جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

ولو ادعى إحالة الغائب عليه فصدقه أحتمل قويا وجوب الدفع إليه ، وعدمه ، لأن الدفع غير مبرئ ، لاحتمال إنكار المحيل.

______________________________________________________

من بيده المال بالموت كاف (١) ، وإطلاق العبارة هنا يشعر بذلك. ويشكل إذا كان المال عينا بأنه إقرار في حق الغير ، فكيف يتصور نفوذه بحيث يلزمه الحاكم بالتسليم ، ولا خفاء في بعد ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنه إنما توجّهت اليمين على نفي العلم على من بيده المال حينئذ للحكم بانتقال المال إلى الوارث حينئذ في الجملة ، فإذا اتفقا على أن لا وارث سوى المدعي لم يكن ذلك إقرارا في حق الغير لانتفاء العلم بانتقاله إلى غيره ليكون إقرارا في حقه ، فمع الإنكار يتوجه عليه اليمين.

ومثله ما لو ثبت أن زيدا باع مالا له في يد الغير ، فادعى عمرو أنه المشتري ، وادعى العلم على من بيده المال ، فان صدّقه أمر بالتسليم ، وإلاّ حلف على نفي العلم.

ومن هذا يعلم وجه قوله : ( وإن صدّقه على أن لا وارث سواه لزمه الدفع ) ، أما لو صدّقه على أنه وارث في الجملة لم يجز دفع شي‌ء إليه ، لامتناع تسلطه على القسمة ، نعم له أن يبيع استحقاقه عليه وعلى غيره.

قوله : ( ولو ادعى إحالة الغائب عليه فصدّقه احتمل قويا وجوب الدفع إليه وعدمه ، لأن الدفع غير مبرئ لاحتمال إنكار المحيل ).

وجه الأول : اتفاقهما على أن كذا في ذمة المصدّق للمدعي ، لأن الحوالة ناقلة ، وما ذكره المصنف وجها للاحتمال الثاني ضعيف ، لأن منع المستحق من حقه لو جاز لاحتمال الإنكار الذي يصيّر الدفع غير مبرئ ، لمنع المستحق مطلقا ، لبقاء الاحتمال مع الإشهاد. وإنما يمنع المستحق ليشهد على نفسه فقط ، والأصح وجوب الدفع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٩.

٣٠١

ولو قال الغريم للوكيل : لا تستحق المطالبة لم يلتفت إليه ، لأنه تكذيب لبينة الوكالة على اشكال.

ولو قال : عزلك الموكل حلف الوكيل على نفي العلم إن ادعاه ، وإلاّ فلا ، وكذا لو ادعى الإبراء أو القضاء.

ب : أن يختلفا في صفة التوكيل ، بأن يدّعي الوكالة في بيع العبد ، أو البيع بألف ، أو نسيئة ، أو في شراء عبد ، أو بعشرة فقال الموكل : بل في بيع الجارية ، أو بألفين ، أو نقد ، أو في شراء جارية ، أو بخمسة قدم قول الموكل‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال الغريم للوكيل : لا تستحق المطالبة لم يلتفت إليه ، لأنه تكذيب لبينة الوكالة على اشكال ).

ينشأ : من أن عدم استحقاق المطالبة قد لا يكون لكذب البينة ، لإمكان طروء العزل أو الإبراء عن الحق ، أو الأداء إلى الموكل ، أو إلى وكيل آخر ، وغير ذلك فتسمع دعواه.

ومن أن مقتضى إقامة البينة استحقاق المطالبة ، فنفيه ذلك ، رد لمقتضاها فلا يلتفت إليه.

والتحقيق : أن هذا القول قدر مشترك بين تكذيب البينة وبين الدعوى الشرعية فلا يلتفت إليه ، لاشتراكه بين ما يسمع وغيره ، ولأنه لا يعد دعوى شرعية فلا يستحق الجواب ، كما لو ادعى أن هذه ابنة أمتي حتى يأتي بما يكون دعوى ، كما أشار إليه المصنف بقوله : ( ولو قال : عزلك الموكل حلف الوكيل على نفي العلم إن ادّعاه وإلاّ فلا ، وكذا لو ادعى الإبراء أو القضاء ).

قوله : ( أن يختلفا في صفة التوكيل بان يدعي الوكالة في بيع العبد ، أو البيع بألف أو نسيئة ، أو في شراء عبد ، أو بعشرة فقال الموكل : بل في بيع الجارية ، أو بألفين ، أو نقدا ، أو في شراء جارية ، أو بخمسة قدّم قول الموكل‌

٣٠٢

مع اليمين.

ولو ادعى الإذن في شراء الجارية بألفين ، فقال : بل أذنت في شراء غيرها ، أو فيها بألف وحلف ، فإن كان الشراء بالعين بطل العقد إن اعترف البائع أنّ الشراء لغيره أو بمال غيره ،

______________________________________________________

مع اليمين ).

لا يخفى أن توجه اليمين في هذه الدعوى إنما يكون إذا وقعت بعد التصرف ، لأنها قبله تندفع بمجرد الإنكار.

ووجه تقديم قول الموكل بيمينه : أن الموكل منكر ، لأن الأصل عدم صدور التوكيل الذي يدعيه الوكيل ، ولأن ذلك فعل الموكل وهو أعرف بحاله ومقاصده الصادرة عنه.

