جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو أقاما بينة فالأقرب الحكم ببينة الشفيع ، لأنه الخارج ،

______________________________________________________

المشتري مدع لا محالة ، وظاهر إطلاقهم عدم الفرق ، وهو مشكل. إذا تقرر هذا فإذا أقام المشتري بيّنة بزيادة لدفع اليمين عن نفسه فقال شيخنا الشهيد في حواشيه : الأقرب القبول ، وإن كان في دفع اليمين عن المنكر بالبينة في غير هذه الصورة تردد. ووجه القرب : انه يدعي دعوى محضة وقد أقام بها بينة فتكون مسموعة ، هذا كلامه.

ويشكل بأن المشتري إن كان هو المنكر فالحجة من طرفه هو اليمين دون البينة ، لقوله عليه‌السلام : « البينة على المدعي واليمين على من أنكر » (١) ، والتفصيل قاطع للشركة وإلا لم يسمع قوله بيمينه ، وقد عرفت أنه في الحقيقة لا يدّعي شيئا ، لكن صرّح المصنف في التذكرة (٢) والتحرير (٣) بأن أيهما ـ أي : الشفيع والمشتري ـ أقام البينة سمعت منه وثبت ما يدعيه ، وهذا الكلام لا يخلو من تدافع.

قوله : ( ولو أقاما بينة فالأقرب الحكم ببينة الشفيع ، لأنه الخارج )

هذا قول ابن إدريس (٤) ، واختاره المصنف هنا ، وفي التحرير (٥) ، والتذكرة ، (٦) ، ووجهه : أنه خارج فإنه مدع ولا ملك له ، لأنه يحاول إثبات استحقاقه التملك بما يدعيه ، ولأن اليمين لا يقبل منه فلا بد أن تقبل بينته ، وهو الأصح. وقال الشيخ في الخلاف (٧) والمبسوط (٨) : البينة بينة المشتري ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ و ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ و ٥٥٤ ، سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢‌

(٢) التذكرة ١ : ٦٠١.

(٣) التحرير ٢ : ١٥١.

(٤) السرائر : ٢٥١.

(٥) التحرير ٢ : ١٥١.

(٦) التذكرة ١ : ٦٠١.

(٧) الخلاف ٢ : ١٠٧ مسألة ٦ كتاب الشفعة.

(٨) المبسوط ٣ : ١١٠.

٤٦١

ولا تقبل شهادة البائع لأحدهما ، ويحتمل القبول على الشفيع مع القبض وله بدونه.

______________________________________________________

وعلل في المبسوط : بأنه داخل فإن بينة الداخل عنده مقدّمة ، وفي الخلاف : بأن بينته تثبت بزيادة الثمن والشفيع ينكره.

وقال ابن الجنيد : إن أقر المشتري بالشفعة فالبينة عليه في قدر الثمن واليمين على الشفيع ، وإن لم يقر فالبينة على الشفيع ، وفي المختلف رجّح بينة المشتري بأن قوله مقدم على قول الشفيع ، قال : وهذا بخلاف الداخل والخارج ، لأن بينة الداخل يمكن أن تستند الى اليد فلهذا قدمنا بينة الخارج ، وفي صورة النزاع البينة تشهد على نفس العقد كشهادة بينة الشفيع (١). وفيه نظر ، لأن الترجيح ليس بهذا فقط بل بقوله عليه‌السلام : « واليمين على من أنكر » (٢).

واحتمل المصنف في المختلف أيضا القرعة ، لأنهما يتنازعان في العقد ولا يد لهما عليه فصارا كالمتنازعين في عين في يد غيرهما ، وفيه نظر ، لأن تنازعهما في استحقاق العين بالثمن المخصوص ، ولأن القرعة في الأمر المشكل الذي لم يدل النص على حكمه ، وما نحن فيه ليس كذلك.

قوله : ( ولا تقبل شهادة البائع لأحدهما ، ويحتمل القبول على الشفيع مع القبض وله بدونه ).

وجه الأول : ان شهادته لأحدهما تجر نفعا ، لأن شهادته بكثرة الثمن تتضمن استحقاقه ذلك ، وكون الزائد لو خرج مستحقا استحق بدله ، أو الرجوع الى عين ماله إن كان الشراء بعين الثمن ، وإن شهد بنقصانه يضمن ذلك دفع درك الزيادة لو خرج مستحقا. ووجه الاحتمال : أنه مع القبض إذا شهد بالزيادة‌

__________________

(١) المختلف ٢ : ٤٠٧.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ و ٢ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣ و ٥٥٤ سنن البيهقي ١٠ : ٢٥٢.

٤٦٢

ولو كان الاختلاف بين المتبايعين وأقاما بينة فالأقرب الحكم لبينة المشتري ، ويأخذ الشفيع به.

______________________________________________________

فقد أقر بزيادة الدرك فلا تهمة ، ولا ينظر الى استحقاق المطالبة بالبدل أو العين على تقدير ظهور الاستحقاق ، لاستحقار ذلك في ضمن هذا المحذور ، وبدون القبض إذا شهد بالنقيصة فقد أقدم على نقصان حقه ، ومحذور الدرك مستحقر في ضمن هذا ، والأصح أنها لا تقبل مطلقا ، لأنه ربما حاول بذلك إسقاط خيار الغبن وقلة الأرش لو ظهر المبيع معيبا ، بل ربما كان عالما بالعيب ويتوقع المطالبة بأرشه ، وربما كان له غرض بعود المبيع اليه بفسخ المشتري إذا علم بالعيب أو الغبن ، ويخشى بأخذ الشفيع فوات ذلك فينفره من الأخذ بكثرة الثمن ، أو ربما كان يخاف رد المشتري إياه بالعيب أو الغبن دون الشفيع فزاد رغبته في الأخذ بتقليل الثمن ، وبالجملة فجهات جر النفع بالشهادة المذكورة لا يكاد ينضبط.

