جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو أبق العبد ضمن في الحال القيمة للحيلولة ، فإن عاد ترادا. وللغاصب حبس العبد الى أن يرد القيمة عليه على اشكال فإن تلف العبد محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع‌ الأولى.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أبق العبد ضمن في الحال القيمة ، للحيلولة ، فإن عاد ترادا ).

أي : لو أبق العبد من يد الغاصب ضمن في الحال القيمة ، للحيلولة بين المالك وبينه في يده وهي يد ضمان ، ويملك المالك القيمة المأخوذة فيتصرف بها أي تصرف أراد ، فإن عاد وجب رد كل من المالين الى مالكه متى طلبه أحدهما ، بل يجب على الغاصب رد العبد مطلقا على الفور ، فإن العبد لم يخرج عن المالك بأخذ القيمة لأنها للحيلولة. ولو تلفت القيمة المأخوذة للحيلولة فلا تصريح فيما أعلمه الآن ، لكن ظاهر إطلاقهم أن العبد باق على الملك يقتضي وجوب البدل.

واعلم ان هنا إشكالا ، فإنه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتضح معناه.

قوله : ( وللغاصب حبس العبد الى أن يرد القيمة عليه على اشكال )

ينشأ : من أنه دفعها عوضا فله حبس المعوض الى أن يقبض العوض كسائر المعاوضات ، ومن أنها ليست معاوضة حقيقة ، وإنما قبضه المالك ارتفاقا ومحافظة على مصلحته ، وقد كان تسليم العبد واجبا على الفور ، والأصل بقاؤه.

ولا يجوز حبس مال في مقابل مال أخر قد حبسه مالك المال الأول ظلما ، لأن من ظلم لا يظلم ، والأصح أنه ليس له ذلك.

قوله : ( فإن تلف العبد محبوسا فالأقرب ضمان قيمته الآن واسترجاع الأولى ).

٢٦١

ولو تنازعا في عيب يؤثر في القيمة ففي تقديم أحد الأصلين نظر.

______________________________________________________

هذا مبني على جواز الحبس ، لأن المصنف يرى القول بأعلى القيم ، ووجه القرب : إن حكم الغصب قد زال بدليل جواز الحبس الى أن يقبض ما دفعه للحيلولة ، وهذه اليد غير الاولى لكونها مستحقة ، ووجوب رد المالك القيمة الأولى ، فإذا تلف ضمنه بقيمته وقت التلف ، فيسترجع (١) القيمة الاولى ، وكان حقه أن يقول : يسترجع الزائد.

قال الشارح العميد : هذا إنما يتمشى على وجوب قيمة يوم التلف ، أما لو أوجبنا الأكثر كان له الأكثر من القيمتين الاولى والثانية. هذا كلامه ، ووجهه : انه إن كان الأقل هو القيمة الأولى فإنه قد دفعها عوضا عن العين باستحقاق (٢) فلا يجب ما سواها ، وإن كان الأقل هو الثانية فهي المستحقة بالتلف ، لأن الأولى للحيلولة وقد زالت بجواز الحبس. وفيه نظر ، لأن المدفوع للحيلولة لم يكن عوضا عن العين قطعا ، ولهذا لا يخرج بذلك عن ملك المالك ، ولا يستقر ملكه على المدفوع. وحيث كانت العين باقية على ملك المالك مضمونة على الغاصب وخرج بجواز الحبس الى أن يقبض القيمة عن كونه غاصبا وجب قيمة يوم التلف ، على ما اخترناه من وجوب قيمة يوم التلف ، فالواجب قيمة يوم التلف هنا ، والأصح انه لا يجوز له الحبس بذلك كما سبق فلا يتغير الحال.

قوله : ( ولو تنازعا في عيب يؤثر في القيمة ففي تقديم أحد الأصلين نظر ).

ينشأ : من تعارضهما ، فإن الأصل براءة الذمة من أرش ذلك ، والأصل السلامة في العبد الى حين إثبات اليد عليه ، فتعارضهما أوجب التردد.

__________________

(١) في « ق » : فيرجع.

(٢) في « ق » : من العين باستحقاقه.

٢٦٢

والذهب والفضة يضمنان بالمثل لا نقد البلد على رأي ، فإن تعذر واختلف المضمون والنقد في الجنس ضمنه بالنقد ، وإن اتفقا فيه وفي الوزن ضمنه به ، وإن اختلفا في الوزن قوم بغير جنسه حذرا من الربا.

______________________________________________________

ولا يخفى أن التعارض غير واضح ، لأن أصالة السلامة من العيب تقتضي شغل ذمة الغاصب بضمان جميع العبد ، ومع ذلك فلا يبقى أصل البراءة ( كما كان ) (١) لوجود الناقل عنه ، ولأن الأصل عدم تقدم العيب ، والأصح تقديم قول المالك بيمينه.

قوله : ( والذهب والفضة يضمنان بالمثل لا بنقد البلد على رأي ).

