جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو كان في يد محرم فاستعاره محل جاز ، لزوال ملك المحرم عنه بالإحرام ، كما يأخذ من الصيد كما ليس بملك.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان في يد محرم فاستعاره محل جاز ، لزوال ملك المحرم عنه بالإحرام ).

فيه نظر ، لأن الواجب على المحرم إرسال الصيد ورفع السلطنة عنه ، لا إثبات سلطنة شخص آخر عليه ، وسيأتي في عبارة الكتاب في الفروع ما يدل على خلاف ما ذكره هنا.

والذي في التذكرة خلاف هذا ، فإنه قال : ولو كان الصيد في يد محرم فاستعاره المحل ، فان قلنا : المحرم يزول ملكه عن الصيد فلا قيمة له على المحل ، لأنه إعارة ما ليس ملكا له ، وعلى المحرم الجزاء لو تلف في يد المحل ، لتعديه بالإعارة ، فإنه كان يجب عليه الإرسال ، وإن قلنا : لا يزول صحت الإعارة ، وعلى المحل القيمة لو تلف الصيد عنده (١).

هذا كلامه ، وفيه اعتراف بتعدي المحرم بالإعارة ، وهو الأصح.

لكن قوله : وإن قلنا لا يزول صحت الإعارة ، وعلى المحل القيمة لو تلف الصيد عنده ، فيه نظر ، لأن صحة الإعارة مع وجوب الإرسال ورفع السلطنة مشكل ، وإثبات القيمة أشكل ، لأن العارية تقتضي عدم الضمان ، إلاّ أن يراد بالقيمة الجزاء لله تعالى.

[ ويمكن أن يقال : إن أمر الصيد غليظ ، فربما وجب ضمانه للمالك تغليظا وإن لم يشترط ضمانه ، وإطلاق النصوص بوجوب الجزاء لله تعالى والقيمة للمالك يقتضي الثبوت هنا ، فان تمّ هذا فهو دفع للإشكال ] (٢) الثاني من الإشكالين السابقين.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١٠.

(٢) ما بين المعقوفتين لم يرد في نسختي « م » و « ق » ، وأثبتناه من النسخة الحجرية لاقتضاء السياق له.

٦١

ولا تجوز استعارة الجواري للاستمتاع ، وتجوز للخدمة وإن كان المستعير أجنبيا.

وتكره استعارة الأبوين للخدمة ، وتستحب للترفه.

وتحرم اعارة العبد المسلم من الكافر.

فروع : أ : لو تلف الصيد عند المحل المستعير من المحرم لم يضمنه المحل ، لزوال ملك المحرم بالإحرام ، وعلى المحرم الضمان ، لأنه تعدّى بالإعارة لما يجب إرساله.

ب : لو قال : أعرتك حماري لتعيرني فرسك فالأقرب الجواز لكن لا‌ يجب ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا يجوز إعارة الجواري للاستمتاع ، ويجوز للخدمة وإن كان المستعير أجنبيا ).

قال في التذكرة : لا يجوز استعارة الجواري للاستمتاع على الأشهر (١). وكأنه يريد بذلك الإشارة إلى ما يحكى من خلاف بعض العامة (٢) في ذلك ، ومنع الشافعي من إعارة الجارية الشابة للخدمة ممن لا يوثق به (٣) ، وعندنا يجوز على كراهية مغلّظة.

قوله : ( ويحرم إعارة العبد المسلم من الكافر ).

هذا رجوع عما ذكره في التجارة ، إلاّ على بعض المحامل التي نزّلنا عليها العبارة هناك.

قوله : ( لو قال : أعرتك حماري لتعيرني فرسك ، فالأقرب الجواز‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١٠.

(٢) انظر : المغني لابن قدامة ٥ : ٣٥٦.

(٣) المغني لابن قدامة ٥ : ٣٦٠ الوجيز ١ : ٢٠٣.

٦٢

وليس على واحد منهما اجرة ، أما لو لم يعر الثاني فالأقرب الأجرة.

______________________________________________________

لكن لا يجب ).

وجه القرب : وجود المقتضي وانتفاء المانع ، ويحتمل العدم ، لأن مقتضى العارية عدم العوض ، فمعه تكون فاسدة.

ويدفعه : أن المذكور شرط لا عوض ، ولا ريب أن العارية عقد يقبل الشروط التي لا تنافي مقتضاه ، وليس الشرط عوضا ، إنما العوض ما جعل مقابلا كهذا بهذا.

والأصح الجواز ، ولا يجب على المستعير عارية ما اشترط المعير ، للأصل ولانتفاء المقتضي.

وزعم بعض العامة أن هذا إجارة فاسدة ، وليس بجيد كما ذكرناه.

قوله : ( وليس على واحد منهما اجرة ).

أي : ليس على المعير الأول ولا على الثاني أجرة للآخر ، لأن بناء العارية على التبرع.

قوله : ( أما لو لم يعر الثاني فالأقرب الأجرة ).

