جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

______________________________________________________

يقول في العقد أو بعده : بعتك ملكي ، أو يقول : هذا ملكي ، أو يقول : قبضت ثمن ملكي ، أو أقبضته ـ أي : المشتري ـ ملكي فإنه في هذه الصور كلها ونحوها لا تسمع دعواه ولا بينته لتكذيبه إياها.

ويشكل الأول بأن الشريك في النصف لو باع نصفا انصرف الى نصفه ، حملا للفظ البيع على الصحيح اللازم ، ولو كان أعم لكان النصف منزلا على الإشاعة ، وقد سبق في كتاب البيع ، إلا أن يقال : لما كان مالكا للنصف ـ والظاهر والغالب أن الشيخ إنما يبيع ملك نفسه لا ملك الغير ـ كان ذلك قرينة على ارادة ملكه وذلك منتف هنا ، وعلى كل حال فتفصيل المصنف هنا ليس بذلك البعيد.

واعلم انه لو ادعى عليه العلم ، فيما إذا صرح مع البيع بكونه مالكا فهل يجب إحلافه على نفيه؟ سبق (١) في الوديعة في نظيره ما صرح فيه بالوجوب.

* * *

__________________

(١) في « ق » : كما سبق.

٣٤١

المقصد الثاني : في الشفعة : وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع ، وليست بيعا ، فلا يثبت خيار المجلس ، وفيه فصول :

______________________________________________________

قوله : وهي استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع ).

الشفعة مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا إذا جعلته شفعا به ، أي : زوجا ، كأن الشفيع يجعل نصيبه شفعا بنصيب صاحبه ، وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ، لأن كل واحد من الوترين يتقوى بالآخر.

وفي الشرع عرفها المصنف بأنها : ( استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه بالبيع ) وهذا صادق على استحقاقه انتزاع حصته بيعه إياها. ثم ان الحصة لا يعلم أي حصة يراد بها ، وكذا الشريك لا يتعين أي شريك يراد به.

وعرّفت أيضا : بأنها حق تملّك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما لا ينقل عادة مع إقراره. واحترز بالتملك القهري عن التملك بالبيع ونحوه ، وبكونها للشريك القديم على الحادث عن تملك الطعام في المخمصة وإن كان بحصة الشريك إذا دعت الضرورة إليها ، لأن التقييد بالقديم والحادث يقتضي أن للوصفين دخلا في ذلك ، وهو منتف في المخمصة.

واحترز بما لا ينتقل عادة من المنقولات ، وأدرج بالعادة نحو الدولاب وآلات البناء ، وبكونه مستقرا عن نحو الغرفة التي لإقرار لها في الأرض.

قوله : ( وليست بيعا فلا يثبت خيار المجلس ).

للشافعي قولان في ثبوت خيار المجلس في الشفعة ، وذلك بأن يترك بعد ما أخذ بالشفعة ، أو يترك بعد ما أخذ ما دام في المجلس ، وعلله بأن ذلك‌

٣٤٢

الأول : المحل : وهو كل عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة ، فلا تثبت في المنقولات على رأي

______________________________________________________

معاوضة فكان في أخذها وتركها خيار المجلس كالبيع ، ولأنها أشبه شي‌ء بالبيع (١) ، وأصحابنا جميعهم على خلافه.

والنصوص إنما دلت على ثبوت خيار المجلس في البيع (٢) ، والشفعة ليست بيعا ، والظاهر انه لا يثبت خيار الشرط لعدم الدليل ، ولأن ذلك يقتضي إثبات زيادة سلطنة على المشتري إذ لا عقد يشترطا فيه ذلك ، وليس هناك إلا أخذ الشفيع.

وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يدل على ثبوت خيار العيب ، وهل يثبت خيار الغبن بشروطه؟ يحتمل ذلك ، لأن فيه دفعا للضرر المنفي ، ولأنه ربما ادى نفيه الى الضرر ، بأن يبيع بأضعاف القيمة لإيقاع الشفيع الجاهل بها.

قوله : ( وهو كل عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة ).

وفي نهاية ابن الأثير : العقار بالفتح : الضيعة والنخل والأرض ونحو ذلك (٣).

قوله : ( فلا يثبت في المنقولات على رأي ).

هذا هو المشهور ، وقال السيد (٤) ، وابن الجنيد (٥) ، وابن البراج (٦) ، وابن إدريس (٧) بثبوتها في كل شي‌ء من المبيعات المنقولات وغيرها ، تعويلا‌

__________________

(١) انظر : المجموع ١٤ : ٣٣٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٧٠ حديث ٤ ـ ٦ ، التهذيب ٧ : ٢٠ حديث ٨٥ ، ٨٦ ، الاستبصار ٣ : ٧٢ حديث ٢٤٠ ، ٢٤١.

(٣) النهاية لابن الأثير ( عقر ) ٣ : ٢٧٤.

(٤) الانتصار : ٢١٥.

(٥) المختلف : ٤٠٢.

(٦) المهذب ١ : ٤٥٨.

(٧) السرائر : ٢٥١.

