جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ولو انهدمت الدار ، أو غرقت الأرض ، أو انقطع ماؤها في الأثناء فللمستأجر الفسخ ، فإن بادر المالك إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار.

______________________________________________________

أي : وإن لم تكن‌ أجزاء المدة متساوية كذلك فالطريق تقسيط المسمى على ما مضى وما بقي على النسبة ، فينظر نسبة أجرة المثل لكل منهما إلى مجموع اجرة المثل لهما ، ويؤخذ بتلك النسبة المسماة فيدفع ما قابل الماضي لصيرورته إليه دون الباقي.

قوله : ( ولو انهدمت الدار ، أو غرقت الأرض ، أو انقطع ماؤها في الأثناء فللمستأجر الفسخ ).

لطروء المانع من الانتفاع ، وينبغي أن يكون هذا مع إمكان إزالة المانع أو بقاء أصل الانتفاء ، فلو انتفيا انفسخت الإجارة لتعذر المستأجر عليه.

قوله : ( فإن بادر المالك إلى الإعادة فالأقرب بقاء الخيار ).

المفهوم من ( بادر المالك ) مسارعته بحيث لا يفوت شي‌ء من النفع ، هكذا فهم الشارح الفاضل ولد المصنف (١).

ويمكن أن يراد به عدم التراخي عادة وإن فات شي‌ء من النفع ، لكن الأول أوجه ، فإنه إذا فات شي‌ء من النفع تبعضت الصفقة فيثبت الخيار. ثم إنه إذا فات شي‌ء من النفع لا فرق بين مبادرة المالك وتراخيه إذا لم يفسخ المستأجر حتى حصلت الإعادة.

ووجه القرب أن السبب المقتضي للخيار حصل وهو الانهدام وما في حكمه ، وهو موجب للخيار ، فيستصحب بعد الإعادة ، ولم يدل دليل على سقوطه بالإعادة. ويحتمل السقوط لزوال المقتضي ، والأول أقوى.

ويفهم من قوله : ( بادر ) أنه لو تراخى فالخيار باق وإن حصلت‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٥٤.

١٤١

ولو شرط منفعة كالزرع فتلفت وبقي غيرها ، كصيد السمك منها بعد الغرق فهي كالتالفة تنفسخ فيها الإجارة.

ولو أمكن الانتفاع بالعين فيما اكتراها له على نقص تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ والإمضاء بالجميع.

______________________________________________________

الإعادة. وجعله الشارح مقطوعاً به ، والفاضل عميد الدين لم يفرّق بينهما ، ولم يجعل العبارة خاصة بأحدهما واختار التفصيل بأنه إن لم يفت شي‌ء من النفع فلا خيار ، وإلا كان مستمراً ، والكلام الأول أوجه.

قوله : ( ولو شرط منفعة كالزرع فتلفت وبقي غيرها كصيد السمك منها بعد الغرق فهي كالتالفة تنفسخ فيها الإجارة ).

لتعذر المنفعة المعقود عليها ، فإن ما تعذر استيفاؤها من العين امتنع العقد لأجله. وللشافعية قول بأن له الفسخ ، لإمكان الانتفاع من جهة أخرى (١) ، وليس بظاهر.

قوله : ( ولو أمكن الانتفاع بالعين فيما اكتراها له على نقص تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ والإمضاء بالجميع ).

أي : لو أمكن الانتفاع بالعين بعد عروض تلف شي‌ء منها فيما اكتراها له على نقص تخير المستأجر أيضاً في الفسخ والإمضاء بالجميع ، أما الفسخ فلأن ما جرت عليه الإجارة هو العين سليمة ، وقد فات وصف السلامة فله الرجوع إلى ماله.

وأما الإمضاء بالجميع ، فلأن متعلق الإجارة كله باق لم يفت منه شي‌ء ، لأنه المفروض ، غاية ما في الباب أنه قد نقص بعض صفاته. ويحتمل ثبوت الأرش ، لأن تعيب العين يقتضي تعيب المنفعة فينجبر عيبها‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٥ : ٧٤.

١٤٢

ولو غرق بعض الأرض بطلت الإجارة فيه ، وتخيّر في الباقي بين الفسخ وإمساكه بالحصة.

ولو منعه المؤجر من التصرف في العين فالأقرب تخيره بين الفسخ فيطالب بالمسمى ، وبين الإمضاء فيطالب بأجرة المثل.

______________________________________________________

بالأرش.

وما أشبه هذه المسألة بما إذا تلف من المبيع ما لا قسط له من الثمن كيد العبد ، فإن الثابت هنا عند جمع هو الخيار بين الفسخ والإمضاء بالجميع. أما انهدام بعض بيوت الدار مثلاً وغرق بعض الأرض فإنه في الإجارة كتلف أحد العبدين ، وإني لا أستبعد ثبوت الأرش في المسألة الأولى كثيراً.

قوله : ( ولو غرق بعض الأرض بطلت الإجارة فيه ، وتخير في الباقي بين الفسخ وإمساكه بالحصة ).

لا فرق في غرق بعض الأرض بين كونه قبل القبض أو بعده ، كما سبق من أن الغرق في الأثناء يوجب الفسخ ولا خيار للمؤجر ، لأن التلف محسوب منه ، وإنما ثبت (١) للمستأجر الخيار لتبعّض الصفقة عليه.