لعموم : المثل في المثلي ، وقال الشيخ : يضمنان بنقد البلد ، فيراعى التفصيل الآتي (٢) ، والأصح الأول ، فلا يعتبر التفصيل إلا بعد تعذر المثل.

قوله : ( فإن تعذر واختلف المضمون والنقد في الجنس ضمنه بالنقد ).

لانتفاء الربا مع اختلاف الجنس.

قوله : ( وإن اتفقا فيه وفي الوزن ضمنه به ).

لانتفاء المحذور.

قوله : ( وإن اختلفا في الوزن قوم بغير جنسه حذرا من الربا )

إلا أن يرضى بدفع المساوي.

__________________

(١) لم ترد في « م ».

(٢) المبسوط ٣ : ٦١.

٢٦٣

المطلب الثاني : في الأحكام : وفصوله ثلاثة :

الأول : في النقصان : ولا عبرة بالنقص لتغير السعر مع بقاء العين على صفاتها ، فلو ساوى يوم الغصب عشرة ويوم الرد واحدا فلا شي‌ء عليه ، فإن تلف وجبت العشرة.

ولو تلف بعضه حتى عاد الى نصف درهم بعد رد الأصل الى درهم وجب القدر الفائت وهو النصف ، بنصف أقصى القيمة وهو خمسة مع الباقي.

ولو عادت قيمته بالإبلاء إلى خمسة ، ثم انخفض السوق فعادت‌

______________________________________________________

قوله : ( المطلب الثاني : في الأحكام : وفصوله ثلاثة : الأول : في النقصان : ولا عبرة بالنقص لتغير السعر مع بقاء العين على صفاتها ).

لأن الواجب حينئذ رد الملك الى مالكه ، وتغير السعر في الحقيقة مرجعه الى فوات شي‌ء من اكتساب مال في مقابله (١).

قوله : ( ولو تلف بعضه حتى عاد الى نصف درهم بعد رد الأصل الى درهم وجب القدر الفائت وهو النصف ، بنصف أقصى القيمة وهو خمسة مع الباقي ).

المراد بتلف البعض : تلف النصف بدليل ما بعده ، ووجوب خمسة مبني على وجوب أعلى القيم مع التلف ، وقد علم ضعفه.

قوله : ( ولو عادت قيمته بالإبلاء إلى خمسة ، ثم انخفض السوق )

__________________

(١) في « م » : ماله في مقابلته.

٢٦٤

قيمته الى درهم لزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالإبلاء ، ولا يغرم ما نقص بالسوق من الباقي.

ولو كانت القيمة عشرة فأبلاه حتى ساوى خمسة ، ثم ارتفعت السوق فبلغت مع الإبلاء عشرة احتمل رده مع العشرة ، لأن التالف نصفه فلو بقي كليه لساوى عشرين ورده مع الخمسة الناقصة بالاستعمال.

ولا عبرة بالزيادة بعد التلف ، كما لو تلف كله ثم زادت القيمة ،

______________________________________________________

فعادت قيمته الى درهم لزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالإبلاء ، ولا يغرم ما نقص بالسوق من الباقي ).

إذا كان المغصوب ثوبا ، ونحوه مما ينقصه الإبلاء ، وكان يساوي عشرة بدليل قوله : ( عادت قيمته بالإبلاء إلى خمسة ) مع قوله : ( لزمه مع الرد الخمسة الناقصة ) فأبلاه حتى عادت قيمته خمسة فيكون نقصه قدر النصف ، باعتبار الفائت من العين والصفات ، ثم انخفض السوق فعادت قيمته ، أي قيمة المغصوب كله وهو المحدث عنه أو لا ، والباقي بعد الإبلاء الى درهم فاللازم قيمة التالف ، فإنه كان يساوي عند التلف خمسة ، وأما الباقي فيجب رده لا ضمان ما نقص بالسوق منه كما علم غير مرة.

قوله : ( ولو كانت القيمة عشرة فأبلاه حتى ساوى خمسة ، ثم ارتفعت السوق فبلغت مع الإبلاء عشرة احتمل رده مع العشرة ، لأن التالف نصفه ، فلو بقي كليه لساوى عشرين ).

ضعف هذا الاحتمال ظاهر ، لأن زيادة السوق بعد التلف لا أثر لها ، واحتمال (١) ، كونه كالباقي ، لبقاء الأصل خيال واهن (٢).

قوله : ( ورده مع الخمسة الناقصة بالاستعمال ولا عبرة بالزيادة بعد‌

__________________

(١) في النخستين الخطبتين : ويحتمل.

(٢) في النسخة الحجرية : ويحتمل كونه كالباقي في الأصل حال رده.

٢٦٥

وهو أقوى.

ولو قطع الثوب قطعا لم يملكه ، بل يرد القطع مع الأرش.

ولو كان العيب غير مستقر ، كما لو بل الحنطة حتى تعفنت ، أو اتخذ منها هريسة ، أو من التمر والسمن حلواء فإن مصيره الى الهلاك لمن لا يريده فالأقوى رد العين مع الأرش.

______________________________________________________

التلف ، كما لو تلف كله ثم زادت القيمة وهو أقوى ).

