جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٦

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٠٤

ولو طرأ إسلام أحد الأبوين حكم بالإسلام في الحال ، وكذا أحد الأجداد والجدات وإن كان الأقرب حيا على اشكال.

ب : تبعية السابي المسلم على رأي إن سبي منفردا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو طرأ إسلام أحد الأبوين حكم بالإسلام في الحال ، وكذا أحد الأجداد والجدات ).

لأن الأب يتبع الجد ويكون أصلا له ، فيكون أصلا للطفل بطريق أولى ، فإن من بلغ مجنونا يحكم بإسلامه إذا كان أبوه مسلما ، فولد المجنون يحكم بإسلامه لذلك ، ولأن الإسلام للتغليب ، فيكفي أدنى سبب.

قوله : ( وان كان الأقرب حيا على اشكال ).

ينشأ : من أن سبب التبعية القرابة وأنها لا تختلف بحياة الأب وموته ـ كسقوط القصاص وحدّ القذف ـ ومن انتفاء ولاية الحضانة للجدين مع الأبوين.

ويضعف هذا : بأن أحقية الأبوين لا تنافي ثبوت التبعية للجدين ، مع ثبوت الولاية والأولوية للجد في النكاح عندنا ، والأصح عدم الفرق بين حياة الأب وموته.

قوله : ( تبعية السابي المسلم على رأي إن سبي منفردا ).

هذا قول الشيخ في المبسوط (١) ، لأن السبي أبطل حربته ، فتبطل تبعية الأبوة ، وتبعية الدار هنا منتفية ، والإسلام على التغليب ، ولا طريق إليه إلاّ بتبعية السابي.

ويضعف : بأن تبعية الأبوين ثابتة شرعا مقطوع بها ، ولا دليل على التبعية‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٤٢.

١٢١

ولو كان معه أحد أبويه الكافرين لم يحكم بإسلامه ، ولو سباه الذمي لم يحكم بإسلامه وإن باعه من مسلم.

ج : تبعية الدار ، وهي المراد هنا فيحكم بإسلام كل لقيط في دار الإسلام ، إلاّ أن يملكها الكفار ولم يوجد فيها مسلم واحد فيحكم‌

______________________________________________________

للسابي ، نعم يحكم بطهارته شرعا (١) خاصة ، تبعا للسابي دفعا للحرج ، إذ لا بدّ من مباشرته واستخدامه ، وهو الذي استقرّ عليه رأي المصنف.

قوله : ( ولو كان معه أحد أبويه الكافرين لم يحكم بإسلامه ).

لأن تبعيته للسابي حيث ينقطع عن أبويه ، فاما إذا سبيا معه أو أحدهما ، فإن التبعية لهما هي الأصل فيقدم.

قوله : ( ولو سباه الذمي لم يحكم بإسلامه وإن باعه من مسلم ).

لأن الذمي لا يتبع في الإسلام إذ لا حظّ له في الإسلام ، وبعض الشافعية (٢) حكم بإسلامه بذلك ، لأن الذمي من أهل دار الإسلام. وبيعه بعد ذلك من مسلم لا يقتضي الحكم بإسلامه ، لأن تملك المسلم طرأ عليه وهو كافر ، وإنما تحصل التبعية في الابتداء.

قوله : ( الثالث تبعية الدار وهي المراد ).

أي : الأمر الثالث مما به تحصل التبعية في الإسلام : تبعية الدار ، وهذا القسم هو المراد في اللقطة ، إذ لا معنى لتبعية الأبوين والسابي في إسلام اللقيط.

قوله : ( فيحكم بإسلام كل لقيط في دار الإسلام ، إلا أن يملكها الكفار ولم يوجد فيها مسلم واحد ، فيحكم بكفره ).

__________________

(١) لفظ ( شرعا ) لم يرد في « م » وأثبتناه من « ق ».

(٢) الوجيز ١ : ٢٥٦ ، المجموع ١٥ : ٣١٧.

١٢٢

بكفره ، وبكفر كل لقيط في دار الحرب ، إلاّ إذا كان فيها مسلم ساكن ولو واحد تاجر أو أسير ، فإن بلغ وأعرب عن نفسه الكفر ففي الحكم بردته تردد‌

______________________________________________________

المراد بـ ( دار الإسلام ) في عبارته : دار خطها المسلمون كبغداد والكوفة والبصرة ، أو دار فتحها المسلمون كمدائن والشام ـ فيحكم بإسلام لقيطها ـ والدار التي كانت للمسلمين ثم غلب عليها الكفار ، كطرسوس (١) وبعض سواحل البحر في بلاد الشام.

والذي في الدروس : أن دار الإسلام ما ينفذ فيها حكم الإسلام ولا يكون بها كافر إلاّ معاهدا (٢). وهو أضبط من الذي ذكره المصنف ، ولا ريب أن التي غلب عليها الكفار لا يحكم فيها بإسلام اللقيط ، إلاّ إذا كان فيها مسلم ساكن (٣) يمكن تولده عنه ، فان لم يكن حكم بكفره.

قوله : ( وبكفر كل لقيط في دار الحرب ، إلاّ إذا كان فيها مسلم ساكن ولو واحد ، تاجر أو أسير ).

