جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو أقرّ ربّها له بتلفها قبل الجحود من الحرز فلا ضمان ، وفي سماع بينته بذلك اشكال ، نعم تقبل لو شهدت بالإقرار.

______________________________________________________

فيكتفى في الثاني باليمين ، والقبول مطلقا أقوى ، فإن الأصل براءة الذمة ، إذ الضمان إنما يكون بالتقصير ، والأصل عدمه ، وشغل الذمة يحتاج الى دليل ، فهو في الحقيقة في معنى المنكر ، فيكتفى بيمينه.

قوله : ( ولو أقرّ بها له بتلفها قبل الجحود من الحرز فلا ضمان ).

الظاهر أن هذا من تتمة أحكام الشق الأول من شقّي المسألة ، بدليل ما سيأتي من تردّده في سماع البينة ، وفي الشق الثاني لا يتأتى ذلك ، لكن هذا غير حسن ، لأن السابق إلى الفهم خلاف هذا ، ولا يستقيم المعنى إلاّ على ذلك التقدير ، فيحصل الاختلال بالفهم.

وإنما قيّد الإقرار بكون التلف قبل الجحود ، لأنه بدون ذلك لا يسقط الدعوى ، لأن التلف بعده يقتضي الضمان ، وكذا التقييد بكونها في الحرز.

قوله : ( وفي سماع بينته بذلك إشكال ).

لا يستقيم أن يكون المشار إليه بقوله : ( بذلك ) هو الإقرار ، ويكون منشأ الإشكال : من أنّ البينة حيث لم تسمع للتناقض المقتضي لتكذيبها ، كذا الإقرار فإنه أضعف من البينة ، ومن أن إقرار العقلاء على أنفسهم ماض (١) ، ورجوع المقرّ له عن التكذيب مصحّح للإقرار ، للمنافاة الصريحة (٢) بينه وبين تصريحه ، متصلا بهذا قبول البينة لو شهدت بالإقرار ، فيتعين أن يكون المشار إليه بذلك هو التلف ، ويكون الغرض من إعادة المسألة بعد سبقها في قوله : ( ولا معها على الأقوى لتناقض كلاميه ) أمران :

أ : رجوعه عن الفتوى بعدم السماع إلى التردد ، الناشئ : من أنّ البينة‌

__________________

(١) في « ق » : جائز.

(٢) في « م » : الصحيحة.

٤١

الفصل الثالث : في الأحكام :

يجب على المستودع حفظ الوديعة بمجرى العادة كالثوب في الصندوق ، والدابة في الإصطبل ، والشاة في المراح. ويجب عليه ردها متى طلب المالك وإن كان كافرا ، فإن أخر لغير عذر ضمن ، ومعه لا ضمان.

______________________________________________________

حجة يثبت بها عند جحود الخصم ما يثبت باعترافه ، ومن أنّ سماعها من فرع سماع الدعوى ، وهي غير مسموعة لتكذيب المدعي إياها.

ب : الفرق بين الإقرار والبينة ، حيث أن الإقرار يمضي وإن كذّبه المقرّ له إذا رجع الى التصديق ـ لما سيأتي في الإقرار لأن شاء الله تعالى ـ بخلاف البينة ، والأصح عدم سماع البينة ، لأنها كاذبة باعتراف المدعي ، فلا تكون حجة على المدّعى عليه. وما ذكره في الإقرار متّجه ، وإن كان يرد عليه أن دعوى الإقرار ينبغي أن لا تسمع أيضا للتكذيب.

قوله : ( الفصل الثالث : في الأحكام : يجب على المستودع حفظ الوديعة بمجرى العادة ).

لمّا لم يكن لحفظ الوديعة كيفية مخصوصة منقولة من الشارع ، أحيل فيه على العرف المطرد.

قوله : ( ويجب عليه ردّها متى طلب المالك وإن كان كافرا ).

لرواية الفضيل عن الرضا (١) (٢) عليه‌السلام ، وأوجب أبو الصلاح (٣) رد‌

__________________

(١) كذا في « ق » ، وفي « م » : عن الصادق ، وفي التهذيب والاستبصار عن فضيل قال : سألت أبا الحسن ( ع ).

(٢) التهذيب ٧ : ١٨١ حديث ٧٩٥ ، الاستبصار ٣ : ١٢٣ حديث ٤٣٩.

(٣) الكافي في الفقه : ٢٣١.

٤٢

وليس استتمام غرض النفس كمن كان في حمام ، أو على طعام عذرا. ولو قال : رد على وكيلي فطلب الوكيل فامتنع ضمن ، ولو لم يطلب وتمكن من الرد ففي الضمان إشكال.

______________________________________________________

وديعة الحربي على السلطان العادل ، والمشهور خلافه.

قوله : ( وليس استتمام غرض النفس ـ كمن كان في حمام أو على طعام ـ عذرا ).

لأن أداء الأمانة واجب مضيّق ، فلا يجوز التشاغل عنه بمثل هذه الأشياء ، ومن ذلك صلاة النافلة والفريضة إذا لم يكن في أثنائها ولم يتضيق الوقت ، وهو الذي اختاره في آخر كلامه في التذكرة (١) ، ويجب عليه الذهاب بمجرى العادة. وهذا كله إذا كان الأداء ممكنا ، فمتى أخر حيث لا يجوز له التأخير ضمن.

