جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٨

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٨

وإذا أذن لعبده في التجارة لم يكن له أن يؤجر نفسه ، ولا يتوكل لغيره.

ولو عيّن له التجارة في نوع لم يجز التجاوز عنه.

ولو وكّل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق لم يجز لأحدهما التفرد بشي‌ء من التصرف وإن كان في الخصومة ، ولو مات أحدهما بطلت الوكالة ، وليس للحاكم أن يضم الى الثاني أمينا ، وكذا لو غاب.

______________________________________________________

شيئا من حقوق السيد كما سبق في القن (١) ، وقد بيّنا ضعفه.

قوله : ( وإذا أذن السيد لعبده في التجارة لم يكن له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره ، ولو عيّن له التجارة في نوع لم يجز التجاوز عنه ).

لأن ذلك خارج عن مقتضى الإذن.

قوله : ( ولو وكل اثنين وشرط الاجتماع أو أطلق لم يجز لأحدهما التفرد بشي‌ء من التصرف وان كان في الخصومة ).

وذلك لأن توكيله إياهما يؤذن بعدم رضاه بتصرف أحدهما ، ولأن التوكيل ، إنما صدر كذلك ، ولا فرق بين الخصومة ، وغيرها ، وللشافعي قول بأن لكل واحد من الوكيلين الانفراد في الخصومة بغير الاجتماع عليها (٢).

قوله : ( ولو مات أحدهما بطلت الوكالة ).

لأنها لم تثبت لأحدهما بالاستقلال كما بيناه.

قوله : ( وليس للحاكم أن يضم إلى الآخر أمينا ، وكذا لو غاب ).

لأنه لا ولاية للحاكم هنا ، بخلاف الوصيين ، لأن النظر في حق الميت واليتيم له ، ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٢) الوجيز ١ : ١٩٢.

٢٠١

ولو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما.

ولو شرط لهما الانفراد جاز لكل منهما أن يتصرف من غير مشاورة صاحبه في الجميع.

والأقرب جواز وكالة الواحد عن المتخاصمين وعن المتعاقدين ، فيتولى طرفي العقد حتى في استيفاء القصاص من نفسه ، والدين منه ، والحد. فلو وكله شخص ببيع عبد وآخر بشراء عبد جاز أن يتولّى الطرفين.

______________________________________________________

ولو غاب الموكل فمات أحد الوكيلين فليس ببعيد أن للحاكم أن يضم إلى الباقي أمينا في التصرف الذي يتولاه الحاكم عن الغائب ، ولو غاب أحد الوكيلين فالحكم كما لو مات.

قوله : ( ولو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما ).

المراد بكونه لهما : ان يكون الإحراز فيه حقا لهما معا ، ولا يجوز لأحدهما الانفراد بحفظه ولا قسمته إن قبل القسمة ، خلافا لبعض الشافعية (١) ، لأن المأذون فيه هو حفظهما معا فيجب اتّباع الإذن.

قوله : ( ولو شرط لهما الانفراد جاز لكل منهما أن يتصرف من غير مشاورة صاحبه في الجميع ).

أي : في جميع متعلق الوكالة ، لثبوت الوكالة لكل منهما بانفراده في الجميع.

قوله : ( والأقرب جواز وكالة الواحد عن المتخاصمين وعن المتعاقدين ، فيتولى طرفي العقد حتى في استيفاء القصاص من نفسه والدين منه والحد ).

هنا مسألتان :

إحداهما : أن يكون الواحد وكيلا عن المتخاصمين في تلك الخصومة ، ووجه‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١١١.

٢٠٢

______________________________________________________

الجواز وجود المقتضي وهو التوكيل فيما تصح الاستنابة فيه ، وما يتخيل كونه مانعا ـ وهو نيابته عن الطرفين ـ لا يصلح للمانعية لتمكنه من إيراد الحجة عن أحدهما ، وذكر دافع الآخر من غير ميل معتمدا للحق كما هو شأن الوكيل.

ويحتمل عدم الجواز ، لأنه لا بد من الاستقصاء والمبالغة فيختل الغرض ، لأن غرض كل واحد منهما أن ينوب منابه في تحقيق مطلوبه ، ولا ريب في تضاد مطلوبهما فيمتنع الجمع بينهما.

فإن قيل : الواجب الاستقصاء بالحق وأن أضر بأحد الجانبين.

قلنا : أولا : التوكيل والاستنابة إنما وقعا فيما يريده الموكل ، ولا ريب أنه إنما يريد دفع خصمه ، والاستقصاء في التنقيب عليه ينافي ذلك.

وثانيا : أن الاستقصاء على هذا التقدير يجب أن يكون من الجانبين ، والحق لا يكون في الجانبين فيكون مستقصيا لما ليس بحق.

وثالثا : أن الوكيل يجب عليه مجانبة الإضرار بالموكل فيما هو وكيل فيه ، والاستقصاء بالنسبة إلى خصمه مضر به ، وفيه تعرض لتضييع حقه. والمسألة موضع توقف ، والشيخ في المبسوط ذكر الوجهين ثم احتاط بالمنع (١).

الثانية : أن يكون الواحد وكيلا عن المتعاقدين وقد منع منه بعض الأصحاب (٢) ، حكاه الشيخ في المبسوط قولا (٣) ، وهو محكي عن ابن إدريس في باب أجر السمسار من السرائر (٤) ، لأن الأصل في العقد أن يكون من اثنين ، أحدهما موجب والآخر قابل.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٨٢.

