جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ضمن العهدة للمشتري ، أو شرطا له الخيار فاختار الإمضاء إن ترتّبت على اللزوم.

______________________________________________________

العهدة للمشتري ، أو شرطا له الخيار فاختار الإمضاء إن ترتب على اللزوم ).

أي : وكذا الأقرب عدم السقوط في هذه المسائل :

الأولى : إذا كان الشفيع وكيلا لأحدهما ، أي : البائع أو المشتري في البيع من طرفه ، ووجه من عدم السقوط أصالة بقاء حقه وعدم تيقن حصول المسقط ، واختار المصنف في المختلف السقوط (١) ، لحصول الرضى بالبيع وهو مسقط. وجوابه : منع كون مطلق الرضى بالبيع مسقطا ، فإن البيع هو السبب في ثبوت الشفعة ، ولا ريب أن من يتوقعها راض بوقوع البيع ومريد له ، حتى لو حاول عدم الرضى به أمكن أن لا يكون مقدورا له ، وإنما المسقط هو رضاه بالبيع ليبقي ملكا للمشتري ، وهذا غير لازم حصوله عن كونه وكيلا لأحدهما في العقد ، والأصح عدم السقوط.

الثانية : أن يشهد على البيع ، فقد قال الشيخ في النهاية : تبطل شفعته (٢) وتبعه ابن البراج (٣) ، ونفاه ابن إدريس (٤) ، وقال المصنف في المختلف : إن وجدت دلالة على الرضى بالبيع بطلت شفعته (٥). والتحقيق : أن القول بالبطلان بمجرد ذلك لا وجه له ، فإن حصل ما يدل على الرضى المسقط أو تراخي في الطلب فهو خروج عن المسألة.

الثالثة : إذا بارك لأحدهما في عقده ، أو في عقد على ما في بعض نسخ‌

__________________

(١) المختلف : ٤٠٧.

(٢) النهاية : ٤٣٥.

(٣) المهذب ١ : ٤٥٨.

(٤) السرائر : ٢٥٢.

(٥) المختلف : ٤٠٧.

٤٤١

ولو جهلا قدر الثمن ، أو أخّر المطالبة لبعده عن المبيع حتى يصل‌

______________________________________________________

الكتاب ، وفي البطلان به قولان ، وجه البطلان : تضمنه الرضى ، وقد علمت أن مطلق الرضى غير قادح ، لأنه قد يرضى من جهة استحقاقه للشفعة به. وربما وجّه البطلان لحصول التراخي به ، وهو مشكل ، لأن هذا القدر من الملائمة عند التلاقي أمر مطلوب عرفا كالسلام ، وربما كان تركه والاشتغال بالمطالبة مستهجنا في العادة ، والحق عدم البطلان ، إن لم يحصل به تراخ.

الرابعة : اذنه للمشتري في عقد الشراء ، وقد سبق.

الخامسة : ضمان عهدة المثمن (١) للمشتري ـ أي : دركه ـ وكذا عهدة الثمن للبائع ، وقال المصنف في المختلف بالبطلان ، لدلالته على الرضى (٢) ، ونفاه الشيخ (٣) وابن إدريس (٤) والأصح انه إن نافى الطلب على الفور أبطل ، وإلا فلا ، فقد ينتظر حضور الثمن إن جعلنا الطلب هو الأخذ.

السادسة : أن يشترطا للشفيع الخيار فاختار الإمضاء فإن الأقرب عدم السقوط ـ إن قلنا بأن الشفعة إنما تثبت مع لزوم العقد ـ لأن الإمضاء تمهيد لسبب الأخذ ، ولأنه كالإسقاط قبل الثبوت ويحتمل السقوط للرضى وإن قلنا أن الشفعة تثبت ، وإن كان العقد غير لازم فمفهوم كلام المصنف السقوط ، ووجهه الدلالة على الرضى واشتغاله بما لا يعينه ، وقد عرفت فيما مضى أن ثبوت الشفعة لا يتوقف على لزوم العقد ، لعموم النص ، فحينئذ يبطل لحصول التراخي المنافي للفور ، وكذا كل موضع من هذه المواضع وغيرها يضمن التراخي فإنه يبطل الشفعة.

قوله : ( ولو جهل قدر الثمن ، أو أخّر المطالبة لبعده عن المبيع‌

__________________

(١) في « م » : ضمانه عهدة الثمن.

(٢) المختلف : ٤٠٧.

(٣) المبسوط ٣ : ١٢٥.

(٤) السرائر : ٢٥٢.

٤٤٢

اليه ، أو اعترف الشفيع بغصبية الثمن المعيّن ، أو تلفه قبل قبضه على اشكال بطلت.

وتجوز الحيلة على الإسقاط ، بأن يبيع بزيادة عن الثمن ثم يدفع به عوضا قليلا أو يبرئه من الزائد ، أو ينقله بغير بيع كصلح أو هبة.

______________________________________________________

حتى يصل اليه ، أو اعترف الشفيع بغصبية الثمن المعيّن ، أو تلفه قبل قبضه على اشكال بطلت ).

أي : لو جهل كل من المشتري والشفيع الثمن فإن الشفعة تبطل ، لعدم الطريق الى العلم به المقتضي لسد باب الأخذ بالشفعة ، وكذا لو أخّر المطالبة لبعده عن المبيع حتى يصل إليه فإن ذلك لا يعد عذرا في تأخير الأخذ بالشفعة فهو مناف للفور ، وكذا تبطل لو اعترف الشفيع بغصبية الثمن المعيّن لإقراره (١) بفساد البيع من أصله المقتضي لعدم الشفعة.

