جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

د : لو عفا أحد الشركاء كان للباقي أخذ الجميع أو الترك ، سواء كان واحدا أو أكثر.

ولو وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره لم يصح ، ولو باع شقصا من ثلاثة دفعة فلشريكه أن يأخذ من الثلاثة ومن اثنين ومن واحد ، لأنه بمنزلة عقود المتعددة ، فإذا أخذ من واحد لم يكن للآخرين مشاركته ، لعدم سبق الملك على استحقاق‌ الشفعة.

______________________________________________________

مشفوعة بالشفعة ، ولا مانع منه (١) ، واختاره المصنف في المختلف تفريعا على القول بالثبوت مع الكثرة (٢) ، وهو الأصح تفريعا.

قوله : ( لو عفا أحد الشركاء كان للباقي أخذ الجميع أو الترك ، سواء كان واحدا أو أكثر ).

لأنه لا يجوز تبعيض الصفقة على المشتري في الشقص المشفوع.

قوله : ( ولو وهب بعض الشركاء نصيبه من الشفعة لبعض الشركاء أو غيره لم يصح ).

لأنه لم يملك شيئا ، وإنما ملك أن يملك.

قوله : ( ولو باع شقصا من ثلاثة دفعة فلشريكه أن يأخذه من الثلاثة ، ومن اثنين ، ومن واحد ، لأنه بمنزلة عقود متعددة ).

لأن الصفقة تتعدد بتعدد المشتري ، ومتى تعددت العقود كان بالخيار في الأخذ بالشفعة في الجميع والبعض.

قوله : ( فإذا أخذ من واحد لم يكن للآخرين مشاركته ، لعدم سبق الملك على استحقاق الشفعة ).

__________________

(١) المبسوط ٣ : ١٣٨.

(٢) المختلف : ٤٠٨.

٣٨١

ولو رتّب فللشفيع الأخذ من الجميع ومن البعض ، فإن أخذ من السابق لم يكن للاّحق المشاركة ، وإن أخذ من اللاحق شاركه السابق.

ويحتمل عدم المشاركة ، لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق أخذه بالشفعة ، فلا يكون سببا في استحقاقها ، فلو أخذ من الجميع لم يشاركه‌

______________________________________________________

وتملكهم إنما يثبت في زمان واحد ، لأن الغرض أن العقد للجميع واحد.

قوله : ( ولو رتب فللشفيع الأخذ من الجميع ، ومن البعض ).

المراد بالشفيع : هو شريك البائع ، ووجه استحقاقه من الجميع أو البعض (١) تعدد الصفقة وكونه شريكا عند كل بيع.

قوله : ( فإن أخذ من السابق لم يكن للاّحق المشاركة ).

أي : إن أخذ من السابق بالشراء على غيره من الثلاثة لم يكن للاحق المشاركة ، لأنه لم يكن شريكا في وقت شراء الأول فلا شفعة له.

قوله : ( وإن أخذ من اللاحق شاركه السابق ).

لكونه شريكا في وقت شراء السابق فيستحق الشفعة.

قوله : ( ويحتمل عدم المشاركة ، لأن ملكه حال شراء الثاني يستحق أخذه بالشفعة فلا يكون سببا في استحقاقها ).

أي : لأن ملك المشتري الأول ـ وهو السابق حال شراء الثاني ، وهو اللاحق له ـ مستحق للشفيع فلا يكون سببا في استحقاق المشتري إياها. وليس بشي‌ء ، لأن كونه ملكا مستحقا أخذه بالشفعة لا يخرجه عن كونه شريكا ، ومدار ثبوت الشفعة على الشركة.

قوله : ( ولو أخذ من الجميع لم يشاركه أحد ).

__________________

(١) في « م » : والبعض‌.

٣٨٢

أحد.

ويحتمل مشاركة الأول الشفيع في شفعة الثاني ، ومشاركة الشفيع والأول والثاني في شفعة الثالث ، لأنه كان ملكا صحيحا حال شراء الثالث ، ولهذا يستحق لو عفا عنه ، فكذا إذا لم يعف لأنه استحق الشفعة بالملك لا بالعفو ، كما لو باع الشفيع قبل علمه

______________________________________________________

أما دفعة واحدة أو على الترتيب ، لكن قبل أن يأخذ معه أحد منهم على القول بثبوتها للسابق اعتبارا بشركته ، وذلك لخروجه عن كونه شريكا قبل الأخذ بالشفعة فزال سبب الاستحقاق فيزول ، لاستحالة بقاء المسبب مع زوال سببه.

قوله : ( ويحتمل مشاركة الأول الشفيع في شفعة الثاني ، ومشاركة الشفيع والأول والثاني في شفعة الثالث ، لأنه كان ملكا صحيحا حال شراء الثالث ، ولهذا يستحق لو عفا عنه ، فكذا إذا لم يعف لأنه استحق الشفعة بالملك لا بالعفو كما لو باع الشفيع قبل علمه ).