وجه القرب : أنه لم يبح له الانتفاع مطلقا ، بل مع الشرط ، فإذا لم يحصل كان له المطالبة بالعوض. ويحتمل العدم ، لأن العارية لا عوض فيها وقد تحققت.

وجوابه : أنه وان لم يكن فيها عوض ، إلاّ أن الاذن في الانتفاع قد حصل على وجه مخصوص ، فينتفي بانتفائه.

فإن قيل : الإذن في الانتفاع قد حصل في الجملة ، وغاية ما يقتضيه الشرط التسلط على الفسخ بدون فعله ، كما لو باع بشرط ، فان الملك ينتقل فيه ، ومع عدم الشرط يتسلط على الفسخ ، نعم لو كان المذكور عوضا لا شرطا‌

٦٣

ولو قال : أعرتك الدابة بعلفها فهي إجارة فاسدة تقتضي أجرة المثل ، وكذا : أعرتك الدابة بعشرة دراهم.

______________________________________________________

صح ذلك ، لكن تكون إجارة فاسدة لا عارية.

قلنا : لما كان عقد العارية في غاية الضعف ـ ولهذا يعوّل فيه على قرائن الأحوال ، كالظرف الذي فيه الهدية والقصعة المبعوث فيها الطعام ، فإنه يجوز أكله منها ، وكذا ثمرته في غاية الضعف ، وهي مجرد إباحة الانتفاع ـ انتفت ثمرته بأدنى سبب ، بخلاف العقود اللازمة أو المثمرة للملك.

وأيضا فإن البيع مثلا مبني على اللزوم ، وعدم فعل الشرط يوجب تزلزله وجوازه ، فظهر أثر الشرط في ذلك ، وأما العارية فإن أثر العقد هو الإباحة التي لا شي‌ء أضعف منها ، وجوازه ثابت على كل حال ، فلا بد للشرط من أثر ، وليس إلاّ عدم جواز الانتفاع بدونه ، فيمنع منه إلاّ بعد فعل الشرط ، وبه صرح في التذكرة (١).

والذي ذكره الشارح : جواز الفسخ بدون الشرط ، فينتفي مبيح العين ، فتثبت الأجرة (٢). وهذا لو صح إنما يؤثر فيما سيأتي ، أما ما سبق من الانتفاع قبل الفسخ فلا.

قوله : ( ولو قال : أعرتك الدابة بعلفها ، فهي إجارة فاسدة تقتضي أجرة المثل ، وكذا : أعرتك الدابة بعشرة دراهم ).

ووجهه : أن لفظ العارية وإن كان حقيقة في العقد المخصوص ، إلاّ أن التصريح بالعوض ينافيه ، فينطبق على الإجارة من حيث المعنى ، فان المالك لم يبذل المنفعة مجانا ، بل بعوض ، فإذا فات لفساد العقد وجب اجرة المثل لتلك المنفعة التي أتلفها.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١١.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٢٦.

٦٤

ج : لو أذن الولي للصبي في الإعارة جاز مع المصلحة.

______________________________________________________

فإن قيل : هذا لا يقتضي كونها إجارة فاسدة كما ذكره المصنف ، لأن هذا الحكم ثابت مع كونها عارية فاسدة ، والأصل في اللفظ كونه حقيقة ، والمجاز يحتاج إلى الدليل ، ومع ذلك فالعقود بالقصود ، فمع قصد العارية كيف يكون إجارة؟ فيكون عارية فاسدة ، وهو أحد وجهي الشافعية (١).

والتحقيق أن يقال : إن أراد المصنف بقوله : ( فهي إجارة فاسدة ) أنها كذلك من حيث المعنى لكون المنفعة مقابلة بعوض ، ومن حيث الحكم باعتبار وجوب اجرة المثل ـ إذ المالك لم يبذل المنفعة مجانا ، وامتناع معنى العارية هاهنا لانتفاء التبرع بالمنفعة الذي مدار العارية عليه ـ فهو حق.

وإن أراد أن لفظ العارية مراد به الإجارة البتة ، ولا يقع على هذا التقدير اسم العارية الفاسدة ، فليس كذلك ، ومن أين يعلم هذا والأصل في الاستعمال [ الحقيقة (٢) ] والعقود تابعة للقصود؟ نعم شبهه بالإجارة الفاسدة أكثر ، فلعل المصنف أراد هذا المعنى ، فيندفع الإشكال عن كلامه.

واعلم أن صاحب الشرائع (٣) ذهب إلى جواز الإجارة بلفظ العارية ، فإذا ضبطت المنفعة والعوض وقصد باللفظ الإجارة مجازا صح عنده ، إلا أنه بقصد الإجارة يخرج عما نحن فيه ، وسيأتي تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى.

قوله : ( لو أذن الولي للصبي في الإعارة جاز مع المصلحة ).

لا شك في الجواز مع المصلحة ، والعبرة حينئذ بإذن الولي لا بعبارة الصبي.

__________________

(١) كفاية الأخيار ١ : ١٨١.

(٢) لم ترد في « م » و « ق » ، وأثبتناها من الحجري والمفتاح ٦ : ٥٩ عن جامع المقاصد ، وهو الصحيح.