وهل تبطل لو اعترف الشفيع بتلف الثمن المعيّن قبل قبض البائع إياه؟ فيه اشكال يلتفت الى الإشكال السابق : في أن تلف الثمن المعيّن قبل قبض البائع إياه هل يقتضي بطلان الشفعة قبل أخذ الشفيع بالشفعة ، أم مطلقا ، أم لا يقتضي البطلان مطلقا؟ وقد سبق أن الشفعة لا تبطل به مطلقا فلا يكون الإقرار به مبطلا لها.

قوله : ( وتجوز الحيلة على الإسقاط ، بأن يبيع بزيادة عن الثمن ثم يدفع به عوضا قليلا ، أو يبرئه من الزائد ، أو ينقله بغير بيع كصلح أو هبة )

الإسقاط قد يكون بفعل الشفيع لكثرة الثمن وقلة المدفوع عنه عوضا ، فإنه إنما يملك الأخذ بالثمن ، لأنه إنما دفعه عوضا ، لأن هذا بمنزلة معاوضة أخرى في حكم الإبراء من البعض ، فيكون ذلك موجبا لإعراض الشفيع لما‌

__________________

(١) في « م » : لاعترافه.

٤٤٣

ولو قال الشفيع للمشتري : بعني ما اشتريت أو قاسمني بطلت.

ولو صالحه على ترك الشفعة بمال صح وبطلت الشفعة.

ولو كانت الأرض مشغولة بالزرع فإن أخذ الشفيع وجب الصبر ، وهل له الترك عاجلا والأخذ وقت الحصاد؟ نظر.

______________________________________________________

يلزمه من الغرم الكثير ، ومثله ما لو أبرأه من الزائد على المطلوب أخذه ، وقد يكون الإسقاط بإنشاء سبب غير صالح لثبوت الشفعة كالصلح والهبة ، إلا أن إطلاق الإسقاط هنا مجاز ، لانتفاء ثبوت الشفعة هنا.

قوله : ( ولو قال الشفيع للمشتري : بعني ما اشتريت ، أو قاسمني بطلت ).

لأن هذا يتضمن الرضى بملكه واستقراره ، ومع ذلك فهو مناف للفور ، إذ هو من الفضول لمن يريد الشفعة.

قوله : ( ولو صالحه على ترك الشفعة بمال صح وبطلت الشفعة ).

لأن الشفعة حق مالي ثابت فيجوز الصلح عليه.

فإن قيل : إذا شرط في عقد الصلح كان ذلك منافيا للفور فيبطل.

قلنا : قد علم ان ما اقتضته العادة لا يقدح مثل السلام والدعاء ، ولا يزيد الصلح عليهما : على انه قد يتصور الصلح مع الوكيل ، فإن التراضي من قبله على خلاف المصلحة لا تبطل حق الموكل.

قوله : ( ولو كانت الأرض مشغولة بالزرع فإن أخذ الشفيع وجب الصبر ، وهل له الترك عاجلا والأخذ وقت الحصاد؟ فيه نظر ).

ينشأ : من أنه لا ينتفع بالشقص حينئذ لو أخذه ، فيحرم الانتفاع بالثمن بغير مقابل ، فبقاؤه في يده الى زمان الحصاد ليكون نفعه في مقابل نفع الشقص الذي استوفاه المشتري مطلوب فيكون ذلك عذرا في التأخير ، ومن أن الشفعة‌

٤٤٤

ولو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة بطلت ، وللمشتري الأول الشفعة على الثاني.

ولو باع بعض نصيبه وقلنا بثبوتها مع الكثرة احتمل السقوط لسقوط بعض ما يوجب الشفعة ، والثبوت لبقاء ما يوجب الجميع ابتداء ، فله أخذ الشقص من المشتري الأول.

______________________________________________________

على الفور ، ومثل ذلك لم يثبت كونه عذرا. وربما بيعت الأرض قبل أو ان الانتفاع بها بشهر أو بشهرين ، فكما لا يسوغ التأخير هنا لا يسوغ ثمة ، وهو الأصح. ومثله لو كان في المشفوع ثمرة فإن الأخذ على الفور ، ويجب الإبقاء إلى القطاف.

قوله : ( ولو باع الشفيع نصيبه بعد العلم بالشفعة بطلت ، وللمشتري الأول الشفعة على الثاني ).

لأن المشتري الأول شريك قديم ، والمشتري الثاني شريك حدث ملكه بالبيع ، وإنما بطلت شفعة من باع نصيبه عالما ، لأنه أزال سبب استحقاقه فزال الاستحقاق.

قوله : ( ولو باع بعض نصيبه وقلنا بثبوتها مع الكثرة احتمل السقوط ، لسقوط بعض ما يوجب الشفعة ، والثبوت لبقاء ما يوجب الجميع ابتداء فله أخذ الشقص من المشتري الأول ).

قوله : ( وقلنا بثبوتها مع الكثرة ) يقتضي أن تعدد الشركاء مانع من ثبوت الشفعة ، وإن لم يكن الشفيع إلا واحدا فإن الشفيع بالنسبة إلى المشتري الأول ليس إلا واحدا ، بل شفعته تثبت قبل حدوث الكثرة ، فينبغي أن لا يكون لها أثر في المنع إن لم يكن بيع بعض الشقص مانعا. وبالجملة فلا يكون ثبوت الشفعة على المشتري الأول من فروع الكثرة ، نعم في الثاني يجي‌ء ذلك إن كان المانع تعدد الشركاء وإن كان الشفيع واحدا.