أي : ويحتمل فيما لو أخذ من الجميع قبل أخذ المستحق إن قلنا بالاستحقاق بقاء شفعته (١) وإن أخذ منه بالشفعة فيشترك الشفيع والمشتري الأول في شفعة الثاني ، لأنهما شريكان في وقت شراء الثاني ، ويشترك الشفيع والمشتري الأول والثاني في شفعة الثالث. ووجه هذا الاحتمال : أن الشقص كان ملكا صحيحا للأول حال شراء الثاني ، وله وللثاني حال شراء الثالث فيستحق به ، فإنه يستحق لو عفا عنه ، فكذا إذا لم يعف ، لأنه استحق الشفعة بالملك لا بالعفو والملك تحقق في الموضعين. ومثله ما لو باع الشفيع حصته قبل علمه بالشفعة ، فإن فيه وجهين سيأتيان إن شاء الله تعالى.

ويضعّف بأن الاستحقاق وإن كان بالملك إلا أن العفو عنه ، وعدم أخذ الشقص من يده بالشفعة قرره وأكد سببه ، وعدم العفو عنه والأخذ منه أزال سببه‌

__________________

(١) في « ق » : باستحقاق شفعة.

٣٨٣

فحينئذ للشفيع سدس الأول وثلاثة أرباع سدس الثاني وثلاثة أخماس الثالث ، وللأول ربع سدس الثاني وخمس الثالث ، وللثاني خمس الثالث فتصح من مائة وعشرين : للشفيع مائة وسبعة ، وللأول تسعة ، وللثاني أربعة ،

______________________________________________________

فلا يستويان. ثم إن فرض الاستحقاق في هذه المواضع مشروط بعدم منافاة الفور على القول بالفورية.

قوله : ( فحينئذ للشفيع سدس الأول وثلاثة أرباع سدس الثاني وثلاثة أخماس الثالث ).

أي : فحين إذا قلنا بالثبوت لكل من المشتري الأول والثاني وان أخذ منهم فللشفيع سدس الأول ، أي : سهمه الذي اشتراه ، أعني : ثلث النصف وهو سدس الأصل وثلاثة أرباع سدس الثاني ، لأن شريكه فيه الأول وسهمه سدس ، وسهم الشفيع نصف فتكون سهامها أربعة ، فإذا وزع على السهام كان قسط الشفيع ثلاثة أرباع ، وكذا ثلاثة أخماس سهم الثالث ، لأن له شريكين الأول والثاني ولكل منهما سدس إذا جمعا الى ماله وهو النصف كانت السهام خمسة فنصيبه بالتوزيع ثلاثة أخماس.

قوله : ( وللأول ربع سدس الثاني وخمس الثالث وللثاني خمس الثالث فيصح من مائة وعشرين : للشفيع مائة وسبعة وللأول تسعة وللثاني أربعة ).

إنما كان للأول ربع سدس الثاني وخمس الثالث ، لأن شريكه في الأول هو الشفيع واستحق ثلاثة أرباع ، وفي الثاني شريكه الشفيع والثالث وللشفيع ثلاثة أخماس وللآخر خمس وله خمس الثالث ، وإنما كانت من مائة وعشرين ، لان مخرج السهام المبيعة ستة وقد انكسر السدس تارة في مخرج الربع وتارة في مخرج الخمس ، وهما متباينان ومضروبهما ـ وهو عشرون في ستة ـ مائة وعشرون ، للشفيع ستون بالشركة وعشرون سدس الأول ، وخمسة عشر ثلاثة‌

٣٨٤

وعلى الآخر للأول نصف سدس الثاني وثلث الثالث ، وللثاني ثلث الثالث فتصح من ستة وثلاثين : للشفيع تسعة وعشرون ، وللأول خمسة ، وللثاني اثنان.

هـ : لو باع أحد الأربعة وعفا آخر فللآخرين أخذ المبيع.

ولو باع ثلاثة في عقود ثلاثة ، ولم يعلم الرابع ولا بعضهم ببعض فللرابع الشفعة في الجميع ،

______________________________________________________

أرباع سدس الثاني واثنا عشر ثلاثة أخماس سدس الثالث ، وذلك ما ذكره ومنه يعلم الباقي.

قوله : ( وعلى الآخر للأول نصف سدس الثاني وثلث الثالث ، وللثاني ثلث الثالث فتصح من ستة وثلاثين ، للشفيع تسعة وعشرون ، وللأول خمسة ، وللثاني اثنان ).

أي : على القول الآخر : وهو أن الشفعة مع الكثرة على عدد الرؤوس للشفيع نصف سدس الثاني مع سدس الأول جميعه وثلث سدس الثالث ، وللأول والثاني ما ذكره فتصح من ستة وثلاثين ، لأن الأصل ستة وقد انكسر السدس تارة في مخرج النصف وتارة في مخرج الثالث وهما متباينان ، ومضروبهما ستة ، ومضروبها في الأصل ستة وثلاثون ، للشفيع بالشركة ثمانية عشر ، وبالشفعة ستة وثلاثة واثنان ، وذلك ما ذكره ، والباقي ظاهر.

قوله : ( لو باع أحد الأربعة وعفا آخر فللآخرين أخذ المبيع ).

أي : بالشفعة لانحصار الشفعة فيهما.

قوله : ( ولو باع ثلاثة في عقود ثلاثة ولم يعلم الرابع ولا بعضهم ببعض فللرابع الشفعة في الجميع ).

إنما قيد بعدم علم بعضهم ببعض ، لأن من باع ملكه بعد علمه‌

٣٨٥

وفي استحقاق الثاني والثالث فيما باعه الأول واستحقاق الثالث فيما باعه الثاني وجهان.