أي : واحتمل (١) رده الى آخره ، ولا يخفى أن هذا الاحتمال أوجه ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو قطع الثوب قطعا لم يملكه ، بل يرد القطع مع الأرش ).

لا خلاف بين أصحابنا في ذلك على ما ذكره في التذكرة (٢) ، وكذا الشافعي (٣) ، والمخالف فيه أبو حنيفة (٤) ، واحمد في إحدى الروايتين (٥) ، وليس بشي‌ء فإن ملك المالك لا يزول بدون السبب الناقل.

قوله : ( ولو كان العيب غير مستقر ، كما لو بل الحنطة حتى تعفنت ، أو اتخذ منها هريسة ، أو من التمر والسمن حلوى فإن مصيره الى الهلاك لمن لا يريده فالأقوى رد العين مع الأرش ).

وجه القوة : بقاؤه على ملك المالك ، إذ لا يخرج المملوك بإحداث حدث فيه عن الملك ، فيجب رده على مالكه وضمان ما نقص بالجناية ويحتمل ضمان المثلي بالمثل والقيمي بالقيمة ، لأنه كالهالك ، إذ هو مشرف على التلف‌

__________________

(١) في « ق » : ويحتمل.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٩٢.

(٣) المجموع ١٤ : ٢٤٣.

(٤) المصدر السابق.

(٥) المغني لابن قدامة ٥ : ٤٠١.

٢٦٦

وكل ما نقص شيئا ضمنه على اشكال ينشأ : من حصول البراءة بدفع العين وأرش النقص فيجوز أن يعانده المالك بعدم التصرف فيه الى أن يتلف ، ومن استناد النقص الى السبب الموجود في يد الغاصب.

______________________________________________________

لو ترك بحاله فهو لمن لا يريده بمنزلة التالف ، وهو قول الشيخ (١). وضعفه ظاهر ، إذ ليس بتالف وإن كان قيد يؤول إلى التلف.

ولا يخفى انه إذا كان الخليط من الغاصب كان فيه مع العيب المذكور الشركة ، ويعرف حكمها مما لو خلط زيته بالزيت الذي غصبه ، وعلى كل حال فالأقوى ما قواه المصنف.

قوله : ( وكل ما نقص شيئا ضمنه على اشكال ينشأ : من حصول البراءة بدفع العين وأرش النقص فيجوز أن يعانده المالك بعدم التصرف فيه الى أن يتلف ، ومن استناد النقص الى السبب الموجود في يد الغاصب ).

اي : بعد دفع العين مع الأرش كل ما تجدد نقص في العين ضمنه الغاصب على اشكال ينشأ : من حصول البراءة بدفع العين وأرش النقص ، لأنه الواجب وتمام الحق ، إذ لا يجب غيره حينئذ فلا يجب شي‌ء آخر بعد ذلك.

وفيه نظر ، لأن وجوبه حينئذ لا يقتضي كونه كمال الحق الواجب وإن كان كمال الحق الواجب حينئذ ، لعدم حدوث تلف شي‌ء يكون مضمونان بعد ، فإذا حدث ضمنه ، لأنه مستند الى جنايته.

ثم قول المصنف : ( فيجوز ... ) يحتمل أن يريد به كونه تتمة لهذا الوجه ، وكونه وجها برأسه ، فعلى الأول يكون المعنى : وإن لم يبرأ بذلك يلزم الضرر على الغاصب ، إذ يجوز أن يعانده المالك الى آخره.

وعلى الثاني يكون المعنى : ولأنه على تقدير الضمان يجوز أن يعانده‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٨٢.

٢٦٧

______________________________________________________

المالك ، فيحصل الضرر وهو منفي بالحديث. والعبارة لا تفي بواحد من المعنيين ، وتصدير الجملة بالفاء صيرها في غاية البعد عن الربط.

ومنع بطلان لزوم الضرر على الغاصب وارد ، والحديث لا يدفعه ، فإن الضرر لا يزال بالضرر والغاصب مؤاخذ بالأشق.

ومن أن النقص الحادث مستند الى فعل الغاصب فيكون كسراية الجناية.

ويمكن الفرق بأن دفع سراية الجناية غير داخل تحت القدرة بخلاف علاج نحو الهريسة ، فيكون ترك العلاج بمنزلة ترك شد العضد وترك علاج الجرح فلا يكون مضمونا. ويحتمل دفعه الى الغاصب وأخذ البدل ، نظرا الى تجدد العيب فهو بمنزلة التالف.

واختار المصنف في التذكرة أخذ العين ، وأرش العيب المستقر ، وأرش ما يتجدد من العيب (١) وهو واضح (٢) إذا لم يتمكن المالك من العلاج ، فإن تمكن بسهولة ففيه تردد.