٤٤٥

وهل للمشتري الأول شفعة على الثاني؟ فيه إشكال ينشأ : من ثبوت السبب وهو الملك ، ومن تزلزله لأنه يؤخذ بالشفعة.

أما لو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ففي الإبطال إشكال ينشأ : من زوال السبب ، ومن ثبوته وقت البيع.

______________________________________________________

ثم احتمال السقوط متجه ، لأن استحقاق الشفعة في هذا الفرد المعيّن منحصر في سببية الشركة بالشقص المذكور ، فإذا باع بعضه فقد زال السبب من حيث هو هو والباقي غيره ، وإن لم يكن له تأثير في استحقاق الشفعة فلا يحدث له تأثير بعد ذلك ، لأنه إنما يؤثر إذا كان موجودا وقت البيع ، وقد عرفت أن الموجود وقت البيع غيره وقد زال ، ولا يلزم من كون الباقي يوجب الشفعة في الجميع لو كان ابتداء أن يوجبها في محل النزاع كما لا يخفى ، فإن قلنا بالثبوت فله أخذ الشقص من المشتري الأول لكن لا نقول به.

قوله : ( وهل للمشتري الأول شفعة على الثاني؟ فيه إشكال ينشأ : من ثبوت السبب وهو الملك ، ومن تزلزله لأنه يؤخذ بالشفعة ).

لمانع أن يمنع إبطال التزلزل تأثير ما قد علمت سببيته فإن الشركة بشرائطها موجودة ، والتزلزل لا يقدح في شي‌ء منها ، وقد سبق ان الخيار لا يمنع استحقاق الشفعة في الشقص المشفوع فكيف يكون مانعا إذا ثبت في الشقص الذي هو سبب الشفعة ، والظاهر الثبوت إلا أن يؤخذ من يده قبل أن يأخذ من يد المشتري الثاني.

قوله : ( أما لو باع الشفيع نصيبه قبل علمه ففي الإبطال إشكال ينشأ : من زوال السبب ، ومن ثبوته وقت البيع ).

لو تم هذا التوجيه للإشكال لا طرد فيما إذا باع عالما ، فينبغي أن يضم الى احتمال الثبوت ما يقتضي أن يكون للجهل بالشفعة وقت البيع دخل في استحقاق الشفعة ، وكيف كان فلا يخفى ضعف الثاني ، لأن السبب في جواز‌

٤٤٦

والشفعة موروثة كالمال على رأي ، سواء طالب الموروث أو لا ،

______________________________________________________

الأخذ إذا زال ولما يأخذ بالشفعة يقتضي امتناع الأخذ ، وإلا لكان الأخذ بغير سبب.

لا يقال : الشركة سبب الاستحقاق وقد ثبت فلا يزول بزوالها ، إذ لم يثبت كونه علة الزوال.

لأنا نقول : ظاهر قوله عليه‌السلام : « لا شفعة إلا لشريك مقاسم » يقتضي زوال الاستحقاق ، والجهل لا أثر له إذا انتفى السبب ، لأن خطاب الوضع لا يتفاوت الأمر فيه بالعلم والجهل ، والأصح أن لا شفعة.

قوله : ( والشفعة موروثة كالمال على اشكال ، سواء طالب الموروث أم لا ).

اختلف الأصحاب في أن الشفعة تورّث ، فقال المفيد (١) والمرتضى (٢) وجماعة : إنها تورّث (٣) ، وأنكره الشيخ (٤) ، وجماعة (٥) ، ودليلهما منشأ الاشكال : والأصح الأول ، لعموم دلائل الإرث الدالة على إرث كل حق ، ولهذا حكمنا بكون الخيار موروثا وحدّ القذف فحق الشفعة أولى ، ولأنها في معنى الخيار يثبت لدفع الضرر ، وذلك قائم في حق الوارث واحتج الشيخ برواية طلحة بن زيد ، عن علي عليه‌السلام قال : « لا تورث الشفعة » (٦) ، ولأن ملك الوارث متجدد فلا يستحق به شفعة ، وجوابه ضعف الرواية فإن طلحة بتري ، والوارث يأخذ ما استحقه مورّثة ، وليس هو الشفيع أصالة ليقدح‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٦.

(٢) الانتصار : ٢١٧.

(٣) منهم يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٧٨ ، وابن إدريس في السرائر : ٢٥١ ، والشهيد في الدروس : ٣٩٢ ، والمحقق الحلي في الشرائع ٣ : ٢٦٣.

(٤) الخلاف ٢ : ١٠٨ مسألة ١٢ كتاب الشفعة.

(٥) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٩.

(٦) الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤١.

٤٤٧

فللزوجة مع الولد الثمن. ولو لم يكن وارث فهي للإمام ، فإن عفا أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط ، وكان للباقين أخذ الجميع أو الترك.

أما لو عفا الميت أو أخّر الطلب مع إمكانه فإنها تبطل.

ولو عفا أحد الوارثين وطالب الآخر ، فمات الطالب فورثه العافي‌

______________________________________________________

تجدد ملكه.

