جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

والقول قول المالك مع اليمين في شرط أصل الجعل ـ وشرطه في عبد معين وسعى العامل في الرد ـ بأن قال المالك : حصل العبد في يدك قبل الجعل تمسكا بالأصل.

______________________________________________________

قوله : ( والقول قول المالك في شرط أصل الجعل ).

أي : القول قول المالك لو اختلفا في شرط أصل الجعل ، بأن طالب العامل المالك بالجعل فأنكر اشتراطه ، لأن الأصل العدم.

قوله : ( وشرطه في عبد معين ).

أي : القول قول المالك لو اختلفا في اشتراط الجعل في العبد الفلاني ، فأنكره المالك بعد اتفاقهما على صدور الجعل ، للأصل أيضا.

قوله : ( وسعى العامل في الرد بأن قال المالك : حصل العبد في يدك قبل الجعل ).

ومثله قوله : حصل في يدك قبل علمك به ، ومثله قوله : حصل في يدك من غير سعي وإن كان بعد صدور الجعل ، لانتفاء حصول العمل حينئذ. وعلى ظاهر قوله : ( وسعى العامل ) لا حاجة الى قوله : ( قبل الجعل ) لأنه إن كان له سعي فالمانع التبرع لا عدم السعي ، وإن لم يكن فلا فرق بين ما إذا كان قبل الجعل أو بعده.

وعلى ما اختاره في التذكرة من أنه إذا حصل في يده ، وكان لرده مؤنة ، وحصل الجعل فرده يستحق ، لا يكون الاختلاف هنا إلا في تقدم السعي على الجعل وتأخره (١) ، وقد صنع في التذكرة كما صنع هنا ، فيكون كلامه معترضا. وبقوله : ( تمسكا بالأصل ) أشار الى علة تقديم قول المالك بيمينه في ذلك كله.

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٨٧.

٢٠١

ولو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه تحالفا وثبت أقل الأمرين من الأجرة والمدعى ، إلا أن يزيد ما ادعاه المالك على اجرة المثل فتثبت

______________________________________________________

قوله : ( ولو اختلفا في قدر الجعل أو جنسه تحالفا ).

لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه ، فلا ترجيح لأحدهما ، فيحلف كل منهما على نفي ما يدعيه الآخر.

قوله : ( ويثبت أقل الأمرين من الأجرة والمدعي ).

أي : مدعى العامل دون المالك ، لأن الأجرة إن كانت أقل فظاهر ، لانتفاء ما يدعيه العامل بيمين المالك ، وإن كان ما يدعيه العامل أقل ، فلأنه بدعواه الأقل منكر لاستحقاق الزيادة ، ومعترف ببراءة ذمة المالك منها فيؤاخذ بإقراره.

قوله : ( إلا أن يزيد ما ادعاه المالك على اجرة المثل فتثبت الزيادة ).

لاعترافه باستحقاق العامل إياها ، والعامل لا ينكر ذلك.

قيل : لا فائدة للتحالف ، بل يدفع الى العامل ما يدعيه المالك من أول الأمر في صورة ما إذا كانت اجرة المثل أقل مما ادعاه المالك.

قلنا : بل فائدته أنه قبل التحالف لو دفع اليه ذلك لم يكن على طريق المؤاخذة بظاهر الإقرار فقط ، فإن المالك يدعي أن هذا المقدار هو المستحق بالتسمية ، وبعد التحالف يتمحض الزائد لكونه مستحقا بمجرد الإقرار والمؤاخذة به.

وينبغي أن يقال بالتحالف فيما عدا هذه الصورة ، وصورة استواء اجرة المثل وما يدعيه المالك ، لأن هذا القدر مستحق على كل تقدير ، سواء حلف العامل أم لا ، فيؤخذ فيه بإقرار المالك مع يمينه لنفي الزائد ، هذا إذا كان صورة الاختلاف بينهما : جعلت لي كذا ، فقال : بل كذا.

٢٠٢

الزيادة. ويحتمل تقديم قول المالك كالأصل.

______________________________________________________

أما إذا كان صورة الاختلاف بينهما : استحق عليك كذا بسبب الفعل الفلاني ، فقال المالك : بل كذا فإنه يحلف لنفي الزائد ، ولا يمين من طرف العامل.

قوله : ( ويحتمل تقديم قول المالك كالأصل ).

أي : كما تقدم قول المالك في شرط أصل الجعالة ، أي : فإنه كما يكون القول قول المالك في اني لم اجعل شيئا أصلا ، لأنه منكر ، كذلك القول قوله في انه لم يجعل الشي‌ء الزائد. ويمكن الفرق بأنه إذا لم يحصل الاعتراف بجعل شي‌ء فالأصل براءة ذمة المالك من عوض عمل العامل ، فالعامل مدع محضا والمالك منكر محضا.

