جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

وللثانية خمسة أو لكل واحد ، ويحتمل البطلان على الأول ، لإمكان سبق تسعة ، فيكون لكل من السابقين درهم وتسع وللمصلي خمسة.

ولو قال لاثنين : أيكما سبق فله عشرة ، وأيكما صلى فله عشرة لم يصح ، ولو قال : ومن صلى فله خمسة صح.

______________________________________________________

قوله : ( وللثانية خمسة ، أو لكل واحد ، ويحتمل البطلان على الأول ، لإمكان سبق تسعة فيكون لكل واحد من السابقين درهم وتسع وللمصلي خمسة ).

أي : وللخمسة الثانية ـ أي المصلي ـ خمسة على ما اختاره المصنف أو لكل منهم على الاحتمال.

وهنا احتمال ثالث وهو بطلان هذا البذل من الباذل حال البذل ، لأن العوض الأدون إذا جعل للأسبق والآخر لغيره لم يكن السبق مطلوبا للمتسابقين فيفوت مقصود المسابقة ، وهو هنا كذلك ، لأن كل واحد منهم يجوّز تعدد السابقين واتحاد المصلي المقتضي لكون نصيب السابق بقدر المصلي أو أدون فيقل جده وحرصه في اجهاد نفسه وفرسه ، وغرض المسابقة الحث على السبق بالتفضيل في الجعل على جميع الأحوال الممكنة ، وهذا إنما هو على ما اختاره المصنف من اقتسام المتسابقين العشرة ، أما على ما اخترناه من أن لكل واحد عشرة فلا مانع من الصحة.

قوله : ( ولو قال لاثنين : أيكما سبق فله عشرة ، وأيكما صلى فله عشرة لم يصح ).

لمنافاته مقصود المسابقة كما أشرنا إليه سابقا.

قوله : ( ولو قال : ومن صلى فله خمسة صح ).

هذا خلاف ما ذكره من الإشكال في جواز جعل قسط للفسكل ، لأنه إذا كان المتسابقان اثنين كان المتأخر بمنزلة الفسكل ، فيكون رجوعا عن الإشكال الى‌

٣٤١

ولو قال لثلاثة : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله عشرة صح.

ولو قال : من سبق فله عشرة ومن صلى فله خمسة ، فسبق أحد الثلاثة وصلى آخر وتأخر ثالث فلا شي‌ء للمتأخر.

ويجوز أن يخرج أحدهما أكثر مما يخرجه الآخر ويختلفا ، فلو قال‌

______________________________________________________

الجزم ، والأصح أنه لا يصح ، لأنه مخالف لمقصود المسابقة.

قوله : ( ولو قال لثلاثة : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله عشرة صح ).

وجهه : أن المصلي سابق بالإضافة إلى المتأخر ، فيصح بذل العشرة له ، لاتصافه بالسبق ، وقد ذكر المصنف ذلك هنا وفي التذكرة والتحرير (١).

ويشكل بأنه لا يجوز مساواة الأعلى والأدون في الجعل ، لأن العوض إذا كان واحدا ضعف الباعث على اجهاد الفارس نفسه وفرسه على تحصيل السبق ، وفي حواشي شيخنا الشهيد احتمال البطلان ، وهو المتجه.

قوله : ( ولو قال : من سبق فله عشرة ، ومن صلى فله خمسة فسبق أحد الثلاثة وصلى آخر وتأخر ثالث فلا شي‌ء للمتأخر ).

لا كلام في صحة هذا الفرض ، لأن المصلي أدون ممن قبله وأعلى ممن بعده فجاز أن يجعل له قسط أدون.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد يسأل عن كيفية البذل على القول بلزوم عقد المسابقة ، وإن العقد حينئذ هل يكون بين المتسابقين فقط ، أو بينهما وبين الباذل ويتحقق اللزوم بالعقد؟ والذي ينساق اليه النظر هو الثاني ، فيكون هو الموجب فيقبلان. وينبغي التأمل لذلك ، لأني لم أظفر بشي‌ء هاهنا.

قوله : ( ويجوز أن يخرج أحدهما أكثر مما يخرجه الآخر ويختلفا ، فلو‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٨ ، التحرير ١ : ٢٦٢.

٣٤٢

أحدهما : إن سبقتني فلك عليّ عشرة وإن سبقتك فلي عليك خمسة أو قفيز حنطة جاز.

ولو أخرجا عوضين وأدخلا المحلل وقالا : من سبق فله العوضان ، فإن تساووا أحرز كل منهما سبقه ولا شي‌ء للمحلل ، وكذا لو سبقا المحلّل.

ولو سبق المحلل خاصة أو أحدهما خاصة أحرزهما السابق.

ولو سبق أحدهما والمحلل ، أحرز السابق مال نفسه ، وكان مال المسبوق بين السابق والمحلّل نصفين.

______________________________________________________

قال أحدهما : إن سبقتني فلك عليّ عشرة ، وإن سبقتك فلي عليك خمسة أو قفيز حنطة جاز ).