أي : ويحكم بكفر كل لقيط في دار الحرب ، إلاّ إذا كان فيها مسلم ساكن بها ، ولو أنه واحد وهو تاجر أو أسير ونحوهما ، بشرط أن يمكن تولده عنه عادة ، ولا يكفي المارة من المسلمين ، إذ لا تبعية في وقت السكون لانتفاء التقدم ، [ ومثله ما ] (٤) إذا تجدد خروجه قبل الالتقاط لانتفاء المقتضي للتبعية ، وهو وجوده حينئذ.

قوله : ( فإن بلغ وأعرب عن نفسه الكفر ، ففي الحكم بردته تردد ،

__________________

(١) بفتح اوله وثانيه : مدينة بثغور الشام بين انطاكية وحلب وبلاد الروم ، وهي من ثغور المسلمين معجم البلدان ٤ : ٢٨.

(٢) الدروس : ٢٩٩.

(٣) كلمة ( ساكن ) لم ترد في « م » ووردت في « ق ».

(٤) لم ترد في « م » ، وفي « ق » : وإلاّ ، وما أثبتنا من مفتاح الكرامة ٦ : ١١٥ وهو الصواب.

١٢٣

ينشأ : من ضعف تبعية الدار.

الثالث : الجناية : وعاقلة اللقيط الإمام إذا فقد النسب ولم يتوال أحدا دون الملتقط ، فإن جنى عمدا اقتص منه ، وخطأ يعقله الإمام ، وشبيه العمد في ماله ، وإن قتل عمدا فلإمام القصاص ، وخطأ الدية.

ولو جنى على طرفه فالأقرب مع صغره جواز استيفاء القصاص أو الدية له ،

______________________________________________________

ينشأ : من ضعف تبعية الدار ).

أي : لو أظهر أنه كافر بعد بلوغه ، ومنشأ التردد : مما ذكره ، ومن سبق الحكم بإسلامه ، ولا يبعد الحكم بردته ، لسبق الحكم بطهارته وإجراء أحكام أولاد المسلمين عليه ، ولأن الإسلام هو الأصل ، لأن كل مولود يولد على الفطرة (١) ، وإظهاره الكفر بعد بلوغه لا ينافي إسلامه السابق ، وهذا قويّ.

نعم لو علم كفر آبائه وأظهر الكفر بعد بلوغه ، فليس بمرتد قطعا.

قوله : ( وعاقلة اللقيط الإمام ـ إذا فقد النسب ولم يتوال أحدا ـ دون الملتقط ).

أي : وعاقلة اللقيط الامام دون الملتقط ، وما بينهما اعتراض ، ولا يخفى أن موالاته أحدا إنما تعتبر بعد بلوغه.

قوله : ( ولو جنى على طرفه ، فالأقرب مع صغره جواز استيفاء القصاص أو الدية ).

وجه القرب : أن القصاص ثابت ، فيجوز للولي استيفاؤه أو أخذه الدية ، مراعيا للمصلحة في ذلك. ويحتمل العدم ، لأن التشفي مطلوب ، وبكل واحد من الأمرين يفوت. والأصح أنه إذا اقتضت المصلحة أحد الأمرين عمل الولي‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ١ : ٣٥ حديث ١٨.

١٢٤

ولا يتولى الملتقط ذلك بل الحاكم.

ولو أخذ الحاكم الأرش في العمد فبلغ وطلب القصاص فإشكال ينشأ : من أن أخذ المال للحيلولة أو لإسقاط القصاص.

______________________________________________________

بمقتضاها ، فإنه ربما خشي فوات الأمرين.

وهذا إنما هو في الصغير ، أما المجنون ، فإن الولي يعتمد في أمره المصلحة جزما ، والفرق : أن للصبي غاية تنتظر وهو البلوغ ، بخلاف المجنون ، فإنه لا غاية لزوال جنونه ، والتأخير إلى غاية غير معلومة تفويت.

قوله : ( ولا يتولى الملتقط ذلك بل الحاكم ).

لأن الملتقط لا ولاية له على اللقيط سوى الحضانة.

قوله : ( ولو أخذ الحاكم الأرش في العمد ، فبلغ وطلب القصاص فإشكال ، ينشأ : من أن أخذ المال للحيلولة أو لإسقاط القصاص ).

هذا تفريع على الأقرب ، وهو جواز كل من الأمرين : القصاص والدية للحاكم بحسب المصلحة ، والمراد بالأرش هو الدية ، ولا يخفى ضعف هذا الإشكال ، لأن الحيلولة هي تعذر الحق من جانب من هو عليه ، وهذا المعنى منتف هنا ، والمأخوذ برأي الحاكم ومقتضي المصلحة إنما هو في الدية ، ومع أخذها كيف يبقى القصاص.

وبعد تحرير محل النزاع يسقط هذا الإشكال ، بأن يقال : أخذ المال إن كان بغير رضي الجاني في العمد ، فهو ممنوع منه لا أثر له ويبقى الحكم كما كان ، ولا دية ولا حيلولة هنا ، لأن الواجب هو القصاص خاصة دون المال.

وإن كان برضاه ، فإنما يكون عوضا عن القصاص ، لأنه الفرض ، فان المفروض أنه لم يدفعه هبة وتبرعا ، فان صح أخذه عوضا وجب الحكم بسقوط القصاص ، وإلاّ لم يحل أخذ المال ، وحيث حكمنا بأنه يجوز أخذه عوضا مع‌

١٢٥

الرابع : الحرية : فإن لم يدع أحد رقيته فالأصل الحرية ، ونحكم بها في كل ما لا يلزم غيره شيئا فنملّكه المال ، ونغرّم من أتلف عليه شيئا ، وميراثه لبيت المال.