فإن قيل : الموكل يدّعي على الوكيل الخيانة بتصرفه على خلاف ما أمره ، فيجب أن يقدّم قوله باليمين ، لأمانته ، والأصل عدم الخيانة.

قلنا : هذا إنما يتّجه إذا اتفقا على الوكالة ، وذلك منتف هنا ، لأن اختلافهما في صفة التوكيل يفضي إلى الاختلاف في أصل التوكيل ، فلا تكون وكالته عنه محققة الحصول ، فلا وجه لتقديم قوله حينئذ.

قوله : ( ولو ادّعى الاذن في شراء الجارية بألفين ، فقال : بل أذنت في شراء غيرها ، أو فيها بألف وحلف ، فان كان الشراء بالعين بطل العقد إن اعترف البائع أن الشراء لغيره أو بمال غيره ).

هذه من جملة المسائل التي سبق بيان حكمها ، وأن قول الموكل بيمينه مقدّم فيها ، وإنما أعادها لبيان ما يتفرع عليها من المسائل ويلحقها من الأحكام.

وحاصلها : أنه إذا وقع الاختلاف المذكور وحلف الموكل نظر : فإما أن يكون الشراء للجارية بعين مال الموكل ، أو في الذمة ، والثاني سيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى ،

٣٠٣

وإلاّ حلف على نفي العلم إن ادعاه الوكيل عليه فيغرم الوكيل الثمن للموكل ، ولا تحل له الجارية ، لأنها مع الصدق للموكل ، ومع الكذب للبائع فيشتريها ممن هي له في الباطن.

فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأمر صاحبها ببيعها برفق ، وليس له جبره عليه ،

______________________________________________________

وأما الأول فحكمه بطلان العقد ظاهرا إن اعترف البائع أن الشراء لغير الوكيل ، أو بمال غيره يعني الموكل ، وكذا لو قامت البيّنة على ذلك ، لأنها تفيد ما يفيده إقرار المدعى عليه.

وإنما قلنا : إن العقد يبطل ظاهرا ، لأن التوكيل في ذلك انتفى بيمين الموكل فكان العقد فضوليا ، وقد انفسخ برده إياه المستفاد من إنكار التوكيل والحلف على عدمه ، لامتناع الرضى به مع الاقدام على اليمين عادة ، وأما بطلانه باطنا فهو دائر مع كذب الوكيل في دعواه وعدمه.

قوله : ( وإلاّ حلف على نفي العلم إن ادعاه الوكيل عليه ).

أي : وإن لم يعترف البائع بواحد من الأمرين ـ ولا بد من التقييد بأنه لم يقم على ذلك بيّنة ـ حلف البائع على نفي العلم بشي‌ء من الأمرين إن ادعى عليه الوكيل العلم بواحد منهما لا بدونه.

قوله : ( فيغرم الوكيل الثمن للموكل ، ولا تحل له الجارية ، لأنها مع الصدق للموكل ، ومع الكذب للبائع فيشتريها ممن هي له في الباطن ، فان امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليأمر صاحبها ببيعها برفق ، وليس له جبره عليه ).

أي : إذا حلف البائع ـ إن ادعى عليه الوكيل العلم ـ بعد حلف الموكل لم يبطل العقد ، بل يقع للوكيل ظاهرا ، فيغرم الثمن للموكل ، لأن الفرض أنه اشترى‌

٣٠٤

فإن قال : إن كانت الجارية لي فقد بعتكها ، أو قال الموكل : إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها فالأقرب الصحة ، لأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا.

وكذا كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع ولا وقوفه.

______________________________________________________

بعين ماله.

ولا تحل له الجارية قطعا ، لأنه إن كان صادقا في دعوى الوكالة فهي للموكل ، وإن كان كاذبا فهي للبائع ، لأنه اشتراها بعين مال الموكل فضولا ، وقد رد الموكل الشراء فانفسخ. ولكن طريق حلها له : أن يشتريها ممن هي له في الباطن ، فإنه يعلمه فليحتل في ذلك بنفسه وغيره.

فإن امتنع من هي له من البيع رفع الأمر إلى الحاكم ، لأنه المرجع ، ولقوله تأثير في النفوس فيأمر من أخبره الوكيل بأنه صاحبها ببيعها منه برفق ، ولا يجوز إجباره على ذلك ، لانتفاء الملك عنه ظاهرا ، وعلى انه لا يجب بيع مال شخص على آخر بغير سبب يقتضيه.

قوله : ( فإن قال : إن كانت الجارية لي فقد بعتكها ، أو قال الموكل : إن كنت أذنت لك في شرائها بألفين فقد بعتكها فالأقرب الصحة ، لأنه أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا ، وكذا كل شرط علما وجوده فإنه لا يوجب شكا في البيع ولا وقوفه ).

أي : فان قال من هي له في الباطن ، وما قربه المصنف قريب ، لأن التعليق إنما ينافي الإنشاء في العقود والإيقاعات حيث يكون المعلق عليه مجهول الحصول ، أما مع العلم بوجوده فلا ، لانتفاء الشك حينئذ في الإنشاء.

ولا ريب أن بيع الجارية إنما يتصور إذا كانت ملكا للبائع ، فهذا شرط بحسب الواقع ذكره أو لم يذكره. فإذا ذكره فقد صرح بالواقع. ويحتمل ضعيفا عدم الصحة ،

٣٠٥

وإن اشترى في الذمة صح الشراء له ، فان كان صادقا توصل إلى شرائها من الموكل ، فإن امتنع أذن الحاكم في بيعها أو بعضها وتوفية حقه من ثمنها.

