جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ويجوز إحياء ما قرب من العامر مما لا تتعلق به مصلحته.

وحد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمس أذرع ، وقيل سبع ، فيتباعد المقابل ذلك ،

______________________________________________________

« من أحيى أرضاً ميتة في غير حق مسلم فهي له » (١) وهذه حقوق ولهذا يدخل الطريق والشرب في بيع الأرض ونحو ذلك ـ والإجماع.

قال في التذكرة : لا نعلم خلافاً بين فقهاء الأمصار أن كل ما يتعلق بمصالح العامر أو بمصالح القرية كقناتها ، ومرعى ماشيتها لا يصح لأحد إحياؤه ولا يملك بالإحياء (٢).

قوله : ( ويجوز إحياء ما قرب من العامر مما لا يتعلق به مصلحة ).

علله في التذكرة بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقطع بلال بن الحرث المزني العقيق (٣) وهو يعلم أنه بين عامر المدينة (٤).

قوله : ( وحد الطريق لمن ابتكر ما يحتاج إليه في الأرض المباحة خمسة أذرع ، وقيل : سبع ، فيتباعد المقابل ذلك ).

أي : وحد الطريق في حق من ابتكر ما يحتاج إليه في أرض مباحة من مسكن ، ومزرع ، وغيرهما إذا دعت الحاجة إلى الطريق لمن سبقه بالإحياء في ذلك الموضع ، الذي يريد الإحياء فيه أو بقربه وإن لم يكن قد حصل استطراقهم قدر خمس أذرع عند الأكثر.

__________________

(١) صحيح البخاري ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، سنن البيهقي ٦ : ١٤٢ ، الكافي ٥ : ٢٧٩ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٨ حديث ٦٥٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٤١٠.

(٣) سنن البيهقي ٦ : ١٥١.

(٤) التذكرة ٢ : ٤١٠.

٢١

______________________________________________________

وقال الشيخ (١) وابن إدريس : سبع أذرع (٢) ، واختاره المصنف في المختلف (٣) والتذكرة (٤) ، وشيخنا في الدروس (٥). فحينئذ يجب أن لا يحيي نفس الطريق ، ويجب على مقابله أن يتباعد عن موضع إحياء الأول ذلك القدر ، فيكون أثر تقدير الطريق إنما هو في حق المقابل خاصة ، فلذلك فرَّع المصنف قوله : ( فيتباعد المقابل ذلك ) على قوله : ( وحد الطريق لمن ابتكر ... ) وهذا إنما هو حيث يتأخر إحياء المقابل عن المبتكر ، فإن تساويا في زمان الإحياء وجب على كل منهما التباعد عن الآخر بحيث يبقى القدر المذكور سليماً عن الإحياء. ولو استطرق الناس أكثر من النصاب : فالممنوع من إحيائه هو قدر النصاب.

ولا يخفى ما في قوله : ( وحدُّ الطريق لمن ابتكر ... ) من إيهام غير المراد لأن المتبادر منه أن حد الطريق لهذا المحيي ، وليس بمراد قطعاً لأنه بصدد بيان حد الطريق مطلقاً ، ولا يستقيم معنى : ( فيتباعد المقابل ذلك ) إلا بتكلف كثير.

إذا عرفت ذلك فوجه القول الأول رواية أبي العباس البقباق عن الصادق عليه‌السلام حيث قال : « إن الطريق عند التشاحّ خمس أذرع » (٦).

ووجه الثاني رواية مسمع بن عبد الملك عن الصادق عليه‌السلام قال : « قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » إلى أن قال : « والطريق إذا تشاحَّ أهله‌

__________________

(١) النهاية : ٤١٨.

(٢) السرائر : ٢٤٧.

(٣) المختلف : ٤٧٥.

(٤) التذكرة ٢ : ٤١٤ ، واختار فيها خمس أذرع لا سبع.

(٥) الدروس : ٢٩٤.

(٦) التهذيب ٧ : ١٣٠ حديث ٥٧٠.

٢٢

وحريم الشرب مقدار مطرح ترابه والمجاز على طرفيه.

ولو كان النهر في ملك الغير فتداعيا الحريم قضي له مع يمينه على إشكال.

______________________________________________________

عليه فحده سبع أذرع » (١). وكذا موثقة السكوني عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وننزل الأولى على ما إذا لم تدع الحاجة إلى أزيد من خمس إن لم يلزم منه إحداث قول ثالث ، فإن لزم فالعمل على السبع ، لأن الضرورة تدعو كثيراً إليها عند ازدحام الأحمال وعبور القوافل.

قوله : ( وحريم الشرب : مقدار مطرح ترابه ، والمجاز على طرفيه )

أصل الشرب بكسر أوله : الحظ من الماء ، في المثل آخرها أقلّها شرباً ، والمراد به هنا : النهر ، وحريمه ما ذكره ، فإنّ حفره وتنقيته والمجاز على جانبيه أمر مطلوب عادة.