فرع :

لو غصب شيئا تتفاوت قيمته بالنسبة إلى أربابه قال في التذكرة : الأقرب ضمان التفاوت أيضا بالنسبة الى ربه إن غصبه منه ، وإن غصبه من غيره لم يضمن بالزيادة ، بل ما يساوي قيمته بالنسبة الى ذلك الغير (٣). مثلا لو غصب حجة إنسان بدين أو ملك ، ولا ريب أن قيمة تلك الحجة شي‌ء يسير بالنسبة الى غير مالكها ، وأما بالنسبة إلى مالكها ( فإنها ) (٤) تساوي أكثر ، فإن غصبها وهي‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٩٠.

(٢) في « م » : الأصح.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٩١.

(٤) لم ترد في « ق ».

٢٦٨

ولو غصب شيئين ينقصهما التفريق ، كزوجي خف ومصراعي باب فتلف أحدهما ، وقيمة الجميع عشرة والواحد ثلاثة ضمن سبعة وهي قيمة التالف مجتمعا ونقصان الباقي. وكذا لو شق ثوبا نصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق ، ثم تلف أحدهما.

______________________________________________________

لصاحبها ضمن القيمة الزائدة ، وإن غصبها وهي لغير مالكها لم يضمن الزيادة.

وكذا لو غصب شمشكا وسيعا في الغاية لا يلبسه إلا شخص واحد ، أو خاتما كذلك ، وتتفاوت قيمة الشمشك والخاتم بالنسبة إلى كبير الرجل وغليظ الإصبع وضدهما. أقول : هذا يكاد يكون منافيا لقولهم : إن بغلة القاضي والشوكي لا يتفاوتان في قطع الذنب.

وينبغي أن يقال : إن هذا صحيح بالنسبة إلى خصوصية القاضي والشوكي في وجوب تمام القيمة ، أما كون النقص متفاوتا باعتبار تفاوت تعطل بعض المنافع وعدمه فلا يكون ما ذكره في التذكرة هنا صحيحا.

قوله : ( ولو غصب شيئين ينقصهما التفريق ، كزوجي خف ومصراعي باب فتلف أحدهما ، وقيمة الجميع عشرة والواحد ثلاثة ضمن سبعة ، وهي قيمة التالف مجتمعا ونقصان الباقي ).

لأن النقصان الحاصل في يده مستند الى ذهاب شي‌ء من العين مضمون عليه قطعا ، وما كان من القيمة في مقابل اجتماع الزوجين نقص لفوات صفة الاجتماع في يده فيضمن سبعة.

قوله : ( وكذا لو شق ثوبا بنصفين فنقصت قيمة كل واحد منهما بالشق ثم تلف أحدهما ).

وتتحقق المساواة في الحكم إذا كان أحد النصفين إنما يحصل كمال النفع به مع النصف الآخر ، بأن يكون جعله ثوبا إنما يتحقق بهما ، فمع فقده‌

٢٦٩

أما لو غصب أحدهما وحده ، ثم تلف أو أتلف أحدهما فإنه يضمن قيمة التالف مجتمعا خاصة وهي خمسة. ويحتمل سبعة ، لأنه أتلف أحدهما وادخل النقص على الباقي بتعديه. ويحتمل ثلاثة ، لأنه قيمة المتلف. ولو لم ينقص الثوب بالشق رده بغير شي‌ء.

______________________________________________________

يفوت هذا النفع فتنقص قيمة الآخر بذلك.

قوله : ( أما لو غصب أحدهما وحده ، ثم تلف ، أو أتلف أحدهما فإنه يضمن قيمة التالف مجتمعا خاصة ، وهي خمسة. ويحتمل سبعة ، لأنه أتلف أحدهما وادخل النقص على الباقي بتعديه ، ويحتمل ثلاثة ، لأنه قيمة المتلف ).

الفرق بين هذه المسألة والتي قبلها ـ حيث أورد في هذه الاحتمالات الثلاثة ولم يورد في الأولى شيئا : ـ ان التلف في الأولى تحقق بعد إثبات الغاصب يده على الزوجين معا ، فكان كلمات يحدث من نقصان في القيمة مستندا الى نقصان في العين ، أو في الصفات مضمونا عليه قطعا. وهنا لم تثبت يده على الزوجين معا فجاء احتمال ضمان ما تلف في يده خاصة منظورا فيه الى إحدى صفتيه تارة والى الأخرى تارة ، وهي كونه مجتمعا مع الزوج الآخر وكونه منفردا عنه.

ولا ريب أن النقص الحاصل في الزوج الباقي مستند الى فقد صفة ، هي كونه مجتمعا مع الزوج التالف وقد حصل منه فيجب أن يكون مضمونا عليه ، فيكون الاحتمال الثاني أقواها وأضعفها الثالث.

قوله : ( ولو لم ينقص الثوب بالشق رده بغير شي‌ء ).

إذ لم يفت من المال شي‌ء ، لكن جزاء فعله زيادة تغريره وإهانته ردعا وزجرا.

٢٧٠

ويجب رد العين المغصوبة ما دامت باقية ، فإن تعذر دفع الغاصب البدل ، ويملكه المغصوب منه.

ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ، فإن عادت فلكل منهما الرجوع.

______________________________________________________

قوله : ( ويجب رد العين المغصوبة ما دامت باقية ، فإن تعذر دفع الغاصب البدل ).