______________________________________________________

نظرا إلى صورة التعليق ، ولأنه اعترف بانتفاء الشرط فيكون البيع باطلا بزعمه ، وضعفه ظاهر ، إذ المطلوب حصول البيع باطنا بحسب الواقع لا بزعمه.

لكن هنا مناقشة ، وذلك أن قوله : ( يعلمان وجوده ) يستقيم بالنسبة إلى الوكيل والموكل ، أما بالنسبة إلى البائع فلا ، لأنه ربما لم يعلم الحال على حسب الواقع ، إلاّ أن يقال : يكفيه للعلم بوقوع الشرط وصحة العقد قول الوكيل وإن لم ينفذ ذلك في حقه ، ولهذا يحكم بصحة النكاح بمجرد دعوى الوكالة عن الغير مع جهل العاقد الآخر بها ، وكذا سائر العقود.

قوله : ( وإن اشترى في الذمة صح الشراء له ، فإن كان صادقا توصل إلى شرائها من الموكل ، فان امتنع أذن الحاكم في بيعها ، أو بعضها وتوفية حقه من ثمنها ).

هذا هو القسم الثاني ، وهو كون شراء الوكيل للجارية لا بعين مال الموكل بل في ذمته ، وحكمه وقوع الشراء له ظاهرا إن لم يثبت أنه أضاف الشراء إلى الموكل.

ثم أنه لا يخلو : إما أن يكون صادقا في دعوى التوكيل ووقوع الشراء للموكل ، أو لا ، فإن كان صادقا توصّل الى شراء الجارية من الموكل بأي طريق أمكنه ، فإن امتنع قال المصنف : أذن الحاكم في بيعها أو بيع بعضها وتوفية الثمن.

ويشكل بأن الحاكم لا يعلم صدق الوكيل ، وقد لزمه البيع ظاهرا فكيف يأمر بخلاف ما يعلم؟.

ويجاب بأنه لا محذور في هذا الإذن بالنسبة إليه ، لأنها إن كانت للوكيل فلا‌

٣٠٦

______________________________________________________

حرج ، وإن كانت لغيره ، وقد امتنع من أخذها ورد مال الوكيل إليه تسلط الحاكم على الإذن في البيع فيصادف محلا على هذا التقدير.

وهذا صحيح في نفسه ، إلا انه ينبغي أن لا يتعين على الوكيل استئذان الحاكم ، بل يستقل هو بالبيع واستيفاء الثمن ، كما في المديون المماطل إذا ظفر صاحب الدين له بشي‌ء يخالف جنس دينه مع العجز عن الإثبات عند الحاكم ، وقد صرح المصنف بهذا في التذكرة (١) ، إلاّ أن الأول أولى.

والفرق بين ما هنا وبين مسألة المديون : أنه متى أقر صاحب الدين بمال المديون لم يأمن أن يعلم به المديون فيطالب به فينتزعه الحاكم ويسلّمه اليه ، وهذا المحذور منتف هنا. وقريب منه قوله : ( ولو اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز ).

وقد أورد عليه أن الحاكم إن ثبت عنده دعوى الوكيل فلا شراء بل يلزم بها الموكل ، وإلاّ فالثابت كونها للوكيل ظاهرا فكيف يبيعه إياها؟ وأجيب عنه بالحمل على أن المراد أنه إذا طلب الحاكم من الموكل البيع فامتنع تولّى الحاكم البيع ، فان كان الوكيل صادقا فللحاكم ولاية على الممتنع في مثل ذلك وإن كان كاذبا لغت الصيغة ، لأن الملك للوكيل.

واعلم أنه متى كان الوكيل مخالفا للموكل بحسب الواقع واشترى في الذمة ، وأضاف الشراء إلى الموكل ، أو نواه ولم يرض الموكل بطل العقد ، وتبقى الجارية على ملك البائع وإن كان الشراء ظاهرا للوكيل حيث لا يثبت أنه أضاف الشراء للموكل في العقد ، وقد صرّح المصنف في التذكرة بالبطلان إن سمى الموكل أو نواه (٢) ، وإن لم يتعرض اليه هنا.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٥.

(٢) التذكرة ٢ : ١٢٧.

٣٠٧

ولو اشتراها الوكيل من الحاكم بماله على الموكل جاز.

ولو ادعى الإذن في البيع نسيئة قدّم قول الموكل مع يمينه ويأخذ العين ، فان تلفت في يد المشتري رجع على من شاء بالقيمة ، فإن رجع على المشتري رجع على الوكيل بما أخذ منه من الثمن ، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ، بل عند الأجل بأقل الأمرين من الثمن والقيمة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى الاذن في البيع نسيئة قدّم قول الموكل مع يمينه ويأخذ العين ، فان تلفت في يد المشتري رجع على من شاء بالقيمة ، فإن رجع على المشتري رجع على الوكيل بما أخذ منه من الثمن ، وإن رجع على الوكيل لم يكن للوكيل أن يرجع في الحال ، بل عند الأجل بأقل الأمرين من الثمن والقيمة ).

من صور الاختلاف في صفة الوكالة : ما إذا ادعى الوكيل الاذن في بيع مال الموكل نسيئة ـ وقد باعها كذلك ـ وأنكر الموكل فالقول قول الموكل بيمينه.