(٢) نقله العلامة عن ابن الجنيد في المختلف : ٤٣٨.

(٣) المبسوط ٢ : ٣٨١.

(٤) السرائر : ٢٣٧.

٢٠٣

______________________________________________________

والأقرب عند المصنف الجواز عملا بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ونحوه ، والاثنينية المعتبرة في الإيجاب والقبول حاصلة ، فإن الوكيل من جهة كونه بائعا مغاير له من جهة كونه مشتريا ، وهذا القدر كاف في تحقق الإيجاب والقبول. ولأنه يجوز للأب تقويم جارية الابن على نفسه ، وليس المراد به إلا تولية طرفي العقد الناقل للملك ، وهو الأصح.

وعلى هذا فيجوز أن يكون وكيلا في استيفاء القصاص من نفسه ، سواء كان في النفس أو في الطرف ، إذ لا مانع فان الغرض حاصل ، والتهمة منتفية ، ومنع منه بعض الشافعية (٢).

وينبغي تقييده بما إذا كان الموكل هو صاحب الحق ، أما لو كان وليا أو وكيلا قد أذن له في التوكيل فالمتجه منعه من توكيل من عليه القصاص إلا بالإذن ، لأن غرض التشفي لا يحصل باستيفائه هو من نفسه كما يحصل بالاستيفاء منه قهرا.

وكذا يجوز توكيل المديون في استيفاء الدين من نفسه ، لما قدمناه ، وفيه وجه بالمنع ضعيف وهو منقول عن السيد رحمه‌الله.

أما الحد فقد أطلق المصنف هنا جواز التوكيل في استيفائه لمن ثبت عليه ، وفي التذكرة منع من توكيل الإمام الجاني في جلد نفسه ، لأنه متهم بترك الإيلام ، بخلاف القطع ، وجوّز توكيل السارق في قطع يده (٣). وما ذكره في التذكرة هو الصواب ، لأن الحد : إما حق لله أو له وللآدمي فلا يجوز ارتكاب ما يؤذن بالإخلال بالإيلام المعتبر فيه.

واعلم أن العطف في العبارة بـ ( حتى ) لا يخلو من تكلّف ، لأن العطف بها إنما‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) المجموع ١٤ : ٩٨.

(٣) التذكرة ٢ : ١٢٢.

٢٠٤

ولو وكّل زوجته أو عبد غيره ثم طلّق الزوجة أو أعتق العبد لم تبطل الوكالة.

ولو أذن لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه أو باعه بطل الإذن ، لأنّه ليس على حد الوكالة ، بل هو إذن تابع للملك ، ويحتمل بقاء وكالته لو‌

______________________________________________________

يصح حيث يكون المعطوف من جملة المعطوف عليه نحو : قدم الحاج بـ ( حتى ) المشاة ، وكون ما بعدها من جملة ما قبلها هنا يحتاج الى تكلف ظاهر.

وقول المصنف : ( فلو وكله شخص ببيع عبد ، وآخر بشراء عبد جاز أن يتولى الطرفين ) تفريع على ما سبق ، فدليل صحته مستفاد مما ذكر. ولا يخفى أنه إنما يسوغ له ذلك إذا استقصى في القيمة إلى الحد الممكن عادة ، ولم يقصر في إعلام ذوي الرغبات في مكان البيع ، ولم يجد عبدا بهذه الأوصاف يباع بدون ذلك ، وإلاّ لم يجز الشراء.

ومراد المصنف معلوم ، فإنه يريد بيان جواز تولّي الطرفين له الموكلين ، أما شروط البيع والشراء فمستفادة من موضع آخر فهي معتبرة هنا لا محالة ، لا علم الموكلين بأنه يشتري لأحدهما وعن.

قوله : ( لو وكل زوجته أو عبد غيره ثم طلّق الزوجة أو أعتق العبد لم تبطل الوكالة ).

لأنه لا مدخل للزوجية والعبودية في صحة الوكالة ، فلا تبطل بزوالهما.

وقد علم أن توكيل عبد الغير باذن مولاه ليس استخداما ولا أمرا ، وإنما هو توكيل حقيقي ويقرأ ( طلّق ) معلوما و ( أعتق ) مجهولا ، ولو قرئ معلوما جاز وإن تفكك الضمير لعدم اللبس.

قوله : ( ولو أذن لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه أو باعه بطل الإذن ، لأنه ليس على حد الوكالة بل هو اذن تابع للملك ، ويحتمل بقاء‌

٢٠٥

أعتقه :

ولو وكل عبد غيره ثم اشتراه لم تبطل وكالته.

______________________________________________________

وكالته لو أعتقه ).

إذا أذن السيد لعبده في التصرف في ماله ثم أعتقه أو باعه بطل الإذن ، لأنه ليس على حد الوكالة ، وإنما هو استخدام تابع للملك فإذا زال الملك امتنع بقاؤه ، هذا إذا كان الإذن بغير لفظ التوكيل ونحوه مما يؤدي مؤداه ، أما إذا كان بلفظه فيحتمل بقاء حكم التوكيل بعد الإعتاق والبيع عملا بالاستصحاب.

ولأن اذن المولى ليس بشرط في صحة توكيل عبده ، وهو ظاهر ، وليس بمانع كما تقدم بيانه ، فإذا وقع التوكيل لم يرتفع إلا بما يقتضي عزل الوكيل ، وهو الأصح. نعم يجب في صورة البيع استيذان المشتري ، لانتقال المنافع اليه.