______________________________________________________

المصلحة وجب القول بسقوط القصاص ، وهذا هو الأصح.

قوله : ( فإن لم يدع أحد رقة فالأصل الحرية ).

لأن الرقية إنما تثبت بالكفر الأصلي والسبي ، والأصل عدم هذا الوصف ، ولأن كلّ إنسان ينتهي في الولادة إلى آدم عليه‌السلام ، فتستصحب الحرية إلى أن يثبت خلافها.

قوله : ( ويحكم بها في كل ما لا يلزم غيره شيئا ، فيملكه المال ويغرم من أتلف عليه شيئا ).

الحكم بحريته جريا على الأصل مع الخلو عن المعارض لا شبهة فيه ، فيحكم بملكه المال إذا لا مانع ، فيجب إجراؤه على الأصل ، ولو أتلف عليه متلف شيئا من المال حكمنا بتغريمه ، لأن الإتلاف يقتضي الضمان ، أما مع المعارض ـ وهو ما إذا اقتضى إلزام غيره شيئا ـ فسيأتي حكمه.

فإن قيل : التغريم يقتضي إلزام غيره شيئا ، فكيف حكم به؟

قلنا : المراد إلزام غيره شيئا لا يلزم على تقدير الرقية كالقصاص ، أما تغريم المال فإنه ثابت على كل تقدير.

قوله : ( وميراثه لبيت المال ).

هكذا قال الشيخان (١) ، وحمله ابن إدريس على بيت المال الامام (٢) ،

__________________

(١) المفيد في المقنعة : ٩٩ ، والطوسي في النهاية : ٦٨١ ، والخلاف ٢ : ١٤١ مسألة ٢١ كتاب اللقطة.

(٢) السرائر : ١٨٠.

١٢٦

وإن قتله عبد قتل ، وإن قتله حر فالأقرب سقوط القود ، للشبهة واحتمال الرق ، فحينئذ تجب الدية أو أقل الأمرين منها ومن القيمة على إشكال.

______________________________________________________

وعن المفيد التصريح بأنه لبيت مال المسلمين (١) ، وقال الشيخ : ولاؤه للمسلمين (٢) ، وما ذكره ابن إدريس هو المتجه ، لأنه من جملة من لا وارث له.

قوله : ( وإن قتله حر ، فالأقرب سقوط القود ، للشبهة واحتمال الرقية ).

إذا قتل اللقيط حر ، فاما أن يكون عمدا أو خطأ ، فإن كان عمدا ، فالأقرب عند المصنف سقوط القود للشبهة ، حيث أنه لا يقطع بثبوت الحرية لاحتمال الرقية ، فقول المصنف : ( واحتمال الرقية ) عطف تفسيري لـ ( الشبهة ) ومتى شك في شرط القصاص انتفى (٣) ولأن فارط الدماء لا يستدرك ، فيجب فيها رعاية الاحتياط.

ويحتمل الثبوت ، للحكم بحريته ظاهرا ، ولإجراء باقي أحكام الحرية ، مثل مبايعته ومناكحته ، فيجب إجراء الجميع أو منع الجميع ، لأن الشرط واحد.

قوله : ( فحينئذ تجب الدية ، أو أقل الأمرين منها ومن القيمة على اشكال ).

أي : فحين حكما بسقوط القود للشبهة ، تجب الدية أو أقل الأمرين منها ومن القيمة على إشكال فيهما ، ينشأ : من أنه حرّ في نظر الشارع ، وقد حكمنا بسقوط القود للشبهة ، فيجب الانتقال إلى الدية كملا. ومن الشك فيها وفي‌

__________________

(١) المقنعة : ٩٩.

(٢) قاله في الخلاف ٢ : ١٧٤ مسألة ١٣٩ كتاب الفرائض.

(٣) في « ق » : ومتى شك في الحرية شك في القصاص.

١٢٧

______________________________________________________

الرقية ، فيجب أقل الأمرين ، لأنه المتيقن والزائد مشكوك فيه للشك في سببه.

ولقائل أن يقول : إن الواقع لا يخلو من رقيته وحريته ، فلا بدّ من أحدهما ، وعلى أي تقدير كان ، فلا يكون الواجب واحدا من الأمرين المذكورين ، لأنه إن كان حرا فالواجب القصاص لا الدية ، والاحتياط المذكور معارض باحتياط مثله ، فإن الجاني ربما رضي بالقصاص ولم يرض بالدية ، فقهره عليها إلزام له بما لم يثبت عليه ، فيكون باطلا.

وإن كان رقا ، فالواجب هو القيمة لا الدية ، فيبطل احتمال كون الواجب هو الدية على كل من التقديرين اللذين انحصر الواقع فيهما ، وكذا يمتنع كون الواجب هو أقل الأمرين مطلقا على [ كل من تقديري ] (١) الحرية والرقية ، على أنه يؤدي إلى إسقاط حق معلوم الثبوت قطعا ، وذلك إذا قطع منه طرفان :

أحدهما أكثر قيمة ، والآخر أكثر دية ، وحيث بطلت اللوازم كلها تعين الحكم بالقصاص.