وفي استحقاق مشتري الربع الأول فيما باعه الثاني والثالث ، واستحقاق الثاني شفعة الثالث ثلاثة أوجه : الاستحقاق ، لأنهما مالكان حال البيع ، وعدمه ، لتزلزل الملك ، وثبوته للمعفو عنه خاصة ، فإن أوجبناه للجميع فللذي لم يبع ثلث كل ربع ، لأن له شريكين فصار له الربع مضموما الى ملكه فكمل له‌ النصف

______________________________________________________

باستحقاقه الشفعة تسقط شفعته ، واما الرابع فعدم علمه غير شرط ، نعم يشترط أن لا يكون له مسقط آخر من منافاة الفور ونحوه فإنه قد يعلم بالحال ، ولا ينافي عدم أخذه الفورية لبعده ونحوه.

قوله : ( وفي استحقاق الثاني والثالث فيما باعه الأول ، واستحقاق الثالث فيما باعه الثاني وجهان ).

هما الوجهان فيمن باع حقه من الشركة وقد استحق الشفعة وهو لا يعلم ، ولا ريب أن الأول لا حق له ، لأنه باع ملكه قبل الجميع وقد كان شريك الشفيع حينئذ الثاني والثالث ، وفي وقت بيع الثاني كان شريك الشفيع الثالث خاصة.

قوله : ( وفي استحقاق مشتري الربع الأول فيما باعه الثاني والثالث ، واستحقاق الثاني شفعة الثالث ثلاثة أوجه : الاستحقاق ، لأنهما مالكان حال البيع ، وعدمه ، لتزلزل الملك ، وثبوته للمعفو عنه خاصة ).

إنما كان تزلزل الملك مانعا لكونه بمعرض الزوال لكون أخذه مستحقا بالشفعة ، وفي الوجه الثالث قوة فإن الشركة حال البيع ثابتة فيستحق بها الشفعة ، ولا يضر تزلزل الملك لكن زوالها قبل الأخذ موجب لبطلان الاستحقاق.

قوله : ( فإن أوجبناه للجميع فللذي لم يبع ثلث كل ربع ، لأن له شريكين فصار له الربع مضموما الى ملكه فكمل له النصف ).

٣٨٦

وللبائع الثالث والمشتري الأول الثلث لكل منهما سدس ، لأنه شريك في شفعة مبيعين ، وللبائع الثاني والمشتري الثاني السدس لكل منهما نصفه ، لأنه شريك في شفعة بيع واحد ،

______________________________________________________

أي : فإن أوجبنا الاستحقاق للشريكين الآخرين وهما البائع الثاني والثالث والمشتريين الأول والثاني وهم مراده بالجميع ، لأن البائع الأول والمشتري الثالث لا يتصور لهم الشفعة هنا ، لخروج الأول عن الشركة قبل حدوث بيع وتأخر تملك الثاني عن البيوع كلها ، فللذي لم يبع وهو الشفيع الأصلي ثلث كل ربع ، لأنه في كل مرتبة من مراتب البيع كان له شريكان ، ففي المرتبة الأولى شريكه البائع الثاني والثالث ، وفي المرتبة الثانية شريكه المشتري الأول والبائع الثالث ، وفي الثالثة شريكه المشتري الأول والثاني ، والفرض أن سهم كل منهم ربع فيستوون في الاستحقاق ، فإذا ضم ثلث كل ربع في المراتب الثلاث والثابت للشفيع الى ملكه وهو الربع كمل له النصف.

قوله : ( وللبائع الثالث والمشتري الأول الثلث لكل منهما سدس ، لأنه شريك في شفعة مبيعين ).

وذلك لأن الثالث شريك حين البيع الأول والثاني فتكون له شفعة فيهما ، والمشتري الأول شريك حين البيع الثاني والثالث فنصيب كل منهما ثلث كل من الربعين ، وثلث الربع نصف سدس الأصل فثلثاه سدس فيكون لهما ثلث الأصل.

قوله : ( وللبائع الثاني والمشتري الثاني السدس لكل منهما نصفه ، لأنه شريك في شفعة بيع واحد ).

لأن البائع الثاني إنما كان شريكا في وقت بيع الأول خاصة ، والمشتري الثاني إنما كان شريكا في وقت بيع الثالث ، فنصيب كل واحد منهما ثلث ربع وهو نصف سدس فيكون لهما سدس الأصل.

٣٨٧

ويصح من اثني عشر.

و : لو كان الشفعاء الأربعة غيّبا فحضر أحدهم أخذ الجميع وسلّم كل الثمن أو ترك ، فإن حضر آخر أخذ من الأول النصف أو ترك ، فإن حضر الثالث أخذ الثلث أو ترك ، فإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك

ولو قيل : إن الأول يأخذ الجميع أو يترك ، أما الثاني فله أخذ حقه خاصة ، لأن المفسدة ـ وهي تبعيض الصفقة على المشتري ـ منتفية هنا أو أخذ النصف كان وجها ، فإن امتنع الحاضر أو عفا لم تبطل الشفعة ، وكان للغائبين أخذ الجميع ، وكذا لو عفا ثلاثة أو امتنعوا فللرابع الجميع إن شاء‌

______________________________________________________

قوله : ( فتصح من اثني عشر ).

لأنها مخرج نصف السدس ، وهو أدق كسر في المسألة.

