الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤
فإذا خالف هذا الترتيب في الموضعين مع القدرة ضمن.
والأقرب وجوب القبض على الحاكم
______________________________________________________
الحاكم ، فان تعذر (١) فالثقة ، لكن إنما يجوز ذلك مع الحاجة الداعية إلى ذلك ، وبدونها يضمن.
ثم الحاجة أي شيء يراد بها؟ لم أجد بها تعينا في كلامهم ، وفي التذكرة قال : إذا تبرّم المستودع بالوديعة فسلّمها إلى القاضي ضمن ، إلاّ مع الحاجة (٢).
ولقائل أن يقول : إن دوام وجوب المحافظة على الوديعة ومراعاتها من الأمور الشديدة المشقة ، ودفع هذه المشقة أمر مطلوب ، وهو من آكد الحاجات ، فيسوغ معه التسليم إلى الحاكم ، لكن هذا إنما يكون مع طول الزمان ونحو ذلك.
قوله : ( وإذا خالف هذا الترتيب في الموضعين مع القدرة ضمن )
لقائل أن يقول : إن قوله : ( مع القدرة ) مستدرك ، لأنه لا معنى له إلا العدول عن المالك إلى الحاكم بدون تعذر المالك ، وكذا القول في العدول عن الحاكم إلى الثقة.
قوله : ( والأقرب وجوب القبض على الحاكم ).
أي : إذا جاءه بالوديعة المستودع عند إرادة السفر والحاجة وجب عليه القبض ، ووجه القرب : أنه منصوب للمصالح ، ولو لم يجب القبض فاتت المصلحة المطلوبة من نصبه وهو الأصح. ويحتمل ضعيفا العدم تمسكا بأصالة البراءة.
__________________
(١) في « م » : ومع تعذره.
(٢) التذكرة ٢ : ٢٠١.
وكذا المديون والغاصب إذا حملا الدين أو الغصب اليه.
ولو أراد السفر فدفنها ضمن ، إلا أن يخاف المعاجلة. ومن حضرته
______________________________________________________
قوله : ( وكذا المديون والغاصب إذا حملا الدين أو الغصب إليه ).
ولا يتقيد هذا بإرادة السفر ، ولا بحصول الحاجة بالنسبة إلى الغاصب ، لأن يده يد عدوان ، وينبغي أيضا في المديون ذلك ، لأن براءة الذمة أمر مطلوب ، والمراد بقوله : ( وكذا ... ) المساواة بينهما وبين المستودع في وجوب القبول على الحاكم إذا حملا المال إليه.
ويحتمل عدم وجوب القبول ، نظرا إلى أن البقاء في يد الغاصب أعود على المالك ، لكونه مضمونا في يده ، وكذا المديون ، لأن الدين في ذمته.
قوله : ( ولو أراد السفر فدفنها ضمن إلا أن يخاف المعاجلة ).
أي : لو أراد السفر ، فاقتصر في الوديعة على دفنها ضمن ، لأن ذلك تضييع لها ، فإنه ربما هلك في سفره فلا يصل إليها المالك ، أو انهدم المنزل فلا يعرف مكانها ، سواء كان موضع الدفن حرزا أم لا ، وسواء أعلم بها غير ثقة أو لم يعلم أحدا.
ولو أنه أعلم بها ثقة ، وكان ساكنا في الموضع بحيث يكون في يده ، وتعذر المالك والحاكم جاز ولا ضمان ، لأنه كالإيداع نص عليه في التذكرة (١) ، ومنه يعلم أن الدفن يعدّ حرزا.
ولو خاف المعاجلة فدفنها ، فلا ضمان وإن لم يردّها إلى المالك أو الحاكم ، ولم يجعلها تحت يد ثقة ، وفسّر شيخنا الشهيد المعاجلة بتفسيرين :
أحدهما : معاجلة السراق ، وهو المتبادر من عبارة التذكرة ، فإنه قال :
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٠٠.
الوفاة وجب عليه الوصية بما عنده من الوديعة فإن أهمل ضمن ، إلا أن يموت فجأة على اشكال.
______________________________________________________
ولو خاف المعاجلة عليها فدفنها فلا ضمان (١) ، وهو صحيح ، لأن حفظها حينئذ لا يكون إلا بالدفن ، لكن يعتبر الدفن في موضع يعد حرزا ، وشأنه أن يخفى على السراق.
الثاني : معاجلة الرفقة إذا أراد السفر وكان ضروريا ، وكان التخلف عن تلك الرفقة مضرا ، وإن وقع في كلامه مطلقا فإنه إذا دفن في حرز فلا ضمان عليه.
قوله : ( فإن أهمل ضمن ، إلا أن يموت فجأة على إشكال ).
ينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا ، فانّ موت من حضرته الوفاة فجأة غير متصور ، ومنشأ الإشكال : من تقصيره بترك الوصية المفضي إلى تلف الوديعة ، ومن أنه بنى على الظاهر ، فان الصحيح ظاهر حاله استمرار البقاء ، ما لم تحصل امارة الموت ، ولو وجب الضمان هنا لاقتضى وجوب الوصية على كل مستودع من حين قبض الوديعة ، حتى أنه لو أخر ساعة يضمن ، وعمل جميع الفقهاء على خلافه.
والحق أن هذا الإشكال في غاية الضعف ، لأن الإيصاء إذا لم يجب إلا عند امارة الموت ، لم يعد تركه بدونها تقصيرا ، فلا يترتب عليه الضمان بوجه ، والعجب أن الشارح الفاضل اختار الضمان هنا معللا بالتفريط (٢) ، ولا شبهة في فساده.
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١١٥.
ولو أوصى الى فاسق ، أو أجمل كقوله : له عندي ثوب وله أثواب ضمن ، أما لو قال : عندي ثوب ولم يوجد في التركة ثوب لم يضمن تنزيلا على التلف قبل الموت على اشكال.
______________________________________________________
قوله : ( ولو أوصى إلى فاسق أو أجمل ، كقوله : عندي ثوب وله أثواب ضمن ).
أما الوصية إلى الفاسق فإنها تزيد التضييع ، لأنه مع السلطان عليها أقرب إلى الخيانة (١) وأما مع الإجمال فلأنه لا يعرف حينئذ عين الوديعة ، فلا يكون الرد ممكنا بحسب العادة ، وذلك مناف للحفظ.
ويفهم من قوله : ( وله أثواب ) أنه لو لم يكن له إلاّ ثوب واحد لا ضمان عليه ، وكأنه تنزيلا للوصية عليه.
وفي التذكرة مال ـ بعد الإشكال ـ إلى أنه يضمن الوديعة لتقصيره بعدم تمييزها ، ولا يدفع إليه عين الموجود لاحتمال أن تكون الوديعة غيره (٢).
فإن قيل : يجوز أن تكون الوديعة قد تلفت قبل الوصية بغير تفريط ، فلا ضمان هنا ، والثوب الموجود من التركة.
قلنا : مقتضى كلام الموصي بقاؤها إلى حين الوصية ، والأصل عدم التلف ، فيعد ضامنا لعدم التمييز ، ويحتمل مع ذلك تنزيل إطلاقه على ذلك بالثوب ، لأن الأصل عدم غيره.
قوله : ( أما لو قال : عندي ثوب ولم يوجد في التركة ثوب لم يضمن ، تنزيلا على التلف قبل الموت على إشكال ).
ينشأ : من قول أكثر علمائنا بالضمان ، محتجين بظاهر قوله عليه
__________________
(١) في « م » : الجناية.
(٢) التذكرة ٢ : ٢٠١.
ولو وجد على كيس مختوم أنه وديعة فلان لم يسلّم اليه ، وكدا لو وجد في دستورة إلا بالبينة.
الثالث : التقصير في دفع المهلكات : فلو ترك علف الدابة أو سقيها مدّة لا تصبر عليه عادة فهلكت ضمن ، سواء أمره المالك أو لا ،
______________________________________________________
السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (١) والمسقط هو التلف من غير تفريط ، وهو مشكوك فيه ، ومن أن مجرد الاستيداع ليس سببا في الضمان ، بل السبب التفريط وهو غير معلوم ، فالحكم بالضمان مع عدم علم سببه باطل.
وينبغي أن يقال : إن أجمل الوصية ولم يبين الثوب ، بني الضمان على (٢) عد ذلك تقصيرا ، وإن بينه فلا مقتضي للضمان ، لأن الأصل براءة الذمة ، والواجب في الوديعة ردّها مع وجود العين لا بدونه ، والانتقال إلى البدل إنما هو مع الضمان ولا مقتضي له ، وهذا هو التحقيق.
واعلم أنه ليس المراد بالإيصاء دفع الوديعة إلى الوصي ، فإن هذا هو الإيداع الممنوع عنه مع عدم الحاجة ، وتعذر المالك والحاكم ( بل المراد الأمر بالرد من غير أن يخرجها من يده ، ولو أودع في هذه الحالة مع تعذر المالك والحاكم ) (٣) لم يمنع منه ، لأن ظهور أمارات (٤) الموت أشد خطرا من السفر.
واعلم أيضا أن حضور الوفاة المراد به حصول المرض المخوف ، والحبس للقتل ونحوه.
قوله : ( الثالث : التقصير في دفع المهلكات ، فلو ترك علف الدابة أو سقيها مدة لا تصبر عليه عادة فهلكت ضمن ، سواء أمره المالك أو لا ).
__________________
(١) السنن الكبرى ٦ : ٩٥ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، عوالي اللآلي ٣ : ٢٥١ حديث ٣.
(٢) في « ق » : ولم يبين الثوب في الضمان.
(٣) ما بين القوسين لم يرد في « م ».
(٤) في « ق » : امارة.