ويؤيده : أنا نحكم بجواز مناكحته ، مع أن الفروج مبنية على الاحتياط التام ، وتمضي جميع تصرفاته استنادا إلى الحكم بحريته ، ولأن كل من كان ظاهره الحرية يحكم له بالقصاص ، مع أنه قد يتطرق الاحتمال إليه.

والذي ينساق اليه النظر : الحكم بالقصاص ، لأنه أسلم من ارتكاب ما لا يدل عليه دليل ، ولو ظهر خلافه فهو بيت المال ، لأنه من خطأ الحكام. هذا كلّه إذا كانت الجناية عمدا ، ولو كانت خطأ ، فعلى ما اختاره المصنف يحتمل الدية وأقل الأمرين ، والأصح الأول.

__________________

(١) في « م » : كل تقدير ، وفي « ق » : تلك التقديرين ، وما أثبتناه من مفتاح الكرامة ٦ : ١١٨ عن جامع المقاصد ، وهو الأنسب.

١٢٨

وإن ادعى رقه لم يقبل من غير صاحب اليد ، ولا منها إذا استندت الى الالتقاط ، وإن استندت الى غيره حكم ظاهرا على اشكال

______________________________________________________

قوله : ( وإن ادعي رقّه لم تقبل من غير صاحب اليد ، ولا منها إذا استندت الى الالتقاط ، فان استندت إلى غيره حكم ظاهرا على إشكال ).

أي : إن ادّعى مدّع رقه ، فالفعل مبني للمجهول أو للمعلوم ، ومرجع الضمير ما سبق في قوله : ( فان لم يدع أحد رقه ). أي : وإن ادّعى أحد رقه ، فلا يخلو إما أن يكون المدعي لا يد له أو يكون له يد ، ففي الأول لا تقبل دعواه بدون البينة ، وفي الثاني لا يخلوا إما أن تكون اليد مستندة إلى الالتقاط أو إلى غيره : ففي الأول لا عبرة بها ، للعلم بأن سببها الالتقاط الذي لا يفيد الملك ، والأصل الحرية ، فلا تسمع دعواه الرقية بغير حجة ، وليس ذلك كدعوى المال الذي التقطه ، لأنه ملك على كل تقدير ، فليس في دعواه تغيّر له عن صفته.

وإن كانت مستندة إلى غير الالتقاط ، فإنه يحكم بها ظاهرا على إشكال ، ينشأ : من أن ظاهر اليد الملك ، ومن أن هذا في غير من ثبتت حريته ظاهرا واللقيط محكوم بحريته ظاهرا ، قال الشيخ في المبسوط : يحكم له بشهادة اليد مع اليمين (١).

واعلم أن في تصوير هذه المسألة خفاء ، فان ثبوت يد اخرى مع يد الالتقاط لا يكاد يتصور ، فان اللقيط من لا يد عليه ، فمتى كان لآخر يد عليه فليس بلقيط.

ثم أنه إذا كان لشخص على آخر يد وسلطنة ، يكون محكوما بكونه رقا له‌

__________________

(١) المبسوط ٣ : ٣٥٢.

١٢٩

فإن بلغ وأنكر ففي زوال الرق اشكال.

______________________________________________________

من غير إشكال ، فأي وجه لهذا الاشكال؟

وينبغي تنزيل العبارة على ما ذكره الشارح عميد الدين : من أن الملتقط إذا ادّعى رقه وأسند اليد عليه إلى غير الالتقاط ، كأن قال : هذا عبدي وكان لي عليه يد ثم ضلّ فالتقطته ، فيتجه حينئذ الاشكال ، وإن كان خلاف المتبادر من‌ قوله : ( استندت ) لأنه يقتضي الاستناد في الواقع ، فكان حقه أن يقول : فان استند إلى غيره.

ومنشؤه : من أن اليد ثابتة ، وقد أسندها إلى ما يقتضي الملك ، فلا يتوقف الحكم بدلالتها على الملك على العلم بسببها ، ومن أن الالتقاط هو السبب المعلوم ، والأصل عدم غيره ، فتحال اليد عليه ، وهو دال على الحرية ، فيحتاج الملك إلى حجة ، وليس هو كاليد التي لم يقارنها وصف الالتقاط ، لانتفاء المنافي معها ، فيقضي فيها بالملك ، وللتردد في ذلك مجال.

ولا يخفى أن قوله : ( ولا منها إذا استندت ... ) لا يخلو من مناقشة لأن المراد عود الضمير إلى ( غير صاحب اليد ) فكان حقه التذكير‌

قوله : ( فإن بلغ وأنكر ففي زوال الرق إشكال ).

أي : بناء على الحكم بالرقية ظاهرا في المسألة السابقة ، لو بلغ اللقيط فأنكرها ، ففي زوال الرق الذي ثبت ظاهرا إشكال ، ينشأ : من ثبوته ، فلا ينتفي إلا بحجة شرعية. ومن أن الأصل الحرية ، وثبوت الرق ظاهرا لانتفاء المنازع ، وقد تحقق المنازع الآن ، فلا يحكم بغير بينة أو تصديقه ، وهذا الاشكال فرع على الحكم بالرقية ظاهرا في المسألة السابقة ، كما نبهنا عليه ، لامتناع الرقية مع الحكم بالحرية وعدم التفات إلى الدعوى.