قوله : ( لو كان الشفعاء الأربعة غيّبا فحضر أحدهم أخذ الجميع وسلّم كل الثمن أو ترك ، فإن حضر آخر أخذ من الأول النصف أو ترك ، فإن حضر الثالث أخذ الثلث أو ترك ، فإن حضر الرابع أخذ الربع أو ترك ).

وجه هذا أن كل واحد منهم عند المطالبة هو الشفيع مع من أخذ من شركائه لعدم العلم بأخذ الغائب لإمكان عفوه ، فليس له أن يأخذ بعض استحقاقه ، لأن الشفعة مبنية على القهر فيقتصر فيها على موضع الوفاق ، وتخير الشفيع الآخرين بين أخذ الحصة باعتبار أخذ الغائب وعدمه لم يدل عليه دليل فينتفي ، وفي هذا قوة ، فلا يكون ما جعله المصنف وجها أوجه.

قوله : ( ولو قيل : إن الأول يأخذ الجميع أو يترك ، أما الثاني فله أخذ حقه خاصة ـ لأن المفسدة وهي تبعيض الصفقة على المشتري ـ منتفية هنا ـ أو أخذ النصف كان وجها ).

٣٨٨

ولو حضر الثاني بعد أخذ الأول فأخذ النصف وقاسم ، ثم حضر الآخر وطالب فسخت القسمة ، ولو رده الأول بعيب فللثاني أخذ الجميع ، لأن الرد كالعفو.

ويحتمل سقوط حقه من المردود ، لأن الأول لم يعف بل رد بالعيب ، فكان كما لو رجع الى المشتري ببيع أو هبة ،

______________________________________________________

( أخذ النصف ) معطوف على ( أخذ حقه ) وما بينهما معترض ، ولقائل‌ أن يقول : إن تبعيض الصفقة على المشتري من حيث عدم العلم بأن الغائبين يأخذون أم لا ، ولزوم تجزئة الثمن [ على ] (١) تقدير أخذهم لا شبهة في أنه محذور ومانع ، إلا أن مثله آت في حق الشفيع لعدم العلم بأخذ الغائب ، فكانت الشفعة منحصرة فيمن حضر وطالب ، وكما أن ثبوتها قهري فكذلك تقسيطها إما على عدد الرؤوس أو السهام قهري فلا اختيار للحاضر.

قوله : ( ولو حضر الثاني بعد أخذ الأول فأخذ النصف وقاسم ، ثم حضر الآخر وطالب فسخت القسمة ).

لأن حقه شائع في المأخوذ لكل منهما.

قوله : ( ولو رده الأول بعيب فللثاني أخذ الجميع ، لأن الرد كالعفو ).

هذا هو المعتمد على القول ، لأن الرد بالعيب فسخ للأخذ لا إنشاء سبب للملك جديد ، فيكون مقتضيا لإسقاط حقه من الشفعة.

قوله : ( ويحتمل سقوط حقه من المردود ، لأن الأول لم يعف بل رد بالعيب ، فكان كما لو رجع الى المشتري ببيع أو هبة ).

لا شبهة في ضعف هذا ، لأن الأول وإن لم يعف إلا أن الرد بالعيب‌

__________________

(١) في النسختين الخطبتين : العقود ، وما أثبتناه من الحجرية ، وهو الصحيح.

٣٨٩

ولو استغلها الحاضر ثم حضر الثاني شاركه في الشقص دون الغلة.

ولو قال الحاضر : لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته على اشكال ، وإذا دفع الحاضر الثمن فحضر الغائب دفع إليه النصف ، فإن خرج المبيع مستحقا فدرك الثاني على المشتري دون الشفيع الأول ، لأنه‌ كالنائب.

______________________________________________________

اقتضى سقوط حقه من الشفعة فجرى مجرى العفو (١). وأيضا فالرد بالعيب فسخ للأخذ قطعا لا إنشاء سبب جديد للملك ، فكيف ساوى العود إلى المشتري بالبيع والهبة؟

قوله : ( ولو استغلها الحاضر ثم حضر الثاني شاركه في الشقص دون الغلة ).

المراد بـ ( استغلها ) : انه أخذ غلتها وإنما لم يشاركه في الغلة ، لأنها نماء ملك المستقل ، والملك يتجدد لمن حضر بعده أخذه.

قوله : ( ولو قال الحاضر : لا آخذ حتى يحضر الغائب لم تبطل شفعته على اشكال ).

ينشأ : من أنه ترك الأخذ باختياره فتبطل شفعته ، ومن أن التأخير لعذر وهو خوف قدوم الغائب فينتزعه منه. ويشكل بالتردد في كون ذلك عذرا ، فإن ضرره لا يدفع بضرر المشترى ، ولأن الشفعة مبنية على القهر فيقتصر فيها على موضع اليقين ، وينبغي البطلان بالتأخير لذلك.

قوله : ( وإذا دفع الحاضر الثمن فحضر الغائب دفع إليه النصف ، فإن خرج المبيع مستحقا فدرك الثاني على المشتري دون الشفيع الأول ، لأنه كالنائب ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٦٠٧.

