جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

بخلاف الجاني على غير المغصوب ، فإن رجع على الأجنبي دفع اليه العبد ورجع بقيمته على الغاصب ، وإن رجع على الغاصب بهما فالأقوى رجوع الغاصب على الجاني بالقيمة مجانا.

______________________________________________________

قوله : ( بخلاف الجاني على غير المغصوب ).

أي : الأقوى (١) الأكثر من المقدر والأرش ، بخلاف الجاني على غير المغصوب وما بينهما معترض ، ومتعلق الجار محذوف على أنه حال من وجوب الأكثر ، ويمكن أن يكون المراد : فالأقوى وجوب دفعه مع القيمة بخلاف الجاني على غير المغصوب ، بدليل قوله : ( فإن رجع على الأجنبي ... ) فإنه من توابع ما إذا جنى عليه بما فيه القيمة فلا يزول اتصاله به بأجنبي.

قوله : ( فإن رجع على الأجنبي دفع اليه العبد ويرجع بقيمته على الغاصب ).

أما دفع العبد اليه فلأن ذلك مقتضى النص ، وأما رجوعه على الغاصب بقيمته فلأن ذلك من مقتضيات الجناية الواقعة في يده وهي مضمونة عليه ، فدفع العبد بسبب الجناية تضييع لمال مضمون على الغاصب وجب دفعه بسبب جناية مضمونة عليه ، ولا دليل على سقوط ضمانه عنه.

قوله : ( وإن رجع على الغاصب بهما فالأقوى رجوع الغاصب على الجاني بالقيمة مجانا ).

أي : إن رجع المالك على الغاصب بهما ، أي : بالقيمة عوض الجزء المقطوع ، وبالعبد المجني عليه بذلك معا فالأقوى رجوع الغاصب على الجاني بتمام القيمة عوض الجناية مجانا ، أي : من غير أن يضمن له قيمة العبد المجني عليه بعد الجناية.

__________________

(١) في « م » : الأقرب.

٢٤١

وفي عين البقرة والفرس وأطرافهما الأرش.

______________________________________________________

ووجه القوة : إن دفع المجني عليه إلى الجاني حيث يمكن ، وذلك حيث يكون تحت المستحق للقيمة ، فأما إذا تعذر رده فلا يعقل وجوب دفعه وإنما هو كالتالف ، والأصل براءة الذمة من وجوب غرم قيمته بعد الجناية على الغاصب للجاني ، ولا دليل يدل على ذلك.

ويحتمل الوجوب ، لأن وجوب القيمة على الجاني مشروط بدفع العين فإذا تعذر وجب المصير إلى القيمة ، ولأن الجاني يطالب المالك بالعبد ليغرم له القيمة فمطالبته الغاصب بقيمته بطريق أولى. وفيه نظر ، فإن الأولوية ممنوعة ، والاشتراط المذكور إنما هو مع وجود العين ، فإذا تعذر كانت كالتالف ومع التلف لا ضمان قطعا ، وفي مختار المصنف قوة.

ومنهما زادت دية جناية الأجنبي فالواجب على الجاني الدية وعلى الغاصب ما زاد ، فلو قتله الأجنبي وجب عليه قيمته ، فإن زادت على دية (١) الحر أخذت منه الدية ومن الغاصب الزائد.

قوله : ( وفي عين البقرة والفرس وأطرافهما الأرش ).

وكذا في كل دابة ، فلا معنى لتخصيصهما بالذكر. ووجهه أن الدابة مال محض ، وليست كالآدمي حيث يجعل مقدار الحر أصلا له. وقال الشيخ : في عين الدابة نصف القيمة ، وفي العينين كمال القيمة ، وكذا كل ما في البدن منه اثنان ، واحتج بالرواية والإجماع (٢).

قال المصنف في المختلف : تحمل الرواية والإجماع الذي ادعاه الشيخ على غير الغاصب في إحدى العينين ، بشرط نقص المقدّر عن الأرش (٣)

__________________

(١) في « م » : قيمة.

(٢) الخلاف ٢ : ٩٨ مسألة ٤ كتاب الغصب ، واما الرواية فقد قال صاحب الجواهر ٣٧ : ١١٥ ، لم نجدها في المصادر كلها ، وكذا ابن إدريس في السرائر : ٢٨٠.

(٣) المختلف : ٤٥٧.

٢٤٢

ولو مات في يده ضمن القيمة وإن تجاوزت دية الحر لو كان عبدا ، وغير الحيوان يجب ضمانه بالمثل إن كان مثليا ، وهو ما تتساوى قيمة أجزائه ،

______________________________________________________

واعلم أن هذا من (١) القسم الثاني من أقسام المغصوب وهو الحيوان ، والمختار أنه كسائر الأموال يجب في تلفه قيمته ، وفي أبعاضه الأرش بالغا ما بلغ ، ولا نظر الى التقدير في شي‌ء من أطرافه.

قوله : ( ولو مات في يده ضمن القيمة وإن تجاوزت دية الحر لو كان عبدا ).