قوله : ( ولو كان الاختلاف بين المتبايعين وأقاما بينة فالأقرب الحكم لبينة المشتري ويأخذ الشفيع به ).

قد سبق في البيع أنه إذا اختلف المتبايعان في الثمن ولا بينة فالقول قول البائع بيمينه إن كانت العين باقية ، فعلى هذا إذا أقاما بينة تقدم بينة المشتري ، لأن اعتبار اليمين من أحد المتنازعين يقتضي اعتبار البينة من الآخر ، وحينئذ فيأخذ الشفيع بما شهدت به بينة المشتري ، لأنه الثابت شرعا ، ولأن الزائد بزعمه غير مستحق وبينة البائع كاذبة فيه ، وهذا على ما ذكروه من سماع البينة من المشتري إذا وقع الاختلاف بينه وبين الشفيع واضح ، لكن الاشكال السابق الوارد على أصل المسألة ، لو ادعى الشفيع الأقل منهما وارد هنا.

وقال الشيخ في المبسوط : يحكم بالقرعة فمن خرج اسمه حكم له وأخذ الشفيع بذلك الثمن (١) ، قال الشارح : وعلى التفاسخ مع اليمينين بينة‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١١٠.

٤٦٣

ولو لم تقم البينة حلف البائع ، فيتخير الشفيع بين الأخذ به والترك ، والأقرب الأخذ بما ادعاه المشتري ،

______________________________________________________

المشتري مخالفة لأصلين : انتقال الملك اليه ، ورضى البائع بالعوض الأقل. وبينة البائع تخالف أصلا واحدا : وهو عدم رضى المشتري بالزيادة ، ولا ريب أن أصالة عدم انتقال الملك اليه قد زال باعتراف البائع بحصول البيع الناقل للمالك في الجملة (١).

إذا عرفت هذا فظاهر هذه المسائل ان هذا الاختلاف قبل أخذ الشفيع بالشفعة ، وما سيأتي في العبارة أظهر في الدلالة على ذلك ، فلا يكون اختلاف الشفيع والمشتري بعد الأخذ بالشفعة مذكورا حكمه هنا.

قوله : ( ولو لم تقم البينة حلف البائع ، فيتخير الشفيع بين الأخذ به والترك ، والأقرب الأخذ بما ادعاه المشتري ).

إذا لم يقم أحدهما بينة حلف البائع ، لأن القول قوله مع بقاء السلعة كما علم غير مرة ، فيتخير الشفيع بين الأخذ بما حلف عليه والترك ، لأن الثابت شرعا والواجب على المشتري دفعه فهو الثمن حقيقة. والأقرب انه لا يأخذ به بل بما ادعاه المشتري ، ووجه القرب : أن الأخذ إنما هو من المشتري ، وقد اعترف بأن الزيادة ظلم فلا يجوز أن يظلم بها غيره ، وإقرار العقلاء على أنفسهم جائز.

ويحتمل ضعيفا الأول ، وهو الأخذ بما حلف عليه البائع بأنه الثمن شرعا ، ويضعف بأنه الثمن في حق المشتري لا في حق الشفيع للمشتري مع اعترافه بكون الزائد ظلما فيكون يمين البائع فاجرة بإقراره ، وهو الأصح. لكن هنا تحقيق : وهو أن الشفيع إن صدّق المشتري فالأمر كذلك ، وإن صدّق البائع وكان في نفس الأمر صادقا وجب عليه التوصل الى دفع الزيادة إلى المشتري ، وإلا لم يكن له طلبها ظاهرا ، لأن ذلك حق له في نفس الأمر وإن الثابت‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٢٤.

٤٦٤

وكذا لو أقام البائع البينة.

ولو قال المشتري : لا أعلم كمية الثمن كلّف جوابا صحيحا ، ولو قال : أنسيته ، أو اشتراه وكيلي ولا اعلم به حلف وبطلت الشفعة.

ولو اختلفا في قيمة العوض المجعول ثمنا عرض على المقوّمين ،

______________________________________________________

خلافه.

قوله : ( وكذا لو أقام البائع البينة ).

أي : وكذا يثبت ما ادعاه البائع لو أقام البينة عليه فيأخذ الشفيع به أو يترك ، والأقرب الأخذ بما ادعاه المشتري ، وهذا حق لكن الاشكال على سماع بينة البائع مع كونه المنكر وارد.

قوله : ( ولو قال المشتري : لا أعلم كميّة الثمن كلف جوابا صحيحا ).

إنما لم يكن هذا جوابا صحيحا لإجماله واحتماله ، ولهذا إذا فصّل يقبل قوله باليمين.

قوله : ( ولو قال : أنسيته ، أو اشتراه وكيلي ولا اعلم به حلف وبطلت الشفعة ).

إنما يحلف لإنكاره وهو واضح في الثاني ، وأما في الأول فلأن النسيان لا يعرف إلا من قبله ، فلو لم يقبل قوله باليمين لكلف شططا ، فإذا حلف بطلت الشفعة لتعذر العلم بالثمن وهو شرط لجواز الأخذ ، وإنما تبطل مع اليأس من العلم به ، فلو أمكن استعلامه فالشفعة باقية ، ولو قال الشفيع : إني اعلم قدره وادعى المشتري النسيان فهل تثبت بيمين الشفيع هنا؟ فيه نظر.

قوله : ( ولو اختلفا في قيمة العوض المجعول ثمنا عرض على المقومين )

أي : الشفيع والمشتري بناء على أن الشفعة تثبت مع كون الثمن قيميا ، لا معنى للاختلاف في القيمة مع وجود العين وإمكان استعلام قيمتها.

