جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

هو عليه ، ولمالك الوديعة والقراض ومال الشركة البيع في يد المستودع والعامل والشريك ، وكذا كلّ أمانة هي في يد الغير ، كالمرتهن والوكيل.

ولو باع ما ورثه صح ، إلاّ أن يكون الميت قد اشتراه ولم يقبضه فخلاف ، وكذا الإشكال في الاصداق وشبهه.

______________________________________________________

أما إذا كان المالان قرضا فلا بحث ، وأما إذا كان المحال به فلأنّ بيع ما لم يقبض بناء على التحريم غير متحقق ، وكان الأولى أن يقول : أو أحدهما ، سواء المحال به أو المحال عليه ، لأنه إذا كان أحدهما قرضا لم يتعين كون الآخر هو المبيع.

وليس له أن يقول : إن المحال به مشبه للمبيع من حيث تخيل كونه مقابلا بالآخر ، إذ ربما يقال : إن شبهه بالثمن أظهر لاقترانه بالباء ، وكل ذلك ضعيف ، فالأولى ما ذكرناه وقد لحظه في الدروس فعبر بـ ( أحدهما ) (١).

ويظهر من كلام التذكرة مجي‌ء احتمال عدم صحة الحوالة إذا كان المحال به قرضا (٢) ، وهو مخالف لما هنا ، ومراده بقوله : ( صح ) أن ذلك جار على القول بعدم صحة الحوالة في المسألة السابقة ، وإلاّ فإذا صح هناك فهنا بطريق أولى.

قوله : ( ولو باع ما ورثه صح ، إلاّ أن يكون الميت قد اشتراه ولم يقبضه فخلاف ).

إنما أعاد صحة بيع الموروث ليستثني منها ما إذا اشترى الميت ولم يقبض على الخلاف ، والفتوى هنا كالفتوى فيما سبق بالجواز مع الكراهية.

قوله : ( وكذا الإشكال في الإصداق وشبهه ).

أي : مثل الاشكال والخلاف في الموروث إذا اشتراه الميت ولم يقبضه ، وباعه الوارث ، الإشكال في الاصداق وعوض الخلع ، ونحوهما إذا اشترى المصدق الصداق مثلا ولم يقبضه ، وأرادت المرأة بيعه ، وهذا غير متبادر من العبارة.

ولو أنه قال : وكذا الإشكال في الصداق وشبهه لكان أدل وأظهر ، لأن‌

__________________

(١) الدروس : ٣٤١.

(٢) التذكرة ١ : ٤٧٥.

٤٠١

ولو قبض أحد المتبايعين فباع ما قبضه ثم تلفت الأخرى قبل القبض بطل الأول ، وعلى البائع الثاني قيمة ما باعه ، والإطلاق يقتضي تسليم الثمن والمثمن ، فان امتنعا أجبرا ويجبر أحدهما لو امتنع ، سواء كان الثمن عينا أو دينا.

ولو اشترط أحدهما تأخير ما عليه صح ، وكذا يصح لو اشترط البائع سكنى الدار سنة أو الركوب مدة.

______________________________________________________

المشبه حينئذ الصداق بالميراث ، فحيث جعل المشبه الاصداق صار تعيين المراد بعيدا عن الفهم.

وحكى شيخنا الشهيد في بعض حواشيه : أن في بعض النسخ : وكذا الإشكال في الاصداق وشبهه. وفيه : ان التشبيه غير ظاهر وجهه ، ومع ذلك فقد سبق بيان هذا الحكم ، فيكون تكرارا بغير فائدة.

قوله : ( بطل الأول ، وعلى البائع الثاني قيمة ما باعه ).

أما البطلان فلأن تلف أحد العوضين قبل القبض يقتضي انفساخ العقد ، وأما وجوب قيمة ما باعه البائع الثاني ، فلأنه لا سبيل الى بطلان المعاوضة الصحيحة اللازمة لحدوث مبطل للمعاوضة الأولى ، فان الحق هنا يتعلق بثالث ، بل يجعل بمنزلة التالف ، فتجب قيمته إن كان قيميا ، وإلا فمثله ، ولم يتعرض للمثل لظهوره.

قوله : ( والإطلاق يقتضي تسليم الثمن والمثمن ، فان امتنعا أجبرا ، ويجبر أحدهما لو امتنع ).

هذا بيان وجوب التسليم على كل من المتبايعين ، وهذا وإن كان من أحكام القبض إلا أنه لكونه أصلا في الباب أفرده بالذكر ، ولأن المراد بحكم التسليم ما يترتب عليه بعد تحققه ، وكل ما ذكره من الأحكام سابقا فهو من هذا القبيل.

وأراد بوجوبه أمرا آخر ، ولا ريب أن الإطلاق يقتضي تسليم العوضين ،

٤٠٢

وإذا تلف المبيع قبل قبضه ، فهو من ضمان البائع وينفسخ العقد.

