جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٧

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٠٣

ونفقته بعد العتق على المستأجر إن شرطت عليه ، وإلاّ فعلى المعتق لأنه كالباقي على ملكه حيث ملك عوض نفعه.

______________________________________________________

بأبعد مما إذا أعتقه واشترط عليه خدمة معينة.

ويحتمل وجوب أجرة المثل للعبد على السيد ، لكون إزالة الرق يقتضي ملكه للمنافع ، فإذا سبق تمليك المولى إياها للمستأجر فات العين ، فيرجع العبد على المولى بقيمتها وهي أجرة المثل. وليس بشي‌ء ، لأنه لا يملك المنافع التي استقر ملك غيره عليها ، والرق إنما زال عنه مسلوب المنافع تلك المدة. وعلى ما نقل الجماعة كلام الشيخ في المبسوط فهذا الاحتمال قول ، لأنه قال فيه : وهل يرجع على السيد بأجرة المثل لما يلزمه من الخدمة بعد الحرية؟ قيل : فيه قولان ، واختار عدم اللزوم (١) ، وهو الأصح.

قوله : ( ونفقته بعد العتق على المستأجر إن شرطت عليه ).

لا بحث في هذا ، لوجوب الوفاء بالشرط.

قوله : ( وإلا فعلى المعتق ، لأنه كالباقي على ملكه ، حيث ملك عوض نفعه ).

لقائل أن يقول : لا يلزم من أنه كالباقي على ملكه إن ثبتت فيه جميع أحكام المملوك التي من جملتها وجوب النفقة.

وقد يقال : إن موضع حصول النفقة أما العبد ، أو السيد ، أو المستأجر ، والكل باطل إلا السيد.

أما العبد فلاشتغاله بخدمة المستأجر.

وأما المستأجر فلأن النفقة لا تجب عليه إلا بالشرط ، فتعين السيد.

والحصر ممنوع ، كما يمنع بطلان الأول ، إذ يمكن أن يستفيد العبد‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٣٩.

١٠١

المطلب الثاني : في العوض ، ويشترط أن يكون مال الإجارة معلوماً بالمشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة. ثم إن كان مكيلاً أو موزوناً وجب معرفة مقداره بأحدهما ، وفي الاكتفاء بالمشاهدة نظر.

______________________________________________________

النفقة في زمان غير زمان الخدمة كالليل مثلاً ، إذ لا بد أن يبقى من الزمان بقية يستريح فيها نظراً إلى العادة.

ولو سلم فلم لا تكون نفقته في بيت المال المرصد لمصالح المسلمين أو الزكاة؟ وهو الأصح ، فإن إيجابها على السيد إيجاب بغير دليل ، إذ لا سبب يقتضيه. ومع عدم بيت المال والزكاة فهي أحد الواجبات الكفائية ، فإن اندفعت الحاجة لحصول بيع النفقة إلى أجل وقبل العبد كفى ، وإلا صرفت إليه النفقة بقصد الرجوع عند الإمكان كما في المخمصة.

قوله : ( المطلب الثاني : في العوض ، ويشترط أن يكون مال الإجارة معلوماً إما بالمشاهدة ، أو الوصف الرافع للجهالة ).

الوصف قسمان : وصف للعين الشخصية بصفاتها القائمة بها ، التي لا تمتاز ولا ترتفع الجهالة عنها إلا بذكرها. ووصف للعين على وجه كلي. وهذه الصفات إنما تكون صفات السلم وكل منهما مزيل للجهالة.

قوله : ( وفي الاكتفاء بالمشاهدة نظر ).

ينشأ : من اختلاف الأصحاب ، ووجود الدليل من الطرفين. فإن الشيخ (١) ، والمرتضى (٢) ، وبعض المتأخرين على الجواز ، لاندفاع معظم‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٢٣.

(٢) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٧ : ١٠٣ : وحكاه ـ أي القول بالجواز ـ جماعة عن المرتضى كالمحقق الثاني والشهيد الثاني والخراساني وصاحب الرياض ، والأصل في ذلك قوله في السرائر : الأظهر من المذهب بلا خلاف فيه الا من السيد المرتضى في الناصريات :

١٠٢

وكل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون عوضاً ، عيناً كان أو منفعة ، ماثلت أو خالفت.

ولو استأجر داراً بعمارتها لم يصح ، للجهالة ،

______________________________________________________

الغرر بالمشاهدة. وابن إدريس (١) وجمع على المنع (٢) ، لأن عقود المعاوضات المبنية على المغابنة والمكايسة لا بد من نفي الغرر عن العوضين فيها ، وقد ثبت من الشارع أن بيع المكيل والموزون بدون الكيل والوزن مشتمل على الغرر ، فلا تصح الإجارة معه ، وهو الأصح ، وكذا المعدود.

قوله : ( وكل ما جاز أن يكون ثمناً جاز أن يكون عوضاً ، عيناً كانت أو منفعة ، ماثلت أو خالفت ).