قوله : ( ولو كان النهر في ملك الغير فتداعيا الحريم قضي له بيمينه على إشكال ).

أي : قضي للغير الذي هو صاحب الملك. والمراد به إذا كان نفس النهر ـ وهو مجرى الماء ـ مملوكاً لغير صاحب الملك لكنه وقع في ملك الغير.

ومنشأ الإشكال : من أن الحريم من جملة الأرض لا النهر ، فيكون ملكاً لصاحب الأرض لأنها في يده ، فعلى صاحب النهر البينة. ولأن ثبوت الحريم للنهر موقوف على التقدم في الإحياء أو المقارنة ، وكلاهما غير‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤٤ حديث ٦٤٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٦ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ حديث ٦٤٣.

٢٣

وحريم بئر المعطن أربعون ذراعاً ، والناضح ستون ، والعين ألف في الرخوة وخمسمائة في الصلبة.

______________________________________________________

معلوم ، ومن أن الحريم من لوازم النهر لأن انفكاكه عنه إنما يكون عند تأخر مجيئه عن صاحب الملك والأصل عدمه.

ويضعّف بأن استحقاق الحريم غير معلوم ، ولا يد لصاحب النهر إلا على النهر ، وإنما ليد صاحب الأرض وهي أقوى من اقتضاء النهر الحريم على بعض الحالات ، فلا يترك المعلوم بالمحتمل ، والأقوى تقديم قول صاحب الملك بيمينه.

قوله : ( وحريم بئر المعطن أربعون ذراعاً ، والناضح ستون ).

العطن والمعطن واحد الأعطان والمعاطن : وهي مبارك الإبل عند الماء تشرب عللا بعد نهل.

والناضح : البعير يسقى عليه ، ذكرهما في الصحاح (١). ولا ريب أن حريم البئر إنما يعتبر في الموات ، فلا يجوز إحياء هذا القدر من جميع جوانب البئر بحفر بئر أخرى ولا غيره ، وما ذكره هو المشهور بين الأصحاب ، ومستنده النص (٢).

وقال ابن الجنيد : روي عن رسول الله ( ص ) قال : حريم البئر الجاهلية خمسون ذراعاً ، والإسلامية خمساً وعشرين ذراعاً. وقال : حريم الناضح قدر عمقها ممراً للناضح (٣) ، والعمل على المشهور.

قوله : ( والعين ألف في الرخوة ، وخمسمائة في الصلبة ).

__________________

(١) الصحاح ( نضح ) ١ : ٤١١ ، ( عطن ) ٦ : ٢١٦٥.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٥ ، ٢٩٦ حديث ٢ ، ٨ ، والتهذيب ٧ : ١٤٤ حديث ٦٤٢ ، ٦٤٣.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٧٤.

٢٤

وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه لو استهدم ، وللدار مطرح ترابها ومصب الميزاب والثلج والممر في صوب الباب ،

______________________________________________________

فليس للغير استنباط‌ عين أخرى في هذا القدر ، ومستنده النص (١) وإطباق الأصحاب. وروي فيمن أراد أن يحدث قناة إلى جنب قناة أنه يتباعد بمقدار أن لا يضر أحدهما بالآخر (٢).

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قضى أن يكون بين القناتين في العرض إذا كانت أرضاً رخوة ألف ذراع ، وإن كانت أرضاً صلبة يكون خمسمائة ذراع (٣).

وحدّه ابن الجنيد بما ينتفي معه الضرر ، ومال إليه المصنف في المختلف (٤). والتمسك بالنصوص هو المناط في ذلك.

قوله : ( وحريم الحائط في المباح مقدار مطرح ترابه لو استهدم ).

لأن الحاجة تمسّ إليه عند سقوطه.

قوله : ( وللدار مطرح ترابها ، ومصب الميزاب والثلج ، والممر في صوب الباب ).

لا ريب أن مطرح تراب الدار ، ورمادها ، والثلج ، ومسيل مياها إن احتيج إليهما. والممر في صوب الباب ، أي في الصوب الذي يفتح إليه الباب مما تستدعيه الحاجة عادة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٩٦ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٥٨ حديث ٢٠٧ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ حديث ٦٤٤ ، وفيها : ( البئر ) بدل ( العين ).

(٢) انظر : الكافي ٥ : ٢٩٣ ، ٢٩٤ حديث ٥ ، ٧ ، الفقيه ٣ : ٥٨ ، ١٥٠ حديث ٢٠٥ ، ٦٥٩ ، التهذيب ٧ : ١٤٥ ، ١٤٦ حديث ٦٤٤ ، ٦٤٧.

(٣) الفقيه ٣ : ١٥٠ حديث ٦٦٠.

(٤) المختلف : ٤٧٤.

