جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

١
٢

٣
٤

٥
٦

كتاب الأمانات وتوابعها

وفيه مقاصد :

الأول : في الوديعة : وفيه فصول :

الأول : في حقيقتها : وهي عقد يفيد الاستنابة في الحفظ ، جائزة من الطرفين.

______________________________________________________

قوله : ( كتاب الأمانات وتوابعها ، وفيه مقاصد :

الأول : الوديعة ، وفيه فصول :

الأول : في حقيقتها ، وهي : عقد يفيد الاستنابة في الحفظ ).

نقض في طرده بالوكالة ، المتضمنة للاستنابة في الحفظ.

وجوابه : أن المراد من العقد ذلك ، وفي الوكالة الغرض بالقصد الأول الاستنابة في التصرف ، وما ثبت ضمنا فهو غير مقصود بالذات.

واعلم أن اللغة (١) والعرف العامي يقتضيان أن الوديعة هي المال ، وعرف الشرع أنها العقد.

قوله : ( جائزة من الطرفين ).

فإذا أراد المالك الاسترداد لم يكن للمستودع المنع ، ووجب عليه الدفع ، ولو أراد المستودع الرد لم يكن للمودع أن يمتنع من الأخذ ، لأنه متبرع بالحفظ ، ولو عزل المستودع نفسه ارتفعت الوديعة وبقي المال أمانة شرعية مطلقة في يده ، كالثوب الطائر في الهواء الى داره.

__________________

(١) انظر : الصحاح ( ودع ) ٣ : ١٢٩٦‌

٧

ولا بد فيها من إيجاب : هو كل لفظ دال على الاستنابة بأي عبارة كان ، وقبول ، فعلا أو قولا دالا على الرضى ، ولا بد من صدورهما من مكلّف جائز التصرف ، فلو استودع من صبي أو مجنون ضمن ، إلا إذا خاف تلفه فالأقرب سقوط الضمان ، ولا يبرأ بالرد إليهما في الصورتين بل إلى الولي.

______________________________________________________

وللشافعية قول بأنه لا ينعزل بالعزل بل يقع لغوا (١) ، والأصل في ذلك أن الوديعة مجرد إذن أم عقد.

فعلى الأول يلغوا العزل ، كما لو أذن له في تناول طعامه فرد الإذن ، فإن له الأكل بالإذن السابق.

وعلى الثاني : يرتفع العقد ويبقى المال أمانة يجب رده ، وإن لم يطلبه المالك ، فإن أخر متمكنا ضمن ، ذكر ذلك كله في التذكرة (٢).

قوله : ( ولا بد فيها من إيجاب ، وهو : كل لفظ دال على الاستنابة بأي عبارة ).

ولا يختص بلغة دون اخرى ، ولا يفتقر إلى التصريح ، بل يكفي التلويح والإشارة.

قوله : ( الا إذا خاف تلفه فالأقرب سقوط الضمان ).

لأنه محسن و ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (٣). ويحتمل ضعيفا الضمان ، لأنه استولى على مال غيره بغير إذن ، ويرده أن الاذن ثابت بالشرع ، فان ذلك من الأمور الحسبية.

قوله : ( ولا يبرأ بالرد إليهما في الصورتين ).

__________________

(١) المجموع ١٤ : ١٧٦ وفيه : ففي حالة عزل الوديع نفسه يرد الوديعة إلى ربها.

(٢) التذكرة ٢ : ١٩٧.

(٣) التوبة : ٩١.

٨

ولا يصح أن يستودعا ، فإن أودعا لم يضمنا بالإهمال ، أما لو أكلها الصبي أو أتلفها فالأقرب الضمان.

______________________________________________________

هما صورتا الأخذ من الصبي والمجنون ، لخوف التلف وعدمه.

قوله : ( أما لو أكلها الصبي أو أتلفها ، فالأقرب الضمان ).