وإتلاف المشتري قبض ، وإتلاف الأجنبي لا يوجب الانفساخ على الأقوى ، نعم يثبت للمشتري‌ الخيار ،

______________________________________________________

لكون كل من العوضين ينتقل الى من يراد بالعقد انتقاله اليه ، والفرض أنه حال ، والأصح أنهما يجبران معا على التسليم.

فلا يبدأ بالبائع خلافا للشيخ (١) ، ولا بالمشتري لاستواء العقد في إفادة الملك بالنسبة الى كل واحد منهما.

ولو امتنع أحدهما من قبض ماله أجبره الحاكم ، فإن أصر وكل من يقبض عنه ، ومع فقد الحاكم فالظاهر أنه كالدين إذا بذله وعرضه عليه فامتنع من قبوله يصير في ضمانه ، لأن الدين كذلك مع أنه غير متعين ، فالمبيع المتعين أولى.

قوله : ( وإذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من ضمان البائع ).

لا ريب في هذا ، فيقدّر دخوله في ملك البائع قبل التلف بأقل زمان ، ويكون التلف كاشفا عن هذا ، ومثله دخول الدية في ملك الميت ، والعبد في ملك المعتق عنه ، والصداق في ملك المصدق عنه.

قوله : ( وإتلاف الأجنبي لا يوجب الانفساخ على الأقوى ).

لأنه عاد غاصب مال الغير ، فيجب أن يثبت لصاحب المال الرجوع عليه ، ويحتمل إيجابه الانفساخ ، لأن تلف المبيع قبل قبضه متحقق فيما لو أتلفه متلف ، والأول أصح.

ويحمل إطلاق كون التلف قبل القبض من البائع على التلف بنفسه ، جمعا بينه وبين إطلاق تعلق الضمان بالجاني ، وعدم تضييع حق المشتري الثابت له بالعقد.

قوله : ( نعم يثبت للمشتري الخيار ).

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٤٨.

٤٠٣

وإتلاف البائع كإتلاف الأجنبي على الأقوى.

ولو تعيّب بجناية أجنبي فللمشتري الفسخ ومطالبة الجاني بالأرش ، والأقوى أن جناية البائع كذلك ، ولو كان بآفة سماوية ، فللمشتري الخيار بين الرد والأرش على إشكال.

ولو تلف أحد العبدين انفسخ البيع فيه وسقط قسطه من الثمن ، وكذا كل جملة تلف بعضها وله قسط من الثمن ، ولو لم يكن له قسط من الثمن كقطع يد العبد فللمشتري الرد ، وفي الأرش نظر ، والسقف من الدار‌

______________________________________________________

لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع ، فلا بد للضمان من حكم ، وليس إلا الفسخ والرجوع عليه بالثمن ، فيرجع البائع على المتلف بالمثل أو القيمة.

قوله : ( وإتلاف البائع كإتلاف الأجنبي على الأقوى ).

وجه القوة أنه متلف مال الغير عدوانا ، فيجب عليه ما يجب على الأجنبي ، ويحتمل أن يكون إتلافه فسخا ، تسوية بين إتلافه وتلف المبيع بنفسه. ويضعف بأنه ليس بفسخ ، فإتلافه يكون عدوانا يترتب عليه استحقاق المطالبة بما أتلفه.

قوله : ( ولو كان بآفة سماوية فللمشتري الخيار بين الرد والأرش على إشكال ).

ينشأ : من أنه تعيب على ملك المشتري لا من قبل أحد ، ومن أنه مضمون على البائع ، والأصح أن له الأرش إن لم يفسخ ، وقد سبق بيان ذلك مرارا.

قوله : ( ولو تلف أحد العبدين انفسخ البيع فيه ، وسقط قسطه من الثمن ).

لأنّ تلفه قبل القبض على ملك البائع.

قوله : ( وكذا كل جملة تلف بعضها وله قسط من الثمن ، ولو لم يكن له قسط من الثمن كقطع يد العبد فللمشتري الرد ، وفي الأرش نظر ).

الفرق بين ماله قسط من الثمن وبين ما ليس له ذلك : أن الأول لا يبقى‌

٤٠٤

كأحد العبدين لا كالوصف.

ولو اشترى بدينار فدفعه ، فزاد زيادة لا تكون إلاّ غلطا أو تعمدا ، فالزيادة في يد البائع أمانة ،

______________________________________________________

مع فواته أصل المبيع ، بل بعضه كأحد العبدين أو سقف البيت ونحوه ، والثاني يبقى معه أصل المبيع ، والجزء التالف بمنزلة الوصف كيد العبد ونحوها من أعضائه ، التي فواتها لا يخلّ ببقاء العبد.