(٣) شرائع الإسلام ٢ : ١٧٩.

٦٥

د : تجوز استعارة الفحل للضراب ، والكلب للصيد ، والسنور والفهد ، واستعارة الشاة للحلب وهي المنحة ، وله الرجوع في اللبن مع وجوده عنده وكذا غيرها.

الفصل الثاني : في الأحكام : وهي أربعة :

الأول : الرجوع : العارية عقد جائز من الطرفين ، إلاّ إذا أعار لدفن ميت فيمتنع نبش القبر الى أن يندرس أثر المدفون ، فلو رجع في إذن البناء أو الغرس قبلهما وجب الامتناع ، فإن غرس حينئذ فللمالك القلع مجانا والمطالبة بالأجرة وطمه الحفر.

ولو رجع بعد البناء أو الغرس أو الزرع فالأقرب جواز اجابته ، لكن‌

______________________________________________________

قوله : ( وكذا غيرها ).

أي : وكذا يجوز استعارة غير الشاة للحلب من الأنعام وغيرها.

قوله : ( الفصل الثاني : في الأحكام ، وهي أربعة : الأول الرجوع : العارية عقد جائز من الطرفين ، إلاّ إذا أعار لدفن ميت ، فيمنع نبش القبر إلى أن يندرس أثر المدفون ).

لما في النبش من هتك حرمة المسلم ، قال في التذكرة : ولا نعلم فيه خلافا (١). ولا يخفى أن المرجع في اندراس أثر المدفون إلى الظن الغالب.

قوله : ( فان غرس حينئذ فللمالك القلع مجانا ).

وله المطالبة بالقلع ، ويجبر عليه الغارس ، لأنه حينئذ غاصب.

قوله : ( ولو رجع بعد البناء أو الغرس أو الزرع ، فالأقرب إجابته‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢١١.

٦٦

بشرط دفع أرش الغرس والزرع ولو قبل إدراكه ،

______________________________________________________

ـ لكن بشرط دفع أرش الغرس والزرع ـ ولو قبل إدراكه ).

مقتضى إطلاق العبارة تناول ما إذا كانت العارية مطلقة ، واما إذا كانت موقتة بأمر معين في كل من البناء والغرس والزرع ، فيكون عدم الإجابة ـ وهو مقابل الأقرب ـ محتملا في كل من الصور.

وقد صرح الشارح بأن الخلاف إنما هو فيما إذا أعاره للبناء أو الغرس مدة معينة ثم رجع قبل انقضائها ، وأعاره للزرع ثم رجع قبل إدراكه ، وأما ما عدا ذلك فان للمعير الرجوع إجماعا (١).

وكلام الشيخ في المبسوط في العارية (٢) ، وكذا ابن إدريس في السرائر (٣) مصرّح بالمنع من الرجوع في الموضعين (٤) المذكورين خاصة ، لكن هذا لا يدل على ما ادّعاه من الإجماع.

ولا ريب أن ظاهر عبارة المصنف هنا وفي الصلح عدم الفرق ، بل كلامه في الصلح أدل ، حيث أنه فرض المسألة التي هي موضع الخلاف في البناء ولم يذكره العارية للزرع ، بحيث يحتمل اختصاص الاحتمال به.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٢٦ ، وما هنا مضمون كلام الشارح لا نصه.

(٢) في المبسوط ٣ : ٥٥ ـ ٥٦ قال الشيخ في حكم ما إذا كانت عارية الغرس مؤقتة بأمد معين : ( فاما إذا أذن له إلى سنة ثم رجع قبل مضي السنة. وطالب بالقلع من غير أن يضمن الأرش فلا يلزمه القلع الا بعد الضمان بلا خلاف ) ، وهو مخالف لما هنا ، إذ لا يجبر على القلع سواء ضمن أم لم يضمن. وفي المفتاح ٦ : ٦٢ نقل قول الشيخ من دون لفظ ( الا بعد الضمان ) ولعله اختلاف في النسخ فتأمل.

(٣) السرائر : ٢٦٣. وقال السيد العاملي في المفتاح ٦ : ٦٢ : ولم يصرح في السرائر بالمنع في صورة التوقيت كالمبسوط ، والموجود فيها انه يجبر المستعير على القلع في البناء والغرس من دون فرق بين الإطلاق والتوقيت.

(٤) قال السيد العاملي في المفتاح ٦ : ٦٢ : وعنى بهما : الزرع قبل إدراكه ، وما إذا كانت عارية البناء والغرس مؤقتة بأمد معين.

٦٧

______________________________________________________

وصرح الشارح هناك بما يقتضي تعميم الخلاف ، حيث قال : وقال الشيخ (١) وابن البراج (٢) ليس له الرجوع بعده ، لأن إذنه اقتضي البقاء والدوام ، وفي القلع إضرار به ، فلا يملك المعير ذلك ، كما لو أعاره أرضا للدفن (٣).

هذا كلامه.