أي : لو مات الحيوان بيد (٢) الغاصب ضمن قيمته بالغة ما بلغت وإن تجاوزت دية الحر لو كان الحيوان المغصوب عبدا ، كذا ينبغي أن تكون العبارة ، إلا أن الحيوان لم يجر له في هذه العبارة ذكر ، إنما ذكر الفرس والبقرة فصحت العبارة بسبب ذلك.

ثم إن ذكر حكم العبد هاهنا على خلاف ما ينبغي ، بل كان ينبغي ذكره مع بقية أحكامه ، على أن ما سبق من قوله : ( أو من قبله تعالى ) قد يعتنى به فيتناوله. وقد يقال : إن حكم الإنسان والحيوان قد سبقا ، ولم يذكر حكم الموت فتداركه هنا.

قوله : ( وغير الحيوان يجب ضمانه بالمثل إن كان مثليا ، وهو ما تتساوى قيمة أجزائه ).

كالحنطة ، والشعير ، وغيرهما من الحبوب ، والأدهان ، وما أشبه ذلك. وغير المثلي ما لا تتساوى أجزاؤه كالحيوان ، والأراضي ، والأشجار وغير ذلك. كذا قال الشيخ في تعريفه (٣) ، ونقض بالثوب ونحوه فإن قيمة‌

__________________

(١) في « م » : هو.

(٢) في « م » : في يد.

(٣) الخلاف ٢ : ١٠٣ مسألة ٢٩ كتاب الغصب ، المبسوط ٣ : ٥٩ ـ ٦٠.

٢٤٣

______________________________________________________

اجزائه متساوية وليس بمثلي.

وربما ضبط بأن المثلي ما يكون اسم الكثير والقليل منه واحدا كالماء ، والدبس ، ( والدهن ) (١) ، ونقض بالأرش. وقال جماعة من الفقهاء : المثلي ما تتماثل أجزاؤه وتتقارب صفاته كالحبوب ، وغيرها.

وقال الشافعي (٢) ، وأبو حنيفة (٣) ، واحمد (٤) : المثلي : كل مقدّر بكيل أو وزن. وزاد بعضهم اشتراط جواز السلم فيه (٥) ، لأن السلم يثبت بالوصف في الذمة. وزاد بعضهم اشتراط جواز بيع بعضه ببعض ، لأنه يثبت في الذمة. وزاد بعضهم اشتراط جواز بيع بعضه ببعض ، لتشابه الأصلين في قضية التماثل.

واعترض على العبارات الأخيرة الثلاث : بأن القماقم (٦) والملاعق والمغارف المتخذة من الصفر والنحاس موزونة يجوز السلم فيها ، وبيع بعضها ببعض ، وليست مثلية ، والمصنف في التذكرة قال بعد كلام طويل : واعلم أن الحق ما نقلناه عن الشيخ رحمه‌الله (٧).

وفي الدروس قال : إن المثلي هو المتساوي الأجزاء والمنفعة ، المتقارب الصفات (٨) ، وهذا لا يكاد يخرج الثوب.

__________________

(١) لم ترد في « ق ».

(٢) الام : ٣ : ٢٥٤ ، حاشية اعانة الطالبين ٣ : ١٣٨ ، بداية المجتهد ٢ : ٣١٧.

(٣) بداية المجتهد ٢ : ٣١٧.

(٤) المصدر السابق.

(٥) فتح العزيز المطبوع مع المجموع ١١ : ٢٦٦.

جمع مفرده قمقمة ، وهو وعاء من صفر يستصحبه المسافر. انظر : الصحاح ( قمم ) ٥ : ٢٠١٥‌

(٦) مجمع البحرين ٦ : ١٤١.

(٧) التذكرة ٢ : ٣٨١ ، وقول الشيخ في الخلاف ٢ : ١٠٠ مسألة ٢٠ كتاب الغصب ، المبسوط ٣ : ٥٩.

(٨) الدروس : ٣٠٩.

٢٤٤

فإن تعذّر فالقيمة يوم الإقباض لا الإعواز وإن حكم الحاكم بها يوم الإعواز.

______________________________________________________

والظاهر أن المراد من هذا ضبط المثلي بحيث يتميز فصل تميز لا التعريف الحقيقي ، أو يكون قوله : كالحنطة ، والشعير ، وغيرهما من الحبوب ، والادهان داخلا في التعريف ، فيكون انكشافه بهذه الأمثلة ، وإنما وجب. ضمان المثلي بالمثل للإجماع ، ولظاهر قوله تعالى ( بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) (١) ، ولأن مثل الشي‌ء أقرب إليه من غيره ، فإذا تعذرت العين وجب المصير إلى الأقرب.

قوله : ( فإن تعذر فالقيمة يوم الإقباض لا الإعواز ).

وذلك لأن الواجب في الذمة هو المثل ، فعنده ارادة التسليم ينتقل إلى القيمة لو تعذر المثل ، ولو وجبت القيمة وقت الإعواز لكان إذا تمكن من المثل بعد الإعواز ولم (٢) يسلم العوض لا يجزئ تسليم المثل ، لاستقرار القيمة في الذمة ، والأصل بقاؤها ، والثاني باطل.