قوله : ( ولو لم يطلب وتمكّن من الرد ففي الضمان إشكال ).

ينشأ : من أنه قد أمره بالرد فلم يفعل فيضمن ، ومن أن الأمر بالتسليم ليس طلبا للوديعة ، والحق أن يقال : إنّ طلب الرد على الوكيل مثل طلب الرد على المالك ، لأن يده يد المالك والتسليم إليه تسليم إلى المالك ، فالأمر به يقتضي عزل المستودع ، فيجب الرد معه على الفور.

نعم لا يجب عليه حمل الوديعة إليه ، بل يجب عليه التخلية ، فإن كان المراد من الرد في قول المصنف : ( وتمكن من الرد ) التخلية فلا معنى للإشكال في الضمان حينئذ ، بل يجب القول بالضمان قطعا ، وإن كان المراد ( به حملها إلى الوكيل فلا وجه له أيضا ، إذ لا يجب عليه ذلك ، وإن كان المراد ) (٢) بالرد وجوب الإعلام للوكيل ـ لو لم يكن قد علم بأمر المالك وإظهار‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٠٦.

(٢) ما بين القوسين لم يرد في « م ».

٤٣

وكذا كل أمانة كالثوب تطيره الريح في داره فان رد على الوكيل ولم يشهد فلا ضمان لو أنكر ، بخلاف التقصير في ترك الإشهاد على قضاء الدين لأن مبنى الوديعة على‌ الإخفاء.

______________________________________________________

التخلية ـ فهو محتمل. وليس ببعيد القول بوجوب ذلك ، لأن ظاهر الأمر يتضمن العزل.

وعلى هذا فيكون منشأ الإشكال : من التردد في أن المعزول عن الوديعة هل هو مأمور بالرد على الفور ، أو وقت المطالبة ، كما في الثوب الذي أطارته (١) الريح ، والذي أودعه المستودع بمجرد ضرورته ، وكما في الوديعة إذا مات المودع ، وسائر الأمانات؟

والمعتمد الضمان ، لأن إثبات اليد على مال الغير موقوف على الإذن ، إلاّ فيما اقتضته الضرورة ، وهو ما قبل التمكن من الاعلام والتخلية ، وهذا كلّه إذا لم تدلّ القرينة على عدم العزل‌

قوله : ( وكذا كل أمانة ، كالثوب تطيره الريح في داره ).

أي : يجي‌ء ذلك في (٢) الإشكال السابق في الضمان ، إذا تمكن من الرد فلم يرد ، وهذا إذا كان المراد بالرد إعلام المالك ، والتخلية بينه وبين ماله رجوع عما سبق من الجزم إلى التردد ، وإن كان المراد حملها إليه ففيه ما سبق من الإشكال ، فإنّ إيجاب ذلك بعيد.

قوله : ( فان رد على الوكيل ولم يشهد فلا ضمان لو أنكر ، بخلاف التقصير في ترك الاشهاد على قضاء الدين ، لأن مبنى الوديعة على الإخفاء ).

__________________

(١) في « م » : أطار به الريح.

(٢) في « ق » : في ذلك.

٤٤

وأجرة المسكن إن احتاجت ومؤنة الرد على المالك وإن قلت ،

______________________________________________________

ما جزم به هنا قال في التذكرة (١) : إنه الأقرب ، وفرق بأمرين :

أحدهما : أن الوديعة أمانة ، وقول المستودع مقبول في الرد والتلف ، فلا معنى للإشهاد. ولا محصل لهذا ، لأن الإشهاد لخوف إنكار الوكيل ، فلا أثر لكون قول المستودع مقبولا في الرد والتلف ، ولو قال بدل المستودع : قول الوكيل مقبول في الرد والتلف لكان أوجه.

الثاني : ما ذكره هنا من أن الودائع حقها الإخفاء ، بخلاف قضاء الدين.

ويمكن الفرق بثالث ، وهو : أن المطلوب بقضاء الدين انقطاع مطالبة المدعين عن المديون وبراءة ذمته ، وذلك موقوف على الاشهاد ، والمطلوب في الوديعة إيصال الحق إلى مستحقه ، ويد الوكيل يد الموكل ، فكما لا يجب الاشهاد عند الدفع إلى المودع ، لا يجب عند الدفع إلى الوكيل ، بل ربما يقال : إن ذلك إن نافى الفورية عدّ به ضامنا.

واعلم أن في قول المصنف : ( فلا ضمان لو أنكر ) مناقشة ، لأنّا لو قلنا بالضمان وعددناه مقصرا أوجبناه على كل حال ، سواء أنكر ، أو أقرّ وامتنع من التسليم ، أو تلفت العين في يده ، فإنه على كل واحد من التقديرات يرجع على المستودع.

قوله : ( واجرة المسكن ـ إن احتاجت ـ ومؤنة الرد على المالك وإن قلّت ).

