جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو بنى المشتري أو غرس ، بأن كان الشفيع غائبا أو صغيرا ، أو طلب المشتري من الحاكم القسمة فللمشتري قلع غرسه وبنائه ، وليس عليه طم الحفر.

ويحتمل وجوبه ، لأنه نقص دخل على ملك الشفيع لتخليص ملكه.

______________________________________________________

والأصح الأخذ بالحصة إن شاء ، ولم يفرّق أحد ها هنا ـ وهو ما إذا كان التالف بعض العين ـ بين كونه قبل المطالبة وبعدها ، والظاهر أن هذا الفرق في الأولى غير واضح.

قوله : ( ولو بنى المشتري أو غرس بأن كان الشفيع غائبا ، أو صغيرا ، أو طلب المشتري من الحاكم القسمة فللمشتري قلع غرسه وبنائه ، وليس عليه طم الحفر. ويحتمل وجوبه ، لأنه نقص دخل على ملك الشفيع لتخليص ملكه ).

أي : لو بنى المشتري أو غرس في الشقص المشفوع ، وذلك بأن قسمة عن حق الشريك الذي هو الشفيع مع بقاء الشفعة ، ويتصور ذلك بأن يكون الشفيع غائبا أو صغيرا ونحو ذلك ، فيطلب المشتري من الحاكم القسمة فيقسّم له فيبني ويغرس ، ثم يحضر الشفيع فيأخذ بالشفعة فللمشتري حينئذ قلع غرسه وبناءه ، لأنه ملكه ولم يكن ظالما بفعله ، وليس عليه طم الحفر لما قلناه من أنه فعل ذلك بحق ، لأنه كان حينئذ مالكا جائز التصرف وفي القلع مصلحة الشفيع ، لأن فيه تفريغ الشقص. ويحتمل وجوبه ، لأنه نقص دخل على ملك الشفيع لمصلحة المشتري ، لأن ذلك يتضمن تخليص ملك المشتري أيضا من ملك الشفيع.

والتفصيل قوي بأن يقال : إن كان القلع بطلب الشفيع لم يجب الطم ، لأن طلبه القلع يتضمن الاذن في الحفر ، وليس هو كالغاصب ، لأنه غير عاد بفعله ، وإن كان القلع من المشتري ابتداء وجب ، لأن النقص قد حدث في‌

٤٢١

أما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فإنه غير مضمون ، لأنه لم يصادف ملك الشفيع ، ويأخذ الشفيع بكل الثمن أو يترك.

ولو امتنع المشتري من الإزالة تخيّر الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش على اشكال ، وبين بذل قيمة البناء والغرس إن رضي المشتري ومع عدمه نظر ، وبين النزول مع‌ الشفعة.

______________________________________________________

ملك غيره بفعله لمصلحته من غير اذن من الغير فيجب إصلاحه ، وهو خيرة المختلف (١). وهل يملك الشفيع إجبار المشتري على القلع؟ صرح به في التذكرة (٢) ، ولو قيل به لم يكن بعيدا بعد بذل الأرش.

قوله : ( أما نقص الأرض الحاصل بالغرس والبناء فإنه غير مضمون ، لأنه لم يصادف ملك الشفيع ، ويأخذ الشفيع بكل الثمن ).

لأن هذا الناقص ليس له قسط من الثمن فلا يضمنه المشتري ، نعم لو كان ذلك بعد المطالبة اتجه القول بضمانه على ما سبق في مسألة الاستهدام والتعيب هذا إذا كان النقص بالغرس ، أما لو كان بالقلع فقد قال الشيخ وجماعة بعدم الضمان ، معللا بأنه تصرف في ملك نفسه (٣) ، واختار المصنف في المختلف وجوب الأرش إن كان ذلك باختيار المشتري ، لأن النقص حدث على ملك الغير بفعله لتخليص ملكه فيضمنه (٤) ، وقولهم : إنه لم يصادف ملك الشفيع غير واضح ، لأن القلع صادف ملك الشفيع ، إذ الفرض أنه بعد الأخذ بالشفعة فلا يتم ما ذكروه ، وهذا أصح.

قوله : ( ولو امتنع المشتري من الإزالة تخيّر الشفيع بين قلعه مع دفع الأرش على اشكال ، وبين بذل قيمة البناء والغرس إن رضي المشتري ومع عدمه نظر ، وبين النزول عن الشفعة ).

__________________

(١) المختلف : ٤٠٨.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩٨.

(٣) المبسوط : ١١٨.

(٤) المختلف : ٤٠٨.

٤٢٢

______________________________________________________

أي : إذا امتنع المشتري من قلع النبأ والغرس تخيّر الشفيع بين ثلاثة أشياء :

أحدهما : القلع ، لأن له تخليص ملكه من ملك غيره ، والظاهر أن هذا الحكم لا اشكال فيه ، والشارح الفاضل قال : إن الاشكال في العبارة في استحقاق القلع ووجوب الأرش (١) ، والظاهر أنه وهم ، إذ لا يتصور وجوب إبقاء شغل ملك الشفيع بملك المشتري على الدوام بعد انقطاع حقه من الشقص ، إلا أن يتخيل وجوب قبول الأجرة على الشفيع ، أو وجوب دفع القيمة عليه وإن لم يرض ، وبطلان هذا أظهر من ان يحتاج الى البيان.

