جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو كانت قيمة كل منهما خمسة ، وساوى المصبوغ عشرة ، إلا أن قيمة الثوب ارتفعت للسوق إلى سبعة ، وانحطت قيمة الصبغ إلى ثلاثة فللمالك سبعة.

ولو ساوى اثني عشر فللمالك نصفها وخمسها ، وللغاصب خمسها وعشرها ، وبالعكس إذ النقص السوقي غير مضمون.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كانت قيمة كل منهما خمسة وساوى المصبوغ عشرة ، إلا إن قيمة الثوب ارتفعت للسوق إلى سبعة ، وانحطت قيمة الصبغ إلى ثلاثة فللمالك سبعة ).

هذا إذا بيعا معا.

قوله : ( ولو ساوى اثني عشر فللمالك نصفها وخمسها ، وللغاصب خمسها وعشرها ).

أي : لو ساوى اثني عشر ، والحال أن قيمة الثوب سبعة والصبغ ثلاثة فإنا نقسطها باعتبار استحقاق كل منهما من عشرة ، وقد كان للمالك منهما نصف وخمس وهو سبعة ، وللغاصب خمس وعشر وهو ثلاثة.

لكن يشكل على عبارته قوله أولا : أن كل واحد من الثوب والصبغ يساوي خمسة ، فإنه لو تغير السوق لا أثر له ، بل يتعلق الحكم بما صار اليه.

ويجاب بأن المراد : أن كلا منهما يساوي بعد الخمسة ما ذكره ، فالثوب سبعة والصبغ ثلاثة ، ثم بيع المجموع بزيادة عن القيمة.

قوله : ( وبالعكس إذ النقص السوقي غير مضمون ).

أي : لو كان كل واحد منهما يساوي خمسة ، ثم انخفض الثوب وارتفع الصبغ ينعكس الحكم المذكور ، لأن نقص السوق غير مضمون إذا لم يستند الى نقص في العين أو صفاتها.

٣٠١

ولو مزج الزيت بزيته المساوي أو الأجود تشاركا ، وبالأردإ يتخير المالك بالمثل ، والعين مع الأرش.

______________________________________________________

وفي حواشي شيخنا الشهيد : كان يكفي لو أراد الاختصار ، ولو زاد أحدهما للسوق فعلى النسبة ، لكن لا بد أن يزيد أن يقص لينطبق على المسائل كلها.

قوله : ( ولو مزج الزيت بزيته المساوي أو الأجود تشاركا ).

هذا هو الأصح ، لأن الزيادة الحاصة زيادة صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا ، فلا يسقط حق المالك من العين بسببها ، كما لو صاغ النقرة ، وعلف الدابة فسمنت. وقال الشيخ (١) ، وابن إدريس بسقوط حقه من العين لاستهلاك ماله فيتخير الغاصب بين الدفع من العين ، لأنه تطوع بالزائد ، وبين دفع المثل (٢) ، والأول هو الأصح.

ولو ثبت ما قاله من الاستهلاك لورد مثله في المزج بالمساوي ، فإن عين المال مستهلكة لا يمكن فصلها.

فإن قيل : يمكن فصل البعض فلا يسقط حقه منه.

قلنا : فكذا هنا.

فإن قيل : هنا زيادة.

قلنا : هي زيادة صفة لا زيادة عين ، فلا تقدح في بقاء الحق.

قوله : ( وبالأردإ يتخير المالك في المثل والعين مع الأرش ).

وجهه : أن حقه من العين لا يسقط بالكلية بفعل الغاصب مع إمكان التوصل الى البعض ، والنقص في الخليط يجب عليه جبره بالأرش ، لأنه مقدمة‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٧٩.

(٢) السرائر : ٢٧٦.

٣٠٢

ولو مزجه بالشيرج فهو إتلاف فعليه المثل.

ومزج الحنطة بالشعير ليس بإتلاف ، بل يلزم بالفصل بالالتقاط وإن شق.

ولو استدخل الخشبة المغصوبة في بنائه ألزم بالعين وإن أدى الى الهدم.

ولو رقع باللوح المغصوب سفينته وجب قلعه إن كانت على الساحل ، أو كان اللوح في أعلاها بحيث لا تغرق بقلعه. ولو كانت في اللجة وخيف الغرق بقلعه فالأقرب الرجوع الى القيمة الى أن تخرج الى‌

______________________________________________________

الواجب ، وله المطالبة بالمثل ، لأنه في حكم استهلاك عين ماله ، لاختلاط كل جزء من مال المالك بجزء من مال الغاصب ، وهو أدون من الحق فلا يجب قبوله فينتقل الى المثل في الجميع.

قوله : ( ولو مزجه بالشيرج فهو إتلاف فعليه المثل ).

أي : لو مزجه بغير الجنس فهو تالف ، لبطلان فائدته وخاصيته ، واحتمل في التذكرة قويا ثبوت الشركة ، كما لو مزجاه بالرضى أو امتزجا بأنفسهما (١).

