جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ولو هرب العامل فإن تبرع بالعمل عنه أحد ، أو بذل الحاكم الأجرة من بيت المال فلا خيار ، وإلا فللمالك الفسخ.

ولو عمل المالك بنفسه ، أو استأجر عليه فهو متبرع وللعامل الحصة ، إذ ليس له أن يحكم لنفسه.

______________________________________________________

بل بحصة الغاصب خاصة ، فلا يتفاوت الحكم مع العلم وعدمه باعتبار ما سبق في كلام المصنف ، إلاّ في الأجرة فلا يرجع بها.

قوله : ( ولو هرب العامل ، فإن تبرع بالعمل عنه أحد أو بذل الحاكم الأجرة من بيت المال فلا خيار ، وإلاّ فللمالك الفسخ ).

لا ريب أنّ المساقاة لا تنفسخ بهرب العامل ، ولا يثبت للمالك الفسخ بمجرد الهرب ، بل يرفع الأمر إلى الحاكم ، وتثبت عنده المساقاة لينفذ في طلبه ، فإن وجده أجبره على القيام بالعمل ، وإلاّ اكترى من ماله من يعمل إن كان له مال ولم يوجد من يتبرع عنه بالعمل ، لأن العمل حق عليه.

وإن لم يجد له مالا أنفق من بيت المال ولو قرضا إن كان فيه سعة ، وإلا اقترض عليه ، أو استأجر بأجرة مؤجلة إلى وقت تدرك فيه الثمرة. ولو وجد متبرعا لم يجز الاستئجار من مال المالك ، ولا الاقتراض عليه.

ولو فقد الجميع فللمالك الفسخ ، لكن إن كان ذلك قبل ظهور الثمرة دفعا للضرر ولتعذر أحد العوضين ، أما بعد الظهور فإنه يبيع منها ما يفي بالعمل. فلو لم يوجد راغب ، أو لم يف البعض باع الجميع وحفظ ما يبقى للعامل إن بقي له شي‌ء ، وعبارة الكتاب مطلقة يجب تقييدها بما ذكرناه.

قوله : ( ولو عمل المالك بنفسه ، أو استأجر عليه فهو متبرع وللعامل الحصة ، إذ ليس له أن يحكم لنفسه ).

هذا إذا كان قادرا على الحاكم فعمل أو استأجر من دون مراجعته ، فإنه متبرع حينئذ وإن نوى الرجوع ، لأنه لا عبرة بنيته والحالة هذه ، وليس له أن‌

٣٨١

ولو أذن له الحاكم رجع بأجرة مثله ، أو بما أدّاه إن قصر عن الأجرة.

ولو تعذر الحاكم كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع حينئذ ،

______________________________________________________

يحكم لنفسه كما لو عمل أو استأجر مع حضور العامل.

قوله : ( ولو أذن له الحاكم رجع بأجرة مثله ، أو بما أدّاه إن قصر عن الأجرة ).

أي : لو أذن الحاكم للمالك في العمل أو الاستئجار عليه ليرجع عليه صح ، فإذا عمل بنفسه أو استأجر رجع بأجرة مثل ذلك العمل ، أو بما أدّاه إن قصر عن الأجرة. فإن زاد لم يرجع بالزائد ، لأنه لا يجوز الاعتياض للغير بأزيد من عوض المثل لوجوب مراعاة الغبطة له.

ويشكل بما إذا تعذر الاستئجار إلا بزيادة عن اجرة المثل. ومثله ما لو تعذر الإنفاق في الرهن والوديعة والعارية إلا بزيادة عن القيمة ، فإن المتجه أنه يرجع بجميع ما أدى ، إلاّ أن يقال : إن هذا هو العوض المثلي ، لأن المرجع فيه إلى الزمان والمكان ، فمتى لم يوجد باذل إلا بالزائد كان هو العوض.

فإن قيل : مقتضى العبارة أنه لا يرجع بما أدى إذا كان بقدر اجرة المثل ، لأنه شرط في الرجوع به قصوره عن اجرة المثل.

قلنا : بل مقتضاها الرجوع بالأجرة مطلقا ، إلا أن يقصر ما أدّاه عنها فيرجع بما أدّاه. وإن كان مفهوم قوله : ( أو بما أدّاه ) مدافعا لإطلاق قوله : ( رجع بأجرة مثله ) فإن الإطلاق أقوى. ولو قال : إلا أن يقصر ما أدّاه لسلم من هذا.

قوله : ( ولو تعذر الحاكم كان له أن يشهد أنه يستأجر عنه ويرجع حينئذ ).