المراد تعذره عادة ، ودفع البدل على طريق الوجوب إذا طلبه المالك ويكفي لوجوب دفعه تعذر دفع العين على الفور ، ولو كان يتمكن من الدفع بعد يوم مثلا فهل يجب دفع البدل؟ إطلاق كلامهم يقتضي الوجوب ، ويناسبه أن الغاصب مؤاخذ بالأشق ، ولم أقف على تصريح بنفي أو إثبات.

قوله : ( ويملكه المغصوب منه ).

وإلا لم يكن لدفعه فائدة ، بل كان محض كل على المالك ، ولأن الغرض منه المحافظة على وصول ملكه اليه أو بدله على الفور ، ومقتضى كلامهم أن تملكه للحيلولة يقتضي أن لا يكون في مقابل العين المغصوبة ، وتحقيقه لا يخلو من اشكال.

قوله : ( ولا يملك الغاصب العين المغصوبة ، فإن عادت فلكل منهما الرجوع ).

مقتضى ذلك بقاء العين المغصوبة على ملك المالك ، لامتناع كون الملك لا مالك له ، فإن عادت فلكل منهما الرجوع في العين بأن يدفعها الغاصب فيجب على المالك قبولها ، أو يرجع بها المالك.

ولا يخفى أن إطلاق الرجوع على الأول مجاز ، ويمكن أن يكون المراد : فلكل منهما الرجوع في العين والبدل. لكنه بعيد ، لأن حكم البدل سنذكر فيه اشكال باعتبار وجوب دفعه لو طلبه الغاصب ، وهذا الجزم مناف له ،

٢٧١

وهل يجبر المالك على إعادة البدل لو طلبه الغاصب؟ اشكال لا على رد النماء المنفصل وعلى الغاصب الأجرة إن كان ذا اجرة من حين‌

______________________________________________________

ويبعد جميع الجزم والتردد في مسألة واحدة بغير فاصل ، بل يقبح.

وهل يجبر المالك على اعادة البدل لو طلبه الغاصب؟ إشكال ينشأ : من ثبوت الملك والأصل بقاؤه ، ومن أنه إنما ملكه للحيلولة وقد زالت. قيل : لو كان بحيث يجبر على رده لكان نقصا في البدلية ، إذ قد لا يرغب المعاملون فيه. وليس بشي‌ء ، لأنه متى تعلق به حق ثالث وجب عوضه ، والأصح وجوب الرد فيجبر عليه.

والعجب أن المصنف جزم فيما سبق بالتراد ، وتردد في أن للغاصب حبس العين الى أن يأخذ البدل ، وهنا تردد في إجبار المالك على الدفع لو طلبه الغاصب. وينبغي عدم التردد في وجوب الرد حينئذ ، لأن هذا الملك ثبت على طريق القهر لأجل عدم وصول ملك المالك إليه.

فإن كان على جهة البدلية فإذا استحق المالك ملكه وجب عود مال الغاصب اليه ، لامتناع زوال البدلية ، وعدم رجوع كل من البدل والمبدل الى مالكه ، وإن كان على جهة الحيلولة فقد زالت فلا وجه لعدم الرد أصلا ، لأن الحال دائر بين الأمرين.

صرح المصنف في التذكرة بأن القيمة المدفوعة يملكها المغصوب منه ملكا مراعى للحيلولة فيزول بزوالها (١) وهو واضح.

قوله : ( لا على النماء المنفصل ).

لأنه نماء ملك المالك ، لأنه في وقت النماء كان مالكا للعين ، بخلاف المتصل فيجب رده مع العين.

قوله : ( وعلى الغاصب الأجرة إن كان ذا اجرة من حين الغصب‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٥.

٢٧٢

الغصب الى حين دفع البدل ، والنماء المنفصل فيما بينهما للمالك ، وكذا المتصل فيضمنه الغاصب لو زال ، وكذا المتصل والمنفصل على اشكال إذا تجدد بعد دفع البدل ،

______________________________________________________

الى حين دفع البدل ).

لا ريب في ذلك ، لأن يد الغاصب حينئذ يد عدوان محض وقد سبق تعيين الأجرة ، أما بعد دفع البدل ) (١) فهل تجب الأجرة أم لا؟ سبق في مسألة الآبق إشكال في أجرته بعد دفع القيمة ، والذي يقتضيه النظر في الموضعين الوجوب ، لبقاء الغصب كما كان.

نعم على القول بأن للغاصب حبس المغصوب الى أن يقبض البدل يتأتى عدم وجوب الأجرة بعد دفعة القيمة ، ولا يتأتى عدم استحقاق المالك نماء العين إلا على القول بثبوت البدلية ، وخروج العين عن ملك المالك.

قوله : ( والنماء المنفصل فيما بينهما للمالك ، وكذا المتصل فيضمنه الغاصب لو زال ).

لا ريب في ذلك أيضا ، لأنه نماء ملك المالك.

قوله : ( وكذا المتصل والمنفصل على اشكال إذا تجدد بعد دفع البدل ).