إذا تقرر ذلك ، فإذا اختار الشفيع القلع فهل عليه دفع أرش نقص البناء والغرس الحاصل بالقلع ، فيه إشكال ينشأ : من أن النقص على ملك المشتري بفعل الشفيع لمصلحته يجب أن يكون مضمونا عليه ، فإن المشتري لم يكن عاديا بذلك الفعل ، فإذا أتلف شيئا من مال المشتري لمصلحته ضمنه له. ومن أن التفريط حصل بفعل المشتري ، لأنه غرس في أرض مستحقة للغير ، وهذا مختار المصنف في المختلف (٢) والأول اختيار الشيخ (٣) وهو أقوى ، فإن التصرف في الشقص مأذون فيه شرعا ، فإن المشتري مالك ملكا تاما ، وجواز الأخذ بالشفعة لا ينافي ذلك ، وليس هو بأبعد من غرس المستعير فإنه في كل آن يجوز رجوع المعير ، فعلى هذا لا يجوز قلعه إلا مع بذل الأرش هذا أحد الأمور الثلاثة.

الثاني : بذل قيمة المبناء والغرس إن رضي المشتري ، ولا بحث فيه ، أما إذا لم يرض فهل يملك أخذه بالقيمة ويجب على المشتري قبولها؟ فيه نظر ينشأ : من أنها معاوضة فيفتقر إلى رضى المتعاوضين ، وإلا كان ذلك أكل مال‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ٢١٤.

(٢) المختلف : ٤٠٨.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٩ مسألة ١٤ كتاب الشفعة.

٤٢٣

فإن اتفقا على بذل القيمة ، أو أوجبنا قبولها على المشتري مع اختيار الشفيع لم يقوّم مستحقا للبقاء في الأرض ولا مقلوعا ، لأنه إنما يملك قلعه مع الأرش ، بل إما أن تقوّم الأرض وفيها الغرس ثم تقوّم خالية فالتفاوت قيمة الغرس فيدفعه الشفيع أو ما نقص منه إن اختار القلع ، أو يقوّم الغرس مستحقا للترك بالأجرة ، أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه.

______________________________________________________

بالباطل كما دل عليه قوله تعالى ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ ) (١) ولقوله عليه‌السلام : « لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه » (٢) ومن أن ذلك أقرب الى مصلحة كل منهما ، لأن فيه جمعا بين الحقين ودفعا للضرر العظيم اللازم بكل منهما بقلع البناء والغرس وهو مذهب أكثر الأصحاب والأول قوي. والثالث نزول الشفيع عن الشفعة ولا بحث فيه.

قوله : ( فإن اتفقا على بذل القيمة ، أو أوجبنا قبولها على المشتري مع اختيار الشفيع لم يقوّم مستحقا للبقاء في الأرض ولا مقلوعا ، لأنه إنما يملك قلعه مع الأرش ـ بل إما أن تقوّم الأرض وفيها الغرس ثم تقوّم خالية فالتفاوت قيمة الغرس فيدفعه الشفيع أو ما نقص منه إن اختار القلع ، أو يقوّم الغرس مستحقا للترك بالأجرة ، أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه ).

إذا اتفق كل من الشفيع والمشتري على بذل قيمة الغرس ، أو أوجبنا قبولها على المشتري إذا اختار الشفيع بذلها فلا بد من معرفة القيمة السوقية ، والمرجع فيها الى الصفات الثابتة للغرس ، لأنها مناط الرغبات ، فلا يقوم مستحقا للبناء في الأرض إذ لا يستحق ذلك ، ولا مقلوعا ، لأن الشفيع لا يملك القلع إلا بالأرش. وهذا رجوع من المصنف عن الاشكال السابق الى الجزم ،

__________________

(١) سورة النساء : ٢٩.

(٢) سنن الدار قطني ٣ : ٢٦ حديث ٩١ و ٩٢.

٤٢٤

______________________________________________________

بل الطريق الى ذلك : إما أن تقوّم الأرض وفيها الغرس ، ثم تقوّم خالية فالتفاوت قيمة الغرس فيدفعه الشفيع ، أو يدفع ما نقص منه إن اختار القلع ، فيكون ذلك الطريق معرفة الأرش على القول بوجوب بذله ، فيكون ( ما نقص ) معطوفا على الضمير المنصوب في قوله : ( فيدفعه ) ويجوز أن يكون معطوفا على مفعول ( تقوّم ) وهو الأرض ، والمعنى لا يختلف.

وإما أن يقوّم الغرس مستحقا للترك بالأجرة ، أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه ، أي : يقوّم منظورا فيه الى هذين الوصفين ، فيقال : كم قيمة غرس يستحق الإبقاء في أرض الغير بالأجرة ، ويستحق صاحب الأرض أخذه بالقيمة عند امتناع كل من مالكه ومالك الأرض من قلعه ، وكل من الوصفين موجب لنقصان القيمة ، فإن ما لا يبقى إلا بالأجرة قيمته انقص من قيمة ما يبقى مجانا ، وكذا ما يستحق أخذه بالقيمة قهرا.

وهذا إنما يتأتى على القول بأن الشفيع لا يجب عليه أرش ( النقص ) (١) بالقلع ، أما على القول به فإنه لا يملك طلب الأجرة على الإبقاء لأن القلع لا يسوغ إلا مع ضمان الأرش فما دام لا يبذله فالإبقاء واجب ، وكذا لا يتأتى إلا على القول باستحقاق الشفيع الأخذ بالقيمة وإن لم يرض المشتري ، وضعفهما قد علم ، وقد نبّه على ذلك في الدروس (٢). ويرد على الأول أيضا انه قد يكون لضميمة كل من الغرس والأرش إلى الآخر باعتبار الهيئة الاجتماعية دخل في زيادة القيمة ، وذلك بتمامه لا يستحقه المشتري فيكف يكون ما عدا قيمة الأرض خالية من مجموع القيمتين حقا للمشتري؟

والأوجه أن يقوّم الغرس قائما غير مستحق للقلع إلا بعد بذل الأرش ، وما ينقص عن هذه القيمة بالقلع أرشه ، أو تقوّم الأرض وفيها الغرس ثم يقوم كل‌

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

(٢) الدروس : ٣٩٢.