ويرجع على المالك وإن نهاه على أشكال إذا لم يتبرع ،
______________________________________________________
ولو لم تهلك بل نقصت ضمن النقص ، ولو لم يحصل واحد من الأمرين صار ضامنا وخرج عن كونه أمينا ، ويجب علفها وسقيها بما جرت العادة به بالنسبة إلى أمثالها ، ولا فرق في ذلك بين أن يأمره المالك بالعلف والسقي أو لا.
قوله : ( ويرجع على المالك وإن نهاه على إشكال إذا لم يتبرع ).
إذا علّف المستودع الدابة وسقاها كان له الرجوع على المالك ، لأن ذلك مأمور به شرعا ، إذ لا يتم الحفظ بدونه ، فلا تضييع عليه إن لم يقصد التبرع.
فلو نهاه المالك عن العلف والسقي ، فقام به لكونه واجبا عليه من ، حيث أنه حق لله تعالى ، وأنّ إتلاف المال منهي عنه ، فهل له الرجوع به على المالك مع قصد عدم التبرع؟ فيه إشكال ، ينشأ : من نهي المالك المقتضي لصدورهما بغير إذن وذلك هو التبرع ، ومن عدم اعتبار ذلك النهي فإنه محرّم ، والعلف والسقي لوجوبهما مأذون فيهما شرعا وإذن الشارع قائم مقام إذن المالك ، وهو الأصح ويتحقق عدم التبرع ظاهرا مع عدم إذن المالك ووكيله بإذن الحاكم ، ومع تعذره فبالإشهاد ، فان تعذر قال في التذكرة : الأقرب أنه يرجع مع قصده الرجوع وتقدم قوله في ذلك ، لأنه أعرف بقصده (١) ، هذا كلامه ، وهو حسن.
وتقديمه إنما هو باليمين ، والإنفاق عليها من مال المالك جائز مع الظفر به وتعذر إذنه ، لكن مع إذن الحاكم إن أمكن ، فان لم يوجد رأى الحاكم المصلحة في الاقتراض عليه ، أو إجارتها ، أو بيع بعضها ، أو بيعها ، ومع عدم الحاكم وانتقال الحكم إلى المستودع ، يقوم مقام الحاكم في ذلك.
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٠٣.
أما لو نهاه عن العلف أو السقي فتركه عصى ولا ضمان.
ويضمن لو ترك نشر الثوب المفتقر اليه ، أو طرح الأقمشة في المواضع التي تعفنها ، أو لم يعرض الثوب الذي يفسده الدود للريح ، ولو لم يندفع إلا باللبس وجب إلا مع نهي المالك.
ولو أمر خادمه بالسقي أو العلف لم يضمن ، لاعتياده.
______________________________________________________
قوله : ( أما لو نهاه عن العلف أو السقي فترك عصى ولا ضمان ).
أما عصيانه ، فلأنه ضيّع حق الله سبحانه ، وأما عدم الضمان ، فلأن إتلاف مال المالك بإذنه فلا يستعقب ضمانا.
قوله : ( ولو لم يندفع إلا باللبس وجب ، إلاّ مع نهي المالك ).
مقتضاه عدم الوجوب مع نهيه ، وهو مخالف لما في التذكرة (١) ، نظرا إلى أنّ إضاعة المال محرّمة.
قوله : ( ولو أمر خادمه بالسقي أو العلف لم يضمن لاعتياده ).
هذا إذا كانت الدابة مع ذلك في يده ، فلو أخرجها من يده وبعثها على يد الخادم للسقي أو العلف ، فإن لم يكن الخادم أمينا ضمن ، وإن كان أمينا فقد قال في التذكرة : الأقرب عدم الضمان ، لقضاء العادة بالاستنابة في ذلك (٢) ، وما قرّ به قريب.
وربما قيل : إن الوجهين مخصوصان بمن يتولى ذلك بنفسه ، فأما غيره فلا ضمان قطعا ، ولا يخلو من وجه.
إذا علم هذا ، فعبارة الكتاب مطلقة ، فتقتضي عدم الضمان وإن لم يكن
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٠٢.
(٢) التذكرة ٢ : ٢٠٣.
ولو أخرجها من منزله للسقي مع أمن الطريق أو خوفه ضمن ، إلا مع الضرورة كعدم التمكن من سقيها أو علفها فيه وشبهه.
الرابع : المخالفة في كيفية الحفظ : فلو عيّن له موضعا للاحتفاظ وجب الاقتصار عليه ، ويضمن لو نقل ، إلا الى ما هو أحرز أو مساو على رأي ، فإن تلفت بالنقل اليه كانهدامه ضمن. ولا يجوز نقلها إلى الأدون وإن كان حرزا ، إلا مع الخوف في إبقائها في الأول وعدم تمكنه من المساوي.
______________________________________________________
الخادم أمينا ، إلا أن يقال : الحكم بعدم الضمان إذا كان فعل الخادم مجرد السقي ، لا أخذ الدابة إلى الماء والعلف.