لما كان بين العوض في الإجارة والثمن في البيع ، حتى ظنا واحداً جاز أن يكون عوض الإجارة ما يجوز كونه ثمناً في البيع من عين أو منفعة ماثلت المنفعة ، كمنفعة عبد بمنفعة عبد آخر ، أو منفعة دار بأخرى ، أو خالفت : كمنفعة عبد بالدار.

ومنع أبو حنيفة إذا لم يختلف جنس المنفعة ، لأن الجنس واحد فيحرم فيه النساء عنده ، وهذه نسأة في جنس فيلزم فيه الربا (٣). وهو غلط ، لأن الربا في الأعيان لا في المنافع بإجماعنا ، ووافقنا الشافعي (٤).

قوله : ( ولو استأجر داراً بعمارتها لم تصح للجهالة ).

__________________

ان البيع إذا كان الثمن جزافا بطل. وكأنهم لحظوا انه يعلم منه جواز ذلك في الإجارة بالأولوية.

الناصريات : ٢٥٣ ، السرائر : ٢٦٩ ـ ٢٧٠.

(١) السرائر : ٢٧٠.

(٢) منهم فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ٢٤٧ ، والشهيد في اللمعة : ١٦٣.

(٣) انظر : المغني لابن قدامة ٦ : ١٦ ، وبدائع الصنائع ٤ : ١٩٤.

(٤) المصدر السابق.

١٠٣

وكذا لو استأجر السلاّخ بالجلد ، وكذا الراعي باللبن ، أو الصوف المتجدد ، أو النسل ، أو الطحّان بالنخالة ، إما بصاع من الدقيق ، أو المرضعة بجزء من المرتضع ، الرقيق فالأقرب الجواز

______________________________________________________

مقتضاه أنه إذا‌ كانت العمارة معلومة تصح الإجارة ، وبه صرح في التحرير (١) ، وهو حسن إن لم يكن من قصدهما أنّ المعمور داخل في الإجارة.

قوله : ( وكذا لو استأجر السلاّخ بالجلد ).

أي : الذي يسلخه ، لأنه مجهول رقةً ، وغلظة ، وسلامة من القطع وعدمه.

ولو استأجره بجلد الميتة لسلخها فأولى بعدم الصحة ، لأنه عين نجاسة فلا تملك. ولو استأجره لنقل الميتة من مكان إلى آخر بعوض صحيح فالظاهر الصحة ، لأنه عمل مقصود محلل تدعو الحاجة إليه للسلامة من التأذي بها.

قوله : ( وكذا الراعي باللبن ، أو الصوف المتجدد ، أو النسل ).

للجهالة في ذلك كله ، واحترز بـ ( المتجدد ) عن الموجود الآن ، لأنه إذا كان معلوماً تجوز الإجارة. وكذا القول في النسل فلو أخر المتجدد عنه كان اولى.

قوله : ( أو الطحان بالنخالة ).

للجهل بقدرها بعد الطحن ، لأنها تختلف قلة وكثرة باختلاف حال الطحن جودة ورداءة.

قوله : ( إما بصاع من الدقيق ، أو المرضعة بجزء من المرتضع‌

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٤٤.

١٠٤

وكذا لو استأجر الحاصد بجزء من الزرع.

______________________________________________________

الرقيق فالأقرب الجواز ).

وجه القرب أنه عقد صدر من أهله في محله فيجب الوفاء به. أما الأولى فلأنه الفرض ، وأما الثانية فلأن كلا من العوضين صالح لأن يكون عوضاً.

ومثله لو ساقى أحد الشريكين صاحبه ، وشرط له زيادة من النماء (١) يجوز وإن كان عمله يقع في المشترك ، ويحتمل المنع لاستلزامها كون العوضين لواحد.

بيان الملازمة : إن الأجرة تثبت للأجير في مقابلة العمل ، وبعض العمل حق له ، لأنه يملك بعض الحنطة التي يراد طحنها ، وبعض الرقيق الذي يراد إرضاعه بالعقد ، فيكون طحن حقه من الحنطة ، وإرضاع حقه من الرقيق حقاً له فيجتمع له العوضان ، وذلك باطل. ولأن الإجارة تقتضي وجوب العمل على الأجير ، ولا يجب على الإنسان العمل في ملكه. وبعض المستأجر عليه ملك له ، فلا تكون الإجارة فيه صحيحة فتبطل في الباقي لاختلال العوض ، والمسألة موضع إشكال وبحث.

ولو كان استئجارها بجزء من الرقيق بعد الفطام ، فقد صرح في التحرير (٢) ـ والشارح ـ (٣) بالصحة فلا يخلو من نظر ، لأن العوض لا بد أن يدخل في ملك المؤجر في زمان ملك المستأجر المنفعة لتحقق المعاوضة ، وكذا القول في الطحن.

قوله : ( وكذا لو استأجر الحاصد بجزء من الزرع ).

__________________

(١) في « ك‍ » : الثمار.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ٢٤٥.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٤٧.

١٠٥

ولو قال : إن خطته اليوم فلك درهمان ، وإن خطته غداً فدرهم احتمل أجرة المثل ، والمسمى.

______________________________________________________

أي : الأقرب فيه‌ الجواز ، ويجي‌ء فيه ما قدمناه.