٤٢٥

ولو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته عن قلعه في آخر فله ذلك.

ولو غرس المشتري ، أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم كذلك ،

______________________________________________________

منهما منفردا (١) ، فإن بقي من مجموع القيمتين بقية قسّم عليهما على نسبة كل من القيمتين ، وهذا أسلم من الجميع ، فإذا كانت قيمة المجموع مائة ، والأرض أربعين ، والغرس خمسين تكون العشرة الزائدة باعتبار الاجتماع مقسومة على تسعة ، للأرض أربعة اتساعها وللغرس خمسة أتساعها ، ثم انه لا يخفى ما في العبارة من عدم الجزالة.

واعلم ان قوله : ( إذا امتنعا من قلعه ) ليس شرطا للتقوم ، بل هو من تتمة الوصف اعني : قوله : ( أو لأخذه بالقيمة ) في هذا الحال.

قوله : ( ولو اختلف الوقت فاختار الشفيع قلعه في وقت أسبق تقصر قيمته عن قلعه في آخر فله ذلك ).

أي : لو اختلف الوقت في قيمة الغرس فاختار الشفيع قلعه في الوقت الذي تكون قيمته فيه قليلة ليخف الأرش كان له ذلك ، إذ لا يجب عليه الإبقاء الى أن يجي‌ء الزمان الذي يكثر فيه قيمته قطعا.

قوله : ( ولو غرس المشتري ، أو بنى مع الشفيع أو وكيله في المشاع ثم أخذه الشفيع فالحكم كذلك ).

أي : لو غرس المشتري أو بني في الشقص المشفوع حال الإشاعة مع الشفيع أو وكيله ، بحيث يكون الغرس والبناء بالاذن المعتبر ، ويتصور ذلك بأن يعتقد الشفيع أن لا شفعة له أو يتوهم كثرة الثمن ثم يتبين الخلاف ، فإنه إذا أخذ بالشفعة يكون الحكم في الغرس والبناء كالحكم فيهما إذا حصلت القسمة‌

__________________

(١) في « ق » : سواء.

٤٢٦

ولو زرع المشتري فللشفيع أخذه وعليه إبقاء الزرع الى أو ان الحصاد مجانا ، والنماء المنفصل المتجدد بين العقد والأخذ للمشتري وإن كان نخلا لم يؤبر على رأي ،

______________________________________________________

ثم غرس أو بنى في خاصته ثم أخذه الشفيع ، وقد سبق ذكر أحكام ذلك مستوفى.

قوله : ( ولو زرع المشتري فللشفيع أخذه وعليه إبقاء الزرع إلى أوان الحصاد مجانا ).

أي : لو كان تصرف المشتري في الشقص المشفوع بعد القسمة الشرعية ، أو بالإذن مع الإشاعة بالزرع ، فإنه إذا أخذ الشفيع يجب عليه إبقاء الزرع الى أو ان حصاده مجانا ، لأنه تصرف بحق وله أمد ينتظر فتكون مدته كالمنفعة المستوفاة للمشتري ، فإن منافع الشقص قبل الأخذ بالشفعة مملوكة له ، ولا كذلك الغرس والبناء ، لأنه ليس لهما أمد ينتظر فيه القلع ، فلو لا ثبوت حق القلع للشفيع لزم الضرر العظيم بدفع الثمن واستحقاق المنفعة للغير ، فيكون بمنزلة نفي ثبوت الشفعة وأبعد.

فرع : لو آجر المشتري الى مدة فأخذ الشفيع فهل له فسخ الإجارة؟

قوله : ( والنماء المنفصل المتجدد بين العقد والأخذ للمشتري وإن كان نخلا لم يؤبر على رأي ).

أي : النماء المنفصل الحاصل بين عقد البيع وبين أخذ الشفيع بالشفعة للمشتري ، لأنه نماء ملكه فإنه حينئذ مالك بالاستقلال ، وتزلزل الملك لا ينافي ملك النماء وإن كان النماء ثمرة نخل لم يؤبر وقت الأخذ وإن كان المبيع نخلا مع أرض لم تؤبر فإن ثمرته المتجددة بعد البيع للمشتري ، ولا يكون عدم تأبيرها موجبا لتبعيتها للشقص في الشفعة فيأخذها الشفيع ، خلافا للشيخ حيث حكم بذلك ، لكون الثمرة قبل التأبير تتبع الأصل في البيع وتجري مجرى الجزء‌

٤٢٧

وعلى الشفيع التبقية إلى وقت أخذه مجانا ، أما المتصل فللشفيع.

ولو كان الطلع غير مؤبر وقت الشراء فهو للمشتري ، فإن أخذه الشفيع بعد التأبير أخذ الأرض والنخل دون الثمرة بحصتهما من الثمن.

______________________________________________________

فيكون للمشتري (١) ، وهو ضعيف ، لأن الحكم يثبت في البيع على خلاف الأصل بالنص (٢) فإن الثمرة ليست جزءا من الشجرة فإلحاق الشفعة به في ذلك قياس ، واحترز بـ ( المنفصل ) عن المتصل ككبر الشجرة وزيادة أغصانها ، فإن ذلك جزء حقيقة ، وسيأتي في قول المصنف : ( أما المتصل فللشفيع ).