٢٥

هذا في الموات. ولا حريم في الأملاك لتعارضها.

ولكل واحد أن يتصرف في ملكه كيف شاء ، ولو تضرر صاحبه فلا ضمان ، فلو جعل ملكه بيت حدّاد ، أو قصّار ، أو حمّام على خلاف العادة فلا منع.

______________________________________________________

وليس المراد من استحقاق في صوب الباب استحقاق الممر في قبالة الباب على امتداد الموات ، بل يجوز لغيره إحياء ما قابله الباب إذا بقي له الممر ، فإن احتاج إلى ازورار وانعطاف جاز ، لأن الحاجة تمس إليه. ذكره في التذكرة (١). لكن ينبغي تقييده بما إذا لم يحصل ضرر كثير عادة ، لاستدعائه إفراط طول الطريق ونحوه.

قوله : ( هذا في الموات ، ولا حريم في الأملاك لتعارضها ).

أي : هذا المذكور من تعيين الحريم بجنب كل واحد من المذكورات إنما هو في الموات ، أما في الأملاك المتلاصقة فلا حريم لأحدها بالنسبة إلى جاره لتعارضها ، فإن كل واحد منها يقتضي حريماً بالنسبة إلى جاره ولا أولوية. ولأنه من الممكن شروعهم في الإحياء دفعة ، فلم يكن لواحد على الآخر حريم.

قوله : ( ولكل واحد أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ، ولو تضرر به صاحبه فلا ضمان ).

لأن الناس مسلطون على أموالهم.

قوله : ( فلو جعل ملكه بيت حداد ، أو قصّار أو حمام على خلاف العادة فلا منع ).

قال في التذكرة : هذا إذا احتاط وأحكم الجدران بحيث يليق بما‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٣.

٢٦

ولو غرس في أرض أحياها ما يبرز أغصانه أو عروقه إلى المباح لم يكن لغيره إحياؤه ، وللغارس منعه وإن كان في مبدأ الغرس.

الرابع : أن يكون مشعراً للعبادة كعرفة ، ومنى ، وجمع وإن كان يسيراً لا يمنع المتعبدين.

______________________________________________________

يقصده فإن فعل ما يغلب على الظن أنه يؤدي إلى خلل في حيطان جاره ففي منعه تردد ، فلو دق دقاً عنيفاً أحدث به نقصاً في جدران جاره ، أو حبس الماء بحيث انتشرت منه النداوة إليها أو حصل ذلك من ماء الحمام ففي الضمان تردد (١).

قوله : ( ولو غرس في أرض أحياها ما تبرز به أغصانه ، أو عروقه إلى المباح لم يكن لغيره إحياؤه ، وللغارس منعه وإن كان في مبدأ الغرس ).

لثبوت الأولوية للغارس نظراً إلى مقتضى العادة.

قوله : ( الرابع : أن لا يكون مشعراً للعبادة كعرفة ، ومنى ، وجمع وإن كان يسيراً لا يمنع المتعبدين ).

لأن الشارع وضعها موطناً للعبادة فلا يشرع تملكها لأنه يؤدي إلى تفويت هذا الغرض ، ولتعلق حق المكلف به كما في المساجد ونحوها.

وجوّز ابن الجنيد إحياء اليسير الذي لا يضر بالمتعبدين (٢) ، وهو ضعيف.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٤.

(٢) في النسخة الحجرية : ابن سعيد ، وفي النسخة الخطية « ه‍ » : ابن الجنيد ، ولم نجد من ينقل القول عن ابن الجنيد ، بل ان المحقق الحلي قائل به ، انظر شرائع الإسلام ٣ : ٢٧٤.

٢٧

الخامس : التحجير ، وهو بنصب المروز ، أو التحويط بحائط ، أو بحفر ساقية محيطة ، أو إدارة تراب حول الأرض أو أحجار ولا يفيد ملكاً ـ فإن الملك يحصل بالإحياء لا بالشروع فيه ، والتحجير شروع في الإحياء ـ بل يفيد اختصاصاً وأولوية ، فإن نقله إلى غيره صار أحق به ، وكذا لو مات فوارثه أحق به ، فإن باعه لم يصح بيعه على إشكال ، ويملك به التصرف ، فله منع من يروم إحياءه ،. فإن قهره فأحياها لم يملك.

______________________________________________________

قوله : ( الخامس : التحجير : وهو نصب المروز ، أو التحويط بحائط أو بحبل ساقية محيطة ، أو إدارة تراب حول الأرض أو أحجار ).

المروز جمع مرز : وهو جمع التراب حول الموات ، فيكون قوله : ( إدارة التراب ) مستدركاً. وفي عدّ التحويط بحائط من التحجير نظر ، بل هو إحياء في نحو الحظيرة ، فإن قصدها بالتحويط فلا بحث ، وإلا ففيه تردد ، ومال في التذكرة إلى أنه إحياء وإن قصد به السكنى (١).