وعلى ذلك التقدير فلا يخفى ضعف الإشكال ، لأنه إذا حكم برقه لليد ـ لا‌

١٣٠

ولو أقام بينة حكم بها ، سواء أطلقت أو استندت الى سبب كإرث أو شراء ، ولو شهدت بأنه ولد مملوكته فإشكال ينشأ : من أنها قد تلد حرا.

ولو بلغ وأقر بالعبودية حكم عليه إن جهلت حريته ولم يقر بها أولا ، ولو أقر أولا بالحرية ثم بالعبودية فالأقرب القبول.

______________________________________________________

يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه ، كما في سائر نظائره.

قوله : ( ولو أقام بينة حكم بها ، سواء أطلقت أو استندت الى سبب كإرث أو شراء ).

تقبل في الحالين لشهادتها بالملك ، ولا يتوقف قبولها على الاستناد إلى سبب ، والإطلاق ضد الاستناد إلى سبب ، ولو قال : إذا أسندت لكان أولى كما لا يخفى.

قوله : ( ولو شهدت بأنه ولد مملوكته فإشكال ، ينشأ : من أنها قد تلد حرا ).

ومن أنه نماء مملوكته والأصل تبعيته لها ، والأصح العدم ، لأنها شهادة بالأعم من الدعوى ، فلا يثبت بها ، وقد رجع المصنف في كتاب القضاء عن هذا الإشكال إلى الجزم بعدم القبول.

قوله : ( ولو بلغ فأقر بالعبودية حكم عليه إن جهلت حريته ، ولم يقر بها أولا ).

قطعا ، لعموم : « إقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) ، وينبغي أن يقيد بما إذا لم يستلزم الإقرار ضياع حق آخر أو إلزامه بحق.

قوله : ( ولو أقر أولا بالحرية ثم بالعبودية ، فالأقرب القبول ).

وجه القرب : عموم نفوذ إقرار العقلاء على أنفسهم ، وقال الشيخ : لا‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٧ حديث ٥.

١٣١

ولو أقر بالعبودية أولا لواحد فأنكر فأقر به لغيره فإشكال ينشأ : من الحكم بحريته برد الأول إقراره ، ومن عموم قبول إقرار العاقل.

ولو سبق منه تصرف ، فإن أقيم بيّنة على الرق جعلت التصرفات كأنها صدرت من عبد غير مأذون.

ولو عرف رقّه بإقراره لم يقبل فيما يضر بالغير ، فيستمر النكاح لو كانت امرأة ، ويثبت للسيد أقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل ، والأولاد‌

______________________________________________________

يقبل ، لأنا حكمنا بحريته وألزمناه أحكامها من الحج والجهاد وغيرهما (١) ويرده : أن ذلك يقتضي عدم قبول إقرار من ظاهره الحرية ، لوجوب ذلك عليه ، وهو معلوم البطلان.

ولا يخفى أن إقراره بالحرية لا يقتضي كونه حرّا في نفس الأمر ، وربّما كان الحال غير معلوم عنده ثم تجدد العلم به ، وإنّما يقبل إقراره فيما لا يضر بغيره.

قوله : ( ولو أقرّ بالعبودية أولا لواحد ، فأنكر فأقر لغيره فإشكال ينشأ : من الحكم بحريته برد الأول إقراره ، ومن عموم قبول إقرار العاقل ).

والأصح الثاني ، لأنّ ردّ الأول لا يقتضي حريته ، إنما يقتضي كون الرقية التي أقرّ بها ليست له ، ولهذا لو رجع عن الإنكار إلى الإقرار قبل ، وربما لم يكن عالما بالحال أو كان غالطا أو تعمّد الكذب ، ولا يمنع شي‌ء من ذلك قبول إقراره الثاني.

قوله : ( فيستمر النّكاح لو كانت امرأة ).

أي : لو كانت الملقوطة امرأة وأقرت بعد النكاح بالرقية ولم تقم بينة فان النكاح يستمر ، إذ لا يسمع إقرارها فيما يضر بالزوج.

قوله : ( ويثبت للسيّد أقل الأمرين من المسمّى ومهر المثل ).

لأنّه إن كان المسمّى أقل ، فالزيادة التي مستندها مجرّد إقرارها لا تجب ، وإن‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٣٥٢.

١٣٢

أحرار ، وعدتها ثلاثة أقراء ، وفي الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيام.

ولو قذفه قاذف وادعى رقه ، وادعى هو الحرية تقابل أصلا براءة الذمة والحرية فيثبت‌ التعزير.

______________________________________________________

كان مهر المثل أقل ، لم يحل (١) للسيّد المطالبة بالزائد ، لأنّ الواجب على تقدير ملكه إياها هو مهر المثل.

وهل يجب على الزوج بذل الزيادة؟ وجهان أحدهما العدم ، لاتفاق الزوجة والسيد على عدم استحقاقها ، وهو قريب. هذا إذا لم يكن قد سلم الزوج المهر إليها ، فإن كان قد سلمه لم يكن للسيد المطالبة ، لما تقرر من عدم سماع إقرارها فيما يضرّ بالغير.

قوله : ( وعدّتها ثلاثة أقراء ).