قوله : ( وعلى الشفيع التبقية إلى وقت أخذه مجانا ).

لما سبق بيانه في الزرع.

قوله : ( ولو كان الطلع غير مؤبر وقت الشراء فهو للمشتري ، فإن أخذه الشفيع بعد التأبير أخذ الأرض والنخل دون الثمرة بحصتهما من الثمن ).

لا ريب ان الطلع إذا كان غير مؤبر وقت الشراء كان للمشتري ، فإذا أخذه الشفيع المشفوع فإما أن يأخذه بعد تأبير الطلع أو قبله ، فإن أخذه بعد التأبير فالثمرة للمشتري قطعا ، فيجب أن يسقط من الثمن حصة الطلع منه ، لأنه قد ضم غير المشفوع الى المشفوع.

وطريق ذلك تقويم الجميع ثم تقويم الطلع ، وتنسب قيمته إلى قيمة المجموع ، ثم يسقط من الثمن بهذه النسبة وإن كان الأخذ بالشفعة قبل التأبير ، ولم يصرح المصنف بحكمه هنا ، وفي التذكرة قوي دخوله في الشفعة كما دخل في المبيع فصار بمنزلة النخل في الأرض (٣) ، وفيه نظر ، لأن دخول الطلع في المبيع على خلاف الأصل فلا يلحق به الأخذ بالشفعة ، ثم ان ثبوت‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١١٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٦ حديث ١٠ ، التهذيب ٧ : ٩٨٩ حديث ٣٧٩ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣١٠.

(٣) التذكرة ١ : ٥٩٩.

٤٢٨

ولو ظهر استحقاق الثمن فإن لم يكن معيّنا فالاستحقاق باق ، وإلاّ بطلت الشفعة ، ولا تبطل لو كان المدفوع من الشفيع مستحقا.

ولو ظهر عيب في الثمن المعيّن فرده البائع قدّم حق الشفيع ، فيطالب البائع بقيمة الشقص إن لم يحدث عنده ما يمنع الرد ،

______________________________________________________

الشفعة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على ما لا يعد (١) منقولا.

قوله : ( ولو ظهر استحقاق الثمن فإن لم يكن معينا فالاستحقاق باق ، وإلا بطلت الشفعة ).

لأن الثمن يتعيّن بالتعيين ، فإذا ظهر استحقاقه تبين بطلان البيع فلا شفعة ، بخلال ما لو لم يكن الثمن معينا فإن المدفوع حينئذ لا يتعين كونه الثمن على تقدير الاستحقاق ، بل الثمن أمر كلي في الذمة.

قوله : ( ولا تبطل لو كان المدفوع من الشفيع مستحقا ).

لأن الاستحقاق ثابت بالبيع ، وهو واضح ، لكن هل يكون تملكه باطلا؟

لم يصرح فيه بشي‌ء ، وعلى ما ذكره من أن دفع الثمن شرط لحصول الملك بالأخذ يجب أن يكون تملكه باطلا ، فعلى هذا يراعى في أخذه بعد ذلك الفور على ما سبق اختياره.

قوله : ( ولو ظهر عيب في الثمن المعيّن فرده البائع قدّم حق الشفيع فيطالبه البائع بقيمة الشقص إن لم يحدث عنده ما يمنع الرد ).

إي : لو ظهر عيب في الثمن المعيّن فللبائع رده ، لأن ذلك حق له فلا يسقط لكن لا يسقط حق الشفيع لأنه قد ثبت لكون البيع صحيحا والفسخ طارئ فلا يزول ، فحينئذ يطالب البائع المشتري بقيمة الشقص ، لأنه في حكم التالف. والظاهر أن الواجب قيمته حين الرد ، لأنه حين انفساخ البيع ، وإنما‌

__________________

(١) في « م » : ما بعد.

٤٢٩

وبالأرش إن حدث ، ولا يرجع على الشفيع إن كان أخذه بقيمة العوض الصحيح.

ولو عاد إلى المشتري بهبة وشبهها لم يملك رده على البائع ، ولو طلبه البائع لم تجب‌ إجابته.

______________________________________________________

يثبت للبائع الرد إذا لم يحدث عنده في الثمن عيب يمنع الرد ، وإذا رد وأخذ قيمة الشقص فمن يكون الأخذ في الحقيقة ، أمن البائع أم من المشتري والدرك عليه؟ والمسألة ذات أقسام :

الأول : أن يكون العلم بالعيب والرد بعد أخذ الشفيع من المشتري.

الثاني : أن يكون كل منهما قبل أخذه.

الثالث : أن يكون العلم قبل الأخذ والرد بعده ، وعبارة المصنف هنا مطلقة لكن سيأتي القسمان الأخيران في كلامه بعد ، فلعل مراده هنا هو الأول. واعلم أنه سيأتي في كلام المصنف في القسم الثاني ما يدل على أن الأخذ من المشتري ، حيث رد البائع الثمن والشقص في يد المشتري فيغرم قيمته وإن زادت عن قيمة الثمن.

قوله : ( وبالأرش إن حدث ، ولا يرجع على الشفيع إن كان أخذه بقيمة العوض الصحيح ).

أي فيطالب البائع بقيمة الشقص إن لم يحدث الى آخره ، وبالأرش إن حدث لتعذر الرد حينئذ ، فلا يجوز أن يذهب عليه ما فات من الثمن بالعيب ، فإذا أغرم المشتري الأرش لم يرجع به على الشفيع إن كان قد أخذه بالثمن الصحيح بمثله صحيحا إن كان مثليا ، وإلا فبقيمته إن كان قيميا ، وإن لم يكن أخذه كذلك فله المطالبة بالمثل الصحيح أو بباقي قيمة الصحيح.