ووجه القرب : أن بناء العارية على الجواز واللزوم يحتاج إلى دليل ، وهو منتف ، واللزوم في الدفن خرج بالإجماع ، والقياس باطل مع وجود الفارق ، فان هتك حرمة المسلم لا بدل لها ، بخلاف ما يتلف من المال بالقلع ، فان له بدلا.

فإن قيل : الدليل قوله عليه‌السلام : « لا ضرر ولا ضرار (٤) ».

قلنا : هو مشترك بين المعير والمستعير ، والضرر لا يدفع بالضرر ، مع أنه إذا دفع الأرش حصل الجمع بين الحقين ، لكن إنما يجاب إلى إزالة ما فعله المستعير إذا دفع الأرش للغرس والبناء والزرع.

وترك المصنف ذكر البناء اكتفاء ببيان حكم الغرس والزرع ، ووجهه : أن كلا منهما محترم صدر بالاذن ، فلا يجوز إتلاف شي‌ء فيه مجانا ، وهذا رجوع من المصنف عن الإشكال الذي ذكره في الصلح إلى الجزم ، وهذا هو الأصح.

واعلم أن قوله : ( ولو قبل إدراكه ) وصلي لقوله : ( فالأقرب إجابته )

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٩٧.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٤٨.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ١٠٧.

(٤) الكافي ٥ : ٢٩٢ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٧.

٦٨

والأقرب توقف تملك الغرس بالقيمة أو الإبقاء بالأجرة على التراضي منهما.

______________________________________________________

بالنسبة إلى كل من الزرع والغرس ، وحاول به التنبيه على ردّ خلاف الشيخ (١) وابن إدريس (٢) ، المانعين من الرجوع في العارية للزرع قبل إدراكه ، لأن له أمدا ينتظر ، لا يجوز له الرجوع قبله.

إن قيل : أي معنى لثبوت الأرش بعد الإدراك ، فإنه حينئذ يطلب إزالته ولو لم يزل النقص بعدم الإزالة والأرش عوض التالف.

قلنا : لم يحكم المصنف بثبوت الأرش في هذا الفرد ، وإنما حكم بثبوت الأرش وأطلق ، ولمّا كان الأرش عبارة عن عوض ما يتلف بالإزالة ، وجب اختصاصه بما عدا ما بلغ مبلغا يراد إزالته ، وإلاّ لكان بمعرض النقصان.

قوله : ( والأقرب توقف تملك الغرس بالقيمة أو الإبقاء بالأجرة على التراضي منهما ).

خالف الشيخ (٣) وابن الجنيد (٤) في ذلك ، حيث قالا بأنه إذا دفع صاحب الأرض قيمة الغرس ، اجبر صاحب الغرس على أخذها ، ويملك صاحب الأرض الغرس ، لأنه لا ضرر عليه.

وهو ضعيف ، لأن نقل الملك من مالك إلى آخر لا يكفي فيه عدم الضرر ، بل لا بدّ من التراضي ، وكذا الإبقاء بالأجرة ، لأن استحقاق العوض في مقابل المنفعة إنما يكون بالتراضي ، والأصح مختار المصنف.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٥٥ ـ ٥٦.

(٢) السرائر : ٢٦٣.

(٣) المبسوط ٣ : ٥٥.

(٤) نقل قوله فخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٢٧.

٦٩

ولو رجع في عارية الجدار لوضع الخشب قبله جاز ، وبعده على الأقوى ، فيستفيد التخيير بين طلب الأجرة للمستقبل مع رضى المستعير ، وبين القلع مع دفع أرش النقص وإن أدى الى خراب ملك المستعير لكون الأطراف الأخر مبنية عليه على اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( وبعده على الأقوى ، فيستفيد التخيير بين طلب الأجرة للمستقبل مع رضى المستعير ... ).

قد سبق أن الأصح أن له الرجوع مطلقا مع الأرش ، ومعنى قول المصنف : ( فيستفيد التخيير ... ) أن المعير يستفيد برجوعه تخير الشارع إياه بين الأمرين.

قوله : ( وإن أدّى إلى خراب ملك المستعير ، لكون الأطراف الأخر مبنية عليه على إشكال ).

أي : على ملك المستعير ، ولعل ذكر هذا الفرع هو السبب في إعادة المسألة التي قبله ، إذ قد سبقت في الصلح.

ومنشأ الاشكال : من أن جواز الرجوع مشروط بما إذا لم يستلزم التصرف في ملك الغير ( وتخريب بنائه الواقع في ملكه ، فان الثابت له هو تفريغ ملكه من ملك الغير ، لا تخريب ملك الغير (١) ).

ومن أن ذلك مما يتوقف عليه التفريغ الذي هو حق للمعير ، ولا يتم إلاّ به ، فهو مقدمته ، والمستعير هو الذي أدخل الضرر على نفسه ، ببنائه في ملكه بناء معرضا للزوال بالرجوع في العارية التي هي مبنية على الجواز. والأول مختار الشيخ (٢) وابن إدريس (٣) ، والأصح الثاني.

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

(٢) المبسوط ٢ : ٢٩٧ و ٣ : ٥٦.

(٣) السرائر : ٢٦٣.