٣٤٣

ولا في البناء والغرس إذا بيعا منفردين ، ولو بيعا منضمين إلى الأرض دخلا في الشفعة تبعا.

______________________________________________________

على رواية يونس المرسلة (١) ، ونحوها (٢) مما لا ينهض حجة.

والأصح عدم الثبوت في غير المنقول اقتصارا في مخالف الأصل على موضع الوفاق ، وللرواية الصحيحة الدالة على نفي الشفعة في الحيوان (٣) ، فينتفي في غيره من المنقولات لعدم القائل بالفصل.

لا يقال : قد دلت على ثبوتها في المملوك ، ولا قائل بالفصل.

قلنا : إن تم ذلك فقد ثبت تدافعها ، فوجب اطراحها والرجوع الى غيرها من الاخبار والدلائل.

قوله : ( ولا في البناء والغرس إذا بيعا منفردين ).

لأنهما في حكم ما ينتقل وقد كانا في الأصل منقولين وسينتهيا الى النقل وإن طال الأمد.

قوله : ( ولو بيعا منضمين إلى الأرض دخلا في الشفعة تبعا ).

أي : تبعا للأرض ، لأن في بعض أخبار العامة : ثبوت الشفعة في الربع (٤) ، وهو يتناول الأبنية ، وفي بعض أخبارنا (٥) : والمساكن ، وهو يتناول الأبنية (٦) ، وفي بعضها : الدار (٧) ، ويندرج فيها الأبواب والسقوف‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ حديث ٤١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٩ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ حديث ٤١٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٦ حديث ٧٣٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ حديث ٤١٥.

(٤) مسند أحمد ٣ : ٣١٢ ، ٣١٦ ، سنن ابي داود ٣ : ٢٨٥ حديث ٣٥١٣ ، سنن النسائي ٧ : ٣٢٠ باب الشركة في الرباع.

(٥) في « ق » : أخبارها.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٧.

(٧) الكافي ٥ : ٢٨١ ذيل حديث ٨.

٣٤٤

وفي دخول الدولاب نظر ينشأ : من جريان العادة بعدم نقله.

ولا تدخل الحبال التي تتركب عليها الدلاء ، ولا في الثمرة وإن بيعت على شجرها مع الأرض

______________________________________________________

والجدران.

واعلم أن التبعية إنما تتحقق إذا بيعت الأشجار والبناء مع الأرض التي هي فيها ، لا إذا بيعت مع أرض أخرى إذ لا تبعية حينئذ ، ولعدم تناول النصوص مثل هذا ، وكذا الدولاب على القول به.

قوله : ( وفي دخول الدولاب نظر ينشأ : من جريان العادة بعدم نقله ).

ومن أنه منقول في نفسه. واعلم ان موضع النظر ما إذا بيع مع الأرض ، أما إذا بيع وحده فلا بحث في عدم ثبوت الشفعة فيه ، بناء على عدم الثبوت فيما ينقل ، وقد اختار المصنف في التذكرة عدم ثبوت الشفعة فيه (١) ، والأصح الدخول ، لأنه ربما يتناوله اسم الدار إذا كان من مرافقها.

وكذا القول في الحمّام ، فإنه يشمله كما يشمل سائر مرافقه المثبتة ، وأي فرق بينه وبين الأبواب ، وفي معنى الدولاب الناعورة ونحوها.

قوله : ( ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء ).

إذ هي منقولة حقيقة.

قوله : ( ولا في الثمرة وإن بيعت على شجرها مع الأرض ).

أي : لا تثبت الشفعة في الثمرة سواء كانت مؤبرة أم لا ، وسواء بيعت مع الأرض أو منفردة ، وكذا الزروع الثابتة ، للأصل.

ولا دليل في الشرع على ثبوت الشفعة فيها ولا يدخل في مسمى البستان ، ولأنها لا يراد دوامها بل لها أمد معيّن ينتظر ، وقال الشيخ : تثبت‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٨٩‌.

٣٤٥

واحترزنا بالثابت عن حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف لصاحب السفل فإنه لا ثبات لها إذ لا أرض لها.

ولو كان السقف لهما فإشكال : من حيث أنه في الهواء فليس بثابت.

______________________________________________________

الشفعة في الثمار والزرع تبعا للأصول والأرض التي هي فيها (١) ، والأصح الأول.

قوله : ( واحترزنا بالثابت عن حجرة عالية مشتركة مبنية على سقف صاحب السفل فإنه لا ثبات لها إذ لا أرض لها ، ولو كان السقف لهما فإشكال : من حيث انه في الهواء فليس بثابت ).

أي : لو كانت أرض الغرفة سقف صاحب السفل المختص به لم يثبت في الغرفة شفعة لو كانت مشتركة وباع أحد الشريكين حصته ، لانتفاء التبعية المقتضية لثبوت الشفعة.