قوله : ( ولو منعه المؤجر من التصرف في العين فالأقرب تخيره بين الفسخ فيطالب بالمسمى ، وبين الإمضاء فيطالب بأجرة المثل ).

وجهه : أن العوض لم يصل إليه وكان له الرجوع إلى ماله فينفسخ ، وله المطالبة بقيمة المنفعة لأنها حقه ، وقد تصرف فيها المؤجر عدواناً فيجب عليه عوضها كالأجنبي ، وهو الأصح.

ويحتمل ضعيفاً العدم ، بل يفسخ ويطالب بالمسمى فقط ـ وهو قول الشيخ ـ إجراء لذلك مجرى التلف في يده ، فإنها مضمونة عليه حينئذ ، فكما‌

__________________

(١) في « ه‍ » : يثبت.

١٤٣

ولو غصبه أجنبي قبل القبض تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ فيطالب المؤجر بالمسمى ، وفي الإمضاء فيطالب الغاصب بأجرة.

______________________________________________________

لا يجب إلا المسمى هناك فكذا هنا. ويضعّف بأنه ليس المراد من ضمانها في يده ضمان قيمتها لو تلفت ، بل انفساخ المعاوضة لتعذر تسليم العوض.

أما إذا استوفى المنفعة فإنه قد باشر إتلاف مال الغير عدواناً فاجتمع أمران : أحدهما تعذر تسليم العوض ، والآخر مباشرة إتلاف مال الغير فيتخير في الفسخ نظراً إلى الأمر الأول ، والمطالبة بالقيمة ـ أعني أجرة المثل ـ نظراً إلى الأمر الثاني. ولأن ضمان المؤجر يستدعي ثبوت العوض والمعوض له ، وذلك باطل.

بيان الملازمة : أنه استحق الأجرة بالعقد حيث لم يفسخه المستأجر والمنفعة التي استوفاها إذا غرم قيمتها.

ويضعّف بأن الممتنع الجمع بينهما بسبب واحد ، أما بسبب آخر فلا ، كما لو استأجر المؤجر العين المؤجرة ، وهنا إنما استحق الأجرة بالعقد ، والمنفعة يغرّم قيمتها بعد إتلافها. ومثله ما لو جنى البائع على المبيع قبل القبض على الأصح.

ولو جنى البائع بعد قبض المشتري فتعيب المبيع ، ثم أفلس المشتري والعين باقية ، والثمن في ذمته فللبائع الرجوع بالعين وبأرش العيب ، وللمشتري أرش الجناية ، فيسقط منه أرش العيب إن كان أرش الجناية أكثر ، باعتبار زيادة القيمة على الثمن ، لأن أرش العيب جزء من الثمن ، بخلاف أرش الجناية فإنه جزء من القيمة ، وحينئذ فقد استحق البائع أرش جناية نفسه ، وهو عوض الجزء الذي أتلفه ، إلا أنه بسبب آخر وهو كون التعيب في يد المشتري مضموناً عليه.

قوله : ( ولو غصبه أجنبي قبل القبض تخيّر المستأجر أيضاً في الفسخ فيطالب المؤجر بالمسمى ، وفي الإمضاء فيطالب الغاصب بأجرة‌

١٤٤

المثل ولو ردت العين في الأثناء استوفى المستأجر المنافع الباقية ، وطالب الغاصب بأجرة مثل الماضي ،

______________________________________________________

المثل ).

وجهه : أنه قبل القبض مضمون المنفعة على المؤجر ، نظراً إلى مقتضى المعاوضة ، فللمستأجر الفسخ ومطالبة المؤجر بالمسمى. ولا تبطل الإجارة بالغصب ، لعدم تعذر المنفعة لإمكان الرجوع إلى بدلها إن اختاره.

ولا ينفسخ بنفسه لإمكان مطالبة الغاصب ، لأنه باشر إتلاف مال الغير عدواناً ، فله الرجوع عليه بقيمة المنفعة ، وهي أجرة المثل.

وهل له مع عدم الفسخ مطالبة المؤجر بأجرة المثل؟ يحتمل ذلك لكونها مضمونة عليه. ولا نعني بالضمان إلا وجوب القيمة. ويحتمل العدم ، لأنا لا نريد بالضمان هذا المعنى ، بل ما تقتضيه المعاوضة ، وهو أنه بفوات المنفعة يجب رد العوض وهو المسمى. ولا دليل على أمر زائد ، فحينئذ له الفسخ وأخذ المسمى. والمستحق لمطالبة الغاصب حينئذ هو المؤجر والإجارة ، فيطالب الغاصب وليس له أمر آخر غير هذين.

قوله : ( ولو ردت العين في الأثناء استوفى المستأجر المنافع الباقية وطالب الغاصب بأجرة مثل الماضي ).

أي : لو ردت العين المذكورة في أثناء مدة الإجارة فللمستأجر خيار الفسخ في الجميع قطعاً ، لفوات المعقود عليه وهو مجموع المنفعة ، ولأنه قد ثبت له الخيار بالغصب والأصل بقاؤه.