قوله : ( ولو قال : إن خطته اليوم فلك درهمان ، وإن خطته غداً فدرهم احتمل أجرة المثل ، والمسمى ).

القول بوجوب المثل لفساد العقد. قول ابن إدريس (١). ووجهه : أن المستأجر غير معلوم ولا معين ، لأنه ليس المستأجر عليه المجموع ، وهو ظاهر ، ولا كل واحد ، وإلا لوجبا ، فينتفي التخيير ، ولا واحد معين فتعين أن يكون غير معين ، لانحصار الأقسام في ذلك ، والغرر مبطل للإجارة ، ولجريانه مجرى البيع بثمنين نقداً ونسية.

والقول بوجوب المسمى قول الشيخ في الخلاف (٢) ، تعويلاً على أن الأصل الجواز ، والمنع يحتاج إلى دليل ، وفيه نظر يعلم مما سبق.

وفي المبسوط قال : يصح العقد ، فإن خاطه في اليوم الأول كان له الدرهم ، وإن خاطه في الغد كان له أجرة المثل إن لم يزد عن الدرهمين ولم ينقص عن الدرهم (٣) ، وهو أبعد.

ثم قال ابن إدريس : إنه تصح جعالة ، يعني إذا قصد كونه جعالة (٤) ، وهو حسن. ومنعه المصنف في المختلف بأن الجعالة تفتقر إلى تعيين الجعل أيضاً (٥). ويضعّف بأن الجهالة التي لا تمنع من التسليم لا تقدح ، ولأنه لا ينقص عن قوله : من رد عبدي من موضع كذا فله كذا ، ومن موضع كذا فله‌

__________________

(١) السرائر : ٢٧٥.

(٢) الخلاف ٢ : ٢٤ مسألة ٣٩ كتاب الإجارة.

(٣) المبسوط ٣ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

(٤) السرائر : ٢٧٥.

(٥) المختلف : ٤٦٦.

١٠٦

وكذا : إن خطته رومياً فدرهمان وفارسياً فدرهم.

ولو استأجر لحمل متاع إلى مكان في وقت معلوم ، فإن قصر عنه نقص من أجرته شيئاً معيناً صح.

ولو أحاط الشرط بجميع الأجرة لم تصح ، وتثبت له أجرة المثل.

______________________________________________________

كذا ، ولأن مبنى الجعالة على الجهالة في العمل ، فإن قوله : من رد عبدي لا يقتضي الرد من موضع معين ، والأصح مختار ابن إدريس.

قوله : ( وكذا إن خطته رومياً فدرهمان ، وفارسياً فدرهم ).

وهو مثله في الخلاف والترجيح ، وقد فسر الرومي بالدرزين ، والفارسي بالدرز الواحد.

قوله : ( ولو استأجر لحمل متاع إلى مكان في وقت معلوم ، فإن قصّر عنه نقص من أجرته شيئاً معيناً صح ، ولو أحاط الشرط بجميع الأجرة لم تصح ، وتثبت له أجرة المثل ).

القول بالصحة في الشق الأول هو قول أكثر الأصحاب (١) ، ومستنده روايتان صحيحتان عن الحلبي ، وعن محمد بن مسلم عن الصادق والباقر عليهما‌السلام (٢).

وفي رواية الحلبي : « أنه إذا أحاط الشرط بجميع الكراء يفسد » وهو الشق الثاني ، وصرح ابن إدريس بصحة العقد وبطلان الشرط (٣) ، ومنعه المصنف في المختلف (٤) ، والأصح بطلانهما ، لأن المستأجر عليه غير‌

__________________

(١) منهم الشيخ في النهاية : ٤٤٨ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٨١ ، والمختصر النافع ١ : ١٥٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٩٠ حديث ٤ ، ٥ ، الفقيه ٣ : ٢٢ حديث ٥٧ ، ٥٨ ، التهذيب ٧ : ٢١٤ حديث ٩٤٠ ، ٩٤١.

(٣) السرائر : ٢٧٢.

(٤) المختلف : ٤٦٣.

١٠٧

ولو آجره كل شهر بدرهم ولم يعيّن ، أو استأجره لنقل الصبرة المجهولة وإن كانت مشاهدة كل قفيز بدرهم ، أو استأجره مدة شهر بدرهم ، فإن زاد فبحسابه فالأقرب البطلان ، إلاّ الأخير فإن الزائد باطل.

______________________________________________________

معلوم ، إذ المستأجر عليه أحد الأمرين غير معين ، والأجرة على كل واحد من التقديرين مقدار غير المقدار على التقدير الآخر.

ورواية محمد بن مسلم غير صريحة في الصحة ، ورواية الحلبي يمكن تنزيلها على إرادة الجعالة ، والقول بالبطلان هو المتجه.

واعلم إن ( قصّر ) في عبارة الكتاب ينبغي أن يقرأ مشدداً على معنى أن الأجير قصّر.

قوله : ( ولو آجره كل شهر بدرهم ولم يعين ، أو استأجره لنقل الصبرة المجهولة وإن كانت مشاهدة كل قفيز بدرهم ، أو استأجره مدة شهر بدرهم ، فإن زاد فبحسابه فالأقرب البطلان ، إلا الأخير فإن الزائد باطل ).