[ فلو كان السقف ] (٢) لهما ـ الذي هو أرض الغرفة ـ مع جدرانها وسقفها ، من دون اشتراكهما في أرض السفل ففي ثبوت الشفعة حينئذ إشكال ينشأ : من أنه في الهواء فليس بثابت ، ومن عدم النقل عادة. وليس بشي‌ء ، لأن آلات البناء منقولة في الأصل وصائرة إلى النقل ، والشفعة إنما تثبت فيها تبعا للأرض كما سبق ولا أرض هنا.

ولا فرق بين هذا السقف وسائر السقوف والجدران ، والأصح عدم الثبوت.

__________________

(١) قال السيد العاملي في المفتاح ٦ : ٣٢١ :. والمخالف انما هو الشيخ في المبسوط قال : تثبت في الزرع والثمار إذا دخلت في المبيع بالشرط.

وفي المبسوط ٣ : ١٠٧ : واما ما لم يكن أصلا ثابت كالزروع والثمار ، فإذا دخلت في المبيع بالشرط كانت الشفعة واجبة في الأصل دونها.

وهو كما ترى مخالف لما نقل في جامع المقاصد والمفتاح.

(٢) لم ترد في النسختين ، وأثبتناها من الحجرية لعدم استقامة المعنى بدونها.

٣٤٦

واحترزنا بالمشترك عن غيره ، فلا تثبت بالجوار ، ولا فيما قسّم وميّز إلاّ مع الشركة في الطريق أو النهر إذا ضمهما البيع.

______________________________________________________

قوله : ( واحترزنا بالمشترك عن غيره ، فلا يثبت بالجواز ).

يلوح من عبارة ابن ابي عقيل ثبوت الشفعة بالجوار حيث قال : ولا شفعة للجار مع الخليط (١) وهو ضعيف لقوله عليه‌السلام : « لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (٢).

قوله : ( ولا فيما قسّم وميّز إلا مع الشركة في الطريق أو النهر إذا ضمنها البيع ).

أي : إذا ضمهما البيع الى الشقص ( المقسوم ) (٣) المتميز لعدم حصول كمال القسمة ، لبقاء الاشتراك في المرافق ، ولاستصحاب ما كان ، ولحسنة منصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام وقد سأله عن دار فيها دور وطريقهم واحد في عرصة الدار ، فباع بعضهم منزلة من رجل هل لشركائه في الطريق أن يأخذوا بالشفعة؟ فقال : « إن كان باب الدار وما حول بابها الى طريق غير ذلك فلا شفعة لهم ، وإن باع الطريق مع الدار فلهم الشفعة » (٤).

ومعنى هذه : أن باب الدار المبيعة ، وما حول بابها الى الطريق المباح إن كان غير ذلك الطريق المشترك ، أعني الذي في العرصة ، بأن لم يكن البائع‌

__________________

(١) المختلف : ٤٠٣.

توضيح : قال في المفتاح ٦ : ٣٢٢ : وقال العماني فيما حكي عنه : لا شفعة لجار مع الخليط ، وهو يقتضي بثبوتها للجار لكن الخليط مقدم عليه.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، ١٥٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ ، ١٦٧ حديث ٧٣٧ ، ٧٤١ ، وفيها : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم » والظاهر ان ( غير ) ساقطة من النساخ ، لان كل الأحاديث الواردة نصا ومعنى تدل على ان الشفعة تثبت للشريك الغير مقاسم.

(٣) لم ترد في « ق » ، وفي « م » : المشفوع ، وما أثبتناه من الحجرية.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ حديث ٤١٧ ، وفيهما : «. فقال : ان كان باع الدار وحول بابها. » ، التهذيب ٧ : ١٦٥ حديث ٧٣١.

٣٤٧

______________________________________________________

قد باع حقه من الطريق مع داره بل باع داره فقط ، وسد بابها الأصلي وفتح لها باب الخروج الى الطريق المباح فلا شفعة حينئذ ، لأن المبيع غير مشترك ولا في حكم المشترك ، إذ لم يبع معه ما كان موجبا لاستمرار حكم الشركة.

وفي صحيحة أخرى لمنصور بن حازم عن الصادق عليه‌السلام قال : قلت له : دار بين قوم اقتسموها وأخذ كل واحد منهم قطعة ، وتركوا بابهم ساحة فيها ممرهم ، فجاء رجل فاشترى نصيب بعضهم ، إله ذلك؟ قال : « نعم ، ولكن يسد بابه ويفتح باب الى الطريق ، أو ينزل من فوق البيت ويسد بابه ، وإن أراد صاحب الطريق بيعه فإنهم أحق به ، وإلا فهو طريقه يجي‌ء يجلس على ذلك الباب » (١).

ومعنى هذه : أن الدار في الأصل كانت مشتركة بين قوم فاقتسموها ، وتركوا ساحة منها هي ممرهم على الشركة ، ثم باع بعضهم نصيبه المقسوم فقط دون نصيبه في الساحة فإن له ذلك لكن يسد بابه إلى الساحة إذ لا حق له فيها ، يفتح له بابا الى الطريق العام ، أو يجعل له درجا ينزل به من فوق البيت.