ويشكل : بأنا على هذا التقدير إن خيرنا المالك بين أخذه مع أرش النقص إن كان ، وبين المثل فقد أثبتنا له أخذ غير (٢) الجنس في المثلي وهو مناف لثبوت المثل في المثلي ، وإن خيرنا الغاصب فقد حتمنا على المالك أخذ غير (٣) المثل ، ويعارض هذا بأن إسقاط حقه من العين مع وجودها أيضا مشكل.

قوله : ( ولو كانت في اللجة وخيف الغرق بقلعه فالأقرب الرجوع الى القيمة الى أن تخرج الى الساحل إن كان في السفينة حيوان له حرمة ،

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩٥.

(٢) في « ق » : عين.

(٣) في « ق » : عين.

٣٠٣

الساحل إن كان في السفينة حيوان له حرمة ، أو مال الغير الغاصب ، ولو كان له فالأقرب العين.

ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة وجب نزعها مع الإمكان ، ولو خيف تلفها لضعفها فالقيمة.

______________________________________________________

أو مال لغير الغاصب ).

ظاهر العبارة أن الحيوان الذي له حرمة يرجع معه إلى القيمة وإن كان للغاصب ، وقد نبه عليه في التذكرة (١). ووجه القرب : احترام الحيوان ومال الغير فيجمع بين الحقين بدفع القيمة.

والمراد بالحيوان المحترم : ما لا يجوز إتلافه مطلقا أو بغير الذبح.

ويحتمل ضعيفا أخذ العين ، لأنها وضعت بغير حق فيثبت جواز انتزاعها. وينبغي أن يقال : إذا كان المال لعالم بالغصب ووضعه بعد علمه فهو كمال الغاصب نبه عليه في التذكرة (٢).

قوله : ( ولو كان له فالأقرب العين ).

لأنه عاد بفعله ومقدم على ذهاب ماله ، ولأن دفع المغصوب الى المالك واجب على الفور ولا يتم إلا بهذا ، ولأن عدوان الغاصب لا يناسبه التخفيف. ويحتمل ضعيفا العدم ، لإمكان الوصول إلى الحق (٣) بغير ضرر وله أمد ينتظر بخلاف البناء ، ويدفع القيمة الآن للحيلولة يحصل الجمع بين الحقين.

قوله : ( ولو خاط ثوبه بخيوط مغصوبة وجب نزعها مع الإمكان ، ولو خيف تلفها لضعفها فالقيمة ).

ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب ثم يضمن الغاصب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩٦.

(٢) المصدر السابق.

(٣) في « ق » : وصول الحق.

٣٠٤

وكذا تجب القيمة لو خاط بها جرح حيوان له حرمة ، إلا مع أمن التلف والشين ، ولو مات المجروح أو ارتد ففي النزع اشكال من حيث‌ المثلة.

______________________________________________________

النقص ، ولو لم يبق لها قيمة غرم جميع القيمة ، ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك ، كما سبق من أن جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين ، ولو استوعبت القيمة أخذها ولم يدفع العين.

قوله : ( وكذا تجب القيمة لو خاط بها جرح حيوان له حرمة ، إلا مع أمن التلف والشين ).

لا فرق بين أن يكون هذا الحيوان للغاصب أو لغيره ، أو يكون هو نفس الغاصب بحفظ النفس عن التلف ، ولو كان الحيوان مأكول اللحم وهو للغاصب فهل يؤمر بذبحه؟ وجهان : نعم ، لأن بذلك يصل الحق إلى مستحقه ، ولا ، لحرمة الحيوان ، ولهذا يؤمر مالكه بالإنفاق عليه ويمنع من إتلافه ، وكل محتمل.

ثم إن خاط به جرح نفسه فالضمان عليه ، وإن كان جرح غيره فإن كان غير عالم بالغصب ولا اذن فالضمان على الغاصب ، وإن أذن فكما لو أطعم المالك طعام نفسه جاهلا ، وإن كان عالما وأذن فقرار الضمان عليه ، وكذا قال في التذكرة (١) وفي الحكمين الأخيرين نظر ، لأن المباشر للإتلاف هو الغاصب وبالاذن لا يصير مباشرا.

واعلم انه إذا أمن التلف والمرض والشين المجوز للتيمم ، وكذا كل محذور يجوز معه العدول الى التيمم من الوضوء وجب النزع وإلا فلا ، صرح به في التذكرة.

قوله : ( ولو مات المجروح أو ارتد ففي النزع اشكال من حيث المثلة ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩٦.

٣٠٥

ولو أدخل فصيلا في بيته ، أو دينارا في محبرته وعسر إخراجه كسر عليه وإن نقصت قيمته عنها ، ولو لم يكن بفعله غرم صاحب الفصيل والدينار الأرش ، سواء كان بفعله أو لا. ولو نقصت قيمة الدينار عن قيمة المحبرة وأمكن إخراجه بكسره كسر.

______________________________________________________

المنهي عنها ، ومن وجوب رد الملك الى مالك ، وإنا في هذا من المتوقفين.