وجه القرب : أن الإتلاف سبب الضمان. ويحتمل العدم ، لأن المالك قد سلطه عليها فكان سببا ، والمباشر ضعيف. وكذا الحكم في المجنون. واختار في التذكرة (١) ما اختاره هنا ، وهو قول ابن إدريس (٢).

والحق أن يقال : ان الصبي إذا كان مميزا يضمن بالإتلاف قطعا ، لوجود المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس إلاّ كونه غير بالغ ، وذلك لا يصلح للمانعية ، خصوصا المراهق ، فإنه كالبالغ في فعله وقصده وركون الناس إليه ، نعم لا يضمن بالتقصير ، لعدم وجوب الحفظ عليه.

فإن قيل : إذا تلفت في يده بالتقصير يجب أن يضمن لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٣) ولهذا لو وضع يده عدوانا فتلفت العين في يده يضمن.

قلنا : يمكن أن يفرّق بين وضع يده عدوانا ، وبين ما إذا كان الوضع باذن المالك وتسليطه ، إذ لا عدوان وهو ظاهر ، ولا تقصير لعدم وجوب الحفظ عليه حينئذ.

أما إذا كان غير مميز ، أو كان مجنونا ففي ثبوت الضمان في مالهما بالإتلاف التردد ، وليس ببعيد القول بالضمان ، لوجود المقتضي وهو الإتلاف ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٧.

(٢) السرائر : ٢٦٥.

(٣) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢ ، وغيرهما.

٩

ولو استودع العبد فأتلف فالأقرب أنه يتبع بها بعد العتق ، ولو طرح الوديعة عنده لم يلزمه الحفظ إذا لم يقبلها ، وكذا لو اكره على قبضها ولا‌

______________________________________________________

ولا مانع الا تسليط المالك إياهما ، وهو غير صالح للمانعية ، لأنه لم يسلطهما على الإتلاف ، بل أراد منهما الحفظ.

غاية ما في الباب أنه لعدم صلاحيتهما للحفظ عرض ماله للإتلاف ، وهذا القدر غير كاف في سقوط الضمان عن ملتفهما ، وإنما قلنا أنه لا مانع إلا هذا ، لأنهما لو أتلفا المال بدون إيداع المالك يضمنان قطعا ، فانحصر المانع فيما ذكرناه ، وهذا القول قوي متين.

قوله : ( ولو استودع العبد فأتلف ، فالأقرب أنه يتبع بها بعد العتق )

وجه القرب ان ما أتلفه العبد بغير إذن سيده لا يلزم السيد ، إذ ( لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١) ولا مال له لأنه مال لغيره ، فيجب أن يتبع به إذا صار مالكا ، وذلك إنما يكون بعد العتق.

ويحتمل تعلق الضمان ( برقبة ، وهو قول الشيخ في المبسوط ، لأنه قال : إن غلّبنا الجناية تعلق الضمان برقبته (٢).

ويحتمل تعلق الضمان ) (٣) بكسبه إذا أذن له المولى في قبول الوديعة ، لأن الإذن في الشي‌ء إذن في توابعه ، ومن جملتها الضمان عند الإتلاف ، وحكاه الشارح قولا (٤).

والأصح أنه يتبع بها ، سواء أذن المولى أم لا ، إذا لم يكن الإتلاف بإذنه ، لأن الإذن في قبول الوديعة إذن في الحفظ ، ولا يدل على الإذن في‌

__________________

(١) الأنعام : ١٦٤.

(٢) المبسوط ٤ : ١٤٧.

(٣) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

(٤) إيضاح الفوائد ٢ : ١١٤.

١٠

يضمن لو تلف وإن أهمل ، أما لو استودع مختارا فإنه يجب عليه الحفظ.

وتبطل بموت كل واحد منهما ، وبجنونه ، وإغمائه ، وبعزله عن نفسه.

وإذا انفسخت بقيت أمانة شرعية في يده ، لا يقبل قوله في الرد كالثواب تطيّره الريح الى داره يجب عليه إعلام صاحبه به ، فإن أخر متمكنا ضمن.