وقوله : ( كالمال ) يحتمل أن يكون إشارة إلى دليل الإرث ، أي : الشفعة موروثة ، لأنها حق مالي فتورّث كما يورث المال ، ويحتمل أن يكون إشارة إلى كيفية الإرث ، فإن للعامة خلافا في أنها تورّث كما يورّث المال ، فتقسم باعتبار السهام أو تقسّم على الرؤوس فيكون إشارة إلى الأول ، والكل صحيح.

قوله : ( فللزوجة مع الولد الثمن ).

خص الزوجة لينبه على إرثها من الشفعة وإن كانت قد لا ترث من بعض الأشياء.

قوله : ( ولو لم يكن وارث فهي للإمام ).

كسائر ما يورّث ، ففي حالة الغيبة حكمها حكم سائر ميراث من لا وارث له.

قوله : ( فإن عفا أحد الورّاث عن نصيبه لم يسقط ، وكان للباقين أخذ الجميع أو الترك ).

لأن الحق للجميع فلا يسقط حق واحد بترك غيره ، لكن لما لم يجز تبعيض الصفقة على المشتري كان المستحق للباقي الجميع ، فإن أخذه فذاك وإلاّ ترك.

قوله : ( ولو عفا أحد الوارثين وطالب الآخر فمات الطالب فورثه‌

٤٤٨

فله الأخذ بالشفعة على اشكال.

ولو مات مفلّس وله شقص فباع شريكه كان لوارثه الشفعة.

ولو بيع بعض مالك الميت في الدين لم تكن لوارثه المطالبة‌

______________________________________________________

العافي فله الأخذ بالشفعة على اشكال ).

ينشأ : من أن المطالب استحق الجميع فينتقل استحقاقه بموته إلى وارثه ، ولا يضر عفو الوارث عن حقه قبل ذلك ، لأن هذا حق آخر متجدد غير الحق الذي عفا عنه الوارث ، فلا يلزم سقوطه لسقوط العفو عنه لاختلاف سبب استحقاقهما ، وكون العفو قبل حدوث السبب المتجدد.

ومن سقوط شفعته بعفوه ، وإنما يستحق غير ما عفا عنه باعتبار انه غيره وقد انتفت الغيرية فلا يستحق ما عفا عنه ولا نصيب الميت لامتناع تبعيض الصفقة ، وليس بشي‌ء ، لأن غيره مستحق للشفعة باعتبار شركته لا باعتبار العفو من العافي فإن تمليك الشفعة لا يصح ، ولهذا لو عفا عنها لمن لا حق له لا يستحقها ، وقبل العفو كان الشريك مساويا له في سبب الاستحقاق ، فإذا عفا زال واختص الآخر بالسبب فاختص بمقتضاه وهو الشفعة في الجميع.

ولو سلّم أن نصيب العافي استحقه الآخر بالعفو فإذا انتفى استحقاقه الشفعة باعتبار كونه شريكا للعفو فلا ينتفي استحقاقه باعتبار الإرث ، لأنه سبب جديد ، إذ ليس أبعد حالا ممن لا يستحق شفعة أصلا ورأسا إذا انتقلت إليه بالإرث ، والأصح الأول.

قوله : ( ولو مات مفلّس وله شقص فباع شريكه كان لوارثه الشفعة ).

لأن الوارث هو المالك للشقص المتروك ، بناء على أن التركة تنتقل الى الوارث وإن استغرقها الدين ، وهو الأصح ، ولم يصرح المصنف بترجيح هذا في كتاب الحجر لكن بناء الحكم عليه ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو بيع بعض مالك الميت في الدين لم تكن لوارثه‌

٤٤٩

بالشفعة ، وكذا لو كان الوارث شريكا للمورث فبيع نصيب المورّث في الدين.

ولو اشترى شقصا مشفوعا ووصّى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة لسبق حقه ، ويدفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لتعلقها بالعين لا البدل.

ولو وصّى لإنسان بشقص فباع الشريك بعد الموت قبل القبول‌

______________________________________________________

المطالبة بالشفعة.

لأن البيع في الحقيقة لملك الوارث ، بناء على انتقال التركة إليه بالموت (١).

قوله : ( وكذا لو كان الوارث شريكا للمورث فبيع نصيب المورّث في الدين ).

أي : لا شفعة للوارث لمثل ما قلناه ، ويحتمل أن يكون للوارث الشفعة ، لأن البيع على الميت إنما كان بسبب دينه الذي يثبت عليه في حال الحياة ، فصار البيع كأنه قد وقع في حال الحياة والوارث كان شريكه في حال الحياة فتثبت له الشفعة ، ويضعف بأن التركة تنتقل بالموت الى الوارث ، ومن ثم كان له أن يقتضي الدين من عنده ويمنع من البيع ، فإذا بيع بعض ماله فكيف يستحق شفعته؟!

قوله : ( ولو اشترى شقصا مشفوعا ووصّى به ثم مات فللشفيع أخذه بالشفعة ، لسبق حقه ويدفع الثمن إلى الورثة وبطلت الوصية لتعلقها بالعين لا البدل ).

فإن جميع التصرفات من المشتري للشفيع الأخذ بالشفعة فيبطلها.

قوله : ( ولو وصّى لإنسان بشقص فباع الشريك بعد الموت قبل‌

__________________

(١) في « م » : بالموت وشبهه.

٤٥٠

استحق الشفعة الورثة.