ولا يخفى أن في ذكر اليوم توسعا ، فإنه لو اختلف الحال في يوم واحد اعتبر ما ذكر. واعلم أن المراد من تعذر المثل : أن لا يوجب في ذلك البلد وما حواليه ، كذا ذكر في التذكرة (٣) ، ولم يحد ما حواليه والظاهر ان المرجع فيهما الى العرف.

قوله : ( وإن حكم الحاكم بها يوم الإعواز ).

لأن حكم الحاكم لا يغيّر الثابت في الذمة ، والثابت هو المثل ( الى حين‌

__________________

(١) سورة البقرة : ١٩٤.

(٢) في « ق » : ولما.

(٣) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

٢٤٥

وغير المثلي يضمن بالقيمة يوم الغصب على رأي ، وأرفع القيم من حين الغصب الى حين التلف على رأي ، ولا عبرة بزيادة القيمة ولا بنقصانها بعد ذلك.

______________________________________________________

التسليم ، وإلا لم يجب المثل ) (١) ولو وجد حينئذ ، وبهذا صرح الشيخ (٢) والجماعة (٣) ، وكأنه رد به على بعض العامة.

قوله : ( وغير المثلي يضمن بالقيمة يوم الغصب على رأي ).

هو رأي الشيخ في المبسوط (٤) ، ووجهه أنه أول وقت دخول العين في ضمان الغاصب ، ويضعّف بأن ضمانها إنما يراد به كونها لو تلفت لوجب بدلها ، لا وجوب قيمتها حينئذ ، ولا ريب أن الواجب مع وجود العين هو ردها ، وإنما ينتقل إلى القيمة عند التلف.

قوله : ( وارفع القيم من حين الغصب الى حين التلف على رأي ).

هذا قول الشيخ في المبسوط ايضا (٥) ، وقوله في الخلاف (٦) ، واختاره ابن حمزة (٧) ، وابن إدريس (٨) ، ووجهه : أنه لو تلفت وقت الزيادة لكانت مضمونة فكذا إذا تلف بعدها ، والأصح أن الواجب قيمته حين التلف ، وهو مختار ابن البراج (٩) ، والمصنف في المختلف (١٠) ، وفي الدروس : انه قول‌

__________________

(١) لم ترد في « م ».

(٢) الخلاف ٢ : ٩٧ مسألة ١ كتاب الغصب ، المبسوط ٣ : ٦٠.

(٣) انظر : حاشية اعانة الطالبين ٣ : ١٣٧ ـ ١٣٨.

(٤) المبسوط ٣ : ٦٠.

(٥) المبسوط ٣ : ٧٢.

(٦) الخلاف ٢ : ٩٨ مسألة ١٤ كتاب الغصب.

(٧) الوسيلة : ٣٢٢.

(٨) السرائر : ٢٧٦.

(٩) جواهر الفقه ( الجوامع الفقهية ) : ٤٣٣.

(١٠) المختلف : ٤٥٨.

٢٤٦

وإذا كسرت الملاهي فلا ضمان ، فإن أحرقت ضمن قيمة الرضاض ، وكذا الصليب والصنم ، والمستولدة ، والمدبر ، والمكاتب المشروط ، وغير المؤدي كالعبد في الضمان. والمنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد والتفويت.

______________________________________________________

الأكثر (١).

وأن الأنسب بعقوبة الغاصب وجوب أعلى القيم. وما صححناه أصح ، لأن العين ما دامت موجودة لا حق لمالكها في القيمة ، إنما ينتقل حقه الى القيمة عند تلفها وحينئذ يعتبر قدرها ، لأنه أول وقت وجوبها (٢). وعقوبة الغاصب بغير وجه لا يجوز.

وهذا كله إذا كان اختلاف القيمة مستندا الى السوق مع بقاء العين بحالها ، أما إذا استند نقص القيمة إلى نقص في العين ثم تلفت فإن الأعلى مضمون قطعا.

قوله : ( وإذا كسرت الملاهي فلا ضمان ).

لا ريب في ذلك ، لأن تلك الهيئة محرمة ، لكن في الحد الذي يجوز بلوغه بالكسر عبارات للعامة ، وليس ببعيد جواز كسر ما يخرج بكسره عن الاستعداد لعمل آلة اللهو منها ، لأنه أزجر لمن هي له.

قوله : ( فإن أحرقت ضمن قيمة الرضاض ).

لأن الرضاض وهو ما يبقى منها بعد الكسر محترم.

قوله : ( والمنافع المباحة مضمونة بالفوات تحت اليد والتفويت ).

احترز بالمباحة عن المحرمة كالغناء ، واللعب بآلات اللهو. والمراد بـ ( الفوات ) : ذهابها بغير استيفاء ، وب ( التفويت ) : استيفاؤها ، ووجه ذلك‌

__________________

(١) الدروس : ٣١٠.

(٢) في « م » : وجودها.

٢٤٧

ولو تعددت المنافع كالعبد الخياط الحائل لزم أجرة أعلاها اجرة ، ولا تجب اجرة الكل.

ومنفعة البضع لا تضمن بالفوات وتضمن بالتفويت ، فلو وطأ وجب مهر المثل.