قوله : ( ولو أخرجها من منزله للسقي مع أمن الطريق أو خوفه ضمن ، إلا مع الضرورة ، كعدم التمكن من سقيها وعلفها فيه وشبهه ).
قال في التذكرة : ولو أخرجها من غير ضرورة للعلف والسقي ، فإن كان الطريق آمنا لا خوف فيه وأمكنه سقيها في موضعها ، فالأقرب عدم الضمان ، لاطراد العادة بذلك (١). هذا كلامه ، وما ذكره قريب ، لأن الحفظ إنما ينزّل على الأمور المطردة في العادة.
قوله : ( الرابع : المخالفة في كيفية الحفظ ، فلو عين له موضعا للاحتفاظ وجب الاقتصار عليه ، ويضمن لو نقل ، الا إلى ما هو أحرز أو مساو على رأي ).
صرّح الشارح (٢) وشيخنا الشهيد في حواشيه بأن الرأي في المساوي ، وهو الظاهر من عبارة الشارح العميدي ، وعبارة الشرائع (٣) والإرشاد (٤) تشهد
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١١٧.
(٣) الشرائع ٢ : ١٦٤.
(٤) الإرشاد ( مخطوط ) : ١٣٣.
______________________________________________________
بذلك ، فعلى هذا النقل إلى الأحرز جائز ولا ضمان به قولا واحدا ، على ما يفهم من كلامهم.
ويدل عليه أن الرضى بوضع الوديعة في الأدون يدل على الرضى بالوضع في الأحرز بطريق أولى ، وأما المساوي ففيه قولان يلتفتان إلى أن تعيين الموضع أفاد تقدير الحرز به فقط ـ وأن المراد ما كان في هذه المرتبة ، كما كان تعيين زرع الحنطة في الإجارة ، وهذا الراكب دال على جواز المساوي والأدون ـ أو أن المتبادر من التعيين هو الواجب؟
ولا ريب أن الانتقال إلى المساوي غير ظاهر ، لثبوت المخالفة ، بخلاف الأحرز ، لدلالة مفهوم الموافقة على الرضى به.
ويشكل بأنه مع التعيين لشخص الحرز لا يدل ذلك على الرضى بالأحرز بمفهوم الموافقة ولا بغيره ، لأن شرط هذه الدلالة العلم بعلة الحكم ، وثبوتها في المسكوت عنه بوجه أقوى ، وذلك مع التعيين منتف ، لإمكان أن يراد خصوص المعين.
وحينئذ لا فرق بين الأحرز والمساوي من حيث الدليل ، لكن اللائح من كلام جميع من الأصحاب أنه لا خلاف في الأحرز ، فتشكل حينئذ المخالفة ، وإطلاق كلام ابن إدريس في السرائر يقتضي عدم الجواز مطلقا ، حيث قال في سياق الضمان : أو خالف مرسوم صاحبها في كيفية حفظها (١) ، فإن من المخالفة نقلها إلى الأحرز في هذه الصورة.
واعلم : أن الحكم بضمانه بتلفها بانهدام المنزل المنقول اليه ، مع تجويز النقل مما لا يجتمعان ، فان النقل إن استفيد الاذن فيه من كلام المودع فلا ضمان به ، ولا يثبت به الضمان مطلقا ، والذي يقتضيه النظر الضمان
__________________
(١) السرائر : ٢٦٣.
ولو نهاه عن النقل من حرز معين ضمن بالنقل إلى الأحرز والمساوي ، إلا أن يخاف تلفها فيه ولو قال : وإن تلفت.
ولو عين له حرزا بعيدا عنه وجب المبادرة إليه بما جرت العادة ، فإن أخر متمكنا ضمن.
ولو وضعها فيما عينه له فخاف من غرق أو حرق وجب نقلها الى حرز غيره ، فإذا تركها والحال هذه ضمنها ، سواء تلفت بالأمر المخوف أو بغيره.
______________________________________________________
مطلقا ، والمنع من النقل مطلقا إلا أن القول به موقوف على وجود الموافق.
قوله : ( ولو نهاه عن النقل من حرز معين ضمن بالنقل إلى الأحرز والمساوي ، إلا أن يخاف تلفها فيه ).
فإنه لا يضمن حينئذ ، حيث ان النقل جائز ، بل واجب ، لأنه مقدمة الحفظ المطلوب بالوديعة ، فيضمن لو أخل به حينئذ كما سيأتي.
وقوله : ( ولو قال : وإن تلفت ) وصلي لما تقدم ، أي : لا ضمان عليه وإن قال له : لا تنقلها وإن تلفت ، وذلك لأن الحفظ واجب عليه ، للنهي عن إضاعة المال ، وإن كان لو ترك في هذه الصورة لا ضمان عليه كما سيأتي ان شاء الله تعالى.
قوله : ( ولو عين له حرزا بعيدا عنه وجب المبادرة إليه بما جرت العادة ، فإن أخر متمكنا ضمن ).
لأن الإطلاق إنما يحمل على الأمور المتعارفة في العادة ، ولا يجوز التأخير لاستكمال وطره ، فيضمن.