قوله : ( ولو ادخل فصيلا في بيته ، أو دينارا في محبرته وعسر إخراجه كسر عليه وإن نقصت قيمته عنها ).

أي : كسر كل من الباب والمحبرة وإن لم يكن المرجع بينا ، لأنه عاد بفعله هذا ، سواء كان الفصيل والدينار انقص قيمة مما يكسر أم لا.

قوله : ( ولو لم يكن بفعله غرم صاحب الفصيل والدينار الأرش ، سواء كان بفعله أو لا ).

اي : ولو لم يكن ذلك بفعل صاحب البيت والمحبرة غرم صاحب الفصيل والدينار أرش الكسر ، لأنه لتخليص ماله ، سواء كان ذلك بفعله أو بفعل غيره ، لكن لا بد أن يكون غاصبا للدينار والفصيل ، فإن الغاصب يجب عليه إيصال الملك الى مالكه وجميع مؤذن ذلك.

قوله : ( ولو نقصت قيمة الدينار عن قيمة المحبرة وأمكن إخراجه بكسره وهو كسر ).

لوجوب ارتكاب أخف الضررين عند التعارض ، وهذا إذا لم تكن محبرة الغاصب ، ولا يبعد أن يقال : إن الدينار يقبل العلاج والإصلاح بسرعة وسهولة ، إذ ليس إلا تجديد السكة بخلاف المحبرة ، فيكسر الدينار زادت قيمته أو نقصت ، نعم لو زاد نقصه على قيمة نقصان المحبرة اتجه كسرها وضمان الأرش.

٣٠٦

ولو أدخلت دابة رأسها في قدر واحتيج الى الكسر ، فإن كانت يد مالك الدابة عليها أو فرط في حفظها ضمن ، وإن لم تكن يده عليها : فإن فرط صاحب القدر بأن جعلها في الطريق مثلا كسرت ولا شي‌ء له ، ولو انتفى التفريط عنهما كسرت وضمن صاحب الدابة ، لأن ذلك لمصلحته.

______________________________________________________

فرع :

قال في التذكرة : فيما لو غصب شخص دينارا فوقع في محبرة الغير بفعل الغاصب أو بغير فعله كسره لرده ، وعلى الغاصب ضمان المحبرة ، لأنه السبب في ضمان المحبرة ، وإن كان كسرها أكثر ضررا من قيمة الواقع فيها ضمنه الغاصب ولم تكسر (١).

قوله : ( ولو أدخلت دابة رأسها في قدر واحتيج الى الكسر فإن كانت يد مالك الدابة عليها أو فرط في حفظها ضمن ).

لأن فعلها منسوب إليه في الحالتين ، فيكسر القدر صونا للحيوان ويضمن القيمة إن لم يكن لمكسور القدر قيمة ، وإلا فالأرش.

قوله : ( وإن لم تكن يده عليها ، فإن فرّط صاحب القدر بأن جعلها في الطريق مثلا كسرت ولا شي‌ء له ).

لاستناد ذلك الى تقصيره ، فلا يستحق بسببه شيئا.

قوله : ( ولو انتفى التفريط عنهما كسرت وضمن صاحب الدابة لأن ذلك لمصلحته ).

إنما يكسر القدر الصيانة ذي النفس عن الإتلاف ، وإنما يضمن صاحب الدابة ، ( لأن ذلك ) (٢) لمحض مصلحته ، إذ تخليص الدابة لا يكون إلا بالكسر.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩١.

(٢) لم ترد في « ق ».

٣٠٧

ولو نقصت قيمته لعيب ثم زال العين في يد الغاصب فلا ضمان مع بقاء القيمة.

______________________________________________________

فإن قيل : تخليص ما يبقى من القدر بعد الكسر أيضا يحصل بذلك فيكون الأرش عليهما. نعم لو لم يبق لمكسور القدر قيمة كان الإتلاف لمحض تخليص الدابة ، ومثله إخراج الفصيل من البيت ، لأنه تعطيل بعض جوانبه بكونه فيه.

قلنا : ذلك غير مقصود بل هو حاصل بالتبع ، وإنما المقصود بالقصد الأول خلاص الحيوان ، وفيه ما فيه.

ولو فرّطا معا كسرت القدر أيضا وضمن صاحب الدابة ، لأنه لمصلحته كما لو لم يفرطا ، ذكره في التذكرة (١). وهذه كلها مذكورة استطرادا ، فإن ذلك لو كان مع الغصب لكان الضمان على الغاصب.

فرع :

قال في التحرير في مسألة ما إذا ابتلع حيوان جوهرا ، ومسألة الفصيل وما معه : انه لو قال من عليه الضمان : أنا أتلف مالي ولا أغرم شيئا فله ذلك (٢). وفيه نظر ، لأنه إذا وجب عليه تخليص مال الغير في صورة التفريط كيف يستقيم ذلك.

قوله : ( ولو نقصت قيمته بعيب ، ثم زال العيب في يد الغاصب فلا ضمان مع بقاء القيمة ).