ويحتمل الموصى له إن قلنا انه يملك بالموت ، فإذا قبل الوصية استحق المطالبة ، لأنّا تبينا أن الملك كان له ، ولا يستحق المطالبة قبل القبول ولا الوارث ، لأنّا لا نعلم أن الملك له قبل الرد.

______________________________________________________

القبول استحق الشفعة الورثة ، ويحتمل الموصى له إن قلنا انه يملك بالموت ، فإذا قبل الوصية استحق المطالبة لأنا تبينا أن الملك كان له )

أي : لو وصّى من له شقص لزيد به ثم مات ، فباع الشريك حصته من آخر قبل قبول الموصى له ورده ففي مستحق الشفعة قولان :

أحدهما : انه الورثة ، لأن المالك ينتقل إليهم بالموت ، ولا يستحق الموصى له إلا بالقبول.

والثاني : أن المستحق هو الموصى له.

والحاصل أن بناء القولين على أن قبول الوصية ناقل أو كاشف ، فإن قلنا بالأول فالملك إنما يحدث بعده ، فالمالك قبله حقيقة هو الورثة فالشفعة لهم. وإن قلنا بالثاني فالملك ثبت للموصى له بالموت وينكشف بالقبول ، كما أن عدمه ينكشف بالرد ، ومن ثم يحكم بالنماء المتجدد بين الموت والقبول للوارث على الأول وللموصى له على الثاني ، فعلى الثاني إذا قبل الوصية استحق المطالبة.

ويعتبر القبول على الفور لئلا تبطل الشفعة ، إذ لا يعد تأخيره عذرا ، والمعروف أن الأصح أن القبول كاشف وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ولا يستحق المطالبة قبل القبول ولا الوارث ، لأنا لا نعلم أن الملك له قبل الرد ).

أي : لا يستحق الموصى له المطالبة قبل القبول بناء على الثاني ، لأن ملكه وإن ثبت بالموت لكن الكاشف عنه هو القبول فقبله لم يتحقق ملك. ولو‌

٤٥١

ويحتمل مطالبة الوارث ، لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق ، فإذا طالب الوارث ثم قبل الموصى له افتقر الى الطلب ثانيا ، لظهور عدم استحقاق المطالب.

ويحتمل أن المشفوع للوارث ، لأن الموصى به إنما انتقل اليه بعد أخذ‌ الشفعة.

______________________________________________________

قلنا : إن القبول ناقل فلا بحث ، لأن ملكه يحدث بالقبول وهو ظاهر ، وكذا بناء على الثاني لا يستحق المطالبة الوارث ، لأن ملكه لا يعلم قبل الرد.

قوله : ( ويحتمل مطالبة الوارث ، لأن الأصل عدم القبول وبقاء الحق ).

أي : ويحتمل ـ بناء على أن القبول كاشف ـ استحقاق الوارث المطالبة بالشفعة ، فهو في مقابل قوله : ( ولا الوارث ) لأن الأصل عدم قبول الموصى له ، والأصل بقاء الحق للوارث ، وفيه نظر إذ لا أصل هنا يرجع إليه ، فإنه كما أن الأصل عدم القبول الكاشف عن ملكية الموصى له فالأصل عدم الرد الكاشف عن ملكية الوارث ، والموت صالح لتمليك الموصى له ولتمليك الوارث ، لمكان الوصية المستعقب للقبول والرد ، فليس هناك حق لأحدهما يستصحب بقاؤه فلا يتم ما ذكره.

قوله : ( فإذا طالب الوارث ثم قبل الموصى له افتقر الى الطلب ثانيا لظهور عدم استحقاق المطالب ).

هذا تفريع على الاحتمال الثالث ، وهو أن الوارث المطالبة ، فإذا طالب ثم قبل الموصى له تبيّن بطلان مطالبة الوارث ، لانتفاء كونه مالكا حين المطالبة ، فلا بد للموصى له من مطالبته في التملك بالشفعة ، لأنه الشفيع في نفس الأمر.

قوله : ( ويحتمل أن المشفوع للوارث ، لأن الموصى به إنما انتقل‌

٤٥٢

ولو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له فلا شفعة للموصى له ، لتأخر ملكه عن البيع ، وفي الوارث وجهان مبنيان على من باع قبل علمه ببيع شريكه.

ولو اشترى المرتد عن فطرة فلا شفعة إن قلنا ببطلان البيع ،

______________________________________________________

اليه بعد أخذ الشفعة ).

هذا الاحتمال ليس على نهج ما قبله بحيث يتفرع على كون القبول كاشفا ، ولا هو معادل للأولين بل هو عين الأول وإنما أعاده ليبني عليه بعض المسائل ، وكلامه يوهم خلاف ذلك فليس بجيد ، وكان حقه أن يقول : وعلى الأول اعني : أن الملك للوارث المشفوع للوارث ، لأن الموصى به ملك له وإنما ينتقل عنه بقبول الموصى له وذلك بعد الأخذ بالشفعة.

قوله : ( ولو لم يطالب الوارث حتى قبل الموصى له فلا شفعة للموصى له ، لتأخر ملكه عن البيع ، وفي الوارث وجهان مبنيان على من باع قبل علمه ببيع شريكه ).

أي : بناء على أن القبول ناقل والملك للوارث قبله ، وهو الأول لو لم يطالب الوارث بالشفعة حتى قبل الموصى له فلا شفعة للموصى له قطعا ، لأنه لم يكن شريكا وقت (١) البيع. وفي الوارث وجهان مبنيان على الوجهين فيمن باع ملكه قبل علمه ببيع شريكه وقد سبق ، فان قلنا ببقاء الشفعة هناك فهي باقية هنا وإلا فلا ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو اشترى المرتد عن فطرة فلا شفعة إن قلنا ببطلان البيع ).