ويحتمل البطلان ، نظرا إلى أن توكيل العبد استخدام له واستيفاء لمنافعه فيزول بزوال الملك. وضعفه ظاهر ، لما عرفت من أن التوكيل الحقيقي غير ممتنع بالنسبة إليه ، فإذا صدر لفظه وجب العمل بمقتضاه.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مقتضى عبارة الكتاب أن المراد بالإذن في قوله : ( ولو أذن لعبده في التصرف ) الإذن الذي لا يكون بلفظ التوكيل وما في معناه بدليل قوله : ( لأنه ليس على حد الوكالة ) فلا يكون قوله : ( ويحتمل بقاء وكالته ) واردا على الاذن المذكور ، إذ ليس توكيلا كما عرفت ، إلا أنه خلاف المتبادر الى الفهم من نظم العبارة.

وفيه كلام أيضا من وجه آخر ، وهو أنه قد سبق في أول الفصل أن الأقرب جواز توكيل عبده ، ولا معنى لذلك إلا كونه توكيلا حقيقيا ، فوجب ان لا بزوال بزوال الملك كما لا يزول التوكيل في الزوجة بالطلاق ، وكأن المصنف إنما اقتصر على قوله : ( لو أعتقه دون البيع ) نظرا إلى انه في البيع تصير منافعه ملكا لشخص آخر ، فيمتنع بقاء‌

٢٠٦

الركن الرابع : متعلق الوكالة ، وشروطه ثلاثة :

الأول : إن يكون مملوكا للموكل ، فلو وكله [ على ] طلاق زوجة سينكحها أو عتق عبد سيملكه ، أو بيع ثوب سيشتريه لم يصح ،

______________________________________________________

الوكالة من دون الإذن.

وضعفه ظاهر ، لأن عدم جواز التصرف بدون اذن المشتري لا يقتضي زوال التوكيل ، والذي ذكره المصنف في التذكرة في تصوير المسألة : هو أنه فرضها فيما إذا وكل السيد عبده في تصرف ثم باعه أو أعتقه ، وبنى الحكم فيها ببقاء الإذن في التصرف على أن ذلك توكيل حقيقي أم لا.

ثم حكى أن بعض الفقهاء فصّل فقال ـ : إن كانت الصيغة : وكلتك بقي الإذن ، وإن أمره بالفعل ارتفع الإذن بالعتق والبيع (١). ومقتضى آخر كلامه أنه لا فرق بين وقوع الاذن بلفظ التوكيل أو لا ، وان كان أول كلامه قد ينافي ذلك ، لأنه صدّر المسألة بالتوكيل.

والذي يقتضيه النظر الفرق بين التوكيل والإذن ، وكون احتمال البقاء وعدمه إنما هو على تقدير التوكيل ، وأن الأصح البقاء ، ووجه قوله : ( ولو وكل عبد غيره ثم اشتراه لم تبطل وكالته ) بعد ما ذكرناه واضح.

قوله : ( أن يكون مملوكا للموكل ).

أي : التصرف ، فمن شرط صحة الوكالة أن يكون التصرف مملوكا للموكل في وقت صدور عقد التوكيل ، والظاهر أن ذلك متفق عليه عندنا. وللشافعية خلاف في ذلك ، فاكتفى بعضهم بكونه مملوكا حال التصرف ، فلو وكل المحرم في النكاح بعد الإحلال صح عنده (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٣٤.

(٢) المجموع ١٤ : ١٠٦.

٢٠٧

وكذا لو وكّل المسلم ذميا في شراء خمر أو بيعه أو المحرم محلا في ابتياع صيد أو عقد نكاح ، أو الكافر مسلما في شراء مسلم أو مصحف.

ولا يشترط استقرار الملك ، فلو وكل في شراء من ينعتق عليه صح.

ولو قال : اشتر لي من مالك كر طعام لم تصح ، لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره.

______________________________________________________

قوله : ( وكذا لو وكل المسلم ذميا في شراء خمر أو بيعه ، أو المحرم محلا في ابتياع صيد أو عقد نكاح ).

ربما يورد على العبارة : أن هذا قد سبق ذكره فتكون إعادته تكرارا.

وأجيب عنه بأن المقتضي لذكره فيما مضى مخالف للمقتضي هنا ، لأنّه ذكر هناك باعتبار حال الموكل وحال الوكيل ، وهنا باعتبار حال الموكل فيه. واختلاف الاعتبار كاف في الاختلاف على سبيل الجملة.

قوله : ( ولا يشترط استقرار الملك ، فلو وكل في شراء من ينعتق عليه صح ).

لأن الموكل فيه هو الشراء واستقرار الملك وعدمه لا دخل له فيه.

قوله : ( ولو قال : اشتر لي من مالك كر طعام لم يصح ).

لأنه لا يجوز أن يشتري الإنسان بماله ما يملكه غيره ، وذلك لأن المعاوضة تقتضي انتقال كل واحد من العوضين الى مالك العوض الآخر.

وهذا كما لو قال الراهن للمرتهن : بع الرهن لنفسك ، فإنه لا يصح ذلك ، إذ لا يتصور بيعه لنفسه. وكذا لو قال : بعه لي واقبضه لنفسك ، فان القبض لا يصح لمثل ما قلناه.