أي : بعد الزوال ، ويجي‌ء هنا الاشكال السابق ، من أن الزائل لا ينجبر بالعائد لكونهما مالين للمالك ، ولأن العيب موجب للأرش فأي دليل يدل على سقوطه.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩١.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ١٤٤.

٣٠٨

الفصل الثالث : في تصرفات الغاصب : ويحرم عليه كل تصرف سوى الرد ، فلو وطأ الجارية جاهلين بالتحريم فعليه مهر أمثالها أو عشر قيمتها مع البكارة ، ونصفه مع الثيوبة على الخلاف.

______________________________________________________

قوله : ( ويحرم عليه كل تصرف سوى الرد ).

مع أنه في حال الرد لا يخرج عن الغصب وعن حكم الضمان ، لكن امتنع التحريم لكون الرد واجبا.

قوله : ( فلو وطأ الجارية جاهلين بالترحيم فعليه مهر أمثالها ، أو عشر قيمتها مع البكارة ، ونصفه مع الثيبوبة على الخلاف ).

إذا وطأ الغاصب الجارية المغصوبة : فأما أن يكونا جاهلين بالتحريم كما لو كانا قريبي عهد بالإسلام ، أو عالمين ، أو الواطئ عالما دونها ، أو بالعكس ، ثم مع العلم إما أن يطأها مختارة ، أو مكرهة. ومع الجهل : إما أن يطأ بغير عقد ، أو مع العقد ، فهذه صور :

أ : إذا وطأها جاهلين بالتحريم وجب مهر المثل ، لأنه عوض منفعة البضع ، وبه قال الشيخ (١) ، وابن إدريس (٢) ، وقال بعض الأصحاب : إنه يجب العشر إن كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا (٣) ، للرواية (٤). ورد بأن ذلك ورد في من اشترى جارية ووطأها وكانت حاملا ، وأراد ردها فإنه يرد نصف عشر قيمتها فلا يقاس عليه.

وإن كانت بكرا قال في المبسوط : عليه أرش البكارة ، وقيل انه عشر قيمتها ، قال : ورواه أصحابنا (٥) ، وهذان القولان هما اللذان أرادهما المصنف‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٦٦.

(٢) السرائر : ٢٧٨.

(٣) نقل القول في السرائر : ٢٧٨.

(٤) التهذيب ٧ : ٦١ ـ ٦٣ حديث ٢٦٦ ـ ٢٧٢.

(٥) المبسوط ٣ : ٦٦.

٣٠٩

______________________________________________________

بقوله : ( على الخلاف ).

ثم إن الجارية لو كانت بكرا وافتضها بالوطء فهل يدخل أرش الجناية بإزالة البكارة في مهر المثل على القول به بأن يوجب مهر أمثالها بكرا وفي العشر على القول الآخر أم لا؟ فيه قولان :

أحدهما : يدخل واختاره المصنف في التحرير (١) ، وشيخنا الشهيد في الدروس (٢) ، لأن البكارة ملحوظة على تقدير وجوب المهر أو العشر.

والثاني : لا ، واختاره المصنف في التذكرة (٣) ، وهو أقوى ، لأن الوطء استيفاء لمنفعة البضع ، وازالة البكارة جناية فلا يدخل حكم أحدهما في الأخرى ، ولو لحظنا في مهر المثل كونها بكرا فكذلك ، لأن وطء البكر خلاف وطء الثيب ، ففي الحقيقة ذلك ملحوظ باعتبار الوطء لا باعتبار الجناية.

فعلى هذا يجب للبكارة شي‌ء زائد ، فهو إما العشر كما هو مختار المصنف في كتاب الحدود ـ والشيخ يقول أنه مروي (٤). فيجب عشران (٥) ، أو الأرش ـ اعني : نقصان القيمة ـ كما هو مختار ابن إدريس (٦) ، نظرا الى نقص المالية وعلى ما سبق من أن الواجب على الغاصب في الجناية التي لها مقدر أكثر الأمرين يجب هنا الأكثر من العشر والأرش ، فتكون الاحتمالات ثلاثة.

إذا عرفت هذا فقول المصنف : ( ويحتمل مع البكارة الأكثر من الأرش والعشر ) الظاهر أنه جار على عدم دخول أرش البكارة في الواجب بالوطء من‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ١٤٢‌

(٢) الدروس : ٣١٠.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٩٦.

(٤) المبسوط ٣ : ٦٦.

(٥) العبارة في نسخة « ق » مشوشة ، ووردت هكذا : والشيخ لا يقول الشيخ. انه مروي فيجب عشر وان زاد.

(٦) السرائر : ٢٧٨.

٣١٠

ويحتمل مع البكارة الأكثر من الأرش والعشر ، ومع العقد جاهلين الأكثر من الأرش والعشر ومهر المثل.

______________________________________________________

مهر المثل ، أو العشر وهو الاحتمال الثالث فيما يجب لزوال البكارة على الغاصب.

وتخيل أنه احتمال برأسه معادل للقولين السابقين وهم : أما أولا ، فلأن الناس بين قائلين : قائل بدخول أرش البكارة في الواجب بالوطء ، وقائل بعدمه ، وعلى هذا الخيال لا يستقيم على واحد من القولين.

