المال ثم ينعتق على المالك وتبطل المضاربة. ويلزم العامل الضمان ، لأن تلف مال المضاربة بسببه. وإن لم يكن الشراء بالعين ، ولا ذكر المالك لفظا ، ولا نواه بحيث يعلم به البائع وقع الشراء للعامل وألزم به ظاهرا.

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( مع علمه ) قيد في كل من البطلان على تقدير الشراء بالعين أو في الذمة مع ذكر المالك ، ووقوعه للعامل على تقدير عدمها.

لكن يرد عليه : انه لا معنى للتقييد بعلم العامل إذا لم يكن الشراء بالعين ، لأن الشراء في الذمة غير مستفاد من عقد القراض أصلا ، فلا يكون مأذونا فيه فيقع فضوليا.

وإن لم يكن العامل عالما بالنسب ، أو لم يكن عالما بالحكم فقد أشار إليه المصنف بقوله : ( وفي جاهل النسب أو الحكم اشكال ). ( ويجب أن يكون موضع‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣١٤.

٩٩

______________________________________________________

الإشكال ما إذا اشترى بالعين ، لأن الشراء في الذمة غير مأذون فيه ، إذ لا يقيّده عقد القراض ، والفرض عدم إذن غيره ) (١).

ومنشأ الاشكال : من أن عقد القراض يقتضي الاذن في شراء ما فيه ربح ظاهر ، لا بحسب نفس الأمر ، لاستحالة توجه الخطاب الى الغافل لاستلزامه تكليف ما لا يطاق ، فيصح البيع وينعتق العبد ولا ضمان ، لأن التلف لأمر لم يعلم به العامل ، كما لو اشترى معيبا لم يعلم بعيبه فتلف به.

ومن أن الاذن في القراض إنما ينصرف الى ما يمكن بيعه وتقليبه في التجارة للاسترباح ، ولا يتناول غير ذلك ، فلا يكون ما سوى ذلك مأذونا فيه.

والتباس الأمر ظاهرا لا يقتضي الإذن ، غاية ما في الباب انه غير آثم في تصرفه ، أمّا كونه هو التصرف المأذون فيه أو تكليف ما لا يطاق. وتوجيه الخطاب الى الغافل إنما يلزم على تقدير ثبوت الإثم ، لا على تقدير عدم الاذن في ذلك التصرف ، إذ لا امتناع في أن يظن المكلف ـ لامارة ـ ما ليس بمأذون فيه مأذونا فيه ، ولا يصير بمجرد هذا الظن مأذونا فيه. نعم لا يكون مؤاخذا به ، فإذا انكشف الحال تبيّن عدم نفوذ التصرف لوقوعه في غير محل الإذن.

فإن قيل : أي فرق بين هذا وبين الوكيل إذا عزل ولم يعلم ، فان تصرفه ماض على أصح القولين؟ وكذا إذا فسخ الجاعل ولم يعلم المجعول له حتى اتي بالمجعول عليه؟

قلنا : الفرق أن الإذن في التصرف المأتي به في الوكالة والجعالة قد ثبت بأصل العقد ، والكلام في كون العزل والفسخ قبل العلم نافذ ليرتفع ذلك الإذن أولا فيبقى. ويرجح الثاني لما يترتب على نفوذه من الضرر العظيم والمفاسد ، والتمسك باستصحاب.

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في نسخة « ك‍ ».

١٠٠