سواء كانت رجعية أو بائنة ، حائلا أو حاملا ، لأنّ الحامل تعتد بأبعد الأجلين ، لأنّ قصرها يقتضي سقوط حق المطلق ، لأنّه في الرجعية يستحق الرّجعة إلى آخر عدّة الحرّة ، وفي البائن يحرم على الغير التصريح لها بالخطبة لحقّه دونه ، فإنه يجوز له التصريح في بعض أقسام العدّة البائنة ، ولا يستثني من ذلك المطلّقة الحامل البائنة إذا قلنا أن النفقة لها ، وكذا من جرى مجراها ، لأنّ الزائد من النّفقة يسقط بإقرارها وتصديق السيّد ، فيبقى حقّه بغير معارض.

قوله : ( وفي الوفاة بأربعة أشهر وعشرة أيّام ).

لأنّ الحداد واجب وهو حقّ للزّوج ، ولأنّ في تعجيل النّكاح إضرار بالورثة ، لأنّهم يتألّمون بذلك. وتحتمل عدّة الأمة ، لأنّه لا حقّ للزوج في عدّة الوفاة ، بل هي لمحض حقّ الله تعالى ، بخلاف عدّة الطّلاق ، لأنّها لحفظ مائه.

قوله : ( ولو قذفه قاذف وادّعى رقه وادّعى هو الحرية ، تقابل أصلا براءة الذمة والحرية ، فيثبت التعزير ).

__________________

(١) في « ق » : لم يجز.

١٣٣

ولو قطع حر يده تقابلا أيضا ، لكن الأقرب هنا القصاص ، لأن العدول إلى القيمة مشكوك فيه أيضا ، بخلاف التعزير المعدول إليه فإنه متيقن ،

______________________________________________________

هذا رجوع إلى أصل الباب ، أي لو قذف اللّقيط قاذف وادّعى رقه وادعى هو الحرية ، ثبت التعزير لتساقط الأصلين ، فيرجع إلى المتيقّن ، وهذا أحد القولين ، والآخر ثبوت الحدّ.

والتقابل الذي ادعاه غير واضح ، فإن أصل براءة الذّمة قد تحقق الانتقال عنه باشتغالها بعقوبة قذف من حكم بحريته وجرت أحكام الأحرار عليه ، وهو الأصح.

قوله : ( ولو قطع حر يده تقابلا أيضا ، لكن الأقرب هنا القصاص ، لأن العدول إلى القيمة مشكوك فيه أيضا ، بخلاف التعزير المعدول إليه ، فإنه متيقّن ).

أي : لو قطع حرّ يد اللّقيط المحكوم بحريته تقابل الأصلان هنا أيضا ، لكن الأقرب هنا ثبوت القصاص.

لا يقال الحكمان متنافيان ، لأنّ تقابل الأصلين في المسألة الاولى والثانية قائم فالحكم بالتعزير هناك لاحتمال الرقية ، وبالقصاص هنا الذي لا يثبت إلاّ على تقدير الحرية مما لا يجتمعان ، لأنّا نقول :

المانع من أخذ الدّية في الثانية قائم ، لأنّه إنّما يثبت على تقدير الرقية ، وهي مشكوك فيها ، والعدول من مشكوك فيه إلى مشكوك فيه باطل ، فتعين الأخذ بما دلّ عليه المرجّح ، وهو أصالة الحريّة ، بخلاف التعزير ، فإنّه ثابت على كل من تقديري الحريّة والرقية ، والمشكوك ـ وهو الزّائد ـ يسقط ويؤتى بالمعلوم ، وإلى هذا الجواب أشار بقوله ( لأنّ العدول إلى القيمة مشكوك فيه أيضا ... ).

ويشكل ما ذكره من الفرق ، فانّ التعزير غير واجب على تقدير الحريّة ، بل الواجب قدره في ضمن الحدّ ، والتعزير هو ذلك القدر المخصوص دون ما زاد ، فالعدول إليه أيضا عدول إلى مشكوك فيه ، ثم انّه ينتقض بما ذكره سابقا في الجناية‌

١٣٤

ولا ولاية للملتقط عليه بل هو سائبة يتولى من شاء.

الفصل الثاني : في الحيوان : ويسمّى ضالة ، ويجوز لكل بالغ عاقل على كراهية ـ إلا مع تحقق تلفه

______________________________________________________

على النفس.

ولا يتوهّم أن الأمر في الطرف أسهل منه في النفس ، لأنّ الاقتصاص في الطرف قد يسري إلى النفس. ثم يقال إنّ قوله : ( لأن العدول إلى القيمة مشكوك فيه ) يقتضي انحصار الحال في العدول إلى القيمة التي هي فرع الرقية ، ولم لا يجوز أن يكون العدول إلى الدّية التي هي فرع الحرية ، أو أقل الأمرين الذي هو المتيقّن ، على كل من التقديرين.

والحق أنّ كل ذلك ضعيف ، بل إجراء أحكام الحريّة هو المعتمد ، لأن العدول عنها خروج عن الحكم الشرعي إلى مجرّد الرأي ، كما حققناه.

قوله : ( ولا ولاية للملتقط عليه ، بل هو سائبة يتولى من شاء ).

قد علم غير مرة أن ولاية الملتقط على اللقيط إنما هي في الحضانة لا في غير ذلك ، فهو سائبة له أن يتولّى من شاء بعد بلوغه.

قوله : ( الفصل الثاني : في الحيوان ، ويسمّى ضالة ، ويجوز لكل بالغ عاقل على كراهية ... ).