وإن أراد صاحب الطريق ـ اعني الشريك فيه ، والمراد به : الممر الذي في العرصة ـ بيعه فإنهم أحق به فيأخذونه بالشفعة ، وإن لم يرد بيعه فهو طريقه ، يجي‌ء يجلس على ذلك الباب المسدود كما يكون حال الشريك مع شركائه ، وهذه لم يذكر فيها حال الشفعة في الشقص المقسوم ، وفي رواية أخرى لمنصور بن حازم مثل هذه (٢) ، إذا تقرر هذا فهنا مباحث :

الأول : قد اشتملت الروايات على ذكر القوم والشركاء وضمير الجمع ، والمختار أن لا شفعة مع الكثرة ، ولا يمكن الاحتجاج بهذه الأخبار. قلنا : لما‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ حديث ٧٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ حديث ٤١٨ ، وفيها : « وأخذ كل واحد منهم قطعة فبناها. ».

(٢) التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤٣.

٣٤٨

______________________________________________________

دلت الدلائل على نفي الشفعة مع الكثرة وجب حمل ما وقع من الألفاظ الدالة على الجمع ها هنا على المختار جمعا بين الاخبار.

الثاني : قد ورد في بعض هذه الأخبار « فأخذ كل واحد منهم قطعة فبناها » (١) كما ذكره في المختلف (٢) ، مع أن البناء الحادث لم يكن مشتركا فلا تثبت فيه الشفعة ، قلنا : لا دلالة في الرواية على ثبوت الشفعة فيه فلا أثر لذكره وعدمه.

الثالث : لو انتقل المقسوم مع بقاء الشركة في الطريق الى غير المتقاسمين فهل تبقى الشفعة لكل منهما (٣) كما كانت للأولين؟ يحتمل ذلك لبقاء الشركة حكما إذ لم تحصل القسمة المائزة لمجموع النصيبين ، ولأن رواية منصور الاولى تشتمل على إطلاقها هذا الفرع (٤). والظاهر العدم ، لأن ثبوت الشفعة على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع اليقين ، ولظاهر قوله عليه‌السلام : « لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (٥).

الرابع : هل يشترط في الطريق أو النهر المشتركين بعد تميز النصيبين من الدار ونحوها قبولهما القسمة ، حيث أن ما لا يقبل القسمة لا شفعة فيه؟ لا ريب في الاشتراط إن بيع الشقص فيهما منفردا ، وإن بيع منضما الى الشقص المقسوم ففي عبارة الدروس ما يقتضي الاشتراط ، حيث قال : ولا مع القسمة‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٩ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ حديث ٧٣٢ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ حديث ٤١٨.

(٢) المختلف : ٤٠٣.

(٣) في « م » : لكل واحد منهما على الأخر.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ حديث ٧٣١ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ حديث ٤١٧.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، ١٥٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤١.

٣٤٩

______________________________________________________

الا مع الاشتراك في الطريق والنهر واللذين يقبلان القسمة على الخلاف (١).

ويشكل بأن قبول القسمة شرط لجميع المشفوع لا لأبعاضه ، ولأن هذه القسمة كلا قسمة ، وإطلاق رواية منصور بن حازم (٢) يتناول ما إذا لم يكن قابلا للقسمة.

الخامس : لو لم تكن الدور مشتركة في الأصل ، بل كان الاشتراك في الطريق فقط ، فإن بيع الطريق وحده قال في التذكرة : فللشركاء الشفعة إن كان واحدا وأمكن قسمته وإلا فلا ـ ، وهو جيد ، وإن باع الدار بالممر قال : أيضا للشريك في الممر الشفعة في الدار وطريقها (٣). وظاهر هذا الإطلاق يقتضي إثبات الشفعة وإن لم تكن الدار مشتركة في الأصل ثم طرأت عليها القسمة ، ويؤيده انه حكى عن الشافعي أنه لا شفعة في الدار ، لأنه لا شركة فيها ، فصار كما لو باع شقصا من عقار مشترك وعقار غير مشترك.

ثم قال : وإن أرادوا أخذ الممر بالشفعة قال الشافعي : ينظر إن كان للمشتري طريق آخر الى الدار ، أو أمكنه فتح باب آخر الى شارع فلهم ذلك على المشهور إن كان منقسما ، وإلا فعلى الخلاف في غير المنقسم (٤).

ثم قال بعد كلام حكاه عن الشافعية (٥) : والأقرب عندي أن الطريق إن كان مما يمكن قسمته ، والشريك واحد ، وبيع مع الدار المختصة بالبائع صفقة فللشريك الآخر أخذ الطريق خاصة إن شاء ، وإن شاء أخذ الجميع ، وإن لم يمكن قسمة لم يكن له أخذه خاصة ، بل إما أن يأخذ الجميع أو يترك (٦) ، هذا‌

__________________

(١) الدروس : ٣٨٦.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ حديث ٧٣١ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ حديث ٤١٧.

(٣) المجموع ١٤ : ٣٠٠ ، فتح العزيز ( المطبوع مع المجموع ) ١١ : ٢٩٣.

(٤) المجموع ١٤ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، فتح العزيز ١١ : ٣٩٥ ـ ٣٩٦.