وقد يفرق بين ما له قسط وما لا قسط له بإمكان الإفراد بالبيع وعدمه ، فما أمكن افراده فمن الأول ، وما لا يمكن فمن الثاني.

ومنشأ النظر في ثبوت الأرش : من أنه لا قسط له من الثمن ، فلا أرش له ، لأن الأرش هو مقدار حصته من الثمن ، ومن أن القيمة تزيد بوجوده ، وتنقص بعدمه ، وفواته من أظهر العيوب وأبينها ، وللقطع بأن المبيع هو مجموع بدن العبد وقد فات بعضه ، والأصح تخيّره بين الرد والأرش.

قوله : ( لا كالوصف ).

فلو كان العبد كاتبا فنسي الكتابة قبل القبض فللمشتري الرد خاصة ، فإن الفائت ليس بعضا من المبيع ، ومن ثم لو شرط كونه كاتبا فظهر بخلافه لم يستحق سوى الرد.

قوله : ( ولو اشترى بدينار فدفعه فزاد زيادة لا تكون إلاّ غلطا أو تعمدا ، فالزيادة في يد البائع أمانة ).

احترز بالزيادة التي لا تكون إلا غلطا أو تعمدا عن الزيادة التي تتفاوت بها الموازين فإنها للبائع ، كما أن مثلها في المبيع للمشتري ، ومثله زيادة الثمن أو نقصانه عن القيمة بما يتغابن به ويتسامح به عادة ، فإنه لا يثبت به خيار الغبن وإن تحققت الجهالة.

وفي كون الزيادة في يد البائع أمانة نظر ، فإنه إنما قبضها بناء على أنها من جملة الثمن ، فتكون كالثمن مضمونة ، وهو الأصح.

٤٠٥

وهي للمشتري في الدينار مشاعة.

ولو ادّعى المشتري النقصان قدم قوله مع اليمين وعدم البينة ، إن لم يكن حضر الكيل أو الوزن ،

______________________________________________________

نعم لو دفعها المشتري عن عمد فالمتجه حينئذ كونها أمانة ، لأن دفعها مع علمه بأنها ليست حقا له يقتضي رضاه بيده.

قوله : ( وهي للمشتري في الدينار مشاعة ).

لأن الثمن كان في الذمة غير معيّن ، فحيث عينه في المدفوع ، وحصل قبض البائع له تعين ، وليس ببعيد أن يثبت للبائع الفسخ ، لأن الشركة عيب ، فإذا فسخ رجع الثمن إلى الذمة كما كان. ويحتمل العدم ، لأنه قد رضي بكونه أمرا كليا في الذمة ، فإذا عينه في شي‌ء بخصوصه كان أقل شيوعا مما رضي به.

وهل يتفاوت الحال في ذلك لو عين الثمن في العقد ، بان باعه بهذا الدينار ، فظهر فيه زيادة؟ ليس ببعيد عدم التفاوت ، لأن المدفوع ثمنا يصلح للثمنية.

غاية ما يقال : أنه وصفه بكونه دينارا وقد فات ، فيتخير في فسخ البيع وعدمه ، وما سبق في الصرف من أنه لو باعه دينارا بهذا الدينار ، فظهر فيه زيادة بطل.

وجهه لزوم الربا بالزيادة في أحد العوضين المعينين ، وفيه بحث ، فإن الزيادة غير داخلة في المبيع قطعا للحكم بأنها للدافع ، فكيف يلزم الربا؟ فينبغي تأمل هذا المبحث. واعلم أن فائدة الإشاعة تظهر إذا قلنا : إنها أمانة ، وتلف المجموع أو البعض بغير تفريط ، فان التالف من الزيادة لا يجب له عوض.

قوله : ( ولو ادعى المشتري النقصان قدّم قوله مع اليمين وعدم البينة ، إن لم يكن حضر الكيل أو الوزن ).

أي : ادعى نقصان المدفوع اليه على أنه المبيع بأن قال : ما دفعته إليّ على أنه المبيع نقص كذا ، فإن الأصل عدم وصول حقه إليه ، فيقدم قوله بيمينه.

٤٠٦

وإلاّ فالقول قول البائع مع يمينه ، بخلاف ما لو ادعى إقباض الجميع.

______________________________________________________

قوله : ( وإلاّ فالقول قول البائع مع يمينه ).

أي : إن لم يكن كذلك بان حضر الكيل في المكيل ، والوزن في الموزون ، ومثله العد في المعدود وفيما يعد وإن بيع جزافا ، لأن الظاهر أنه لم يرض به إلا بعد الاحتياط لنفسه في ملاحظة المقدار ، فيكون الظاهر مرجحا لقول البائع ومقويا لجانبه ، فيقدم قوله بيمينه.

قوله : ( بخلاف ما لو ادعى إقباض الجميع ).