٤٦٥

فإن تعذّر قدم قول المشتري على اشكال.

ولو اختلفا في الغراس أو البناء فقال المشتري : أنا أحدثته ، وأنكر الشفيع قدّم قول المشتري ، لأنه ملكه والشفيع يطلب تملكه عليه.

ولو ادّعى أنه باع نصيبه على أجنبي ، فأنكر الأجنبي قضي للشريك بالشفعة بظاهر الإقرار على اشكال ،

______________________________________________________

قوله : ( فإن تعذّر قدم قول المشتري على اشكال ).

ينشأ : من أن الشفيع ينكر الزيادة فيقدّم قوله بيمينه ، ومن أن المنكر في الحقيقة هو المشتري كما قدمناه ، فالقول قوله في أن الشفيع لا يستحق الشقص بالقيمة الدنيا بيمينه ، وهذا واضح قبل الأخذ ، وفي الفرق بين هذه المسألة ومسألة الاختلاف في قدر الثمن حيث جزم بتقديم قول المشتري بيمينه هناك وتردد هنا عندي نظر.

قوله : ( ولو اختلفا في الغراس أو البناء فقال المشتري : أنا أحدثته وأنكر الشفيع قدّم قول المشتري ، لأنه ملكه والشفيع يطلب تملكه عليه ).

الاختلاف في الشقص المبيع كالاختلاف في الثمن فالقول قول المشتري فيه بيمينه ، لأنه منكر بالنسبة إلى الزائد.

قوله : ( ولو ادّعى أنه باع نصيبه على أجنبي ، فأنكر الأجنبي قضي للشريك بالشفعة بظاهر الإقرار على اشكال ).

ينشأ : من اختلاف القولين ، وتعارض الأدلة. قال الشيخ في الخلاف (١) والمبسوط (٢) : يثبت ، لأن إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، وقد أقر بما يقتضي أن ما بيده مستحق الأخذ بالشفعة ، ونفاها ابن إدريس ، لأن‌

__________________

(١) الخلاف ٢ : ١١٢ مسألة ٣٤ كتاب الشفعة.

(٢) المبسوط ٣ : ١٣٦.

٤٦٦

وللشفيع دون البائع ـ على اشكال ـ إحلاف المشتري.

______________________________________________________

ثبوتها فرع ثبوت البيع ولم يثبت (١) ، وفيه نظر ، لأن ثبوتها فرع ثبوت البيع باعتبار الأخذ من المشتري ، أما باعتبار الأخذ من البائع فيكفي إقراره في استحقاقها ، فإنه لو أقر شخص بأن زيدا يستحق ما بيدي بالشفعة وصدّقه ثبت استحقاقها بالشفعة وإن لم يثبت البيع. والأصح الثبوت ، فعلى هذا إن إقرار البائع بقبض الثمن دفع الشفيع الثمن الى الحاكم ، وإلا كان له أخذه قصاصا والدرك هنا عليه.

قوله : ( وللشفيع دون البائع على اشكال إحلاف المشتري ).

أي : إذا ادعى انه باع نصيبه من أجنبي وأنكر الأجنبي للشفيع إحلاف الأجنبي وهو الذي عبّر عنه؟ ( المشتري ) ، لأنه بزعم البائع مشتر ، وذلك لأن هل عليه حق الدرك على تقدير كونه مشتريا ، أو ينكل فيحلف فلعله يقر الشفيع ، هذا إن حكمنا بالشفعة بظاهر الإقرار ، وإلا كان الإحلاف لرجاء الإقرار بالشراء المثبت للشفعة ، وليس للبائع إحلافه على اشكال ، وهو المراد بقول : ( على اشكال ) ينشأ : من أن فائدة الإحلاف رجاء ثبوت الشراء المقتضي أخذ الثمن إن لم يكن قبضه وهو حاصل من الشفيع فينتفي اليمين لانتفاء فائدتها ، ومن أن الثمن المأخوذ من الشفيع ليس هو عين حقه ، بل يأخذه قصاصا فله الإحلاف لأجله.

ولأن دفع الدرك عن نفسه أمر مطلوب ، وربما تعلّق غرضه بإثبات الشراء لبيان صدقه في دعواه أو لمقابلة المشتري بضد مطلوبه في إنكاره ، والأصح أن له الإحلاف.

واعلم ان هذا الاشكال إنما هو على تقدير ثبوت الشفعة بإقرار البائع ، أو كونه قد قبض الثمن من المشتري ، فإن قلنا بعدم الثبوت ولم يكن قد قبض الثمن فله الإحلاف قطعا.

__________________

(١) السرائر : ٢٥٢.

٤٦٧

ولو ادعى تأخير شراء شريكه فالقول قول الشريك مع يمينه ، ويكفيه الحلف على عدم استحقاقه الشفعة.

ولو ادعى كل منهما السبق تحالفا مع عدم البينة ، ولا تكفي البينة على الشراء المطلق ، فإن شهدت بتقديم أحدهما قبلت.

______________________________________________________

قوله : ( ولو ادعى تأخير شراء شريكه فالقول قول الشريك مع يمينه ، ويكفيه الحلف على عدم استحقاقه الشفعة ).

إذا ادعى على شريكه أن شراءه متأخر عن شرائه ، وانه يستحق عليه الشفعة فالقول قول الشريك بيمينه ، لأنه منكر والأصل عدم الاستحقاق ، ولا يشترط أن يحلف على نفي تأخير الشراء وإن أجاب به ، لأن الغرض المطلوب من هذه الدعوى هو استحقاق الشفعة فيكفي اليمين لنفيه ، وربما كان الشراء متأخرا ولا يستحق شفعة بسبب من الأسباب المسقطة لها فلا يكلف الحلف على نفيه ، وللشافعية وجه بلزوم الحلف على نفي التأخر (١).