قوله : ( ولا يفيد ملكاً ، فإنّ الملك يحصل بالإحياء لا بالشروع فيه ، والتحجير شروع في الإحياء بل يفيد اختصاصاً وأولوية ).

خلافاً لابن نما (٢).

قوله : ( فإن نقله إلى غيره صار أحق به ، وكذا لو مات فوارثه أحق ).

وإنما يكون ذلك بالصلح والهبة ، وكذا الحكم في كل ما يفيد أولويته واختصاصه.

قوله : ( فإن باعه لم يصح بيعه على إشكال ، ويملك به‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٢.

(٢) نقله عنه الشهيد في الدروس : ٢٩٢.

٢٨

ثم المحجر إن أهمل العمارة أجبره الإمام على الإحياء ، أو التخلية عنها ، فإن امتنع أخرجها السلطان من يده ، فإن بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع الإمام يده ، أو يأذن في الإحياء.

السادس : إقطاع الإمام ، وهو متبع في الموات ، فلا يجوز إحياؤه وإن كان مواتاً خالياً من التحجير ،

______________________________________________________

التصرف ، فله منع من يروم إحياءه ، فإن قهره فأحياها لم يملك ).

ينشأ من أنه حق يقابل بمال ، فتجوز المعاوضة عليه ، فيجوز بيعه. ولأن آثار التصرف في أرض الخراج يجوز بيعها ، ومن أن البيع يقتضي الملك ولا ملك ثمة ، لأن التحجير لا يفيد ملكاً وإنما يفيد أولوية واختصاصاً والملك بالإحياء ، والأصح عدم الصحة.

قوله : ( ثم المحجر إن أهمل العمارة أجبره الإمام عليه‌السلام على الإحياء أو التخلية عنها ، فإن امتنع أخرجها السلطان من يده ، فإن بادر إليها من أحياها لم يصح ما لم يرفع الإمام يده أو يأذن في الإحياء ).

هذا إذا بقيت آثار التحجير ، فإن زالت آثاره بطلت الأولوية ، وعادت الأرض مواتاً.

قوله : ( السادس : إقطاع الإمام وهو متبع في الموات ، فلا يجوز إحياؤه وإن كان مواتاً خالياً عن التحجير ).

المراد بكونه متبعاً وجوب اتباعه ، بمعنى أن المقطع يصير أولى من غيره في الإحياء ، كما يصير المحجَّر أولى بما يحجره ، ولا يزاحمه الغير.

ولا يصح رفع هذا الاختصاص بالإحياء ، والإقطاع وحده كافٍ في حصول الأولوية والاختصاص وإن لم يحصل تحجير ، والأصل في ذلك أن‌

٢٩

كما أقطع النبي عليه‌السلام بلال بن الحارث العقيق ، فلما ولي عمر قال له : ما أقطعته لتحجبه ، فأقطعه الناس ، وأقطع أرضاً بحضرموت ، وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه ،

______________________________________________________

الموات ملك الإمام عليه‌السلام فيجوز له أن يقطعه الغير.

قوله : ( كما أقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلال بن الحارث العقيق ، فلما ولي عمر قال له : ما أقطعته لتحجبه ، فأقطعه الناس ).

العقيق : وادٍ بظاهر المدينة : أقطعه النبي بلال بن الحارث واستمر ذلك إلى ولاء عمر فقال له ما قال ، لأنه لم يعمره (١). وأقطع أرضاً بحضرموت (٢).

في التذكرة : قد أقطع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإبل بن حجر أرضاً بحضرموت (٣). وفي القاموس : حضرموت بضم الميم : بلد : يقال : هذا حضرموت ، ويضاف فيقال : هذا حضرموت بضم الراء ، وإن شئت لا تنون الثاني (٤).

قوله : ( وأقطع الزبير حضر فرسه فأجرى فرسه حتى قام فرمى بسوطه ).

حضر فرسه بالحاء المهملة والضاد المعجمة : عدوه ، يعني مقدار ما جرى ، والمراد بقيامه : عجزه عن العدو. وإنما رمى بسوطه طلبا للزيادة. وفي الحديث أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « اقطعوا مرمى سوطه » (٥).

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ١٤٥ ، سنن ابي داود ٣ : ١٧٣ حديث ٣٠٦١ ، ٣٠٦٢ ، مسند أحمد ١ : ٣٠٦.

(٢) سنن ابي داود ٣ : ١٧٣ حديث ٣٠٥٨ ، سنن الترمذي ٣ : ٦٦٥ حديث ١٣٨١.

(٣) التذكرة ٢ : ٤١١ ، وانظر : سنن البيهقي ٦ : ١٤٤.

(٤) القاموس المحيط ( حضر ) ٢ : ١٠.