ينشأ : من أنه تجدد بعد براءته من العين بعد دفع القيمة ، ولم يثبت يده عليه ، ومن أن الدفع إنما كان لمكان الحيلولة وهو لا يقتضي البراءة. والأصح استحقاق الرجوع به أيضا على الغاصب ، استصحابا لما كان الى أن يعلم المزيل.

__________________

(١) لم ترد في « م ».

٢٧٣

ويضمن الأجرة وإن لم ينتفع بأجرة المثل عن عمل مطلق مدة الغصب.

ولو انتفع بالأزيد ضمن الأزيد ، ولو انتفع بالأنقص ضمن اجرة المطلق.

ولو جنى العبد المغصوب فقتل قصاصا فعلى الغاصب أعلى القيم.

______________________________________________________

المراد بالعلم المطلق : المتوسط الذي لا يكون مقيدا بقيد القلة ولا بقيد الكثرة ، وفي فهم المتوسط من المطلق خفاء إلا أن ما سيذكره في العبارة يرشد الى ذلك.

ووجه ضمانه : أن المتوسط هو الغالب فإن إدآب الأجير نفسه فوق المعتاد نادر كما أن الرضى بالتراخي أيضا نادر.

فإن قلت : كيف وجب في المنافع أجرة الأعلى ووجب في العمل أجرة الأوسط؟

قلت : لا أولوية بالنسبة إلى المنافع للقادر عليها ، فإن كلا منهما ممكن منه على حد سواء ، بخلاف العمل فإن في مراتبه تفاوتا.

قوله : ( ولو انتفع بالأزيد ضمن ، وإن انتفع بالأنقص ضمن اجرة المطلق ).

أي : المتوسط ، أما الأول فلأنه قد استوفاه فيجب بدل ما استوفاه ، وأما الثاني فلأن الزائد على الأنقص قد فات وهو محسوب على الغاصب.

قوله : ( ولو جنى العبد المغصوب فقتل قصاصا فعلى الغاصب أعلى القيم ).

هذا بناء على وجوب أعلى القيم في القيمي ، وقد سبق أن الأصح خلافه ، وأن الواجب قيمة يوم التلف. ووجه ضمانه على الغاصب : أنه مضمون عليه في حال الجناية ، فيضمن ما يحدث عليه بسببها.

٢٧٤

ولو جنى على الطرف فاقتص ضمن الغاصب الأرش ، وهو ما ينقص من العبد بذلك دون أرش اليد ، لأنها ذهبت بسبب غير مضمون ويحتمل أرش اليد ، وأكثر الأمرين. وكذا لو اقتص منه بعده رده الى السيد ، وكذا لو ارتد في يد الغاصب فقتل في يد المالك فإنه يضمن‌ القيمة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو جنى على الطرف فاقتص ضمن الغاصب الأرش ، وهو ما ينقص من العبد بذلك ، دون أرش اليد ، لأنها ذهبت بسبب غير مضمون. ويحتمل أرش اليد ، وأكثر الأمرين ).

لو جنى العبد المغصوب على طرف الغير فاقتض منه المجني عليه ضمن الغاصب أرش اليد ، وهو ما ينقص من قيمة العبد بذلك ، قليلا كان أو كثيرا ، ولا يتحتم ضمان أرش اليد ولا أكثر الأمرين ، لأن قطعها باستحقاق الجناية. وإنما يضمن الغاصب للمالك ما ينقص. ويضعف بأن الجناية في يده فهي مضمونة ، عليه ولا منافاة في ضمان الغاصب لما يستحقه المجني عليه بسبب الجناية. ويحتمل ضمان أرش اليد ، لأنه المقدر وهو مضمون.

ويحتمل أكثر الأمرين من نقصان القيمة والأرش ، لأن الغاصب مؤاخذ بذلك ، وقد سبق دليله في أول الباب ويزيده أن فيه أعمالا للدليلين ، اعني النص على وجوب المقدر وضمان الغاصب لما يذهب من المالية في يده ، وهذا هو الأصح إذ لا فرق بين جنايته والجناية في يده ، والعجب أن المصنف أسلف فيما تقدم وجوب أكثر الأمرين وخالف هنا ، والفرق غير ظاهر.

قوله : ( وكذا لو اقتص منه بعد رده الى السيد ).

فتجي‌ء ( فيه ) (١) الاحتمالات السابقة عند المصنف ، والمختار فيها واحد ، والأصح عندنا وجوب الأكثر.

قوله : ( وكذا لو ارتد في يد الغاصب فقتل في يد المالك فإنه يضمن القيمة ).

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

٢٧٥

ولو غصبه مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يده ففي الضمان على الغاصب نظر ،

______________________________________________________

بقرينة تعريف مما سبق ، ولا تجي‌ء فيه الاحتمالات السابقة ، لأن قوله : فإنه يضمن القيمة ) يقتضي أن لا يكون التشبيه في ذلك الحكم ، بل في أصل استحقاق المالك تضمين الغاصب من غير تعيين المقدر (١).