هنا صور :

أ : إذا أجره الدار كل شهر بدرهم ، ولم يعين مجموع مدة الإجارة فالأقرب عند المصنف البطلان ، وفاقاً لابن إدريس (١) للجهالة المقتضية للغرر. ولا يلزم من مقابلة جزء معلوم من المدة بجزء معلوم من العوض كون العوضين معلومين.

وقال الشيخ في النهاية : تصح الإجارة في شهر لكونه معلوماً ، وكذا أجرته (٢) ، وأطلق ابن الجنيد صحة الإجارة في الفرض المذكور (٣). وكل من‌

__________________

(١) السرائر : ٢٧٠.

(٢) النهاية : ٤٤٤.

(٣) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٦٠.

١٠٨

______________________________________________________

القولين ضعيف ، أما الثاني فللجهالة ، وأما الأول فلأن ( كل ) يقتضي التعدد فكيف ينزّل على شهر ، فلا يتم ما ذكره من كون العوضين معلومين ، والأصح البطلان.

ب : لو استأجره لحمل الصبرة المجهولة ، كل قفيز بدرهم لم يصح وإن كانت مشاهدة ، لأن المشاهدة لا تنفي الجهالة والغرر ، وهو الأصح.

وقال الشيخ في المبسوط : إذا استأجره لحمل عشرة أقفزة من صبرة مشاهدة ، كل قفيز بدرهم ، وما زاد فبحسابه صح. وكذا يصح في البيع لو قال : بعتكها كل قفيز بدرهم ، ويفارق إذا قال : آجرتك هذه الدار كل شهر بدرهم عند من قال : لا يجوز ، لأن جملة المدة مجهولة المقدار ، وليس كذلك هنا ، لأن الجملة معلومة بالمشاهدة (١). ويضعف بأن المشاهدة لا تنفي الغرر ، فالبطلان هو الأصح (٢).

ج : إذا آجره الدار شهراً بدرهم ، فإن زاد فبحسابه فالأقرب عند المصنف الصحة في شهر. ووجه القرب أن كلا من العوضين ـ وهو الشهر والدرهم ـ معلوم ، وقوله : ( فإن زاد فبحسابه ) شرط فيقع فاسداً ، لاشتماله على الجهالة والتعليق ، والأصح البطلان ، لأن العوضين هو ما اقتضاهما مجموع العقد والشرط من جملته. وأيضاً فإن فساد الشرط يقتضي فساد العقد كما قررناه غير مرة.

واعلم أن قول المصنف : ( إلا الأخير ، فإن الزائد باطل ) غير حسن ، لأن مقتضى الاستثناء صحة الأخير. فإذا كان مراده بيان صحة ما عدا الشرط كان حقه أن يقول : إلا الأخير فإن الشهر صحيح والزائد باطل ، والأمر‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٤٥.

(٢) فرع : لو اكترى فحلاً لانزائه على ماشية ، فالأقرب التعدد بأن هذا بخلاف الدابة والدابتين منع. ورد هذا الفرع في هامش نسخة « ك‍ ».

١٠٩

ويملك المؤجر الأجرة بنفس العقد ، وإن شرط الأجل لزم.

ويشترط فيه العلم ، سواء تعدد أو اتحد ، وسواء كانت معينة أو مطلقة.

______________________________________________________

سهل ، والمطلوب معلوم.

قوله : ( ويملك المؤجر الأجرة بنفس العقد ).

كما يملك المستأجر المنفعة بنفس العقد ، لأنهما عوضان كل منهما في مقابلة الآخر.

قوله : ( فإن شرط الأجل لزم ، ويشترط فيه العلم ، سواء تعدد أو اتحد ، وسواء كانت معينة أو مطلقة ).

إذا شرط المستأجر تأجيل الأجرة إلى أمد بحيث لا يطالب بها ، وأن يسلّم العين المؤجرة إلى ذلك الأمد صح ذلك ، بشرط كون الأجل معلوماً مصوناً عن احتمال الزيادة والنقصان ، سواء تعدد الأجل بأن يجعلها نجوماً فيقسطها ، ويجعل كل قسط معلوم إلى أجل معلوم.

وسواء كانت الإجارة معينة ـ أي واردة على عين معينة ـ شخصية أو مطلقة ـ أي : واردة على عين في الذمة ـ هي أمر كلي لعدم المانع عندنا.

وقال الشافعي بالمنع في الإجارة الواردة على الذمة وهي المطلقة ، لأن الإجارة هنا سلم في المعنى فيجب قبض العوض كما يجب في السلم (١). وليس بشي‌ء ، لأن هذا ليس بسلم ، وإلحاقه به قياس.

قال المصنف في التذكرة : ولو قال : أسلمت إليك هذا الدينار في دابة تحملني إلى موضع كذا فالأقوى المنع ، لأن الشارع وضع للعقود صيغاً خاصة ، والأصل عصمة الأموال.

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٣٤.

١١٠

ويجب تسليمها مع شرط التعجيل أو الإطلاق ، وإن وقعت الإجارة على عمل ملك العامل الأجرة بالعقد أيضاً ، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل.