ولم يذكر المصنف هذا لظهوره ، واستفادته من حكم المسألة السابقة ، وله الإمضاء ، واستيفاء المنافع الباقية ، ومطالبة الغاصب بعوض ما ذهب في يده ، وهو أجرة مثل الماضي قطعاً.

وهل له مطالبة المؤجر ـ والحالة هذه ـ بأجرة مثل المنفعة الماضية؟ فيه‌

١٤٥

وهل له الفسخ فيه ومطالبة المؤجر؟ نظر.

______________________________________________________

الوجهان السابقان.

قوله : ( وهل له الفسخ فيه ومطالبة المؤجر؟ نظر ).

أي : وهل للمستأجر في المسألة المذكورة الفسخ في الماضي خاصة ، ومطالبة المؤجر بحصته من المسمى ، ويستوفي الباقي من المنفعة؟ فيه نظر ينشأ : من أن فوات المنفعة ـ وهي المعوض ـ يقتضي الرجوع إلى العوض وهو الأجرة المسماة ، والفوات في هذه الصورة مختص بالمنفعة الماضية فاستحق الفسخ فيها.

ومن أن ذلك مقتضٍ لتبعض الصفقة على المؤجر ، وهو خلاف مقتضى العقد ، فإما أن يفسخ في الجميع. أو يمضي العقد في الجميع لعموم : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) فيتمسك به في موضع النزاع إلى أن يثبت المخصص ، وهو الأصح.

ولو كان المؤجر هو المانع من التصرف بعض المدة ثم سلّم العين إلى المستأجر فهل له الفسخ في الماضي خاصة؟ يحتمل ذلك ، وأولى بالثبوت هنا ، لأنه غاصب عاد ، وحقه أن يؤاخذ بأشق الأحوال.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن الشارح الفاضل (٢) حمل قول المصنف : ( ومطالبة المؤجر ) على أن المراد مطالبته بأجرة المثل للمدة الماضية على تقدير عدم الفسخ ، نظراً إلى كون العين مضمونة عليه ، وأن الضمان إنما هو بمعنى خاص ذكرناه سابقاً ، فيكون النظر المذكورة في كلام المصنف متعلقاً به على تقدير عدم الفسخ وثبوت الفسخ في الماضي خاصة. ويكون تقدير العبارة حينئذٍ : وهل للمستأجر الفسخ في الماضي ، ومطالبة المؤجر بأجرة‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٥٥.

١٤٦

ولو كانت الإجارة على عمل مضمون كخياطة ثوب ، أو حمل شي‌ء فغصب العبد الخياط أو الدابة الحاملة فللمستأجر مطالبة المالك بعوض المغصوب ، فإن تعذر البدل تخيّر في الفسخ والإمضاء.

ولو كان الغصب بعد القبض لم تبطل الإجارة ، وطالب المستأجر‌

______________________________________________________

المثل للماضي؟ على تقدير عدم الفسخ؟ نظر. وهذا المعنى الذي حاوله معنىً صحيح ، إلا أن حمل العبارة عليه يقتضي من التعسف والتكلف ما لا يخفى.

قوله : ( ولو كانت الإجارة على عمل مضمون كخياطة ثوب أو حمل شي‌ء ، فغصب العبد الخياط أو الدابة الحاملة فللمستأجر مطالبة المالك بعوض المغصوب ).

أي : لو كانت الإجارة واردة على الذمة ، كما لو كانت على عمل مضمون ـ أي في الذمة ـ غير معين محله كخياطة ثوب ، وحمل شي‌ء من غير تعيين للخياط والدابة ، فغصب العبد الخياط أو الدابة الحاملة فللمستأجر مطالبة المالك (١) لهما ـ وهو المؤجر ـ بعوض المغصوب ، لأن المستأجر عليه في الذمة غير مخصوص بالمغصوب.

قوله : ( فإن تعذر البدل تخيّر في الفسخ والإمضاء ).

أي : فإن تعذر تحصيل المستأجر البدل المغصوب فقد تعذر العوض ، فيتخير المستأجر بين الفسخ فيأخذ المسمى ، والإمضاء فيصبر إلى أن يحصل البدل ، أو يرد المغصوب.

وينبغي أن يكون هذا إذا لم يتشخص الزمان ، فإن تشخّص بأن عيّن أوّله ، فحقه أن تنفسخ الإجارة بمضي المدة ، وقد سبق مثله.

قوله : ( ولو كان الغصب بعد القبض لم تبطل الإجارة ، وطالب‌

__________________

(١) في « ك‍ » : الغاصب.

١٤٧

الغاصب بأجرة المثل خاصة وإن كان في ابتداء المدة. ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء ، كما لو استأجر جملاً للحج فتنقطع السابلة فالأقرب تخيّر كل من المؤجر والمستأجر في الفسخ والإمضاء.

______________________________________________________

المستأجر الغاصب بأجرة المثل خاصة وإن كان في ابتداء المدة ).

أي : لو كان غصب العين المؤجرة بعد قبض المستأجر لها لم تبطل الإجارة ، لأنها لا تبطل بالغصب قبل القبض ، فهنا بطريق أولى.