(٥) سنن البيهقي ٦ : ١٤٤ ، سنن ابي داود ٣ : ١٧٧ حديث ٣٠٧٢.

٣٠

وهو يفيد الاختصاص.

وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة على إشكال ، وفي حكم الإقطاع الحمى ،

______________________________________________________

قوله : ( هو يفيد الاختصاص ).

كالتحجير ، فإن قام بعمارته وإلا فكما سبق في التحجير.

قوله : ( وليس للإمام إقطاع ما لا يجوز إحياؤه كالمعادن الظاهرة على إشكال ).

المراد بالمعادن الظاهرة : ما يكون على وجه الأرض ، ولا يتوقف الوصول إليها على عمل ، ومنشأ الإشكال : من عموم حاجة الناس إليها ، ومن أن النظر في ذلك إلى الإمام عليه‌السلام.

وربما بنى الحكم في هذا على أن المعادن له عليه‌السلام ، والناس فيها سواء. فعلى القول بأنها له : يجوز إقطاعها ، وعلى الآخر : يحتمل الجواز وعدمه.

وقد يقال : لا يتصور الإقطاع في المعادن الظاهرة وإن قلنا إنها له عليه‌السلام ، لأن الإقطاع إذا كان بمنزلة التحجير لا يتصور الإحياء فيها فلا يتصور التحجير ، ولعل هذا أقرب.

ولا يقال : لأن الإقطاع قد يتصور في المجالس المتسعة فلم لا يمكن هنا؟

لأنا نقول : الإقطاع فيها للاتفاق في الجلوس وذلك لا يتصور في المعادن ، إذ لا يراد منها إلا التمليك ، فينتفي.

قوله : ( وفي حكم الإقطاع الحمى ).

الأحكام التي تتعلق بالموات ثلاثة : التحجير ، والإقطاع ، والحمى.

٣١

وهو منع الإمام الناس عن رعي كلأ ما حماه في الأرض المباحة ليختص به دونهم ، كما حمى النبي عليه‌السلام النقيع. وللإمام أن يحمي لنفسه ، ولنعم الصدقة والضوال ، وليس لغيره ذلك.

ولا يجوز نقض ما حماه الإمام ولا تغييره ، ومن أحيى منه شيئاً لم‌

______________________________________________________

قوله : ( وهو منع الناس عن رعي كلأ ما حماه في الأرض المباحة ليختص به دونهم ).

الرعي بفتح الراء مصدر ، ولا ريب أن الحمى وقع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والإمام عندنا بمنزلته.

قوله : ( كما حمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النقيع ).

بالنون : موضع قريب من المدينة كان يستنقع فيه الماء ، أي : يجتمع ، وفيه أول جمعة جمعت في الإسلام بالمدينة في نقيع الخضمات. وفي حواشي الشهيد : النقيع هو ليس بالواسع في قبلة المدينة الشريفة صلوات الله على مشرفها وكان شجر سمي الغريز. وفي الأثر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمى غرز النقيع (١). وسمي نقيعاً باستنقاع الماء فيه والغرز. قال الجوهري : الغرز نبت من الثمام لا ورق له (٢).

قوله : ( وللإمام أن يحمي لنفسه ولنعم الصدقة والضوال ، وليس لغيره ذلك ).

لأن الكلأ مشترك بين الناس فلا يختص به أحد ، والإمام خرج للدليل ، ولأن الضرورة تدعو إلى ذلك لنعم الصدقة وغيرها.

قوله : ( ولا يجوز نقض ما حواه الإمام ولا تغيره ، ومن أحيى منه‌

__________________

(١) سنن البيهقي ٦ : ١٤٦.

(٢) لم نعثر عليه في الصحاح ، وفي القاموس المحيط ( غرز ) ٤ : ١٨٤ : والغرز ، محركة : ضرب من الثمام ، ونباته كنبات الإذخر من شر المرعى.

٣٢

يملكه ما دام الحمى مستمراً ، فإن كان الحمى لمصلحة فزالت فالوجه جواز الإحياء.

الفصل الثاني : المنافع ، وهي الطرق ، والمساجد ، والوقوف المطلقة كالمدارس ، والربط ، والمشاهد.

______________________________________________________

شيئاً لم يملكه ما دام الحمى مستمراً ).

لأن في نقضه نقض حكم الإمام.

قوله : ( فإن كان الحمى لمصلحة فزالت فالوجه جواز الإحياء ).

المراد : إذا كان الحمى مقصوراً على مصلحة خاصة فزالت ، ووجه جواز الإحياء أن الأصل جواز الإحياء ، وإنما منع منه الحمى لأمر خاص وقد زال ، فلم يبق مانع.

ويحتمل البقاء ، لأن حكم ذلك حكم من الإمام فلا يزول إلا بإزالته.