أي : التفصيل في المسألة السابقة بما إذا لم يحضر الاعتبار فيقدم قوله ، وما إذا حضر فيقدم قول البائع ، بخلاف ما إذا ادعى البائع إقباض الجميع ، فأنكره المشتري ، فان قول المشتري بيمينه مقدم هاهنا سواء حضر الاعتبار أم لا ، إذ لم يتفقا على تسليم المبيع هنا ، وإنما البائع يدعيه والمشتري ينكره.

ولا يلزم من حضور المشتري الاعتبار حصول تسليمه. وأما في المسألة الأولى فقد اتفقا على تسليم ما يعد أنه مبيع ، والمشتري يدعي نقصانه عن القدر المعين.

فان قلت : فعلى هذا يجب أن يكون القول قول البائع مطلقا.

قلت : إذا لم يحضر المشتري الاعتبار لا وجه لتقديم قول البائع ، لأنه بنى على قول غيره ، وتمسك بظاهر الحال ، وتطرق الخلل إليه كثير بخلاف اما لو حضر.

وأيضا فإن البناء على ظاهر الحال لا يقتضي وصول حقه اليه بوجه ، فإنه لو صرح بأن الذي وصل إليّ تسلمته على أنه مجموع المبيع بناء على الظاهر وركونا الى قول الغير لم يكن إقرارا بوصول جميعه ، ومع ذلك فالأصل عدم وصول حقه اليه وبقاؤه عند البائع.

وليس لهذا الأصل معارض من ظاهر ولا غيره كما في الشق الآخر ، فكان قوله بيمينه هو المقدم.

٤٠٧

ولو أسلفه طعاما بالعراق لم يجب الدفع في غيره ، فان طالبه بالقيمة لم يجز على رأي ، لأنه بيع الطعام قبل قبضه ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو أسلفه طعاما بالعراق لم يجب الدفع في غيره ).

لاختلاف البلدان في قيمة الطعام ، فربما كان في بلد المطالبة أعلى ، ولأن السلف إن اشترط فيه تعيين مكان التسليم فظاهر ، وإلا فإن الإطلاق منزل على التسليم في بلد العقد.

ويشكل ، بأنه ربما لم يكن مريدا الى بلد السلف ، أو أن المسلم إليه لا يوثق بعوده اليه والظفر به هناك ، بل ربما يكون قد هرب من المسلف ، فلم يظفر به إلا بعد مدة ، فيكون منعه من مطالبته مفضيا الى ذهاب حقه أبدا ، وطريقا إلى مدافعة الغريم عن أداء الحق دائما ، وذلك ضرر بيّن مع كون الدين حالا ، والاستحقاق له ثابت.

والتحقيق : أن يقال : له المطالبة به إن كان في موضع المطالبة مثل بلد السلف أو أدون ، وإن كان أكثر فله المطالبة بقيمة بلد السلم ، لتعذر المثل.

ولو أتاه برهن أو ضمين وتهيأ للمسير معه مع أول رفقة فالظاهر عدم وجوب الصبر ، لما فيه من الضرر ، وتأخير الدين الحال المستحق.

قوله : ( فان طالبه بالقيمة لم يجز على رأي ، لأنه بيع الطعام قبل قبضه ).

قد سبق أن بيع الطعام قبل قبضه مكروه ، فلا يكون ممنوعا منه ، مع أن دفع القيمة وإن كان معاوضة على الطعام فلا دليل على تحتم كونها بيعا.

ويمكن المنع بوجه آخر ، وهو أن القيمة لم يجر عليها عقد السلف ، ولم يدل دليل على استحقاقها ، إنما المستحق هو الطعام ، فان ثبتت المطالبة به فذاك ، وإلا فلا مطالبة بالقيمة.

ويمكن الجواب : أن الطعام قد حل ، والتقصير من المسلّم اليه ، حيث لم يحضره في مكان التسليم عند الحلول ، ولا مانع من التسليم الآن ، إلا أن كونه ليس‌

٤٠٨

ولو كان قرضا جاز أخذ السعر بالعراق ، ولو كان غصبا فله المثل حيث كان ، فان تعذر فالقيمة الحاضرة عند الإعواز.

______________________________________________________

في مكان التسليم الذي هو حق عليه.

فإذا أسقطنا حق المسلّم من المطالبة بالطعام ارتفاقا بحال المسلم اليه فينتقل حق المسلف إلى القيمة في مكان التسليم جمعا بين الحقين ، وليس هذا كما إذا انقطع المسلم فيه عند الحلول ، فانّ تعذر العوض يمنع من استحقاق المطالبة به ، لأنه يستلزم التكليف بما لا يطاق ، والقيمة لم يجر عليها العقد.

قوله : ( ولو كان قرضا جاز أخذ السعر بالعراق ).