أما مع الاعتراف بصدور جعل فإن عمل العامل ليس مجانا ، والمالك يدعي أنه استحقه بتسمية القليل ، والعامل ينكر ذلك ويدعي أنه استحق عوضا بتسمية الكثير فلا جرم وجب التحالف ، إذ لا يلزم من نفي استحقاق المسمى الذي ادعاه العامل بالتسمية استحقاق ما يدعيه المالك فقط بالتسمية ، وإنما يتجه ذلك إذا كان الاختلاف في استحقاق الزائد وعدمه ، من غير تعرض للتسمية كما قدمناه ، وهذا هو التحقيق.

فإن قيل : إذا حلف العامل بنفي ما يدعيه المالك فلا فائدة ليمين المالك ، لأن اللازم بعد اليمين أقل الأمرين من الأجرة وما ادعاه العامل ، فيدفع اليه من أول الأمر ، فلا يكون موقوفا على يمين المالك.

قلنا : ليس كذلك ، لأن أقل الأمرين إنما يثبت بعد انتفاء دعوى العامل ، ولا ينتفي إلا بيمين المالك ، على أن المالك غير مقر باستحقاق اجرة المثل الزائدة على العشر ليؤاخذ بإقراره ، مع أنه ربما أقر إذا عرض عليه اليمين ، أو ردها على العامل فحلف على ما يدعيه فلها فوائد ، بخلاف ما إذا كانت اجرة‌

٢٠٣

ولو قال : جعلت الرد من بغداد ، فقال العامل : بل من البصرة قدم قول المالك.

ولو قال : من رد عبدي فله دينار فرد أحدهما استحق نصف الجعل إن تساوى الفعلان.

______________________________________________________

المثل بقدر ما يدعيه العامل أو انقص.

قوله : ( ولو قال : جعلت للرد من بغداد فقال العامل : بل من البصرة قدم قول المالك ).

لأن الأصل عدم ما يدعيه العامل والأصل براءة الذمة من وجوب الجعل.

قوله : ( ولو قال : من رد عبدي فله دينار ، فرد أحدهما استحق نصف الجعل إن تساوى الفعلان ).

وإلا فبالنسبة ، لأن أجزاء الجعل تقابل بها أجزاء العمل ، واعلم أن يد العامل على ما يحصل في يده الى أن يرده يد أمانة ، قال في التذكرة : لم أقف على شي‌ء ، لكن النظر يقتضي ذلك (١) ، وفي الدروس قال : إن خبر السكوني (٢) وخبر غياث (٣) يدلان عليه (٤).

فروع :

أ : إذا رد الآبق لم يكن له حسبه الى استحقاق الجعل ، لأن الاستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق.

ب : لو قال : إن علمت ولدي القرآن ، أو علمتني فلك كذا ، فعلمه‌

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٨٩.

(٢) الكافي ٦ : ٢٠١ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٨٧ حديث ٣٢٥ ، التهذيب ٨ : ٢٤٧ حديث ٨٩١.

(٣) الكافي ٦ : ٢٠٠ حديث ٨ ، الفقيه ٣ : ٨٨ حديث ٣٢٧.

(٤) الدروس : ٣٠٦.

٢٠٤

ولو مات الجاعل بعد الرد أخذ الجعل من التركة ، ولو مات قبله فإن لم يكن العامل قد عمل بطلت ، وكذا إن كان قد عمل لكن يؤخذ من التركة بنسبة عمله.

______________________________________________________

البعض وامتنع من تعليم الباقي قال في التذكرة : فلا شي‌ء له على اشكال.

قال : وكذا لو كان الصبي بليدا لا يتعلم على اشكال ، كما لو طلب العبد فلم يجده.

قال : أما لو مات الصبي في أثناء التعليم فإنه يستحق اجرة ما علمه ، لوقوعه مسلما بالتعلم ، بخلاف رد الآبق فإن تسليم العمل بتسليمه للآبق ، وهنا ليس عليه تسليم الصبي ، ولا هو في يده ، ولو منعه أبوه فللمعلم اجرة المثل لما علمه.

قال : ولو قال : إن خطت لي هذا القميص فلك درهم فخاط بعضه فإن تلف في يد الخياط لم يستحق شيئا ، وإن تلف في يد رب الثوب بعد ما سلمه إليه استحق من الأجرة بنسبة ما عمل (١) ، وفي الفرق بين هذه المسألة ومسألة التعليم نظر.

ج : مؤنة الدابة ، والعبد ، وما يلزم القماش ، ونحوه مما هو كالنفقة مثل الطعام التي إن لم يبذلها ذهب المال ، أو بعضه الذي هو أزيد من المطلوب على المالك ، لأنه ملكه ويد العامل كيد الوكيل.

* * *

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٨٨.

٢٠٥

كتاب الغصب وتوابعه

وفيه مقاصد :

الأول : في الغصب : وفيه مطلبان :

الأول : في الضمان : وأركانه ثلاثة :

الأول : الموجب : وهو ثلاثة :

الأول : التفويت بالمباشرة : وهي إيجاد علة التلف كالقتل والأكل ، والإحراق.