يندرج في البالغ العاقل المرتد عن فطرة ، مع أنه ليس له أن يلتقط ، ولو التقط بني على أنه لو حاز المباحات هل تنتقل إلى ورثته ، أم لا فيجوز انتزاعها من يده لكل أحد ، فبأيهما حكم به يأتي مثله هنا.

قوله : ( إلا مع تحقق تلفه ).

أي : على كراهية ، إلا في هذه الحالة ، فتزول الكراهية ، قال في‌

١٣٥

وإن كان عبدا أو كافرا أو فاسقا ـ التقاط كل حيوان مملوك ضائع لا يد لأحد‌ عليه

______________________________________________________

التذكرة : أما إذا تحقق التلف ، فإنه تزول الكراهية ويبقى طلقا (١). يدل على الكراهية قول الباقر عليه‌السلام : « لا يأكل الضالة إلا الضالون » (٢) وهو مخصوص بقول الصادق عليه‌السلام : « الضوال لا يأكلها إلا الضالون إذا لم يعرّفوها » (٣) فان مفهوم الشرط معتبر ، فيبقي نفي الكراهية مع تحقق التلف مستندا إلى الأصل.

فإن قيل : فعلى هذا تختص الكراهة بما إذا لم يعرّفها وإن لم يتحقق التلف.

قلنا : الكراهة فيما عدا هذه الصورة بالإجماع ، ورواية الشاة يفهم منها عدم تحقق التلف ، حيث قال عليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » (٤) فيكون قوله عليه‌السلام : « وما أحب أن أمسها » (٥) غير مناف لما قلناه.

قوله : ( وإن كان عبدا ).

سواء أذن المولى أم لا إذا لم ينهه ، لأنه أهل للاكتساب ، وظاهر كلام التذكرة أن هذا الحكم إجماعي (٦).

قوله : ( أو كافرا أو فاسقا ).

لأن الالتقاط اكتساب ، والكافر والفاسق أهل له.

قوله : ( ضائع لا يد لأحد عليه ).

__________________

(١) التذكرة ٢ : ٢٦٦.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٩٦ حديث ١١٩٣.

(٣) التهذيب ٦ : ٣٩٦ حديث ١١٨٢.

(٤) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٢.

(٥) الفقيه ٣ : ١٨٨ حديث ٨٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩٤ حديث ١١٨٥.

(٦) التذكرة ٢ : ٢٦٩.

١٣٦

في الفلاة ، فالبعير لا يؤخذ إن كان صحيحا أو كان في كلأ وماء ، فإن أخذه حينئذ ضمنه.

ويبرأ بتسليمه الى المالك أو الحاكم مع فقده ، ولا بإرساله في موضعه ، ويرسله الحاكم في الحمى فإن لم يكن باعه وحفظ ثمنه لمالكه.

______________________________________________________

قد يقال : إن قوله : ( ضائع ) مغن عن قوله. ( لا يد لأحد عليه ) لان المراد بالضائع : الضال ، ولا يكون ضالا مع ثبوت اليد عليه.

ويجاب : بأن المراد ضائع عن مالكه ، وما هذا شأنه لا يمتنع أن يكون عليه يد ملتقط آخر سابق ، وحينئذ فلا يجوز للاّحق التقاطه ، واعلم أن قوله : ( كل حيوان ) يستثني من عمومه ما سيذكره بعد.

قوله : ( في الفلاة ).

فالضائع في العمران لا يجوز أخذه ولا يعدّ لقطة.

قوله : ( فالبعير لا يؤخذ إن كان صحيحا ، أو كان في كلأ وماء ).

للنهي عن التعرض إليه في كل من الموضعين في رواية هشام بن سالم الحسنة عن الصادق عليه‌السلام (١) ، والكلأ مهموز كجبل : العشب.

قوله : ( ويرسله الحاكم في الحمي (٢) فان لم يكن ، باعه وحفظ ثمنه لمالكه ).

ظاهره أن الحاكم إنما يبيعه مع فقد الحمى ، وفي الدروس : أنه يعتمد من الأمرين ما يراه مصلحة (٣) ، وهو حسن. ولو لم يجد الحاكم فهل يسوغ له‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ حديث ٨٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٦.

(٢) قال السيد العاملي في مفتاح الكرامة ٦ : ١٢٧ : والمراد : الحمي الذي حماه الامام لخيل المجاهدين والضوال.

(٣) الدروس : ٣٠٠.

١٣٧

ولو تركه من جهد في غير كلأ ولا ماء جاز أخذه ، ويملكه الواجد ولا ضمان.

وفي رد العين مع طلب المالك‌ اشكال.

______________________________________________________

بيعه؟ وعلى تقدير عدم البيع لو أنفق عليه ، هل له الرجوع إذا قصده ، أم يكون كالشاة المأخوذة من العمران؟ كل محتمل.

قوله : ( ولو تركه من جهد في غير كلأ ولا ماء جاز أخذه ).

للأخبار (١) الدالة على ذلك ، وظاهر قول أمير المؤمنين عليه‌السلام : « أنه إن تركها في غير كلأ وماء فهي للذي أحياها » (٢) أن المتروك في كلأ ولا ماء هناك أو بالعكس يؤخذ ، لانتفاء الأمرين حينئذ ، ولأنها لا تعيش بدون الماء ، وضعفها يمنعها عن الوصول إليه.