ثم المشتري إما أن ينكر الوكالة ، أو يعترف بها. فإن أنكرها وقال : إن البائع إنما باع ملكه احتاج الموكل إلى البينة ، ومع عدمها فالقول قول المشتري بيمينه أنه لا يعلم بالوكالة ـ لأنها يمين على نفي فعل الغير ، فان حلف أقرّت في يده ، ويرجع على الوكيل بالقيمة ، لتعذر استرداد العين ، وإن نكل ردت اليمين على الموكل.

فإذا حلف على ثبوت الوكالة حكم ببطلان البيع ، وإن نكل فهو كما لو حلف المشتري.

ونكول الموكل عن يمين الرد في خصومة المشتري لا يمنعه من الحلف على الوكيل ، فإذا حلف عليه فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع أو مثلة ، والوكيل لا يطالب المشتري بشي‌ء حتى يحل الأجل مؤاخذة له بموجب تصرفه ، فإذا حل نظر فإن رجع‌

٣٠٨

______________________________________________________

عن قوله الأول وصدق الموكل فلا يأخذ من المشتري إلاّ أقل الأمرين من الثمن والقيمة ، لأنه إن كان الثمن أقل فهو موجب عقده وتصرفه فلا يقبل رجوعه فيما يلزم زيادة على الغير.

وإن كانت القيمة أقل فهي التي غرمها فلا يرجع بزيادة عليها ، لاعترافه آخرا بفساد العقد ، وإن لم يرجع بل أصرّ على قوله الأول طالب بالثمن كله. فان كان بقدر القيمة أو أقل فلا بحث ، وإن زاد فالزيادة للموكل بزعمه وهو ينكرها فيحفظها أو يدفعها إلى الحاكم ، كل محتمل ، والثاني أوضح دليلا. ولو توصّل إلى إيصالها إلى الموكل بصورة هدية ونحوها لكان طريقا إلى البراءة ، وحينئذ فيجب مع إمكانه تقديمه على التسليم إلى الحاكم.

فإن قيل : إذا أنكر الموكل التوكيل في البيع نسيئة كان ذلك عزلا للوكيل على رأي ، فكيف يملك الوكيل بعده استيفاء الثمن؟.

أجيب بأن الموكل قد ظلمه بزعمه بتغريمه ، وقد ظفر بجنس حقه من ماله فيجوز أخذه ، بل لو كان من غير الجنس جاز أيضا. ولا يتخرج على القولين في الظفر بغير جنس الحق في غير هذه الصورة ، لأن المالك ثم يدعيه لنفسه ويمنع الغير عنه ، بخلاف الموكل فأولى مصارفه التسليم إلى الوكيل الغارم ، كذا قيل ، وهذا يتم فيما عدا الزيادة.

وقيل : إن الجواب لا يكون دافعا للسؤال ، لأن الجواب حينئذ راجع إلى أن الأخذ ما يشاء من الوكالة.

وجوابه : إن السؤال حاصله هكذا : قد عزل فكيف استحق الأخذ؟.

وجوابه حينئذ ما ذكر هذا حكم ما إذا أنكر الوكالة ، وأما إذا اعترف بها فإما أن يصدّق الموكل فالبيع باطل وعليه رد المبيع مع بقائه ، ومع تلفه يتخيّر المالك في تغريم كل من الوكيل والمشتري ، لعدوان الوكيل بالتسليم والمشتري بالأخذ ، وقرار الضمان‌

٣٠٩

______________________________________________________

على المشتري ، لحصول الهلاك في يده.

نعم يرجع بالثمن الذي دفعه مع بقائه ، لفساد البيع ، وإن صدّق الوكيل قدّم قول الموكل بيمينه ، لأنه منكر ، فإذا حلف أخذ العين ، ومع تلفها رجع بالقيمة على من شاء منهما.

فإن رجع على المشتري رجع على الوكيل بالثمن ، إذ لا حق له فيه ، وإن رجع على الوكيل قبل الأجل رجع به بعد الحلول على المشتري لا قبله ، وحكم زيادته على القيمة لو كانت ما تقدم. وإن نكل حلف المشتري لتصديقه الوكيل وبقيت له ، ثم تكون الخصومة بين الوكيل والموكل ، فان حلف الوكيل اندفع عنه الغرم ، وإلاّ فلا.

إذا عرفت ذلك فأرجع إلى عبارة الكتاب ، وأعلم أن قول المصنف : ( قدم قول الموكل مع يمينه ). إنما هو بالنسبة إلى الوكيل ، أما بالنسبة إلى المشتري فإنما يقدّم قوله إذا اعترف المشتري بالوكالة ، أو يثبت ذلك بالبينة كما سبق أول البحث.

وقوله : ( فإن رجع على المشتري بالقيمة رجع على الوكيل بما أخذ منه من الثمن ) إنما يستقيم إذا ثبت أصل التوكيل ، وحلف الموكل على نفي ما يدعيه الوكيل ، إلاّ أنه إذا رجع الموكل بالقيمة على المشتري رجع على الوكيل بأكثر الأمرين من القيمة والثمن إذا كان جاهلا بالمخالفة.

أما إذا كان الثمن أكثر فظاهر ، لفساد البيع ، وأما إذا كانت القيمة أكثر ، فلأن المغرور يرجع على من غرّه مع احتمال عدم الرجوع بالزيادة ، لأن التلف في يده وقد قبض العين مضمونة ، وقد سبق في البيع أن في الرجوع بالزيادة إشكال.