(٥) انظر : المجموع ١٤ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، فتح العزيز ١١ : ٣٩٧ ـ ٣٩٨.

(٦) التذكرة ١ : ٥٩٠.

٣٥٠

______________________________________________________

كلامه ، فحاصل كلامه يرجع الى أمرين :

أحدهما : ان الشفعة تثبت في المبيع وإن لم يكن مشتركا في الحال ولا في الأصل إذا كان طريقه أو شربه مشتركا ، وهو ظاهر اختياره في التحرير (١) ، وظاهر اختيار الشيخ في النهاية (٢) والمبسوط (٣) ، وابن إدريس في السرائر (٤) ، وظاهر عبارة القواعد حيث نفى ثبوت الشركة للجار والمقاسم إلا مع الاشتراك في الطريق أو النهر ، وكذا الدروس (٥) ، والشرائع (٦) ، وهو ظاهر كلام المختلف يظهر من جوابه عن حجة ابن ابي عقيل (٧) ، وهو الذي يقتضيه صحيح النظر ، لأن ضمن غير المشفوع الى المشفوع لا يوجب ثبوت الشفعة في غير المشفوع اتفاقا.

والمبيع الذي لا شركة فيه في الحال ولا في الأصل ليس من متعلقات الشفعة قطعا ، إذ لو بيع وحده لم تثبت فيه شفعة بحال ، وإثباتها لا يكون إلا لمحض الجوار ، فإذا ضم الى المشترك وجب أن يكون الحكم كذلك ، لعموم قوله عليه‌السلام : « لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (٨) فإن المتبادر أن المراد في محل الشركة ، ولا شركة ها هنا لا في الحال ولا في الأصل.

وحسنة منصور بن حازم (٩) وإن كانت مطلقة إلا أنها معارضة بعموم هذه ، والترجيح معنا إذ الشفعة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على محل الوفاق.

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ١٤٥.

(٢) النهاية : ٤٢٤.

(٣) المبسوط ٣ : ١٠٧.

(٤) السرائر : ٢٠.

(٥) الدروس : ٣٨٦.

(٦) شرائع الإسلام ٣ : ٢٥٥.

(٧) المختلف : ٤٠٣.

(٨) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٤ ، ١٥٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤١.

(٩) الكافي ٥ : ٢٨٠ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٦٥ حديث ٧٣١ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ حديث ٤١٧.

٣٥١

______________________________________________________

وفي رواية أبي العباس البقباق : « الشفعة لا تكون الا لشريك » (١) وفي معناها رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله عنه عليه‌السلام (٢).

وفي رواية هارون بن حمزة الغنوي عن الصادق عليه‌السلام : « الشفعة في البيوع إذا كان شريكا فهو أحق بها من غيره » (٣) أي : باعتبار الشركة ، لأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية.

وفي رواية عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام : « لا تكون الشفعة إلا لشريكين ما لم يتقاسما » (٤).

وفي رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم » (٥) وكل هذه حجة على عدم ثبوت الشفعة في الدار الغير المشترك إذا كان الطريق مشتركا ، وقد اعترف في التذكرة بأن هذه شفعة بالجوار (٦) ، وبالجملة فهذا الجانب قوي جدا.

الأمر الثاني : انه على تقدير سعة الطريق اثبت للشريك الخيار بين أخذه فقط بحصة من الثمن ، وبين أخذ المجموع ، ومع ضيقه حتم أخذ المجموع ( أو الترك ) (٧).

ويرد عليه أن المجموع : إما أن يكون متعلق الشفعة أو لا ، فإن كان الأول وجب أن يأخذ المجموع أو يترك ، وليس له تبعيض الصفقة باختياره ، وإن كان الثاني لم تثبت له شفعة في غير الطريق ولا فيه ، إلا إذا كان واسعا‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٥.

(٢) التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٨.

(٤) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٩.

(٥) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٦ ، الفقيه ٣ : ٤٥ حديث ١٥٧ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ حديث ٧٣٧.

(٦) التذكرة ١ : ٥٩٠.

(٧) لم ترد في « م ».

٣٥٢

واحترزنا بقبول القسمة عن الطاحونة ، والحمّام ، وبئر الماء ، والأماكن الضيقة ، وما أشبهها مما لا تقبل القسمة ، لحصول الضرر بها ، وهو إبطال المنفعة المقصودة منه فلا شفعة فيها على رأي.

______________________________________________________

قابلا للقسمة ، فما ذكره غير واضح.

قوله : ( واحترزنا بقبول القسمة عن الطاحون ، والحمام ، وبئر الماء ، والأماكن الضيقة ، وما أشبهها مما لا يقبل القسمة لحصول الضرر بها ، وهو إبطال المنفعة المقصودة منه فلا شفعة فيها على رأي ).

للأصحاب قولان ـ فيما إذا كان المشترك لا يقبل القسمة كالحمّام الضيق ونحوه ، هل تثبت الشفعة لو بيع شقص منه؟ ـ أحدهما : عدم الثبوت ، وهو قول الشيخ (١) ، وعلي بن بابويه (٢) ، وابن البراج (٣) ، وسلار ، وأكثر المتأخرين (٤) ، لظاهر رواية طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه‌السلام : « لا شفعة إلا لشريك مقاسم » (٥).