مثال إخراج أحدهما أكثر : ما إذا بذل واحد عشرة للآخر على تقدير سبقه والآخر خمسة ، ومثال اختلافهما في جنس الإخراج : إخراج أحدهما عشرة والآخر قفيز حنطة.

قوله : ( ولو أخرجا عوضين وأدخلا المحلل وقالا : من سبق فله العوضان ، فان تساووا أحرز كل منهما سبقه ولا شي‌ء للمحلل ، وكذا لو سبقا المحلل ، ولو سبق المحلل خاصة أو أحدهما خاصة احرزهما السابق ، ولو سبق أحدهما والمحلل أحرز السابق مال نفسه وكان مال المسبوق بين السابق والمحلل نصفين ).

إذا أخرج المتسابقان العوضين منهما وأدخلا بينهما المحلل ، وقالا : من سبق فله العوضان فالأحوال سبعة ، والذي ذكره المصنف خمسة :

الأول : أن ينتهوا إلى الغاية على حد سواء ، فيجوز كل من المتسابقين مال نفسه ، ولا شي‌ء للمحلل ، لانتفاء السابق.

الثاني : أن يسبق المخرجان ـ فيصلا معا سواء ويتأخر المحلل عنهما ،

٣٤٣

______________________________________________________

فكذلك ، لاستوائهما في السبق ولا شي‌ء للمحلل ، لأنه مسبوق.

الثالث : أن يسبق المحلل ويأتي المخرجان بعده على سواء أو تفاضل فيستحق المحلل العوضين معا ، لسبقه لكل من المخرجين.

الرابع : أن يسبق أحد المخرجين وهنا ثلاث صور ، لأنه : إما أن يأتي بعده المحلل والمخرج سواء ، أو يكون المحلل مصليا والآخر بعده ، أو بالعكس ، وفي جميع هذه الأحوال لا يختلف الحال عندنا في أن السابق يحوز العوضين معا ، لسبقه.

وقال بعض العامة ، أن المحلل إذا كان مصليا والمخرج الآخر بعده يحوز سبق المتأخر ويبقى السابق على مال نفسه ، وفي الصورتين الأخيرتين لا شي‌ء للمحلل ، ولكل من المخرجين مال نفسه ، ولا يحوز السابق مال الآخر ، لأنه إذا كان كل من المتسابقين يغنم ويغرم كان قمارا فاسدا (١).

الخامس : أن يسبق المحلل وأحد المخرجين ، بأن يأتيا إلى الغاية على سواء ويتأخر المخرج الآخر فيحوز السابق من المخرجين سبق نفسه ويكون مال المسبوق بين المخرج السابق والمحلل ، لتشاركهما في سبب الاستحقاق وهو السبق.

وعلى قول ذلك البعض من العامة مال المسبوق للمحلل خاصة ، وقد سبق رده. ولا يخفى أنه لا يكون مجموع العوضين بين المحلل والسابق ، لأن مال السابق باق على ملكه ، وإنما يخرج منه إذا صار مسبوقا وهو منتف هنا.

إذا عرفت ذلك فهنا مباحث :

الأول : المال المخرج من كل من المتسابقين يجوز أن يطلق عليه العوض ، لجريان العقد عليه والعوضان ، لأن ما أخرجه أحدهما عوض عن سبق الآخر.

الثاني : إنما اقتصر المصنف على ذكر الصور الخمس لأن الأحكام إنما تختلف‌

__________________

(١) المجموع ١٥ : ١٥٠ ، كفاية الاخبار ٢ : ١٥١.

٣٤٤

ولو شرط السبق بإقدام معلومة كثلاثة أو أكثر أو أقل لم يصح ، لعدم ضبطه ، وعدم وقوف الفرسين عند غاية بحيث تعرف المساحة بينهما.

______________________________________________________

عندنا باعتبارها.

الثالث : إذا دخل المحلل بين المتسابقين فينبغي ان يجري فرسه بين فرسيهما ، فان لم يتوسطهما وعدل الى يمين وشمال جاز وإن أساء بفعله إذا تراضيا به ، وان لم يتراضيا على ذلك لم يكن له العدول عن الوسط.

ولو اختلفا في ذلك فرضي أحدهما بعدوله عن الوسط دون الآخر قدّم اختيار من يطلب التوسط دون الانحراف ، لأنه أعدل بينهما وامنع من تنافرهما. ولو رضيا بإخراجه عن التوسط ، ودعى أحدهما الى ان يكون متيامنا والآخر الى ان يكون متياسرا لم يعمل على قول واحد منهما وجعل وسطا ، لأنه العدل والمتعارف فهذا موضع المحلل.

وأما المتسابقان : فان اتفقا على كون أحدهما عن يمين والآخر عن شمال فلا بحث ، وإلاّ أقرع بينهما وأقر كل واحد منهما في موضع قرعته من يمين وشمال ، ذكر ذلك كله المصنف في التذكرة (١).

قوله : ( ولو شرط السبق بإقدام معلومة كثلاثة ، أو أكثر ، أو أقل لم يصح ، لعدم ضبطه ، وعدم وقوف الفرسين عند غاية بحيث تعرف المسافة بينهما ).