لأن الاستيداع وإن اقتضى وجوب الحفظ ، لكن ما جرت العادة ببذل المالك في مقابله مما يتوقف عليه الحفظ ، من اجرة المسكن ، وثمن العلف ، واجرة السقي إن كان له اجرة ، واجرة الراعي ونحو ذلك ، ولا يجب بذله من‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٠٦.

٤٥

نعم لو سافر بها بغير اذنه أو بغير ضرورة كانت مؤنة الرد عليه.

ولو كان المودع غاصبا لم يجز رد الوديعة إليه ، بل الى مالكها إن عرف ، ولو جهل عرفت سنة ، ثم يتصدق بها عن المالك مع الضمان ، وإن شاء أبقاها أمانة ابدا من غير ضمان ،

______________________________________________________

ماله ، بل يجب على المالك بذله ، فان امتنع أو لم يوجد وجب الرجوع إلى الحاكم ، ومع عدمه فالإشهاد ، ومع تعذره يرجع إلى بذل غير متبرع على ما سبق.

ولو كان المسكن للمستودع ، أو تولّى شيئا من الأعمال التي جرت العادة ببذل الأجرة في مقابلها مما لا بدّ منه ، مع رعاية الترتيب السابق وعدم التبرع ، فالظاهر أنه يرجع بأجرته.

قوله : ( نعم لو سافر بها بغير إذنه أو بغير ضرورة ، كانت مؤنة الرد عليه ).

لأنه غاصب حينئذ ، بخلاف ما إذا اقتضت الضرورة ذلك.

قوله : ( ولو جهل عرفت سنة ، ثم يتصدق بها عن المالك مع الضمان ، وإن شاء أبقاها أمانة أبدا من غير ضمان ).

هذا هو المشهور ، ومستنده رواية حفص بن غياث عن الصادق عليه‌السلام (١) ، ولا يضر ضعف السند مع الشهرة ، ويؤيدها أن التصدق مع الضمان فيه جمع بين مصلحة الدنيا والآخرة بالنسبة إلى مالكها ، فلا (٢) منافي أصلا ، وهو المختار.

وقال ابن إدريس : يردها إلى إمام المسلمين ، فان تعذر أبقاها أمانة ثم‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٣٠٨ حديث ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٩٠ حديث ٨٥٦ ، التهذيب ٧ : ١٨٠ حديث ٧٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ حديث ٤٤٠.

(٢) في « ق » : فلا ينافي.

٤٦

وليس له التملك مع الضمان على اشكال.

ولو مزجها الغاصب بماله فإن تميّزت وجب ردها على مالكها دون المودع ، وإلاّ رد الجميع على المودع على أشكال.

______________________________________________________

يوصى بها إلى عدل (١). وقال المفيد : يخرج خمسها إلى مستحق الخمس والباقي يتصدق به (٢). وقول ابن إدريس له وجه ، والأول أوجه.

قوله : ( وليس له التملك مع الضمان على إشكال ).

ينشأ : من أن الأصل عصمة مال المسلم ، ومن ورد الرواية (٣) الضعيفة : بأنها في يده بمنزلة اللقطة ، ومن جملة أحكامها جواز التملك بعد التعريف.

ويضعّف بأن الرواية مع ضعفها قاصرة الدلالة عن ذلك ، لوجوه : منها أنه لا عموم لها ، ومنها أن المتبادر من قوله عليه‌السلام : فيعرفها إلى آخره ، بيان وجه نزولها منزلة اللقطة ، والأصح الأول.

قوله : ( وإلاّ ردّ الجميع على المودع على إشكال ).

ينشأ : من إطلاق الأصحاب وجوب الرد ، لأن منعه منها يقتضي منع المودع من ماله ، لأن الفرض عدم التميز ، ومن أن تسليطه على مال غيره عدوانا قبيح. والأصح المنع ، بل يردها على الحاكم إن وجده ، فلو لم يجده احتمل رد قدر ما يملكه الغاصب وحفظ الباقي لمالكه ، والقسمة هنا ضرورية وفاقا للتذكرة (٤) في هذا الاحتمال ، ولو كان ذلك بحضور عدول المؤمنين لكان أحوط إن أمكن.

__________________

(١) السرائر : ٢٦٣.

(٢) المقنعة : ٩٧.

(٣) الكافي ٥ : ٣٠٨ حديث ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٩٠ حديث ٨٥٦ ، التهذيب ٧ : ١٨ حديث ٧٩٤ ، الاستبصار ٣ : ١٢٤ حديث ٤٤٠.

(٤) التذكرة ٢ : ١٩٩.

٤٧

ولا يبرأ المفرّط بالرد الى الحرز ، بل الى المالك أو بإبرائه.

ولو أنكر الوديعة ، أو ادّعى التلف وإن كان بسبب ظاهر ، أو نقص القيمة أو عدم التفريط فالقول قوله مع يمينه ، وفي الرد نظر.

أما لو ادّعى الاذن في التسليم الى غير المالك فالمصدّق المالك مع اليمين ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا يبرأ المفرط بالرد إلى الحرز ، بل إلى المالك أو بإبرائه ).