٧٠

ولو انهدم الحائط ، أو أزال المستعير الخشب باختياره أو بإكراه ، أو انقلعت الشجرة لم يملك إعادته ، سواء بنى الحائط بآلته أو بغيرها ما لم يجدد الإذن.

فروع‌

أ ـ لو رجع في الإعارة للدفن بعد وضع الميت في القبر قبل الطم جاز.

ب : لو رجع قبل الغرس فلم يعلم حتى غرس جاز له القلع مجانا على اشكال ، وفي استحقاق الأجرة قبله نظر.

______________________________________________________

قوله : ( فروع : أ ، لو رجع في الإعارة للدفن بعد وضع الميت في القبر قبل الطم جاز ).

لأنه لا يستلزم النبش المحرم ، واجرة الحفر حيث تثبت على ولي الميت ، أما الطم فإنه على صاحب الأرض ، لصدوره بإذنه.

قوله : ( ب : لو رجع قبل الغرس ، فلم يعلم حتى غرس ، جاز له القلع مجانا على إشكال ).

ينشأ : من التردد في نفوذ الرجوع قبل العلم ، وسيأتي ان شاء الله تعالى تحقيقه في الوكالة.

والأصح أنه لا ينفذ ولا يخاطب به إلا بعد العلم ، إذ لو نفذ لكان ممنوعا من الغرس وعاديا ، وهو يقتضي التكليف بما لا يطاق ، إذ يستلزم خطاب الغافل ، فحينئذ لا بدّ من الأرش.

قوله : ( وفي استحقاق الأجرة قبله نظر ).

أي : قبل القلع أو قبل العلم ، والأول أوقع ، لأن السياق يقتضي كون‌

٧١

ولو حمل السيل نواة فنبتت في أرض غيره اجبر المالك على القلع ، والأقرب أن عليه تسوية الأرض لأنه قلعه لتخليص ملكه ،

______________________________________________________

هذا من أقسام ما إذا لم يعلم بالرجوع حتى غرس ، ومنشأ النظر هو منشأ الاشكال ، فإن الرجوع إن نفذ كان تصرفه في ملك الغير بغير إذن ، فتجب الأجرة ، وإلاّ فلا بحث ، والأصح عدم الوجوب.

قوله : ( ولو حمل السيل نواة فنبتت في أرض غيره ، اجبر المالك على القلع ).

لو حمل السيل نوى شخص أو حبّه إلى ملك آخر فنبتت في أرضه ، فهو باق على ملك مالكه ، ولصاحب الأرض مطالبته بالإزالة ، فيجب عليه ، لأن ملكه قد شغل أرض غيره بغير حق ، فيجب تخليصه منها ، ولا اجرة عليه على الظاهر إذا لم يقصر في القلع ، وهذا إذا لم يكن النوى والحب ممن أعرض عنه المالك وطرحه ، فان كان كذلك فله تملكه ولصاحبه الرجوع فيه ، ولو جهل المالك مع عدم تحقق الإعراض ، فهو مال مجهول المالك.

قوله : ( والأقرب أن عليه تسوية الأرض ، لأنه قلعه لتخليص ملكه ).

وجه القرب : أن الحفر أمر واجب عليه ، لمحض تخليص ملك الغير وتخليته من ملكه ، حيث أنه شغله بغير حق فوجبت التسوية.

ويحتمل ضعيفا العدم ، لأن التخليص عائدة على صاحب الأرض أكثر.

ويرده : أنه وإن كان كذلك ، إلاّ أن ذلك الحق لصاحب الأرض ، فإن شغل أرضه لمّا كان بغير حق ، وجب أن يكون رفع ذلك واجبا على مالك النوى ، وما يحدث من الضرر عليه إزالته ، وهو الأصح.

ولا يخفى أن تعليل المصنف ليس بجيد ، لأنه مشترك بين صاحب الأرض والنوى ، فلا يستلزم ما ادّعاه.

٧٢

ولصاحب الأرض الإزالة مجانا.

ج : لو رجع في اذن الزرع وقد بلغ القصيل وجب قلعه مجانا.

لانتفاء الضرر ، ومع الضرر الأرش.

د : لو شرط القلع عند الرجوع مجانا وتسوية الحفر الزم الوفاء ولا أرش ، وإن شرط الأول لم يكلّف المستعير التسوية.

هـ : لو لم يشرط القلع فأراده المستعير فله ذلك ، وهل عليه التسوية؟ إشكال ينشأ : من أنه كالمأذون في القلع بأصل الإعارة ، ومن أنه قلع باختياره فليرد الأرض كما كانت.

______________________________________________________

قوله : ( ولصاحب الأرض الإزالة مجانا ).

لما قلناه : من أن شغل ملكه بغير حق.

قوله : ( لو رجع في الإذن وقد بلغ القصيل وجب قصله مجانا ، لانتفاء الضرر ، ومع الضرر الأرش ).