______________________________________________________

الإتلاف بشي‌ء من الدلالات ، والأصل براءة الذمة ، ولعموم ( وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ) (١). وأما إذا أذن السيد في الإتلاف فأتلف ، فإن الضمان يتعلق به ، إذ لا ذمة للعبد ، وهذا حكم ما إذا أتلف.

أما إذا قصّر في الحفظ فلا يخلو : إما أن يكون قبول الوديعة بإذن السيد ، أو بدون إذنه ، فان كان بدون الإذن فلا شي‌ء عليه لو تلفت ، لعدم جواز قبولها وعدم وجوب الحفظ عليه ، وتضييع المال من المالك ، وإن كان باذنه فلا يخلوا : إما أن يكون التضييع باذنه ولو بمنعه من الحفظ ، أو لا ، ففي الأول الضمان على المولى ، وفي الثاني الضمان على العبد ويتبع به.

قوله : ( أما لو استودع مختارا فإنه يلزمه الحفظ ).

هل يستحق عليه اجرة؟ فيه نظر ، من أنه عمل محترم صدر من فاعله بالإذن ، ومن ابتناء الوديعة على التبرع ، والأصل براءة الذمة ، فشغلها يتوقف على دليل.

قوله : ( ويجب عليه إعلام صاحبه به ، فإن أخر متمكنا ضمن ).

لأنه بوقوعه في داره قد دخل تحت يده ، ولما لم يكن ذلك بسعيه امتنع كونه ضامنا ، لكن يجب إعلام المالك على الفور ، لأن وضعية تحت يده بغير‌

__________________

(١) الأنعام : ١٦٤‌

١١

الفصل الثاني : في موجبات الضمان : وينظمها شي‌ء واحد : وهو التقصير وأسبابه ستة :

الأول : الانتفاع : فلو لبس الثوب أو ركب الدابة ضمن ، إلا أن يركب لدفع الجموح عند السقي ، أو يلبس لدفع الدود عند الحر. وكذا يضمن لو اخرج الدراهم من كيسها لينتفع بها ـ وإن كان الكيس ملكه ـ

______________________________________________________

إذنه ، فيقتصر على الحكم بنفي الضمان على مقدار الضرورة.

قوله : ( وينظمها شي‌ء واحد هو التقصير ، وأسبابه ستة :

الأول : الانتفاع ، فلو لبس الثوب أو ركب الدابة ضمن ، إلا أن يركب لدفع الجموح عند السقي ).

ذكر السقي على طريق التمثيل ، فإنه لو احتاج في أخذها إلى المرعى إلى ذلك جاز ، وكذا ما جرى هذا المجرى.

في الصحاح : جمح الفرس جموحا : إذا أعيى فارسه وغلبه (١).

قوله : ( أو يلبس لدفع الدود عند الحر ).

فإن بعض الثياب وهو الصوف يفسده الدود في زمان الحر ، فلو لبس الثوب عند خوف الفساد بدونه لم يضمن ، بل قد يجب عليه اللبس ، لأن الحفظ واجب ، فيجب ما يتوقف عليه ، فلو أخل به ففسد ضمن ، إلاّ أن ينهاه المالك فلا ضمان عليه.

وهل يكون قد فعل حراما؟ قال في التذكرة : فيه إشكال أقربه ذلك ، لأن إضاعة المال منهي عنها (٢) ، وللنظر فيه مجال.

قوله : ( وإن كان الكيس ملكه وأعادها إليه ).

__________________

(١) الصحاح ( جمح ) ١ : ٣٦٠ وفيه : إذا اعتزى فارسه وغلبه.

(٢) التذكرة ٢ : ١٩٨.

١٢

وأعادها اليه.

ولو نوى الأخذ للانتفاع ولم يأخذ لم يضمن ، بخلاف الملتقط الضامن بمجرد البينة ، لأن سبب أمانته مجرد البينة. وكذا لو جدد الإمساك لنفسه ، أو نوى بالأخذ من المالك الانتفاع ،

______________________________________________________

لأن الإخراج بهذه النية تصرف يصير به ضامنا ، فبإعادته إياها إلى موضعها لا ترجع أمانته.