وليس له الفسخ ، لأن الغصب وقع بعد قبض العين ، واستقرار العقد ، وبراءة المؤجر فيطالب المستأجر الغاصب بأجرة المثل ، وهي قيمة المنفعة. وأشار بقوله : ( خاصة ) إلى أنه ليس للمستأجر سوى ذلك.

ولو كان الغاصب هو المؤجر فالظاهر عدم الفرق ، ولا فرق في الغصب بعد القبض بين كونه في ابتداء المدة أو في خلالها ، لحصول القبض المعتبر.

قوله : ( ولو حدث خوف منع المستأجر من الاستيفاء ، كما لو استأجر جملاً للحج فتنقطع السابلة ، فالأقرب تخيّر كل من المؤجر والمستأجر في الفسخ والإمضاء ).

وجه القرب : إن وجود إمارة الخوف يوجب الاحتراز على كل منهما منه ، ويقتضي تحريم السفر ، فجرى ذلك مجرى تعذر استيفاء المنفعة لتلف العين ونحوه ، ولأن المنع الشرعي كالحسي. ولهذا لو استأجر امرأة لكنس المسجد فحاضت والزمان معين فإنها تنفسخ.

ويحتمل العدم : لأنه لا مانع من جهة المؤجر والعين ، والمنع من قبل المستأجر لا يقتضي بطلان المعاوضة اللازمة لعقد الدليل.

وجوابه : ثبوت المنع من طرف المؤجر ، إذ لا يجوز له التغرير بماله مع الخوف ، فهو ممنوع من ذلك العمل شرعاً ، لأن الخوف المظنون يجب‌

١٤٨

______________________________________________________

الاحتراز منه على النفس والمال قطعاً.

وهذا واضح ، إلا أن حقه أن تنفسخ الإجارة ها هنا ، لثبوت امتناع العمل كحيض المستأجرة للكنس. والأقرب أقرب ، لكن فيه ما ذكرناه آنفاً.

واعلم أنه لا حاجة إلى انقطاع السابلة في تصوير المسألة ، بل يكفي خوف المؤجر والمستأجر ، نظراً إلى مقتضى الدليل.

ولو كان الخوف خاصاً بالمستأجر دون الدابة ففي ثبوت الحكم المذكور إشكال ، ينشأ : من وجود المانع الشرعي ، ومن تخيّل عدم تأثيره إذا اختص بالمستأجر ، إذ لا منع من طرف المؤجر. وقد قال المصنف في التحرير : ولا ينفسخ بالعذر ، فلو اكترى جملاً للحج ثم بدا له أو مرض ولم يخرج ، لم يكن له فسخ الإجارة (١).

وفي الحواشي المنسوبة إلى شيخنا الشهيد على التحرير تقييد ذلك بالمرض الذي يمكن معه الخروج ، قال : أما لو لم يمكنه الخروج أصلاً ، ولم تجز له إجارته لغيره ، كأن يشترط عليه استيفاء المنفعة بنفسه ، فإنه يقوى الفسخ. هذا كلامه وعندي فيه شي‌ء ، لأن تعذر الاستيفاء إذا اختص بالمستأجر ، ولم يكن من قبل المؤجر مانع ففي إسقاطه حق المؤجر وتسليط المستأجر على الفسخ. أو الحكم بالانفساخ إضرار بالمؤجر لمصلحة المستأجر.

واختار المصنف في المختلف : أن من استأجر جملاً للحج فمرض ، أو حانوتاً ليبيع السرقين فاحترق تبطل الإجارة (٢) ، خلافاً لابن إدريس (٣). وللكلام في الثانية مجال إلا أن يقال : إن هذا لا يزيد على ما إذا استأجره‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ٢٤١.

(٢) المختلف : ٤٦٢.

(٣) السرائر : ٢٧٠.

١٤٩

ولو استأجر داراً للسكنى ، فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد ففي تخير المستأجر نظر.

ولو أخرجه المالك في الأثناء لم تسقط عنه أجرة السالف.

______________________________________________________

لقلع ضرس فسكن ألمه ، فإنه في الموضعين يمنع المستأجر من الفعل ، والمؤجر من بذله ، لأن فيه معاونة على الإثم والعدوان ، ولا ريب أن ما ذكره محتمل.

قوله : ( ولو استأجر داراً للسكنى فحدث خوف عام يمنع من الإقامة بذلك البلد ففي تخير المستأجر نظر ).

منشأ النظر يعلم مما مضى ، وفي ثبوت التخيير قوة. ويجي‌ء احتمال الانفساخ.

ثم إنه قد يقال : لا حاجة إلى كون الخوف عاماً لقيام الدليل في موضع اختصاص المستأجر بالخوف أيضاً.

فإن قيل : قد حكم المصنف في المسألة السابقة بثبوت الفسخ وتردد هنا فما الفرق؟.

قلنا : الفرق أن العذر هنا خاص بالمستأجر ، وهناك يعم المؤجر.

واعلم إن في حواشي شيخنا الشهيد : أنه نقل عن المصنف تخيره إن كان ذلك قبل القبض لا بعده ، تنزيلاً له منزلة غصب العين. ووجهه غير ظاهر ، لعدم تمكنه من العين في الغصب بخلافه هنا باعتبار الدابة ، فإنه يمكن حفظها بترك السفر بخلاف الدار. وأيضاً عروض الخوف في الطرق أكثري ، بخلاف البلد فإن عروضه فيه نادر.