ولم ينظروا إلى دلالة القرائن هاهنا كما نظروا إليها في استفادة جواز التوكيل للوكيل بترفعه عما وكلّ فيه ، ونحو ذلك تمسكا بظاهر اللفظ هنا ، وتحكيما للعادة الجارية‌

٢٠٨

ولو قال : اشتر لي في ذمتك واقض الثمن عني من مالك صح.

ولو قال : اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح ، ويبرأ بالتسليم‌ إلى البائع.

______________________________________________________

هناك لا طرادها بذلك.

فرع : لو قال : طلق زوجتي ثلاثا فهل يكون وكيلا في الرجعتين بينهما؟ لا أستبعد ذلك ، نظرا الى ان الموكل فيه هو الطلاق الشرعي ، ولا يتم إلاّ بالرجعة. ولو علم منه انه يريد بذلك البينونة فالحكم كما قلناه حينئذ أقوى.

لكن يرد عليه أن ذلك توكيل في تصرف لا يملكه الموكل وقت التوكيل ، فإن الرجعة إنما يملكها بعد الطلاق فحقه أن لا يصح. وليس ببعيد أن يقال : إن التوكيل في مثل هذا جائز ، لأنه وقع تابعا لغيره ، ونحوه ما لو وكله في شراء شاتين وبيع إحداهما ، أما لو وكله فيما لا يملكه استقلالا ـ كما لو وكله في طلاق زوجة سينكحها ـ فإنه لا يصح.

والفرق بين وقوع الشي‌ء أصلا وتابعا كثير ، لأن التابع وقع مكملا بعد الحكم بصحة الوكالة واستكمل أركانها. وقد وقع الإيماء الى ذلك في التذكرة في تخصيصات الموكل في آخر الكلام على ما لو وكله في شراء شاة بدينار فاشترى شاتين وباع إحداهما (١).

قوله : ( ولو قال : اشتر لي في ذمتك واقبض الثمن عني من مالك صح ).

لأن شراء الوكيل للموكل في ذمته ممكن ، وكذا أداء الوكيل دين الموكل من مال الوكيل ممكن.

قوله : ( ولو قال : اشتر لي من الدين الذي لي عليك صح ويبرأ‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٢٦.

٢٠٩

الثاني : أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع ، والحوالة ، والشركة والقراض ، والجعالة ، والمساقاة ، والنكاح ، والطلاق والخلع ، والصلح ، والرهن ، وقبض الثمن ، والوكالة ، والعارية ، والأخذ بالشفعة والإبراء ، والوديعة ،

______________________________________________________

بالتسليم الى البائع ).

وذلك لأن تعيين الدين في مال بعينه أمر راجع الى المديون ، لأنه مخيّر في جهات القضاء.

وإنما يبرأ بتسليمه إلى البائع ، لأن صاحب الدين إنما يملكه بقبضه إياه ، أو ما يقوم مقام قبضه ، وليس المديون وكيلا في القبض ، فإذا سلّمه الى البائع عن الموكل تعيّن له ، لكن هل يفرّق بين أن يقع الشراء بالعين أو بالذمة؟ يحتمل الفرق ، لأنه في وقت الشراء لم يتعين المال المجعول ثمنا للموكل ، وإنما هو باق على ملك المديون ـ أعني الوكيل ـ فلا يتصور وقوعه عوضا عما يشتريه للموكل.

ويحتمل العدم ، لأنه قد تعيّن للموكل بالتعيين وان لم يتم الملك ، وبراءة المديون إنما تكون مع تمام الملك ، وأما صحة البيع فيكفي فيها حصول أصل الملك. وينبغي تأمل هذا البحث ، لأنه لا يحضرني الآن فيه شي‌ء سوى ما ذكرته.

قوله : ( الثاني : أن يكون قابلا للنيابة كأنواع البيع ، والحوالة ، والضمان ، والشركة ، والقراض ، والجعالة ، والمساقاة ، والنكاح ، والطلاق ، والخلع ، والصلح ، والرهن ، وقبض الثمن ، والوكالة ، والعارية ، والأخذ بالشفعة والإبراء والوديعة ).

لا خلاف في جواز التوكيل في البيع إيجابا وقبولا ، وفي جميع أنواعه كالسلم والصرف والمرابحة وغيرها ، وفي توابعه من القبض والإقباض والفسخ بالخيار بأنواعه ، والأخذ بالشفعة وإسقاطها.

٢١٠

______________________________________________________

والسر فيه أن الشخص قد يترفّع عن التردد في الأسواق ، وقد لا يحسن التجارة ، أو لا يتفرغ لها لاشتغاله بغيرها من أمور الدين أو الدنيا ، وقد يكون مأمورا بالتخدير كالمرأة فأجاز الشارع التوكيل فيه دفعا للحاجة ، وتوسيعا على الآدمي ، وتوفيرا لزمانه على العبادة التي هي السبب الأصلي في خلقه ، وقد سبق في توكيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عروة البارقي في شراء شاة (١).

وكذا يجوز في الحوالة إيجابا وقبولا فإنها اعتياض أو استيفاء ، وكذا الضمان ، والشركة عقدا ومزجا ، وعقد القراض ، وكذا في فعل متعلقة بأن يستنيب العامل إن أذن له المالك وإلا فلا ، قاله في التذكرة (٢). وينبغي أن يكون ذلك مما يتوقف على إذن المالك ، لا في نحو المساومة وإيقاع عقد البيع وعقد الجعالة ، والفعل الذي هو متعلقها.