قوله : ( ولو نوى الأخذ للانتفاع ولم يأخذ لم يضمن بخلاف الملتقط الضامن بمجرد النية ، لأن سبب أمانته مجرد النية ).

أي : لو أخذ المستودع الوديعة على قصد الحفظ ، ثم نوى الأخذ للانتفاع ولم يأخذ ، فلم يحدث منه سوى تغيير النية لم يضمن ، خلاف الملتقط فإنه يضمن بمجرد نية ذلك.

والفرق : ان أمانة الملتقط إنما تثبت بمجرد نية الأخذ للتعريف ، إذ لا استئمان من المالك ولا ممن يقوم مقامه ، وفي الوديعة الاستئمان من المالك ، فلا يزول بدون مخالفته ، ولا تحقق المخالفة إلاّ بفعل (١) ينافي الحفظ ، وهو التصرف ولم يحصل ، وفي التذكرة قال : في الضمان إشكال (٢).

قوله : ( وكذا لو جدد الإمساك لنفسه ، أو نوى بالأخذ من المالك الانتفاع ).

أي : وكذا يضمن ، فهو معطوف على ما قبل قوله : ( ولو نوى الأخذ ... ) وقد وقع قوله : ( ولو نوى ) موقع الاعتراض ، فكأنه قال : وكذا يضمن لو أخرج الدراهم من كيسها لينتفع بها لا إن نوى الأخذ ولم يأخذ ، بخلاف الملتقط إلى آخره.

__________________

(١) في « ق » : بقصد.

(٢) التذكرة ٢ : ١٩٨‌

١٣

وكذا لو أخرج الدابة من حرزها للانتفاع وإن لم ينتفع. ولا تعود أمانته لو ترك الخيانة ، فلو رد الوديعة إلى الحرز لم يزل الضمان ما لم يجدد الاستئمان.

______________________________________________________

والمراد : أنه لو أمسك للحفظ ، ثم جدد الإمساك لنفسه يضمن ، للتصرف المنافي للحفظ ، وكذا يضمن لو أخذها من أول الأمر من المالك على قصد الانتفاع ، إذا لم يقبضها على سبيل الأمانة فلا يكون أمينا.

قوله : ( وكذا لو أخرج الدابة من حرزها للانتفاع وإن لم ينتفع ).

لأن الإخراج تصرف لغير الحفظ ، فيكون غير مأذون فيه.

قوله : ( ولا تعود أمانته لو ترك الخيانة ، فلو رد الوديعة إلى الحرز لم يزل الضمان ما لم يجدد الاستئمان ).

أي : لا تعود أمانته بعد صيرورته ضامنا في المسائل كلّها لو ترك الخيانة وعزم على الحفظ ، فلو رد الوديعة إلى الحرز ـ إن كان قد أخرجها ، أو خلع الثوب إن كان قد لبسه ـ لم يبرأ بذلك ، لأنه قد صار ذا يد عدوان ، فلا يزول إلا بالاستئمان من المالك.

ويتحقق الاستئمان : بأن يدفعها إلى المالك ، ثم يعيدها إليه أمانة ، ولو لم يدفعها إلى المالك لكن جدد له الاستئمان : بأن قال له : أذنت لك في حفظها ، أو أودعتكها ، أو استأمنتك عليها ، أو أبرأتك من ضمانها ونحو ذلك ، فهل تعود أمانته؟ فيه وجهان :

أحدهما : نعم ، واختاره في التذكرة (١) ، لأن التضمين لحق المالك وقد رضي بسقوطه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٩‌

١٤

ولو مزجها بماله بحيث لا يتميز ضمن.

ولو أتلف بعض الوديعة المتصل ضمن الباقي كما لو قطع يد العبد ، أو بعض الثوب.

ولو كان منفصلا أو المودع مخطئا ضمنه خاصة ،

______________________________________________________

والثاني : لا ، لعموم : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١).