وقوله : ( وان رجع على الوكيل لم يكن للوكيل ان يرجع في الحال بل عند الأجل بأقل الأمرين ) إنما يستقيم إذا لم تثبت الوكالة بالنسبة إلى المشتري ، لكن نكل الموكل عن اليمين على عدم الاذن في النسيئة ، فحلف المشتري ثم رجع الوكيل إلى تصديق الموكل ، وبدون ذلك يرجع بالثمن كله ، ويسلم الزيادة إلى الحاكم أو‌

٣١٠

______________________________________________________

يحفظها ، ويتوصل إلى إيصالها إلى الموكل بأي طريق أمكن. وهذا إنما هو إذا كان وكيلا في القبض ولم يقل : إنّ الإنكار يوجب العزل ، فلو لم يكن وكيلا فيه.

كما يمكن حمل عبارة الكتاب عليه ، لإطلاقها ، أو كان وكيلا وقلنا ينعزل بالإنكار ، فإنما يرجع بأقل الأمرين مع الرجوع عليه خصوصا على القول بأن الإنكار لا يقتضي العزل ، وهنا مباحث :

الأول : ظاهر إطلاق قولهم : إنّ الموكل إذا حلف على عدم الاذن في النسيئة استرد العين ، الاكتفاء باليمين الواقعة بتحليف الوكيل إذا اعترف المشتري بأصل التوكيل. ويشكل ذلك بأن أثر اليمين إنما هو بالنسبة إلى المتخاصمين ، إلاّ أن يقال : اليمين على نفي التوكيل في ذلك التصرف يقتضي رفع ذلك التصرف فينبغي تأمل ذلك.

الثاني : وقع في عبارة التذكرة (١) وغيرها (٢) مثل ما ذكرناه في آخر البحث ، من أنه إذا نكل الموكل عن الحلف لنفي الاذن في النسيئة ، وقد صدّق المشتري الوكيل حلف المشتري. والمراد حلفه على ان الموكل أذن في ذلك ، فلو نكل عن اليمين المردودة ونكل الوكيل فلا تصريح في كلامهم بحكم ذلك ، وينبغي أن يكون كما لو حلف الموكل.

الثالث : لو ادعى الموكل على المشتري العلم ، ونكل عن اليمين على نفيه مع الإنكار فردت على البائع فنكل ففي الحكم تردد.

الرابع : لم يذكر في التذكرة حكم ما إذا اعترف البائع بالوكالة ، ولم يصدّق واحدا منهما بأن قال : لا أعلم الحال. وحكمه أنه إذا حلف الموكل استرد العين ، ومع‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٦.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٣٦.

٣١١

ولو ادعى الإذن في البيع بألف ، فقال : إنما أذنت بألفين حلف الموكل ثم يستعيد العين ، ومع التلف المثل أو القيمة على من شاء ، فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدقه ، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه.

______________________________________________________

تلفها : إن رجع على البائع ينبغي أن يرجع على الوكيل بأكثر الأمرين ، وإن رجع على الوكيل رجع بعد الحلول بأقل الأمرين إن رجع إلى تصديق الموكل ، وإلاّ فبالثمن ، وحكم الزيادة على القيمة في يده ما سبق في الأول.

قوله : ( ولو ادعى الاذن في البيع بألف فقال : إنما أذنت بألفين حلف الموكل ثم استعيد العين ، ومع التلف المثل أو القيمة على من شاء ، فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدّقه ، وإن رجع على الوكيل رجع الوكيل عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه ).

الحكم في هذه كالحكم في المسألة السابقة بغير تفاوت ، وقول المصنف : ( حلف الموكل ثم استعيد العين ... ) إنما يستقيم بعد ثبوت أصل التوكيل مع حلفه على نفي ما يدعيه الوكيل.

( واعلم أن إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون قد ادعى حصول الرد أو التلف قبل الجحود أو بعده ، وقد حكي عن أكثر الشافعية سماع بينته لو ادعى الرد بعد الجحود ، بان غايته أن يكون بالجحود عاصيا ، فإذا رجع إلى الاعتراف ، أو قامت عليه البينة فادعى الرد بعد الجحود لم يكن مكذبا.

واختار المصنف هذا الفرق في الإرشاد ، وقرّب في التحرير عدم القبول من غير تفصيل. والذي سبق في عبارة هذا الكتاب في الضمان من الوكالة يدل بمفهومه على صحة هذا التفصيل ، والقول به لا يخلو من قوة ، لأن التنافي بين الكلامين السابقين ، أما اللاحق فلا ، وإلاّ لزم أنه لو اعترف بالقبض ثم ادعى تجدد التلف لا‌

٣١٢

ج : أن يختلفا في التصرف ، كان يقول : تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق ، فيقول الموكل : لم تتصرف بعد فالأقرب تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين وقادر على الإنشاء والتصرف اليه.

ويحتمل تقديم قول الموكل ، للأصل الدال على عدم إلزام الموكل بإقرار غيره.

______________________________________________________

تسمع دعواه ، وهو باطل ) (١).

وقوله : ( فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل إن صدّقه ) ليس بجيد ، لأنه مع تصديقه إياه لا يستحق الوكيل الثمن المدفوع اليه والموكل لا يدعيه ، وقد أغرم المشتري عوض العين فلا مصرف أولى به من هذا.