قد سبق في كلام المصنف : أنه لو رد المال إلى الحرز تاركا للخيانة لم تعد أمانته ، ما لم يجدد (١) الاستئمان ، وظاهره قد يخالف ما هنا ، لأنه قد يشك في أن الإبراء من الضمان موجب لتجديد الاستئمان ، بل قد يشك في براءته بالإبراء ، لأن معنى كونه ضاما أنها لو تلفت وجب البدل ، فيكون الإبراء من ذلك إبراء مما لم يجب.

وعلى ما ذكرناه في الرهن ، فينبغي أن لا يبرأ بالإبراء ، وقد استشكله المصنف هناك ، فيكون هذا رجوعا عن التردد.

قوله : ( وفي الرد نظر ).

ينشأ : من أن الأصل العدم وعموم البينة على المدعي (٢) ، ومن أنه أمين ومحسن ، حيث أنه قبض لمصلحة الغير فقط ، والأصل براءة ذمته ، والأصح قبول قوله باليمين ، وهو قول الشيخ (٣).

قوله : ( أما لو ادعى الإذن في التسليم إلى غير المالك ، فالمصدّق المالك مع اليمين ).

__________________

(١) في « ق » : يتجدد.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ ، ٥٥٤.

(٣) المبسوط ٤ : ١٤١.

٤٨

فإن صدق الإذن وأنكر التسليم فكدعوى الرد.

ولو مات المستودع ولم توجد الوديعة في تركته فهي والدين سواء على اشكال

______________________________________________________

لأنه بالتسليم عاد حتى يثبت الاذن ، والأصل عدمه (١) ، فيقدّم قول المنكر.

قوله : ( فان صدق الاذن وأنكر التسليم ، فكدعوى الرد ).

أي : فيجي‌ء في قبول قوله بيمينه التردد السابق ، لأن المأذون في تسليمه يده يد المالك ، فتكون دعوى الرد إليه دعوى الرد إلى المالك ، والمفتي به ما تقدم من تقديم قوله بيمينه (٢).

قوله : ( ولو مات المستودع ولم توجد الوديعة في تركته ، فهي والدين سواء على إشكال ).

قال الشارح : إن هذا الإشكال في كيفية الضمان (٣) ، والذي في شرح العميد : أنه في أصل الضمان ، وهو الظاهر من سوق الكلام في التذكرة (٤) ، لكن سوق عبارة الكتاب يقتضي ما قاله ولد المصنف ، فإنه لو لا ذلك لكان قوله : ( هذا إن أقر أن عنده وديعة ... ) وقوله : ( أما لو كانت عنده وديعة إلى قوله : ففي الضمان إشكال ) كلّه فاسد الوضع لأن الإشكال إذا كان في أصل الضمان استوت هذه المسائل كلها ، فيكون قوله ( هذا ... ) وقوله : ( أما ... ) غير صحيح ، وأيضا فإن عدوله عن جعل الإشكال في الضمان إلى كونه في مساواتها للدين يشعر بذلك.

__________________

(١) في « ق » : العدم.

(٢) المراد به الشيخ ، انظر : المبسوط ٤ : ١٤١ ـ ١٤٢.

(٣) الإيضاح ٢ : ١٢٣.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٠١.

٤٩

هذا إن أقرّ أن عنده وديعة ، أو عليه وديعة ، أو ثبت أنه مات وعنده وديعة.

______________________________________________________

ومنشأ الاشكال : من أن الأصل بقاء الوديعة ، فإذا تعذر الوصول إلى العين وجب الانتقال إلى البدل فيقدم به ، لأن أصالة بقاء عين ماله الذي هو مختص به يقتضي الاختصاص ببدله.

ومن أن المختص به هو العين ، فإذا تعذرت كان البدل من جملة الديون ، إذ لا تعلق له ببعض دون بعض.

قوله : ( هذا إن أقر أن عنده وديعة ، أو عليه وديعة ، أو ثبت أنه مات وعنده وديعة ).

هذا الحكم الذي سبق ـ وهو كونها أسوة الدين ، أو تقدم مالكها ببدلها ـ إنما يكون إذا أقر الميت قبل موته بأن عنده وديعة إلى آخره.

أما الأول ، فلان الظاهر بقاؤها في التركة إلى أن وصلت إلى الورثة ، نظرا إلى اقتضاء الإقرار وجودها وقت صدوره ، وبعد تلفها في الزمان المتخلل بين الإقرار والموت.

وأما الثاني ، فلأن قوله عليّ وديعة آكد في وجوب الأداء ، لأن عليّ يقتضي حقا في الذمة.

وأما الثالث ، فلأنه إذا ثبت أنه مات وعنده وديعة ، كان أدل على وصولها إلى الورثة ولم يعلم بقاؤها بعينها.

بخلاف ما إذا قامت البينة بأنه قد كان عنده وديعة في حياته ولم توجد ولم يعلم بقاؤها ، فان في أصل الضمان هنا إشكال ، ينشأ : من أن الظاهر أنه قد ردّها إلى المالك أو تلفت بغير تفريط ، وإلاّ لأقرّ بها عند الموت ، عملا بظاهر حال المسلم من أنه لا يخلّ بالواجب ، مع أن الأصل براءة الذمة. ومن أصالة بقائها ، فإذا تعذّرت العين وجب البدل ، وهذا هو المراد.