قوله : ( ولو أخرجه المالك في الأثناء لم تسقط عنه اجرة السالف ).

١٥٠

ولو استأجره لصيد شي‌ء بعينه لم يصح ، لعدم الثقة بحصوله.

السابع : إمكان حصولها للمستأجر ، فلو آجر من وجب عليه الحج ـ مع تمكنه ـ نفسه للنيابة عن غيره لم يقع ، وكذا لو آجر نفسه للصلوات الواجبة عليه فإنها لا تقع عن المستأجر ، وهل تقع عن الأجير؟ الأقوى العدم.

______________________________________________________

قطعاً ، لأنه استوفاه‌ على حكم الإجارة فيثبت عوضه من المسمى في الذمة ، ولم يذكر حكم الباقي أيثبت فيه الفسخ أم له المطالبة بأجرة المثل عنه؟ وقد نبهنا على ذلك سابقاً.

قوله : ( ولو استأجره لصيد شي‌ء بعينه لم يصح ، لعدم الثقة بحصوله ).

فلا تكون (١) المنفعة مقدوراً على تسليمها بحسب الغالب.

قوله : ( السابع : إمكان حصولها للمستأجر ، فلو أجر من وجب عليه الحج مع تمكنه نفسه للنيابة عن غيره لم يقع ).

لتعذر وقوع الحج للمستأجر ، أما مع عدم التمكن من الحج الواجب عليه فلا مانع ، لجريانه مجرى سائر الأفعال المندوبة والمباحة.

قوله : ( وكذا لو أجر نفسه للصلاة الواجبة عليه فإنها لا تقع عن المستأجر ، وهل يقع عن الأجير؟ الأقوى العدم ).

أي : لو أجر من وجبت عليه صلاة نفسه لغيره ليصلي الصلاة الواجبة على الأجير لم تصح الإجارة قطعاً ، لأنه لا يمكن حصولها للمستأجر ، فلا يصح بذل العوض إجارة في مقابلها.

__________________

(١) في « ك‍ » : فلا يكتفى بكون.

١٥١

ويصح الاستئجار للجهاد ، والحج ، والصلاة لمن لا تجب عليه ، ويقع عن المستأجر.

______________________________________________________

وهل تقع عن الأجير حيث إنه صلاها عن نفسه؟ الأقوى عند المصنف العدم ، ووجه القوة أنه لم يفعلها عن نفسه لوجوبها عليه بالأصالة ، بل بالإجارة ليأخذ العوض في مقابلها ، فلا تكون مطابقة لما في ذمته ، لأن التي في ذمته هي الواجبة بالأصالة ، ولمنافاته الإخلاص حينئذ ، لأن العبادة مفعولة لغاية حصول الأجرة ، والإخلاص إنما يتحقق بقصد القربة خاصة لقوله تعالى ( وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) (١).

ويحتمل الصحة ، لأن ذلك باعث وعلة في حصول الداعي كالأمر بالصلاة وغيرها ممن يطاع ، وكما في الاستئجار للصلاة عن الميت والحج وغيرهما من العبادات.

ويجاب بأن الباعث متى كان غاية ، اقتضى الفساد إذا نافى الإخلاص.

والصلاة ونحوها في الاستئجار عن الميت والحي متى لحظ فيها فعلها لحصول الأجرة أيضاً اقتضى الفساد.

وليس من لوازم حصول الأجرة بالفعل قصدها عنده ، أو يقال : إن هذه خرجت بالإجماع ، وكيف كان فعدم الصحة أظهر.

قوله : ( ويصح الاستئجار للجهاد والحج والصلاة لمن لا يجب عليه ، ويقع عن المستأجر ).

بالإجماع : ولقوله عليه‌السلام في حديث الخثعمية : ( فَدَينُ الله أحق أن يقضى ) (٢).

__________________

(١) البينة : ٥.

(٢) عوالي اللآلي ١ : ٢١٦ حديث ٧٨.

١٥٢

لكن يشترط في الصلاة الموت ، وكذا الصيام.

ولو استأجر ولي الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان بها على ترتيبها في الفوات ، فإن استأجر أجيرين كل واحد عن سنة جاز ، لكن يشترط الترتيب بين فعلهما ، فإن أوقعاه دفعة فإن علم كل منهما بعقد الآخر وجب على كل واحد منهما قضاء نصف سنة ، وإن جهلا فكذلك.

______________________________________________________

قوله : ( لكن يشترط في الصلاة الموت وكذا الصيام ).

بالإجماع أيضاً ، أما الحج فيقع عن الحي فإن كان ندباً جاز اختياراً ، وإن كان واجباً اشتراط فيه عدم التمكن من فعله ، ويجوز الاستئجار للجهاد مع عدم التعيين ، وإخراج الزكاة ونحوها اختياراً.

قوله : ( ولو استأجر ولي الميت عنه لصلاته الفائتة وجب على الأجير الإتيان بها على ترتيبها في الفوات ).

لوجوب مطابقة فعل الأجير لما في ذمة المستأجر عنه.