٣٨٢

ولو لم يشهد لم يرجع وإن نوى على إشكال.

______________________________________________________

المراد بتعذره : ما‌ يشمل حصول المشقة الكثيرة في الوصول إليه. ولو لم يكن إثبات ذلك عند الحاكم ، فهل هو كتعذر الحاكم؟ فيه احتمال فينتقل إلى الإشهاد. ويحتمل التسلط على الفسخ لتعذر العوض. واشترط في التذكرة أن يشهد أنه ينفق ويرجع ، فلا يرجع إن لم يشترط الرجوع (١).

فرع : لو تعذر الاستئجار لم يجب على المالك العمل بالأجرة ، لأنه قد يأنف من ذلك فله الفسخ.

فرع آخر : متى لم تخرج الثمرة ، أو تلفت كلها لم يجب على العامل إكمال العمل إلى آخر المدة (٢).

قوله : ( ولو لم يشهد لم يرجع وإن نوى على إشكال ).

أي : لو لم يشهد على العمل أو الاستئجار ، سواء تمكن من الإشهاد أم لا. ومنشأ الإشكال : من أصالة عدم التسلط على شغل ذمة الغير بحق يطالب به ، فيقتصر فيه على موضع الوفاق ، وهو ما إذا أشهد.

ومن أن الشاهدين لا ولاية لهما على العامل ، وفائدة الإشهاد هو التمكن من إثبات استحقاق الرجوع ، والمقتضي للرجوع هو عدم التبرع لقصد الرجوع.

وربما بني ذلك على أن الإشهاد هل هو شرط للرجوع كإذن الحاكم فاعتباره لذلك؟ أو لأنه وسيلة إلى إثبات قصد الرجوع النافي للتبرع؟ فإن قلنا بالأول فلا رجوع بحال وإن ثبت عدم التبرع ، وعلى الثاني يرجع.

والذي يقتضيه النظر أن اشتراط الإشهاد لا وجه له ، إذ لا ولاية‌

__________________

(١) هذا الفرع والذي قبله ورد هامش نسخة « ك‍ » ، وفي نهايته عبارة : « بخطه » ، أما نسخة « ه‍ » فورد في المتن.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٥٠.

٣٨٣

ولو فسخ فعليه اجرة مثل عمله قبل الهرب ، وله مع المتبرع الفسخ مع التعيين.

ولو عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلّم للعامل غير المعيّن‌

______________________________________________________

للشاهدين على العامل ، ولأن إذنهما غير معتبر بل شهادتهما.

وفائدة الإشهاد هو التمكن من الإثبات فقط ، والتمسك بالأصل يقتضي انتفاء الاشتراط ، فحينئذ إذا أنفق بقصد الرجوع رجع فيما بينه وبين الله تعالى ، وكذا لو أقرّ العامل بأنه قصد ذلك.

وهل يكفي لثبوته بيمينه من حيث أنه لا يعلم إلا من قبله؟ يحتمل ذلك ، ولا فرق فيما قلناه كله بين تعذر الإشهاد وعدمه.

ولو قلنا بعدم الرجوع إلاّ مع الإشهاد وتعذّر فالمتجه تسلطه على الفسخ ، ويكون له العمل بمقتضاه فيما بينه وبين الله تعالى ، فيتوسل إلى دفع دعوى العامل بإنكار دعوى المساقاة موريا ونحو ذلك.

قوله : ( ولو فسخ فعليه اجرة مثل عمله قبل الهرب ).

لأنه عمل محترم صدر بالإذن في مقابل عوض ، وقد فات بالفسخ ، فتجب قيمته لتعذر رده.

قوله : ( وله مع المتبرع الفسخ مع التعيين ).

أي : وللمالك مع وجود المتبرع عن العامل بالعمل ، أو بالأجرة الفسخ إذا كان العامل معينا للعمل بنفسه.

ولا ينفسخ العقد بمجرد الهرب ، بخلاف الموت ، لعدم القطع بتعذر العمل ، لإمكان عود العامل حينئذ ، بخلاف الموت. لكن له الفسخ لتعذر العمل الخالي ففات بعض العوض.

قوله : ( ولو عمل الأجنبي قبل أن يشعر به المالك سلّم للعامل‌

٣٨٤

الحصة ، وكان الأجنبي متبرعا عليه ، لا على المالك ، والعامل أمين فيقبل قوله في التلف ، وعدم الخيانة ، وعدم التفريط مع اليمين.

______________________________________________________

غير المعيّن. الحصة ، وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك ).