قوله : ( ولو عاد إلى المشتري بهبة وشبهها لم يملك رده على البائع ، ولو طلبه البائع لم تجب إجابته ).

٤٣٠

ولو نقصت قيمة الشقص عن قيمة الثمن فالأقرب ان الشفيع لا يرجع بالتفاوت.

ولو كان في يد المشتري فردّ البائع الثمن بالعيب لم يمنع الشفيع ، لسبق حقه ويأخذه بقيمة الثمن ، وللبائع قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة‌

______________________________________________________

أي : لو عاد الشقص بهبة ونحوها لم يكن للمشتري رده والمطالبة بالقيمة ، ولا للبائع رد القيمة وأخذه ، لأن الواجب في ذلك الوقت هو دفع القيمة عوضا وقد دفعها كذلك فملكها البائع وبرئت ذمة المشتري فليس لأحدهما إبطال ذلك.

قوله : ( ولو نقصت قيمة الشقص عن قيمة الثمن فالأقرب ان الشفيع لا يرجع بالتفاوت ).

أي : لو نقصت قيمة الشقص ـ الذي استحق البائع أخذها عند رد الثمن المعيّن لعيب فيه ـ عن قيمة الثمن فالأقرب أن الشفيع لا يرجع بالتفاوت بين قيمة الشقص والثمن إذا كان قد دفعه ، ووجه القرب : ان الشفيع إنما يستحقه بالثمن الذي جرى عليه العقد فلا يتعين حكمه بالرد بالعيب.

وقال الشيخ : يرجع ، لأن العقد قد بطل ، فلم يعتبر ما وقع عليه بل المعتبر ما استقر وجوبه على المشتري (١). وهو ضعيف ، لأن بطلان العقد الطارئ لا يزيل ما ثبت ، لأن العقد لما وقع كان صحيحا فلا يزول مقتضاه ، والظاهر أنه لا فرق بين أن يكون الشفيع قد دفع الثمن أو لا ، فإن لم يكن قد دفع فالذي يقتضيه النظر وجوب دفعه ، وسيأتي ما يدل عليه عن قريب إن شاء الله تعالى ، والحكم في الدرك في قد نبهنا عليه.

قوله : ( ولو كان في يد المشتري فرد البائع الثمن بالعيب لم يمنع الشفيع ، لسبق حقه ويأخذه بقيمة الثمن ، وللبائع قيمة الشقص وإن زادت عن قيمة‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٣٢.

٤٣١

الثمن ولا يرجع المشتري بالزيادة.

ويحتمل تقديم حق البائع ، لأن حقه استند الى وجود العيب الثابت حالة البيع والشفعة تثبت بعده ، بخلاف المشتري لو وجد المبيع معيبا ، لأن حقه استرجاع الثمن وقد حصل من الشفيع فلا فائدة في الرد.

______________________________________________________

عن قيمة الثمن ، ولا يرجع المشتري بالزيادة ).

أي : لو كان الشقص في وقت رد البائع الثمن بالعيب في يد المشتري لم يمنع الشفيع من الشفعة ، لسبق حقه على هذا الرد واستقراره ويأخذه بقيمة الثمن ، أي : بقدره سليما أو بقيمته صحيحا إن كان قيميا ، فيعلم منه أخذه بالمثل صحيحا إن كان مثليا ، ثم يأخذ البائع من المشتري قيمة الشقص ، لامتناع أخذ ثمن غير الأول وقد تعيّن في العقد وإن زادت قيمة الشقص عن قيمة الثمن أو الواجب له هو الثمن المعيّن ، فإذا فات بالرد بالعيب فقيمة الشقص حيث تعذر أخذه منه كالثمن بحق الشفيع ، ولا يرجع المشتري على الشفيع بزيادة قيمة الشقص على الثمن ، لأنه يستحق الأخذ منه بالثمن الذي جرى عليه العقد ، وفي هذا تنبيه على أن الشفيع إنما يأخذ من المشتري.

قوله : ( ويحتمل تقديم حق البائع ، لأن حقه استند الى وجود العيب الثابت حالة البيع والشفعة تثبت بعده ، بخلاف المشتري لو وجد المبيع معيبا ، لأن حقه استرجاع الثمن وقد حصل من الشفيع فلا فائدة في الرد ).

ظاهر كلام التذكرة يقتضي أن هذا الاحتمال إنما هو فيما إذا رد البائع الثمن ، والشقص في يد المشتري لم يأخذه الشفيع (١) ، وكذا صنعه هنا حيث أورده بعد الشروع في هذا القسم ، لكن دليله يقتضي الاطراد في الأقسام كلها ، وتحقيقه : ان الذي سبق في القسم الثاني أيضا تقديم حق الشفيع على‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٩٩‌.

٤٣٢

______________________________________________________

حق البائع.

ويحتمل تقديم حق البائع ، لأن حقه استند الى وجود العيب الثابت حالة البيع ، والشفعة تثبت بعد البيع ، لأنها إنما تثبت بانتقال (١) الملك إلى المشتري فيكون حق البائع أسبق ، وهذا بخلاف حكم المشتري لو وجد المبيع معيبا فإن حق الشفيع لا يبطل إذ لا ينافي حق المشتري ، لأن حق المشتري استرجاع الثمن وقد حصل من الشفيع فلا فائدة في الرد.