______________________________________________________

وحكي عن الشافعي الجواز (١) ، فتجي‌ء فيه أحكام السلم من عدم جواز تأجيل الأجرة ، ولا الاستبدال عنها ، ولا الحوالة عليها وبها ، ولا الإبراء بل يجب التسليم في المجلس كرأس مال السلم. قال المصنف : ونحن نقول : إن قصد السلم بلفظه لم يصح لاختصاصه ببيع الأعيان ، وإن قصد الإجارة بلفظ السلم لم ينعقد سلماً ولا إجارة عندنا (٢) ، وما ذكره حق.

قوله : ( ويجب تسليمها مع شرط التعجيل أو الإطلاق ).

وذلك إذا سلّمت العين المؤجرة ، لأن تسليم أحد العوضين يسلط على المطالبة بالآخر بمقتضى المعاوضة الموجبة للملك ، والمنع من المطالبة إنما كان لعدم تسلم الآخر.

قوله : ( وإن وقعت الإجارة على عمل ملك العامل الأجرة بالعقد أيضاً ).

وذلك لأن المعاوضة إذا صحت اقتضت نقل الملك في كل من العوضين إلى الآخر.

قوله : ( لكن لا يجب تسليمها إلاّ بعد العمل ).

لأن وجوب التسليم في أحد العوضين إنما يتحقق بعد تسليم الآخر ، وبدونه يتسلمان دفعة واحدة كما سبق في البيع.

ولا ريب أن العمل وإن كان مستحقاً بالعقد ، إلا أن تسليمه إنما يتحقق بفعله.

__________________

(١) المجموع ١٥ : ٣٤.

(٢) التذكرة ٢ : ٢٩٤.

١١١

وهل يشترط تسليمه؟ الأقرب ذلك ،

______________________________________________________

قوله : ( وهل يشترط تسليمه؟ الأقرب ذلك ).

أي : إذا عمل الأجير العمل المستأجر عليه ، هل يشترط تسليم ذلك العمل إلى المستأجر في وجوب تسليم الأجرة؟ الأقرب عند المصنف ذلك. ووجه القرب : أن المعاوضة لا يجب على أحد المتعاوضين فيها التسليم إلا مع تسليم الآخر ، وبه صرح الشيخ في المبسوط (١).

ويحتمل العدم ، لأنه إذا عمل فإنما يعمل في ملك المستأجر أو ما يجري مجراه ، فيكون ذلك كافياً عن التسليم ، وليس بشي‌ء.

وربما فصّل : بأن العمل إن كان في ملك المستأجر وجب التسليم ، وإلا فلا.

والأصح أنه لا بد من حصول التسليم إلى المستأجر وإن عمل في ملكه ، كما لو خاط ثوبه وإن كان في بيت المستأجر. نعم متى صار في يد المستأجر تحقق التسليم.

واعلم أن شيخنا الشهيد قال في بعض حواشيه : إن هذا ـ يعني قول المصنف : ( الأقرب ذلك ) ـ مبني على أن الصفة تلحق بالأعيان ، وقد تقدم ذكره في الفلس ، بناءً على أن المنافع تعد أموالاً ، ولهذا يصح جعلها عوضاً ومعوضاً.

وكما أن المبيع يحبس حتى يتقابضا معاً ، ويسقط الثمن بتلفه قبل قبضه فكذلك المنفعة. وتظهر الفائدة في جواز حبس الثوب ، وفي سقوط الأجرة بتلفه ، فعلى ما قرره المصنف له حبسه وإن أباه ظاهر كلامه ، ولو تلف سقطت الأجرة على قوله رحمه‌الله.

أقول : لا حاجة إلى البناء الذي ذكره ، لأن المعاوضة على المنافع أمر‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٢٤٣.

١١٢

فإذا استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر ، فإن سلّمت العين التي وقعت الإجارة عليها ، ومضت المدة وهي مقبوضة استقر الأجر وإن لم ينتفع ،

______________________________________________________

متفق عليه ، ولا بد في العوضين من التقابض كالبيع ، أما عدّ المنافع أموالاً فإن الذي يقتضي عدمه فيها هو أنها لا وجود لها بالفعل ، وإنما هي أمور موجودة بالشأن والصلاحية.

ثم قوله : إن ظاهر كلام المصنف يأبى ذلك غير جيد ، وقوله : ( وهل يشترط تسليمه؟ الأقرب ذلك ) صريح في ذلك ، وليس مقابل الأقرب بمناف له ، لأن مقابل الأقرب ناشى‌ء عن كون العمل إنما هو في ملك المستأجر كخياطة ثوبه ، فهو مغنٍ عن التسليم وإن كان ضعيفاً في نفسه ، فما ذكره غير واضح.

قوله : ( فإن استوفى المستأجر المنافع استقر الأجر ).

هذا حيث تكون الإجارة واردة على عين لأجل منافعها كالدار ، بدليل قوله بعد : ( وإن كانت على عمل ) فإن المتبادر من الإجارة على عمل أن يكون الأجير يعمل بنفسه. وإن كان في دخول الدابة في هذا المعنى مسامحة.