أما على الدخول ، فلانه على هذا التقدير لا ينظر الى غير ما وجب بوطء البكر من دون التفات إلى أرش البكارة ، وأما على العدم فلا بد من وجوب الأرش مع الواجب بالوطء استقلالا ، فلا معنى لوجوب الأكثر فقط حينئذ.

وأما ثانيا ، فلأن اللازم على هذا التقدير وجوب الأكثر من الأرش والعشر أو مهر المثل ، لا الأكثر من الأرش والعشر ، لأن هذا إنما يكون بناء على وجوب العشر بالوطء وفرض كون الأرش أزيد ، فيبقى ما إذا أوجبنا مهر المثل ، وفرض كون الأرش أزيد لا تفي العبارة به مع ما عرفت من أنه لا قائل بذلك.

وأما ثالثا ، فلأن الأرش إنما يؤخذ عن الجناية فيبقى الوطء بغير عوض ، وكلام الشارح الفاضل (١) لا يكاد يتحصل منه ما يعول عليه ، وكلام الشارح الآخر قاصر ، ولا يخفى أن وجوب أكثر الأمرين أقوى ، بناء على ما قدمناه في أول الباب.

قوله : ( ومع العقد جاهلين الأكثر من الأرش والعشر ومهر المثل )

من الصور السابقة ذكرها : أن يعقد الغاصب على الجارية المغصوبة ، معتقدا كل منهما صحة النكاح فيطأها ، فالواجب بالوطء هو مهر المثل ليس إلا ، لأنه دخل على لزوم المسمى بالوطء وقد فات لفساد العقد فيجب مهر‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٨٨.

٣١١

ولو افتضها بإصبعه فعليه دية البكارة ، فإن وطأها مع ذلك لزمه الأمران وعليه اجرة مثلها من حين غصبها الى حين عودها ،

______________________________________________________

المثل قولا واحدا.

فإذا كانت بكرا وجب مع ذلك أكثر الأمرين من العشر وأرش البكارة ، للجناية بإزالة البكارة بناء على الاحتمال السابق من وجوب أكثر الأمرين على الغاصب. ويحتمل وجوب مهر المثل فقط بناء على التداخل ، ويحتمل وجوبه مع العشر أو الأرش (١) على القولين الآخرين ، هذا هو الذي يظهر من عبارة الكتاب.

فعلى هذا يقرأ قوله : ( ومهر المثل ) بالرفع عطفا على قوله : ( والأكثر ). وقد فهم الشارح السيد من العبارة أن الواجب أكثر الأمور الثلاثة ، والظاهر أنه وهم ، لأن الواجب بالعقد مهر المثل فكيف يتصور وجوب العشر أو الأرش لو كان أكثر ، والصحيح ما قلناه ، وعلى هذا فالراجح هو مختاره هنا.

قوله : ( ولو افتضها بإصبعه فعليه دية البكارة ).

لأن ذلك جناية ، وفي ديتها خلاف ، وبالنسبة إلى الغاصب يجب أكثر الأمرين على ما اخترناه.

قوله : ( فإن وطأها مع ذلك لزمه الأمران ).

أي : مع الافتضاض ، وإنما لزم الأمران لتعدد السبب واختلافه.

قوله : ( وعليه اجرة مثلها من حين غصبها الى حين عودها ).

يندرج فيه زمان الوطء ، وفيه شي‌ء ، لأنه قد ضمن منفعة البضع المستوفاة في ذلك الزمان.

__________________

(١) في « م » : مع الأرش.

٣١٢

فإن أحبلها لحق به الولد ، وعليه قيمته يوم سقط حيا وأرش ما نقص من الأم بالولادة.

ولو سقط ميتا فإشكال ينشأ : من عدم العلم بحياته ، ومن تضمين الأجنبي ، أما لو وقع بجنايته فالأقوى الضمان.

______________________________________________________

قوله : ( فإن أحبلها لحق به الولد وعليه قيمته يوم سقط حيا وأرش ما نقص من الأم بالولادة ).

إما إلحاقه به فللشبهة ، وأما وجوب قيمته يوم سقط حيا (١) ، لأنه وقت إمكان التقويم ، ولتحقق تفويته على المالك حينئذ ، فيقوم لو كان رقيقا ويسلم الى المولى مع أرش نقصان الأم بالولادة لو نقصت.

قوله : ( ولو سقط ميتا فإشكال ينشأ : من عدم العلم بحياته ، ومن تضمين الأجنبي ).

لو سقط الولد ميتا لا بجناية جان من الغاصب أو أجنبي ففي وجوب شي‌ء على الغاصب إشكال ينشأ : من عدم العلم بحياة الولد ووجوب شي‌ء فرع ثبوتها ، لأنه إنما يقوم بعد سقوطه حيا ، وهو قول الشيخ في المبسوط (٢) ، ومن اعترافه بتضمين الأجنبي لو سقط بجنايته ميتا ، والفرق غير ظاهر ، فإن عدم العلم بجنايته (٣) ثابت على كل من التقديرين ، والأصح الضمان فيضمن للمالك دية جنين أمة.