اختار المصنف في التذكرة جواز هذا الشرط ، وحكى عن بعض الشافعية المنع (٢) ، ثم قال : ولا وجه له (٣). ولا ريب أنه إن انضبط ذلك وأمكن الوقوف عليه لا مانع من صحته.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٧.

(٢) كفاية الأخيار ٢ : ١٥٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٥٩.

٣٤٥

الباب الثاني : في الرمي.

مقدّمة : الرشق : بفتح الراء الرمي ، وبالكسر : عدده.

ويوصف السهم بالحابي : وهو ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب إليه فأصابه ، وهو المزدلف.

والخاصر ، وهو ما أصاب أحد جانبي الغرض ، ومنه الخاصرة.

والخاصل : وهو المصيب للغرض كيفما كان.

والخازق : وهو ما خدشه ثم وقع بين يديه.

والخاسق : وهو ما فتح الغرض وثبت فيه.

والمارق : وهو ما نفذ [ من ] الغرض ووقع من ورائه.

والخارم : وهو الذي يخرم حاشيته.

والغرض : ما يقصد إصابته ، وهو الرقعة المتخذة من قرطاس ، أو رق أو جلد ، أو خشب ، أو غيره.

والهدف : ما يجعل فيه الغرض من تراب أو غيره.

______________________________________________________

قوله : ( الرشق بفتح الراء : الرمي ، وبالكسر : عدده ).

الذي في القاموس والصحاح : أن الرشق بالفتح المصدر وبالكسر الاسم (١) ، وفي النهاية لابن الأثير : أن الرشق بالكسر هو الوجه من الرمي ، وإذا رمى القوم كلهم دفعة واحدة قالوا رشقا. والرشق أيضا أن يرمي الرامي بالسهام كلها (٢).

وفي التذكرة : أنه بالكسر عدد الرمي الذي يتفقان عليه ، وأهل اللغة يقولون :

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٢٤٤ « رشق » ، الصحاح ٤ : ٤١٨١ « رشق ».

(٢) النهاية في غريب الحديث والأثر ٢ : ٢٢٥ « رشق ».

٣٤٦

______________________________________________________

هو عبارة عما بين العشرين الى الثلاثين (١). ويسمى أيضا الوجه.

واغتراق السهم : هو أن يزيد في مد القوس بفضل قوته حتى يستغرق السهم فيخرج من جانب الوتر المعهود الى الجانب الآخر.

وأعلم أن السهم يوصف بأوصاف :

الأول : الحابي ، قال المصنف في التذكرة : وقد اختلف فيه ، فقيل أن أبا حامد الاسفرايني وهم هنا حيث جعل الحوابي صفة من صفات السهم ، وسماه حوابي ـ بإثبات الياء ـ وفسره بأنه السهم الواقع دون الهدف ثم يحبو اليه حتى يصل إليه ، مأخوذ من حبو الصبي ، وهو نوع من الرمي المزدلف يفترقان في الاسم ، لان المزدلف أحد والحابي أضعف ويستويان في الحكم.

ثم حكى عن قوم : إن الحوأب ـ بإسقاط الياء ـ نوع من الرمي وهو ثالث المحاطة والمبادرة ، والمراد به ان يحتسب بالإصابة في الشن والهدف ويسقط الأقرب من الشن ما هو أبعد منه.

ثم قال : والمشهور أن الحابي ما وقع بين يدي الغرض ثم وثب اليه فاصابه ، وهو المزدلف (٢) ، وفسر المزدلف في التحرير : بأنه الذي يضرب الأرض ثم يثب الى الغرض (٣) ، وهو التفسير الأول.

الثاني : الخاصر ، ويسمى أيضا جائزا ، وفي التذكرة : يقال أجاز بالسهم إذا سقط وراء الهدف ، وعده من الخطأ ، لأنه منسوب الى سوء الرمي.

الثالث : الخاصل ، في التذكرة : وهو يطلق على القارع : وهو ما أصاب الشن ولم يؤثّر فيه ، وعلى الخارق : وهو ما أثر ولم يثبت ، وعلى الخاسق : وهو ما يثبت (٤). ولم‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٦٠.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

(٣) التحرير ٢ : ٢٦١.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

٣٤٧

______________________________________________________

يذكر إطلاقه على المارق ، وعلى تعريفه بأنه المصيب كيف كان يجب أن يطلق عليه.

وفي التحرير : إن الخارق يطلق على الخاسق أيضا (١).

الرابع : الخارم ، وفسره في التحرير : بأنه الذي يصيب طرف القرطاس فلا يثقبه ، ولكن يخرق الطرف ويخرمه (٢).

الخامس : الطامح ، وله تأويلان :

أحدهما : أنه الذي قارب الإصابة ولم يصب ويكون مخطئا.

والثاني : أنه الواقع بين الشن ورأس الهدف ، فيكون مخطئا إن شرطت الإصابة في الشن ، ومصيبا ان شرطت في الهدف. وفي التحرير : وأما الطامح والفاخر فهو الذي يشخص عن كبد القوس ذاهبا الى السماء (٣).