٣٩٠

ز : لو كان الشفعاء ثلاثة فأخذ الحاضر الجميع ، ثم قدم أحد الغائبين وسوغنا له أخذ حقه خاصة أخذ الثلث ، فإن حضر الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، فيضيفه الى ما في يد الأول ويقسمانه نصفين

______________________________________________________

إنما كان كالنائب لأنه قبل أخذه من المشتري كانت الشفعة مستحقة للجميع على المشتري والدرك عليه ، فأخذ الشفيع لم يغير هذا الحكم لبقاء الاستحقاق ، وينبغي أن يكون هذا الحكم فيما عدا الثمن وهو ما يغرمه من اجرة ونقص ونحوهما ، أما الثمن فيسترد كل ما سلمه ممن سلمه إليه كما نبه عليه في التذكرة ، وحكاه عن بعض العامة (١) ، وهو جيد.

قوله : ( لو كان الشفعاء ثلاثة فأخذ الحاضر الجميع ، ثم قدم أحد الغائبين ، وسوغنا له أخذ حقه خاصة أخذ الثلث ، فإن حضر الثالث فله أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده ، فيضيفه الى ما في يد الأول ويقتسمانه نصفين ).

قد سبق انّا لا نسوغ له ذلك لكن تفريعا على ذلك ، فإذا أخذ الثلث وحضر الثالث فحقه في يديهما ، لأن حقه ثابت في كل جزء ، ولكل من الشفيعين يد على العين بمقدار ما أخذ ، فحينئذ يكون أخذه بشي‌ء من استحقاقه وشي‌ء من استحقاق الثالث فيكون عافيا عن بعض حقه للأول ، ولذلك قال بعض الشافعية : تبطل شفعته (٢) ، لأنه لما عفا عن بعض حقه وجب أن يبطل جميع حقه ، واحتمل في الدروس أن لا يأخذ الثالث من الثاني شيئا ، بل يقسّم ما في يد الأول بينه وبين الثالث نصفين ، فلا يكون أخذه للثلث عفوا عن شي‌ء من حقه وإنما أخذه كمال حقه (٣) ولا بعد في ذلك إذ لم يأخذ شيئا معينا بل امرا‌

__________________

(١) انظر : فتح العزيز مع المجموع ١١ : ٤٨٥ ـ ٤٨٦.

(٢) فتح العزيز ١١ : ٤٨٦.

(٣) الدروس : ٣٩٥.

٣٩١

فتصح من ثمانية عشر ، لأن الثالث أخذ من الثاني ثلث الثلث ومخرجه تسعة ، وليس للسبعة نصف فنضرب اثنين في تسعة : للثاني أربعة ولكل من الباقيين سبعة ، لأن الثاني ترك سدسا كان له أخذه وحقه منه ثلثاه وهو التسع فيتوفر على شريكه في الشفعة ، والأول والثالث متساويان في الاستحقاق ولم يترك أحدهما شيئا من حقه فيجمع ما معهما ويقسم بينهما.

______________________________________________________

كليا وإلا لبطل حقه بالعفو عن البعض.

إذا عرفت هذا فقول المصنف : ( وسوّغنا له أخذ حقه خاصة أخذ الثلث ) لا يجري على ظاهره ، لأنه بناء على ما ذكره يأخذ قدر حقه وليس حقه ، لأن للثالث فيه حقا. ويندفع هذا بأن نسبة حق الثالث الى ما في يد الآخرين على حد سواء ، فكيف يجعل حقه مما في يد أحدهما دون الآخر ، مع أن حقه شائع فلا سبيل الى ذلك حتى لو أحدثا في العين حدثا يستحق الشفيع المطالبة به طالبهما معا؟

قوله : ( فتصح من ثمانية عشر ، لأن الثالث أخذ من الثاني ثلث الثلث ومخرجه تسعة ، وليس للسبعة نصف فنضرب اثنين في تسعة ، للثاني أربعة ، ولكل من الباقين سبعة ، لأن الثاني ترك سدسا كان له أخذه وحقه منه ثلثاه وهو التسع فيتوفر على شريكه في الشفعة ، والأول والثالث متساويان في الاستحقاق ولم يترك أحدهما شيئا من حقه فيجمع ما معهما ويقسم بينهما ).

أي : فتصح مسألتهم من ثمانية عشر بالنسبة إلى الجزء المشفوع لا بالنسبة إلى مجموع العقار ، وذلك لأن الثاني أخذ الثلث وذلك يستدعي كون الشقص ثلاثة ، والثالث يطلب من الثاني ثلث الثلث ومخرجه مضروب مخرج أحد الكسرين في الآخر ، أعني مضروب ثلاثة في ثلاثة وذلك تسعة ، فيبقى‌

٣٩٢

ح : لو اشترى واحد من اثنين شقصا فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر وإن تبعضت الصفقة على المشتري ، ولا خيار له.

______________________________________________________

في يد الثاني سهمان منهما ، وفي يد الأول ستة ، وفي يد الثالث سهم ، فيضم ما في يد الثالث الى ما في يد الأول ويقتسمانه لاستوائهما في الاستحقاق وذلك سبعة ، وليس لهما نصف صحيح فانكسرت في مخرج النصف ، فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر ، للثاني منهما أربعة ولكل من الباقين سبعة.

وإنما قلنا : إن للثاني أربعة ولكل من الآخرين سبعة ، لأن الثاني كان يستحق أخذ النصف وهو تسعة ، فترك سدسا وهو ثلاثة ، حقه منه ثلثاه وهو سهمان ، وأخذ ستة حقه منها أربعة فيتوفر ثلث السدس المتروك ، أعني التسع على شريكه في الشفعة وهو المتروك له ، والأول والثالث متساويان في الاستحقاق ، ولم يترك أحدهما شيئا من حقه فيجمع ما معهما ويقسم بينهما.