قوله : ( فإن استأجر أجيرين كل واحد عن سنة جاز ، لكن بشرط الترتيب بين فعلهما ).

لا شبهة في جواز استئجار أجيرين لصلاة ميت ، لكن يشترط لصحة فعلهما الترتيب بين الفعلين ، لأن ما في الذمة مرتب ، ولا يشترط ذلك لصحة الإجارة ، وإن كانت العبارة توهمه.

قوله : ( فإن أوقعاه دفعة ، فإن علم كل منهما بعقد الآخر وجب على كل واحد منهما قضاء نصف سنة ، وإن جهلا فكذلك ).

كان الأولى أن يقول : فإن أوقعاه دفعة وجب على كل منهما قضاء نصف سنة ، سواء علم كل منهما بعقد الآخر أم لا ، لأن عبارته توهم أن‌

١٥٣

______________________________________________________

التفصيل للتفاوت في الحكم وليس كذلك.

وإنما وجب قضاء نصف سنة على كل واحد ، لأن السنتين لا يمكن وقوعهما معاً ، لأن الترتيب شرط ولا سبيل إلى بطلان الفعلين معاً ، لصلاحية كل منهما لإسقاط ما في الذمة ، فتعين عدم اعتبار أحدهما. ولمّا لم يكن لأحدهما أولوية على الآخر حكم بالتنصيف وهنا إشكالات :

الأول : أن الفعلين إذا وقعا دفعة فالأحوال أربعة : إجزاؤهما معاً وهو معلوم البطلان ، إذ الأمر إنما هو بفعل واحد ، فلا يعقل إجزاء الفعلين مع أن الأجزاء مطابقة الفعل للأمر ، وإجزاء أحدهما بعينه دون الآخر ترجيح بلا مرجح ، ولا بعينه أيضاً باطل ، لأن ما لا تعيين له في حد ذاته لا وجود له فكيف يوصف بالإجزاء ، فلم يبق إلا بطلانهما.

الثاني : أن ما ذكره يقتضي إجزاء فعل أحدهما تارة ، وفعل الآخر تارة أخرى ، وهو قول بمجرد التشهي.

الثالث : أنهما إذا كان كل منهما عالماً بالآخر ، فحال إيقاع النية لا يكون أحدهما جازماً بأن فعله هو الواجب ، والجزم بالنية حيث يمكن شرط.

وفيه إشكال آخر ، وهو أنهما إذا كانا عالمين منهيان عن الاقتران في الفعل ، والنهي في العبادة يقتضي الفساد.

الرابع : أنّهما إذا كانا جاهلين يجب الحكم بصحة فعلهما ، ولا يقدح فوات الترتيب ، لأنّه شرط مع العلم لا مطلقاً. إلا أن يقال : إنّ عدم العلم بالترتيب إنّما يقتضي سقوطه مع جهل المكلف به دون القاضي عن غيره. ويشكل بأنّ القاضي عن غيره لو نسي وصلى العصر قبل الظهر صحت وصلى الظهر كالمصلي عن نفسه إلاّ أن يقال : إنّ اشتراط الترتيب في عقد الإجارة اقتضى عدم الصحة من دونه.

وبالجملة فالحكم في ذلك مشكل ، وليس له إلاّ وجه واحد ، وهو :

١٥٤

وفي ضمان الولي إشكال.

ويجوز الاستئجار للزيارة عن الحي والميت.

وفي جواز الاستئجار عن الاحتطاب والاحتشاش ، أو الالتقاط ، أو الاحتياز نظر ينشأ : من وقوع ذلك للمؤجر ، أو المستأجر.

______________________________________________________

الإتيان بالواجب مرتين أمر جائز لا مانع منه ، فأكملهما عند الله يقع فرض المكلف ، والآخر نفل فحينئذ تسقط الإشكالات كلها ، إلاّ أنّ ثبوت هذا الجواز يحتاج إلى دليل.

واعلم أنّ المراد من إيقاعهما دفعة اقترانهما في نية كل صلاة ، كما صرح به شيخنا الشهيد في حواشيه ، فلو لم يقترنا في كلّ صلاة لكان السابق بصلاته هو المعتبر فعله.

قوله : ( وفي ضمان الولي إشكال ).

أي : مع جهلهما بالحال ، ومنشأ الإشكال : من تغريره إيّاهما باستئجار كل منهما ، المقتضي لإيقاع الصلاة في كل زمان ، ومن مباشرتهما لذلك. والمباشرة أقوى في الضمان ، والأصح الضمان لضعف المباشرة بالتغرير.

قوله : ( ويجوز الاستئجار للزيارة عن الحي والميت ).

لأن ذلك فعل تدخله النيابة ، وكذا الحج المندوب.

وهل يفرّق في الزيارة بين كونها واجبة أو مندوبة ، فيشترط في الواجبة العجز عن المباشرة ، أو يسقط أصل الفعل مع العجز ، ويكون جواز الاستئجار خاصاً بالمندوبة؟ أو يقال : إنّ النذر إن تناول فعل الناذر وفعل غيره جاز الاستئجار ، وإلا فلا بأس بهذا الأخير. والمراد بالزيارة : الحضور مع النية عند نبي أو إمام أو ولي ، أو مكان شريف تستحب زيارته.