قوله : ( ولو وضعها فيما عينه له ، فخاف من غرق أو حرق وجب نقلها إلى حرز غيره فان تركها والحال هذه ضمنها ، سواء تلفت بالأمر المخوف
ولو قال : لا تنقلها وإن خفت فنقلها من غير خوف ضمن ، ولو نقلها مع الخوف أو تركها لم يضمن كما لو قال : أتلفها.
ولو ادعى الناقل عن المعين السبب كالغرق فأنكر المالك احتمل تقديم قول المالك لإمكان إقامة البينة ، وقول الودعي لأنه أمينه.
______________________________________________________
أو بغيره ).
هذا شامل لما إذا عين له الموضع ، سواء نهاه عن النقل ولم يقل : وإن خفت تلفها ، أم لم ينهه ، لأنه في كل من الموضعين مأمور بالنقل الذي لا يتم الحفظ بدونه.
وبين حكم القسم الآخر ، وهو ما إذا قال : وإن خفت تلفها ، بقوله : ( ولو قال : لا تنقلها وإن خفت ، فنقلها من غير خوف ضمن ، ولو نقلها مع الخوف أو تركها لم يضمن ، كما لو قال أتلفها ).
قد سبق ذكر الحكم الأول غيره مرة.
وأما الثاني ، فلأن النقل واجب عليه ، فإذا أتى به كان مبالغا في الحفظ ومحسنا فلا يضمن ، وإن لم يأت به كان التلف المستند إلى عدم النقل مستندا إلى المالك ، لأنه على وفق قوله فلا ضمان به ، كما لو قال له : أتلفها فأتلفها.
قوله : ( ولو ادعى النقال عن المعين السبب كالغرق ، فأنكر المالك احتمل تقديم قول المالك لإمكان إقامة البينة ، وقول الودعي لأنه أمينه ).
ولأنه محسن فلا سبيل عليه ، ولأنه إنما قبض لمحض مصلحة المالك فلا يناسب عدم قبول قوله بيمينه ، ولأن عدم تقديم قوله يقتضي إلى تنفر الأمناء من الوديعة فربما أدى إلى تعذر حصولها.
ويضعف الأول : بأن إمكان إقامة البينة لا يستلزم توقف القبول على
ولو أمره بالوضع في المنزل فوضعها في ثيابه ضمن ، ولو قال : ضعها في كمك فجعلها في جيبه لم يضمن ، لأنه أحرز ، ويضمن بالعكس. ولو قال : اربطها في ثوبك فجعلها في يده احتمل الضمان لكثرة السقوط من اليد ، وعدمه لأنها أحفظ من الطرار بالبط.
أما لو استرخى بنوم أو نسيان فإنه يضمن ،
______________________________________________________
إقامتها ، كما في دعوى التلف ، ومن هذا ظهر أن تقديم قوله باليمين قوي.
قوله : ( ولو قال : ضعها في كمك ، فجعلها في جيبه لم يضمن ، لأنه أحرز ).
بل يضمن على ما حققناه : من أنه لا يجوز النقل إلى الأحرز إذا عين المودع موضعا.
قوله : ( ولو قال : اربطها في ثوبك فجعلها في يده ، احتمل الضمان لكثرة السقوط من اليد ، وعدمه لأنها أحفظ من الطرار بالشق ).
في الصحاح : وقد يكون الطر الشق ، ومنه الطرار (١). إذا عرفت ذلك فالاحتمال الأول قوي (٢) لأن الكم أحرز ، وكون اليد أحفظ من الطرار إنما هو في حال اليقظة ، أما مع الغفلة والنسيان فلا ، وذلك من الأمور اللازمة ، وهل يكون الوضع في اليد حرزا مع إطلاق المودع؟ فيه احتمال.
قوله : ( أما لو استرخى بنوم أو نسيان فإنه يضمن ).
أي : أما لو استرخى الواضع في اليد ، والحال ما سبق من أنه أمره بالربط في الثوب ، فإنه يضمن ، لأن كون اليد حرزا ـ على القول به ـ إنما هو في حال اليقظة ، فإذا حصل الاسترخاء بنوم ونحوه فقد زالت الحرزية ، فيتحقق
__________________
(١) الصحاح ( طرر ) ٢ : ٧٢٥.
(٢) في « ق » : أقوى.
فإن ربطه امتثالا له وجعل الخيط الرابط من خارج الكم ضمن ، لأنه إغراء للطرار ، ولا يضمن لو جعله من داخل.
ولو نقل من صندوق الى صندوق والصناديق للمالك ضمن ، ولو كانت للمودع فهي كالبيوت ، ولو أمره بجعلها في صندوق من غير قفل فقفل عليها لم يضمن.
______________________________________________________
الضمان.
أو يقال : إنه قد خالف ، فاستند التلف إلى المخالفة ، فيشكل بأنه إذا كان جائزا لا تقصير فلا ضمان.