ولا يقال : إن الأول يختص بالمتروك ، لأنه لا يملك لواحد ، بل إذا تركه المستحق استحقه الشركاء فقوله : ( فيتوفر على شريكه ) لا يراد به واحد من الشريكين ، بل الجنس بدليل قوله : ( والأول والثالث متساويان في الاستحقاق ... ).

قوله : ( لو اشترى واحد من اثنين شقصا فللشفيع أخذ نصيب أحدهما دون الآخر وإن تبعضت الصفقة على المشتري ).

في الحقيقة لا تبعيض ، لأن الصفقة تتعدد بتعدد البائع وإن اتحد العقد والمشتري ، ففي العبارة تسامح.

قوله : ( ولا خيار له ).

لما قلناه من تعدد الصفقة بحسب الواقع ، فلا يكون الأخذ بأحد العقدين منافيا لما وقع عليه العقد الآخر.

٣٩٣

ولو اشترى اثنان نصيب واحد فللشفيع أخذ نصيب أحدهما بعد القبض وقبله.

ولو وكّل أحد الثلاثة شريكه في بيع حصته مع نصيبه فباعهما لواحد فللثالث أخذ الشفعة منهما ومن أحدهما.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اشترى اثنان نصيب واحد فللشفيع أخذ نصيب أحدهما بعد القبض وقبله ).

لتعدد الصفقة بتعدد المشتري ، سواء كان ذلك بعد قبض المبيع أو قبله (١) ، لتحقق انتقال الملك الموجب لثبوت الشفعة ، وفي حواشي شيخنا الشهيد : انه يمكن عدم إلحاق هذه بالكثرة ، لأن الاستحقاق غير مسبوق بالكثرة فلا تكون مانعة ، فتحتمل الكثرة المانعة على الكثرة السابقة على العقد ، ويشكل بأن ظاهر قوله عليه‌السلام : « فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة » (٢).

قوله : ( ولو وكّل أحد الثلاثة شريكه في بيع حصته مع نصيبه فباعهما لواحد فللثالث أخذ الشفعة منهما ومن أحدهما ).

إذا باع الوكيل نصيبه ونصيب موكله لواحد كان ذلك بمنزلة بيعين فلا تكون الصفقة واحدة ، ثم انه ليس للوكيل ولا للموكل شفعة على الآخر ، لعدم الأولوية لأنهما بائعان فخرجا عن الشركة ، بل الشفعة للثالث وهو مخير إن شاء أن يأخذ مجموع النصيبين وإن شاء أن يأخذ أحدهما ، نظرا الى تعدد البيع بتعدد البائع ، خلافا لبعض الشافعية ، لأن العاقد واحد.

واعلم ان في قوله : ( فللثالث أخذ الشفعة منهما ومن أحدهما ) تسامحا ، لأن الأخذ إنما يكون من المشتري لا من البائعين.

__________________

(١) في « ق » : وقبله لتحقق .. ، وفي « م » : أو قبله أو بعده لتحقق ..

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٩.

٣٩٤

ولو باع الشريك نصف الشقص لرجل ثم الباقي لآخر ، ثم علم الشفيع فله أخذ الأول والثاني واحدهما ، فإن أخذ الأول لم يشاركه الثاني ، وإن أخذ الثاني احتمل مشاركة الأول وعلى ما اخترناه من سقوط الشفعة مع الكثرة للشفيع أخذ الجميع أو تركه خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو باع الشريك نصف الشقص لرجل ، ثم الباقي لآخر ، ثم علم الشفيع فله أخذ الأول والثاني وأحدهما ، فإن أخذ الأول لم يشاركه الثاني ، وإن أخذ الثاني احتمل مشاركة الأول ).

الفرق بين هذه وبين ما سبق في قوله : ( لو اشترى اثنان نصيب واحد ... ) أن الظاهر أن الشراء في تلك معا ، ولهذا لم يحتمل أن يكون للأول شفعة لو أخذ من الثاني ، وهذه الشراء مترتب بدليل العطف بـ ( ثم ) ، والحكم ظاهر فإنه في وقت

شراء الأول لم يكن للثاني ملك فلا تتصور شفعته ، أما الأول فيحتمل أن تكون له شفعة ، لكونه شريكا في وقت بيع الثاني ، سواء لم يأخذ منه أم أخذ فإن الاحتمال آت على كل واحد من التقديرين كما سبق ، وإن كان ظاهر ما هنا قد يؤذن بخلافه ، لمفهوم قوله : ( وإن أخذ الثاني احتمل مشاركة الأول ).

قوله : ( وعلى ما اخترناه من سقوط الشفعة مع الكثرة للشفيع أخذ الجميع أو تركه خاصة ).

لأنه إذا أخذ الجميع لم يتكثر الشفعاء فلم يتحقق الثاني ، بخلاف ما إذا أخذ البعض ، وفيه نظر من وجهين :

أ : إنما يجي‌ء هذا المحذور لو أخذ من الثاني ، أما إذا أخذ من الأول فقط فعلى قوله لا يتكثر الشفعاء حينئذ ، إذ لا يشاركه الثاني فيما أخذه قطعا.