وكذا يصح في عقد المساقاة ، والمزارعة ، والإجارة ، والفعل الذي هو متعلقها مع الإذن ، وكذا عقد النكاح ، وإيقاع الطلاق ، والخلع بطرفيه ، والرجعة ، وظاهر كلام التذكرة جواز التوكيل في اختيار الزوجات ممن أسلم عن أزيد من أربع (٣). وعقد الصلح ، والرهن ، وقبض المرهون ، وقبض الثمن في البيع كالمبيع والعوض في الصلح وغيره.

وكذا يصح التوكيل في الوكالة بأن يوكل شخصا بان يوكل آخر على ما سبق ، وكذا يصح التوكيل في العارية بالنسبة إلى العقد واستيفاء المنافع مع الإذن ، وكذا الإبراء والهبة وعقد الوديعة وقبضها بإذن المالك ، وقبض الأموال مضمونة كانت أو لا؟

__________________

(١) سنن الترمذي ٣ : ٥٥٩ حديث ١٢٥٨ ، سنن الدار قطني ٣ : ١٠ حديث ٢٩ ، مسند احمد بن حنبل ٤ : ٣٧٦.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٧.

(٣) التذكرة ٢ : ١١٨.

٢١١

وقسمة الصدقات ، واستيفاء القصاص والحدود مطلقا في حضور المستحق وغيبته ، وقبض الديات ، والجهاد على وجه ، وإثبات حدود الآدميين لا حدوده تعالى ، وعقد السبق والرمي ، والعتق والكتابة والتدبير ، والدعوى وإثبات الحجة والحقوق والخصومة وإن لم يرض الخصم ، وسائر العقود والفسوخ.

والضابط كل ما لا غرض للشارع فيه في التخصيص بالمباشرة من فاعل معين.

______________________________________________________

قوله : ( وقسمة الصدقات ، واستيفاء القصاص والحدود مطلقا في حضور المستحق وغيبته ، وقبض الديات والجهاد ـ على وجه ـ وإثبات حدود الآدميين لا حدود الله تعالى ، وعقد السبق والرمي ، والعتق والكتابة والتدبير ، والدعوى وإثبات الحجة والحقوق ، والخصومة وإن لم يرض الخصم ، وسائر العقود والفسوخ ، والضابط : كل ما لا غرض للشارع فيه في التخصيص بالمباشرة من فاعل معيّن ).

لا ريب في أنه يجوز توكيل الإمام في قبض الصدقات ، وفي قسمتها على الفقراء ، وفي توكيل المالك في دفعها الى مستحقها ، وتوكيل الفقير من يقبضها عنه. وكذا الخمس والكفارات ، وقد بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا له لقبض الصدقات وتفريقها (١).

ويجوز توكيل الفقيه في زمان الغيبة في صرف حصة الإمام عليه‌السلام إلى مستحقيها فإن ذلك فعل قابل للنيابة. وينبغي تعيين الحاكم المستحقين احتياطا لكونه مال غائب ، ويجوز توكيل المستحق للقصاص في استيفائه ، سواء كان في النفس أم في الطرف. وكذا الحدود مطلقا ، اي : سواء كانت حدود الآدميين كحد السرقة والقذف ، أم حدود الله تعالى كحد الزنى ، ولا فرق في ذلك بين حضور المستحق وغيبته.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٦ حديث ١٨٠٣ ، سنن الترمذي ٢ : ٦٨ حديث ٦١٩.

٢١٢

______________________________________________________

ومنع بعض الشافعية من التوكيل في استيفاء حدود الآدميين في غيبة المستحق ، لأنه لا يتبين بقاء الاستحقاق عند الغيبة ، لاحتمال العفو ، ولأنه ربما يرق قلبه حال حضوره فيعفو فيشترط الحضور (١). ويضعّف بأن الأصل البقاء ، والاحتمال لا أثر له لقيامه مع حضوره ، ورجاء رقة قلبه لا ينهض مانعا.

وكذا يجوز التوكيل في قبض الديات كسائر الأموال ، ويجوز التوكيل في الجهاد ، لان الغرض حراسة المسلمين وحفظ عمود الدين ، وليس الغرض متعلقا بمعيّن فيوكل من وجب عليه من لم يتعلق به الوجوب إلا أن يتعيّن المكلف لذلك بتعيين الإمام عليه‌السلام إياه لشدة بلائه في الحرب ، أو جودة رأيه ووفور عقله ، ونحو ذلك من المصالح. وكذا لو دهم المسلمين عدو وتوقف الدفع عليه فإنه يتعيّن وإن لم يعيّنه الإمام عليه‌السلام فلا يجوز التوكيل ، وهذا هو المراد بقول المصنف : ( على وجه ).

وكذا يجوز التوكيل في إثبات حدود الآدميين وعقوباتهم ، لأنه حق لآدمي لا يختص فعله بمباشر معيّن ، ومنع أبو يوسف من ذلك (٢).

أما حدود الله تعالى فقد صرح المصنف بالمنع من التوكيل في إثباتها هنا ، وصرح في التذكرة بالجواز ، محتجا بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووكّل أنيسا في إثبات الحد واستيفائه جميعا فإنه قال : « فإن اعترفت فارجمها » (٣) قال : وهذا يدل على انه لم يكن قد ثبت فقد وكّله في إثباته ، ولأن الحاكم إذا استناب نائبا في عمل فإنه يدخل في تلك النيابة الحدود وإثباتها ، فإذا دخلت في التوكيل بالعموم فبالتخصيص أولى. ثم‌

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٠١.