وتضمن منفعة كلب الصيد وما صاده به للغاصب ،

______________________________________________________

أنها أموال تدخل تحت اليد ، لأن منافع المملوك مملوكة.

قوله : ( ولو تعددت المنافع كالعبد الخياط الحائل لزمه أجرة أعلاها اجرة ، ولا تجب اجرة الكل ).

لعدم إمكان استيفاء الكل دفعة واحدة ، والمنفعة العليا من جملة ما فات تحت اليد فتجب أجرتها ، المراد اجرة المثل.

قوله : ( فلو وطأ وجب مهر المثل ).

ولا يجب بدون الاستيفاء ، لأن منفعة البضع ليست كسائر المنافع فلا يضمن بالفوات ، والظاهر أن المهر للسيد وإن كانت زوجة ، لأنها مملوك للسيد دون الزوج ، وإنما يملك الانتفاع بحسب مراجعته.

وقيل بوجوب العشر ونصفه مع البكارة والثيبوبة ، للرواية (١). ورده ابن إدريس (٢) ، لكون الرواية في وطء المشتري لا الغاصب فلا يلحق به.

قوله : ( ويضمن منفعة كلب الصيد ).

وكذا منفعة باقي الكلاب التي يجوز اقتناؤها.

قوله : ( وما صاده به للغاصب ).

أي : ما صاده الغاصب بالكلب المغصوب له ، لأن الكلب آلة والمكتسب‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٦١ ، ٤٨١ حديث ٢٦٦ ، ١٩٣٥.

(٢) السرائر : ٢٧٨.

٢٤٨

ولو اصطاد العبد المغصوب فهو للمالك ، وفي دخول الأجرة تحته نظر أقربه العدم. ولو انتقصت قيمة العبد بسقوط عضو مثلا بآفة سماوية ضمن الأرش والأجرة لما قبل النقص سليما ولما بعده معيبا ،

______________________________________________________

إنما هو المصطاد به.

قوله : ( ولو اصطاد العبد المغصوب فهو للمالك ).

أي : لو بعث الغاصب العبد المغصوب على الاصطياد فاصطاد فان ما اصطاده فلمالكه ، لأنه صالح للاكتساب ، بخلاف الكلب الذي هو محض آلة ، ولما كانت يده يد مولاه كان ما يكتسبه للمولى.

قوله : ( وفي دخول الأجرة تحته نظر ، أقربه العدم ).

أي : في دخول اجرة اصطياد العبد تحت ما حصل بصيده وقلنا انه للمالك بمعنى احتسابه عن الأجرة ، فإن لم تزد لم يجب غيره ، وإن زادت وجب الزائد فيه نظر ، ينشأ : من أن ذلك هو الحاصل بصيده ، فإذا استحقه فقد ردت المنفعة اليه ، ولأن المالك إذا اصطاد لا يزيد على هذا.

ومن أن المنفعة ملك برأسه ، والحاصل بالاصطياد ملك حصل بالاكتساب والحيازة للمباح ، وأحدهما غير الآخر ، وكون الاصطياد بسببه لا يقتضي كونه إياه ، والمنفعة تحت يد الغاصب مملوكة للمالك فائتة بغير رضاه.

والفرق بين هذه وبين ما إذا اصطاد بأمر المالك : ان المنفعة قد استوفاها المالك باذنه ، وهي هنا مضمونة على الغاصب ، وهذا هو وجه القرب ، ولا ريب في ضعف الوجه الأول ، فالأصح عدم الدخول.

قوله : ( ولو انتقصت قيمة العبد بسقوط عضو مثلا بآفة سماوية ضمن الأرش والأجرة لما قبل النقص سليما ولما بعده معيبا ).

ووجهه : أن ما قبل النقص كانت منفعة تامة بسلامته ، بخلاف ما بعده‌

٢٤٩

وإن كان بالاستعمال كنقص الثوب باللبس فالأقرب المساواة للأول فتثبت الأجرة والأرش ويحتمل وجوب الأكثر من الأرش والأجرة.

______________________________________________________

فقد انتقصت بنقص العين وتعيبها ، وقد وجب عوض الفائت من حين فواته ، وهو أرشه ، فلا يجب شي‌ء آخر ، لأن وجوب اجرة شي‌ء معدوم بعد عدمه لا يعقل ، لكن قوله : ( بآفة سماوية ) لا يخلو من مناقشة ، لأن فواته بفعل الغاصب أو أجنبي كذلك.

إلا أن يقال : إن ( مثلا ) يراد لكل من سقوط عضو ( آفة ) سماوية وهو خلاف الظاهر.

قوله : ( وإن كان بالاستعمال كنقص الثوب باللبس فالأقرب المساواة للأول ، فتثبت الأجرة والأرش ، ويحتمل وجوب الأكثر من الأرش والأجرة ).

أي : لو كان نقص القيمة باستعمال المغصوب المثلي له لو كان ثوبا ولم يكن ذلك لسقوط عضو فالأقرب المساواة للأول ، أي : لما إذا انتقص بسقوط عضو فتثبت الأجرة والأرش معا ، ومتى ثبت الأرش فالأجرة على حد ما سبق من انه قبل النقص تجب أجرته سليما ، وبعده تجب أجرته ناقصا.