ب : أنه لو أخذ الجميع فللأول الشفعة في نصيب الثاني على ما سبق من الاحتمال ، لأن الأول كان شريكا ومستحقا في وقت البيع للثاني ، فلا يزول‌

٣٩٥

الفصل الثالث : في كيفية الأخذ :

يملك الشفيع الأخذ بالعقد وإن كان في مدّة الخيار على رأي ، وهو قد يكون فعلا بأن يأخذه الشفيع ويدفع الثمن أو يرضي المشتري بالصبر فيملكه حينئذ ،

______________________________________________________

استحقاقه بأخذ ملكه فلا يتم ما ذكره ، وأيضا فإنه في وقت البيع للثاني كان المشتري الأول مالكا قطعا ، فإن استحق الشفعة بملكه ثبت مع تعدد الشركاء أو الشفعاء ، وإن لم يستحق مع كونه شريكا تخلف الأثر عن المؤثر ، نعم على القول بأن كون ملكه مشفوعا ينافي استحقاقه الشفعة لا اشكال.

ثم أن ثبوت الشفعة هنا على القول بالمنع مع الكثرة ، وإن لم نقل بالاحتمال وأخذ الجميع نظر ، لأن قوله عليه‌السلام : « فإذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم الشفعة » (١) يقتضي ظاهره نفي الاستحقاق هنا.

قوله : ( يملك الشفيع الأخذ بالعقد وإن كان في مدّة الخيار على رأي ).

لعموم دلائل الشفعة المتناولة له ، ولا يسقط الخيار فيكون الأخذ مراعى ، فإن فسخ صاحب الخيار بطلت الشفعة وإلاّ تبيين صحتها ، فعلى هذا ليس له انتزاع العين قبل مضي مدة الخيار ، لعدم تحقق ثبوت ملكه ، وهذا هو الأصح. وقد سبق تحقيق هذه المسألة ، والظاهر أن له أن يؤخر الأخذ إلى مضي مدة الخيار ، إذ لا يظهر للأخذ فائدة إلا بعد انقضائه.

قوله : ( وهو قد يكون فعلا بأن يأخذه الشفيع ويدفع الثمن أو يرضي المشتري بالصبر فيملكه حينئذ ).

لما لم يملك الشفيع انتزاع الشقص المشفوع إلا بعد تسليم الثمن ـ كما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٩.

٣٩٦

ولفظا كقوله : أخذته أو تملكته وما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الأخذ مع دفع الثمن أو الرضى بالصبر ،

______________________________________________________

صرح به الأصحاب ـ لم يكن الانتزاع أخذا بالشفعة مثمرا للملك قبل تسليم الثمن ، لأن الانتزاع منهي عنه وممنوع منه حينئذ فلا يكون سببا في حصول الملك ، فعلى هذا لا يكون الأخذ فعلا معتبرا إلا مع دفع الثمن أو رضى المشتري بالصبر ، فإذا دفعه وأخذه المشتري ملك الشقص ، وإلا خلّى بينه وبينه أو رفع الأمر إلى الحاكم ليلزمه التسليم ، وفي التذكرة تنبيه عليه (١).

قوله : ( ولفظا كقوله : أخذته ، أو تملكته ، وما أشبه ذلك من الألفاظ الدالة على الأخذ مع دفع الثمن أو الرضى بالصبر ).

ويصح الأخذ لفظا وإن لم يتسلم الشقص فيملكه إذا صح الأخذ ، ويصح بكل لفظ دل على ذلك مثل : أخذته ، وتملكته ، واخترت الأخذ ، ونحوه ذلك وإن لم يرض المشتري ، لكن لا بد من دفع الثمن أو رضاء المشتري بالصبر.

قال في التذكرة : ولا يملك الشفيع بمجرد اللفظ ، بل يعتبر مع ذلك أحد أمور : أما تسليم العوض إلى المشتري فيملك به إن تسلمه ، وإلا خلّى بينه وبينه ، أو رفع الأمر إلى الحاكم ليلزمه بالتسليم (٢).

إذا تقرر هذا فاعلم ان اشتراط دفع الثمن في حصول الملك لا دليل عليه ، والأصل عدمه ، والشفعة في معنى المعاوضة إذ هي من توابع البيع ، ودفع أحد العوضين غير شرط في تملك الآخر ، ولأنه لو كان الدفع شرطا لوجب أن يكون فوريا كالأخذ فتبطل الشفعة بدونه مع التمكن.

وإمهال الشفيع ثلاثة أيام قد يدل على خلاف ذلك ، وليس في النصوص ما يدل على الاشتراط المذكور ، والذي في رواية ابن مهزيار : « إن كان معه‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٩٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩٤.

٣٩٧

______________________________________________________

بالمصر فلينظر به ثلاثة أيام ، فإن أتاه بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض » (١)

وليس كلام الأصحاب صريحا في اشتراط ذلك ، ثم قال في التذكرة بعد أوراق في خلال مسألة وإذا بلغة البيع فقال : قد اخترت أخذ الشقص بالثمن الذي تم عليه العقد ، وعلم قدره ، ونظر الى الشقص ، أو وصف له وصفا يرفع الجهالة صح الأخذ ، وإن لم يجز المشتري ولا حضر فقال أبو حنيفة : لا يأخذ بالشفعة حتى يحضر الثمن ولا يقتضي له القاضي بها حتى يحضر الثمن (٢).