قوله : ( ولو ادعى كل منهما السبق تحالفا مع عدم البينة ).

لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه فإذا تحالفا استقر ملكهما ، لاندفاع دعوى كل منهما بيمين الآخر.

قوله : ( ولا تكفي البينة على الشراء المطلق ).

أي : الذي هو غير مقيّد بسبق شراء المشهود له على شراء الآخر ، لأن مطلق الشراء لا تثبت به الشفعة.

قوله : ( فإن شهدت بتقديم أحدهما قبلت ).

مع انتفاء المعارض لنهوضهما بثبوت مقتضى الشفعة.

__________________

(١) المجموع ١٤ : ٣٤٧.

٤٦٨

ولو شهدت بينتان لكل منهما بالسبق احتمل التساقط والقرعة.

ولو ادعى الابتياع وادعى الشريك الإرث وأقاما بينة قيل : يقرع ، والأقرب الحكم ببينة‌ الشفيع.

______________________________________________________

قوله : ( ولو شهدت بينتان لكل منهما بالسبق احتمل التساقط والقرعة ).

أي : لو شهدت احدى البينتين بسبق شراء إحداهما ، والأخرى بسبق الآخر بحيث يتفقان على سبق واحد وينفيان الاقتران احتمل التساقط لتكافؤهما وامتناع العمل بهما ، أو بإحداهما لعدم المرجح ، وتنتفي الشفعة للشك في وجود المقتضى.

واختار الشارح الفاضل ولد المصنف التساقط وتحالفهما (١) ، وهو بعيد لانتفاء اليمين عن الدعوى مع قيام البينة بها ، ويحتمل القرعة لاتفاقهما في الشهادة مع الشريكين على أن شراء أحدهما سابق ولا معارض لهذا فيجب قبوله ، وثبوت الشفعة تابع له فيكون مقطوعا به ، ولا شك أنّ إحدى البينتين كاذبة ، لامتناع سبق كل منهما على الأخرى وهي غير معلومة فتستخرج بالقرعة ، لأن في كل أمر مشكل القرعة ، وهذا مشكل إذ لا طريق إلى معرفة ما هو الحق شرعا إلا القرعة ، وهو الأقوى.

فإن قيل : الشفعة على خلاف الأصل ، والقرعة لا يقطع بتعينها المستحق فيكون القول بسقوطها أوجه ، لعدم تعين المستحق لها.

قلنا : قد جعل الشارع القرعة نازلة منزلة التعين فكل من عينته كان هو المستحق في نظر الشارع ، ولا يريد بالمستحق إلا المستحق شرعا ، وقد أجريت القرعة فيما هو أشد خطرا من هذا وإن كان البطلان محتملا.

قوله : ( ولو ادعى الابتياع وادّعى الشريك الإرث وأقاما بينة قيل : يقرع ، والأقرب الحكم ببينة الشفيع ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٢٢٦.

٤٦٩

ولو صدّق البائع الشفيع لم تثبت ،

______________________________________________________

أي : لو ادعى أحد الشريكين على شريكه الذي تأخر ملكه عن ملك الآخر أنه انتقل اليه الملك بالابتياع ، وقال الشريك : إنه انتقل بالإرث وأقام كل واحد منهما بينة قيل : يقرع بينهما ومن خرجت القرعة له حكم ببينته ، والقائل بذلك هو الشيخ رحمه‌الله محتجا بأنهما متعارضان (١).

وهل يشترط يمين من خرجت له القرعة على القول به؟ لم يصرحوا به هنا ، وعموم الحكم باليمين في نظائره يقتضي الحكم به هنا. والأقرب الحكم ببينة الشفيع ، لأنه المدعي الحقيقة ، لأنه يطلب انتزاع ملك الشريك بالشفعة ، ويدّعي استحقاق ذلك والشريك ينكره ، ولأنه لو ترك الخصومة لترك ، والبينة في جانب المدعي ، والقرعة إنما تثبت في الأمر المشكل الذي لم يثبت له حكم مخصوص من الشارع ، وهذا ليس من ذلك لعموم قوله على السلام : « البينة على المدعي » (٢) ، ولأنه ربما لم يكن بين البينتين تعارض في بعض الصور ، إذ بينة الإرث ربما عوّلت على أصالة بقاء الملك الى حين الموت فانتقل بالإرث ، لعدم علمها بصدور البيع ، فإن استنادها في ذلك الى الاستصحاب كاف ، فبينة الشراء مطلقة على أمر زائد لم يكن للأخرى علم به ، وهو صدور البيع المشهود به فكانت مقدمة كما هو معلوم ، وهذا إنما يتفق حيث يكون البائع هو المورّث إذ مع تغايرهما لا يمكن الجميع بينهما ، وعلى كل حال فالمختار هو الأقرب عند المصنف.

قوله : ( ولو صدّق البائع الشفيع لم يثبت ).

أي : لو صدّق من انتقل عنه الملك ـ أطلق عليه اسم البائع بمقتضى إقرار الشريك الآخر الذي هو شفيع بزعمه ـ لم تثبت الشفعة على الشريك المدّعى عليه ، لأن تصديق من خرج عنه الملك الى الغير إقرار في حق الغير فلا‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٢٩.

(٢) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣.

٤٧٠

وكذا إن أقام الشفيع بينة أنه كان للبائع ولم يقم الشريك بينة بالإرث ، لأنها لم تشهد بالبيع.

وإقرار البائع لا يقبل ، لأنه إقرار على الغير ، ولا تقبل شهادته عليه.

وليست الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول‌ البائع.