ولأن الشفعة على (٦) خلاف الأصل ، فيجب الاقتصار فيها على موضع اليقين ، وهو الأصح.

__________________

(١) النهاية : ٤٢٤.

(٢) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٠٣ ، وولده في إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٩.

(٣) المهذب ١ : ٤٥٨.

(٤) منهم : المحقق في شرائع الإسلام ٣ : ٢٥٣ ، وفخر المحققين في إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٩ ، وغيرهما.

(٥) التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤١ ، وفيه : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم » ، ولعل ( غير ) ساقطة من قلم النساخ.

(٦) في « ق » : الشفعة تثبت على.

٣٥٣

______________________________________________________

وقال السيد (١) ، والمفيد (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وابن الجنيد (٤) ، وابن البراج (٥) : تثبت تمسكا بعمومات الأخبار الدالة على ثبوت الشفعة من غير مخصص (٦) ، والتخصيص يحتاج الى دليل ، ولأن المقتضي لثبوت الشفعة ، وهو إزالة الضرر عن الشريك ، قائم في غير المقسوم.

ويجاب بما ذكرناه من رواية طلحة بن زيد (٧) ، وموثقة السكوني ، عن الصادق عليه‌السلام ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا شفعة في سفينة ، ولا في نهر ، ولا في طريق » (٨) وليس المراد الواسعين اتفاقا ، لثبوت الشفعة فيهما ـ فلم يبق إلاّ أن يراد الضيقين فيكون الباقي كذلك إذ لا فاصلة.

وليس المراد من إزالة الضرر بالشفعة ما ذكروه ، بل ازالة ضرر طلب القسمة ومؤنتها ، وهو منتف في محل النزاع.

واعلم أن قول المصنف : ( لحصول الضرر بها ) دليل على أنها لا تقسّم ، لتحقق كونها من محل النزاع ، وهو تمهيد لقوله : ( وهو إبطال المنفعة المقصودة منه ) فإن هذا تفسير حصول الضرر بالقسمة.

وله تفسير آخر ، وهو أن المنقسم ما لا تنقص قيمته نقصانا فاحشا ، وآخر وهو الذي يبقى منتفعا به بعد القسمة بوجه ما ، فإذا خرج عن حد الانتفاع‌

__________________

(١) الانتصار : ٢١٥.

(٢) المقنعة : ٩٦. قال السيد العاملي في المفتاح ٦ : ٣٢٤ :. ولا سادس لهم فيما أجد إلا ما حكاه في الإيضاح عن المفيد ، ولعله فهمه من قوله : كل مشاع ، أو من قوله : بثبوتها في العروض.

(٣) السرائر : ٢٥١.

(٤) نقله عنه في المختلف : ٤٠٢ ـ ٤٠٣.

(٥) قال في المفتاح ٦ : ٣٢٤ : والمخالف السيد. والقاضي ، ولعله للقاضي في الكامل فكان له قولان.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ حديث ٤١٣.

(٧) التهذيب ٧ : ١٦٧ حديث ٧٤١ ، وفيه : « لا شفعة إلا لشريك غير مقاسم ».

(٨) الكافي ٥ : ٢٨٢ حديث ١١ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ حديث ٧٣٨ ، الاستبصار ٣ : ١١٨ حديث ٤٢٠.

٣٥٤

ولو انتفى الضرر بقسمة الحمّام تثبت الشفعة ، وكذا لو كان مع البئر بياض أرض بحيث يسلّم البئر لأحدهما ، أو كان في

الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل منهما بحجرين ، أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة.

______________________________________________________

بالكلية أما لضيق الخطة وقلة النصيب ، أو لأن أجزاءه غير منتفع بها وحدها كشرب القنى ومصراعي الباب فلا يقسم.

وسيأتي ذلك في باب القسمة إن شاء الله تعالى ، ولو سكت عن هذا لم يكن فيه الخلال.

قوله : ( ولو انتفى الضرر بقسمة الحمّام ثبت الشفعة ، وكذا لو كان مع البئر بياض أرض بحيث تسلم البئر لأحدهما ، أو كان في الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل منهما بحجرين ، أو كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة ).

إذا كان الحمّام كبيرا جدا يمكن افراد حصة كل من الشريكين عن صاحبه من غير تضرر تثبت الشفعة ، لانتفاء المانع ، وكذا إذا كان مع البئر أرض تسلم البئر لأحدهما بعد التعديل (١).

ومثله إذا كان في بيت الرحى أربعة أحجار دائرة يمكن أن ينفرد كل منهما بحجرين ، وكذا إذا كان الطريق واسعا لا تبطل منفعته بالقسمة لانتفاء المانع في الجميع.

ولو كان بيت الرحى واسعا بحيث يمكن جعل أكثر بيت الرحى موازيا لما فيه الرحى ، قال في التذكرة : تثبت الشفعة ، قال : وهو مبني على أنه لا يشترط فيما يصير لكل واحد منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة (٢).