وكان قوله : ( بخلاف المشتري ... ) جرى مجرى سؤال مقدّر ، وهذا التوجيه إن تم يقتضي تقديم حق البائع في جميع الصور ، وفيه إشكالان :

الأول : أنا لا نسلّم سبق حق البائع على حق الشفيع ، لأن استحقاق البائع رد الثمن بالعيب فرع دخوله في ملكه ، لأن ما كان ملك الغير لا يملك رده ، ودخوله في ملكه إنما يتحقق بوقوع العقد صحيحا وكالة وفي هذا الوقت تثبت الشفعة ، لأنها تكون مع انتقال المبيع إلى المشتري ولا أسبقية.

ثم إن بقاء حق الشفيع بعد ثبوته يدل عليه وجوده :

الأول : عموم دلائل ثبوت الشفعة للشريك.

الثاني : استصحاب الحال.

الثالث : أصالة عدم قدرة البائع على إبطال حقه.

الرابع : ان فيه جمعا بين الحقين ، لأن البائع يرجع الى قيمة الشقص ، بخلاف ما لو قدمنا حق البائع فإنه يقتضي سقوط حق الشفيع من الشقص أصلا ورأسا عينا وقيمة ، إذ لا يتصور استحقاقه للقيمة.

الثاني : أنا لا نسلم انحصاره فائدة المشتري إذا رد المبيع في استرجاع الثمن ، بل من فوائده أيضا السلامة من درك المبيع لو خرج مستحقا ، فحينئذ‌

__________________

(١) في « م » : بعد انتقال.

٤٣٣

أما لو لم يرد البائع الثمن حتى أخذ الشفيع فإن له رد الثمن ، وليس له استرجاع المبيع ، لأن الشفيع ملكه بالأخذ فلا يملك البائع إبطال ملكه كما لو باعه المشتري لأجنبي.

ولو تلف الثمن المعيّن قبل قبضه : فإن كان الشفيع قد أخذ الشقص رجع البائع بقيمته ، وإلاّ بطلت الشفعة على‌ إشكال.

______________________________________________________

يستوي البائع والمشتري في تطرق الاحتمال الى تقديم حق كل منهما على حق الشفيع أو بالعكس ، والاحتمال ضعيف ، والأصح بقاء الشفعة.

قوله : ( أما لو لم يرد البائع الثمن حتى أخذ الشفيع فإن له رد الثمن ، وليس له استرجاع المبيع ، لأن الشفيع ملكه بالأخذ فلا يملك البائع إبطال ملكه ، كما لو باعه المشتري لأجنبي ).

هذا هو القسم الثالث ، وهو ما إذا علم البائع بالعيب قبل أخذ الشفيع ولم يرده حتى أخذ الشفيع ، وليست العبارة نصا في هذا القسم ، لكن قوله : ( أما لو لم يرد البائع الثمن حتى أخذ الشفيع ) يشعر بعلمه بالعيب وعدم رده حتى أخذ الشفيع ، لأن المفهوم من قوله : ( لم يرد ) ترك الرد باختياره ، ولأنه لو لا ذلك لكان ما ذكره هنا مستدركا لسبق ذكره فإنه بعينه هو ما ذكره أولا ، فإذا حمل هذا على العلم قبل الأخذ وتأخير الرد الى أن أخذه ، والأول على ما إذا لم يعلم ولم يرد إلا بعد الأخذ انتفى الخلل ، ثم إن الحكم بعدم استرجاع البائع المبيع لأن الشفيع ملكه بالأخذ فلا يملك البائع إبطال ملكه ، كما إذا باعه المشتري لأجنبي ، ثم ظهر العيب في الثمن المعيّن فإن البائع لا يملك إبطال ملك الأجنبي قطعا فكذا في حق الشفيع ومثله ما لو قبض أحد المتبايعين وباع ، ثم تلفت العين الأخرى قبل القبض فإن البيع الثاني لا يبطل ، ويرجع صاحب العين المبيعة ثانيا بقيمتها.

قوله : ( ولو تلف الثمن المعيّن قبل قبضه : فإن كان الشفيع قد أخذ الشقص رجع البائع بقيمته ، وإلا بطلت الشفعة على اشكال ).

٤٣٤

ولو ظهر العيب في الشقص : فإن كان المشتري والشفيع عالمين فلا خيار لأحدهما ، وإن كانا جاهلين فإن رده الشفيع تخيّر المشتري بين الرد والأرش ، وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ ، وهل له الأرش؟ قيل : لا ، لأنه استدرك ضلامته ورجع اليه جميع ثمنه فكان كالرد.

______________________________________________________

أي : لو تلف الثمن المعيّن قبل قبض البائع إياه فإن كان الشفيع قد أخذ الشقص بالشفعة لم يبطل أخذه ، ويرجع البائع على المشتري بقيمته ، أي : بقيمة الشقص على ما سبق في نظيره ، وإن كان التلف قبل أخذه (١) بالشفعة بطلت الشفعة على اشكال ينشأ : من بطلان (٢) البيع بتلف الثمن المعيّن والشفعة تابعة له ، ومن سبق استحقاق الشفيع الشفعة على التلف المقتضي للفسخ والأصل بقاؤه ، ولا يلزم من عروض الفسخ بعد صحة البيع وثبوت الشفعة بطلان ما قد ثبت ، فيرجع البائع إلى قيمة الشقص كالأول ، وقال الشيخ ببطلان الشفعة مطلقا (٣).

قوله : ( ولو ظهر العيب في الشقص : فإن كان المشتري والشفيع عالمين فلا خيار لأحدهما ).

إذا ظهر عيب في الشقص بعد الأخذ بالشفعة فلا يخلو : أما أن يكون المشتري والشفيع عالمين به وقت البيع ، أو جاهلين ، أو المشتري عالما خاصة ، أو بالعكس فالأقسام أربعة ، ففي الأول لا خيار لأحدهما ولا أرش وهو ظاهر.