الثاني : التسبيب : وهو إيجاد ما يحصل التلف عنده ، لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة كالحافر ، وفاتح رأس الظرف ، والمكره على‌ الإتلاف.

______________________________________________________

قوله : ( كتاب الغصب وتوابعه ، وفيه مقاصد.

الأول : في الغصب : وفيه مطلبان : الأول : في الضمان : وأركانه ثلاثة :

الأول : الموجب : وهو ثلاثة :

الأول : التفويت بالمباشرة : وهي إيجاد علة التلف كالقتل ، والأكل ، والإحراق ).

المراد : الذي هو أعم من الغصب فيوجد بدونه ، فإن الإتلاف بالمباشرة كالرمي بسهم موجب للضمان ولا يعد غصبا.

قوله : ( الثاني : التسبيب : وهو إيجاد ما يحصل التلف عنده ، لكن بعلة أخرى إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة كالحافر ، وفاتح رأس الظرف ، والمكره على الإتلاف ).

٢٠٦

______________________________________________________

عرّف في الدروس السبب : بأنه فعل ملزوم العلة (١) ، وقريب منه ما ذكره الشارح الفاضل (٢) والمعنى قريب.

وقول المصنف : ( إذا كان السبب مما يقصد لتوقع تلك العلة ) غير محتاج اليه بل هو مضر ، إذ حفر البئر قد لا يقصد الحافر به توقع العلة الموجبة للتلف ، ولا قصدها أكثري مع الضمان به قطعا للسببية ، وكأنه أراد الاحتراز عما إذا كان حدوث المقتضي للتلف على تقدير ذلك الفعل نادرا ، فإنه لا يعد سببا.

ولعله أراد : بقصده كونه شأنه ذلك فكان الأولى ان يقول : وهو إيجاد ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى ، إذا كان السبب مما يتوقع معه علة التلف ، بأن يكون وجودها معه كثير.

واعلم أن شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد فسر السبب بتفسيرين :

الأول : إيجاد ملزوم العلة قاصدا لتوقع تلك العلة.

الثاني : انه فعل ما يحصل عنده التلف لكن بعلة غيره ، وهو أعم من الأول ، لإمكان سبب آخر بدل منه.

هذا محصل ما ذكره ، وفي الأول نظر ، لأنه إنما يصدق في الغاصب إذا قدم طعام الغير إلى أكل مبيحا له ، لأنه قاصد حينئذ بالتقديم الأكل.

ولا ريب أن حفر البئر سبب ، وطرح ما يتعثر به سبب بغير خلاف ، والظاهر أن مراد الجماعة كون قصد توقع العلة باعتبار الشأن ، فيكون تقديره هكذا السبب : إيجاد ملزوم العلة الذي شأنه أن يقصد معه توقع تلك العلة.

__________________

(١) الدروس : ٣٠٧.

(٢) إيضاح الفوائد ٢ : ١٦٦.

٢٠٧

الثالث : إثبات اليد : إذا كان بغير حق فهو غصب ، وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يكفي رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده ، والمودع إذا جحد أو عزم على المنع فهو من وقت الجحود أو العزم‌ غاصب.

______________________________________________________

قوله : ( الثالث : إثبات اليد : إذا كان بغير حق فهو غصب ، وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا ).

في التحرير : الغصب : هو الاستيلاء على مال الغير بغير حق (١) ، والاستيلاء أحسن من الاستقلال ، لأنه أشمل. وقال في التذكرة : إنه لا حاجة الى التقييد بالعدوان ، بل يثبت الغصب وحكمه من غير عدوان ، كما لو أودع ثوبا عند انسان ثم جاء وأخذ ثوبا للمستودع على ظن أنه ثوبه ، أو لبسه المستودع على ظن أنه ثوبه (٢).

فيظهر منه أن بين العدوان وما ليس بحق الفرق ، وليس بواضح ، لأن كل من لا حق له في إثبات اليد على الشي‌ء عاد ، سواء ظن خلاف ذلك أم لا وعلى كل حال فلا مشاحة في التسمية ، فإن كان معنى العدوان فعل ما يعلم كونه ظلما فلا حاجة الى التقييد به ، كما قال في التذكرة ، فيكون تعريف التحرير أولى.

قوله : ( ولا يكفي رفع يد المالك ما لم يثبت الغاصب يده ).

وما سيأتي من تضمين المانع للمالك عن حراسة ماشيته ليس للغصب ، بل للتسبب الى التلف.

قوله : ( والمودع إذا جحد أو عزم على المنع فهو من وقت الجحود أو العزم غاصب ).

__________________

(١) التحرير ٢ : ١٣٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٧٣.

٢٠٨

______________________________________________________

أما إذا جحد فواضح ، وأما إذا عزم على الجحود فيقال فيه : إنه قد سبق أن المستودع لا يضمن بمجرد قصد الخيانة ما لم يحسن ، بخلاف الملتقط. وهذا مخالف له. وقد أجاب عن ذلك شيخنا الشهيد في بعض حواشيه بعد تمهيد مقدمة هي : إنه إذا وجد للمجتهد حكما مختلفان في مسألة فلتوجيه كلامه طريقان :

أحدهما : تقرير النصين مهما أمكن.