٥٠

أما لو كانت عنده وديعة في حياته ولم توجد بعينها ، ولم يعلم بقاؤها ففي الضمان اشكال.

______________________________________________________

قوله : ( أما لو كانت عنده وديعة في حياته ولم توجب بعينها ولم يعلم بقاؤها ، ففي الضمان إشكال ).

ومثله ما لو أقر الورثة بأنه قد كان عنده وديعة في حياته ، وحاول الشارح العميد الفرق بين هذه المسألة والمسائل الأول ، بأن الضمان في هذه أخف ، وليس بجيد ، لأن المصنف إذا ساوى بين المسائل في مجي‌ء الإشكال كان قوله : ( هذا ... ) وقوله : ( أما ... ) ضائعا ، والذي ذكرناه أقصى ما يتكلف له.

وعلى هذا فيكون ما ذكره هنا معينا عما ذكره سابقا ، من قوله : ( أما لو قال عندي [ ثوب ] (١) ولم يوجد في التركة ثوب ... ).

والذي في التذكرة : أنه إذا كان عنده وديعة ومات ولم توجد في تركته ، فالذي يقتضيه النظر عدم الضمان ، والذي عليه فتوى أكثر العلماء منّا ومن الشافعية وجوب الضمان ، وحكى عن الشافعي : أنه إذا لم توجد بعينها حاص المالك الغرماء ، ثم حكى عن أصحابه ثلاث طرق.

أحدها : إثبات المحاصة فيما إذا كان الميت قد أقر بأن عنده وديعة أو عليه لفلان ، فإذا لم توجد كان الظاهر أنه قد أقر ببدلها وأنها تلفت على وجه مضمون ، بخلاف ما إذا قامت البينة بالوديعة أو أقر بها الورثة ، فإنه لا ضمان للأصل.

الثانية : أنه مع الوصية بالوديعة وعدم وجدانها ، لكن يكون في التركة من جنسها ، ويحتمل الاختلاط ، فتثبت هنا المحاصة دون ما سواه.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين لم يرد في « م » و « ق » ، وأثبتناه من القواعد للسياق.

٥١

ويصدّق المستودع مع اليمين في تعيين المدعيين ـ فإن نكل غرم للآخر ـ

______________________________________________________

قلت : وكان اللازم هنا القول بتقديم مالكها.

الثالثة : المحاصة مطلقا (١).

هذا محصل ما فيها ، وهو مخالف لما هنا ، والذي يقتضيه النظر : أنه إن علم بقاء عينها ولم يتميز من التركة ، قدّم مالكها على الغرماء بما يجب كمن اختلط ماله بمال غيره ، وإن علم تلفها بتفريط ، فهو أسوة الغرماء ، وإلاّ فلا ضمان أصلا ، وهو المفتي به.

واعلم أنه ينبغي أن يكون قول المصنف : ( هذا إن أقر أن عنده وديعة ) منزلا على ما إذا أقر بالوديعة على وجه يرتفع الاحتمال (٢) وينتفي التقصير ، وإلاّ كان ضامنا.

قوله : ( ويصدق المستودع مع اليمين في تعيين المدّعيين ، فان نكل غرم للآخر ).

إذا ادعى كلّ من الشخصين على ثالث أن المال الفلاني الذي بيده وديعة له عنده ، فأقر لأحدهما بعينه ، حكم بها للمقر له ، فيدفع ويحلف للآخر ، فإذا حلف سقط دعوى الآخر ، وإن نكل حلف الأخر ، فيغرم له المثل إن كان مثليا ، وإلاّ فالقيمة ـ وفي اعتبار كونها وقت الحلف أو وقت الإقرار إشكال ، يلتفت إلى أن وقت الإقرار هو وقت التلف ووقت اليمين هو وقت الثبوت ـ وفي التذكرة (٣) سياق المسألة هكذا ، وذكر الاشكال ولم يرجّح شيئا.

أقول : إذا قلنا : إن اليمين المردودة كالإقرار ، فلا بحث في صحة‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٠١.

(٢) في ( ق ) : الإجمال.

(٣) التذكرة ٢ : ٢٠٧.

٥٢

وفي نفي العلم ، وتقرر في يده حتى يثبت المالك ،

______________________________________________________

ذلك ، بناء على أن من أقرّ بعين لزيد ثم أقر بها لعمرو يغرم لعمرو.

واما إذا قلنا بأنها كالبينة ، فقد يقال : يجب انتزاع العين من المقر له وتسليمها إلى الآخر ، لثبوت كونها له بالبينة.

ويجاب : بأن كونها كالبينة إنما هو في حق المتداعيين دون غيرهما ، وقد استحقها المقرّ له بالإقرار ، فلا يبطل استحقاقه باليمين.