إنما سلّمت له الحصة لحصول العمل الواجب في ذمته الذي هو في مقابلتها ، فإنه لم يشترط حصوله من أحد بعينه.

وقول المصنف : ( وكان الأجنبي متبرعا عليه لا على المالك ). واضح ، سواء قصد بالعمل التبرع على العامل أم على المالك ، لأن العمل واجب على العامل وثابت في ذمته ، فلا يتصور التبرع به على غير من هو عليه ، ولا أثر للقصد في ذلك.

ولا حاجة إلى التقييد بقوله : ( قبل أن يشعر به المالك ) فهو مستدرك بل مضر ، لأنه مع وجود المتبرع وعدم التعيين لا يجوز للمالك الفسخ وتسلم حصة العامل ، علم المالك أو لم يعلم.

أما التقييد بقوله : ( غير المعيّن ) ففي موضعه ، لأن المعيّن إذا استمر هاربا إلى أن انقضت المدة ينفسخ العقد ولا يستحق شيئا ، وعمل المتبرع يقع للمالك حينئذ.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن مرض العامل وحبسه كهربه ، ذكره في التذكرة (١). ولو كان مرضه مأيوسا من برئه فليس ببعيد إلحاقه بموته مع احتمال العدم ، لأن العادة قد تتخلف.

قوله : ( والعامل أمين فيقبل قوله في التلف ، وعدم الخيانة ، وعدم التفريط مع اليمين ).

أما أنه أمين ، فلأنه نائب المالك في حفظ ماله كعامل القراض ، وأما‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٥١.

٣٨٥

ولو ثبتت الخيانة فالأقرب أن يده لا ترفع عن حصته ، وللمالك رفع يده عن نصيبه ،

______________________________________________________

تفرع قبول قوله في التلف ، وما بعده بيمينه على كونه أمينا فغير ظاهر ، فإن الغاصب يقبل قوله في التلف بيمينه.

وكذا في عدم الخيانة ، لإنكاره إياها ، فيكون عامل المساقاة كذلك. وكذا القول في عدم التفريط بالنسبة إليه ، لإنكاره إياه ، وإن كان ترتب دعوى الضمان عليه لتفريطه متفرعا على كونه أمينا ، أما تقديم قوله فلا. ولو عبّر بقوله : ( ويقبل ) بالواو لسلم من ذلك.

واعلم أن الشيخ في المبسوط (١) ، والمصنف في التذكرة (٢) قالا : إن دعوى المالك على العامل شيئا من الأمور المذكورة لا تسمع حتى يحررها ، فإذا حررها وبيّن قدر ما خان فيه فأنكر وجبت البينة على المالك ، أو اليمين على العامل.

قلت : هذا بناء على أن الدعوى المجهولة لا تسمع ، فلو قلنا بسماعها كفى في توجهها دعوى الخيانة من ماله من غير احتياج إلى بيان القدر.

قوله : ( ولو ثبتت الخيانة فالأقرب أن يده لا ترفع عن حصته ، وللمالك رفع يده عن نصيبه ).

أي : لو ثبتت خيانته من مال المالك ـ على ما ترشد إليه عبارة التذكرة (٣) ـ من الثمار ، أو السعف ، أو الأغصان ، ومثله الإتلاف والتفريط في الحفظ. وإن كانت عبارة الكتاب مطلقة ـ فيتناول ما إذا ثبتت خيانته في الجملة ، إلا أن يقال : هذه الدعوى لا تسمع إلا أن يدّعي المالك حقا له.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢١٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٥١.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٥١.

٣٨٦

فإن ضم إليه المالك حافظا فأجرته على المالك خاصة.

ولو لم يمكن حفظه مع الحافظ فالأقرب رفع يده عن الثمرة ، وإلزامه بأجرة عامل.

______________________________________________________

إذا عرفت ذلك ، فإذا ثبتت خيانته فالأقرب إن يده لا ترفع عن حصته ، لأن ذلك ماله و : « الناس مسلطون على أموالهم » (١) وهو الأصح. ويحتمل ضعيفا رفعها عن حصته ، لأن إثبات يده على حصته يستدعي إثباتها على حصة المالك.

أما حصة المالك فإن له رفع يده عنها قطعا ، وذلك إنما يكون بضم آخر إليه يكون حافظا لمال المالك.

قوله : ( فإن ضم إليه المالك حافظا فأجرته على المالك خاصة ).

وذلك لأنه نائبه ، والقائم مقامه في حفظ ماله وقال بعض الشافعية : بأنها على العامل ، بناء على أن مؤنة الحفظ عليه (٢).