وقال محمد : إن القاضي يؤجله يومين أو ثلاثة ولا يأخذه إلا بحكم الحاكم أو رضي المشتري ، لأن الشفيع يأخذ الشقص بغير اختيار المشتري فلا يستحق ذلك إلا بعد إحضار الثمن ، ولهذا لما كان المشتري يستحق (٣) تسليم المبيع بغير اختيار البائع لم يكن له إلا بعد إحضار الثمن (٤).

وقد بينا أن الشفيع يأخذ بالعوض فلا يشترط حضوره كالبيع ، والتسليم في الشفعة كالتسليم في البيع فإن الشفيع لا يتسلم الشقص إلا بعد إحضار الثمن ، وكون التملك بغير اختياره يدل على قوته فلا يمنع من اعتباره في الصحة بالبيع (٥).

قلت : هذا تصريح بما ذكرته من أن ثبوت الملك بالأخذ باللفظ لا يتوقف على دفع الثمن ، وهذا قوي ، نعم يشترط العلم بالعوضين.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٣٩.

(٢) اللباب في شرح الكتاب ٢ : ١٠٧.

(٣) في النسختين الخطبتين : ولهذا كان المشتري لما كان يستحق .. ، وما أثبتناه من النسخة الحجرية ، وهو الصواب.

(٤) بدائع الصنائع ٥ : ٢٤.

(٥) التذكرة ١ : ٥٩٦.

٣٩٨

ويشترط علم الشفيع بالثمن والمثمن معا ، فلو جهل أحدهما لم يصح الأخذ وله المطالبة بالشفعة.

ولو قال : أخذته بمهما كان له يصح مع الجهالة.

ويجب تسليم الثمن أولا ، فلا يجب على المشتري الدفع قبله ، وليس للشفيع أخذ البعض بل الترك أو الجميع ،

______________________________________________________

قوله : ( ويشترط علم الشفيع بالثمن والمثمن معا ).

أي : لصحة الأخذ ، فلا يصح الأخذ مع الجهالة للغرر فإنها في معنى البيع ، إذ هي من توابعه.

ولقائل أن يقول : اشتراط العلم بالثمن مستدرك ، لأنه إذا اشترط للأخذ دفع الثمن اشتراط العلم به لا محالة.

ويمكن الجواب : بأن الأخذ مع العلم صحيح ولا يثمر الملك إلا بدفع الثمن ، بخلاف ما إذا كان جاهلا فإنه يقع لغوا.

قوله : ( وله المطالبة بالشفعة ).

فلا يسقط حقه بذلك الأخذ الفاسد.

قوله : ( ويجب تسليم الثمن أولا ، فلا يجب على المشتري الدفع قبله ).

هذا ايضا محل نظر ، لأن المعاوضة يجب فيها التسليم ، والتسليم دفعة واحدة كما سبق في البيع ، والأصل عدم وجوب التقديم في التسليم على واحد بخصوصه ، نعم إن تم له اشتراط تسليم الثمن في حصول الملك بالأخذ ثبت وجوب هذا.

قوله : ( وليس للشفيع أخذ البعض بل الترك أو الجميع ).

لأنه ليس له تبعيض الصفقة ، ولأن حقه في المجموع من حيث هو‌

٣٩٩

فلو قال : أخذت نصف الشقص فالأقوى بطلان الشفعة.

ويجب الطلب على الفور ، فلو أخّر مع إمكانه بطلت شفعته على رأي

______________________________________________________

مجموع.

قوله : ( فلو قال أخذت نصف الشقص فالأقوى بطلان الشفعة ).

وجه القوة ان المأخوذ لا يستحقه ، لأنه إنما يستحق المجموع فلا يؤثر أخذه إياه بالنسبة اليه ولا بالنسبة إلى المجموع ، أما بالنسبة إليه فظاهر لعدم استحقاقه ، وأما بالنسبة إلى الباقي فلأن الاقتصار على أخذ البعض إن لم يدل على عدم أخذ البعض الآخر فلا يدل على أخذه فيحصل التراضي فتبطل الشفعة.

ويحتمل الصحة ، لأن أخذ البعض يستلزم أخذ البعض الآخر لامتناع أخذه وحده ، وهو قول لبعض العامة (١) ، وفيه نظر ، لأن أخذ البعض إنما يستلزم أخذ البعض الآخر إذا وقع صحيحا ، ولم تثبت صحته من دون أخذ الباقي ، ولأنه ربما كان مريدا لأخذ البعض خاصة ، وذلك لا يصح ولا يستلزم أخذ الباقي ، والحاصل ان أخذ البعض لا يدل على أخذ الباقي بشي‌ء من الدلالات الثلاث ، والأصح البطلان.

قوله : ( ويجب الطلب على الفور ، فلو أخر مع إمكانه بطلت شفعته على رأي ).

هذا مختار الشيخ (٢) ، وجمع كثير من الأصحاب (٣) اقتصارا فيما يثبت على خلاف الأصل على موضع الوفاق ، ولدلالة رواية ابن مهزيار (٤) المتضمنة‌

__________________

(١) انظر : فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١١ : ٤٨٢.

(٢) الخلاف ٢ : ١٠٦ مسألة ٤ كتاب الشفعة.

(٣) منهم ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٩ ، والشهيد في الدروس : ٣٨٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٣٩.

٤٠٠