نعم لو كان فيه زيادة عن القيمة اتجه أن لا يرجع بها.

وقوله : ( وإن رجع على الوكيل رجع عليه بأقل الأمرين من ثمنه وما اغترمه ).

لا يخفى أن ذلك إنما هو إذا لم يثبت أصل التوكيل ورجع الوكيل الى تصديق الموكل ، فليتأمل ذلك.

قوله : ( الثالث : أن يختلفا في التصرف ، كأن يقول : تصرفت كما أذنت من بيع أو عتق فيقول الموكل : لم تتصرف بعد فالأقرب تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين وقادر على الإنشاء والتصرف إليه. ويحتمل تقديم قول الموكل ، للأصل الدال على عدم إلزام الموكل بإقرار غيره ).

جزم المصنف في التذكرة بأن هذا النزاع بعد عزل الوكيل ، فالقول قول الموكل بيمينه ، واستقرب كون النزاع قبل العزل مثله (٢) ، وتردد في التحرير (٣).

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ه‍ ».

(٢) التذكرة ٢ : ١٣٧.

(٣) التحرير ١ : ٢٣٦.

٣١٣

ولو قال : اشتريت لنفسي أو لك قدم قوله مع اليمين.

ولو قال : اشتريت بمائة ، فقال الموكل : بخمسين احتمل تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين ، والموكل ، لأنه غارم ، والوكيل إن كان الشراء بالعين ، لأنه الغارم لما زاد على الخمسين ، والموكل إن كان الشراء في الذمة ، لأنه الغارم.

______________________________________________________

وحاصل الوجهين يرجع إلى أن الأصل عدم التصرف ، والأصل بقاء الملك على مالكه فيقدّم قول الموكل ، وأن الاختلاف في فعل الوكيل وهو أعلم به.

والظاهر من كون التصرف إليه وقدرته على الإنشاء إيقاع الفعل ، لانتفاء المقتضي للتأخير فيقدّم قول الوكيل ، وهو قول الشيخ (١). ويؤيد هذا أنه لولاه لحصل الضرر ، فإنه ربما كان صادقا وتعذر إقامة البينة ، ولم يتمكن من انتزاعه ممن اشتراه فتكليفه بذلك ضرر بيّن.

ولا يخفى أن تقديم قول الموكل أمتن دليلا ، وتقديم قول الوكيل أنسب بكونه أمينا ومتصرفا لغيره ، فللتوقف مجال ، وإن كان لتقديم قول الوكيل وجه لئلا يلزم الإضرار به ، ولأنّه محسن فيجب أن ينتفي عنه السبيل.

قوله : ( ولو قال : اشتريت لنفسي أو لك قدّم قوله مع اليمين ).

لأن ذلك راجع إلى قصده ، ولا يعلم إلاّ من قبله.

قوله : ( ولو قال : اشتريت بمائة ، فقال الموكل : بخمسين احتمل تقديم قول الوكيل لأنه أمين ، والموكل لأنه غارم ، والوكيل إن كان الشراء بالعين لأنه الغارم لما زاد على الخمسين ، والموكل إن كان الشراء في الذمة لأنه الغارم ).

أي : إذا وقع الاختلاف بين الوكيل والموكل في الثمن الذي وقع الشراء به فقال الوكيل : اشتريت بمائة ، وقال الموكل : بل بخمسين ، والحال أن المبيع يساوي مائة‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٧٣.

٣١٤

______________________________________________________

كما ذكره في التحرير (١) ، وإلاّ لم يكن الشراء صحيحا ـ ففيه احتمالات ثلاثة :

تقديم قول الوكيل ، لأنه أمين ، ولأن الاختلاف في فعله ، ولأنه ربما كان صادقا وتعذر عليه إقامة البينة فيلزم إضراره بالغرم ، ولأنه محسن بتصرفه للموكل وما على المحسنين من سبيل ، ولأن الظاهر أن الشي‌ء انما يشترى بقيمته.

وتقديم قول الموكل ، لأن الأصل عدم الزائد ، ولأن ذلك إثبات حق للبائع على الموكل.

والتفصيل بأنه إن كان الشراء بالعين ـ أي بعين مال الموكل ـ قدم قول الوكيل ، لأن الموكل حينئذ يطالبه برد ما زاد على الخمسين ، والأصول تقتضي تقديم قول الغارم ، وان كان في الذمة قدم قول الموكل ، لأن الوكيل يطالبه بالزائد فهو الغارم ، وهذا التفصيل مذهب أبي حنيفة (٢).

وقد رده المصنف في التذكرة بإبطال الفرق المذكور ، من حيث ان الغارم في الموضعين هو الموكل ، لأن الوكيل إما أن يطالبه بالثمن ، أو يؤديه من مال الموكل الذي في يده (٣).

ويدل على ضعف الاحتمال الثاني أنه وإن كان الأصل عدم الزائد وعدم ثبوت حق آخر للبائع على الموكل ، إلاّ أن الأصل عدم استحقاق الغير العين بالثمن الأقل. والظاهر عدم شراء ما يساوي مائة بخمسين ، فحينئذ الاحتمال الأول أقوى ، وهو مختار الشيخ في المبسوط (٤) ، والثاني مختار نجم الدين بن سعيد (٥).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٣٦.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ٢٢٢.