والآخر : تحصيل القولين ، أي : إثبات خلاف له في المسألة ، والعدول إلى الثانية مشروط بتعذر الأولى.

إذا تقرر هذا ، فتقرير النصين هنا : بأن يفرق ما ذكر سابقا وما هنا ، بأن المذكور سابقا هو عدم كون المستودع خائنا وضامنا بمجرد قصد الخيانة ، والمذكور هنا هو كونه بمجرد قصد المنع للمالك يصير غاصبا وضامنا ، ولا يعد في ذلك ، لأنه بقصد الخيانة لم يخرج يده عن كونها يد نيابة للمالك في الحفظ ، إذ الفرض انه لم يقصد كون المال له ، فهو مع هذا القصد قائم بما استنابه المالك فيه مثبت يده باذنه فلم يحصل تعد.

ومجرد النية لا يوجب حصول التعدي ، بخلاف ما إذا قصد منع المالك من العين ، فإن يده حينئذ لنفسه ، فلا يكون نائبا للمالك ، فلا يكون إثبات يده حينئذ هو المأذون فيه من المالك ، فيكون إثباتا بغير حق ، فيصدق عليه تعريف الغاصب. وهذا فرق حسن جلي ، ولو أن هذا الفرق لم يتم لقلنا إن للمصنف في المسألة قولين ، فيكون هذا رجوعا عما سبق.

ويطرد هذا في الأمانات ، حتى يقال : إن الثوب الذي أطارته الريح الى دار الغير مثل اللقطة في ضمانه بمجرد قصد الخيانة ، ومال الإجارة بمنزلة الوديعة لا يضمن بقصد الخيانة ويضمن بالجحود ، وقصد منع المالك ونحو ذلك من الأمانات.

٢٠٩

ويتحقق إثبات اليد في المنقول بالنقل ، إلا في الدابة فيكفي الركوب ، والفراش الجلوس عليه ، وفي العقار بالدخول وإزعاج المالك ، فإن أزعج ولم يدخل ، أو دخل لا بقصد الاستيلاء ولم يزعج لم يضمن ، فإن قصد فهو غاصب‌ للنصف.

______________________________________________________

قوله : ( ويتحقق إثبات اليد في المنقول بالنقل ، إلا في الدابة فيكفي الركوب ، والفراش الجلوس عليه ).

فيه مناقشتان : إحداهما : إن الاستثناء لا يستقيم إلا إذا كان المراد أن إثبات اليد في المنقول لا يثبت إلا باليد ، ولا دلالة للعبارة على ذلك إلا باعتبار عدم صحة الاستثناء.

الثانية : إنه قد وقع في قوله : ( والفراش الجلوس عليه ) العطف على معمولي عاملين بأداة واحدة ، وهو ضعيف عند أهل العربية.

واعلم أن إثبات اليد في المنقولات إنما يتحقق بالنقل ، وإلا في الدابة فإن ركوبها إثبات اليد عليها ، والفراش فإن الجلوس عليه كاف في ذلك ايضا.

قال في التذكرة : وهل يتحقق بإثبات اليد من غير نقل؟ الأقرب عندي ذلك ، فلو ركب دابة الغير وهي واقفه ولم تنتقل عن مكانها ، أو جلس على فراشه ولم ينقله فالوجه تحقق الغصب ، لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء (١). وكلامه لا يقتضي الحصر في الدابة والفراش ، ولا يبعد الاستيلاء في كل شي‌ء بحسبه عرفا ، كالدخول الى خيمته ، أو خبائه ، ونحو ذلك.

قوله : ( وفي العقار بالدخول وإزعاج المالك ، فإن أزعج ولم يدخل ، أو دخل لا بقصد الاستيلاء ولم يزعج لم يضمن ، وإن قصد فهو غاصب للنصف ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٧٦.

٢١٠

______________________________________________________

لا ريب في أن غصب العقار متصور في نظر الشرع ، لأن إثبات اليد عليه ممكن ، ثم انه لا يخلو : إما أن يكون مالك العقار فيه أو لا ، فإن كان فيه ودخل آخر عليه بنية (١) السكنى وأزعجه فهو غاصب لا محالة ، لوجود الاستيلاء حقيقة ، ولا أثر لقصد السكنى حينئذ وعدمه.

ولو منع المالك من موضع بعينه فهو غاصب لذلك خاصة ، فيعتبر لتحقق الغصب أمران : الدخول ، وإزعاج المالك ، فلا يكفي أحدهما فقط ، لكن قول المصنف : ( لا بقصد الاستيلاء ) لا يخلو من شي‌ء ، لأنه لا أثر لعدم قصد الاستيلاء مع حصول الاستيلاء حقيقة ، كما نص عليه في التذكرة (٢).