(٢) اللباب ٢ : ١٣٢ ، شرح فتح القدير ٧ : ٧.

(٣) سنن البيهقي ٨ : ٢٢٦.

٢١٣

______________________________________________________

حكى عن الشافعي القول بالمنع من التوكيل في ذلك (١) ، ورده (٢). وصرح في التحرير بأنه لا يجوز التوكيل في إثبات الحدود إلا في حد القذف (٣).

إذا عرفت ذلك فاعلم أن منع المصنف هنا من التوكيل في إثبات حدود الله تعالى ان أراد به : توكيل الإمام فغير واضح ، وإلا صح خلافه كما في التذكرة (٤). وإن أراد به توكيل واحد من المكلفين غيره في إثباته فله معنى صحيح ، فان ذلك الغير إن علم بالحال فإثباته حق له بالأصالة حسبة لاستواء المكلفين في ذلك ، وإن لم يعلم فحد الله أوسع من أن يتولّى الدعوى به وإثباته من لا يعلم كونه حقا. وجوّز في التذكرة التوكيل في الدعوى بحدود الله تعالى (٥) ، وفيه ما علمته.

وكذا يجوز التوكيل في عقد السبق والرمي كسائر العقود ، وكذا إيقاع العتق والتدبير وعقد الكتابة إيجابا وقبولا. وكذا يجوز التوكيل في الدعوى على الغير ، ولا يفتقر إلى علمه بكون المدعى به حقا ، لأنه نائب مناب الموكل في إنشائها ، فكأنه حاك لقوله ، وكذا إثبات الحجة ، أي : بيانها وإيضاحها عند الحاكم كإحضار الشاهدين واستشهادهما وعدد الشياع.

وكذا التوكيل في إثبات الحقوق المالية وغيرها كالخيار ، والتحجير ، والاختصاص بأولوية بيت في المدرسة ، ومكان في المسجد ، ونحو ذلك. وكذا التوكيل في الخصومة ، سواء رضي الخصم أم لا ، وسواء كان الموكل المدعي أو المدعى عليه ،

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٩٨.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٣) التحرير : ٢٣٣.

(٤) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٥) التذكرة ٢ : ١١٨.

٢١٤

أما ما لا تدخله النيابة فلا يصح التوكيل فيه ، وهو كل ما تعلّق به غرض الشارع بإيقاعه من المكلّف به مباشرة كالطهارة مع القدرة وإن جازت النيابة في تغسيل الأعضاء مع العجز ، والصلاة الواجبة ما دام حيا ، وكذا الصوم ، والاعتكاف ، والحج الواجب مع القدرة ، والنذر واليمين والعهد ،

______________________________________________________

وليس للآخر الامتناع. ومنع ابن الجنيد من توكيل الحاضر في الدعوى إلا برضى الخصم (١) ، واعتبر بعض العامة العذر كالمرض والتخدير (٢) ، وبعضهم جوّز مع سفاهة الخصم وخبث لسانه ، والكل ضعيف.

وكذا يجوز في سائر العقود من الوقف ، والهبة ، والحبس ، والعمرى ، والرقبى ، والوصية إيجابا وقبولا وفعل متعلقها مع عدم المانع ، ونحو ذلك. ومنع بعض الشافعية من التوكيل في هذه لكونه قربة ضعيف ، فإن القربة لا تنافي النيابة ، وكذا يجوز التوكيل في سائر الفسوخ.

والحاصل أن كل فعل لم يتعلق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معيّن يجوز التوكيل فيه ، فهذا هو الضابط وإن كان لا يستفاد هذا الحكم إلاّ بالتتبع والاستقرار. وينبغي التنبيه بشي‌ء ، وهو أن كل ما تدخله النيابة وهو على الفور لا يصح التوكيل فيه إذا نافى التوكيل الفور ، لأنه يؤدي الى إسقاطه.

قوله : ( أما ما لا تدخله النيابة فلا يصح التوكيل فيه ، وهو كل ما تعلق غرض الشارع بإيقاعه من المكلف به مباشرة كالطهارة ، وإن جازت النيابة في تغسيل الأعضاء مع العجز والصلاة الواجبة ما دام حيا ، وكذا الصوم والاعتكاف والحج الواجب مع القدرة والنذر واليمين والعهد ،

__________________

(١) المختلف : ٤٣٦.

(٢) قاله أبو حنيفة انظر : اللباب ٢ : ١٣٩ ، الهداية المطبوعة مع شرح فتح القدير ٧ : ٥٥٩ ، المجموع ١٤ : ١٠٠.

٢١٥

والمعاصي كالسرقة والغصب والقتل بل أحكامها تلزم متعاطيها ، والقسم بين الزوجات ، لأنه يتضمن استمتاعا ، والظهار واللعان وقضاء العدة.

______________________________________________________

والمعاصي كالسرقة والغصب والقتل ، بل أحكامها تلزم متعاطيها ، والقسم بين الزوجات ، لأنه يتضمن استمتاعا ، والظهار واللعان وقضاء العدة ).

لا شبهة في أن كل فعل تعلق غرض الشارع بإيقاعه من المكلف به مباشرة لا يصح التوكيل فيه كالطهارة فلا يتصور التوكيل فيها.