نعم هي بالنسبة إلى المدّعى عليه كالبينة ، فباليمين ، تثبت كون العين للحالف بالنسبة إلى المدّعى عليه خاصة ، وحيث لم يكن في يده وقد حال بينها وبين من استحقها بيمينه بالإقرار ، وجب الغرم ، فلا يتفاوت الحال في الغرم باعتبار كونها كالإقرار أو كالبينة ، إلاّ في شي‌ء واحد ، وهو أنه على القول بأن من أقر بعين لزيد ثم أقر بها لغيره لا يغرم للثاني شيئا ، لا يغرم للآخر بيمينه ، لو قلنا اليمين المردودة كالإقرار ، لأن غايته أن يكون قد أقر له بها بعد الإقرار للأول ، وهو لا يقتضي الغرم ، فلا فائدة فيه ، فلا ردّ ولا حلف ، بخلاف ما إذا قلنا كالبينة ، فإن الغرم ثابت مطلقا.

واعلم أن قول المصنف : ( فان نكل غرم للآخر ) محمول على حلفه اليمين المردودة ، لأن المصنف لا يرى القول بالقضاء بمجرد النكول ، والظاهر أن اليمين المستودع على البت ، لأنه يدعي عليه استحقاق التغريم.

إذا تقرر هذا ، فان الدعوى بين الآخر وبين المقر له ، فله إحلافه ، فإن نكل حلف وأخذ العين ، فيرد القيمة حينئذ على المستودع ، لأنه استحقها بالحيلولة وقد زالت.

قوله : ( وفي نفي العلم وتقر في يده حتى يثبت المالك ).

أي : ويصدّق المستودع في نفي العلم بكون العين لهما أو لأحدهما ، وحينئذ فتقر العين في يده إلى أن يثبت المالك ، لأن يده في الأصل يد أمانة ،

٥٣

فإن ادعيا علمه أحلفاه على نفي العلم يمينا واحدة ، ويحتمل التعدد ،

______________________________________________________

والأصل بقاؤها إلى أن يثبت المالك.

ويحتمل ـ إن قال لهما : المال لأحدكما ولا أعلمه ـ أن تنزع من يده بأمر الحاكم لمطالبتهما إياه ، ويضعف بأن المطالبة المقتضية للعزل هي التي يجب معها التسليم ، وهو ممتنع هنا ، فلا يكون واجبا.

قوله : ( فإن ادّعيا علمه أحلفاه على نفي العلم يمينا واحدة ، ويحتمل التعدد ).

لا شك أنه لو ادعى عليه كل منهما علمه بأنه المالك ، له إحلافه على نفي العلم ، لأنه لو أقر لنفع ، ولكن هل يحلف يمينا واحدة لهما معا ، أم يجب لكل واحد منهما يمين؟

يحتمل الأول ، لأن إحدى الدعويين كاذبة قطعا ، لاستحالة كون العين ملكا لكلّ واحد منهما ، وحيث لم تكن معينة حكمنا بأنه يحلف لهما ، وهو قول الشيخ في الخلاف (١).

ويحتمل الثاني ، لأن كلّ واحد منهما بانفراده مدع لا يعلم كذبه ، فيندرج في عموم الحديث (٢) ، ولكل واحد منهما أن يستقل بإنشاء الدعوى ، والأصل براءة الذمة من وجوب الاجتماع ، ولإمكان كونه لهما معا ، وهو اختيار المبسوط (٣) ، وهو الأصح.

فإذا حلف احتمل استعمال القرعة ، فمن خرج اسمه احلف وسلّمت العين إليه ، أو يقسم بينهما نصفين ، ذكره الشيخ في الخلاف (٤) والمصنف في‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١٨٦ مسألة ١٤ كتاب الوديعة.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ ، ٥٥٤ وغيرهما.

(٣) المبسوط ٤ : ١٥٠.

(٤) الخلاف ٢ : ١٨٦ مسألة ١٥ كتاب الوديعة.

٥٤

فإن نكل أحلفا على علمه فيضمن القيمة فتجعل مع العين في أيديهما ، وإن سلّم العين بحجة إلى أحدهما رد نصف القيمة إلى المودع ولم يجب على الثاني الرد ، لأنه استحق بيمينه ولم يعد عليه‌ المبدل.

______________________________________________________

التحرير (١)

قوله : ( فإن نكل أحلفا على علمه ، فيضمن القيمة ، فتجعل مع العين في أيديهما ).

لأن يمينهما اقتضتا أن تكون بالإضافة إلى كلّ بخصوصه ، عالما بأن العين له ، وبإنكاره حصل حيلولة بين المستحق وحقه ، حيث ترتب على إنكاره ونكوله يمين كلّ منهما ، فوجب أن يغرم القيمة ، ولما كانا سواء في اليمين لم يكن لأحدهما رجحان على الأخر ، فتجعل العين والقيمة معا في أيديهما.

وقال الشيخ : لو حلفا فيه قولان : أحدهما يقسّم بينهما ، والثاني أنه يوقف حتى يصطلحا ، والأول أقوى. ثم قال : ولو قلنا بالقرعة كان قويا (٢). قال المصنف في التحرير : وعندي فيه نظر (٣).