فإذا استوفى المستأجر المنافع فقد تحقق وصول العوض إليه ، فيستقر ملك المؤجر على عوض الإجارة.

قوله : ( فإن سلمت العين التي وقعت الإجارة عليها ، ومضت المدة وهي مقبوضة استقر الأجر وإن لم ينتفع ).

أي : فإن سلّم المؤجر العين المؤجرة إلى المستأجر ، ومضت مدة الإجارة التي يمكن استيفاء المنفعة المعينة بالزمان أو بالعمل فيها استقر الأجر.

١١٣

وإن كانت على عمل فسلّم المعقود عليه ، كالدابة يركبها إلى المعين فقبضها ، ومضت مدة يمكن ركوبها فيها استقر عليه الأجر وإن كانت الإجارة فاسدة ، وتجب أجرة المثل فيها.

______________________________________________________

وإنما قلنا : إنها مدة الإجارة على التقديرين ، لأنه إذا عينت المنفعة بالزمان فظاهر ، وإن عينت بالعمل فلا بد من وقوعها في زمان يسعها عادة ، فذلك الزمان هو مدتها. واحترز بمضي المدة عما لو كانت متأخرة عن وقت التسليم بالاشتراط في العقد فإنها لا تستقر حينئذ ، وعما لو تسلمها بعض المدة فقط ، ولا فرق في استقرار الأجرة بذلك بين الانتفاع وعدمه.

قوله : ( وإن كانت على عمل فسلم المعقود عليه ، كالدابة يركبها إلى المعين فقبضها ومضت مدة يمكن ركوبها فيها استقر عليه الأجر ، وإن كانت الإجارة فاسدة تجب اجرة المثل فيها ).

أي : وإن كانت الإجارة على عمل فسلم المؤجر المعقود عليه ، وذلك حيث يكون المعقود عليه مالاً ، كالدابة إذا آجره ليركبها إلى المعين ويومين مثلاً ، وكالعبد إذا أجره للعمل الفلاني ، أو للخدمة زمانا معيناً فقبضها المستأجر ، ومضت مدة يمكن ركوبها فيها إلى المعين استقر عليه أجرها ، لأن منافعها قد صارت تحت يده وكان تلفها محسوباً عليه ، فيكون بمنزلة ما لو استوفى المعوض فوجب عليه العوض.

( ولا فرق في ذلك بين كون الإجارة صحيحة أو فاسدة ، لأنه قبض العين في الفاسدة ، على أن المنافع مضمونة عليه ، وقد تلفت في يده فوجب عليه عوضها وهو اجرة المثل ) (١).

وكذا لا فرق بين (٢) كون الإجارة واردة على العين أو في الذمة ، وهذا‌

__________________

(١) لم يرد في « ك‍ ».

(٢) في « ك‍ » : ولا فرق في ذلك بين.

١١٤

ولو بذل له العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه إن كانت الإجارة صحيحة ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

يتم في كل عمل يدخل تحت اليد ، ويعدّ مضمونا بإثبات اليد على العين المتعلق بها عدواناً. ولا يكون ذلك إلا في الأعيان المملوكة. أما الأعمال التي تصدر عن الحر فلا يتم فيها ذلك ، لأنها لا تدخل تحت اليد ، ولا يضمن بمجرد الفوات من دون الاستيفاء ، ولم يتعرض المصنف لذكره هنا.

( واعلم إن المراد من قولهم : منافع الحر لا تدخل تحت اليد ولا تضمن بالفوات : إن الحر لما لم يكن مالاً لم يكن دخوله تحت اليد دخول ضمان ، إذ اليد له ، فلا يتصور كون يد بهذا المعنى ، وهو يد استيلاء ، مؤثراً كما في اليد في الأوال التي يقتضي ظاهرها الملك ، إذا الشي‌ء الذي يكون مالكاً ولا يكون مملوكاً يمتنع في حقه ذلك. ومنافعه وإن كانت مملوكة ، إلا أنها معدومة لا يتصوّر دخولها تحت اليد استقلالاً ، ولكونه هو لا يدخل تحت اليد امتنع دخولها تبعاً.

الدخول تحت اليد منحصر في الاستقلال والتبعية ، فامتنع دخولها بالكلية ، فامتنع كون ذهابها من غير الحر ) (١).

قوله : ( ولو بذلت له العين فلم يأخذها المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه إن كانت الإجارة صحيحة ، وإلا فلا ).

أما إذا كانت الإجارة صحيحة ، فلأن المنافع بعد بذل العين تلفت باختيار المستأجر في مدة الإجارة فاستقر عليه الأجر ، كما لو كانت العين في يده.

وكذا لو كانت على عمل وبذل ، ومضت مدة يمكن الاستيفاء فيها استقر الأجر ، لما سبق من أن المنافع تلفت باختياره ، صرح بذلك في‌

__________________

(١) لم ترد في « ك‍ ».

١١٥

______________________________________________________

التذكرة (١) ، وما ذكره من التوجيه غير مستلزم للمدعى.