__________________

(١) في « ق » : لأحدهما البئر مع التعديل.

(٢) التذكرة ١ : ٥٩٠.

٣٥٥

______________________________________________________

قال في الدروس : ويلزم منه لو اشتملت الأرض على حمام أو بيت ضيق (١) ، وأمكن سلامة الحمام أو البيت لأحدهما أن يثبت. وعندي فيه نظر للشك في وجوب قسمة ما هذا شأنه. (٢).

قلت : لا وجه لهذا النظر بعد التصريح بالبناء المذكور ، إذ الكلام حينئذ إنما يكون في المبني عليه.

فان قيل : فحال البئر مع الأرض أيضا هكذا.

قلنا : نعم إن كانت الأرض لا ينتفع بها من الوجه الذي كانت ينتفع به قبل القسمة ، كما لو كانت معدّة للزراعة وماؤها من ذلك البئر.

وفي التذكرة : ان المزرعة إذا انقسمت ولم ينقسم بئرها الأقوى ثبوت الشفعة في البئر ، لأنها تابعة كالأشجار (٣) ، وهذا موضع نظر.

ولا فرق بين كون الشي‌ء لا ينقسم لضيقه ، وبين كونه كذلك لقلة النصيب ، فإن صاحب الأزيد لا يجاب لو كان نصيب صاحب الأقل لا ينتفع به بعد القسمة ، وقد نص عليه في التذكرة (٤).

وما ذكره في التذكرة (٥) ، والدروس (٦) غير واضح (٧) ، فإن تعديل الأرض مع البئر إن كان موجبا لقبول القسمة فكذلك تعديلها مع الرحى ، والحمّام ، ونحو ذلك.

__________________

(١) في « ق » : صغير ، وفي « م » والحجرية : « ضيقين » ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) الدروس : ٣٨٦.

(٣) التذكرة ١ : ٥٩٠.

(٤) المصدر السابق.

(٥) التذكرة ١ : ٥٩٠.

(٦) الدروس : ٣٨٦.

(٧) في « ق » : ظاهر.

٣٥٦

ولو ضم المقسوم ، أو ما لا شفعة فيه الى ما فيه الشفعة تثبت في الثاني بنسبة قيمته من الثمن. وإنما تثبت لو انتقلت الحصة بالبيع ، فلو وهب الشقص بعوض ، أو جعله صداقا ، أو عوضا عن صلح أو غير ذلك لم تثبت‌ الشفعة.

______________________________________________________

وقول المصنف في التذكرة : إن هذا مبني على أنه لا يشترط فيما يصير لكل منهما أن يمكن الانتفاع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة غير ظاهر ، لأن الأرض ينتفع بها كما كان ينتفع بها قبل القسمة ، ولا يشترط تساوي الانتفاع فيما يصير الى كل منهما.

نعم لو كانت الأرض مزرعة وفيها بئر ، وبعد التعديل والقسمة لا يمكن زرعها أمكن أن يقال هنا ما ذكره.

قوله : ( ولو ضم المقسوم ، أو ما لا شفعة فيه الى ما فيه الشفعة ثبت في الثاني ).

خاصة ، لإجماع علمائنا إعطاء لكل واحد منهما حكمه ، ولا فرق بين كون غير المشفوع من مصالح المشفوع كالثيران للضيعة وعدمه ، خلافا لمالك.

قوله : ( بنسبة قيمته من الثمن ).

أي : يثبت بنسبة قيمة المشفوع (١) الى مجموع القيمتين من الثمن ، أي : يثبت من الثمن هذه النسبة ، فإذا كانت قيمة المشفوع ثلث مجموع القيمتين فحصته من ثمن المجموع الثلث وهو ظاهر.

قوله : ( وإنما يثبت لو انتقلت الحصة بالبيع ، فلو وهب الشقص بعوض ، أو جعله صداقا ، أو عوضا عن صلح ، أو غير ذلك لم تثبت الشفعة ).

__________________

(١) في « م » : بنسبة قيمته ، اي : المشفوع.

٣٥٧

ولو كان الشريك موقوفا عليه تثبت الشفعة في الطلق إن كان واحدا على رأي.

______________________________________________________

بإجماع علمائنا ، لأن الشفعة من توابع البيع كما يدل عليه مفهوم الروايات (١) ، وقول ابن الجنيد بثبوتها في الموهوب بعوض أو غيره (٢) شاذ ، ويريد المصنف بقوله : ( أو غير ذلك ) ما لم يكن بيعا كما هو ظاهر.

قوله : ( ولو كان الشريك موقوفا عليه تثبت الشفعة في الطلق إن كان واحدا على رأي ).

هذا مختار ابن إدريس (٣) ، وهو الأصح لثبوت المقتضى وهو كونه شريكا مقاسما ، لأن الموقوف عليه مالك مع حصول البيع وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا كونه موقوفا عليه ، وهو غير صالح للمانعية ، إذ الحجر عليه في التصرف لا ينافي كونه مالكا.