قوله : ( وإن كانا جاهلين ، فإن رده الشفيع تخيّر المشتري بين الرد والأرش ، وإن اختار الأخذ لم يكن للمشتري الفسخ ، وهل له الأرش؟ قيل : لا ، لأنه استدرك ضلامته ورجع اليه جميع ثمنه فكان كالرد ،

__________________

(١) في « م » : الأخذ.

(٢) في « م » : إبطال.

(٣) المبسوط ٣ : ١٣٣.

٤٣٥

ويحتمل ثبوته ، لانه عوض جزء فات من المبيع فلا يسقط بزوال ملكه ، فحينئذ يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره ، وكذا لو علم الشفيع خاصة ،

______________________________________________________

ويحتمل ثبوته ، لأنه عوض جزء فائت من المبيع فلا يسقط بزوال ملكه ).

القسم الثاني : أن يكونا معا جاهلين ، فإن رده الشفيع أو تركه انقطع حقه ، فيتخير المشتري حينئذ بين الرد وطلب الأرش ، وإن اختار أخذه لم يكن للمشتري الفسخ ، لثبوت حق الشفيع فيه ، لكن هل له الأرش؟ قال الشيخ : لا ، لأنه قد استدرك ظلامته برجوع جميع الثمن اليه من الشفيع ، فلم يفت منه شي‌ء ليطالب به (١).

ويحتمل الثبوت ، لأنا لا نسلم انه استدرك ظلامته ، لأن حقه عند البائع لأن الأرش جزء من الثمن عوض جزء فائت من المبيع والأصل بقاؤه ، ولا يجب أن يجعل قدره مما قبضه من الشفيع عوض ما يستحقه عند البائع ، لأن الواقع بين البائع والمشتري معاوضة مستقلة ، كما أن الواقع بين المشتري والشفيع معاوضة مستقلة أيضا فيرجع بالأرش ، وهو الأصح.

وعلى هذا يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره ، لأن الثمن ما يبقى بعد أخذ الأرش ، والى هذا أشار بقوله. ( فحينئذ يسقط عن الشفيع من الثمن بقدره ) فإن كان المشتري قد أخذ الثمن من الشفيع رد عليه قدر الأرش.

واعلم أن قوله : ( فلا يسقط بزوال ملكه ) لا يكاد يكون له دخل في المقصود ، لأن زوال الملك وعدمه لا يعلل به أخذ الأرش وعدمه.

قوله : ( وكذا لو علم الشفيع خاصة ).

هذا هو القسم الثالث ، أي : لو علم الشفيع بالعيب دون المشتري فالحكم كما سبق في الثاني : لا رد للشفيع ، لعلمه ، ولا للمشتري ، لحق‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٢٦.

٤٣٦

ولو علم المشتري خاصة فللشفيع رده وليس له الأرش.

ولو كان المشتري قد اشتراه بالبراءة من كل عيب : فإن علم الشفيع بالشرط فكالمشتري ، والاّ فله الرد.

الفصل الرابع : في مسقطات الشفعة :

وتسقط بكل ما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب على رأي ،

______________________________________________________

الشفيع ، وهل له الأرش؟ فيه قولان ، والأصح أن له ذلك فيسقط عن الشفيع قدره.

قوله : ( ولو علم المشتري خاصة فللشفيع رده وليس له الأرش ).

أما الرد فللعيب مع كونه جاهلا به ، وأما عدم الأرش فلأنه إنما يأخذ بالثمن الذي جرى عليه العقد ، والمشتري لا أرش له ، علمله ، واستحقاق الشفيع الأرش فرع أخذ المشتري إياه.

فرع :

لو كان في المبيع غبن فاحش لم يبعد القول باستحقاق الشفيع رده ، أما المشتري فلا بحث في أن له ذلك.

قوله : ( ولو كان المشتري قد اشتراه بالبراءة من كل عيب : فإن علم الشفيع بالشرط فكالمشتري ، وإلا فله الرد ).

إذا علم الشفيع بالشرط ثم أخذ فقد رضي به ، وإلا كان له الرد ، والظاهر ان المراد جواز الرد وإن لم يظهر عيب ، لأن الشرط المذكور في حكم العيب ويحتمل أن يقال : لا يلزمه حكم الشرط فإذا وجد عيبا رده به ، ويبعد بأنه إنما يأخذ بالبيع الذي وقع من المشتري.

قوله : ( ويسقط بكل ما يعد تقصيرا أو توانيا في الطلب على رأي ).

الرأي يلتفت الى أن الشفعة على الفور ، فكل ما يعد تقصيرا في العادة أو‌

٤٣٧

فإذا بلغه الخبر فلينهض للطلب ، فإن منع بمرض أو حبس في باطل فليوكّل إن لم يكن فيه مؤنة ومنة ثقيلة ، فإن لم يجد فليشهد ، فإن ترك الإشهاد فالأقرب عدم البطلان.

______________________________________________________

توانيا في الطلب يبطل به ، وهو الأصح على ما سبق.

قوله : ( فإذا بلغه الخبر فلينهض للطلب ، فإن منع بمرض أو حبس في باطل فليوكل إن لم يكن فيه مؤنة ومنة ثقيلة ).