ويمكن توجيهه بأنه لما استحق المنافع بالعقد الوارد على العين أو الذمة ، وبذل المؤجر متعلق الإجارة وجب على المستأجر قبوله ، لأنه مال له استحقه بالعقد وقد بذل على وجهه وخلّى بينه وبينه ، فإذا مضت مدة يمكن فيها الاستيفاء كان تلفه منه على حد ما لو بذل له دينه الحال حيث يجب قبوله ، وخلّى بينه وبينه فلم يأخذه حتى تلف فإنه يكون من صاحب الدين كما سبق في البيع.

وهذا واضح ، لكن لو كانت الإجارة على عمل الحر فبذل نفسه للمستأجر فتسلمه ، أو لم يتسلمه لكن خلّى بينه وبين العمل مدة يمكن فيها استيفاؤه ، ففي الحكم إشكال ينشأ : من أن منافع الحر لا تدخل تحت اليد بخلاف غيره ، ومن استحقاقها مدة بذلها له فيكون تلفها منه ، لأن المنافع أموال وقد ملكها ، فإذا تلفت كان تلفها منه. وهذا قوي واختاره المصنف في التذكرة (٢).

لكن يرد عليه : إن الدين إنما يتعين بقبض صاحبه ، فإذا امتنع منه فلا بد من قبض الحاكم ، فإن تعذر فبذله المديون وخلى بين الدين وبينه فتلف كان من ضمانه.

وعلى هذا فحقه أن لا يكون بمجرد بذل الحر نفسه للعمل ، حيث لا يقبل المستأجر بحيث لا يتعين له ، وبذل العين المؤجرة حيث لا يقبلها المستأجر تلف المنافع المذكورة منه ، ويستقر الأجر عليه إذا مضت مدة يمكن فيها الانتفاع. إلا أن يتشخص الزمان فإنها حينئذ تجري مجرى الحق المعين المتشخص الذي إذا بذل لمالكه فأبى ، أخذه. وقد خلى بينه وبينه فتلف ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣١٨.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٢٦.

١١٦

ولو شرط ابتداء العمل في وقت ، ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه ، فطلبه المالك فلم يدفع العين إليه صار غاصباً ، فإن عمل بعد ذلك لم يستحق أجرة.

______________________________________________________

فإن تلفه منه ، ولا يتوقف على الرجوع إلى الحاكم بخلاف الدين.

ولو كان العمل في الذمة فبذل نفسه له فلا فرق ، قال في التذكرة : وإذا قلنا بعدم الاستقرار فللأجير أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليجبره على الاستعمال (١).

وأما إذا كانت الإجارة فاسدة فإن المستأجر لا تستقر عليه اجرة المنافع إن لم يأخذ العين إذ لم تتلف بيده ، ولا هي مال له قد بذله من وجب عليه فيكون تلفه منه.

قوله : ( ولو شرط ابتداء العمل في وقت ، ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه ، وطلبه المالك فلم يدفع العين إليه صار غاصباً ، فإن عمل بعد ذلك لم يستحق اجرة ).

أي : لو كانت الإجارة على عمل كخياطة ثوب ، وشرط ابتداء العمل في وقت معين ، وسلّم إليه العين ومضت مدة يمكن فيها العمل خالية عنه ، وطلب المالك العين فلم يدفعها إليه صار غاصباً ، لأنه ليس له حبس العين حينئذ لانقضاء المدة التي جرت الإجارة عليها ، فانفسخت لتعذر المستأجر عليه.

فإن عمل بعد ذلك لم يستحق أجرة ، لأنه غاصب متبرع بعمله ، بخلاف ما لو لم تتعين المدة. وإن نزّل الإطلاق على اتصال زمانها بزمان العقد فإنه حينئذٍ لو أخرّها لم تبطل ، لبقاء صلاحية الزمان لها ، بخلاف ما إذا تعين زمانها ، فإن فواته يقتضي انفساخها.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٢٦.

١١٧

ولو ظهر عيب في الأجرة المعينة تخيّر المؤجر في الفسخ والأرش ، وفي المضمونة له العوض ، فإن تعذر فالفسخ أو الرضا بالأرش ، وللمؤجر الفسخ إن أفلس المستأجر.

ويجوز أن يؤجر العين بأكثر مما استأجرها به وإن لم يحدث شيئاً‌

______________________________________________________

واعلم إن العبارة لا تخلو من مؤاخذة ، لأن الضمير في قوله : ( وطلبه المالك ) حقه أن يرجع إلى العين ، لكنه لا يصلح لذلك لتذكيره ، ولا يصلح عوده إلى العمل.

قوله : ( ولو ظهر العيب في الأجرة المعيّنة تخيّر المؤجر في الفسخ والأرش كما في البيع ).

لأن الإطلاق يقتضي كون العوض سليماً.

قوله : ( وفي المضمونة له العوض ، فإن تعذر فالفسخ أو الرضا بالأرش ).

أي : لو ظهر العيب في الأجرة التي سلمها ولم تكن معينة ، بل كانت في الذمة استحق المؤجر عوض المدفوعة ، لما قلنا من أن الإطلاق يحمل على الصحيح.