وقال الشيخ : لا تثبت (٤) ، لعدم انحصار الحق به. وجوابه : أن الغرض انحصاره الآن ، وانتقاله عنه بعد ذلك الى غيره كانتقال المملوك بالبيع والموت ، ونحو ذلك.

قال السيد المرتضى : لإمام المسلمين وخلفائه المطالبة بشفعة الوقوف التي ينظر فيها على المساكين أو على المساجد ، وكذلك كل ناظر بحق في وقف (٥).

وينبغي عدم الثبوت هنا ، لأن الملك في ذلك إن كان للمسلمين فالكثرة مانعة ، وإن كان لله تعالى فثبوت الشفعة مما يتوقف فيه ، من حيث النظر في أن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ حديث ٥ ، ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ حديث ٧٢٨.

(٢) المختلف : ٤٠٤.

(٣) السرائر : ٢٥٣.

(٤) المبسوط ٣ : ٢٨٨.

(٥) الانتصار : ٢٢٠.

٣٥٨

والأقرب عدم اشتراط لزوم البيع ، فلو باع بخيار تثبت الشفعة اشتراك أو اختص بأحدهما ، ولا يسقط خيار البائع حينئذ.

______________________________________________________

ذلك ملك حقيقي.

وقال ابن إدريس : تثبت إن كان الموقوف عليه واحدا (١) وارتضاه المتأخرون (٢).

فرع : لو بيع الوقف في صورة الجواز تثبت للآخر الشفعة.

قوله : ( والأقرب عدم اشتراط لزوم البيع ، فلو باع بخيار تثبت الشفعة ، اشتراك أو اختص بأحدهما ، ولا يسقط خيار البائع ).

هذا مختار ابن إدريس (٣) ، وقواه في المختلف (٤) ، ووجهه حصول المقتضي ، وهو البيع الناقل للمالك مع وجود الشريك ، وانتفاء المانع إذ ليس الا الخيار ، وهو غير صالح للمانعية ، لأن التزلزل لا أثر له.

قيل : يلزمه سقوط حق البائع من الخيار الثابت في صلب العقد سابقا على حق الشفيع.

قلنا : لا ، بل حقه باق ، فإن فسخ بطل البيع والشفعة ، وإن لم يفسخ حتى خرجت المدة تثبت الشفعة والبيع معا.

قال الشيخ : إن كان الخيار للبائع أو له وللمشتري فلا شفعة ، لعدم انتقال الملك بمجرد العقد اليه ، وإن كان للمشتري وجبت الشفعة ، لانتقال الملك اليه بنفس العقد للزومه من جهة البائع ، لكن يطالب بعد انقضاء الخيار (٥) ،

__________________

(١) السرائر : ٢٥٣.

(٢) يظهر من الإيضاح ٢ : ١٩٩ أنه يذهب اليه حيث ينفي المتقدمتين اللتين اعتمد عليهما من ينفي ثبوتها.

(٣) السرائر : ٢٥٠.

(٤) المختلف : ٤٠٥.

(٥) المبسوط ٣ : ١٢٣.

٣٥٩

وكذا لو باع الشريك تثبت للمشتري. الأول الشفعة وإن كان لبائعه خيار الفسخ ،

______________________________________________________

وتبعه ابن البراج (١).

وكلام ابن الجنيد (٢) قريب من كلام الشيخ ، والأصح (٣) ثبوت الاستحقاق في الصور كلها لما قلناه ، لكن ليس للشفيع الأخذ إلا بعد انقضاء الخيار مع عدم الفسخ ، وهذا هو مختار المصنف حيث قال : ( ولا يسقط خيار البائع حينئذ ) وكان عليه أن يقول : ولا يسقط خيار ذي الخيار حينئذ ، ولعله حاول بذلك الرد على ابن إدريس فإن ظاهره سقوط خيار البائع حينئذ (٤).

ثم حكى عن المصنف : أن أخذ الشفيع يقع مراعى ، فإن فسخ البائع بطل الأخذ وإلا صح ، قال : ولا اعلم به قائلا.

ثم قال قال الشيخ : وإن اختص به المشتري تثبت الشفعة ، وله المطالبة بها قبل انقضاء الخيار (٥) ويلزم من قول الفاضل أن تكون المطالبة مراعاة.

ويمكن القول بأن الأخذ يبطل خيار المشتري كما لو أراد الرد بالعيب فأخذ الشفيع ، ولأن الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع ، إلا أن يجاب بأن المشتري يريد دفع الدرك عنه.

قوله : ( وكذا لو باع الشريك تثبت للمشتري الأول الشفعة وإن كان لبائعه خيار الفسخ ).

أي : لو باع الشريك الآخر الذي لم يبع حصته ، وهو الشفيع حيث لم‌

__________________

(١) المهذب ١ : ٤٥٥.

(٢) نقله عنه في المختلف : ٤٠٥.

(٣) في « ق » : فالأقرب.

(٤) السرائر : ٢٥٠.

(٥) الخلاف ٢ : ١١٠ مسألة ٢١ كتاب الشفعة.

٣٦٠