هذا إذا كان ذلك النوع من الزرع مما يعتاد قصله ، سواء حصل بقصله ضرر ونقصان أم لا ، لكن مع انتفاء الضرر لا أرش ، ومعه يجب الأرش ، أما لو لم يكن ذلك النوع معتادا قصله ، فالأقرب أن حكمه في القلع والتبقية حكم الرجوع في الغرس ، وفاقا للمصنف في التذكرة (١) ، حملا للإطلاق على العادة الغالبة.

قوله : ( لو لم يشترط القلع فأراده المستعير ، فله ذلك ، وهل عليه التسوية؟ إشكال ، ينشأ : من أنه كالمأذون في القلع بأصل الإعارة ، ومن أنه قلع باختياره فليرد الأرض كما كانت ).

لو قيل في توجيه الاشكال غير هذا لكان أوجه ، وتحقيقه : أن الاذن في‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ٢ : ٢١٣.

٧٣

و : يجوز للمعير دخول الأرض ، والانتفاع بها ، والاستظلال بالبناء والشجر ، وكل ما لا يضر البناء والغرس ، وللمستعير الدخول لسقي الشجر ، ومرمّة البناء دون التفرج.

______________________________________________________

الزرع إذن في توابعه التي من جملتها القلع ، ومتى كان القلع مأذونا فيه من المالك لم تجب التسوية ، ووجه الوجوب : أنه قد أحدث في أرض الغير حدثا باختياره ، فيجب عليه إصلاحه.

ولقائل أن يقول : لا نسلم أن الإذن في الزرع يقتضي الاذن في القلع ، ولا دليل يدل على ذلك ، فيكون القلع حينئذ جناية غير مأذون فيها ، ولا ريب أن المسألة محل تردد ، فنحن فيها من المتوقفين.

ومثله ما لو نقصت الأرض بالقلع ، فان في وجوب الأرش الإشكال.

واعلم : أن قول المصنف ( لو لم يشترط القلع ) يشعر بأنه لو اشترط لم يجب عليه التسوية ، وهو كذلك ، لأن القلع حينئذ مأذون فيه ، فلا يكون ما أحدث بسببه مضمونا.

قوله : ( يجوز للمعير دخول الأرض والانتفاع بها ، والاستظلال بالبناء والشجر ، وكلّ ما لا يضر البناء والغرس ).

أي : ويجوز له كلّ ما لا يضر البناء والغرس ، لأن ذلك كله تصرف في ملكه ، أما التصرف في البناء والغرس فلا يجوز.

قوله : ( وللمستعير الدخول لسقي الشجر ومرمة البناء دون التفرج )

أما السقي فإنه من ضرورات الغرس ، ومثله سقي الزرع ، وأما مرمة البناء فليس تجديدا ليتوقف على الاذن ، وفي تركه إضاعة المال المنهي عنها ، بخلاف التفرج ، فإنه غير مأذون فيه.

قال في التذكرة : لو تعطّلت المنفعة على صاحب الأرض بدخوله ، لم‌

٧٤

ز : لكل من المستعير والمعير بيع ملكه من صاحبه ، ومن أجنبي.

ح : لو أعاره للغرس مدة معينة فله الرجوع قبله ، وقبل انقضائها مع الأرش ، وهو التفاوت بين كونها قائمة إلى المدّة ومقلوعة قبل‌ انقضائها ،

______________________________________________________

يمكّن منه إلاّ بالأجرة ، جمعا بين حفظ المالين (١).

قوله : ( لكل من المعير والمستعير بيع ملكه من صاحبه ومن جنبي ).

منع بعض العامة من بيع المستعير ملكه ، لأنه في معرض النقص والهدم. وليس بشي‌ء ، فإن الحيوان المشرف على التلف يجوز بيعه ، وكذا المستحق للقتل قصاصا ، ومتى كان المشتري جاهلا بالحال فله الخيار ، بخلاف ما إذا كان عالما ، وينزل منزلة المستعير.

ويجوز بيعهما معا باتفاقهما : المعير والمستعير ، وحينئذ فيوزّع الثمن على أرض مشغولة بالغراس أو البناء على وجه الإعارة ، مستحقّ للقطع مع الأرش ، أو الإبقاء مع الأجرة إذا تملكه بالقيمة مع التراضي فيهما ، وعلى ما فيها من بناء أو غرس مستحق للقلع على أحد الأنحاء ، فحصة الأرض للمعير وحصة ما فيها للمستعير.

قوله : ( لو أعاره للغرس مدة معينة ، فله الرجوع قبله وقبل انقضائها مع الأرش ).

التقييد بالأرش مخصوص بما إذا رجع قبل انقضاء المدة ، لأنه إذا رجع قبل الغرس لا نقص حينئذ بسبب الرجوع على غرس المستعير بتدارك الأرش.

قوله : ( وهو التفاوت بين كونها قائمة إلى المدة ومقلوعة قبل انقضائها ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١٣.

٧٥

وله الرجوع بعدها ، والإلزام بالقلع مجانا.

______________________________________________________

إنما اعتبر في الأرش تقويمها قائمة إلى المدة المعينة وتقويمها مقلوعة ، لأن بقاءها إلى المدة مستحق إلى أن يبدل الأرش ، ومن ثم تقوم قائمة على حالها ، ومقلوعة فيما إذا أعار للغرس مثلا وأطلق ، لأنها مستحقة للإبقاء مطلقا إلى أن يبذل الأرش ، وقبله لا يجوز قلعها.