السادس : العاضد ، وهو الواقع من أحد الجانبين فيكون كالجائز على أحد التأويلين.

السابع : الطائش : السهم الذي لا يعرف مكان وقوعه ، والطائش محسوب عليه في الخطأ.

الثامن : الغائر ، وهو السهم المصيب الذي لا يعرف راميه ، ويحتسب به لواحد من الراميين للجهل به.

التاسع : الخاطف ، وهو المرتفع في الهواء يخطف نازلا ، فإن أخطأ به كان محسوبا عليه ، لأنه من سوء رميه ، وإن أصاب به ففي الاحتساب وجهان ، نظرا الى حصول الإصابة ، وأن تأثير الرمي في ارتفاع السهم ، فأما سقوطه فلثقله ، فيكون مصيبا بغير فعله. فعلى هذا هل يحسب من الخطأ؟ وجهان أيضا ، نظرا إلى أنه لا واسطة ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢٦١.

(٣) التحرير ٢ : ٢٦١.

٣٤٨

والمبادرة : هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق.

والمحاطة هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة.

______________________________________________________

فإذا لم يكن مصيبا عد مخطئا وإن الإصابة قد حصلت ، واسوأ الأحوال أن يكون وجودها كعدمها.

وفصّل في التذكرة : بأنه إن نزل بعد ارتفاعه فاتر الحدة لا يقطع مسافة احتسب خاطئا ، وإن نزل في بقية حدته احتسب له صائبا ، لأن الرمي بالفتور منقطع وبالحدة مندفع (١).

وزاد في التحرير أوصافا :

الأول : الصادر ، وجمعه صوادر ، وهو الذي أصاب الغرض ونفذ فيه ومضى ولم يؤثر.

الثاني : الفاخر ، وهو الذي يشخص عن كبد القوس ذاهبا الى السماء.

الثالث : المغطغط ، وهو الذي يميل يمينا وشمالا.

الرابع : الزاهق ، وهو الذي يتجاوز الغرض من غير اصابة.

الخامس : الحابص ، وهو الذي يقع بين يدي الرامي.

السادس : الدابر ، وهو الذي يخرج من الهدف ، وهو المارق أيضا.

السابع : المرتدع ، وهو الذي أصاب الهدف ، ويشدخ عوده ويكسر (٢).

قوله : ( والمبادرة : هي أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع التساوي في الرشق ، والمحاطة : هي إسقاط ما تساويا فيه من الإصابة ).

لا يخفى فساد ما ذكره من تعريفهما ، لأن المتبادرة على ما ذكره صادقة مع اشتراط المحاطة في العقد ، فان من بدر من المتسابقين حينئذ صدق تعريف المبادرة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٠.

(٢) التحرير ٢ : ٢٦١.

٣٤٩

وفي هذا الباب مطلبان :

الأول : في الشروط ، وهي اثنا عشر بحثا :

أ : العقد ، وقد سبق.

______________________________________________________

بالنسبة اليه ، وكذا القول في تعريف المحاطة صادق مع اشتراط المبادرة إذا تحققت الإصابة من الجانبين.

ومع ذلك فالغرض من بيان معنى اللفظين غير حاصل في ذلك ، والصحيح ما ذكره في التذكرة ، فإنه قال في تعريف المبادرة : هي أن يشترط الاستحقاق لمن بدر إلى إصابة خمسة من عشرين ، فإذا رميا عشرين فأصاب أحدهما خمسة والآخر أربعة فالأول ناضل ، ولو رمى أحدهما عشرين فأصاب خمسة ، ورمى الآخر تسعة عشر فأصاب أربعة لم يكن الأول ناضلا حتى يرمي الثاني سهما ، فإن أصاب فقد استويا ، وإلاّ كان ناضلا (١). وكان عليه أن يزيد فيه : مع التساوي في الرشق ، فظهر من هذا أنه متى تحققت اصابة العدد المشترط من واحد خاصة مع الاستواء في الرشق وإن كان دون مجموع العدد المشترط في العدد تحقق كونه ناضلا ولم يجب الإكمال.

وقال في تعريف المحاطة : هي أن يشترط الاستحقاق لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما يشتركان فيه ، فإذا شرط عشرين رشقا وخلوص خمس إصابات ، فرميا عشرين فأصاب أحدهما عشرة والآخر خمسة فالأول هو السابق ، وإن أصاب كل واحد منهما خمسة أو عشرة فلا سبق هنا (٢).

وكان عليه أن يزيد فيه : مع إكمال العدد كله ، فإنه ليس المراد الخلوص كيف‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٦٢.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٦٢.

٣٥٠

ب : العلم بعدد الرشق ، وهو شرط في المحاطة قطعا ، وفي المبادرة على اشكال.

ج : العلم بعدد الإصابة كخمسة من عشرين.

د : العلم بصفتها ، فيقولان : خواصل ، أو خواسق ، أو غيرهما‌

______________________________________________________

كان ، بل بعد إكمال جميع العدد المشترط.

قوله : ( العلم بعدد الرشق ، وهو شرط في المحاطة قطعا ، وفي المبادرة على إشكال ).