وينبغي أن يقال : إن المزاحم للمالك في العقار : إما أن يدخل عليه مستوليا ، أو لا ، وعلى كل من التقديرين : إما أن يزعجه ، أو لا ، وعلى كل تقدير : إما أن يكون الغير قويا والمالك ضعيفا ، أو بالعكس ، أو يكونان قويين ، فهذه عدة صور (٣).

أن يدخل على المالك مستوليا ويزعجه ، أو لا يزعجه ، ولكل منهما قوة فيضمن النصف ، لأن الإزعاج للمالك غير معتبر في الغصب للعقار ، كما ذكره في التذكرة (٤). ولا يعتبر قصد الاستيلاء إذا تحقق الاستيلاء ، وإنما اعتبره هنا وفي التحرير (٥) لحصول اليد والاستيلاء حقيقة ، فهذه صورتان.

ولو دخل الضعيف على القوي بقصد الاستيلاء فليس بغاصب ، إذ لا أثر‌

__________________

(١) في « م » : هيئة.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٧٧.

(٣) في « م » : أ : دخل وأزعج وهو قوي. ب : لم يدخل بحاله. ج : وهما قويان. د : لم يدخل بحاله. ه‍ : بحاله وهو ضعيف خاصة. و : بحاله ولم يدخل. ز : أزعج ولم يدخل. قوله : أن يدخل على المالك.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٧٧.

(٥) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٧.

٢١١

______________________________________________________

لقصد شي‌ء لا يتمكن من تحقيقه ، ولو دخل القوي على الضعيف مستوليا بحيث اضمحلت يده فالمتجه كونه غاصبا للجميع. ولا فرق في هذين الموضعين بين الإزعاج وعدمه ، فهذه أربع أخرى.

ولو أزعج القوي مثله ولم يدخل ، أو القوي للضعيف كذلك ففي تحقق الغصب إشكال ، ينشأ : من أن قبض العقار يكفي فيه التمكن من التصرف ، والتخلية ، وتسليم المفتاح كما سبق في البيع ، وبذلك يدخل تحت يد المشتري وفي ضمانه ، فيجب أن يكون هذا القدر كافيا في صدق الغصب.

ومن أن العرف قاض بأن الغصب إنما يتحقق بالدخول ، لأن الاستيلاء به يحصل الإزعاج ونحو ذلك.

قال في التذكرة ـ وهنا وفي التحرير جزم باشتراط الدخول (١) ـ والمسألة موضع تردد (٢). ولا يتصور إزعاج الضعيف القوي. ولا أثر لانتفاء الدخول والإزعاج إلا إذا كان المالك غائبا فأسكن غيره مع جهل الغير ، فإن في الدروس : إن الآمر غاصب ، لأن يد المأمور كيده ، والساكن ليس بغاصب وإن ضمن المنفعة (٣)

ويشكل بما لو انهدمت الدار وهو فيها مثلا ، فإن عدم التضمين مع إثبات اليد بغير حق وإن كان مغرورا بعيد ، فإن قال بثبوته ولم يسمه غاصبا فلا مشاحة في التسمية ، ولو دخل العقار لينظر هل يصلح له ، أو ليتخذ مثله لا على قصد الاستيلاء ، قال في التذكرة : لم يكن غاصبا (٤) ، لكن لو انهدمت في تلك الحالة ففي الضمان إشكال ينشأ : من أنه قصد حصل التلف في يده كما لو أخذ‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٧.

(٢) التذكرة ٢ : ٣٧٧.

(٣) الدروس : ٣٠٧.

(٤) التذكرة ٢ : ٣٧٧.

٢١٢

ولو دخل الضعيف على القوي في داره وقصد الاستيلاء لم يضمن ، ويضمن لو كان القوي نائبا والحوالة على المباشر لو جامع السبب ، إلا مع ضعفه بالتغرير كمن قدم طعام غيره إلى أكل جاهل فالضمان يستقر على الآمر.

ولو دفع غيره في بئر حفرها ثالث فالضمان على الدافع.

ولو فتح رأس زق فقلبته الريح الحادثة وسقط ، أو ذاب بالشمس ففي الضمان إشكال ينشأ : من ضعف المباشر ، ومن أنه لا يقصد بفتح الزق تحصيل‌ الهبوب.

______________________________________________________

منقولا من بين يدي مالكه لينظر فيه هل يصلح له فتلف فإنه يضمنه ، ومن الفرق بينهما بأن اليد على العقار حكمية لا حقيقية كاليد على المنقول ، فلا بد في ثبوت اليد على العقار من أمر آخر وهو قصد الاستيلاء.

قوله : ( ويضمن لو كان القوي نائبا ).

لحصول الاستيلاء حقيقة.

قوله : ( إلا مع ضعفه بالتغرير ).

لا وجه لهذا القيد ، لأن أسباب الضعف لا تنحصر في التغرير ، فإن عدم صلاحية المباشر لنسبة الفعل اليه موجب لضعفه ، كما في الريح والشمس والنار.

قوله : ( ولو دفع غيره في بئر حفرها ثالث فالضمان على الدافع ).