ومن توهم أن الأرش لا بد فيه من تقويمها قائمة بالأجرة ، فقد غلط قطعا ، إذ لا أجرة حينئذ.

قوله : ( وله الرجوع بعدها والإلزام بالقلع مجانا ).

أي : بعد المدة المشترطة ، لأن زمان العارية ينتهي بانتهائها ، وحينئذ فيكون شغل أرش المعير بها بغير استحقاق ولا إذن ، فيستحق الإزالة.

وفي التذكرة فصّل تفصيلا آخر ، حاصله : أنه إن شرط القلع بعد المدة أو نقض البناء وجب ولا أرش (١) ، عملا بالشرط ، وكذا لا يجب على المستعير طم الحفر ، للاذن فيه الحاصل بالشرط. وإن لم يكن شرط عليه القلع واختاره المستعير كان له ذلك ، والأقوى عنده أن عليه تسوية الأرض ، لأنه أحدث في أرض الغير (٢) حدثا باختياره. وإن لم يختر القلع وأراده المعير ، فلا بد من الأرش (٣). هذا محصّل كلامه ، وهو مخالف لما هنا.

والذي يظهر من مطاوي كلامه : أن فائدة تعيين المدة في العارية ، أن للمستعير تجديد الغرس مثلا في كل يوم إلى انقضاء المدة ، فبعده لا يجوز.

والظاهر أن ما اختاره هنا هو الصواب ، لأن تأقيت مدة العارية يقتضي انتفاءها بعد انقضائها.

__________________

(١) في « ق » : لا يجب الأرش.

(٢) في « ق » : المعير.

(٣) التذكرة ٢ : ٢١٢.

٧٦

ولا فرق بين الغرس والزرع على اشكال ينشأ : من أن الغرس والبناء للتأبيد ، وللزرع مدّة تنتظر فليس له الرجوع قبلها.

الثاني : الضمان : العارية أمانة لا يضمنها‌ المستعير إلاّ بالتفريط في الحفظ ، أو التعدي ، أو اشتراط الضمان ،

______________________________________________________

نعم لو صرّح في العقد بكون التأقيت لتحديد التصرف فقط لا لمدة العارية ، كان ما ذكره في التذكرة متجها.

قوله : ( ولا فرق بين الزرع والغرس على إشكال ، ينشأ : من أن البناء والغرس للتأبيد ، وللزرع مدة تنتظر فليس له الرجوع قبلها ).

أي : لو أعار للزرع مدة معينة فانقضت ولما يدرك ، فهل يكون الحكم كما سبق في الغرس ، وهو وجوب القلع مجانا؟ أم يفرق بينهما ، فيكون الحكم في الزرع كالحكم فيما لو أعار للغرس ولم يقيد بمدة ، فيجب الأرش إذا أراد القلع؟ في الفرق وعدمه إشكال.

ينشأ : من أن البناء والغرس للتأبيد ، فيمكن التأقيت فيه بأي مدة أراد المعير ، لعدم تفاوت الأزمنة بالنسبة إليه ، بخلاف الزرع ، فان له مدة تنتظر ، فلا يعتد بالتأقيت القاصر عنها.

ومن أن الناس مسلطون على أموالهم ، والمسلمون عند شروطهم ، ولم تصدر الإباحة من المالك إلا إلى الأمد المخصوص ، وقد دخل المستعير على القلع عند انقضائه ، فيجب الوفاء ، وهو الأصح. وضعف الأول ظاهر.

ولا يخفى أن موضع الاشكال ما إذا لم يكن عدم إدراك الزرع مستندا إلى تقصير المستعير ، فإن أخر باختياره حتى ضاق الوقت وجب القلع مجانا قطعا.

قوله : ( الثاني الضمان ، العارية أمانة لا يضمنها المستعير ... )

٧٧

أو كانت ذهبا أو فضة وإن لم يشترط الضمان إلاّ أن يشترط سقوطه.

وفي دخول المصوغ نظر ،

______________________________________________________

العارية أمانة بإجماع علمائنا ، والنص من أهل البيت عليهم‌السلام (١) ، إلا في مواضع منها : التعدي أو التفريط في الحفظ وهو ظاهر ، ومنها : ما إذا اشترط الضمان بالنص (٢) والإجماع ، ومنها : عارية غير المالك فإنها غصب في الحقيقة ، ومنها : عارية الصيد للمحرم ـ فان إمساكه حرام عليه ، فيكون متعديا وضامنا ، وهذا ظاهر بالنسبة إلى حقّ الله تعالى ، أما بالنسبة إلى حق المعير الذي هو المالك ففيه الكلام السابق ـ ومنها : عارية الذهب والفضة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

قوله : ( أو كانت ذهبا أو فضة وإن لم يشترط الضمان ، إلاّ أن يشترط سقوطه ).