ووجه القرب تعدد السبب ، فإن الأجزاء الناقصة بدلها الأرش ، والمنفعة ـ وهي اللبس ـ غيرها فيجب عوضها وهو اجرة المثل ، لأن الأصل في الأسباب إذا اجتمعت عدم التداخل ، ويحتمل أكثر الأمرين ، فإن نقص الاجزاء ملحوظ في الأجرة لوجهين :

أحدهما : أن المستأجر لا يضمن الأجزاء الناقصة قطعا ، وفي المستعير كلام سبق ، فلو لا انها ملحوظة لوجب ضمانها. الثاني : أن ما ينقص بالاستعمال تعتبر أجرته زائدة على ما لا ينقص به ، فلو لا كونها ملحوظة لم تتحقق الزيادة.

٢٥٠

ولو غرم قيمة العبد الآبق ضمن الأجرة للمدة السابقة على الغرم ، وفي اللاحقة إشكال.

الركن الثالث : الواجب : وهو المثل في المثلي ، والقيمة العليا في غيره على رأي.

______________________________________________________

وكل منهما ضعيف ، لأنا لا نسلم أن الأجزاء الناقصة ملحوظة ، ولم لا يكون سقوط بدلها للإذن في الاستعمال الشامل لإتلافها ، وقد بينا أن المستعير لا يضمنها مع عدم التضمين ، وثبوت الزيادة المذكورة غير معلوم ، والأصح ثبوت الأمرين معا. والفرق بين هذه وبين ما قبلها (١) : ان نقص عضو ( من العبد ) (٢) لا يتصور تبعيته للمنفعة بخلاف الثوب.

قوله : ( ولو غرم قيمة العبد الآبق ضمن الأجرة للمدة السابقة على الغرم وفي اللاحقة إشكال ).

وجه الأول ظاهر ، فإنه مملوك للمغصوب منه حينئذ قطعا ، ومنشأ الاشكال في الثاني : أن الواجب على الغاصب حينئذ هو دفع القيمة ، فإذا دفعها بري‌ء ، ولأن القيمة عوض المغصوب ، فإذا قبضها المالك لم يبق له على الغاصب من ذلك المال حق ، وإلا لم يكن عوضا.

ومن أن معنى الغصب باق ، وملك المولى لم يزل ، وقبض القيمة لم يكن للمعاوضة إنما كان للحيلولة ، وهو لا يقتضي زوال سلطنة المالك ، والمسألة موضع توقف.

قوله : ( وهو المثل في المثلي ، والقيمة العليا في غيره على رأي )

قال الشارح : إن هذا ليس إشارة إلى الخلاف في أن الواجب القيمة العليا أم غيرها ، لأنه قد سبق ، بل في أن المثلي يضمن بالمثل مع وجوده لا‌

__________________

(١) في « م » : وما قبلها.

(٢) لم ترد في « ق ».

٢٥١

ولو تلف المثلي في يد الغاصب ، والمثل موجود فلم يغرمه حتى فقد ففي القيمة المعتبرة احتمالات :

______________________________________________________

غير ، وذكر أن المخالف ابن الجنيد فإنه قال : يتخير المغصوب منه في القيمة والمثل ، لأن الضمان إنما هو باعتبار المالية ، ويحصل استدراكها بالقيمة من غير حيف.

ثم قال : فالخلاف هنا في التفصيل ، وهو اختصاص المثلي بالمثل مع وجوده ، وغيره بالقيمة (١).

قلت : لا ريب أن هذا خلاف المتبادر من العبارة ، وهذا الخلاف يكاد يكون مضمحلا لا يلتفت اليه.

ثم إن ذكر العليا قد يشعر بخلاف ما ادعاه ، لأن الخلاف على ما ذكر في المثل والقيمة لا في القيمة العليا ، فحيث ذكر التقييد بالعليا اقتضى ذلك أن المقابل لهذا الرأي ما ليس كذلك ، وهو القول بأن القيمة ليست هي العليا ، والذي فهمه الشارح الآخر خلاف ما فهمه ولد المصنف فإنه قال في شرحها : هذه تقدمت.

قوله : ( ولو تلف المثلي في يد الغاصب ، والمثل موجود فلم يغرمه حتى فقد ففي القيمة المعتبرة احتمالات ).

لو لم يكن المثل موجودا وقت التلف فالظاهر أن الواجب قيمة التالف ، أما مع وجوده وعدم التغريم إلا بعد فقده فإنه قد استقر في الذمة فيرجع الى القيمة ، وفي تعينها للشافعية عشرة أوجه ذكرها المصنف في التذكرة (٢) ، وذكر هاهنا خمسة.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

٢٥٢

أ : أقصى قيمته من يوم الغصب الى التلف ، ولا اعتبار بزيادة قيمة الأمثال.

______________________________________________________

قوله : ( أقصى قيمته من يوم الغصب الى التلف ولا اعتبار بزيادة قيمة الأمثال ).