ويرده القول بالموجب ، لأن الأداء يتحقق باستنابة المالك إياه ثانيا ، فتصير يده كيده ، لأن يد النائب كيد المنوب ، ومختاره قوي. ومثله : ما لو حفر بئرا في ملك غيره عدوانا ثم أبرأه المالك.

ولو قال له المالك من أول الأمر : استودعتك ، فإن خنت ثم تركت الخيانة عدت أمينا ، لم يعد أمينا ، والفرق : ثبوت الضمان في الأول فيمكن إسقاطه ، بخلاف الثاني ، ولأنه معلق.

قوله : ( ولو مزجها بماله بحيث لا يتميز ضمن ).

لأنه تصرف غير مأذون فيه ، لا من المالك ولا من الشارع ، وللتعيب بالشركة.

ولا فرق في ذلك بين المزج بأدون ، أو أعلى ، أو مساو ، خلافا لبعض العامة في الأخيرين.

قوله : ( ولو أتلف بعض الوديعة المتصل ضمن الباقي ، كما لو قطع يد العبد أو بعض الثوب ، ولو كان منفصلا أو المودع مخطئا ضمنه خاصة ).

الصور أربع ، لأن الإتلاف : إما عمدا ، أو خطأ ، وعلى التقديرين : إما‌

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ ، حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ٨.

١٥

كما لو أخرج بعض الدراهم ، فإن أعادها بعينها ومزجها فكذلك.

ولو أعاد مثلها ومزجها ضمن الجميع ،

______________________________________________________

لبعض متصل ، أو لبعض منفصل.

فإن أتلف عمدا لبعض متصل ضمن التالف والباقي ، لأن التصرف في المجموع فيضمنه ، كما لو قطع يد العبد أو أتلف بعض الثوب ، وجمع بين المثالين لينبه على ما يكون لمقطوعه بعد القطع قيمة وما لا قيمة له.

وإن كان خطأ ضمن التالف خاصة ، وهو أرش جناية قطع يد وقطع الثوب ، لأن الباقي مملوك للمودع ، ولم يتحقق من المستودع خروج عن مقتضى الحفظ ، إذ الإتلاف خطأ إنما يكون بظنه ثوبه ، أو عبده ، أو صدوره عن غير قصد ونحو ذلك ، ولا يكون ذلك خروجا عن مقتضى الوديعة ، وثبوت الضمان عليه ، في التالف ليس لخيانته ، بل لأن الإتلاف وجب للضمان عمدا وسهوا ، نعم لو سرت الجناية على العبد ضمن وإن كان مخطئا ، لثبوت الإتلاف بفعله ، فيجب أن يقيد إطلاق العبارة.

ولو كان البعض منفصلا لم يضمن ، سوى ذلك البعض ، عمدا كان الإتلاف أو سهوا ، لأن التصرف المنافي للاستيداع إنما وقع في ذلك البعض خاصة ، وقول المصنف : ( خاصة ) يتعلق بالصور الثلاث ، وهي : ما إذا كان البعض منفصلا ، أو مطلقا ، أو المودع مخطئا.

قوله : ( كما لو أخرج بعض الدراهم ، فإن أعادها بعينها ومزجها فكذلك ، ولو أعاد مثلها ومزجها ضمن الجميع ).

الفرق : حصول الشركة باختلاط مال المستودع بمال آخر ، وهو عيب في الثاني بخلاف الأول ، لأن المثل وإن وجب على المستودع إلا أنه لا يملكه ، إلاّ أن يقبضه هو أو وكيله ، فهو باق على ملك المستودع ، فتحقق الشركة بخلطه ، وفي الأولى إنما خلط مال المالك بماله ، فلا يضمن سوى ما تصرف فيه.

١٦

وكذا يضمن الجميع لو فتح الكيس المختوم سواء أخذ منه شيئا أو لا ، بخلاف ما لو ختمه هو. ولو مزج الوديعتين بحيث لا مائز ضمن الجميع وإن اتحد المالك.