قوله : ( فان ربطه امتثالا له وجعل الخيط الرابط من خارج الكم ضمن ، لأنه إغراء للطرار ).
أي : بعث له على الشق حيث أعد له الفرصة ، ونبه على ما لم يكن بصدده.
قوله : ( ولو نقل من صندوق إلى صندوق والصناديق للمالك ضمن ).
لأن المالك بوضعه قد عين الحرز ، فإذا خالف ضمن ، إلا مع الخوف أو الحاجة ، وكذا لو كان الصندوق المنقول منه فقط للمالك.
قوله : ( ولو كانت للمودع فهي كالبيوت ).
ظاهر السياق يومئ إلى الفرق بين كون الصناديق للمالك والمستودع ، وليس بواضح ، فان الوضع من المالك في صندوق المستودع إذا كان باذنه ، والإيداع على هذه الحالة لا يقصر عن تعيين البيت ، فلا يجوز النقل منه إلا في المواضع السابقة.
ويمكن أن يقال : إذا كان الصندوق للمالك ، فمجرد إخراج الوديعة منه
ولو قال : اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا فأدخل فيها ضمن ، سواء سرقت حال الإدخال أو بعده ، سرقها من دخل البيت أو غيره.
ولو قال : اجعل الخاتم في الخنصر فوضعه في البنصر لم يضمن ، بخلاف العكس.
______________________________________________________
تصرف فيها غير مأذون فيه ، فيجب به الضمان وإن كان إلى أحرز ، لأن ذلك تغيير بحال الوديعة ، بخلاف ما إذا كانت الصناديق للمستودع.
قوله : ( ولو قال : اجعلها في هذا البيت ولا يدخله أحد ، فأدخل قوما ضمن ... ).
لو أدخل واحدا ضمن ، فليس إدخال القوم معتبرا في الحكم.
قوله : ( ولو قال : اجعل الخاتم في الخنصر ، فجعله في البنصر لم يضمن ).
لأنه زاده حفظا وحراسة ، فان البنصر أغلظ من الخنصر ، فالحفظ فيه أكثر ، لأنه أبعد من القلع وأوثق ، لكن هذا إذا لم يكن وضعه في البنصر مفضيا إلى تلفه بالكسر أو الفك ونحوهما ، ولم يكن الخاتم لضيقه لا يبلغ أصل البنصر ، فيبقى في أنملته التي تلي أصله ، فإنه يضمن ، إذا لا يخفى ان أصل الخنصر أحرز من أنملة البنصر.
قوله : ( بخلاف العكس ).
فإنه لو أمره بوضعه في البنصر فوضعه في الخنصر ضمن للتضييع ، لكن هذا إذا كان بحيث يبلغ أصل البنصر ، أما إذا كان بحيث لا يبلغه ، فإن أصل الخنصر أوثق ، وهذا كله مبني على أن النقل إلى الأحرز عن المعين جائز اختيارا ، أما على المختار من عدم جوازه إلا عند الضرورة فلا يتأتى ذلك.
ولو لم يعين موضعها وجب حفظها في حرز مثلها ، ولا يضمن بالنقل عنه وإن كان الى أدون.
ولو كانت في بيت صاحبها فقال له : احفظها في موضعها فنقلها من غير خوف ضمن ، لا معه.
الخامس : التضييع : بأن يلقيها في مضيعة ، أو يدل عليها سارقا ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو لم يعين موضعا ، وجب حفظها في حرز مثلها أو أعلى ، ولا يضمن بالنقل عنه وإن كان إلى أدون ).
ينبغي أن يكون الضمير في ( عنه ) راجعا إلى الأعلى ، لأن الأدون من حرز مثلها ليس بحرز.
قوله : ( ولو كانت في بيت صاحبها فقال له : احفظها في موضعها فنقلها من غير خوف ضمن لا معه ).
أي : لو كانت الوديعة في بيت مالكها ، فقال له : احفظها في موضعها ، لم يجز له نقلها بحال وإن كان إلى أحرز قولا واحدا ، لأنه ليس بمستودع في الحقيقة ، وإنما هو وكيل في الحفظ ـ هذا إذا لم يكن خوف ـ فيضمن حينئذ ، لا إن نقلها مع الخوف فإنه لا يضمن ، لأنه محسن.
قوله : ( الخامس : التضييع ، بأن يلقيها في مضيعة أو يدل سارقا )
أي : على مكانها ، قال في التذكرة : لو أخبر المستودع اللص بالوديعة فسرقها ، فان عين له الموضع ضمن ، لأنه فرط في حفظها ، ولو لم يعين المكان لم يضمن (١).
ويستفاد من قوله : ( أو أقر بها لظالم ) أن مجرد الإخبار بها هنا يقتضي
__________________
(١) التذكرة ٢ : ٢٠٥.
أو أقر بها لظالم ، أو يسعى بها الى من يصادر المالك فيضمن.
ولو ضيع بالنسيان فالأقرب الضمان.