لأنه المباشر ، لأن ذلك الفعل يتولد عنه التلف.

قوله : ( ولو فتح رأس زق فقلبته الريح الحادثة وسقط ، أو ذاب بالشمس ففي الضمان إشكال ينشأ : من ضعف المباشر ، ومن أنه لا يقصد بفتح الزق تحصيل الهبوب ).

٢١٣

ولو فك قيد الدابة فشردت ، أو عن المجنون فأبق ، أو فتح قفصا عن طائر فطار في الحال أو بعد مكث ، أو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ولا يحبسه إلا الوكاء ، أو فتح رأسه فتقاطرت قطرات وابتل أسفله وسقط ، أو قبض بالبيع الفاسد أو السوم على اشكال ، أو استوفى منفعة الإجارة الفاسدة ، أو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار فقتله السبع‌ ضمن.

______________________________________________________

أي : أو ذاب بالشمس فسقط ، ولا يخفى أن ضعف المباشر ثابت ، فإن الريح والشمس لا يحال على ما يترتب عليهما من التلف ، فيجب الرجوع على السبب فهو هنا بمنزلة المباشر.

ووجه الثاني : إن فتح الزق لا يعد سببا فإنه لا يقصد به توقع الهبوب ، فلا يترتب على فاعله ضمان.

ومثله إذابة الشمس ، ولا يخفى ضعف ذلك ، لأنه إذا فتح رأس الزق كان وجود المسقط له كثير الحصول ، من ريح فإن وجودها كثير ، وحيوان لا يعقل ، ووجود الشمس على الدوام موجب لتوقع الإذابة. ومعلوم أنه في هذين الموضعين لا يعد غاصبا لما في الظرف ، لعدم الاستيلاء والنقل له.

واعلم ان عبارة المصنف لا تخلو من شي‌ء ، فإنه لا يقصد بالسبب إلا حصول العلة له أصلا ، فكيف يستقيم قوله : ( ومن أنه لا يقصد بفتح الزق تحصيل الهبوب ) فلو قال بدله : ومن أنه لا يقصد بفتح الزق توقع الهبوب لكان أولى.

قوله : ( ولو فك قيد الدابة فشردت ، أو عن المجنون فأبق ، أو فتح قفصا عن طائر فطار في الحال أو بعد مكث ، أو أزال وكاء الظرف فسال ما فيه ولا يحسبه إلا الوكاء ، أو فتح رأسه فتقاطر وابتل أسفله وسقط ، أو قبض بالبيع الفاسد أو السوم على اشكال ، أو استوفى منفعة الإجارة الفاسدة ، أو ألقى صبيا في مسبعة أو حيوانا يضعف عن الفرار فقتله السبع‌

٢١٤

______________________________________________________

ضمن ).

هذه الصور كلها من قبيل ما يتعلق الضمان فيها بالسبب لضعف ( المباشر ) ، فإذا فك قيد الدابة فشردوها متوقع والمباشر ضعيف. وكذا لو فك القيد عن العبد المجنون ، ومثله من لا يميز ولو كان عاقلا فلا ضمان ، إذ لا يتوقع منه الفرار حينئذ إلا إذا كان آبقا في الضمان اشكال : من حيث أن فعله يسند إليه ، لأنه عاقل فالحوالة عليه ، لأنه المباشر بخلاف المجنون ، ومن حيث أنه بهذه العادة قد أشبه الدابة ونحوها مما يوقع نفسه في التلف ، ولأن المالك قد اعتمد ضبطه بذلك فإطلاقه إتلافه (١) ، وهو محل تأمل وإن كان الوجه الأول لا يخلو من وجاهة.

ولو فتح القفص عن الطائر فطار ضمن سواء هاجه أم لا ، ولا فرق بين طيرانه في الحال أو بعد مكث ، لاستناد الفعل الى السبب إذ طيران الطائر بعد فتح القفص مما يتوقع.

وكذا سقوط الظرف بابتلال أسفله المسبب عند تقاطر قطرات منه ، لأن ذلك كله مستند إليه ، إذ توقعه مقصود بالفعل السبب وهو إزالة الوكاء ، وهذا إذا كان مائعا أو كان ذوبانه متوقعا ، بخلاف الجامد في زمان الشتاء الشديد فإنه محل تأمل.

والمقبوض بالبيع الفاسد مضمون وإن لم يكن مغصوبا ، وكذا المقبوض بالسوم على اشكال ينشأ : من أنه بإذن المالك والأصل البراءة ، ومن أن الاذن لا يقتضي الأمانة مع عموم قوله عليه‌السلام : « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢) وقد قبضه لمصلحة نفسه ، والمنفعة المستوفاة بالإجارة الفاسدة مضمونة بأجرة المثل.

__________________

(١) في « م » : إتلاف.

(٢) مستدرك الوسائل ٣ : ١٤٥ ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، مستند الحاكم ٢ : ٤٧.

٢١٥

ولو فتح بابا على مال فسرق ، أو دل سارقا أو أزال قيدا عن عبد عاقل فأبق لم يضمن.