سوق الكلام يقتضي أن الضمير في ( قيمته ) يعود الى المثل ، لأنه المحدث عنه والمطلوب معرفة قيمته ، ولأن الظاهر أن مرجع الضمير في الكل واحد ، وإلا لزم الاختلاف بغير ما ميز.

ولا ريب أن الضمير في ( قيمته ) في الاحتمال الثاني إنما يعود الى المثل ، ولأن القيمة المذكورة في باقي الاحتمالات هي قيمة المثل ، فالظاهر أن هذا الاحتمال أيضا كذلك ، والذي فهمه الشارحان أن الضمير يعود الى المغصوب (١).

وقوله في العبارة : ( ولا اعتبار بزيادة قيمة الامتثال ) تشهد لهما ، وكذا في قوله : ( من يوم الغصب الى التلف ) اشعار بذلك ، لأن المفهوم من يوم غصبه الى يوم تلفه ، ووجهه على ما فهما : أن الواجب المثل مع وجوده ، فمع فقده جرى مجرى ما لا مثل له فوجب القيمة ، ولأن التالف على المالك هو المغصوب لا مثله فوجبت قيمته.

والذي في التذكرة خلاف هذا ، فإنه قال في الاحتمال الأول : إن الواجب اقتضي قيمته من يوم الغصب الى التلف ، ولا اعتبار بزيادة قيمة أمثاله بعد تلفه كما في المتقومات ، ولأن المثل جار في الوجوب مجرى المغصوب ، فإذا تعذر صار بمنزلة تلف المغصوب ، والمغصوب إذا وجبت قيمته وجب أكثر ما كانت من حين الغصب الى حين التلف (٢). هذا كلامه.

__________________

(١) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٥.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

٢٥٣

ب : أقصى قيمته من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز.

ج : أقصى القيم من وقت الغصب الى‌ الإعواز.

______________________________________________________

والتعليل الثاني كالصريح في أن المراد : قيمة المثل ، ويؤيده أنه لما كان تلف المثلي والمثل موجود وجب المثل وانحصر الوجوب فيه ، وصار الأصل متروكا إذا سقط وجوبه من الذمة وانتقل الحكم الى البدل (١) ، فإذا تعذر وجبت القيمة ، نظرا الى جميع أوقات الضمان ، وهو من حين الغصب الى التلف ، فاعتبر أعلاها قيمة بناء على وجوب القيمة العليا في القيمي.

ولا ينظر إلى قيمة الأمثال بعد تلف المغصوب ، بل من حين الغصب الى حين التلف خاصة ، كما في المتقومات فإنا إنما نعتبر القيمة فيها من الغصب الى التلف على ذلك التقدير. ويضعف بأن ذلك لو تم لوجب (٢) اعتبار قيمة الأمثال إلى حين التسليم.

قوله : ( أقصى قيمته من وقت تلف المغصوب إلى الإعواز ).

أي : قيمة المثل بغير شك ، ووجهه : [ ان ] (٣) انتقال الحكم الى البدل الذي هو المثل إنما هو حين تلف المغصوب ، إذ مع وجوده إنما يجب رده ، وبعد (٤) تعذره انتقل الفرض إلى القيمة.

ويضعف بأن المثل لا يسقط من الذمة بتعذره ، وأداء الدين لا يسقط بتعذر أدائه ، ولهذا لو تمكن من المثل بعد ذلك وجب المثل دون القيمة ، فما دام لا يأخذ المالك القيمة فالمثل الثابت في الذمة بحاله.

قوله : ( أقصى القيم من وقت الغصب إلى الإعواز ).

__________________

(١) في « ق » و « م » : التلف.

(٢) في « ق » : لو لم يوجب.

(٣) لم ترد في « ق » و « م ».

(٤) في « ق » و « م » : بعد.

٢٥٤

د : أقصى القيم من وقت الغصب الى وقت دفع القيمة.

هـ : القيمة يوم الإقباض.

ولو غرم القيمة ثم قدر على المثل فلا ترد القيمة ، بخلاف القدرة على العين.

______________________________________________________

وجهه يعلم من الوجهين في الاحتمالين الأولين ، فإن المثل لما جرى مجرى المغصوب كانت قيمته في جميع أزمان ضمان المغصوب مضمونة الى زمان تعذره.

قوله : ( أقصى القيم من وقت الغصب الى وقت دفع القيمة ).

لكون قيمة المثل معتبرة مدة زمان وجوبه أو وجوب مبدله ، فإنها مضمونة بضمان أصلها فيجب الأقصى تفريعا على إيجاب أعلى القيم في القيمي.

قوله : ( القيمة يوم الإقباض ).

هذا هو الأصح ، لأن الواجب هو المثل ، فإذا دفع بدله اعتبرت البدلية حين الدفع ( فحينئذ تعتبر ) (١) القيمة.

فإن قيل : قد سبق في كلام المصنف أن الواجب قيمة المثل يوم الإعواز ، فما هذه الاحتمالات :

قلنا : ذكر الاحتمالات لا ينافي اختياره واحدا منها ، وإن كان ذكر الفتوى عند ذكرها أولى وأبعد عن الوهم.

قوله : ( ولو غرم القيمة ثم قدر على المثل فلا يرد القيمة ، بخلاف القدرة على العين ).