لا ريب أنه على الفور يتعين عليه إذا بلغه الخبر بوقوع البيع أن ينهض للطلب حذرا من بطلان الشفعة ، فإن منع بعذر لا ينتظر زواله عن قريب كالمرض له ، أو لمن لا يستطيع مفارقته ، أو حبس في باطل ، ومنه الحبس في الدين مع العجز ، وكذا الغائب في بلد يتوقف مجيئه منه الى زمان كثير فليوكل ، حذرا من بطلان الشفعة بتركه ان لم يكن فيه مؤنة ومنة ثقيلة وليس ببعيد ان يجعل ثقيلة صفة لكل منهما على طريق البدل فلا أثر للمؤمنة القليلة عرفا وكذا المنة اليسيرة فإن أخل بذلك مع الإمكان على ما ذكرنا بطلت شفعته.

قوله : ( فإن لم يجد فليشهد ، فإن ترك الإشهاد فالأقرب عدم البطلان ).

أي : فإن لم يجد الى التوكيل سبيلا فينبغي له الإشهاد ، فإن ترك ففي البطلان قولان :

أحدهما : لا وهو الأقرب عند المصنف ، لأن الحق قد ثبت والأصل بقاؤه ، ولأن فائدة الإشهاد ثبوت العذر ، وقد يثبت بإقرار المشتري أو يمين الشفيع على نفي التقصير ، لأن الأصل معه فلا أثر لتركه ، ولعموم دلائل الشفعة المتناولة لمحل النزاع.

والآخر : السقوط ، لأن الإشهاد قائم مقام الطلب فتركه بمنزلة تركه وفي المقدمتين منع.

٤٣٨

ولو بلغه متواترا أو بشهادة عدلين فقال : لم اصدّق بطلت شفعته ، ويقبل عذره لو أخبره صبي أو فاسق أو عدل واحد.

______________________________________________________

فإن قيل : لو قال قائل بأن الأخذ بالشفعة لا يتوقف على دفع الثمن أمكن وجوب الاشهاد هنا.

قلنا : الظاهر انه إنما يملك به مع حضور المشتري أو وكيله ، كما أن الطلب لا يعتد به إلا بحضور المشتري أو وكيله.

أقول : إن هذا لا يخلو من شي‌ء ، لأن الملك إذا كان يكفي فيه القول فأين وقع أثمر الملك كالفسخ لذي الخيار ، إلا أن القوم مطبقون على وجوب السعي إلى المشتري ، والقائلون بالفور جعلوه على الفور ، لكن قال في التذكرة : ولو لم يتمكن من المصير إلى أحدهما ـ يريد بهما المشتري والقاضي ـ ، ولا من الاشهاد فهل يؤمر أن يقول : تملكته أو أخذته؟ الأقرب ذلك ، لأن الواجب الطلب عند القاضي أو المشتري ، فإذا فات القيد لم يسقط الآخر ، وللشافعية وجهان ، فعلى ما تحقق من حكم الأخذ ما ذكره هنا متجه.

قوله : ( ولو بلغه متواترا ، أو بشهادة عدلين فقال : لم أصدق بطلت شفعته ).

إذا علم حصول التواتر المفيد للعلم وعدالة الشاهدين فإن عدم تصديقه الآن مكابرة ، نعم لو كان قريب عهد بالإسلام فقال : لم اعلم أن شهادة العدلين تثمر اليقين شرعا أمكن القبول.

قوله : ( ويقبل عذره لو أخبره صبي ، أو فاسق ، أو عدل واحد ).

لأن واحدا من هؤلاء لا يثمر خبره اليقين عقلا ولا شرعا.

٤٣٩

ولو أخبره مخبر فصدقه ولم يطالب بالشفعة بطلت وإن لم يكن عدلا ، لأن العلم قد يحصل بالواحد للقرائن.

ولو أسقط حقه من الشفعة قبل البيع ، أو نزل عنها ، أو عفا ، أو أذن فالأقرب عدم السقوط. وكذا لو كان وكيلا لأحدهما في البيع ، أو شهد على البيع ، أو بارك لأحدهما في عقده ، أو أذن للمشتري في الشراء ، أو‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو أخبره مخبر فصدقه ولم يطالب بالشفعة بطلت وإن لم يكن عدلا ، لأن العلم قد يحصل بالواحد للقرائن ).

ويعلم تصديقه باعترافه ، لعدم إمكان الإطلاق عليه إلا من قبله.

قوله : ( ولو أسقط حقه من الشفعة قبل البيع ، أو ترك عنها ، أو عفى ، أو أذن فالأقرب عدم السقوط ).

لو أسقط حقه من الشفعة قبل البيع ، أو ترك عنها قبله ـ بمعنى أنه تركها ـ أو عفى عنها ( قبله ) ، أو أذن في البيع فالأقرب عدم السقوط ، لأنه لم يستحق حينئذ شيئا فيسقطه. وقال الشيخان ، وابن حمزة : لو عرض البائع الثمن على صاحب الشفعة فلم يرده فباعه من غيره بذلك الثمن أو زائدا عليه لم تكن له المطالبة بالشفعة (١) ، وفي الدروس : إن في رواية جابر (٢) إيذانا به (٣) ، ولم يرجّح شيئا ، والأول أصح ، تمسكا بعموم دلائل الشفعة (٤) ، وإسقاط الحق قبل استحقاقه لا أثر له.

قوله : ( وكذا لو كان وكيلا لأحدهما في البيع ، أو شهد على البيع ، أو بارك لأحدهما في عقده ، أو أذن للمشتري في عقد الشراء ، أو ضمن‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٦ ، النهاية : ٤٢٥ ، الوسيلة : ٢٩٩.

(٢) سنن أبي داود ٣ : ٢٨٥ حديث ٣٥١٣ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٤.

(٣) الدروس : ٣٩٠.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٣٠.

٤٤٠