سيأتي إن شاء الله تعالى في أحكام المرتد أن المرتد عن فطرة هل يدخل في ملكه شي‌ء بعد الردة بسبب من الأسباب المملكة أم لا ، وأن في ذلك خلافا للأصحاب ، فإن قلنا بعدم دخول شي‌ء في ملكه ـ وهو الأصح على ما سيأتي إن‌

__________________

(١) في « ق » : قبل.

٤٥٣

وعن غيره فطرة تثبت الشفعة.

ولو قارض أحد الشركاء الثلاثة آخر فاشترى من الثالث نصف نصيبه فلا شفعة ، لأن أحدهما رب المال والآخر عامل ،

______________________________________________________

شاء الله تعالى ، لأن خروج أملاكه عنه الى الوارث دليل على عدم صلاحيته للتملك ، لامتناع خروج أملاكه مع بقاء صلاحيته للتملك بغير الأسباب الناقلة المحصورة ـ فالبيع باطل ، واستحقاق الشريك الشفعة فرع تحقق البيع.

قوله : ( وعن غير فطرة تثبت الشفعة ).

لبقاء ملكه ، وعلى ما سيأتي إن شاء الله تعالى من أنه محجور عليه وتصرفاته موقوفة فإن عاد إلى الإسلام تبينا صحتها (١) وإلاّ تبيّنا الفساد ، فإن اجازة الحاكم تثبت الشفعة وإلا فكما قلنا.

قوله : ( ولو قارض أحد الشركاء الثلاثة آخر فاشترى من الثالث نصف نصيبه فلا شفعة ، لأن أحدهما رب المال والآخر عامل ).

إذا كان الشركاء ثالثة فقارض أحدهما الآخر على مال ، فاشترى العامل بمال القراض نصف نصيب الثالث ( في المشترك ) (٢) فلا شفعة لأحدهم ، أما البائع فظاهر إذ لا يملك الشفعة فيما باعه ، وكذا رب المال إذ لا يملك الشفعة فيما اشتراه ، والعامل بالنسبة إليه كالشريكين ، في المبتاع فلا يستحق أحدهما على الآخر شفعة ، كذا قال في التذكرة (٣) ، وفيه نظر ، فإن مال القراض الذي اشترى به إذا لم يكن للعامل فيه شي‌ء يقع الشراء لمالكه ، وليس للعامل فيه شي‌ء فيكون شفيعه هو العامل ، ولا مانع له من الأخذ بالشفعة على قول ، وعلى قول الشفيع : كل من العامل ومالك مال القراض. هذا إذا لم يكن ربح ، أو كان وقلنا إن العامل لا يملك بالظهور. وإن قلنا يملك بالظهور فله من‌

__________________

(١) في « ق » : صحيحا.

(٢) في « ق » : المشتركة.

(٣) التذكرة ١ : ٦٠٧.

٤٥٤

فإن باع الثالث باقي نصيبه لأجنبي فالشفعة أخماسا : لكل من المالك والعامل خمسان ، ولمال المضاربة خمس السدس الذي له إن أثبتنا الشفعة مع الكثرة.

ولو باع أحد الثلاثة حصته من شريكه استحق الثالث الشفعة دون المشتري ، ويحتمل التسوية ،

______________________________________________________

الشقص بمقدار استحقاقه من الشفعة على القول باشتراكهما فيها ، فإن زاد حقه من الربح فالزائد للمالك على ما سبق ، وعلى هذا فالعامل لا (١) يأخذ بعض الشقص بالشفعة فله حينئذ أجرة المثل ، ولا شك أن ما ذكره هنا لا ينطبق على ما سبقه من كلامه.

قوله : ( فإن باع الثالث باقي نصيبه لأجنبي فالشفعة أخماسا لكل من المالك والعامل خمسان ، ولمال المضاربة خمس ).

ربما يسأل عن سبب إفراد مال المضاربة بالذكر مع أنه ملك لصاحب مال القراض.

فيجاب : بأنه بناء على ما ذكره هنا ليس لأحدهما على الآخر بسببه شي‌ء فإنه بمنزلة شريك آخر ، لأن حكمه متميز عن مال كل منهما ، وفيه نظر ، لأنه مال المالك حقيقة ، فإن لم يكن ربح فلا بحث ، وإن كان فعلى ما سبق من اختصاص المالك به وللعامل الأجرة ، فالمشفوع لمال القراض حق المالك.

قوله : ( ولو باع أحد الثلاثة حصته من شريكه استحق الثالث الشفعة دون المشتري ، ويحتمل التسوية ).

قد سبق في أول فروع الكثرة نظير هذين الاحتمالين قولان‌

__________________

(١) في « م » : إنما.

٤٥٥

فإن باع المشتري على أجنبي ولم يعلم الثالث بالبيعين ، فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد مشتريه ، إذ لا شريك له في الشفعة.

وإن أخذ بالأول أخذ نصف المبيع وهو السدس ، لأن المشتري شريكه ، ويأخذ نصفه من المشتري الأول ونصفه من الثاني ، لأن شريكه لما اشترى الثالث كان بينهما فإذا باع الثلث من جميع ما في يده ـ وفي يده ثلثان ـ فقد باع نصف ما في يده ، والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو‌

______________________________________________________

للأصحاب (١) ، ورجحنا هناك القول بالتسوية تفريعا ، فالأصح هنا مثله.