قوله : ( وفي جواز الاستئجار على الاحتطاب ، أو الاحتشاش ،

١٥٥

الثامن : أن تكون معلومة ، والإجارة إما أن تكون في الذمة ، أو على العين. والعين إن لم يكن لها سوى فائدة واحدة كفى الإطلاق ، وإلا وجب بيانها ،

______________________________________________________

أو الالتقاط ، أو الاجتياز نظر ، ينشأ من وقوع ذلك للمؤجر أو المستأجر ).

وفي جواز الاستئجار والتوكيل لواحد من هذه الأمور نظر ، ينشأ من إمكان دخول النيابة في ذلك وعدمه ، ومرجعه إلى أن السبب المملّك في حيازة المباحات هو النية أم مجرد الأخذ؟ فإن قلنا بالثاني لم يدخل ذلك الفعل النيابة ، وإن قلنا بالأول دخلته.

وقد احتج لاعتبار الأول بورود النص بكون الجوهرة في جوف السمكة ليست للصائد ، إذ لو لا ذلك لكانت له.

ويضعّف بإمكان استناد عدم الملك إلى أمر آخر كعدم تحقق الحيازة ونحوه.

والظاهر أنه لا يشترط في ذلك النية ، نعم يشترط عدم نية الضد فإن نواه أثرت فلم يثمر الملك ، ولا الأولوية في الالتقاط ، وحينئذٍ فيتصور جواز الاستئجار والتوكيل ، وإن لم نقل بالأول فلا يصح البناء المذكور.

قوله : ( الثامن : أن تكون معلومة ، والإجارة إما أن تكون في الذمة أو على العين ).

أي : تكون واردة على عين مخصوصة شخصية.

قوله : ( وإلاّ وجب بيانها ).

أي : إن كان للعين منافع متعددة وجب بيان المنفعة المطلوبة منها بالإجارة ، ولو أطلق فقد قال في التذكرة : احتمل التعميم ، قال : وهو‌

١٥٦

وعلى كل حال لا بد من العلم بقدر المنفعة.

والأعيان يعسر ضبطها لكن تكثر البلوى بثلاثة ، ويحال غيرها عليها :

الأول : الآدمي ، ويصح استئجاره خاصاً ، وهو الذي يستأجر مدة معينة ، فلا يجوز له العمل لغيره فيها إلا بإذنه.

______________________________________________________

الأقوى (١) ، وهو بظاهره مخالف لما هنا. وما ذكره في التذكرة محتمل ، فإن قلنا به لزمه امتثال ما يأمر به المستأجر.

قوله : ( وعلى كل حال لا بد من العلم بقدر المنفعة ).

أي : على تقدير اتحاد المنفعة وتعددها لا بد من العلم بقدرها. ولتقديرها طريقان : التقدير بالزمان ، وبالعمل : إما بالمسافة أو بتعيين محله.

قوله : ( والأعيان يعسر ضبطها ، لكن تكثر البلوى بثلاثة ، ويحال غيرها عليها ).

أي : ضبط الأعيان كلها عسر ، لانتشارها وتكثّرها ، فلا يسهل تعداد الجميع وذكر ما يعتبر فيها. لكن ما تعم به البلوى وتدعو الحاجة إلى الابتلاء بإيجاره واستئجاره ثلاثة أشياء : الآدمي ، والدواب ، والأرض ، فضبط هذه يجري مجرى القانون لضبط غيرها بأن يحال غيرها عليها.

قوله : ( ويصح استئجاره خاصاً ، وهو الذي يستأجر مدة معينة ).

المراد : أن يستأجر ليعمل بنفسه مدة معينة ، سواء كان تعيين المنفعة بالزمان ـ كأن يبنى هذا الشهر ـ أو بالمسافة ، أو العمل ، وتشخص الزمان‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٣٠٠.

١٥٧

فإن عمل من دون الإذن فالأقرب تخيّر المستأجر بين الفسخ ، والمطالبة بأجرة المثل أو المسمى الثاني له أو لمستأجره ،

______________________________________________________

بتعيين أوله كحمل متاع معين إلى مسافة معينة ، وأول الزمان غداً.

ثم إنه لا يخفى أنه إذا عيّن العامل والزمان ، فإن اتحدت المنفعة فلا بحث ، وإن تعددت : فإن استوعب الجميع فلا بحث أيضاً ، وإن عيّن واحدة لم يكن عمل آخر لآخر ، إلا إذا لم يناف المنفعة ، ولم يؤدِّ ذلك إلى تقصير في العمل ، كمن يوقع عقد النكاح وهو يبني ، أو نحو ذلك بحيث لا يلزم تقصير في العمل أصلاً.

وليس له أن يؤجر نفسه لمنفعة اخرى ، بالقدر الذي اقتضت العادة عدم العمل فيه من الزمان كالليل مثلاً ، وآخر النهار مثلاً في بعض الأزمنة والأمكنة ، إلا إذا لم يؤد ذلك إلى ضعف في العمل المستأجر عليه ، وعلى هذا ينزل قوله : ( فلا يجوز له العمل لغيره فيها إلا بإذنه ).