قوله : ( ولو لم يمكن حفظه مع الحافظ فالأقرب رفع يده عن الثمرة ، وإلزامه بأجرة عامل ).

هنا مسألتان : فأما وجه القرب في الاولى ، وهي رفع يده عن الجميع إذا تعذر حفظ مال المالك مع ضم الحافظ إليه ، فلأن للمالك أن يحفظ ماله قطعا ، ولا يتم إلا برفع يد العامل لأنه الفرض.

ويرد عليه : أن الحق الثابت لشخص إذا كان لا يتم إلا بإسقاط حق شخص آخر ، وإزالة يده عن ملكه ، فلا دليل على سقوط ذلك الحق‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٨ حديث ٣٨٢.

(٢) هو ابن الصباغ كما في فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١٢ : ١٤٩ ـ ١٥٠.

٣٨٧

ولو ضعف الأمين عن العمل ضم غيره إليه ، ولو عجز بالكلية أقيم مقامه من يعمل عمله ، والأجرة في الموضعين عليه.

ولو اختلفا في قدر حصة العامل قدّم قول المالك مع اليمين ،

______________________________________________________

واستحقاق إزالة يده.

وأما وجه القرب في الثانية ، فلأن العمل واجب عليه ، وقد تعذر فعله بنفسه ، فوجب أن يستأجر عنه من يقوم مقامه ، كما إذا هرب.

وفيه نظر ، لأن تعذر العمل منه غير واضح ، لأن مجرد الخيانة غير كاف في ثبوت تعذر العمل ، إذ لو جوّزنا رفع يده عن الجميع بسببها أمكن أن يقال : إن التعذر بسبب المالك ، فلا يجب على العامل شي‌ء آخر ، وللتوقف في الموضعين مجال.

قوله : ( ولو ضعف الأمين عن العمل ضم غيره إليه ، ولو عجز بالكلية أقيم مقامه من يعمل عمله ، والأجرة في الموضعين عليه ).

أراد بالموضعين ما إذا ضعف الأمين ـ وهو العامل ـ فاحتيج إلى الضم إليه ، وما إذا عجز بالكلية فاحتيج إلى إقامة غيره مقامه.

وإنما كانت الأجرة في الموضعين عليه ، لأن العمل الواجب عليه قد تعذر من قبله بضعفه أو بعجزه ، فكان الاستئجار واجبا عليه. ولا ريب أن الاستئجار باختياره ، لأنه حق في ذمته فيتخير في جهات قضائه ، فإن أبى أجبره الحاكم أو استأجر عليه.

ولا يخفى أن هذا إنما هو مع عدم تعيينه للعمل ، فمعه يفسخ المساقاة المالك إن شاء ، وإن شاء أبقاها فإذا انتهت المدة ولم يعمل شيئا انفسخت.

قوله : ( ولو اختلفا في قدر حصة العامل قدّم قول المالك مع اليمين ).

٣٨٨

وكذا لو اختلفا فيما تناولته المساقاة من الشجر.

ولو كان مع كل منهما بينة قدّم بينة الخارج ،

______________________________________________________

لأن الأصل كله ملك‌ المالك ، فالعامل يدعي ملك الزيادة والمالك ينكر ذلك ، فيكون القول قوله بيمينه مع عدم البينة.

وقال الشافعي : يتحالفان كالبيع (١) ، وهو الذي ذكره الشيخ في المبسوط أولا ، ثم قوّى تقديم قول المالك بيمينه (٢) ، وهو مذهب الأصحاب (٣) ، وإن كان للتحالف وجه فإن أصالة استحقاق المالك الجميع انقطعت بعقد المساقاة المتفق على حصوله ، إذ ليس وقوعه على وجه دون وجه بأصل ، وكل واحد منكر لما يدعيه الآخر ، ولأن العامل منكر لاستحقاق عمله في مقابلة الأقل من الحصة.

فرع (٤) : أجزاء الأصول كالسعف والجريد للمالك ، والثمرة بينهما ، وما يتبع الثمرة كالشماريخ كالثمرة على اشكال ، ذكره في التذكرة (٥).

قوله : ( وكذا لو اختلفا فيما تناولته المساقاة من الشجر ).

أي : القول قول المالك بيمينه ، لأنه منكر للزائد. ولو اختلفا في قدر العمل المشترط احتمل تقديم قول العامل ، والتحالف.

قوله : ( ولو كان مع كل منهما بينة قدّمت بينة الخارج ).