______________________________________________________

وهل العين مضمونة بالاستيفاء؟ يلوح من كلامهم العدم ، والذي ينساق اليه النظر كونها مضمونة ، لأن التصرف في العين غير جائز فهو بغير حق ، فيكون في حال التصرف استيلاؤه عليها بغير حق وذلك معنى الغصب ، إلا أن كون الإجارة الفاسدة لا تضمن بها كما لا تضمن بالصحيحة مناف لذلك.

فيقال : انه دخل معه على عدم الضمان بهذا الاستيلاء وإن لم يكن مستحقا ، والأصل براءة الذمة من الضمان ، فلا تكون العين بذلك مضمونة إنما يضمن المنفعة خاصة ولو لا ذلك لكان المرتهن ضامنا مع فساد الرهن ، لأن استيلاءه بغير حق ، وهو باطل.

وكذا يضمن لو ألقى صبيا في مسبعة ، أو حيوانا يضعف عن الفرار كشاة ونحوها فقتله السبع ، لأن تعريف السبب صادق عليه ، إذ قد أوجد ملزوم علة التلف الذي شأنه أن يقصد معه توقع تلك العلة ، لأن وجودها معه كثير.

قوله : ( ولو فتح بابا على مال فسرق ، أو دل سارقا أو أزال قيدا عن عبد عاقل لم يضمن ).

قد وقع للمصنف في الإرشاد أن حكم بالضمان بدلالة السراق ، وهذا لا ينطبق على أصول مذهبنا من أن المباشر مقدم على السبب في الضمان حيث لا يكون ضعيفا ، وربما حمل على كون الدال مستأمنا على ذلك المال فإنه يضمن بذلك.

لكن قال شيخنا في شرح الإرشاد ونعم ما قال : إن هذا الحمل تعسف ، لأنه قد ذكر في التحرير إشكالا في المسألة (١) ، وعلى هذا الحمل فلا وجه‌

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٨.

٢١٦

ولو حفر بئرا في غير ملكه ، أو طرح المعاثر في المسالك ، أو أتلف منفعة كسكنى الدار وركوب الدابة وإن لم يكن هناك غصب ضمن.

______________________________________________________

للإشكال المذكور ، والأصح خلاف ذلك ، وعلى ما يظهر من شرح الإرشاد فالمصنف خالف بذلك جميع الأصحاب.

وأما إزالة القيد عن العبد العاقل فقد عرفت التردد في الآبق ، فيستثنى من هذا الإطلاق.

قوله : ( ولو حفر بئرا في غير ملكه ، أو طرح المعاثر في المسالك ، أو أتلف منفعة كسكنى الدار ، وركوب الدابة وإن لم يكن هناك غصب ضمن ).

لا ريب أنه بحفر البئر في غير ملكه ، بل في ملك الغير ، أو في نحو الطريق يضمن ما يتلف فيها. وكذا لو طرح المعاثر ، وهي بفتح الميم والثاء المثلثة : جمع معثرة كمكانس ومعالق كذا قررناه.

ولو أتلف منفعة كسكنى الدار ، وركوب الدابة ضمن ما أتلفه قطعا ، لكن قوله : ( وإن لم يكن هناك غصب ) يستقيم إذا لم يستول على الدار والدابة ، ولم يكونا لمالك المنفعة.

فأما الأول فيتصور إذا دخل الضعيف على القوي في داره ، فإن الغصب غير متحقق ، لانتفاء الاستيلاء مع كونه صاحب يد فيضمن المنفعة قطعا ، ويمكن ضمان العين أيضا ، لليد. وكذا لو ركب الضعيف مع القوي دابته.

والذي يظهر من عباراتهم أن ضمان العين تابع لتحقق الغصب ، ويتصور ضمان المنفعة بغصب المالك داره أو دابته من مستأجرها مع انتفاء مسمى الغصب (١).

__________________

(١) « ق » : مع انتفاء الغاصب.

٢١٧

ولو أرسل ماء في ملكه فأغرق مال غيره ، أو أجج نارا فأحرق لم يضمن ، ما لم يتجاوز قدر الحاجة اختيارا مع علمه أو غلبة ظنه بالتعدي إلى الإضرار فيضمن.

ولو غصب شاة فمات ولدها جوعا ، أو حبس المالك عن حراسة ماشيته فاتفق تلفها ، أو غصب دابة فتبعها الولد ففي الضمان نظر.

______________________________________________________

قوله : ( ولو أرسل ماء في ملكه فأغرق مال غيره ، أو أجج نارا فأحترق لم يضمن ، ما لم يتجاوز قدر الحاجة اختيارا مع علمه ، أو غلبة ظنه بالتعدي إلى الإضرار فيضمن ).

لما كان الناس مسلطين على أموالهم كان للمالك الانتفاع بمالكه كيف شاء ، فإن دعت الحاجة الى إرسال ماء ، أو إضرام نار في ملكه جاز فعله وإن غلب على الظن التعدي إلى الإضرار بالغير.