ومما ذكرنا يعلم أنه لا بد من تقييد قوله : ( وهو الذي يستأجر ... ) بكون الاستئجار ليعمل بنفسه ، وهذا مستفاد من قوله في المشترك : ( وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة ).

قوله : ( فإن عمل من دون الإذن فالأقرب تخير المستأجر بين الفسخ والمطالبة بأجرة المثل أو المسمى الثاني له أو لمستأجره ).

أي : فإن عمل الأجير الخاص عند غير المستأجر في المدة التي عيّنت للعمل كلها فالأقرب تخير المستأجر بين الفسخ ، وبين المطالبة ـ بأجرة مثل ذلك العمل ، أو المسمى إن سمى له شيئاً بإجارة أو جعالة ـ للمؤجر أو المستأجر.

ووجه القرب : أما بالنسبة إلى الفسخ فلفوات ما وقع عليه عقد المعاوضة ـ أعني الإجارة ـ فيرجع إلى ماله إن أراد.

١٥٨

ومشتركاً وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة ، أو المدة.

______________________________________________________

وأما بالنسبة إلى المطالبة بأجرة المثل ، فلأنها قيمة العمل المستحق له بعقد الإجارة ، وقد أتلف عليه فاستحق بدله.

وأما بالنسبة إلى المسمى الثاني ، فلأن العقد جرى على المنفعة المملوكة له وكان فضولياً بالنسبة إليه ، وكان له إجازته وأخذ المسمى. ومتى طالب بأحد الأمرين فله مطالبة المؤجر ، لأنه المباشر لإتلاف المنفعة المملوكة له ، وكذا المستأجر الثاني لأنه المستوفي لها.

ويحتمل الانفساخ كما إذا أتلف البائع المبيع قبل القبض عند الشيخ ، وهو ضعيف ، والأصح الأول. ومنه يعلم أن المسألة مفروضة فيما إذا كان ذلك قبل قبض المستأجر العين لو كان الأجير عبداً ، وإن كانت العبارة خالية من ذلك.

وكذا علم مما قررناه أن هذا حكم ما إذا عمل عند غير المستأجر جميع المدة ، فإن عمل بعضها تخيّر المستأجر بين الفسخ في الجميع ، والمطالبة بأجرة المثل لما مضى لكل من المؤجر والمستأجر ، والمطالبة بالمسمى الثاني إن أجاز العقد الثاني.

لكن إذا أجازه أشكل مطالبة المؤجر من حيث إنه رضي باستيفاء المستأجر الثاني المنفعة ، وصار المؤجر بمنزلة وكيله. وأقل الأحوال أن يكون ذلك بالنسبة إلى ما بقي من المدة حين الإجارة ، نظراً إلى سبق العدوان الموجب للضمان ، والإجازة لا تزيله ، إلا أن يقال : إنّ مجرد الإجازة لا تزيل الضمان الثابت بالعدوان السابق. وهل له الفسخ بالنسبة إلى ما مضى خاصة؟ فيه النظر السابق فيما لو ردت العين المغصوبة في الأثناء ، والأصح العدم.

قوله : ( ومشتركاً ، وهو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة أو‌

١٥٩

وتملك المنفعة بنفس العقد كما تملك الأجرة به ، فإذا استؤجر لعمل قدّر إما بالزمان كخياطة يوم ، أو بمحل العمل كأن يستأجره لخياطة‌

______________________________________________________

المدة ).

أي : ويصح استئجاره خاصاً ومشتركاً وهو ـ أي المشترك ـ الذي يستأجر لعمل مجرد عن المباشرة مع تشخص المدة ، كما يدل عليه ظاهر‌ قوله : ( أو المدة ) ، مثل أن يستأجره لخياطة الثوب ويعين أول الزمان ، أو يستأجره للخياطة يومين ، أو الذي يستأجر لعمل مجرد عن المدة مع التقييد بالمباشرة ، مثل أن يستأجره ليعمل عنده بنفسه من غير تعيين مدة ، فيكون العمل مطلقاً باعتبار عدم تشخص الزمان.

ويعلم من العبارة أن للمشترك قسماً آخر ، وهو الذي يستأجر للعمل مجرداً عن المباشرة والمدة معاً ، وحكم الأول أنه لا يمنع من العمل عند غير المستأجر بحال ، لكن يجب عليه تحصيل العمل المستأجر عليه في تلك المدة ، فلو لم يحصل لزمه اجرة المثل عنه ـ إن لم يفسخ المستأجر ـ يطالبه بها هو فقط.

وحكم الثاني : وجوب العمل بنفسه متى طلبه المستأجر ، ومتى خالف فله الفسخ والرضى بالعمل.

وحكم الثالث : وجوب تحصيل العمل متى طلبه ، وجواز الفسخ بالتأخير أو الرضى بالعمل.

قوله : ( وتملك المنفعة بنفس العقد ، كما تملك الأجرة به ).

وذلك لأنهما عوضان كل منهما في مقابلة الآخر فيمتنع ملك أحدهما من دون ملك الآخر ، وإلاّ لم تكن المعاوضة صحيحة ، لأن صحتها عبارة عن ترتّب أثرها عليها ، وذلك هو أثرها.

قوله : ( فإذا استؤجر لعمل قدّر إما بالزمان كخياطة يوم ، أو‌

١٦٠