ويضعَّف بأنه حكم مقصور على أمر خاص فينتفي بانتفائه.

فإن قيل : إنما يجوز الإحياء بإذن الإمام ، وإذا أذن زال الحمى فلا حاصل لهذا الفرع.

قلنا : قد يأذن الإمام عليه‌السلام في الإحياء مطلقاً فيكون شمول الإطلاق لهذا النوع فرع زوال الحمى ، وعدمه فرع عدمه.

قوله : ( الفصل الثاني : المنافع ، وهي الطرق ، والمساجد ، والوقوف المطلقة كالمدارس والربط ، والمشاهد ).

هو بضم الراء والباء جمع رباط بكسر الراء ، قال في الصحاح : الرباط واحد الرباطات المبنية (١).

__________________

(١) الصحاح ( ربط ) ٣ : ١١٢٧.

٣٣

وفائدة الطرق الاستطراق ، والجلوس غير المضر بالمارة ، فإن قام بطل حقه وإن كان بنية العود قبل استيفاء غرضه ، فليس له دفع السابق إلى مكانه.

______________________________________________________

قوله : ( وفائدة الطرق الاستطراق ، والجلوس غير المضر بالمارة فإن قام بطل حقه ، وإن كان بنية العود قبل استيفاء غرضه فليس له دفع السابق إلى مكانه ).

لإجماع الناس على ذلك في جميع الأصقاع والأمصار. ولا فرق في الجلوس بين كونه للاستراحة ، أو للمعاملة ، أو لغيرهما. ولا يتقيد إلا بعدم الإضرار والتضييق على المارة فحينئذ يحرم ، لأن حق الاستطراق هو المطلوب الأصلي.

والظاهر أن هذا الحكم كما يثبت للمسلمين يثبت لأهل الذمة ، لأن ما لهم للمسلمين ، وبه صرح في التذكرة (١).

فرع : قال في التذكرة : إذا جلس واحد في موضع من الشوارع والأسواق فهو أحق من غيره مع عدم الضرر بالمارة ، وليس لغيره إزعاجه ، ولو أزعجه أحد وقعد مكانه فعل حراماً وصار أولى به من الأول (٢).

ويشكل بأن الأول قد استحق الانتفاع وصار أولى فكيف يسقط حقه؟

قوله : ( فإن قام ورحله باقٍ فهو أحق به ).

قال في التذكرة : لو قام عنه بنية العود إليه في ذلك النهار وكان له فيه بساط أو متاع وشبهه لم يكن لأحد إزالته ، وكان صاحب البساط والمتاع أولى به إلى الليل ، لقول الصادق عليه‌السلام : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : سوق المسلمين كمسجدهم ، فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل ».

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٥.

(٢) المصدر السابق.

٣٤

ولو جلس للبيع والشراء في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز للعادة ،

______________________________________________________

قال : « وكان لا يؤخذ على بيوت السوق كرى » (١).

قلت : أراد بذلك توجيه الرواية بأن هذا لا يثبت في غير السوق المباح ، والظاهر أن المراد بالسوق : المواضع التي يجلس بها

للبيع والشراء من المباح ، وما جرى مجراه من الأسواق الموقوفة أو المأذون فيها عاماً.

واعلم أن ظاهر الرواية الاستحقاق إلى الليل مطلقاً ، من غير تقييد ببقاء متاع بعد المفارقة وعدمه ، بل ليس فيها ذكر للمفارقة. والذي يستفاد من مفهوم كلام التذكرة أن بقاء المتاع إلى الليل لا يفيد أولوية وهو مشكل ، خصوصاً إذا جلس في الليل للبيع والشراء.

قوله : ( ولو جلس للبيع في الأماكن المتسعة فالأقرب الجواز ، للعادة ).

ظاهر إطلاق ( المتسعة ) يتناول الطريق الواسع ، فإن كانت سعته فوق النصاب فالزائد ليس بطريق ، بل هو من جملة الرحاب ، وحينئذ فلا وجه لقوله : ( فالأقرب ) إذ لا يتطرق احتمال المنع من الجلوس في مثل هذه ، إذ ليس الغرض منها الاستطراق.

ولعله أراد بـ ( المتسعة ) : ما كان من الطرق غير مضر بالمارة ، لانتفاء التضييق ، فإنه حينئذ متسع للمرور والجلوس : وفيه تكلف ظاهر ، ووجه القرب استمرار العادة بذلك وانتفاء الضرر.

ويحتمل العدم ، لأنه غير المنفعة المرادة من الطريق ، وهو ضعيف ، لأن المحكم في ذلك هو العرف وهو مطرد بما قلناه ، والفرض انتفاء الضرر‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٥ ، وانظر الكافي ٥ : ١٥٥ حديث ١ ، وفيه : الكراء ، الفقيه ٣ : ١٢٤ حديث ٥٤٠ ، التهذيب ٧ : ٩ حديث ٣١.