قوله : ( أما لو وقع بجناية فالأقوى الضمان ).

وجه القوة : ان السقوط عقيب الضرب يظهر منه أن الموت بسببه ، ويرد عليه الشك في الحياة فلا أثر للضرب. وربما فرق بين هذه والتي قبلها بأن‌

__________________

(١) في « ق » : حيا ، وأرش ما نقص من الأم بالولادة.

(٢) المبسوط ٣ : ٦٦.

(٣) في « م » : بحياته.

٣١٣

ولو ضربها أجنبي فسقط فعلى الضارب للغاصب دية جنين حر ، وعلى الغاصب للمالك دية جنين أمة.

ولو كانا عالمين بالتحريم : فإن أكرهها فللمولى المهر والولد والأرش بالولادة والأجرة ، وعلى الغاصب الحد ، ولو طاوعته حدا. وفي عوض الوطء إشكال ينشأ : من النهي عن مهر البغي ، ومن كونه حقا للمالك

______________________________________________________

الجاني لو كان أجنبيا يضمن للغاصب دية جنين حر وذلك يقتضي حياته ، فيضمن الغاصب للمالك لاستحقاقه على هذا التقدير. وليس بشي‌ء ، لأنه لو كان أصالة عدم الحياة مؤثرا لأثر على التقديرين ، والأصح الضمان.

فإن كان الجاني هو الغاصب ضمن دية جنين حر ، منها دية جنين رقيق للمالك والباقي للإمام عليه‌السلام. كما لو جنى الحر على زوجته الأمة فأسقطت جنينا ، وإن كان الجاني أجنبيا ضمن دية جنين حر وعلى الغاصب دية جنين رقيق كما ذكره المصنف بقوله : ( ولو ضربها أجنبي ... ).

قوله : ( ولو كانا عالمين بالتحريم فإن أكرهها فللمولى المهر والولد والأرش بالولادة والأجرة ، وعلى الغاصب الحد ).

من الصور التي سبق ذكرها : ما إذا كانا عالمين بالتحريم ، لكن الأمة مكرهة على الوطء فيكون الغاصب زانيا دونها ، فيجب مهر المثل للمولى ، لانتفاء المانع وهو كونها بغيا ، وله الولد ، لأنه نماؤها وهو غير لاحق بالغاصب لكونه ولد زنا بالنسبة اليه ، وأرش النقص بالولادة والأجرة ، وعلى الغاصب الحد لكونه زانيا.

قوله : ( ولو طاوعته حدا ، وفي عوض الوطء إشكال ينشأ : من النهي عن مهر البغي ، ومن كونه حقا للمالك ).

هذه من الصور السابقة أيضا ، وهي ما إذا طاوعته وكانا عالمين بالتحريم‌

٣١٤

أما لو كانت بكرا فعليه أرش البكارة ولا يلحق به الولد ، فإن مات في يد الغاصب ضمنه ، وإن وضعته ميتا فالإشكال كما تقدم

______________________________________________________

فيحدان لكونهما زانيين ، وهل يجب المهر عوض الوطء للمولى؟ فيه إشكال ينشأ : من النهي عن مهر البغي ، فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنه (١) ، وهو شامل لصورة النزاع ، ومن أنها مال لغيرها وبضعها حق له فلا يؤثر رضاها في سقوط حقه ، والنهي محمول على الحرة.

ويضعف بأن النهي المنقول على إطلاقه لا يجوز حمله على فرد خاص إلا بدليل ، وعوض البضع فيه شائبة التعبد فلا يثبت إلا حيث أثبته الشارع ، وليس البضع كسائر المنافع ، فإن الولي لو رضي بوطئها على مهر لم يصح ولم يستحق شيئا إلا مع العقد ، بخلاف سائر المنافع فلا تتحقق ماليته مطلقا بل على وجه مخصوص ، وهذا أقوى.

قوله : ( أما لو كانت بكرا فعليه أرش البكارة ).

أي : في صورة كونهما عالمين ، لأن إزالة البكارة جناية عليها فيجب أرشها ، وليست كالوطء.

قوله : ( ولا يلحق به الولد ، فإن مات في يد الغاصب ضمنه ، وإن وضعه ميتا فالإشكال كما تقدم ).

إنما لم يلحق الولد لكونه ولد زنى فيكون رقا للمولى ، لأنه نماء مملوكته وهو مضمون على الغاصب ، فإن وضعته ميتا فالإشكال في الضمان كما سبق للشك في حياته ، وربما رجح الضمان هنا بأن التقويم في الأول إنما هو بعد وضعه حيا بخلافه هنا ولا اثر له ، لأن المراد : التقويم المخصوص لا وجوب دية الجنين الذي يراد وجوبه في الموضعين ، والأصح الضمان هنا ايضا.

__________________

(١) سنن ابن ماجة ٢ : ٧٣٠ حديث ٢١٥٩ ، سنن الترمذي ٢ : ٢٧٣ حديث ١٢٩٣ ، سنن ابي داود ٣ : ٢٦٧ حديث ٣٤٢٨ ، الجامع الصغير ٢ : ٦٩٧ حديث ٩٤٥٦.