وهو العامل على ما سبق ، لأنه المدعي. وقال الشيخ في المبسوط :

__________________

(١) الوجيز ١ : ٢٢٩ ، فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١٢ : ١٧١.

(٢) المبسوط ٣ : ٢١٩.

(٣) منهم ابن زهرة في الغنية ( الجوامع الفقهية ) : ٥٤٠ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٦٨.

(٤) ورد هذا الفرع في هامش نسخة « ك‍ » وفي نهايته عبارة « بخطه » ، أما نسخة « ه‍ » فورد في متنها.

(٥) التذكرة ٢ : ٣٥٢.

٣٨٩

ولو صدقه أحد المالكين خاصة أخذ من نصيبه ما ادعاه ، وقبلت شهادته على المنكر.

ولو كان العامل اثنين والمالك واحدا ، فشهد أحدهما على صاحبه قبلت.

______________________________________________________

إنه إذا كان معهما بينتان حكم بالقرعة (١) ، وما ذكره متجه على القول بأن كلا منهما مدع ومنكر ، أما على القول بأن المدعي هو العامل ، وأن اليمين في جانب المالك فلا يتجه ذلك.

قوله : ( ولو صدّقه أحد المالكين خاصة أخذ من نصيبه ما ادعاه ، وقبلت شهادته على المنكر ).

أي : لو كان المالك متعددا ووقع الاختلاف في قدر الحصة ، أو في الأشجار التي تناولتها المساقاة ، فصدّق أحد المالكين العامل فيما ادعاه نفذ في حقه ، فيؤخذ من نصيبه ما ادعاه العامل. ثم إن كان أهلا للشهادة قبلت شهادته على المنكر ، لانتفاء المانع ، لانتفاء التهمة.

قوله : ( ولو كان العامل اثنين والمالك واحدا ، فشهد أحدهما على صاحبه قبلت ).

لانتفاء التهمة ، وهذا إنما يتم إذا قلنا بقبول البينة من طرف المالك ، وفي قبولها من طرفه نظر ، لانه منكر.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا كان مع أحدهما بينة حكم بها (٢) ، وقال المصنف في التذكرة : ولو أقام أحدهما بينة حكم بها إجماعا (٣) ، فحيث كانت المسألة إجماعية اندفع الإشكال.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢١٩.

(٢) المصدر السابق.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٥٢.

٣٩٠

ولو استأجره على العمل بحصة منها أو بجميعها ، بعد ظهورها والعلم بقدر العمل جاز ، وإلا فلا. والخراج على المالك إلا أن يشترطه على العامل أو عليهما ، وليس للعامل أن يساقي غيره.

______________________________________________________

قوله : ( ولو استأجره على العمل بحصة منها ، أو بجميعها بعد ظهورها ، والعلم بقدر العمل جاز ، وإلا فلا ).

لأن الإجارة لا بد فيها من العلم بالعوضين ، وكونهما في الذمة أو موجودين. فإذا ظهرت الثمرة وعلم قدر العمل صحت الإجارة ، وإلا فلا.

لا يقال : هذا كما لو استأجرها لإرضاع العبد بجزء منه.

لأنا نقول : ليس كذلك ، لأن المقصود بعمل المساقاة ربما كان هو الأصول ، فلا يكون العمل في الثمرة ملحوظا أو يكون تابعا ، بخلاف الإرضاع في العبد.

قوله : ( والخراج على المالك ، إلا أن يشترطه على العامل ، أو عليهما ).

إذا كان الشجر في الأرض الخراجية ، فإن الخراج على المالك ، لأنه سبّب الغراس ، إلا أن يشترطه على العامل أو عليهما ، فإن اشترط كذلك وجب الوفاء بالشرط ، لكن يجب أن يكون الخراج معلوم القدر ليصح اشتراطه. ولو زاد عن المقدّر شي‌ء فهو على المالك.

قوله : ( وليس للعامل أن يساقي غيره ).

لأن المساقاة إنما تكون بين صاحب الأصول والعامل ، لأنها معاملة على الأصول بحصة من الثمرة ، والعامل لا حق له في الأصول ، فمساقاته عليها خلاف موضوع المساقاة ، وهذا خلاف ما سبق في المزارعة.

والفرق : أن المزارعة لا يشترط فيها كون الأرض مملوكة للمزارع ،

٣٩١

ولو دفع إليه أرضا ليغرسها ، على أن الغرس بينهما فالمغارسة باطلة ، سواء شرطا للعامل جزءا من الأرض أو لا ، والغرس لصاحبه ولصاحب الأرض إزالته واجرة أرضه ، لفوات ما حصل الإذن بسببه ، وعليه أرش النقص بالقلع.