٣٥

فإن قام ورحله باق فهو أحق به ، فإن رفعه بنية العود فالأقرب بطلان حقه وإن استضر بتفريق معامليه.

ولو ضاق على المارة ، أو استضر به بعضهم منع من الجلوس.

______________________________________________________

فلا مانع.

قوله : ( فإن قام ورحله باق فهو أحق به ).

مقتضى كلام التذكرة (١) أن الأحقية إلى الليل فقط لأنه غيَّا الأولوية إلى الليل.

قوله : ( فإن رفعه بنية العود فالأقرب بطلان حقه وإن استضر بتفريق معامليه ، ولو ضاق على المارة أو استضر به بعضهم منع من الجلوس ).

وجه القرب انتفاء الملك ، والأولوية قد زالت بقيامه ورفع متاعه. ويحتمل بقاء حقه ، لأن قطع ألفته من ذلك المكان فيه ضرر ، مع أن ذلك قد يقتضي إلى تفرق معامليه حيث لم يجدوه في المكان المعهود ، وذلك من أشد الضرر ، ولإطلاق الرواية السابقة.

ويضعّف بأنّ الضرر المنفي هو الذي لم يدل الدليل على عدم اعتباره ، وهنا قد دل الدليل على ذلك ، لأن منفعة الطرق مشتركة بين المسلمين ، والسابق أحق ، فإزعاجه ضرر غير مستحق ، والضرر لا يزال بالضرر. والرواية لا تدل على شي‌ء بخصوصه ، فتقيد بمقتضى غيرها من الدلائل.

وأراد بقوله : ( إن استضر بتفريق معامليه ) الرد على بعض العامة ، حيث أبقى حقه ما دام لا تمتد غيبته إلى أن يقطع معاملوه ألفه معاملته ويستفتحون المعاملة مع غيره (٢).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤٠٥.

(٢) قاله الجويني ، انظر : المجموع ١٥ : ٢٢٥.

٣٦

وليس للسلطان إقطاع ذلك ، ولا إحياؤه ، ولا إحياؤه ، ولا تحجيره. وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وثوب ، وليس له بناء دكة.

ولو استبق اثنان فالأقرب القرعة.

______________________________________________________

قوله : ( وليس للسلطان إقطاع ذلك ولا إحياؤه ولا تحجيره ، وله أن يظلل على نفسه بما لا ضرر فيه من بارية وثوب ، وليس له بناء دكة ).

لأن ذلك لا يجوز تملكه ، فلا يجوز تحجيره ولا ما هو في معنى التحجير ، لكن قال في التذكرة في خاتمة شروط الإحياء : إن للسلطان أن يقطع الجلوس في المواضع المتسعة في الشوارع ، وفائدة الارتفاق بحيث إذا قام لم يكن لغيره الجلوس فيه (١). وأطلق هنا وغيره عدم الجواز (٢) ، ولا ريب أن جواز ذلك محتمل وإن لم ينقل مثله.

قوله : ( ولو استبق اثنان فالأقرب القرعة ).

وجه القرب أن الحق الآن دائر بينهما لانحصار الأولوية فيهما ، ولا يمكن الجمع بينهما فهو لأحدهما ، لأن منعهما معاً باطل قطعاً ، فحينئذ يقرع لأن في كل أمر مشكل القرعة.

ويحتمل العدم : لأن القرعة لتبيين المجهول عندنا إذا كان معيناً في نفس الأمر وليس كذلك هنا ، فيكون التعيين إلى الإمام عليه‌السلام بحسب المصلحة من أحوجية ونحوها. كما ذكره احتمالاً لبعض العامة (٣) في التذكرة (٤) ، ووقع في بعض حواشي شيخنا الشهيد ، وليس بشي‌ء ، لأنا لا‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٤١٢.

(٢) التحرير ٢ : ١٣٤.

(٣) انظر : المجموع ١٥ : ٢٢٦ ، مغني المحتاج ٦ : ١٧٩.

(٤) التذكرة ٢ : ٤٠٥.

٣٧

وأما المسجد فمن سبق إلى مكان فهو أحق به ، فإذا قام بطل حقه وإن قام لتجديد طهارة ، أو إزالة نجاسة ، وإن نوى العود ، إلاّ أن يكون رحله باقياً فيه.

______________________________________________________

نسلم انحصار القرعة فيما ذكر ، وعموم الحديث ينافي ذلك ، والأصح القرعة.

قوله : ( وأما المسجد فمن سبق إلى مكان فهو أحق به ، فإذا قام بطل حقه ، وإن قام لتجديد طهارة أو إزالة نجاسة ، أو نوى العود ، إلا أن يكون رحله باقياً فيه ).