٣١٥

ولو كان بجناية جان ضمن جنين أمة.

ولو كان الغاصب عالما دونها لم يلحق به الولد ووجب الحد والمهر عليه ، وبالعكس تحد هي دونه ولا مهر على اشكال ويلحق به الولد.

ولو باعها الغاصب فوطأها المشتري عالما بالغصب فكالغاصب ، وفي مطالبة الغاصب بهذا المهر نظر ينشأ : من أن منافع البضع هل تدخل‌

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان بجناية جان ضمن جنين أمة ).

لما ذكرناه سابقا.

قوله : ( ولو كان الغاصب عالما دونها لم يلحق به الولد ، ووجب الحد والمهر عليه ).

هذه أيضا من الصور التي سبق ذكرها ، وهي ما إذا كان الغاصب عالما بالتحريم دونها فهو زان دونها ، فلا يلحق به الولد بل يكون للمولى نسبيا بالنسبة إليها ويجب عليه حد الزاني والمهر لكون الوطء محترما من طرفها.

قوله : ( وبالعكس تحد هي دونه ، ولا مهر على اشكال ، ويلحق به الولد ).

المراد بالعكس : أن تكون هي عالمة بالتحريم دونه ، وهي من الصور المذكورة سابقا ، وحكمها أو عليها الحد دونه ، ويلحق به الولد دونها فتجب قيمته على ما سبق ، وفي ثبوت المهر الاشكال السابق من كونها بغيا ، ومن أنها مال الغير ، والظاهر العدم.

قوله : ( ولو باعها الغاصب فوطأها المشتري عالما بالغصب فكالغاصب.

فكالغاصب في جميع الأحكام السابقة.

قوله : ( وفي مطالبة الغاصب بهذا المهر نظر ، ينشأ من أن منافع‌

٣١٦

تحت الغصب ،

______________________________________________________

البضع هل تدخل تحت الغصب ).

أي : في مطالبة المالك للغاصب بهذا المهر ـ وهو اللازم للمشتري الواطئ ، كما يطالبه بسائر المنافع التي استوفاها المشتري ، فيكون مخيرا في المطالبة لكل منهما ، وقرار الضمان على المشتري العالم دون الجاهل ـ نظر ينشأ : من [ أن ] منافع البضع هل تدخل تحت الغصب ، أم لا.

وقد ذكر المصنف في الركن الثاني : أن منافع البضع لا تضمن (١) بالفوات ، فإن اليد لا تثبت على منفعة البضع ، فإنها وإن كانت مملوكة للمولى إلا أن فيها شائبة التعبد ، فلا تجري مجرى سائر المملوكات ، ومن ثم يجوز تزويج الجارية المغصوبة دون بيعها وإجارتها ، لأن يد الغاصب حائلة بين المشتري والمستأجر وبين الجارية.

ولو تداعى اثنان نكاح امرأة لكانت الدعويان عليهما ولا ترجيح باليد ، ولو وطئت الزوجة بالشبهة فمهر المثل لها دون الزوج ، ولأن سائر المنافع تملك ملكا تاما ، فيجوز نقلها الى مالك آخر كسائر الأموال ، بخلاف منفعة البضع فإنها إنما يستحق الانتفاع والارتفاع بها.

لكن يرد على ما ذكره أن عدم دخول منافع البضع تحت الغصب أمر محقق عنده ، فكيف يتردد فيه ويبني النظر على التردد فيه؟

ولو قال : ينشأ من أن منافع البضع لا تدخل تحت الغصب ولا يضمن إلا بالاستيفاء وهو منحصر في جانب المشتري ، ومن أن عدم ضمانها وانتفاء دخولها تحت اليد إنما يمنع من استحقاق المطالبة بعوضها بالفوات ، أما إذا استوفيت فإنها مضمونة لا محالة فقد أدى الحال الى الغرم فجرى مجرى الجناية ولسببية الغاصب في ذلك لكان أولى وأوفق لما في التذكرة (٢).

__________________

(١) في « م » يضمن.

(٢) التذكرة.

٣١٧

ولا يجب إلا مهر واحد بوطئات إذا اتحدت الشبهة ، وفي تعدده بتعدده مع الاستكراه نظر.

______________________________________________________

ويضعف الثاني بأن المقتضي للضمان في حق الغاصب هنا منتف ، إذ الاستيفاء منتف في حقه ، واليد ليست سببا ، ووجوب المهر على المشتري لا يستدعي الوجوب على الغاصب مع انتفاء سببه ، وهذا أقوى ، ولا فرق في ذلك بين أن تقول : للمشتري الجاهل الرجوع بالمهر لو غرمه على الغاصب ، أو لا.

واعلم أن الشارح الفاضل قال : إن مراد المصنف بقوله : ( ينشأ من أن منافع البضع هل تدخل تحت الغصب ) أنه لو فوتها الغاصب بوطئها عالمين.