قوله : ( فإن باع المشتري على أجنبي ولم يعلم الثالث بالبيعين ).

هذا تفريع على الاحتمال الثاني وهو التسوية ، أي : بناء على التسوية لو باع المشتري على أجنبي الثلث وهو قدر ما اشتراه ، والمراد به ثلث الأصل وهو نصف ما صار بيده ، لأنه قد كان بيده ثلث واشترى حصة شريك آخر ثالثا آخر ولم يعلم الشريك الثالث بالبيعين فله الأخذ بالشفعة باعتبار كل واحد من العقدين ، فإن أخذ بالعقد الثاني أخذ جميع ما في يد المشتري الثاني وهو الأجنبي ، إذ لا شفيع سواه ، لأن الشريك الآخر هو البائع فلا شفعة له ، إذ لا يستحق البائع الشفعة على ما باعه.

قوله : ( وإن أخذ بالأول أخذ نصف المبيع وهو السدس ، لأن المشتري شريكه ويأخذ نصفه من المشتري الأول ونصفه من الثاني ، لأن شريكه لما اشترى الثالث كان بينهما ، فإذا باع الثلث من جميع ما في يده وفي يده ثلثان فقد باع نصف ما في يده ، والشفيع يستحق ربع ما في يده‌

__________________

(١) القول الأول وهو استحقاق الثالث الشفعة دون المشتري ، ذهب إليه : الشيخ الطوسي في أحد قوليه في الخلاف ٢ : ١١١ مسألة ٢٦ كتاب الشفعة ، والشهيد في الدروس : ٣٩٥.

والقول الثاني وهو الشركة بالسوية ، ذهب إليه الشيخ الطوسي في قوله الثاني في المبسوط : ١٣٨ ، والمحقق الحلّي في الشرائع ٣ : ٢٥٧.

٤٥٦

السدس فصار منقسما في أيديهما نصفين ، فيأخذ من كل واحد منهما نصفه ـ وهو نصف السدس ـ ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن ، وتكون المسألة من اثني عشر ، ثم ترجع إلى أربعة للشفيع النصف ولكل واحد الربع.

______________________________________________________

وهو السدس فصار منقسما في أيديهما نصفين ، فيأخذ من كل واحد منهما نصفه وهو نصف السدس ، ويرجع المشتري الثاني على الأول بربع الثمن وتكون المسألة من اثني عشر ، ثم ترجع إلى أربعة للشفيع النصف ولكل واحد الربع ).

أي : وإن أخذ الشفيع ـ وهو الشريك الثالث ـ بالعقد الأول فقد أخذ نصف المبيع بناء على الاحتمال الثاني ، وهو التسوية بينه وبين المشتري في الشفعة وقدره سدس الأصل وللمشتري السدس الآخر. وكيفية أخذه : أن يأخذ من المشتري الأول نصف سدس ومن المشتري الثاني نصف سدس ، وذلك لأن شريكه لما اشترى الثلث كان بينهما كما قررنا ، فإذا باع ثلث الأصل ممّا في يده ـ وفي يده ثلثان أحدهما ملك سابق والآخر متجدد بالشراء ـ فقد باع نصف ما في يده شائعا ، فيكون المبيع نصف ملكه القديم ونصفه الجديد بمقتضى الإشاعة ، والشفيع يستحق ربع ما في يده وهو السدس فإنه ربع الثلثين ، فبمقتضى الإشاعة يكون نصفه في يد المشتري الأول ونصفه في يد الثاني ، لاستواء ما باعه المشتري الأول وما بقي في يده ، فيبطل البيع الثاني في نصف سدس ، لأنه يأخذ بالعقد الأول وقد تعلق بنصف السدس الأصل في يد الثاني فيرجع المشتري الثاني على الأول بحصته من الثمن لبطلان البيع فيه وهو ربع الثمن ، فتكون المسألة من اثني عشر ، لأن فيهما نصف سدس هو أدق كسر فيها ، ومخرجه من اثني عشر منهما سهمان للشفيع وهما السدس ، مضافة الى سهمه من الأصل وهو الثلث فيكمل له نصف ، وللمشتري الثاني ثلاثة أرباع الثلث وهو ربع الأصل ، فيبقى في يد المشتري الأول ربع الأصل فترجع المسألة إلى أربعة.

٤٥٧

وإن أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد الأول ، فله ثلاثة أرباع ولشريكه الربع ، ويدفع الى الأول نصف الثمن الأول والى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني.

ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني ، لأنه يأخذ نصف ما اشتراه الأول وهو السدس ، ويدفع اليه نصف الثمن كذلك ، وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده فيأخذه منه.

ويرجع الثاني على الأول بثمنه ، وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن.

______________________________________________________

قوله : ( وإن أخذ بالعقدين أخذ جميع ما في يد الثاني وربع ما في يد الأول ، فله ثلاثة أرباع ولشريكه الربع ، ويدفع الى الأول نصف الثمن الأول والى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني ، ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني ، لأنه يأخذ نصف ما اشتراه الأول وهو السدس فيدفع اليه نصف الثمن كذلك ، وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده فيأخذه منه ، فيرجع الثاني على الأول بثمنه ، وبقي المأخوذ من الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن ).