قوله : ( ويملكه الواجد ولا ضمان ).

للأخبار الصريحة في ثبوت الملك على وجه انقطع سبيل المالك عنها فان في صحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق عليه‌السلام : « من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلّت وقامت وسيّبها صاحبها لما لم تتبعه ، فأخذها غيره ، فأقام عليها وأنفق نفقة حتى أحياها من الكلال ومن الموت ، فهي له ولا سبيل له عليها ، وإنما هي مثل الشي‌ء المباح » (٣).

والظاهر أن المراد بالمال ما كان من الدواب التي تحمل ونحوها ، بدليل قوله : « قد كلّت وقامت وسيبها صاحبها لما لم تتبعه » والرواية نصّ صريح في عدم الضمان.

قوله : ( وفي رد العين مع طلب المالك إشكال ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٣ ، ١٤ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ ـ ٣٩٣ حديث ١١٧٧ ، ١١٧٨ ، ١١٨١.

(٢) الكافي ٥ : ١٤١ حديث ١٦ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ حديث ١١٨١.

(٣) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٧.

١٣٨

وكذا التفصيل في الدابة والبقرة والحمار ، أما الشاة فتؤخذ ويتخيّر الآخذ بين حفظها لمالكها أو دفعها الى الحاكم ولا ضمان‌ فيهما ،

______________________________________________________

ينشأ : من عموم قول الباقر عليه‌السلام في رواية : « فإذا جاء طالبه رده اليه » (١) ومن حصول الملك للثاني فلا يزول ، والأصح عدم وجوب الرد ، للنص الصريح في الرواية السابقة (٢).

ودعوى الشارح : ذات عموم (٣) (٤) ، غير جيدة ، لأنها بالإضافة إلى الرواية الأولى أخص ، فتكون مقدمة ، وهو مختار المصنف في التحرير (٥) ، وشيخنا في الدروس (٦).

قوله : ( وكذا التفصيل في الدابة والبقرة ).

أي : التفصيل بكون الترك من جهد ، وكونه في كلأ وماء وعدمه ، إلى آخر الأحكام السابقة ، لشمول رواية ابن سنان لهما ، ورواية مسمع عن أمير المؤمنين عليه‌السلام المذكور بعضها سابقا ، والمذكور فيها الدابة والبغل والحمار كذلك (٧).

وقيل بجواز أخذ الحمار مطلقا ، لعدم امتناعه من الذئب ، ذكره في الدروس (٨).

قوله : ( وأما الشاة ، فتؤخذ ويتخير الآخذ بين حفظها لمالكها أو دفعها إلى الحاكم ، ولا ضمان فيهما ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٩ حديث ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٥.

(٢) هي صحيحة ابن سنان السابقة.

(٣) أي : ودعوى الشارح ان الرواية السابقة ذات عموم غير جيدة.

(٤) إيضاح الفوائد ٢ : ١٤٨.

(٥) التحرير : ١٢٥.

(٦) الدروس : ٣٠٠.

(٧) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٣ حديث ١١٨١.

(٨) الدروس : ٣٠٠.

١٣٩

وبين تملكها والضمان على اشكال. وكذا صغار الإبل والبقر وغيرهما.

______________________________________________________

أي : في الموضعين المذكورين ، لأن الحاكم ولي الغائب ، فالدفع إليه مع تعذر المالك كالدفع إلى المالك ، وحفظها بنفسه جائز ، لأنه أمين.

قوله : ( وبين تملكها والضمان على إشكال ).

ينشأ : من عموم « فإذا جاء طالبه رده إليه » (١) ومن إطلاق رواية ابن سنان (٢) السابقة ، لكن فيها ما قد ينافي الحكم المذكور في الشاة ، وهو قوله عليه‌السلام : « وسيبها صاحبها لما لم تتبعه » (٣) فان هذه غير شرط في جواز أخذ الشاة وتملكها إذا كانت في الفلاة ، ولا ريب أن الضمان أحوط وأرجح.

فإن قيل : إذا جاء صاحبها وهي موجودة ، فعلى الضمان يجب ردّها عليه ، وذلك مناف للملك.

قلنا : لا منافاة ، لجواز كون الملك متزلزلا.

فإن قيل : متى تحقق الضمان؟

قلنا : الظاهر أن الأخذ من حين تملكها صارت مضمونة عليه ، فان جاء المالك ردّها بعينها ، ومع التلف يضمن ، وهل يجب تعريف الشاة المأخوذة من الفلاة؟ قال في التذكرة : الأقرب العدم (٤) ، لظاهر قوله عليه‌السلام : « هي لك أو لأخيك أو للذئب » (٥) فإن المتبادر منه تملكها بغير تعريف ، وليس تقييده بالتعريف بأولى من تقييد دليل التعريف بما عدا الشاة ، وهذا قويّ متين.

قوله : ( وكذا صغار الإبل والبقر وغيرهما ).

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٣٩ حديث ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٣ ، التهذيب ٦ : ٣٩٢ حديث ١١٧٧.

(٣) المصدر السابق.

(٤) التذكرة ٢ : ٢٦٨.

(٥) الكافي ٥ : ١٤٠ حديث ١٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٨ حديث ٨٤٨ ، التهذيب ٦ : ٣٩٤ حديث ١١٨٥.

١٤٠