______________________________________________________

يقبل.

قوله : ( وكذا إن أقام الشفيع بينة أنه كان للبائع ولم يقم الشريك بينة بالإرث ، لأنها لم تشهد بالبيع ).

وثبوت الشفعة تابع للبيع فما لم يثبت لم يثبت.

وقوله : ( وإقرار البائع لا يقبل ، لأنه إقرار على الغير ) تعليل لقوله : ( ولو صدّق البائع الشفيع لم يثبت ) ذكره بعد تعليل المسألة التالية لها ، فيكون من قبيل اللف والنشر غير المرتب ، ويمكن جعله مسألة أخرى برأسها مستأنفة لكن يلزم التكرار ، لأن التصديق هنا في معنى الإقرار.

قوله : ( ولا تقبل شهادته عليه ).

أي : لا تقبل شهادة من هو بائع بزعم المدّعى عليه ، أي : على الشريك ، وهذا إنما يكون إذا ادعى الشريك انتقال الشقص إليه بالإرث عن شخص ، وادعى الشفيع بزعمه انتقاله بالبيع عن شخص آخر موجود. ولا ريب أن المسألة مفروضة أعم من هذا ، ولا بعد في ذكر بعض الأحكام المختصة ببعض شعب المسألة ، وإنما لم تقبل شهادته عليه للتهمة ، فإنه إذا كان البائع ثبت له على الشريك درك الثمن واستحقاق خيار الغبن أو الرؤية ، ونحو ذلك بشروطه. وبالجملة فشهادته بالانتقال عنه بالبيع تقتضي ثبوت سلطنة البائع على المشترى ، وذلك يجر نفعا ويوجب التهمة فلا تسمع.

قوله : ( وليست الشفعة من حقوق العقد فيقبل فيها قول البائع ).

٤٧١

ولو ادعى الشريك الإيداع وأقاما بينة قدّمت بينة الشفيع ، لعدم التنافي بين الإيداع والابتياع.

______________________________________________________

أي : ليست الشفعة من حقوق العقد الثابت على البائع كخيار المجلس حتى يقبل فيها قول البائع ، لكونها إقرارا على نفسه أو حق يقبل فيها شهادته ، ولانتفاء جر النفع ، وإنما الشفعة حق ثابت بالاستقلال للشريك بسبب البيع وليست من حقوقه.

قوله : ( ولو ادّعى الشريك الإيداع وأقاما بينة قدّمت بينة الشفيع ، لعدم التنافي بين الإيداع والابتياع ).

هذا معطوف على قوله : ( وادعى الشريك الإرث ) أي : ولو ادعى أحد الشريكين على من بيده الشقص الآخر انك قد اشتريته فاستحق أخذه بالشفعة ، فأجاب بأنه في يده بحكم الإيداع من مالكه ، فقول المصنف : ( وادعى الشريك ) لا يخلو من تسامح ، لأنه لم يتحقق كونه شريكا وهو يدعي كونه مستودعا ، ولو كان شريكا لكانت دعواه كونه مستودعا مما لا تقبل (١) ، وكأن المصنف توسّع في إطلاق اسم الشريك عليه باعتبار كونه صاحب يد ظاهرها يقتضي الملك ولزعم المدعي انه شريك ، فإذا أقاما بينة بان اقام المدعي بينة بالشراء والمدعى عليه بينته بالإيداع فلا يخلو : أما أن تكون كل منهما مؤرخة أو إحداهما وهو صورتان ، أو لا تكون واحدة منهما ، وعلى التقديرات فلا يخلو : أما أن تتعرض بينة الشراء الى كون البائع باع ملكه وبينة الإيداع إلى كونه أودع ملكه ، أو لا تتعرض واحدة منهما لذلك الملك أو الواحدة دون الأخرى وهو صورتان فتحصل ست عشرة صورة يبين حكمها فيما سنذكره ، وذلك انه إذا لم يحصل التعرض للملك في البيع والإيداع ، أو حصل فيهما معا ، أو في الإيداع وهو متقدّم فلا منافاة بين البينتين ، لإمكان حصول البيع والإيداع معا ، والإيداع لا ينافي البيع.

__________________

(١) في « ق » : لا يعقل.

٤٧٢

نعم لو شهدت البينة بالابتياع مطلقا ، والأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تأريخ متأخر قيل : قدّمت بينة الإيداع ، لانفرادهما بالملك ، ويكاتب المودع فإن صدق بطلت الشفعة ، والاّ حكم للشفيع.

______________________________________________________

أما إذا تقدّم الإيداع فظاهر ، فإن المودع قد يبيع ملكه على المستودع ولا يطلع بينة الإيداع على البيع فتشهد بالاستصحاب ، وكذا إذا لم يذكر البينتان التاريخ ، أو ذكرته واحدة ولم تذكره الأخرى.

ولو تقدّم البيع فلا منافاة ، إذ قد يدفع البائع المبيع إلى المشتري بصورة الوديعة لمصلحة من خوف ظالم أو غيره ، وحيث لم يكن الإيداع منافيا للبيع وجب الحكم بالبيع ، لأن بينته لا معارض لهما كما حققناه.

قد يقال : هذا ينافي كون الإيداع مستعملا في حقيقته ، فإن ذلك لا يعد وديعة حقيقة فالتعارض بحاله.

فنقول : وإن كان كذلك إلا أن الإيداع عقد جائز يكفي فيه مجرد الفعل بخلاف البيع ، فربما ظن الشاهد الإيداع تعويلا على بعض القرائن ، وربما تسامح فيه لكونه جائزا غير ناقل للملك بخلاف البيع فإنه أبعد عن ذلك.