______________________________________________________
الضمان ، وهو جيد ، والفرق : أن الظالم إذا علم أخذها قهرا والسارق لا يمكنه السرقة إلا إذا علم موضعها.
ويمكن أن يقال : مجرد علم السارق موجب لسعيه في معرفة مكانها وأخذها ، فكان سببا لتضييعها.
قوله : ( أو يسعى بها إلى من يصادر المالك ).
أي : يأخذ أمواله ، وقد يقال : إن هذا كالمستغنى عنه ، لأن المصادر ظالم ، والسعاية بها إليه إجبار وزيادة.
قوله : ( ولو ضيع بالنسيان فالأقرب الضمان ).
أي : لو حصل تضييع الوديعة بسبب نسيانها ، كأن ترك نشر الثوب ـ حيث يفسده الدود بتركه ـ وسقي الدابة مع الضرورة ، وكذا إحرازها ونحو ذلك ، فالأقرب الضمان. ووجه القرب : أنه فرط بنسيانه ، لقدرته على التكرار الموجب للتذكار.
ويحتمل العدم ، لقوله عليهالسلام : رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (١).
والحق الضمان ، لأن التضييع موجب للتفريط ، المقتضي لكون يد المستودع يد عدوان ، لأنه إنما أذن له في وضع يده للحفظ ، والعدوان موجب للضمان ، سواء عد مقصرا بالنسيان أم لا ، فان من وضع يده على مال غيره بغير حق وأتلفه نسيانا ضامن لا محالة.
__________________
(١) الخصال : ٤١٧ حديث ٩.
ولو سلّمها الى الظالم مكرها استقر الضمان على الظالم ، والأقرب انتفاؤه عنه. وهل يجب عليه الاختفاء لو طلبه الظالم؟ الأقرب ذلك ،
______________________________________________________
قوله : ( ولو سلّمها إلى ظالم مكرها استقرّ الضمان على الظالم ).
لأن التلف لو فرض وقوعه إنما هو في يده.
قوله : ( والأقرب انتفاؤه عنه ).
وجه القرب : أنه غير مقصّر ، لأن الفرض أن جميع ما يجب للوديعة من الحفظ حاصل ، ويده يد أمانة ، فيجب أن ينتفي الضمان ، لانتفاء مقتضيه ، كما لو تلف بدون تقصير منه.
ويحتمل الضمان ، لأنه مباشر لتسليم مال الغير إلى غير مالكه ، ولعموم : على اليد ما أخذت حتى تؤدي (١) ، واختاره في التذكرة (٢).
والأصح العدم ، لأن الإكراه صيّر فعله منسوبا إلى المكره ، ولأنه محسن فلا سبيل عليه ، إذ التسليم باذن الشارع ، ولأن قبضه لها إنما كان لمصلحة المالك ، فلا يناسب تضمينه بغير عدوان ، ولما فيه من سدّ باب الوديعة.
ولو أمكنه مصانعة الظالم بشيء يرجع به على المالك ، فليس ببعيد القول بالوجوب ، لأنه مقدمة الواجب.
واعلم : أن الإكراه يختلف باختلاف الأحوال ، وقد بين في الطلاق.
قوله : ( وهل يجب عليه الاختفاء لو طالبه الظالم؟ الأقرب ذلك ).
وجه القرب : أنه مقدمة للواجب ، وهو الحفظ ، ويحتمل العدم ، لما فيه من الضرر ، والأصح الأول.
__________________
(١) عوالي اللآلي ٣ : ٢٥١ حديث ٣ ، السنن الكبرى ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٦٨ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ٨.
(٢) التذكرة ٢ : ٢٠٥.
ويجوز الحلف كاذبا للمصلحة ، وتجب التورية على العارف.
ولو أكرهه على التسليم أو اليمين فسلمه ضمن ، ولو اكره على لتسليم لم يضمن به ، فإن تمكن من الدفع وجب ، فإن أهمل ضمن ، ولا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع.
______________________________________________________
قوله : ( ويجوز الحلف كاذبا للمصلحة ، وتجب التورية على العارف ).
الأولى التعبير بالوجوب ، لأن جواز الحلف كذلك أنما يكون حيث يتوقف حفظ الوديعة عليه ، والحفظ واجب ، وإنما ساغ (١) الكذب ها هنا للمصلحة ، لأن ذهاب مال المسلم أشدّ قبحا من هذا الكذب ، وتجب التورية على العارف بها ـ بأن يقصد ما يخرجه عن الكذب ـ تفصيا عن ارتكاب القبيح ، ومتى لم يحلف فأخذها الظالم ضمنها.
واعلم : أن العبارة لا تخلو من مناقشة ، حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية ، ومعلوم أنه لا كذب معها ، ولو قال : ويجب الحلف على نفيها ويجب على العارف التورية ويغتفر لغيره الكذب للمصلحة ، لكان أولى.
واعلم : أنه يجوز قراءة الحلف بإسكان اللام على أنه مصدر ، وبكسره على أنه اسم لليمين.