إذا كان الذهب أو الفضة دنانير أو دراهم فلا خلاف في ضمانها ، والنصوص (٣) في ذلك كثيرة ، إنما الخلاف في المصوغ منهما ، وهذا إذا لم يشترط سقوط الضمان ، أما مع اشتراطه فإنه يسقط قطعا ، للنص (٤) ، ولوجوب الوفاء بالشرط.

قوله : ( وفي دخول المصوغ نظر ).

لا شبهة في دخول المصوغ من الذهب والفضة في مسماهما ، إنما الكلام في دخولهما في الحكم ، فكأنه أراد أن في اندراجهما في الحكم بالضمان نظرا ، ينشأ من تخيل تعارض النصوص :

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٣٨ باب ضمان العارية والوديعة ، التهذيب ٧ : ١٨٢ باب العارية.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ حديث ١ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ حديث ٨٠٤ ، ٨٠٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ حديث ٢ ـ ٣ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ حديث ٨٠٤ ، ٨٠٦.

(٤) الكافي ٥ : ٢٣٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ حديث ٨٠٦.

٧٨

______________________________________________________

فان في حسنة زرارة عن الصادق عليه‌السلام في كون العارية مضمونة : « جميع ما استعرت فتوى (١) فلا يلزمك تواه ، إلاّ الذهب والفضة فإنهما يلزمان (٢) » الحديث.

وفي صحيحة ابن مسكان عن الصادق عليه‌السلام : « لا تضمن العارية إلاّ أن يكون اشترط فيها ضمانا ، إلاّ الدنانير فإنها مضمونة وإن لم يشترط فيها ضمانا (٣) » وحسنة عبد الملك عنه عليه‌السلام (٤) مثلها ، إلاّ أن الاستثناء فيها للدراهم.

والتحقيق : أنه لا تعارض ، لأن استثناء الذهب والفضة في الرواية الأولى يقتضي ثبوت الضمان في هذين الجنسين ، لأن اللام فيهما للجنس ، واستثناء الدراهم والدنانير في الروايتين الأخيرتين يقتضي كون المخرج من العموم الدراهم والدنانير ، فيبقى العموم فيما عداهما بحاله ، فيخرج منه الجنسان من حيث هما ذهب وفضة ، لأنهما أخص من هذا العموم مطلقا ، ولا تعارض بين العام والخاص.

وما ذكره الشارح ـ من أن الدراهم والدنانير أخص من الذهب والفضة ، فيخصان بهما ، وتكون الدراهم والدنانير مخصوصين للعموم (٥) ـ لا محصّل له ، ولا ينطبق على القوانين ، لأن استثناء الذهب والفضة تارة واستثناء الدراهم والدنانير تارة أخرى ، لا يقتضي أكثر من أن أحد المخصصين أعم من الآخر مطلقا ، فيخص بكل منهما ، لأن أحدهما يخص بالآخر.

__________________

(١) قال الجوهري في الصحاح ( توى ) ٦ : ٢٢٩٠ : والتوى ـ مقصور : هلاك المال.

(٢) الكافي ٥ : ٢٣٨ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ حديث ٨٠٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٣٨ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٨٣ حديث ٨٠٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٦ حديث ٤٤٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١٨٤ حديث ٨٠٨.

(٥) إيضاح الفوائد ٢ : ١٣٠.

٧٩

أو استعار من المستعير ، أو صيدا في الحرم ، أو كان محرما

______________________________________________________

وما توهمه بعضهم ـ من أن أحدهما مطلق والآخر مقيد ، فيحمل المطلق على المقيد ـ ليس بشي‌ء أيضا ، لأنه إذا أخرج من العموم الدنانير والدراهم في لفظ ، وأخرج الذهب والفضة في لفظ آخر لم يكن بينهما منافاة ، لأن إخراج الأمر الكلّي إخراج لبعض أفراده ، كما أن إخراج البعض لا ينافي إخراج الكلّ.

فإن قيل : المنافاة حاصلة ، لأن الاستثناء إذا دلّ على أن المخرج ليس الدراهم والدنانير ، نافي أن يكون المخرج الذهب والفضة ، فيجمع بينهما بحمل الذهب والفضة على الدراهم والدنانير.

قلنا : الاستثناء وإن دلّ على ذلك ، إلاّ أنه يقتضي بقاء العموم فيما عداهما ، والاستثناء الآخر يقتضي بقاءه فيما عدا الذهب والفضة ، والأصل فيهما إرادة الحقيقة ، وحملهما على المجاز خلاف الظاهر ، ولا شك أن العدول بهما عن الحقيقة أبعد من استعمال اللفظ مجازا في الافراد الأقل ، وهذا بمثابة : قام القوم إلاّ الشجاع منهم مع قام القوم إلاّ زيدا ، وهو أحد الشجعان.

والأرجح الضمان ، فيدخل المصوغ ، ويؤيده عموم « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١).

قوله : ( أو استعار من المستعير صيدا في الحرم أو كان محرما ).

يرد عليه ما سبق من الإشكال ، إلاّ أن يريد به بالإضافة إلى حقّ الله تعالى ، لكنه خلاف ما صرح به.

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢.

٨٠