إذا عرفت هذا فقول المصنف : ( قدّمت بينة الشفيع ) غير حسن ، لأن تقديمها على بينة اخرى فرع التعارض ولا تعارض هنا ، لعدم التنافي كما ذكرنا ، مع أن التقديم لا ربط له بقوله لعدم التنافي بين الإيداع والابتياع.

قوله : ( نعم لو شهدت البينة بالابتياع مطلقا ، والأخرى أن المودع أودعه ما هو ملكه في تأريخ متأخر قيل : قدّمت بينة الإيداع ، لانفرادهما بالملك ، ويكاتب المودع فإن صدق بطلت الشفعة ، والا حكم للشفيع ).

هذا في قوة الاستثناء من الذي قبله لأن قوله : ( وأقاما بينة قدمت بنية الشفيع ) ظاهر الإطلاق في جميع الصور فاستثنى منها هذا وما بعده. وتحقيقه : ان بينة الابتياع إذا لم تتعرض لكون البائع قد باع ملكه بل شهدت‌

٤٧٣

______________________________________________________

بالبيع فقط ، وشهدت بينة الإيداع بكونه قد أودع ملكه في تأريخ متأخر. عن تأريخ البيع فتكون البينتان معا مؤرختين ، فنؤرخ بينة البيع بيوم الجمعة الفلاني وبينة الإيداع بيوم السبت الذي هو بعده ، فقد قيل : تقدم بينة الإيداع والقائل بذلك هو الشيخ رحمه‌الله في المبسوط (١) ، ووجهه : انفرادها بذكر الملك فلا يحتمل أن يكون المودع غير مملوك ، ويمكن أن يكون البيع لغير المملوك فإطلاقه أضعف من الوديعة المقيّدة بصدورها عن المالك ، وفيه نظر فإن هذا إنما يستقيم إذا كان المودع غير من شهدت البينة الأخرى بكونه بائعا ، فإنه إذا كان واحدا كان مالكا لا محالة فلا يجي‌ء احتمال بيعه ما ليس بمالك له ، فلا يستقيم ما ذكره على إطلاقه ، إنما يستقيم إذا أسندت كل واحدة منهما ما شهدت به الى غير ما أسندت اليه الأخرى.

قد يقال على النظر : إن البائع والمودع وإن اتحد فإن الاحتمال بحاله في هذه الصورة ، لإمكان أن يبيع وهو غير مالك ثم يملك فيودع ، فإذا تحقق ذلك يكاتب المودع وهو من ادعى صاحب اليد أنه أودعه وشهدت البينة بإيداعه ـ ملكه بالصورة ، لأن اليد له حينئذ بزعم المدّعى عليه وبينته ، فإن صدّق فلا شفعة ويكون بمنزلة ما لو شهدت احدى البينتين لواحد بالملك والأخرى بالتصرف فإن الملك أقوى ، وإلا ـ أي : وإن لم يصدق ذلك ـ حكم للشفيع ، لانتفاء حقه بتكذيب بينته فتسقط فتبقى بينة الشفيع بغير معارض فيجب العمل بها.

فإن قيل : إن الشراء المشهود به قد نزّل على الأعم من الشراء من المالك ، فكيف يعمل بها بعد التكذيب

قلنا : كان الحمل على خلاف الظاهر ، لوجود المعارض الذي لا يقبل خلاف الظاهر.

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٢٩.

٤٧٤

ولو شهدت بينة الشفيع أن البائع باع وهو ملكه ، وبينة الإيداع مطلقا قضي للشفيع من غير مراسلة ، لانتفاء معناها.

______________________________________________________

إذا عرفت هذا فاعلم أن ظاهر حكاية كلام المصنف قوله : ( قيل ) يدل على استضعافه إياه ، ولا ريب في ضعفه ، لأن البينة بإيداع الملك لا ينفي البيع ، لأن الشهادة بالملك يكفي فيها الاستناد الى العلم بالملك في زمان متقدم ، وعدم العلم بالمزيل الطارئ وعدم العلم به لا يدل على عدمه فحينئذ بينة الشراء تشهد بأمر زائد لا تعارضها الأخرى فيه فيجب الحكم بها وهو الأصح.

قوله : ( ولو شهدت بينة الشفيع أن البائع باع ما هو ملكه ، وبينة الإيداع مطلقا قضي للشفيع من غير مراسلة ، لانتفاء معناها ).

هذه عكس الاولى في الفرض ، والقضاء هنا للشفيع قطعا ولا مراسلة لانتفاء معنى المراسلة ـ أي : فائدتها ـ فإنه لو صدّقه لم يحكم ببيّنة الإيداع ، لوجود المعارض الأقوى.

واعلم أن التعرض لهذه المسألة غير محتاج ، لأن حكمها مستفاد من قوله في المسألة الأولى : ( قدمت بينة الشفيع ) فإن مقتضاه ذلك في جميع الصور ، وآكده قوله في المسألة التي بعدها : ( نعم ... ) لأنها في الاستدراك والاستثناء ، فإن ذلك يشعر بدخولها فاستثناها لمخالفة حكمها حكم الباقي ولا مخالفة في هذه ، على أن عطف الأخيرة عليها يوهم كون الأخيرة مستثناة أيضا ، وهو فاسد ، لانتفاء المخالفة في الحكم.

وفي العبارة مناقشات أخر نبهنا عليها :

الاولى : في قوله : ( ولو ادعى الشريك الإيداع ) فإن الشريك قد يكون مستودعا وقد اعتذرنا له عنه.

الثانية : في قوله : ( قدّمت بينة الشفيع ) فإنه لا تعارض فلا معنى‌

٤٧٥

ويطالب مدعي الشفعة بالتحرير ، بأن يحدد مكان الشقص ، ويذكر قدره ، وكمية الثمن.