قوله : ( ولو غصبه مرتدا أو سارقا فقتل ، أو قطع في يده ففي الضمان على الغاصب نظر ).

ينشأ : من سبق استحقاق القتل والقطع في يد السيد فلا يكون مضمونا على الغاصب ، ومن أنه تجدد في يد الغاصب وليس من لوازم الاستحقاق في يد السيد الوقوع ، فإذا تجدد في يد الغاصب التي هي محكوم بكونها يد ضمان وجب أن يكون مضمونا.

والظاهر أنه لا فرق بين الردة الفطرية وغيرها ، لأنه لا يخرج بها عن كونه مملوكا لجواز (٢) بيعه حينئذ ، ومن الجائز أن لا يظفر به السلطان فيسلم من القتل ، وما ذكره الشارح من الفرق (٣) غير ظاهر.

وبناء الحكم على أن الاعتقاد باق أم لا غير ظاهر ، لأن القتل قد ثبت بصدور الاعتقاد الفاسد ولم يطرأ ما يزيله ، والاعتقاد المتجدد بناء على عدم بقائه ليس هو السبب في القتل ، بل السبب ما مضى فلا يتم ما ذكره ، واني لا أجد القول بضمان الغاصب بذلك البعيد.

واختار المصنف في التذكرة ضمان الغاصب قيمة عبد مستحق للقتل أو يد مستحقة للقطع (٤) ، وهذا هو التحقيق والأصح.

__________________

(١) في « ق » : للقدر.

(٢) في « م » : ولجواز.

(٣) إيضاح الفوائد ٢ : ١٨٢.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٨٩.

٢٧٦

فإن منعناه ضمن النقص الزائد على المقدّر لو حصل ، وكذا الأشكال لو انعكس.

______________________________________________________

قوله : ( فإن منعناه ضمن النقص الزائد على المقدّر لو حصل ).

أي : لو قلنا بمنع الضمان على الغاصب ، وهو أحد طرفي النظر يضمن الغاصب النقص الزائد على المقدّر لو حصل نقص زائد عليه ، وذلك إذا كان الناقص من القيمة أزيد من المقدّر في الطرف ومن دية الحر في النفس.

وقصره شيخنا الشهيد في بعض حواشيه على القطع في السرقة دون القتل في الردة ، وهو في كلام الشارح السيد ، وليس بظاهر ، بل يتأتى في الارتداد أيضا ، ووجهه على ما ذكره الشارح الفاضل : استقرار ملك المالك عليها في علمه تعالى ويد الغاصب عليها عادية (١).

ولا يخفى قصور هذا الاستدلال عن ثبوت ذلك ، ويمكن أن يستدل بأن لمستحق هو ما قابل مقدّر اليد لا ما نقص من القيمة ، فإن ذلك مؤاخذ به الغاصب دون الجاني ، وليس هذا بشي‌ء يعتد به ، لأن مؤاخذة الغاصب بالزيادة فرع كون متعلق الأصل مضمونا في الجملة ، كما لو جنى الأجنبي في يد الغاصب.

أما مع عدم الضمان فلا وجه لتضمين شي‌ء أصلا ، والأصح عدم الفرق ، فلو منعنا الضمان لم يوجب شيئا أصلا بحال.

قوله : ( وكذا الاشكال لو انعكس ).

أي : ومثل ما سبق الاشكال لو ارتد أو سرق في يد الغاصب فقتل في يد المالك ، ومنشؤه عكس منشأ الأول ، وهذا رجوع عن جزمه السابق في قوله : ( وكذا لو قبض بعد رده الى السيد ، وكذا لو ارتد في يد الغاصب فقتل في يد المالك فإنه يضمن القيمة ).

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٨٢‌

٢٧٧

ولو ارتد في يده ثم مات في يد مالكه من غير قتل ضمن الأرش خاصة ،

______________________________________________________

ولا يخفى أن حمل العكس على زيادة المقدر على نقص القيمة (١) غلط فاحش ، لأنه لا يتردد في أن ما قابل المقدر غير مضمون على تقدير تضمين الغاصب ما حدث في يد السيد ، فإذا لم يكن النقص بقدر المقدر لم يعقل ضمان أصلا ، لأن ذلك المقدر مستحق في يد السيد.

إذا عرفت ذلك فالأصح هنا الضمان ، لأن السبب القتل والقطع في يد الغاصب وهو مضمون عليه ، فهو بمنزلة الجناية التي تسري في يد المالك ، بخلاف ما سبق.

قوله : ( ولو ارتد في يده ثم مات في يد مالكه من غير قتل ضمن الأرش خاصة ).

لحصول نقص القيمة بالارتداد ، لأنه حينئذ عرضه للقتل ، ولأن تلفه هذا لم يكن مسببا عما حدث في يد الغاصب فلا يكون عليه سوى أرش نقصه ، لأن أداء العين الى المالك موجب لبراءته منها ، وتضمينه ما يتجدد بسبب ما حدث في يده موقوف على تجدده وهو منتف مع الموت.