نعم إذا عجز المكلف عن غسل الأعضاء أو مسحها في المائية أو الترابية استناب في ذلك ، ولا تجوز الاستنابة في النية أصلا. فعلى هذا يجوز أن يستنيب من ليس له أهلية التوكيل كالمجنون حتى لو غسله الساهي أجزأ ، لأن الغرض إيصال الماء إلى أعضائه ناويا ، فيجزي بأي وجه اتفق.

وفي الحقيقة ليس هذا توكيلا حقيقيا ، ولو استناب في الغسل ولم ينو لم يعتد به. وتجوز الاستنابة في التطهير من النجاسات مع القدرة ، لحصول الغرض بذلك ، وهو إيصال الماء الى المحل النجس.

ولا تجوز الاستنابة في الصلاة الواجبة في حال الحياة قطعا ـ إلاّ ركعتي الطواف حيث يجوز للمكلف الاستنابة في الحج الواجب ـ أما المندوبة فيتصور فيها ذلك كصلاة الزيارة والطواف ، لا نحو النوافل المرتبة ، وما جرى مجراها.

وكذا لا تجوز النيابة في الصوم ما دام المكلف حيا ، وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الواجب والمندوب ، ومثله الاعتكاف لاشتراطه بالصوم ، أما بعد الموت فيصح فعل الصوم عنه تبرعا ، وبالإذن ، وبعوض ، ومجانا وإن لم يكن وليا. وكذا الاعتكاف لعموم قوله عليه‌السلام : « فدين الله أحق أن يقضى » (١) ولبعض العامة في هذه المواضع‌

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ٤٦ باب ٤٢ ، صحيح مسلم ٢ : ٨٠٤ حديث ١٥٤ و ١٥٥.

٢١٦

______________________________________________________

خلاف (١). أما الحج الواجب فلا تدخله النيابة مع القدرة بخلاف المندوب ، أما مع العجز فقد سبق جوازه.

وكذا لا يصح التوكيل في النذر والعهد واليمين فيقع لغوا ، وكذا المعاصي كالسرقة والغصب والقتل ، وغير ذلك لا يتصور التوكيل فيها بل أحكامها تلزم متعاطيها أي فاعلها.

وكذا القسم بين الزوجات ـ وان كان الوكيل محرما للزوجة ـ لأنه يتضمن استمتاعا ، وكذا القول في الظهار ، لأنه زور وبهتان ، ولأنه في معنى اليمين. وكذا اللعان ، لأنه يمين أو شهادة ، وكذا الإيلاء ، لأنه يمين ، وقضاء العدة لاستبراء الرحم ، وكذا الرضاع ، لأنه مختص بالمرضع والمرتضع ، لأنه يختص بإنبات لحم المرتضع وانتشار عظمه بلبن المرضع.

فروع : يصح التوكيل في القضاء ، والحكم بين الناس ، وقسمة الفي‌ء والغنيمة ، وكذا يجوز للحاكم أن يوكل من ينوب عنه في الحجر ، ويوكل الغرماء من يطلبه من الحاكم ، أما المحجور عليه فلا يصح أن يستنيب من يحكم عليه بالحجر عنه.

الثاني : الظاهر أن رد السلام لا يصح التوكيل فيه بل هو متعلق بمن سلم عليه ، ووجوبه فوري ، فالتوكيل مؤد إلى فواته.

ولو سلّم على جماعة فكل من رد منهم فقد أتى بالواجب أصالة.

وكذا القول في سائر الواجبات الكفائية كصلاة الجنازة ، وإقامة الحجج العلمية ، ورد الشبهة ، وعمل الصنائع ونحوها. نعم يتصور توكيل من لا يجب عليه كالصبي فيما عدا نحو صلاة الجنازة ورد السلام ، إلاّ على القول بأن أفعال الصبي شرعية.

وهل يصح التوكيل في السلام فيعدّ سلاما شرعيا حتى يجب رد جوابه؟ فيه‌

__________________

(١) الوجيز ١ : ١٨٨ ، المجموع ١٤ : ٩٣.

٢١٧

وفي التوكيل بإثبات اليد على المباحاة كالالتقاط ، والاصطياد ، والاحتشاش ، والاحتطاب نظر.

______________________________________________________

نظر : ينشأ من إطلاق قوله تعالى ( وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ ) (١) ، ومن حمله على المعهود.

الثالث : يجوز التوكيل في قبض الجزية والمطالبة بها ، قال في التذكرة : وفي إقباضها (٢) ، ويشكل على بعض تفسيرات الصغار (٣) للزوم الإخلال به. وكذا يجوز التوكيل في عقد الذمة من الطرفين.

قوله : ( وفي التوكيل بإثبات اليد على المباحات كالالتقاط والاصطياد والاحتشاش والاحتطاب نظر ).

اختلف كلام الشيخ في التوكيل في تملك المباحات ، فمنع منه في الاحتطاب والاحتشاش ، وسوغه في إحياء الموات (٤) ، والجمع بين الحكمين مشكل.