ولو مزج بإذن أحدهما ضمن الأخرى.

______________________________________________________

وقول المصنف : ( فكذلك ) معناه : ضمانه ذلك البعض خاصة والمشبه به المشار إليه هو قوله : ( ولو كان منفصلا ... ).

قوله : ( وكذا يضمن الجميع لو فتح الكيس المختوم ، سواء أخذ منه شيئا أو لا ، بخلاف ما لو ختمه هو ).

لأن فضل الختم تصرف غير مأذون فيه ، لا من المالك ولا من الشارع ، ولما فيه من الهتك ، أما لو ختمه هو فلا ضمان ، إذ لا هتك فيه ولا نقصان عما فعله المالك ( وهذا إذا لم يكن الختم منه بأمر المالك ، فان كان بأمره فهو كختم المالك ) (١).

قوله : ( ولو مزج الوديعتين بحيث لا مائز ضمن الجميع وإن اتحد المالك ).

أما إذا تعدد المالك فلا بحث ، لأن الشركة عيب ، وأما إذا اتحد ، فلأن المزج تصرف غير مأذون فيه ، ولأن التمييز بينهما مظنة تعلق غرض به ، ففي الخلط تفويت لذلك الغرض ، لكن يفهم من قوله : ( بحيث لا مائز ) أنه لو كان ثم مائز لم يضمن.

ويشكل بأن هذا القدر من التصرف كاف في الوديعة ، فيجب به الضمان خصوصا ، والخلط يقتضي إخراج أحد المالين من كيسه ، ومثله ما لو رد بدل البعض المأخوذ وخلطه بحيث يتميز.

قوله : ( ولو مزج بإذن أحدهما ضمن الآخرى ).

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

١٧

ولو مزج غيره ضمنهما المازج. والشد كالختم إن كان من المالك ضمن إذا حله لنفس الحل وإن لم يتصرف ، وإلا ضمن بالأخذ.

ولو اذن له المالك في أخذ البعض ولم يأذن في رد البدل فرده ومزجه ضمن الجميع.

الثاني : الإيداع : فلو أودعها عند زوجته أو ولده أو عبده أو أجنبي وإن كان ثقة من غير ضرورة ولا إذن ضمن.

______________________________________________________

هذا إذا اختلف مالك الوديعتين.

قوله : ( والشد كالختم إن كان من المالك ضمنه ، إذا حلّه بنفس الحل وإن لم يتصرف ).

في التذكرة : لو حلّ الخيط الذي شد به رأس الكيس أو رزمة الثياب ، لم يضمن ما في الكيس والرزمة وإن فعل ذلك للأخذ ، بخلاف فض الختم وفتح القفل ، لأن القصد منه المنع من الانتشار ولم يقصد به الكتمان عنه (١).

هذا كلامه ، وما ذكره من الفرق غير ظاهر ، وما هنا هو المعتمد ، للتصرف المخالف لمقتضى الوديعة ، ولما فيه من الهتك المنافي لما أراده المالك من الشد.

قوله : ( وإلا ضمن بالأخذ ).

أي : وإن لم يكن من المالك ضمن بالأخذ لا بنفس الحل ، لعدم الهتك ، لكن ينبغي أن يستثني منه ما إذا شده المستودع باذن المالك.

قوله : ( الثاني : الإيداع ، فلو أودعها عند زوجته ، أو ولده ، أو عبده ، أو أجنبي وإن كان ثقة من غير ضرورة ضمن ).

أي : وإن كان كل واحد من هؤلاء ثقة إذا كان الإيداع من غير ضرورة ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ١٩٨.

١٨

وكذا لو سافر بها مختارا مع أمن الطريق ، أما لو سافر بها مع خوف تلفها مع الإقامة فإنه لا يضمن ، وكذا لو أودعه حالة السفر وإذا أراد السفر ردها على المالك ، فإن تعذّر فعلى الحاكم ، فإن تعذر أودعها من الثقة ولا ضمان ،

______________________________________________________

أما إذا كان ضرورة ففيه تفصيل يأتي إن شاء الله تعالى ، وجوز بعض العامة الإيداع من الزوجة والعبد والولد اختيارا (١) ، وهو غلط.