وهي مختارة هل يضمنها ، ويكون بمنزلة غصب منفعة أو لا ، قد ذكر المصنف في الاشكال السابق الى آخر كلامه (١).

ولا شبهة في أن ما ذكره وهم وليس مراد المصنف ، ولا تنطبق عليه عبارته ولا يستقيم البناء الذي ذكره ، لأن هذا الاشكال آت سواء ضمنا الغاصب إذا وطأها عالمين بالتحريم أم لم نضمنه.

قوله : ( ولا يجب إلا مهر واحد بوطئات إذا اتحدت الشبهة ).

نزل الشبهة منزلة النكاح الفاسد إذا وطأ فيه مرارا ، وهذا أيضا من الأمور التي خالف فيها منفعة البضع غيرها من المنافع.

ووجهه : أن مناط وجوب المهر هو الوطء حال الشبهة ، وهي متحدة فلا أثر لتعدد الوطء.

قوله : ( وفي تعدده بتعدده مع الاستكراه نظر ).

ينشأ : من تعدد السبب ، ومن تخيل أن السبب هنا هو الوطء ، إذ لا‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٩٠.

٣١٨

ومع الجهل ينعقد حرا ، ويضمن المشتري القيمة ويرجع بها على الغاصب ، فإن الشراء لا يوجب ضمان الولد ، ويضمن المشتري أجرة المنفعة التي فاتت تحت يده ، ومهر المثل عند الوطء ، وقيمة الولد عند انعقاده حرا ،

______________________________________________________

شبهة هنا ، والوطء صادق مع الوحدة والكثرة ، والأصح التعدد ، لأن الاستكراه بمنزلة الشبهة في حق المكرهة فإذا تعدد كان كما لو تعددت الشبهة.

قوله : ( ومع الجهل ينعقد حرا ويضمن المشتري القيمة ).

أي : ينعقد الولد حرا لكونه نسبيا حينئذ للشبهة ، ويضمن القيمة للمالك كما سبق في الغاصب.

قوله : ( ويرجع بها على الغاصب فإن الشراء لا يوجب ضمان الولد ).

وذلك لأن الولد على تقدير صحة الشراء يكون للمشتري مجانا بغير عوض ، بخلاف المبيع فإنه في مقابل الثمن فليس مجانا فيكون مضمونا بهذا الاعتبار ، ولهذا لا يرجع بمقدار الثمن لو لم يكن سلمه.

قوله : ( ويضمن المشتري أجرة المنفعة التي فاتت تحت يده ).

لأنها مضمونة بمجرد إثبات اليد.

قوله : ( ومهر المثل عند الوطء ).

لأن منفعة البضع (١) تضمن بالاستيفاء.

قوله : ( وقيمة الولد عند انعقاده حرا ).

ينبغي أن يعلق الظرف بـ ( يضمن ) لأنه أول أوقات دخوله في ضمانه ، لكن لا يجوز جعله ظرفا للقيمة ، لأن القيمة الواجبة عند سقوطه حيا ، وحمل‌

__________________

(١) في « ق » : الوطء.

٣١٩

ويرجع بكل ذلك على الغاصب مع جهله ، ويغرم قيمة العين إذا تلفت ولا يرجع ، وكذلك المتزوج من الغاصب لا يرجع بالمهر.

وفي رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف.

______________________________________________________

انعقاده حرا على سقوطه حيا تكلف بعيد.

قوله : ( ويرجع بكل ذلك على الغاصب مع جهله ).

لمكان الغرر وإن كان في بعضها خلاف سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

قوله : ( ويغرم قيمة العين إذا تلفت ولا يرجع ).

أي : وإن كان جاهلا ، لأنه إنما دخل على كونها مضمونة بالمعنى الذي حققناه ، فلا يتحقق له غرور بالنسبة إليها مع جهله ، لكن هذا إنما يستقيم بالنسبة الى ما قابل الثمن ، فلو زادت قيمة العين على الثمن فالأصح رجوعه بالزائد ، لدخوله على أنه في حكم ما لا عوض له فيتحقق الغرور فيه.

قوله : ( وكذلك المتزوج من الغاصب لا يرجع بالمهر ).

لأنه دخل على وجوب المهر فلا تغرير فيه ، لكن لو كان المسمى أقل من مهر المثل ينبغي أن يرجع بالزائد لتحقق الغرور فيه ، وأطلق العبارة في التذكرة كما هنا وإن كان آخر كلامه دالا على ما قلناه ، حيث قال : والضابط في هذه المسائل أن ينظر فيما غرمه من ترتيب يده على الغاصب عن جهل إن شرع فيه على أن يضمنه لم يرجع به ، وإن شرع على أن لا يضمنه فإن لم يستوف ما يقابله رجع به ، وإن استوفاه فقولان للشافعية (١).

قوله : ( وفي رجوع المشتري بقيمة منفعة استوفاها خلاف ).

قد سبق بعض المسائل التي حكم فيها بالرجوع مع أنها من هذا القبيل‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩٨ ، الوجيز ١ : ٢١٣.

٣٢٠