أما اشتراطه في المحاطة فظاهر ، لأن المراد خلوص إصابة كذا بعد مقابلة الإصابات من الجانبين من عدد يجب إكماله فلا بد من تعيينه ، وإلاّ أفضى إلى الجهالة والتنازع.

وأما المبادرة فمنشأ الإشكال : من أن الاستحقاق متعلّق بالبدار إلى إصابة العدد المعيّن حيث اتفق ، ولا يجب إكمال العدد المشروط فلا حاجة إلى تعيينه ، ولأصالة البراءة من الاشتراط ، واختاره الشارح الفاضل (١).

ومن أنه لولا ذلك لكان ـ إذا لم تتفق الإصابة المشترطة لهما أو لأحدهما ـ لا يكون لهما غاية يقفان عندها ، فربما طلب أحدهما الرمي بمقتضى العقد وامتنع الآخر فيحصل التنازع والتجاذب على وجه لا سبيل الى قطعه ، إذ لو الزم الممتنع بالإجابة أمكن أن يستمر عدم الإصابة إلى غير النهاية ، وبالاشتراط افتى الشيخ في المبسوط (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وابن سعيد (٤).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٣٧٠.

(٢) المبسوط ٦ : ٢٩٦.

(٣) السرائر : ٣٧٦.

(٤) شرائع الإسلام ٢ : ٢٣٨.

٣٥١

ولو شرطا الخواسق والحوابي معا صح ، ولو أطلقا فالأقرب حمله على الخواصل.

______________________________________________________

والتحقيق أن يقال : لا وجه لهذا الاشكال على تقدير لزوم العقد ، بل لا بد من الاشتراط دفعا للغرر والجهالة وحسما لمادة التنازع. وكذا على القول بالجواز ، لأنه بدون التعيين متى ظهرت علامات الفضل لأحد الراميين لا يجوز للمفضول الفسخ ، فلا بد من غاية معيّنة يقفان عندها تكون حاسمة لمادة النزاع.

قوله : ( ولو شرطا الخواسق والحوابي معا صح ).

أي : شرطا الجمع بين الوصفين في إصابة عدد معين ، كخمسة ، ثلاثة منها خواسق مثلا والباقي حوابي. ولا شك في جوازه ، إلاّ أنه لا وجه لافراد هذين الوصفين إذ جميع أوصاف الرمي كذلك. ولعله يريد : الجمع بينهما في سهم واحد وهو صحيح أيضا ، إذ لا منافاة بين كون السهم حابيا وخاسقا.

قوله : ( ولو أطلقا فالأقرب حمله على الخواصل ).

وجه القرب أن ذلك هو القدر المشترك بين الجميع فهو المطلق معنى فيحمل الإطلاق لفظا عليه ، إذ الأصل البراءة من وجوب التعيين ، ولأن اسم الإصابة واقع على الجميع فيكفي اشتراطه.

ويحتمل اشتراط التعيين ، لأن إخلاء العقد من التعيين أعم من الإطلاق وعدمه ، ولا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات ، واختاره الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في التحرير (٢) ، واختار في التذكرة الأول (٣) ، وهو أقوى. وليس العقد خاليا عن التعيين ، لأن اشتراط الإصابة في قوة اشتراط المطلق ، ولا غرر هنا.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ٢٩٦.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٦٣.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦١.

٣٥٢

هـ : تساويهما في عدد الرشق والإصابة وصفتها وسائر أحوال الرمي ، فلو جعلا رشق أحدهما عشرة والآخر عشرين ، أو إصابة أحدهما خمسة والآخر ثلاثة ، أو أحدهما خواسق والآخر خواصل ، أو يحط أحدهما من إصابته سهمين ، أو يحط سهمين من إصابته بسهم من إصابة صاحبه ، أو يرمي أحدهما من بعد والآخر من قرب ، أو يرمي أحدهما وبين أصابعه سهم والآخر سهمان ، أو يحط أحدهما واحدا من خطائه لا له ولا عليه لم يصح.

و : العلم بقدر الغرض إما بالمشاهدة أو بالتقدير ، لاختلافه في السعة والضيق.

ز : معرفة المسافة إما بالمشاهدة ، أو بالتقدير كمائة ذراع.

ح : تعيين الخطر.

ط : جعله للسابق.

______________________________________________________

قوله : ( تساويهما ـ الى قوله ـ ولا عليه لم يصح ).

وجهه في جميع المسائل عدم التكافؤ الذي هو مناط الصحة ، لأن الفرض استناد اصابة المصيب منهما بحذقه ، لا بسبب آخر من زيادة رشقه أو قرب موقفه.

والمراد من كونه لا له ولا عليه في قوله : ( أو يحط أحدهما واحدا من خطأه لا له ولا عليه ). إسقاطه بحيث لا يكون محسوبا من الرمي فيرمى بدله.

قوله : ( العلم بقدر الغرض إما بالمشاهدة أو بالتقدير ، لاختلافه في السعة والضيق ).