أي : وإن أخذ بالعقدين معا صح ، فيأخذ نصف ما جرى عليه العقد الأول وهو السدس ، وقد عرفت أن نصفه دخل في العقد الثاني فينفسخ العقد الثاني فيه ، فيأخذه مع ربع ما في يد الأول ـ وهو نصف سدس ايضا ـ بالعقد الأول ، ويأخذ باقي ما في يد المشتري الثاني ـ وهو ثلاثة أرباع ما اشتراه ـ بالعقد الثاني ، لأن ذلك هو ما صح فيه العقد الثاني فيكمل له ، أي : للشفيع ثلاثة أرباع الأصل ، ولشريكه ـ أعني المشتري الأول ـ الربع.

ولا شي‌ء للثاني ، وذلك لأنه اجتمع له مع ثلثه القديم جميع ما اشتراه المشتري الثاني ربعه بالعقد الأول ، وثلاثة أرباعه بالعقد الثاني وهو ثلث‌

٤٥٨

______________________________________________________

الأصل ، وربع ما في يد المشتري الأول وهو نصف سدس وذلك ثلثان ونصف سدس وهو تسعة من اثني عشر ، فبقي لشريكه وهو المشتري الأول ثلاثة هي الربع ، ثم انه يدفع الى المشتري الأول نصف الثمن الأول ، لأنه أخذ نصف مبيعه وهو خمسة مثلا ، والى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني وهو تسعة مثلا ، لأن العقد انفسخ في ربع المبيع ، لأنه أخذه بالأول كما قررناه ، ويرجع المشتري الثاني على المشتري الأول بربع الثمن الثاني ، وهو الذي انفسخ العقد في مقابله من المبيع فلم يبق في مقابله شي‌ء.

وإنما قلنا : ( إنه يدفع الى الأول نصف الثمن الأول والى الثاني ثلاثة أرباعه ... ) ، لأن الشفيع يأخذ نصف ما اشتراه الأول وهو السدس ، فيدفع اليه نصف الثمن لأجل ذلك ، وقد صار نصف هذا النصف في يد الثاني وهو ربع ما في يده ، فيأخذه منه فينفسخ البيع الثاني فيه كما قلنا فيرجع الثاني على الأول بثمنه ، وبقي المأخوذ من الثاني بالعقد الثاني ثلاثة أرباع ما اشتراه فأخذها منه ودفع إليه ثلاثة أرباع الثمن ، وذلك ظاهر

إذا عرفت هذا فاعلم ان قول المصنف : ( لأنه يأخذ نصف ما اشتراه الأول ... ) تعليل لقوله : ( ويدفع الى الأول نصف الثمن الأول ، والى الثاني ثلاثة أرباع الثمن الثاني ، ويرجع الثاني على الأول بربع الثمن الثاني ) فبيّن به هذه الأمور الثلاثة.

والضمير في قوله : ( لأنه ) يعود الى الشفيع (١) وقوله : ( فيدفع اليه نصف الثمن لذلك ) أكثر النسخ فيها ( كذلك ) بكافين ولا موقع له حسن ، وفي بعضها ( لذلك ) باللام أولا وهو حسن فيكون تعليلا لقوله : ( فيدفع اليه نصف الثمن ) أي : يدفع نصف الثمن لأجل أنه يأخذ نصف ما في يده بالعقد الأول.

__________________

(١) في « ق » : المشتري.

٤٥٩

الفصل الخامس : في التنازع :

لو اختلفا في الثمن ولا بينة قدّم قول المشتري مع يمينه.

______________________________________________________

قوله : ( لو اختلفا في الثمن ولا بينة قدّم قول المشتري مع يمينه )

أي : لو اختلف الشفيع والمشتري في قدر الثمن : فأما أن لا يكون لواحد منهما بيّنة ، أو يكون لكل منهما بيّنة ، أو يكون للبائع فقط ، أو للمشتري فقط فالأقسام أربعة :

الأول : أن لا يكون لواحد منهما بيّنة فيحلف المشتري ، لأنه المالك فلا يزول ملكه إلا بما يدّعيه إذا لم تكن بينة ، كما أن المشتري لا يملك المبيع إلا بما يقرّ به البائع من الثمن ، كذا علله في التذكرة (١) ، وهذا التعليل إنما يجري فيما إذا وقع الاختلاف بين الشفيع والمشتري والعين باقية ، فلو أخذها بالشفعة ورضي بالدفع فتلفت العين ثم وقع الاختلاف لم يجر ما ذكره فيه مع أن فيه نظرا ، لأن كونه مالكا لا يقتضي سماع دعواه بيمينه لأن اليمين على من أنكر.

ويمكن أن يقال : المشتري لا دعوى له على الشفيع ، إذ لا يدعي شيئا في ذمته ولا تحت يده ، إنما الشفيع يدعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الفلاني والمشتري ينكره. ولا يلزم من قوله اشتريته بالأكثر أن يكون مدّعيا عليه وإن كان خلاف الأصل ، لأنه لا يدّعي استحقاقه إيّاه عليه ولا يطلب تغريمه إياه ، ولأن الذي لو ترك الخصومة ترك هو الشفيع إذ لا يطلبه المشتري للأخذ بالشفعة بما يدعيه.

وهذا الاستدلال حسن لكنه مخصوص بما إذا لم يتملك الشفيع الشقص برضى المشتري قبل دفع الثمن ، فأما إذا تملكه كذلك ثم اختلفا في الثمن فإن‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٠١.

٤٦٠