أي : لو غرم قيمة المثل لتعذره ثم قدر عليه لم يكن لواحد منهما استرداد‌

__________________

(١) في « ق » : بغير.

٢٥٥

ولو أتلف مثليا فظفر به في غير المكان فالوجه إلزامه بالمثل فيه.

ولو خرج المثل باختلاف الزمان أو المكان عن التقويم ، بأن أتلف عليه ماء في مفازة ثم اجتمعها على نهر ، أو أتلف جمدا في الصيف ثم‌

______________________________________________________

القيمة ، لأن المثل إنما وجب بدلا لتعذر المبدل ، وقيمة المثل كذلك ، وتعذر المبدل منه باق فلا يثبت الاسترداد. بخلاف ما لو غرم القيمة ـ للحيلولة ـ ثم قدر على العين ، لأن الحق لم يسقط من العين بالكلية ، ودفع القيمة إنما كان للمحافظة على حق المغصوب منه.

قوله : ( ولو أتلف مثليا ثم ظفر به في غير المكان فالوجه إلزامه بالمثل فيه ).

هذا قول ابن إدريس (١) ، ووجهه : ان وجوب الأداء ثابت على الفور فلا يجوز التأخير ، ولا تراعى مصلحة من حقه أن يؤاخذ بأشق الأحوال ، فلا فرق بين كون المثل في مكان المطالبة أعلى قيمة أو لا.

وقال الشيخ : إنه إذا كان لنقل المثل مؤنة ، واختلفت القيمتان في البلدين ، وكانت قيمة بلد المطالبة أعلى يتخير المغصوب منه بين أن يأخذ قيمة بلد الغصب في بلد المطالبة ، أو يصبر الى بلد الغصب ليستوفي ذلك للضرر المنفي (٢).

والأصح الأول ، لأن الحق فوري ، وتأخير الأداء ضرر ، والضرر لا يزال بالضرر ، وحق الغاصب المؤاخذة بالأشق دون الإرفاق بحاله.

قوله : ( ولو خرج المثل باختلاف الزمان أو المكان عن التقويم ، بأن أتلف عليه ماء في مفازة ثم اجتمعا على نهر ، أو أتلف جمدا في الصيف‌

__________________

(١) السرائر : ٢٧٨.

(٢) المبسوط ٣ : ٧٦.

٢٥٦

اجتمعا في الشتاء احتمل المثل ، وقيمة المثل في مثل تلك المفازة أو الصيف.

______________________________________________________

ثم اجتمعا في الشتاء احتمل المثل ، وقيمة المثل في مثل تلك المفازة أو الصيف. )

وجه الأول : اقتضاء الدلائل الدالة (١) على وجوب المثل في المثلي وجوبه مطلقا من غير تفاوت بالزمان والمكان.

ووجه الثاني : خروجه عن المثلية بكونه لا قيمة له ، وقد ذكر الشارح تحقيقا لا حاصل له (٢). والأصح ان المثل إنما يعتبر إذا كان متقوما ، أما إذا لم تكن له قيمة أصلا فإنه لا يعد مالا عرفا ، فكيف يقع عوضا عن مال ثابت في الذمة ، ولا اعتبار بالمماثلة ( في الصورة ) (٣).

لكن لقائل أن يقول : لا يلزم من هذا وجوب قيمة المثل في مكان الإتلاف أو زمانه ، بل إنما تعتبر قيمته وقت خروجه عن التقويم ، لأنه وقت تعذره حينئذ وتعذر الوقوف على قيمة أخرى له.

نعم لو قلنا بأعلى قيم المثل ثم له ما ذكره ، وشيخنا في الدروس (٤). اختار ما اختاره المصنف هنا ، وفي التذكرة (٥) ، مع أنه لا يقول بوجوب أعلى لقيم.

ويمكن الجواب : بأنه لما خرج المثل عن التقويم خرج عن كونه للواجب ، فتعين الرجوع الى قيمة المغصوب. وكيف كان فالمختار هو وجوب‌

__________________

(١) في « ق » : الدليل الدال.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٧٧.

(٣) لم ترد في « ق ».

(٤) الدروس : ٣٠٩‌

(٥) التذكرة ٢ : ٣٨٣.

٢٥٧

ولو أتلف نية الذهب ففي ضمان الزائد بالصنعة إشكال ينشأ : من مساواة الغاصب غيره ، وعدمها ،

______________________________________________________

القيمة ، ولا محيد عن مختار الأصحاب وغيرهم في ذلك.

فروع :

الأول : هذا الحكم إنما يستقيم مع خروجه المثل عن التقويم أصلا ، فلو بقي له قيمة وإن قلت فالمثل بحاله.

الثاني : لو ظفر المالك بالغاصب في غير محل الغصب أو الإتلاف للمثلي ، وكانت قيمته أقل من قيمة مكان الغصب فهل للمالك الامتناع من قبض البدل الى موضع الإتلاف ، خصوصا إذا كان حمله يحتاج الى مؤنة وكان غير بلده؟ فيه تردد.