(٣) التذكرة ٢ : ١٤٠.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٩٢.

(٥) شرائع الإسلام ٢ : ٢٠٦.

٣١٥

د : أن يختلفا في الرد ، فلو ادعى الوكيل رد العين أو رد ثمنها قدّم قول الموكل على رأي ، وقول الوكيل إن كان بغير جعل على رأي.

ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ببينة ، أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم تسمع بينته.

______________________________________________________

قوله : ( الرابع : أن يختلفا في الرد ، فلو ادعى الوكيل رد العين أو رد ثمنها قدم قول الموكل على رأي ، وقول الوكيل إن كان بغير جعل على رأي ).

الأول قول ابن إدريس (١) ، وابن سعيد في الشرائع (٢) ، عملا بعموم : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (٣) ، فإن الأصل عدم الرد.

والثاني قول الشيخ في المبسوط (٤) ، وابن البراج (٥) ، واختاره الشيخ نجم الدين في النافع (٦) ، وهو الأصح ، لأن الوكيل أمين ، وقد قبض المال لمحض مصلحة الموكل كالمستودع فهو محسن ، ولأنه ربما ادى عدم قبول قوله إلاّ بالبينة إلى الاعراض عن قبول الوكالة ، وذلك ضرر لما في التوكيل من الرفق العظيم.

قوله : ( ولو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت ببينة أو اعتراف فادعى الرد أو التلف لم تسمع بينته ).

لأنه قد أكذبها بإنكار القبض أولا ، ولو ادعى على الموكل العلم بصحة دعوى التلف فهل له إحلافه؟ سبق في الوديعة مثله ، ويجي‌ء على ما سبق في المطلب‌

__________________

(١) السرائر : ١٧٨.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٢٠٣.

(٣) مستدرك الوسائل ٣ : ١٩٨ ، عوالي اللآلي ١ : ٤٥٣ حديث ١٨٨.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٧٢.

(٥) جواهر الفقه ( المطبوع ضمن الجوامع الفقهية ) : ٤٢٥.

(٦) المختصر النافع : ١٥٥.

٣١٦

ويقبل قول الوصي في الإنفاق بالمعروف ، لا في تسليم المال الى الموصى له ، وكذا الأب والجد له والحاكم وأمينه لو أنكر الصبي بعد رشده التسليم إليه ، والشريك والمضارب ومن حصلت في يده ضالة.

______________________________________________________

الرابع في الضمان أنه لو أظهر تأويلا كاستناده في الإنكار إلى نسيان ونحوه سمعت.

وأعلم أن إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين أن يكون قد ادعى حصول الرد أو التلف قبل الجحود أو بعده ، وقد حكي عن أكثر الشافعية سماع بينته لو ادعى الرد بعد الجحود ، لأن غايته ان يكون بالجحود غاصبا ، فإذا رجع الى الاعتراف ، أو قامت عليه البينة فادعى الرد بعد الجحود لم يكن مكذبا لبينته (١). واختار المصنف هذا الفرق في الإرشاد ، وقرب في التحرير عدم القبول من غير تفصيل (٢).

والذي سبق في عبارة هذا الكتاب في الضمان من الوكالة يدل بمفهومه على صحة هذا التفصيل ، والقول به لا يخلو من قوة ، لأن التنافي بين الكلامين السابقين ، أما اللاحق فلا ، وإلاّ لزم أنه لو اعترف بالقبض ثم ادعى تجدد التلف لا تسمع دعواه ، وهو باطل.

قوله : ( ويقبل قول الوصي في الإنفاق بالمعروف ، لا في تسليم المال الى الموصى له ، وكذا الأب والجد له ، والحاكم وأمينه لو أنكر الصبي بعد رشده التسليم اليه ، والشريك ، والمضارب ، ومن حصل في يده ضالة ).

أما قبول قوله في الإنفاق بالمعروف ـ أي : الإنفاق المأمور به شرعا الخالي من الإسراف ـ فلأنه أمين يساعده ظاهر الحال على ذلك ، فإن الطفل لا بد له من إنفاق بحسب العادة ، فإذا اختلف الوصي والطفل بعد كماله في قدر الإنفاق قدم قول الوصي بيمينه فيما لا يتضمن إسرافا عملا بالظاهر ، ولأن الإنفاق تتعذر إقامة البينة‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٤ : ١٦٧ ، الوجيز ١ : ١٩٤.

(٢) التحرير ١ : ٢٣٦.

٣١٧

هـ : أن يختلفا في التلف ، فلو ادعى الوكيل تلف المال أو تلف الثمن الذي قبضه ، فكذّبه الموكل قدّم قول الوكيل مع اليمين ، وكذا الأب والجد والحاكم وأمينه ، وكل من في يده أمانة.

ولا فرق بين السبب الظاهر والخفي.

______________________________________________________

عليه ، فلو لم يقبل فيه يمين المنفق لأدى ذلك الى ضياع مصلحة الطفل.

أما إذا ادعى تسليم المال فإنه يكلّف البينة ، لعموم الخبر (١) ، ولا شعار قوله تعالى ( فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) (٢) بذلك ، ولأنه لم يأتمنه على ذلك فيكلّف تصديقه.

وكذا القول في كل ولي ـ وهو الأب ، والجد له ، والحاكم ، وأمينه ، ووكيل أحدهم ، والمجنون والسفيه بعد الكمال كالصبي ـ ، والقول في الشريك بالنسبة إلى الإنفاق بالمعروف والرد ، وعامل المضاربة ومن حصل في يده ضالة كالوصي فيما قلناه.