قوله : ( وكذا لو سافر بها مختارا مع أمن الطريق ).

لو قال : وإن كان مع أمن الطريق ، شمل حكم الخوف ، والمراد بكونه مختارا : عدم حصول ضرورة تدعو إلى السفر بها.

قوله : ( وكذا لو أودعه حالة السفر ).

أي : وكذا لا ضمان لو أودعه المالك حالة السفر فسافر بها ، لأن المالك رضي به حيث أودعه ، فكان له إدامة السفر والسير بالوديعة.

قوله : ( وإذا أراد السفر ردّها على المالك ، فان تعذر فعلى الحاكم ، فان تعذر أودعها من ثقة ولا ضمان ).

أي : إذا أراد من عنده الوديعة ـ وهو حاضر ـ السفر ردّها على المالك أو وكيله ، ولا يجوز له الرد على الحاكم مع التمكن من المالك ، لأن الحاكم لا ولاية له على الحاضر ، فان تعذر المالك ـ لغيبته ، أو تواريه ، أو حبسه مع تعذر الوصول اليه ونحو ذلك ـ ووكيله ردّها على الحاكم ، فان تعذر أودعها من ثقة وهو العدل ، لأن الفاسق لا أمانة له.

ثم ما الذي يراد بالسفر هنا؟ لم أقف له على تحديد ، والمتبادر منه شرعا : قصد المسافة ، فعلى هذا لا يجب الرد إلا بالخروج إلى مسافة. وهو‌

__________________

(١) هو مالك كما في بلغة السالك ٢ : ٢٠١.

١٩

وكذا لو تعذر ردها على مالكها فإنه يعيدها الى الحاكم ، فإن تعذّر فالثقة مع الحاجة ،

______________________________________________________

مشكل ، لأنه متى خرج المستودع من بلد الوديعة على وجه لا يعد ( في يده عرفا يجب أن يقال : إنه ضامن ، لأنه أخرج الوديعة من يده فقصّر في حفظها فيضمن ، وينبغي الجزم بأن تردده في البلد ، وحوله في المواضع التي لا يعد ) (١) الخروج إليها في العادة خروجا عن البلد وانقطاعا عنه ، كالبساتين ونحوها لا يجب معه رد الوديعة.

وتعذر المالك والحاكم يكفي فيه لزوم المشقة الكثيرة التي يعد ذلك معها في العادة متعذرا. وإذا لم يجد واحدا من المالك والحاكم والثقة ، لم يجز له السفر بها ولا تركها في غير يد ثقة ، لكن يلوح من عبارة التذكرة : أنه إذا التزم خطر الضمان يجوز له السفر بها ، حيث خيره بين أمرين : إما تأخير السفر ، أو التزام الضمان (٢).

هذا كله إذا لم يكن السفر ضروريا ، فمع الضرورة وفقد الجميع فإنه يسافر بها ولا ضمان ، إذ « لا ضرر ولا ضرار » (٣) ونقل في التذكرة على ذلك الإجماع (٤).

قوله : ( وكذا لو تعذّر ردّها على مالكها ، فإنه يعيدها إلى الحاكم فان تعذر فالثقة مع الحاجة ).

متى أراد المستودع رد الوديعة على مالكها ، وتعذر المالك ردها على‌

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « ق ».

(٢) التذكرة ٢ : ٢٠٠.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨٠ ، ٢٩٢ ، ٢٩٤ حديث ٤ ، ٢ ، ٨ ، الفقيه ٣ : ٤٥ ، ١٤٧ حديث ١٥٤ ، ٦٤٨ ، التهذيب ٧ : ١٤٦ ، ١٦٤ حديث ٦٥١ ، ٧٢٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٠٠.

٢٠