لأن تطرق المنع من جهة تحريم البيع قبل القبض منتف هنا ، لكن يشكل بأنّ المطالبة بالقرض إنما هي في بلده ، لأنه حين دخوله في ملك المقترض استحقت مطالبته ، فيختص بذلك البلد.

ويضعف ، بأنّ استحقاق المطالبة به في ذلك المكان لا يمنع من المطالبة به مطلقا ، ولا دليل يدل على الاختصاص ، فيستحق المطالبة مطلقا ، ولو سلّم فما ذكرناه في السلم آت هنا.

فعلى الجواب الأول يستحق المطالبة بالطعام كائنا ما كان ، وهو خيرة المختلف (١) وفيه قوة ، وعلى الثاني يطالب بقيمة العراق.

قوله : ( ولو كان غصبا فله المثل حيث كان ).

لأنه حق ثبت عليه لعدوانه ، فيعم كل مكان ، ولأنه مأخوذ بأشق الأحوال.

قوله : ( فان تعذر فالقيمة الحاضرة عند الإعواز ).

أي : وإن كانت أزيد من قيمة بلد الغصب ، ويظهر من المختلف إيجاب قيمة بلد الغصب إذا كانت أقل (٢) ، كقيمة العراق في الفرض المذكور.

__________________

(١) المختلف : ٣٩٥.

(٢) المختلف : ٤٩٥.

٤٠٩

فروع :

أ : النماء قبل القبض إذا تجدد بعد العقد للمشتري ، فإن تلف الأصل قبل القبض بطل البيع ولا ثمن على المشتري وله النماء ، فان تلف النماء من غير تفريط لم يضمن البائع.

ب : لو امتزج المبيع بغيره قبل القبض ، تخير المشتري بين الفسخ والشركة.

ج : لو غصب قبل القبض وأمكن استعادته بسرعة لم يتخير المشتري ،

______________________________________________________

وحكى الأول ـ وهو مختاره هنا ـ عن والده ، وهو الأصح ، ولو تفاوتت القيم فقيمة وقت الدفع ، لأنه وقت الانتقال إلى القيمة في المثلي ، ويحتمل الأعلى من حين الانقطاع الى حين الدفع. والإعواز بكسر أوله : [ الفقدان ] (١).

قوله : ( فان تلف النماء من غير تفريط لم يضمن البائع ).

لأن المضمون عليه إنما هو المبيع لا نماؤه ، فإن المعاوضة لم تجر إلا على الأصل.

قوله : ( لو امتزج المبيع بغيره قبل القبض تخيّر المشتري بين الفسخ والشركة ).

ما سبق من كلامه في الفرع السابع من فروع ما يدخل في المبيع ينافي هذا الإطلاق ، والمعتمد ما هنا ، ومتى رضي بالشركة فمئونة القسمة على البائع ، لأنّ هذا العيب مضمون عليه ، والتخلص منه واجب عليه ، ولوجوب تسليم المبيع إلى المشتري بعينه.

قوله : ( لو غصب قبل القبض وأمكن استعادته بسرعة لم يتخير المشتري ).

__________________

(١) في « م » ورد بياض مكان هذه الكلمة.

٤١٠

وإلا تخير المشتري ، وفي لزوم البائع بالأجرة عن مدة الغصب نظر ، ولو منعه البائع عن التسليم ثم سلم ، فعليه اجرة مدة المنع.

______________________________________________________

وتجب على البائع استعادته في صورة الإمكان ، لأن التسليم واجب عليه ، ولا يتم إلاّ بالاستعادة.

قوله : ( وإلاّ تخير ).

أي : وإن لم يمكن استعادته بسرعة ، بأن لم يمكن أصلا ، أو أمكن بمضي زمان كثير تخيّر في الفسخ والصبر.

قوله : ( وفي لزوم البائع بالأجرة مدة الغصب نظر ).

حقه أن يقول : وفي إلزام البائع الى آخره ، ومنشأ النظر : من أن العين مضمونة عليه ، والمنفعة من توابعها فتكون مضمونة ، ولأنّ ذلك نقص دخل على المبيع قبل القبض ، فيكون من ضمان البائع ، ومن أن المضمون : العين ، وما كان من توابعها الداخلة في البيع.

وليست المنفعة من هذا القبيل ، وإنما هي نماء للمبيع فلا تكون مضمونة ، وهو الأصح ، ولا ريب في ضعف هذا النظر ، فقد سبق عن قريب أن النماء غير مضمون ، والمنفعة نماء.

نعم ، قد يقال : إن النماء المتصل محل التردد ، فانّ المبيع لو سمن في يد البائع ثم هزل يجي‌ء فيه الوجهان ، لا إن كان السمن موجودا وقت العقد ، فإنه مضمون قطعا.

قوله : ( ولو منعه البائع عن التسليم ، ثمّ سلّم فعليه اجرة مدة المنع ).