وليس ببعيد إلحاق ما لو مرض في يد الغاصب ثم بري‌ء بهذه في وجوب الأرش ، لتحقق النقص بحدوث عيب المرض المرجو الزوال (٢) ، فيقوم صحيحا ومريضا بذلك المرض على حسب خطره وعدمه ، والمصنف في التذكرة صرح بعدم وجوب الأرش هنا (٣) ، وهو مشكل.

وحكى عن بعض العامة الوجوب (٤) ورده ، وسيأتي انه إذا اتفق المتجدد‌

__________________

(١) في « م » : القيم.

(٢) في « ق » : زواله.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٨٨.

(٤) قاله احمد بن حنبل ، انظر المغني لابن قدامة ٥ : ٣٩٩.

٢٧٨

وكذا لو اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشتري ففي كونه من ضمان البائع نظر.

ولو طلب الولي الدية في النفس ، أو المجني عليه في الطرف لزم الغاصب أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية ،

______________________________________________________

والتالف من الصفات في الجنس ينجبر الذاهب بالمتجدد ، فيمكن رد هذا الحكم المذكور هنا إليه ، لأن الصحة الثابتة عادت ، وزال ما كان بخلاف وصف الارتداد الباقي وإن مات ، لكن لو عاد إلى الإسلام ولم تكن ردته فطرية يجي‌ء فيه هذا.

قوله : ( وكذا لو اشترى مرتدا أو سارقا فقتل أو قطع في يد المشتري ففي كونه من ضمان البائع نظر ).

ينشأ : من حدوث ذلك في يد المشتري بعد انقضاء الخيار فلا يكون مضمونا على البائع ، ومن استناده الى سبب حدث عنده فيكون من ضمانه.

والتحقيق أن هذا النظر ليس بشي‌ء ، لأنه إن كان ذلك مع علم المشتري بالحال فلا إشكال في أنه لا يستحق شيئا على البائع ، لأن علم المشتري بالعيب يسقط خياره ، واستحقاقه الأرش وإن كان مع جهله بالحال فلا إشكال في الاستحقاق.

ثم ما الذي يستحقه؟ ظاهر كلامه هنا أن البائع يضمن ما يضمنه الغاصب ، وهو مشكل ، لأنه إنما يستحق بالعيب أرش العيب خاصة وإن حدث به هلاكه ، كما لو اشتراه مريضا وهو جاهل بالمرض فمات به ، فإن البائع إنما يضمن ما كان في يده لا ما تجدد في يد المشتري ، والموت والقطع متجددان.

قوله : ( ولو طلب الولي الدية في النفس أو المجني عليه في الطرف لزم الغاصب أقل الأمرين من قيمته ودية الجناية ).

لأن الذي يستحقه المجني عليه أو وليه إنما هو الأقل ، لأن الدية إن كانت‌

٢٧٩

فإن زادت جناية العبد على قيمته ثم مات فعلى الغاصب قيمته تدفع الى السيد ، فإذا أخذها السيد تعلق بها أرش الجناية ، فإذا أخذها الولي من السيد فللسيد الرجوع على الغاصب بقيمة أخرى ، لاستحقاق المدفوعة أولا بسبب في يده‌ فضمنها.

______________________________________________________

أقل فظاهر ، وإن كانت القيمة أقل فإن الجاني لا يجني على أكثر من نفسه ، وللشافعية قول انه يجب الأرش بالغا ما بلغ (١).

ولا فرق في لزوم ذلك للغاصب بين كون الجناية عمدا أو خطأ ، لأن حدوث الجناية من العبد نقص فيه حدث في يد الغاصب فيضمنه ، ويجب عليه تسليم العبد الى المالك وذلك في الخطأ ممكن ، إذ ليس للمجني عليه إلا الدية وإن تعلقت برقبة الجاني فإنه إذا بذلها سقط التعلق ، وأما في العمد فإنه إذا (٢) رضي المجني عليه بالدية وجب على الغاصب بذلها.

فرع : لو لم يرض المجني عليه عمدا بالأقل فهل يجب على الغاصب بذل ما يزيد لتخليص (٣) العبد؟ يحتمل ذلك كما يوجب عليه مؤنة رده وإن زادت عن القيمة ، إلا أن ظاهر قوله : ( لزم الغاصب أقل الأمرين ) أنه لا يجب بذل الزائد ، لإطلاق عدم إيجاب الزائد.

قوله : ( فإن زادت جناية العبد على قيمته ثم مات فعلى الغاصب قيمته يدفع الى السيد ).

المراد : قيمته سليما من الجناية كحال غصبه.

قوله : ( فإذا أخذها السيد تعلق بها أرش الجناية ، فإذا أخذها الولي من السيد فللسيد الرجوع على الغاصب بقيمة أخرى ، لاستحقاق المدفوعة أولا بسبب في يده فضمنها ).

__________________

(١) انظر : بداية المجتهد ٢ : ٣١٨.

(٢) في « ق » : فان.

(٣) في « ق » : ما زيد لتخليص ، وفي « م » : ما يزيد ليخلص.

٢٨٠