وشرط في التذكرة أيضا العلم بموضعه من الهدف : وهو تراب يجمع أو حائط يبنى لينصب فيه الغرض ، والغرض : جلد ، أو شن ـ وهو الجلد البالي ـ أو قرطاس‌

٣٥٣

ي : تماثل جنس الآلة لا شخصها ، ولا تعيين السهم ، ولو عينهما لم يتعين.

______________________________________________________

يدور عليه شنبر (١) وقيل : ما ينصب في الهدف يقال له القرطاس سواء كان من كاغذ أو غيره ، وما تعلق في الهواء فهو الغرض ، والرقعة عظم ونحوه في وسط الغرض. وقد يجعل في الشن نقش كالهلال يقال له الدائرة ، وفي وسطها نقش يقال له الخاتم (٢).

وشرط في التذكرة شرطا آخر وهو معرفة قدر الدائرة من الغرض ان شرطت الإصابة فيها (٣).

قوله : ( تماثل جنس الآلة لا شخصها ، ولا تعيين السهم ، ولو عيّنهما لم يتعين ).

أما تماثل جنس الآلة فإنه معتبر في نحو السهام والمزاريق (٤) ، فلا يجوز اشتراط رمي واحد منهما بالسهام وآخر بالمزاريق ونحو ذلك ، واستشكل الحكم في التذكرة (٥).

وأما بالنسبة إلى القوس فان التماثل شرط مع إطلاق العقد على الرمي ، فلو أراد أحدهما الرمي بقوس عربية والآخر بقوس عجمية لم يكن لهما ذلك ، ولو اشترطا ذلك في العقد جاز ، كذا ذكره المصنف في التحرير (٦).

وفي التذكرة : أنه إن كان هناك عرف بجنس معيّن من القوسين حمل الإطلاق عليه وإلاّ كانا بالخيار فيما اتفقا عليه من القوسين إذا كانا فيهما متساويين ، وإلاّ قيل‌

__________________

(١) قال الشيخ الطوسي في المبسوط ٦ : ٣٠٨ « الشنبر : هو الجريد المحيط بالشنّ ، كشنبر النخل ».

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

(٤) المزاريق ، جمع مفرده المزراق : أي الرمح القصير. المعجم الوسيط ١ : ٣٩٣.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٦١.

(٦) التحرير ١ : ٢٦٣.

٣٥٤

ولو لم يعينا الجنس انصرف الى الأغلب في العادة ، فإن اختلفت فسد.

يا : تعيين الرماة ، فلا يصح مع الإبهام ، لأن الغرض معرفة حذق الرامي. وفي الحيوان يعتبر تعيين الحيوان لا الراكب ، لأن الغرض هناك معرفة عدو‌ الفرس لا حذق الراكب.

______________________________________________________

لهما : إن اتفقتما وإلاّ فسخ العقد بينكما (١).

وكلامه هنا مخالف لما في التذكرة والتحرير معا ، لأن إطلاقه اشتراط تماثل جنس الآلة وحكمه بفساد العقد مع الاختلاف عادة كالصريح في المخالفة ، أما تعيين شخص الآلة فقد أطبقوا على عدم اشتراطه ، بل لو عيّنه لم يتعين وجاز الإبدال ويفسد الشرط ، لأنه قد تعرض له أحوال خفية تحوج إلى الإبدال ، وفي المنع منه تضييق لا فائدة فيه ، فكان كما لو عيّن المكتل في السلم.

ولا يخفى أن بين القوس والسهم وبين المكتل فرقا بيّنا ، وتعلّق الغرض بشخص الآلة أمر واضح ، فإنّه ربما كان للقوس والسهم مدخل في الإصابة بخلاف المكتل فإنه لا غرض متعلق به ، بل الغرض متعلق بحصول الكيل على الوجه الصحيح.

قوله : ( ولو لم يعيّن الجنس انصرف الى الأغلب في العادة ، فإن اختلفت فسد ).

أما الحمل على العادة مع استقرارها فظاهر ، لأنه جار مجرى التقييد لفظا ، وأما الفساد مع الاختلاف فلأنه لولاه لأدى إلى التنازع والتجاذب فيفوت غرض المسابقة.

قوله : ( وفي الحيوان يعتبر تعيين الحيوان لا الراكب ، لأن الغرض هناك معرفة عدو‌ الفرس لا حذق الراكب ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦١.

٣٥٥

وكل ما يعتبر تعيينه لو تلف انفسخ العقد ، وما لا يعتبر يجوز إبداله لعذر وغيره.

ولو تلف قام غيره مقامه ، فلو شرطا أن لا يرميا إلاّ بهذا القوس أو هذا السهم ، أو لا يركب إلاّ هذا الراكب فسد الشرط.

وتصح المناضلة على التباعد كما تصح على الإصابة ، فلا تعتبر‌ شروط الإصابة.

______________________________________________________

أي : وفي مسابقة الحيوان يعتبر تعيين الحيوان ، ولا يخفى أن ما ذكره من التعليل غير واضح ، لأنّ حذق الراكب وتعلمه الفروسية أمر مطلوب ، ومدخليته في الحرب أمر لا يدفع ، واختلاف الفرسان باعتبار الفروسية في إظهار النكاية في العدو مع اتحاد الفرس أمر ظاهر.