وقد بنى الأصحاب وجهي النظر في مسألة الكتاب على أن تملك المباحات يفتقر إلى النية أم لا؟ فعلى القول بافتقاره يجوز التوكيل لا بدونه ، وقد أسلفنا فيما مضى إن هذا البناء غير واضح ، لأنه إنما يتم إذا قلنا بأن المباح يملك بالحيازة على وجه القهر كالإرث ـ وإن نوى عدم التملك ـ ولا دليل يدل على ذلك. وقد صرحوا بأن من حفر بئرا في طريق لغرض الاستقاء منها مدة مقامه عليها يكون أولى بها إلى أن يرتحل عنها ، ثم هو وغيره سواء فيها. وتحقيق المسألة قد سبق ، والأصح صحة التوكيل في ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم إنّا إذا جوزنا التوكيل في هذا جوزنا الإجارة عليه ،

__________________

(١) النساء : ٤.

(٢) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٣) انظر : مجمع البيان : ٢٢ ، التفسير الكبير للرازي ١٥ : ٣٠.

(٤) المبسوط ٢ : ٣٦١.

٢١٨

ولا يصح التوكيل في الشهادة إلاّ على وجه الشهادة على الشهادة ، ولا في كل محرم ، وفي التوكيل على الإقرار إشكال ، فإن أبطلناه ففي جعله مقرا بنفس التوكيل نظر.

______________________________________________________

وإن منعناه منعنا الإجارة ، وبه صرح في التذكرة (١) ، وظاهر كلام صاحب الشرائع في كتاب الشركة صحة الاستئجار مطلقا ، نظرا إلى أنه بالإجارة تصير منافع الأجير مملوكة للمستأجر فيملك ما حازه (٢). ويضعّف بأنّه على القول بعدم صحة التوكيل في الحيازة لا تتصور صحة الإجازة.

قوله : ( ولا يصح التوكيل في الشهادة ـ إلاّ على وجه الشهادة على الشهادة ـ ولا في كل محرم ).

الشهادة على الشهادة ليست توكيلا في الشهادة ، بل هي شهادة بكون فلان شاهدا. نعم فيها مشابهة ذلك وملامحته ، فلذلك عبّر المصنف بقوله : ( إلاّ على وجه الشهادة على الشهادة ).

وقوله : ( ولا في كل محرم ) تكرار ، لأنه قد تقدّم في قوله : ( والمعاصي ... ).

قوله : ( وفي التوكيل على الإقرار إشكال ، فإن أبطلناه ففي جعله مقرا بنفس التوكيل نظر ).

أمّا الإشكال فمنشؤه : من أن الإقرار هو إخبار الإنسان عن حق عليه ، والإخبار عن الغير لا يكون إلاّ شهادة فلا يؤاخذ به الموكل ، كما لو قال : رضيت بما يشهد به عليّ فلان ، ولأن الأصل براءة الذمة فيستصحب حكمه إلى ان يتحقق الناقل الشرعي ، ولم يثبت كون ذلك موجبا لشغل الذمّة.

ومن أن فعل الوكيل فعل الموكل فاخباره عنه كإخباره ، ولأنّه فعل يلزم حقا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١١٨.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ١٣٤.

٢١٩

الثالث : أن يكون معلوما نوعا ما من العلم لينتفي عظم الغرر ، فلو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ويكفي لو قال : عبدا تركيا‌

______________________________________________________

فأشبه البيع ، ولجواز إملال الولي عن غير مستطيع الإملال.

ويضعّف بأنّ فعل الوكيل إنّما يكون فعلا للموكل إذا كان التوكيل صحيحا ، والقياس على البيع قياس مع الفارق ، فان البيع إنشاء والإقرار إخبار ، وإملال الولي ليس إقرارا ، ولهذا لو أنكر المولى عليه بعد زوال العذر لم يؤاخذ به ، والأصح أنّه لا يصح ، وجوّزه الشيخ في الخلاف والمبسوط (١).

إذا تقرر هذا فعلى كل من الوجهين هل يكون التوكيل بالإقرار إقرارا بالشي‌ء أم لا؟ فيه نظر : ينشأ من ان الإقرار إخبار والتوكيل إنشاء فلا يكون التوكيل إقرارا ، وتنافي لوازم الإخبار والإنشاء ظاهر ، لأن الأخبار يحتمل الصدق والكذب ومقتضاه حاصل بغيره ، ويقتضي تقدّم وجود المخبر عنه بخلاف الإنشاء.

ومن أن التوكيل تضمّن الإخبار فيكون إقرارا ، وفيه نظر ، لأن ما تضمّنه التوكيل هو صورة الاخبار وليس إخبارا حقيقة ، للعلم بان قوله لزيد : عندي كذا في قوله : وكلتك بأن تقرّ عني بأنّ لزيد عندي كذا لم يأت به للإخبار ، بل لبيان اللفظ الذي يخبر به ، فهو في الحقيقة من تتمة بيان الموكل فيه ، والأصح إنه لا يكون إقرارا.

ولا يخفى ان عبارة المصنف لا تخلو من مناقشة ، لأنّ تفريع احتمال كونه مقرا بنفس التوكيل على القول ببطلان التوكيل غير ظاهر ، بل ذلك آت على تقدير البطلان والصحة ، فكان حقا ان يقول : وفي كونه مقرا بذلك نظر ، كما صنع في الإرشاد.

قوله : ( الثالث : ان يكون معلوما نوعا من العلم لينتفي عنه عظم الغرر ، فلو وكله في شراء عبد افتقر الى وصفه لينتفي الغرر ، ويكفي لو‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ٨٥ مسألة ٥ كتاب الوكالة ، المبسوط ٢ : ٣٦١.

٢٢٠