______________________________________________________

وإلاّ لم تصح في الأرض الخراجية بخلاف المساقاة. ولعلل السر في ذلك أن غرض المساقاة هو العمل في الاصول وإصلاحها ، وترتيبها لفائدة هي الثمرة.

وأما المزارعة فإن المقصود فيها هو الحاصل ، وليس الغرض فيها كالغرض في الأصول ، وإن كان حرثها وتسميدها مقصودا تبعا للزراعة. وهذا إذا لم يأذن المالك ، فإن أذن العامل في المساقاة صح ، وكان الثاني هو العامل والأول وكيل عن المالك.

قوله : ( ولو دفع إليه أرضا ليغرسها على أن الغرس بينهما فالمغارسة باطلة ، سواء شرط للعامل جزء من الأرض أو لا ، والغرس لصاحبه ، ولصاحب الأرض إزالته وأجرة أرضه ، لفوات ما حصل الاذن بسببه ، وعليه أرش النقص بالقلع ).

لما كانت العقود الناقلة للملك من مالك إلى آخر ، والمقتضية شغل ذمة خالية بعوض أو مجانا توقيفية ، لا تكون إلا بوضع الشارع وجب أن تكون المغارسة ـ وهي مفاعلة من الغرس ، والمراد بها : أن يدفع أرضا إلى آخر ليغرسها بغرسه أو بغرس المالك على أن الغرس بينهما ، سواء شرطا مع ذلك أن يكون للعامل جزء من الأرض أم لا ـ باطلة ، لأن هذه المعاملة ليست واحدا من عقود المعاملات ، فإنها أشبه شي‌ء بالمساقاة. إلا أنها مخالفة لموضوعها كما هو واضح ، وهذا الحكم بإجماعنا ، وموافقة أكثر العامة (١).

__________________

(١) فتح العزيز ١٢ : ١١٧ ، المغني لابن قدامة ٥ : ٥٨٠.

٣٩٢

ولو دفع قيمة الغرس ليملكه ، أو الغارس قيمة الأرض ليملكها لم يجبر الآخر عليه.

______________________________________________________

ومن المغارسة الباطلة : أن يعامله على الغرس في الأرض بحصة من الثمرة ، وما جرى مجراها كورق التوت ، فحيث كانت المغارسة باطلة فالغرس لصاحبه ، كما أن الأرض لصاحبها. فإن كان الغرس من المالك فعليه للعامل أجرة المثل ، لفوات ما عمل لأجله. وإن كان للعامل فلصاحب الأرض إزالته ، لأنه غير مستحق للبقاء في الأرض ، لكن بالأرش ، لأنه صدر بالاذن فليس بعرق ظالم ، وهو تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة ومقلوعا. ويحتمل تفاوت ما بين كونه قائما بالأجرة مستحقا للقلع بالأرش ومقلوعا ، ولصاحب الأرض الأجرة لفوات ما بذلت منفعتها لأجله.

بقي هنا شي‌ء ، وهو أنه بعد بذل مالك الأرض الأرش هل يجب على صاحب الغرس قلعه ، ويجبر عليه لو امتنع أم لا؟ وهل يجب طم الحفر وتسوية الأرض ، وأرش الأرض لو نقصت ، وقلع العروق؟.

لا أعلم في ذلك تصريحا بنفي ولا إثبات ، والذي يقتضيه النظر وجوب ذلك كله ، لأن الاذن إنما صدر على تقدير تملك الجزء من الغرس وقد فات ، فيجب ضمان كل ما فات بسببه من منفعة الأرض وقوّتها.

ولما لم يكن شغل الأرض به باستحقاق وجب تفريغ الأرض منه ، وطم الحفر الحاصلة بسبب ذلك ، وتسوية الأرض ، وقلع العروق. وهكذا ينبغي أن يكون الحكم في الإجارة الفاسدة للغرس والبناء ، وما جرى هذا المجرى. ولو أن مالك الغرس قلعه ابتداء لم يكن في وجوب الطم والتسوية بحث ، لأنه أحدث ذلك في أرض الغير لتخليص ملكه.

قوله : ( ولو دفع قيمة الغرس ليملكه ، أو الغارس قيمة الأرض ليملكها لم يجبر الآخر عليه ).

٣٩٣

ولو ساقاه على الشجر ، وزارعه على الأرض المتخللة بينها في عقد واحد جاز ، بأن يقول : ساقيتك على الشجر وزارعتك على الأرض ، أو عاملتك عليهما بالنصف.