لو قال : عن التسلم (١) لكان أولى ، لأن التسليم فعل البائع ، فكيف يمنع عنه المشتري؟

__________________

(١) في « م » : التسليم ، وما أثبتناه هو الصواب.

٤١١

الفصل الثالث : في الشرط :

عقد البيع قابل للشروط التي لا تنافيه ، وهي إما أن يقتضيها العقد ـ كالتسليم ، وخيار المجلس ، والتقابض ، وخيار الحيوان ، فوجود هذه الشروط كعدمها ـ وإما أن لا يقتضيها.

فاما أن يتعلق بمصلحة المتعاقدين ـ كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، والشهادة ، وصفة مقصودة في السلعة ، كالصناعة ، والكتابة ،

______________________________________________________

واعلم أن إطلاق هذه العبارة يقتضي شمول ما إذا كان منع البائع التسليم بحق ، كما لو حبس المبيع لقبض الثمن ، وفي ثبوت الأجرة في هذه الصورة نظر ، ينشأ : من أن حبسه بحق واذن من الشارع ، ومن أن جواز الحبس غير سقوط حق المنفعة ، فلا يلزم من ثبوت الأول الثاني.

ولو طلب المشتري الانتفاع بالمبيع في يد البائع بنفسه وبغيره الى حين تسليم الثمن فالظاهر أن للبائع المنع ، والنفقة في مدة الحبس على المشتري ، لأنّه ملكه ، وما أشبه هذه بمسألة منع الزوجة نفسها قبل الدخول الى أن تقبض المهر ، فان في استحقاقها النفقة ترددا ، ويحتمل الفرق بين الموسر والمعسر.

قوله : ( وهي إما أن يقتضيها العقد ... ).

الضمير يعود الى الشروط مطلقا ، وإن كان المتبادر عوده الى الشروط التي لا تنافي البيع ، لأنها المذكورة ، والمراد بـ ( ما يقتضيها العقد ) : ما وضعه في نظر الشارع على أن يكون مفيدا لها ، كالملك في المبيع للمشتري ، والثمن للبائع ـ وهذا هو المقصود الأصلي ـ والتسليم الذي لا يتم معظم الغرض المطلوب ـ وهو الانتفاع ـ إلاّ به ، وخيار المجلس ، والحيوان ، ونحوهما مما جعله الشارع من كمال الارتفاق بحال المتبايعين ، أو أحدهما بالنسبة إلى البيع.

قوله : ( وإما أن لا يقتضيها العقد ، فإما أن يتعلق بمصلحة المتعاقدين ـ كالأجل ، والخيار ، والرهن ، والضمين ، والشهادة ، وصفة مقصودة في السلعة كالصياغة والكتابة ... ).

٤١٢

وهو جائز إجماعا ـ وإما ان لا يتعلق.

فاما أن لا ينافي مقتضى العقد ـ كاشتراط منفعة البائع ، كاشتراط خياطة الثوب أو صياغة الفضة ، أو اشتراط عقد في عقد ، كأن يبيعه بشرط أن يشتري منه ، أو يبيعه شيئا آخر ، أو يزوجه ، أو يسلفه ، أو يقرضه ، أو يستقرض منه ، أو يؤجره ، أو يستأجره ، أو يشترط ما بني على التغليب والسراية ، كشرط عتق العبد ، فهذه الشروط كلها سائغة ـ وإما أن ينافي مقتضى العقد ، كما لو شرط أن لا يبيعه ، أو‌

______________________________________________________

الذي يفهم من سوق عبارته هنا ومما سيأتي من القسم الثالث ، أن مراده بما ( يتعلق بمصلحة المتعاقدين ) : ما يتعلق بها بالنسبة إلى العقد ، أو أحد العوضين ، وإنّ سرد الأمثلة يدل على ذلك ، فإن الأجل في أحد العوضين ، والخيار المشروط لهما ، أو لأحدهما في العقد ، والرهن والضمين بالنسبة الى أحد العوضين ، والشهادة على تلك المعاوضة ، كله يشعر بذلك ، وكذا تقييد الصفة المقصودة بكونها في السلعة.

قوله : ( وإما ان لا يتعلق ، فإما أن لا ينافي مقتضى العقد كاشتراط منفعة البائع كخياطة الثوب ، أو صياغة الفضة ، أو اشتراط عقد في عقد ... ).

المراد من كون هذا القسم لا يتعلق بمصلحة المتعاقدين : عدم تعلقه بها من جهة كونهما متعاقدين ، وإلا لزم التداخل بين هذا القسم والقسم الثاني ، فخياطة الثوب محمولة على ثوب لا يكون هو المبيع ، ولا بعضه ، وكذا الفضة.

قوله : ( أو يشترط ما يبنى على التغليب والسراية ).