هذا هو المشهور ، لانتفاء الملك والأولوية ، واختار المصنف في التذكرة : أن من فارق مكانه في المسجد لإجابة داع ، أو لرعاف ، أو لقضاء حاجة ، أو تجديد طهارة لا يبطل اختصاصه ، للرواية السابقة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

قال : وتقييده عليه‌السلام بـ ( الليل ) بناءً على الغالب ، ولو أقام ليلاً ونهاراً لم يجز إزعاجه لصدق اسم السبق في حقه.

قال : ولا فرق بين أن يترك إزاره فيه وبين أن لا يتركه ، ولا بين أن يطرأ العذر بعد الشروع في الصلاة أو قبله (٢).

وفيما اختاره نظر ، والرواية لا دلالة فيها ، إذ لا يمكن التمسك بظاهرها ، لأنها تتناول من فارق لا بنية العود ولا متاع له فيحمل على أن المراد أحقيته (٣) إذا لم يفارق أو إذا بقي رحله.

واعلم أن المصنف في التحرير قال في كتاب الصلاة : إن الأولوية‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٥ حديث ١ ، الفقيه ٣ : ١٢٤ حديث ٥٤٠ ، التهذيب ٧ : ٩ حديث ٣١.

(٢) التذكرة ٢ : ٤٠٦.

(٣) في « ه‍ » : حقيقته.

٣٨

ولو استبق اثنان ولم يكن الاجتماع أقرع.

ولا فرق بين أن يعتاد جلوس موضع منه لقراءة القرآن أو لتدريس العلم ، أو لا.

وأما المدارس والربط فمن سكن بيتاً ممن له السكنى لم يجز‌

______________________________________________________

لا تحصل بالرحل في المسجد (١) ، وهنا حكم بحصولها ، وقد جمع بين الكلامين شيخنا الشهيد بحمل الأول على تقديم رحله عليه من غير استقرار ، والثاني على استقراره ثم يخرج (٢) ، وهو حمل مشكل ، لأن من وصل إلى مكان فهو أحق به ، نعم لو حمل الأول على من بعث برحله ولم يأت هو أمكن ، وحينئذ فيندفع التنافي.

فرع : لو أزعج السابق إلى مكان مزعج فلا شك في إثمه ، وهل يصير أولى؟ فيه بعد. فحينئذ هل تبطل صلاته لنهيه عن شغل المكان فإن الأولوية للأول هنا؟ هذا هو الوجه ولم أجد به تصريحاً.

قوله : ( ولو استبق اثنان ولم يمكن الاجتماع أقرع ).

لا فرق بين الاستباق هنا وفيما قبله ، فيجي‌ء الاحتمال.

قوله : ( ولا فرق بين أن يعتاد جلوس موضع منه لقراءة القرآن أو لتدريس العلم ، أو لا ).

وقال بعض الشافعية : أنه إذا جلس لبعض هذه وقام قبل استيفاء غرضه بنية العود كان أولى (٣) ، وهو مردود.

قوله : ( وأما المدارس والربط فمن سكن بيتاً ممن له السكنى لم‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٤٣.

(٢) الدروس : ٢٩٦.

(٣) انظر المجموع ١٥ : ٢٢٣ ، والوجيز ١ : ٢٤٣.

٣٩

إزعاجه وإن طال زمانه ، ما لم يشترط الواقف مدة معينة فيلزم بالخروج عند انقضائها.

ولو شرط على الساكن التشاغل بالعلم ، أو قراءة القرآن ، أو تدريسه فأهمل أخرج ، وله أن يمنع من المشاركة في السكنى ما دام على الصفة ، فإن فارق لعذر أو غيره بطل اختصاصه ،

______________________________________________________

يجز إزعاجه وإن طال زمانه ، ما لم يشترط الواقف مدة معينة فيلزم بالخروج عند انقضائها ).

احتمل في الدروس في الساكن في المدرسة وبيت القرآن جواز الإزعاج عند انقضاء غرضه (١) ولو أدى طول المدة إلى التباس الحال بحيث يمكن لو ادعى الملك ( أن يلتبس ) (٢) على الناس عدم صحة دعواه ، احتمل جواز الإزعاج أيضاً لأنه يضر بالوقف.

قوله : ( ولو شرط على الساكن التشاغل بالعلم ، أو قراءة القرآن ، أو تدريسه فأهمل أخرج ، وله أن يمنع من المشاركة في السكنى ما دام على الصفة ).

لما في المشاركة من الأمور المكروهة.

قوله : ( فإن فارق لعذر أو غيره بطل اختصاصه ).

احتمل في الدروس احتمالات :

الأول : بقاء حقه مطلقاً ، لأنه باستيلائه جرى مجرى المالك.

الثاني : بقاؤه إن قصرت المدة دون ما إذا طالت ، لئلا يضر بالمستحقين.

__________________

(١) الدروس : ٢٩٦.

(٢) لم ترد في « ه‍ ».

٤٠