ثم في الجمع بين هذا وبين ما ذكره من الإشكال في أن الوارث له الإتمام لو مات الفارس نظر ، فإنه إن ثبت جواز إبدال الراكب مع اشتراط تعيينه ، وقلنا بلزوم العقد أو بجوازه وقد ظهر فضل الميت ، ينبغي الجزم بأن للوارث الإتمام. وكذا الكلام في قوله : أو لا يركب إلاّ هذا الراكب فسد الشرط ، وقد وقع التصريح بذلك في عبارات القوم.

قال في التذكرة في مسألة اشتراط تساوي المتسابقين في مبدأ السباق : فلو شرطا تقدم موقف أحدهما أو تقدم غايته لم يجز ، لأنه مناف للغرض إذ المقصود من المسابقة معرفة فروسية الفارس وجودة سير الفرس ، وإنما يعرف ذلك مع تساوي المبدأ والمنتهى فيهما (١) ، وهذا تصريح بما قلناه.

قوله : ( وتصح المناضلة على التباعد كما تصح على الإصابة فلا يعتبر‌ شروط الإصابة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥٥.

٣٥٦

يب : إمكان الإصابة المشروطة لا امتناعها ، كما لو شرطا الإصابة من خمسمائة ذراع ، أو إصابة مائة على التوالي. ولا وجوبها كإصابة الحاذق واحدا من مائة ،

______________________________________________________

وجهه : إنّ البعد في الرمي وزيادة ذهاب السهم أمر مطلوب كالاصابة ، وذلك لأنه يفيد في مقابلة العدو من بعد إرهابه ، وكذا إيقاع السهام في القلاع ، وحيث كان مقصودا برأسه لم تشترط الإصابة ، والقول بجواز ذلك مقرب التذكرة ، واشترط تساوي القوسين في الشدة ، ومراعاة خفة السهم ورزانته ، لأن لهما تأثيرا عظيما في ذلك (١).

واعلم أن التعليل المذكور يشعر بجواز المناضلة على التباعد إلى جهة فوق ، للاحتياج اليه فيما إذا كان العدو في علو.

قوله : ( إمكان الإصابة المشروطة ).

المراد بإمكان الإصابة : كونها ممكنة بحسب العادة متوقعا حصولها.

قوله : ( لا امتناعها ، كما لو شرطا الإصابة من خمسمائة ذراع ، أو اصابة مائة على التوالي ).

المراد عدم امتناعها بمجرى العادة ، فإنّ ذلك ـ اشتراط الممتنع ـ مخل بمقصود المتناضلين من بذل المال ، لأن الغرض المناضلة طمعا في تحصيله ، ومع عدم الإمكان لا يتأتى ذلك ، وذلك كما لو شرطا الإصابة من خمسمائة ذراع ، أو إصابة مائة على التوالي.

قوله : ( ولا وجوبها كإصابة الحاذق واحدا من مائة ).

كما لا يجوز اشتراط الممتنع عادة كذا لا يجوز اشتراط محقق الوقوع في العادة ، لمنافاته الغرض من حصول الحذق في الرمي ، كإصابة الحاذق واحدا من مائة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

٣٥٧

والوجه صحة الأخير لفائدة التعليم والنادر الأقرب صحته كبعد أربعمائة.

______________________________________________________

على هيئة الخاصل كما صرح به في التذكرة (١).

ولا يخفى ان المتبادر من قوله : ( إمكان الإصابة المشروطة لا امتناعها ولا وجوبها ) أنه لا يشترط الامتناع ولا الوجوب ، لأنه في سياق الشروط ، والأمر سهل لأن المطلوب معلوم ، فإنه لا يخفى أن المراد اشتراط إمكان الإصابة لصحة العقد ، فلا يصح اشتراط الممتنع ولا الواجب.

قوله : ( والوجه صحة الأخير لفائدة التعليم ).

الذي تقتضيه العبارة كون الأخير هو الواجب عادة ـ اصابة الحاذق واحدا من مائة ـ والذي يدل عليه التعليل خلاف ذلك ، فإن فائدة التعليم لا تترتب على هذا ، ولعله يريد الأخير من الأمرين اللذين مثّل بهما للممتنع ، وكيف كان فالعبارة لا تخلو من شي‌ء.

ووجه ما اختاره المصنف ما أشار إليه من أن الغرض فائدة التعليم ، ولا ريب أن التوجه إلى الإتيان بالأمر الذي يندر وقوعه في العادة يكسب حذقا واستعدادا ، وربما اتفق حصوله فإنه غير ممتنع ، بخلاف الإصابة من خمسمائة ذراع وما فوقه. ويحتمل العدم ، لإطلاق عدم الجواز وعدم حصول الغرض منه ، وفي الأول قوة.

قوله : ( والنادر الأقرب صحته كبعد أربعمائة ).