______________________________________________________

للتقديم ، لأنه لا ربط بينه وبين قوله : ( لعدم التنافي حينئذ ) في حكاية قول الشيخ قدّمت بينة الإيداع ويكاتب المودع فإن صدّق بطلت الشفعة وإلا حكم للشفيع ، فإن الحكم للشفيع ينافي تقديمها بل ترتب عدم الشفعة على تصديقها ينافي تقديمها.

وكان الأولى أن يقول : قيل يكاتب المودع فإن صدّق حكم ببيّنة الإيداع لأنها أقوى الى آخره. وفي قوله : بطلت الشفعة تجوّز ظاهر ، إذ لم تثبت شفعة لتبطل.

قوله : ( ويطالب مدعي الشفعة بالتحرير ، بأن يحدد مكان الشقص ويذكر قدره وكمية الثمن ).

لا بد من مطالبة مدعي الشفعة بتحرير الدعوى فإن الدعوى غير المحررة لا تسمع وتحريرها بان تحدد مكان الشقص اي يذكره ما يميزه عن غيره سواء كان يذكر حدوده أم لا فليس المراد من تحديد ذكر الحدود لان شهرته باسم أو وصف قد يكون أظهر في تميزه من ان يحتاج الى تحديد وانما قال تحدد مكان الشقص لان الشقص شائع فلا يمكن تحديده الا بتحديد المجموع وانما اشترط التميز لان الدعوى بالشي‌ء الغائب عن محبس الحكم لا بد من تميزه عن غيره والا لم تسمع الدعوى به لتعذر الحكم ولا بد من ان يذكر قدر الشقص لان ذلك من جملة التميز ولا بد من ذكر كمية الثمن لتعذر الشفعة من دون معرفة الثمن.

ولقائل أن يقول ان الدعوى باستحقاق الشفعة في شقص من المكان المعين المحدود لا يتوقف على معرفة قدر الشقص وكمية الثمن لإمكان الحكم بالشفعة في الجملة كما يصح الدعوى في المال المجهول والحكم باستحقاقه ثم يعين وجوابه ان الثمن لو كان مجهولا في الواقع وقدر الشقص انتفت الشفعة فكيف يمكن الحكم باستحقاقها من دون تعيينها بخلاف استحقاق المال‌

٤٧٦

فإن قال الخصم : اشتريته لفلان سئل فإن صدّق ثبتت الشفعة عليه.

وإن قال : هو ملكي لم اشتره انتقلت الحكومة اليه ، وإن كذّبه حكم بالشفعة على الخصم على اشكال ، وإن كان المنسوب إليه غائبا انتزعه الحاكم ودفعه الى الشفيع الى أن يحضر الغائب ، ويكون على‌

______________________________________________________

المجهول فالعلم به غير شرط في الاستحقاق بخلاف الشفعة.

قوله : ( فإن قال الخصم : اشتريته لفلان سئل فإن صدق ثبتت الشفعة عليه وإن قال هو ملكي لم اشتره انتقلت الحكومة إليه ).

هذه من شعب ما إذا ادعى الشريك الشفعة على من بيده الشقص فتارة أجاب بكونه وارثا وتارة بكونه مستودعا وهنا أجاب بكونه اشتراه لغيره فأراد بالخصم من بيده الشقص فسماه في المسائل السابقة شريكا. ثم المنسوب اليه الشراء لأجله اما ان يكون موليا عليه بالنسبة إلى المشتري أو بالغا أو عاقلا والثاني اما ان يكون حاضرا أو غائب وحكم الحاضر مذكور هنا وهو انه يسئل لإمكان مراجعته بغير امتداد زمان وحصول ضرورة فلا يتسلط على ملكه بدون ذلك فان صدق فلا بحث وان قال هو ملكي لم اشتره انتقلت الحكومة إليه لأن يد الأول فرع يده وهو يؤثر إقرار الأول بالشراء الظاهر لا ، لأنه إقرار على الغير فحينئذ يسعى في الإثبات ان امكنه.

قوله : ( وإن كذّبه حكم بالشفعة على الخصم على اشكال ).

ينشأ : من إقراره بالشراء الموجب للشفعة حيث أنه إقرار على ما في يده ، ومن نفي الملك عن نفسه ، والأقرب الحكم بالشفعة لإقراره بالشراء حيث كان مسموعا إذ لم يقر بالملك للغير قبله ، واندفاع الإقرار به للغير بتكذيبه فيدفع الثمن الى الحاكم الى أن يظهر مالكه.

قوله : ( وإن كان المنسوب إليه غائبا انتزعه الحاكم ودفعه الى‌

٤٧٧

حجته إذا قدم.

وإن قال : اشتريته للطفل وله عليه ولاية احتمل ثبوت الشفعة ، لأنه يملك الشراء له فيملك إقراره فيه ، والعدم ، لثبوت الملك للطفل.

والشفعة إيجاب حق في مال الصغير بإقرار وليه ،

______________________________________________________

الشفيع الى أن يحضر الغائب ، ويكون على حجته إذا قدم ).

هذا حكم الغائب ، وإنما ينتزعه الحاكم هنا ويدفعه الى الشفيع ، لأن انتظاره الى أن يقدم (١) الغائب فيه تأخير لحقه المقتضي للضرر بخلاف الحاضر ، ولأنه لو لا ذلك لالتجأ كل مشتر إلى دعوى الشراء للغائب ليسقط حق الشفيع ، ويأخذ الحاكم الثمن الى ان يحضر الغائب وهو على حجته ، أي : لم يحكم عليه بالشفعة بحيث لا تسمع حجته بعد ذلك ، بل يقول : اما أن يكون مصدّقا فلا بحث ، أو يقول : هو ملكي لم أشتره فالخصومة معه ، أو يكذب فالحكم ما سبق.