نعم مع غلبة الظن بالتعدي إن تجاوز قدر الحاجة ضمن ، لأنه سبب في التلف لصدق تعريفه عليه إذ المباشر ضعيف ، فحينئذ إنما يتحقق الضمان بالشرطين لا بأحدهما.

قوله : ( ولو غصب شاة فمات ولدها جوعا ، أو حبس المالك عن حراسة ماشيته فاتفق تلفها ، أو غصب دابة فتبعها الولد ففي الضمان نظر ).

ينشأ : من عدم إثبات اليد على شي‌ء من ذلك وانتفاء مباشرة الإتلاف ، ومن أنه سبب. والأولى أن يقال : منشأ النظر الشك في كونه سببا في التلف وعدمه ، لانتفاء المباشرة للإتلاف والغصب.

والتحقيق أن يقال : إن قصد توقع العلة في التلف بغصب الشاة ، والدابة ، وحبس المالك عن حراسة الماشية بحيث يكون التلف متوقعا فالضمان ثابت ، ومعه فالضمان لازم لضعف المباشرة.

٢١٨

ولو منع غيره من إمساك دابته المرسلة فتلفت ، أو من القعود على بساطه ، أو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقية أو تلفت عينه لم يضمن.

______________________________________________________

ومثله ما لو منع المالك من إمساك دابته المرسلة حيث يتوقع تلفها مع بقائها مرسلة ، ويختلف الأمر في ذلك باختلاف الأحوال ، فربما كان بقاء الدابة مرسلة أياما وأشهرا معتادا ، لا يتوقع معه التلف فلا ضمان لو حبس المالك فاتفق على سبيل الندرة التلف.

وقد توقف المصنف في التذكرة في التضمين بهذا (١) ، وفي التحرير افتى بالعدم (٢) ، وربما أمكن أن يستفاد هذا الشرط الذي ذكرناه من الوصف بكونها مرسلة ، لأنه لو لم يكن له دخل في توقع التلف الحبس لم يكن لذكره فائدة أصلا بل كان لغوا.

ومثله ما لو مع المالك من القعود على بساطه ، وكان تلفه حينئذ بسبب آخر متوقعا فيكون مختاره في الكتاب غير مرضي. أما لو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقية ، مع بقاء العين وصفاتها لم يضمن قطعا ، لأن الفائت ليس مالا بل الفائت اكتساب المال.

ولو منعه من بيعه فاتفق تلفه فلا ضمان ، لعدم تحقق معنى السببية في التلف بالمنع من البيع ، إذ ليس مما يقصد بمنع البيع توقع حدوث علة التلف.

ولو كان الحيوان مشرفا على الموت فمنعه من بيعه ليذكيه المشتري ، أو منعه من تذكيته فهنا يحتمل الضمان احتمالا لا يخلو من وجه ، لوجود معنى السببية ، ولم أجد بذلك تصريحا والى هذه المسائل أشار بقوله : ( ولو منع غيره من إمساك دابته ... ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٣٧٦.

(٢) تحرير الأحكام ٢ : ١٣٧.

٢١٩

ولو مد بمقود دابة فقادها ضمن ، إلا أن يكون المالك راكبا قادرا.

ويضمن حمل الغصب لا حمل المبيع بالفاسد والسوم ، والحر لا يضمن بالغصب وإن كان صغيرا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو مد بمقود دابة فقادها ضمن ، إلا أن يكون المالك راكبا قادرا ).

أي : قادرا على دفعه ، لانتفاء الاستيلاء الذي هو مسمي الغصب ، ولو اتفق تلفها بذلك ضمنها كما نص عليه في التحرير (١) ، لأنه جان عليها. ولو لم تتلف فهل يضمن منفعتها إذا مد بمقودها والمالك القادر على دفعه راكب؟ يحتمل ذلك ، لأن منافع غير الحر تضمن بالفوات وقد باشر فواتها.

فرع : لو ساق الدابة قدامه بحيث صار مستوليا عليها لكونها تحت يده ولا جماح لها فهو غاصب ، لتحقق معنى الغصب ، ولو كان لها جماح فتردت بسوقه في بئر ضمن بالسببية.

لو جلس على خشبة الغير ، أو حجر له من غير أن يتلفه فهل هو كركوب الدابة ، والجلوس على فراشه من غير أن ينقل واحد منهما؟ فيه نظر ، أما السرير فإلحاقه بالفراش قوي.

قوله : ( ويضمن حمل الغصب لا حمل المبيع بالفاسد ).

أما حمل الغصب فإنه مغصوب كالأصل ، وأما حمل المبيع فإنه ليس مبيعا ، إذ لا يندرج الحمل في بيع الام ، فيكون أمانة في يد المشتري لأصالة عدم الضمان ، ولأن تسلمه باذن المالك الذي هو البائع.

قوله : ( والحر لا يضمن بالغصب ).

لانه ليس مالا ، فلا يدخل تحت اليد.

__________________

(١) تحرير الأحكام ٢ : ٣١٧.

٢٢٠