______________________________________________________

لأن المعاوضة مشروطة‌ بالتراضي ، وليس ذلك كما في الغصب ، لصدور الغرس بالاذن.

لا يقال : هذا الاذن لا عبرة به ، لأنه إنما وقع في ضمن المغارسة الباطلة.

لأنا نقول : لا شك في اعتبار هذا الاذن في الجملة ، فإن الغارس غير عاد محض ، وما ذاك إلا لاعتبار الاذن ، ولو لا ذلك لم نوجب أجرة المثل في الإجارة الفاسدة ونحوها.

إذا عرفت ذلك ، فلو أراد أحدهما الإبقاء بالأجرة لم يجبر الآخر عليه لما قلناه.

قوله : ( ولو ساقاه على الشجر ، وزارعه على الأرض المتخللة بينها في عقد واحد جاز ).

قد سبقت هذه المسألة في المزارعة ، وإنما أعادها هنا ، لأن هذا هو الموضع الحقيق بذكرها ، لاحتياج جواز المزارعة على البياض إلى المساقاة على الشجر عند بعض العامة (١) ، كما نبهنا عليه سابقا ، ولأنه صرح هنا بجواز العقد الواحد بخلاف ما سبق وإن كان مقتضى عبارته ذلك ، ورجع عن الاشكال السابق إلى الجزم.

قوله : ( بأن يقول : ساقيتك على الشجر وزارعتك على الأرض ، أو عاملتك عليهما بالنصف ).

__________________

(١) فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١٢ : ١١٤.

٣٩٤

ولو قال : ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف جاز ، لأن الزرع يحتاج إلى السقي.

ولو قال : ساقيتك على الشجر ولم يذكر الأرض لم يجز له أن يزرع.

وكل شرط سائغ لا يتضمن جهالة فإنه لازم.

______________________________________________________

يرد عليه ما إذا‌ قال : زارعتك على الأرض وساقيتك على الشجر فإنه يجوز عندنا ، لأنا لا نشترط لصحة المزارعة المساقاة وعبارته تقتضي الحصر ، لأن قوله : ( بأن ... ) يدل على ذلك.

قوله : ( ولو قال : ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف جاز ، لأن الزرع يحتاج إلى السقي ).

الأصح عدم الجواز كما سبق ، ومعنى السقي غير ملحوظ في المساقاة باعتبار المعنى الشرعي كما قدّمناه.

قوله : ( ولو قال : ساقيتك على الشجر ولم يذكر الأرض لم يجز له أن يزرع قطعا ).

لأن كلا منهما له حكم بالاستقلال.

قوله : ( وكل شرط سائغ لا يتضمن جهالة فإنه لازم ).

إن أراد بالسائغ : مطلق الجائز شرعا لم يحتج إلى التقييد بقوله : ( لم يتضمن جهالة ) لأن المتضمن للجهالة غير جائز.

وإن أراد به غير المحرّم بالنظر إلى نفسه فعليه أن يقيّد بعدم منافاته لمقتضى العقد ، فإنه جائز بالنظر إلى نفسه لا إلى العقد.

* * *

٣٩٥
٣٩٦

فهرس الموضوعات

الموضوع

الصفحة

إحياء الموات :

تعريف الموات ............................................................... ٧

أحكام الأراضي :

ملك الأرض الموات بالاحياء .................................................. ٨

خصائص الأرض الموات ...................................................... ٩

وجوب اذن الامام في تملك الأرض الموات بالاحياء .............................. ٩

أسباب الاختصاص : العمارة ................................................ ١١

: اليد .................................................................. ١٩

: حريم العمارة .......................................................... ١٩

: أن يكون مشعرا ً للعبادة ................................................ ٢٧

: التحجير .............................................................. ٢٨

: إقطاع الامام .......................................................... ٢٩

أحكام المنافع :

ذكر بعض مصاديق المنافع كالطرق والمساجد والربط .......................... ٣٣

حكم الجلوس في الطرقات .................................................. ٣٤

٣٩٧

جريان القرعة فيما لو استبق اثنان إلى مكان معين .............................. ٣٧

أحكام الجلوس في المسجد ................................................... ٣٨

أحكام السكن في المدارس والربط ............................................ ٣٩

أحكام المعادن :

أحكام المعادن الظاهرة ...................................................... ٤١

أحكام المعادن الباطنة ....................................................... ٤٦

أحكام المياه :

أقسام المياه : المحرز في الانية ................................................. ٥٢