قوله : ( وإن قال : اشتريته للطفل وله عليه ولاية احتمل ثبوت الشفعة ، لأنه يملك الشراء له فيملك إقراره فيه ، والعدم ، لثبوت الملك للطفل. والشفعة إيجاب حق في مال الصغير بإقرار وليه ).

هذا حكم ما إذا كان المنسوب اليه موليا عليه للمقر (٢) ، وذكر فيه احتمالين :

إحداهما : ثبوت الشفعة ، لأن الولي يملك الشراء للطفل فيملك الإقرار فيما يشتريه ، فيكون الضمير في قوله : ( فيه ) راجعا الى ما دل عليه الشراء فإنه يستلزم ملكا يشترى ، ويمكن عوده الى الشراء لأن الشفعة من توابع الشراء فيكون الإقرار بها إقرارا في الشراء ، ولا يخلو من تكلف. ثم في هذا التوجيه‌

__________________

(١) في « م » : يراسل.

(٢) في « ق » : للغير.

٤٧٨

فإن اعترف بعد إقراره بالملكية للغائب أو للطفل بالشراء لم تثبت الشفعة.

ولو ادعى الحاضر من الشريكين على من في يده حصة الغائب الشراء من الغائب فصدّقه احتمل ثبوت الشفعة ، لأنه من إقرار من ذي اليد ،

______________________________________________________

نظر ، لأنه لو صح هذا لوجب أن يملك الإقرار بالشفعة بعد إقراره بكون الملك للطفل ، وسيأتي التصريح بخلافه ان شاء الله تعالى.

والثاني : العدم ، لثبوت الملك للطفل ، والشفعة فيه إيجاب حق في مال الصغير بإقرار وليه فلا ينفذ ، لأنه إقرار على الغير ، وفيه نظر ، لأنّا لا نسلّم انه إقرار على الطفل بل هو إقرار على ما في يده ، فإنه إقرار بالشراء وبكونه للطفل حيث كان ظاهر حال يده يقتضي كونه مالكا ، فإما أن يسمع واحد من الأمرين أو يسمعا معا ، والأصح ثبوت الشفعة ، وما ذكره من الاحتمال هنا مع الجزم بالحكم في الغائب لا وجه له أصلا.

قوله : ( فإن اعترف بعد إقراره بالملكية للغائب ، أو للطفل بالشراء لم تثبت الشفعة ).

أي : لو اعترف من بيده الشقص على المدعى عليه بالشفعة بالشراء بعد إقراره بكونه مملوكا للغائب أو للطفل ، بأن قال عندما ادعى عليه الشريك بالشفعة : هذا ليس ملكا لي بل هو ملك لفلان الغائب أو لمحجوري فلان اشتريته له لم تثبت الشفعة لأن إقراره بالشراء بعد إقراره بالملك للغير إقرار في حق الغير فلا يسمع ، بخلاف ما إذا أقر بالشراء ابتداء ، لأن الملك ثبت بذلك الإقرار فيثبت جميعه.

ولا يخفى عليك تعلّق الجار في قوله : ( بالملكية ) بالإقرار في قوله : ( بعد إقراره ) ، والباء في قوله : ( بالشراء ) بقوله : ( اعترف أي اعترف بالشراء ) بعد إقراره بالملكية الى آخره.

قوله : ( ولو ادعى الحاضر من الشريكين على من في يده حصة الغائب الشراء من الغائب فصدّقه احتمل ثبوت الشفعة ، لأنه من إقرار من ذي‌

٤٧٩

وعدمه ، لأنه إقرار على الغير. فإن قدّم الغائب وأنكر البيع قدم قوله مع اليمين ، وانتزع الشقص وطالب بالأجرة من شاء منهما ، ولا يرجع أحدهما على الآخر.

______________________________________________________

اليد ، وعدمه لأنه إقرار على الغير ).

يضعّف الأول : بأن إقرار ذي اليد مسموع حيث لا يكون إقرارا على الغير ، وذلك إذا لم يعلم كون الملك للغير ، أما إذا علم فهو إقرار على الغير لا محالة ، لكن يشكل بشي‌ء : وهو أن من بيده مال للغير مصدّق في دعوى الوكالة بغير خلاف ، ويجوز الشراء منه والتصرف تعويلا على قوله. وكذا لو ادعى الشراء من المالك تسمع ، فلا تثبت الشفعة بدعواه الشراء مع الحكم بنفوذه وقوّى في التحرير ثبوت الشفعة (١).

والذي يخطر بالبال انه إن كان المراد بثبوت الشفعة. انتزاع الحاكم الشقص ويسلمه الى المدعي ـ كما هو المتبادر من ذكر الدعوى ـ فهو مشكل ، والظاهر العدم ، لأن مجرد دعوى الشراء ممن بيده مال الغير لا يقتضي الثبوت شرعا ، وليس المراد بجواز الشراء منه لو ادعى الوكالة : الحكم بالوكالة ، وإن كان المراد ـ جواز أخذ المدعي ذلك بدعوى من بيده المال ـ الشراء فليس ببعيد ، كما يجوز له الشراء منه والاتهاب ونحوهما من التصرفات ، ثم يكون الغائب على حجته.

قوله : ( فإن قدّم الغائب وأنكر البيع قدم قوله مع اليمين وانتزع الشقص ، وطالب بالأجرة من شاء منهما ، ولا يرجع أحدهما على الآخر ).

لا ريب أن اجرة ما فات من المنافع في يد مدعي الشراء لا يطالب بها الآخذ بالشفعة ، أما ما فات في يد الآخذ فإنه مخيّر في المطالبة به لكل منهما ،

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٥٠.

٤٨٠