والمدفوع ليس عين المعقود عليه ، إذ المعقود عليه ، إذ المعقود عليه محله الذمة ، فإن تعذر العوض تخيّر المستأجر بين الفسخ وعدمه ، فيطالب بالأرش عوض الفائت بالعيب لتعيّن المدفوع لأن يكون عوضاً بتعذر غيره.

قوله : ( وللمؤجر الفسخ إن أفلس المستأجر ).

لأن من وجد عين ماله فهو أحق بها ، كما سبق في الفلس مع مراعاة التفصيل السابق ، وهذا إذا كانت الأجرة ديناً تنزيلاً للمنافع بمنزلة الأموال.

قوله : ( ويجوز أن يؤجر العين بأكثر مما استأجرها به ، وإن لم‌

١١٨

مقوماً وكان الجنس واحداً على رأي ، وكذا لو سكن البعض وآجر الباقي بالمثل أو الزائد ،

______________________________________________________

يحدث شيئاً مقوماً وكان الجنس واحداً على رأي ).

هذا مختار جمع من الأصحاب للأصل ، ولعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، ولرواية أبي المغراء ـ في الحسن ـ عن الصادق عليه‌السلام (٢).

وقال الشيخان (٣) ، وأكثر الأصحاب بالمنع مع اتحاد الجنس (٤) ، ومنع ابن الجنيد معه في الربوي (٥) ، محتجين بلزوم الربا ، ولحسنة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام وقد سئل عن إجارة المستأجر العين بأكثر مما استأجرها قال : « لا يصلح ذلك إلا أن يحدث فيها شيئاً » (٦).

ومثله عن أبي بصير ، عنه عليه‌السلام وزاد : « أو يغرم فيها غرامة » (٧) وجوابه ظاهر ، فإن الربا منتف ، إذ لا معاوضة في الجنس الواحد ، والروايتان محمولتان على الكراهية جمعاً بين الأخبار ، على أن في الثانية : « إني لأكره » وهو صريح في الكراهية ، وهو الأصح.

قوله : ( وكذا لو سكن البعض وآجر الباقي بالمثل أو الزائد ... ).

أي : وكذا تجوز الإجارة هنا ولا ربا ، ويجي‌ء خلاف الشيخ والجماعة ، لأن الأجرة تتقسط على الأجزاء ، ولحسنة أبي المغراء عن الصادق‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٧٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ حديث ٨٩٥ ، الاستبصار ٣ : ١٢٩ حديث ٤٦٤ ، المقنع : ١٣١.

(٣) الشيخ المفيد في المقنعة : ٩٨ ، والطوسي في المبسوط ٣ : ٢٢٦.

(٤) منهم : أبو الصلاح الحلبي في الكافي في الفقه : ٣٤٦ ، وسلار في المراسم : ١٩٥ ، والمحقق في الشرائع ٢ : ١٨١.

(٥) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٦١.

(٦) الكافي ٥ : ٢٧٣ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ٢٠٤ حديث ٨٩٩.

(٧) الكافي ٥ : ٢٧٣ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ٢٠٤ حديث ٩٠٠.

١١٩

وكذا لو تقبّل عملاً بشي‌ء وقبّله لغيره بأقل. واستيفاء المنفعة أو البعض مع فساد العقد يوجب أجرة المثل ، سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه.

______________________________________________________

عليه‌السلام في حديث : « إن فضل أجرة الحانوت والأجير حرام » (١).

ولو سكن البعض وأجر الباقي بدون الأجرة جاز وإن كان أكثرها ، صرح به في الشرائع (٢) ، والحديث لا ينافيه ، فيتمسك فيه بالأصل.

قوله : ( وكذا لو تقبّل عملاً بشي‌ء وقبّله لغيره بأقل ).

أي : يجوز ذلك على رأي ، والخلاف للشيخ والجماعة لرواية أبي المغراء السابقة ، والأصح في ذلك كله الجواز.

قوله : ( واستيفاء المنفعة أو البعض مع فساد العقد يوجب أجرة المثل ، سواء زادت عن المسمى أو نقصت عنه ).

وذلك لأنه مع الفساد يجب رد كل عوض إلى مالكه ، ومع استيفاء المنفعة يمتنع ردها ، فوجب بدلها ، وهو اجرة المثل.

ولا أثر لكون المسمى أقل أو أكثر ، كما لو اشترى العين فاسداً بأقل من قيمتها أو بأكثر فتلفت.

وفي حواشي شيخنا الشهيد : إن هذا إذا لم يكن الفساد باشتراط عدم الأجرة ، أو يكون متضمناً له فهناك يقوى عدم وجوب الأجرة لدخول العامل على ذلك ، وهذا صحيح في العمل.

أما مثل سكنى الدار التي يستوفيها المستأجر بنفسه ، فإنّ اشتراط عدم العوض إنما كان في العقد الفاسد الذي لا أثر لما تضمنه من التراضي فحقه وجوب أجرة المثل. ومثله ما لو باعه على أن لا ثمن عليه. ولو اشترط في‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٧٢ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٢٠٣ حديث ٨٩٥.

(٢) الشرائع ٢ : ١٨١.

١٢٠