قوله : ( ولو أكرهه على التسليم أو اليمين فسلّم ضمن ).
لأن الإكراه على أحد الأمرين ليس إكراها على أحدهما بعينه ، ومتى سلّم الوديعة مختارا ضمنها.
قوله : ( فإن تمكن من الدفع وجب ، فإن أهمل ضمن ، ولا يجب تحمل الضرر الكثير بالدفع ).
__________________
(١) في « ق » : يباح.
السادس : الجحود : وهو موجب للضمان إن كان مع المالك بعد مطالبته لا مع مطالبة غيره ، وفي سؤال المالك إشكال ، فإن لم يقم بينة أو لم يعترف فالقول قوله مع اليمين ، فإن أقيمت عليه البينة فادعى الرد أو التلف من قبل : فإن كانت صيغة جحوده إنكار أصل الوديعة لم يقبل قوله بغير بينة ولا معها على الأقوى ، لتناقض كلاميه.
______________________________________________________
متى تمكن من دفع الظالم عن الوديعة بوجه من الوجوه وجب ، إذا لم يكن في الدفع ضرر كثير عادة ، فإن أهمل حيث لا ضرر ضمن ، ومعه لا ضمان ، ومتى أمكن مصانعة الظالم عنها بشيء من المال فليس ببعيد الوجوب ، كمئونة العلف ، ويرجع به على المالك مع عدم التبرع.
قوله : ( السادس : الجحود ، وهو : موجب للضمان إذا كان مع المالك بعد مطالبته لا مع مطالبة غيره ، وفي سؤال المالك إشكال ).
أي : لو أنكر في وقت سؤال المالك إياه ، بقوله : لي عندك وديعة ، ففي ضمانه إشكال ، ينشأ : من أنه بإنكاره منع المالك عن طلبها ، فكان كمنعه عقيب المطالبة ، ومن أنه لم يصدر من المالك طلب ، والمنع مترتب عليه.
وفيه نظر ، لأن جحود الوديعة يقتضي كون المستودع ليس عن المالك ، لأن نفي الملزوم يقتضي نفي لازمه من حيث هو لازمه ، فلا يكون أمينا عنه فيضمن ، وهو الأقرب.
ومتى أظهر عذرا لجحده ـ سواء كان بعد طلب المالك أو سؤاله ـ بنسيان أو غلط ونحو ذلك وصدّقه المالك لم يضمن.
قوله : ( فإن كان صيغة جحوده إنكار أصل الوديعة ، لم يقبل قوله بغير بينة ، ولا معها على الأقوى ، لتناقض كلامه ).
قال ابن الجنيد : تسمع دعواه من غير بينة ، فإذا حلف سقط الضمان ،
وإن كان صيغة الجحود : لا يلزمني شيء قبل قوله في الرد والتلف مع البينة ، وبدونها في الأخير ، وفي الأول على رأي.
______________________________________________________
لأن إنكاره يجوز أن يكون عن سهو ونسيان لها (١). ومنع الشيخ (٢) من سماعها بدون البينة ومعها ، وهو الأصح ، لأنه بإنكاره مكذب لدعواه الهلاك.
قال المصنف في المختلف : نعم لو طلب إحلاف الغريم كان له ذلك (٣).
قلت : فيه نظر ، لأن المقتضي لمنع سماع بينته هو تكذيبه لدعواه ، وهو قائم هنا ، فلا يتوجه له اليمين ، إلاّ أن يقال : لعل الغريم يقرّ فينتفع.
لا يقال : البينة أقول من الإقرار ـ فحيث لا تسمع لتكذيبه إياها لا يعتد بالإقرار ، فلا يتوجه اليمين طمعا فيه ـ لأنا نقول : إذا رجع عن التكذيب في الإقرار سمع ، بخلاف البينة.
قوله : ( وإن كان صيغة الجحود : لا يلزمني شيء ، قبل قوله في الرد والتلف مع البينة ، وبدونها في الأخير وفي الأول على رأي ).
الفرق بين الصيغتين : أن الثانية لا تنافي حصول الإيداع ، بخلاف الأولى ، فحينئذ تقبل بينته على الرد أو التلف ، وبدونها تثبت بيمينه دعواه التلف ، لأنه أمين ، وهو الذي عناه بقوله : ( الأخير ) و ( الأول ) هو الرد ، وفي قبول قوله بيمينه فيه خلاف ، من حيث أنه محسن وأمين ولا اجرة له في مقابل الحفظ ، ومن عموم : « البينة على المدعي » (٤).
وربما فصّل في ذلك ، ففرق بين ادّعاء التلف بسبب ظاهر ، أو خفي ،
__________________
(١) نقله عنه العلامة في المختلف : ٤٤٦.
(٢) المبسوط ٤ : ١٤١.
(٣) المختلف : ٤٤٦.
(٤) الكافي ٧ : ٤١٥ حديث ١ ، التهذيب ٦ : ٢٢٩ حديث ٥٥٣.