قلت : القول بالقسمة أوجه ، لأن التصادم في الدعوى والتساوي في الحجة يقتضي القسمة ، فلا يكون الأمر مشكلا ليعمل فيه بالقرعة ، وانهما إنما أحلفا على علمه ليتوجه عليه غرم القيمة ، إذ لو حلفا على الاستحقاق للعين قسمت بينهما فقط ، وإنما ثبت لهما الحلف كذلك لأنه المدّعى به.

قوله : ( وإن سلّم العين بحجة إلى أحدهما ردّ نصف القيمة على المودع ، ولم يجب على الثاني الرد ، لأنه استحق بيمينه ولم يعد عليه المبدل ).

__________________

(١) التحرير ١ : ٢٦٨.

(٢) المبسوط ٤ : ١٥١.

(٣) التحرير ١ : ٢٦٨.

٥٥

ولو مات المالك سلّمها إلى الورثة أجمع من غير تخصيص ، فيضمن معه.

______________________________________________________

هذا من جملة أحكام ما إذا أحلفا على علمه ، وجعلت العين والقيمة في أيديهما.

وتحقيقه : أنه إما أن لا ينازع أحدهما الآخر ويرضيا بما صار إليهما ، فلا بحث ، أو يجري بينهما التنازع ، فإذا تنازعا وثبت بحجة شرعية أن العين لأحدهما بعينه ـ كبينة ، أو يمين أحدهما مع نكون الآخر ، وهو المراد من العبارة ـ فإن العين بكمالها تسلّم إليه.

فحينئذ يجب أن يرد نصف القيمة ، لأنه استحقها للحيلولة بينه وبين نصف العين وقد زالت ، فيجب ردّها.

وأما الثاني ، فلا يجب عليه الرد ، لأنه استحق بيمينه للحيلولة ، ولم تزل إذا لم يعد عليه المبدل ، وهو النصف الذي في يد الأول.

واعلم أن ( سلّم ) في العبارة ينبغي أن يقرأ مجهولا ، إذ الحكم ليس مبنيا على تسليم المستودع ، ولا مرجع للضمير إذا كان الفعل معلوما سواه ، ولأن المقر قبل جعل العين في أيديهما ، فكيف يكون التسليم منه ، وأما ( رد ) فإنه معلوم ، وضميره يرجع الى ( أحدهما ).

قوله : ( ولو مات المالك سلّمها إلى الورثة أجمع من غير تخصيص ، فيضمن معه ).

أي : فيضمن مع التخصيص ، ويسلّمها إليهم أجمع يجعلها في أيديهم أو في يد وكيلهم.

* * *

٥٦

المقصد الثاني : في العارية : وفيه فصلان :

الأول : في الأركان : وهي خمسة :

أ : العقد : وهو كل لفظ دل على تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها مطلقا أو مدة معيّنة ، وثمرته التبرع بالمنفعة ،

______________________________________________________

قوله : ( المقصد الثاني : في العارية ).

هي بتشديد الياء ، كأنها منسوبة إلى العار ، لأن طلبها عار ، قال صاحب الصحاح (١). وقال غيره (٢) : منسوبة إلى العارة ، وهي مصدر. وقيل : مأخوذة من عار يعير ، أي : جاء وذهب ، ومنه قيل للبطال : عيار لتردده في بطالته ، فسميت عارية لتحولها من يد إلى يد. وقيل : إنها مأخوذة من التعاور والاعتوار ، وهو تداول الشي‌ء بين القوم ، وعن غريب الخطائي : أن لغة الغالبة العارية ، وقد تخفف.

قوله : ( وفيه فصلان : الأول في الأركان ، وهي خمسة : الأول العقد ، وهو : كل لفظ دل على تسويغ الانتفاع بالعين مع بقائها مطلقا أو مدة معينة ، وثمرته التبرع بالمنفعة ).

قيل عليه : إن كان قوله : ( وثمرته التبرع بالمنفعة ) جزء التعريف انتقض في عكسه بأعرتك حماري لتعيرني فرسك ، وإلا انتقض في طرده بالإجارة.

ويمكن أن يجاب : بكونه جزءا ولا يرد ما ذكره ، لأن هذا الفرد من العارية مقتضاه التبرع ، وإنما جاء العوض من أمر زائد على العقد وهو الشرط ، فإنه عقد مع شرط.

ونقض بالسكنى ، والحبس ، والعمرى ، والوصية بالمنفعة.

__________________

(١) الصحاح ( عور ) ٢ : ٧٦١.

(٢) وهو الأزهري كما في لسان العرب ( عور ) ٤ : ٦١٩.

٥٧

ولا يختص لفظا ولا يشترط القبول نطقا.

ب : المعير : ويشترط كونه مالكا للمنفعة جائز التصرف ، فلا تصح عارية الغاصب ، ولا المستعير ، ولا الصبي ، ولا المجنون ، ولا المحجور عليه لسفه أو فلس ، وتصح من المستأجر ، ويجوز للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه أو بوكيله.

______________________________________________________

وأجيب بما لا يدفع ، والأولى أن يزاد في التعريف : مع بقاء الجواز.

ويرد عليه : أن الثمرة المذكورة حاصلة بالإيجاب لا بمجموع الإيجاب والقبول ، فلا تكون ثمرتهما معا.