وجه القرب التمسك بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (٢) وإمكان تحصيل المقصود ، ولأن غرض التحذق في الرمي يحصل بطريق أقوى ، لأن الرامي يجتهد كمال الاجتهاد حينئذ في الإصابة فيستفيد ذلك.

ويحتمل العدم ، لأن هذه المعاملة إنما شرعت تحريضا على الرمي والاجتهاد فيه باشتراط المال فيها ، فإذا كان المشروط بعيد الحصول تبرمت النفوس به. والأول‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٥.

(٢) المائدة : ١.

٣٥٨

ولا يشترط تعيين المبتدئ بالرمي بل يقرع ، ثم لا ينسحب في كمال الرشق ،

______________________________________________________

أقوى ، لأن اشتراط مثل هذا أدخل في حصول الحذق. وقد قيل (١) إنه ما أصاب من أربعمائة ذراع إلاّ عقبة بن عامر الجهني ، ذكره المصنف في التذكرة (٢).

قوله : ( ولا يشترط تعيين المبتدئ بالرمي بل يقرع ، ثم لا ينسحب في كمال الرشق ).

التناضل يخالف التسابق ، فإن المتسابقين بالخيل وشبهها يجريان معا ليعرف السابق منهما ، إذ لا يعرف بدونه. وأما التناضل فلا بد فيه من الترتب ، حذرا من اشتباه الحال بين المصيب والمخطئ ، إلاّ أن يعرف بتعليم النشاب بما يميز كل واحدة عن صاحبتها ، كذا قال في التذكرة (٣).

ولا يندفع به الاشتباه ، فإن إحداهما لو مرقت من الغرض مثلا ووقعت مع التي لم تصب اشتبه الحال ، وحينئذ فيجب : إما تعيين المبتدئ بالرمي وكيفيته : أن يتراميان سهما سهما أو أزيد ، أو يستخرج المبتدئ بالقرعة ، ثم لا ينسحب الحكم بالقرعة في كمال الرشق ، بل من أخرجته القرعة يبتدئ في كل مرة. ووجه عدم اشتراط تعيين المبتدئ والاكتفاء بالقرعة : أن الشارع جعلها في كل أمر مشكل.

ولا يقال : إن الإخلال بتعيين المبتدئ في العقد يقتضي وقوعه على الغرر والجهالة ، لأن الأغراض تتعلق بالبداءة ، والرماة يتنافسون في ذلك تنافسا ظاهرا لحكمة مقصودة عند العقلاء فان المبتدئ يجد الغرض خاليا من الخلل ، وهو على ابتداء النشاط فتكون اصابته أقرب.

لأنا نقول : هذا إذا لم يكن الى التعيين طريق ، أما معه فلا ، حيث أن تعيين‌

__________________

(١) في « ه‍ » والحجرية : نقل.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٦٢.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٦٣.

٣٥٩

ولا ذكر المبادرة ولا المحاطة ، ولا يحمل المطلق على المبادرة.

______________________________________________________

المبتدئ ليس من الأمور المعدودة من أركان العقد كعدد الإصابة فيكتفى فيه بالقرعة.

وينبغي أن يقيد قول المصنف : ( ثم لا ينسحب في كمال الرشق ) بما إذا أخرجت القرعة المبتدئ في كل رشق وإلاّ اتجه الانسحاب. وقد ذكره المصنف في التذكرة احتمالا ، بل ذكر احتمالين إذا أخلاّ بتعيين المبتدئ : أحدهما البطلان ، والآخر الاكتفاء بالقرعة ، ولم يرجح واحدا منهما (١).

قوله : ( ولا ذكر المبادرة ولا المحاطة ).

أي : لا يشترط في صحة العقد أن يذكر كون الإصابة مبادرة أو محاطة ، وقد سبق تفسيرهما عملا بأصالة عدم الاشتراط وانتفاء الدليل الدال عليه ، ولا جهالة ، لأن الإطلاق منزّل على أحدهما ، وهذا أحد القولين.

والآخر اشتراط تعيين أحدهما حذرا من التنازع والتجاذب ، فإن الأغراض تختلف باعتبارهما اختلافا ظاهرا ، فإنه ربما كان الرامي باعتبار المبادرة ناضلا ثم يصير بمقتضى المحاطة منضولا وبالعكس ، والأصح الأول ، فحينئذ ينزّل إطلاق العقد على المحاطة أم المبادرة؟

قيل بالثاني ، لأن المتبادر من اشتراط السبق لمن أصاب عددا معيّنا استحقاقه إياه متى ثبت له ذلك الوصف ، ولأن الغالب في المناضلة هو المبادرة.

وقيل بالأول ، وهو الأصح ، لأن اشتراط السبق إنما يكون بأصالة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد ، وذلك يقتضي ، إكمال العدد كله لتكون الإصابة المعيّنة منه ، فإنهما إذا عقدا على أن من أصاب خمسة من عشرين كان له كذا كان مقتضاه رمي كل منهما عشرين وإلاّ لم يتحقق كون الخمسة التي حصلت الإصابة بها من العشرين ، وذلك هو معنى المحاطة ، إذ المراد بها : خلوص إصابة الخمسة من رمي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٦٣.

٣٦٠