المراد به : العتق ، وإنما كان مبنيا على التغليب ، لأن عناية الشارع بفك الرقبة اقتضت وقوع العتق بأدنى سبب يقتضيه ، يعرف هذا بتتبع مسائل العتق ، ومن دلائل ابتنائه على التغليب ثبوت السراية إلى المجموع إذا أعتق الشقص.

قوله : ( وإما أن ينافي مقتضى العقد ، كما لو شرط أن لا يبيعه أو‌

٤١٣

لا يعتقه ، أو لا يطأ ، أو لا يهب ، أو إن غصبه غاصب رجع عليه بالثمن ، أو أن يعتقه والولاء للبائع ، فهذه الشروط باطلة.

______________________________________________________

لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب ).

المراد بـ ( ينافي مقتضى العقد ) : ما يقتضي عدم ترتب الأثر الذي جعل الشارع العقد من حيث هو هو بحيث يقتضيه ، ورتبه عليه ، على أن أثره وفائدته التي لأجلها وضع كانتقال العوضين الى المتعاقدين ، وإطلاق التصرف لهما في البيع ، وثبوت التوثق لهما في الرهن ، والمال في ذمة الضامن بالنسبة إلى الضمان ، وانتقال الحق إلى ذمة المحال عليه في الحوالة ، ونحو ذلك.

فلو شرط في المبيع أن يبقى على ملك البائع ، لكان ذلك منافيا لما جعل الشارع عقد البيع واقعا عليه ، ومقتضيا له.

ومثله لو شرط أن لا ينتفع بالمبيع أصلا ، أو لا يبيعه أبدا ، أو لا يعتقه كذلك ، أو لا يطأ الجارية كذلك أيضا ونحو ذلك ، لأن الغرض الأصلي من انتقال الملك إنما هو إطلاق التصرفات ، فإذا شرط عدمها أو عدم البعض أصلا نافى مقتضى العقد.

فان قلت : فعلى هذا لو شرط عدم الانتفاع زمانا معينا يجب أن لا يكون صحيحا ، لمنافاته مقتضى العقد ، إذ مقتضاه إطلاق التصرف.

قلت : لا يلزم ذلك ، لأن إطلاق التصرف يكفي فيه ثبوت جوازه وقتا ما ، فما دام لا يشترط المنع مطلقا لا يتحقق المنافي.

ويمكن أن يقال : أثر الملك من حيث هو التصرف في كل وقت ، فاشتراط المنع وقتا ما ينافي مقتضى العقد ، ودفع ذلك لا يخلو من عسر. وكذا القول في نحو خيار الحيوان مثلا ، فان ثبوته مقتضى العقد ، فيلزم أن يكون شرط سقوطه منافيا لمقتضاه مع أن اشتراط ذلك جائز.

ولا يمكن أن يراد بمقتضى العقد ما لم يجعل إلا لأجله ، كانتقال العوضين في البيع الذي هو الأثر الحقيقي له ، لأن ذلك ينافي منع اشتراط أن لا يبيع المبيع‌

٤١٤

والضابط : أن كل ما ينافي المشروع ، أو يؤدي إلى جهالة الثمن أو المثمن فإنه باطل ، والأقوى بطلان البيع أيضا.

______________________________________________________

مثلا.

والحاسم لمادة هذا الاشكال أن الشروط على أقسام :

منها : ما انعقد الإجماع على حكمه من صحة وفساد ، فلا عدول عنه.

ومنها : ما وضح فيه المنافاة للمقتضي ، كشرط عدم الضمان عن المقبوض بالبيع ، ووضح مقابله ولا كلام في اتباع ما وضح.

ومنها : ما ليس واحدا من النوعين ، فهو بحسب نظر الفقيه.

قوله : ( والضابط أن كل ما ينافي المشروع ، أو يؤدي إلى جهالة الثمن ، أو المثمن فإنه باطل ).

قد يتوقف في صحة هذا الضابط ، فإن منافاة اشتراط عدم الهبة للمشروع غير ظاهر ، إذ يشرع كون الشي‌ء مملوكا ولا يهبه مالكه ، وسوق كلامه يقتضي اندراج هذا وما قبله في الضابط.

فان قلت : منافاته من جهة منعه من الهبة.

قلت : منعه من الهبة إن أريد به بالنسبة إلى العقد المعرّى عن الشرط فهو وارد في كل شرط ، لأنه مخالف لمقتضي العقد الخالي منه ، وإن أريد بالنسبة إلى العقد المتضمن له فهو غير واضح.

ثم إن قوله : ( أو يؤدي الى جهالة الثمن أو المثمن ) داخل فيما ينافي المشروع ، فانّ بيع الغرر غير مشروع.

قوله : ( والأقوى بطلان البيع أيضا ).