واعلم أن كلامه في التذكرة صريح في أنه لا يشترط في العارية اللفظ ، بل يكفي ما يقوم مقام الألفاظ من الكتابة والإشارة ، لأنه عقد ضعيف ، لأنه يثمر إباحة الانتفاع. قال : وهي قد تحصل بغير عقد ، كما لو حسن ظنه بصديقه كفى في الانتفاع عن العقد (١).

وقوله هنا : ( ولا يشترط القبول نطقا ) (٢) قد يشعر بأن الإيجاب يشترط فيه النطق.

قوله : ( وتصح من المستأجر ).

إلا أن يشترط المالك مباشرة الانتفاع بنفسه فلا يصح ، وإذا قلنا بالجواز فيجب أن لا تخرج العين من يده.

قوله : ( ويجوز للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه وبوكيله ).

لكن بشرط أن لا تخرج العين من يده.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢١١.

(٢) في « م » و « ق » : قطعا ، وما أثبتناه من الحجري ، وهو الصحيح.

٥٨

ج : المستعير : وشرطه أن يكون معيّنا أهلا للتبرع عليه بعقد يشتمل على إيجاب وقبول ، فلا تصح استعارة الصبي ولا المجنون.

د : المستعار : وشرطه أن يكون منتفعا به مع بقائه كالثوب للبس ، والدابة للركوب ، والأرض للزرع والغرس والبناء ، دون الأطعمة فإن منفعتها في استهلاكها. والأقرب جواز استعارة الدراهم والدنانير إن فرضت لها منفعة حكمية كالتزيين بها والضرب على طبعها.

______________________________________________________

قوله : ( وشرطه أن يكون معينا ).

يحترز به عما لو أبهم ، بأن أعار أحد هذين ونحوه ، ولو عمم فقال : أعرت جميع الناس ، فهو من المعين فيصح.

قوله : ( فلا تصح استعارة الصبي ولا المجنون ).

بمعنى أنه لا يترتب عليهما أحكام العارية ، لا أن استيفاءهما للمنفعة مضمون ، فلو أعارهما وشرط عليهما الضمان لم يضمنا إذا لم يتلفا ، هكذا ينبغي أن يفسر هذا وإن لم أظفر في ذلك بشي‌ء بخصوصه.

قوله : ( والأقرب جواز إعارة الدراهم والدنانير إن فرضت لهما منفعة حكمية ، كالتزين بها والضرب على طبعها ).

وجه القرب : وجود المقتضي على ذلك التقدير وانتفاء المانع ، ولا وجه للمنع على التقدير المذكور ، فلا يحسن قوله : ( والأقرب ) حينئذ ، فكان عليه أن يترك قوله : ( إن فرضت ... ) ليكون وجه المنع ضعف هذه المنفعة ، وكون المنفعة المقصودة منها غالبا في الإنفاق والإخراج ، وذلك مناف للعارية.

ويرده : أن إرادة المنفعة الضعيفة بخصوصها ينفي ما ذكر ، والأصح الجواز.

٥٩

هـ : إباحة المنفعة فليس للمحرم استعارة الصيد من محرم ولا محل ، فإن أمسكه ضمنه للمحل وإن لم يشترط عليه.

______________________________________________________

قوله : ( فإن أمسكه ضمنه للمحل وإن لم يشترط عليه ).

في التذكرة : لا يحلّ للمحرم استعارة الصيد من المحرم ولا من المحل ، لأنه يحرم عليه إمساكه ، فلو استعاره وجب عليه إرساله وضمن للمالك قيمته ، ولو تلف في يده ضمنه أيضا بالقيمة لصاحبه المحل وبالجزاء لله تعالى ، بل يضمنه بمجرد الإمساك وإن لم يشترط صاحبه الضمان عليه ، فلو دفعه إلى صاحبه بري‌ء منه وضمن لله تعالى (١).

هذا كلامه ، وفي موضعين منه إشكال :

أحدهما : أن وجوب الإرسال مع كون الصيد ملكا لآدمي ـ وحق الآدمي مقدّم على حق الله تعالى ـ غير ظاهر ، وإنما الذي يقتضيه الدليل ردّه على مالكه ووجوب الجزاء لله تعالى.

الثاني : وجوب القيمة للمالك المحل لو تلف في يده بغير تعد ـ مع عدم اشتراط الضمان ـ أيضا غير ظاهر ، لأن غاية ما هناك أنها عارية فاسدة ، وكل عقد لا يضمن بصحيحة لا يضمن بفاسده ، ولأن المالك لما أعاره فقد رضي بعدم ثبوت الضمان عليه الذي هو مقتضي العارية ، فلا يوجه لتضمينه.

فالحاصل : أن الذي يقتضيه النظر خلاف الأمرين ، لكن لم أظفر إلى الآن بمخالف ، فان المصنف في التحرير (٢) قد صرح بالثاني ، وكذا المحقق في الشرائع (٣).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٠٩.

(٢) التحرير ١ : ٢٧١.

(٣) الشرائع ٢ : ١٧٢.

٦٠