الثالث : لو اجتمعا بعد أخذ القيمة في مسألة الكتاب في مثل تلك المفازة ، أو في الصيف وقد أخذ القيمة فهل يترادان ويأخذ المثل؟ قال المصنف في التذكرة : الأقوى عندي المنع (١) ، وهو جيد ، لأن المثل ليس هو عين المال وقد انحصر الحق فيما أخذه.

قوله : ( ولو أتلف آنية الذهب ففي ضمان الزائد بالصنعة إشكال ينشأ : من مساواة الغاصب غيره ، وعدمها ).

هذا بناء على تحريم اتخاذ الآنية ، وإلا فلا إشكال في ضمان الزائد بالصنعة. فأما على القول بالتحريم ففي ضمان الغاصب زائد الصنعة إشكال ينشأ : من مساواة الغاصب غيره في أن ما يحرم لا يضمنه لوجوب إتلافه وعدمه نظرا الى عدوانه ، والصنعة في حد ذاتها قيمة وإن كانت محرمة في نظر الشرع.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٨٤.

٢٥٨

فإن أوجبناه ففي التضمين بالمثل إشكال ينشأ : من تطرق الربا ، وعدمه لاختصاصه بالبيع.

ولو اتخذ من السمسم الشيرج تخير بين المطالبة بالسمسم أو بالشيرج ، والكسب والأرش إن نقصت قيمته ، أو بالشيرج والناقص من‌ السمسم.

______________________________________________________

والتحقيق : أنه لا يتصور العدوان بإزالة المحرم ، لأن دفع المنكر (١) واجب على جميع المكلفين ، وليس من شرطه نية القربة وإن كانت شرطا في حصول الثواب ، واقتران محرم بأمر آخر لا يقتضي تحريمهما.

وربما قيل : إنه يلزم مثل ذلك في آلات اللهو ، ويمكن الفرق بالتفاوت في التحريم ، فإنه هناك أغلظ بخلاف الآنية.

قوله : ( فإن أوجبناه ففي التضمين بالمثل إشكال ينشأ : من تطرق الربا ، وعدمه لاختصاصه بالبيع ).

أي : فإن أوجبنا ضمان الصنعة ففي تضمين الآنية بمثل جوهرها اشكال ، لوجوب الزيادة في مقابلة الصنعة فيجي‌ء احتمال ثبوت الربا وعدمه ، نظرا الى التردد في عمومه المعاوضات أو اختصاصه ، والأصح العموم لإطلاق النهي عنه في الآية.

فرع : لو أتلف الصنعة فقط فإنه يضمنها على الاحتمال ، ولا حجر في كون ضمانها من جنس جوهر الإناء لانتفاء الربا هنا.

قوله : ( ولو اتخذ من السمسم الشيرج تخير بين : المطالبة بالسمسم ، والشيرج والكسب والأرش إن نقصت قيمته ، أو بالشيرج والناقص من السمسم ).

__________________

(١) في « م » : المحرم.

٢٥٩

ولو تعذر المثل إلا بأكثر من ثمن مثله ففي وجوب الشراء نظر.

______________________________________________________

أي : يتخير المالك في هذه الحالة بين ثلاثة أشياء : المطالبة بالسمسم ، لأن عين المال بمنزلة التالف فيرجع الى المثل ، والمطالبة بالشيرج والكسب ، لأن هذا هو مال المالك وإن تغيرت صورته. لكن إن نقصت القيمة عن قيمة السمسم ضمن الأرش ، لأن النقصان بفعل الغاصب والمطالبة بالشيرج والناقص عن قيمة السمسم ، هذا هو الظاهر من قوله : ( والناقص من السمسم ).

ويحتمل أن يكون المراد : والناقص من نفس السمسم فيأخذ مثل ما نقص وهو بعيد ، ولا يكاد يتحصل له معني ، فإنه لا يعرف نسبة الشيرج الى عين السمسم. ووجه هذا الاحتمال : ان الكسب أقرب الى التلف ، لأنه ثفل الشيرج.

إذا عرفت هذا ، فما ذكره المصنف في هذه المسألة لا يستقيم ، لأنه إن بقي المال بعد تغير صورته وصفاته على ملك المالك لم يكن له ( اختيار في المطالبة بالبدل ، وإن خرج بالفعل المذكور لم يكن له ) (١) أخذه باختياره.

هذا مع أن تصرف الغاصب لا يخرج العين عن ملك المالك بأي وجه كان على الأصح كما سيأتي ، فلا وجه لما ذكره هنا ، وينبغي التثبت في تأمله الى أن يظهر الصواب ، ولم أظفر بالمسألة في غير هذا الكتاب الى الآن.

قوله : ( ولو تعذر المثل إلا بأكثر من ثمن مثله ففي وجوب الشراء نظر ).

ينشأ : من لزوم الضرر المنفي ، فإنه يمكن معاندة البائع وطلب أضعاف قيمة المثل ، ومن صدق القدرة على المثل. والأصح الوجوب ، فإن الضرر لا يزال بالضرر ، والغاصب مؤاخذ بأشق الأحوال فلا يناسبه التخفيف ، وهو الأصح.

__________________

(١) لم ترد في « م ».

٢٦٠