: البئر .................................................................. ٥٢

: مياه العيون والغيوث .................................................... ٥٨

: مياه الأنهار الكبار ...................................................... ٥٩

: الأنهار الصغار ......................................................... ٥٩

: الجاري من نهر مملوك ينزع من المباح ..................................... ٦٥

: النهر المملوك الجاري من ماء مملوك ....................................... ٧٠

بيان الاعمال التي يحصل بها الاحياء .......................................... ٧٣

كتاب الإجارة وتوابعها

الإجارة :

تعريف الإجارة ............................................................ ٨٠

اشتراط الايجاب والقبول .................................................... ٨٢

عدم انعقاد الإجارة بلفظ العارية أو البيع ...................................... ٨٣

عدم بطلان الإجارة بالبيع أو الموت .......................................... ٨٤

حكم ثبوت الخيار في الإجارة ............................................... ٨٦

أركان الإجارة :

المحل :

صحة إجارة كل عين تصح اعارتها ........................................... ٨٧

٣٩٨

اشتراط مشاهدة العين المؤجرة أو وصفها ..................................... ٨٨

لو وجد المستأجر العين المؤجرة معيبة ......................................... ٩١

لو تلفت العين قبل القبض أو بعده ........................................... ٩٣

ما يجب مشاهدته عند إجارة الحمام .......................................... ٩٥

حكم نفقة الدابة المستأجرة والعبد المستأجر ................................... ٩٥

لو أجر السيد عبده ثم أعتقه في أثناء الإجارة ................................ ١٠٠

العوض

يشترط في مال الإجارة أن يكون معلوما .................................... ١٠٢

كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون عوضا .............................. ١٠٣

حكم إجارة الدار بعمارتها ................................................. ١٠٣

حكم إجارة الحاصد بجزء من الزرع ........................................ ١٠٥

حكم التردد في العوض ................................................... ١٠٦

حكم التردد في وقت الإجارة .............................................. ١٠٨

ملكية المؤجر للأجرة بنفس العقد ........................................... ١١٠

لو بذلت العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة ....................... ١١٥

لو شرط المؤجر ابتداء العمل في مدة معينة ................................... ١١٧

ظهور عيب في الأجرة المعينة ............................................... ١١٨

حكم إجارة العين المؤجرة بأكثر مما استأجرها ............................... ١١٩

كراهة استعمال الأجير قبل أن يقاطع على الأجرة ............................ ١٢١

المنفعة

شروط المنفعة : أن تكون مباحة ........................................... ١٢٢

: أن تكون مملوكة ..................................................... ١٢٣

: أن تكون مقومة ..................................................... ١٢٥

: انفرادها بالتقويم ...................................................... ١٢٨

: امكان وجودها ...................................................... ١٣٢

٣٩٩

: القدرة على تسليمها .................................................. ١٣٤

: إمكان حصولها للمستأجر ............................................. ١٥١

: أن تكون معلومة ..................................................... ١٥٦

إجارة الادمي

صحة استئجار الادمي منفردا أو مشتركا ................................... ١٥٧

ملكية المنفعة بنفس العقد .................................................. ١٦٠

ما يجب تعيينه في تعليم القرآن ............................................. ١٦٢

ما يجب تعيينه في الارضاع ................................................ ١٦٣

لو مرض الأجير .......................................................... ١٦٩

ما يجب معرفته في الاستئجار لحفر الآبار والأنهار ............................. ١٧٠

ما يجب معرفته في الاستئجار لعمل اللبن .................................... ١٧٣

الاستئجار لتطيين السطح ................................................. ١٧٥

ما يجب معرفته في الاستئجار للنسخ ........................................ ١٧٦

جواز الاستئجار على نسخ المصحف وعلى تعليم القرآن ...................... ١٧٧

جواز جعل تعليم القرآن صداقا ً للمرأة ..................................... ١٨٠

جواز الاستئجار على تعليم الخط والحساب والآداب ......................... ١٨١

ذكر بعض الاعمال التي يجوز الاستئجار عليها ............................... ١٨٢

أحكام الاستئجار لرعي الماشية ............................................. ١٨٥

أحكام الاستئجار للزرع والحصاد والسقي .................................. ١٨٩

إجارة الدواب :

ما يجب معرفته في إجارة الدواب للركوب .................................. ١٩٢

ما يجب معرفته في إجارة الدواب للحمل .................................... ٢٠٣

ما يجب معرفته في إجارة الدواب للحرث ................................... ٢٠٦

ما يجب معرفته في إجارة الدواب للطحن .................................... ٢٠٨

ما يجب معرفته في إجارة الدواب للاستسقاء ................................. ٢١٠

٤٠٠