قوله : ( الخامس : ان يختلفا في التلف ، فلو ادعى الوكيل تلف المال ، أو تلف الثمن الذي قبضه ، وكذّبه الموكل قدّم قول الوكيل مع اليمين ، وكذا الأب والجد والحاكم ، وكل من في يده أمانة ، ولا فرق بين السبب الظاهر والخفي ).

إنما قدّم قول كل واحد ممن ذكر في دعوى التلف ، لأنه أمين قبض المال لمصلحة غيره ، وربّما كان صادقا في دعواه ، وتعذر عليه إقامة البينة فأفضى الحال الى الغرم ، الموجب لامتناع الناس من الدخول في الأمانات مع شدة الحاجة إليها ، وفرّق بعض العامة بين التلف بأمر ظاهر فأوجب إقامة البينة عليه دون الخفي (٣).

__________________

(١) إشارة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر ».

(٢) النساء : ٦.

(٣) المجموع ١٤ : ١٦٦.

٣١٨

ولو قال بعد تسليم المبيع : قبضت الثمن وتلف في يدي قدّم قوله ، لأن الموكل يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء.

ولو ظهر في المبيع عيب ردّه على الوكيل دون الموكل ، لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ، والأقرب ردّه على الموكل.

ولو قال : قبله قدّم قول الموكل ، لأن الأصل‌ بقاء حقه.

______________________________________________________

قوله : ( ولو قال بعد تسليم المبيع : قبضت الثمن وتلف في يدي قدّم قوله ).

لأن الموكل يجعله خائنا بالتسليم قبل الاستيفاء فيقدّم قوله بيمينه ، لأنه يحاول بذلك دفع الخيانة والغرم عن نفسه ، وأصالة عدم القبض معارضة بأصالة براءة الذمة من وجوب الغرم ، ويبقى تقديم قول الوكيل في عدم الخيانة بغير معارض.

قوله : ( ولو ظهر في المبيع عيب ردّه على الوكيل دون الموكل ، لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ، والأقرب رده على الموكل ).

أي : لو ظهر في المبيع عيب وأراد المشتري ردّه فإنّما يردّه على الوكيل دون الموكل ، لأنه لم يثبت وصول الثمن اليه ، قاله الشيخ رحمه‌الله (١) ، والمراد : أنه إذا علم المشتري بالوكالة كما يرشد اليه تعليل الشيخ.

والأقرب عند المصنف ردّه على الموكل دون الوكيل ، لأنه أمين ونائب عن الموكل ، والبائع في الحقيقة هو الموكل ، ولا أثر لوصول الثمن اليه وعدمه ، بل لا يجوز ردّه على الوكيل ، لأنه ينعزل بفعل متعلق الوكالة ، إلاّ أن يكون وكيلا في قبضه على تقدير الرد. وكيف كان فقول الشيخ ضعيف ، وكذا تعليله.

قوله : ( ولو قال قبله : قدّم قول الموكل ، لأن الأصل‌ بقاء حقه ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٤٠٤.

٣١٩

ولو أقر بقبض الدين من الغريم قدّم قول الموكل على إشكال.

و : أن يختلفا في التفريط أو التعدي فالقول قول الوكيل.

______________________________________________________

أي : لو قال الوكيل قبل تسليم المبيع : قبضت الثمن وتلف في يدي قدّم قول الموكل ، لأن الأصل عدم القبض وبقاء حق الموكل عند المشتري ، وقول الوكيل في التلف إنما يقدّم إذا ثبت وصول المال اليه.

قوله : ( ولو أقر بقبض الدين من الغريم قدّم قول الموكل على إشكال ).

أي : لو أقر الوكيل بقبض الدين من الغريم أنه قبضه وأنكره الوكيل قدّم قول الموكل على إشكال ينشأ : من أن الاختلاف في فعل الوكيل فيقدّم قوله فيه ولأنه أمين ، ومن أصالة بقاء حق الموكل عند الغريم.

والفرق بين هذه وبين التي قبلها : أن الاختلاف إنما هو في فعل الوكيل ، وقول الموكل معتضد بالأصل وليس ثم ما ينافيه ، بخلاف الأولى ، لأن قول الموكل فيها وإن كان معتضدا بالأصل إلاّ أنه يقتضي خيانة الوكيل ، وتضمينه تسليمه المبيع قبل القبض فيكون القول قوله.

وتردد في الفرق صاحب الشرائع نظرا إلى أن كلا من المسألتين من فروع اختلاف الموكل والوكيل في التصرف ، فإن كان المقدم قول الموكل فلا فرق بينهما ، وكذا لو قلنا بتقديم قول الوكيل (١) ، ورضي هذا الإشكال شيخنا الشهيد في حواشيه.

ولقائل أن يقول : إن قدّمنا قول الموكل في الاختلاف في التصرف فالمتجه تقديم قول الوكيل في المسألة السابقة ، لقوة جانبه بدفع دعوى الخيانة عنه والغرم ، وإن قدّمنا قول الوكيل فهما سواء في الحكم وإن كان مدركه في هذه أقوى ، وقد عرفت أن تقديم قول الوكيل في التصرف لا يخلو من وجه.

__________________

(١) الشرائع ٢ : ٢٠٦.

٣٢٠