أي : إذا شرط شيئا منافيا يبطل البيع المتضمن للشرط كما يبطل الشرط. ووجه القوة : أن التراضي لم يقع إلا على المجموع من حيث هو مجموع ، فإذا امتنع بعضه انتفى متعلق التراضي ، فيكون الباقي تجارة لا عن تراض ، وهو الأصح.

ويحتمل ـ ضعيفا ـ الصحة ، لأن التراضي قد تعلق بكليهما ، فإذا امتنع‌

٤١٥

ويجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره ، كجعل الزرع سنبلا والبسر تمرا ، ولو شرط التبقية صح ، ولو شرط الكتابة أو التدبير صح ، ولو شرط أن لا خسارة لم يصح.

______________________________________________________

أحدهما بقي الآخر. وليس بشي‌ء ، لأن التراضي بالمجموع لا بكل منهما.

قوله : ( ويجوز اشتراط ما يدخل تحت القدرة من منافع البائع دون غيره ، كجعل الزرع سنبلا ... ).

أي : دون غير ما يدخل تحت القدرة ، كاشتراط جعل البائع الزرع سنبلا ، فان ذلك غير مقدور له ، بل لله تعالى اسمه.

وفسره شيخنا الشهيد بشرط أن يجعل الله الزرع سنبلا ، وكأنه نظر الى أن الأول لا يكاد يتصور وقوعه من عاقل ، للعلم البديهي بامتناع ذلك من غير الإله سبحانه.

وإنما بطل هذا الشرط أيضا ، لأنّ جعل الله سبحانه الزرع سنبلا ، والبسر تمرا ليس للبائع فيه مجال السعي ، بخلاف إشهاد الشاهدين ، فانّ ذلك وإن لم يكن من مقدوراته ـ لأن تحمل الشاهدين الذي هو المطلوب بالشرط فعلهما لا فعل البائع ـ إلا أنه يمكن سعيه في وقوعه والتماسه لتحققه.

قوله : ( ولو شرط التبقية صح ).

لأن تبقية الزرع إلى أوان صيرورته سنبلا ، أو غير ذلك مقدور له.

قوله : ( ولو شرط الكتابة أو التدبير صح ).

إذ هما في معنى العتق ، وعموم : « المؤمنون عند شروطهم » (١) يتناول الجميع.

قوله : ( ولو شرط أن لا خسارة لم يصح ).

أي : لو باعه وشرط كون خسارة المبيع عليه ـ أي : على البائع لم يصح ـ لأنه خلاف مقتضى ثبوت الملك.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٧١ حديث ١٥٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٢٣٢ حديث ٨٣٥.

٤١٦

فروع :

أ : لو شرط أجلا يعلمان عدمهما قبله ، كما لو شرط تأخير الثمن ألف سنة ، أو الانتفاع بالمبيع ذلك ، فالأقرب الصحة على إشكال.

ولو شرطا أجلا مجهولا بطل البيع ، لاشتماله على جهالة في أحد‌

______________________________________________________

قوله : ( لو شرط أجلا يعلمان عدمهما قبله ، كما لو شرط تأخير الثمن ألف سنة ، أو الانتفاع بالمبيع ذلك ، فالأقرب الصحة على إشكال ).

أي : لو شرط الانتفاع بالمبيع ألف سنة ، والإشارة بـ ( ذلك ) الى ظرف الزمان من دون في مما ينظر في صحته.

ووجه القرب عموم : « المؤمنون عند شروطهم » ، ومنشأ الاشكال من هذا ، ومن أن اشتراط الأجل المذكور يقتضي منع البائع من الانتفاع بالثمن ، والمشتري بالمبيع أصلا ، وهو مناف لمقتضى البيع. وفيه نظر.

فان الانتفاع يتحقق بانتفاع الوارث ، وأيضا فيلزم أن من كان مريضا مرضا يقطع بموته فيه عادة لا يصح تأجيله سنة وسنتين ، وهو بعيد ، على أنّ الوجه الثاني لو كان صحيحا لم يكن للأول أثر.

فلا يثبت الاشكال لوجوب استثناء هذا من عموم الشرط. وما ذكره الشارح في توجيه الاشكال قريب (١) ، لأن عموم الاشتراط يخص بوجوب استثناء المنافي.

واعلم أن قرب أحد الوجهين ينافي الاشكال والتردد فيهما ، فكيف يكون القرب لأحدهما على اشكال؟ وطرف الصحة ليس بعيدا ، وإن كان التوقف في مثل ذلك طريق السلامة.

قوله : ( ولو شرطا أجلا مجهولا بطل البيع ، لاشتماله على جهالة في‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٢.

٤١٧

العوضين.

ب : الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط ـ إما بالوصف أو المشاهدة ـ

______________________________________________________

أحد العوضين ).

لأنه إن كان الأجل للثمن فالجهالة فيه ، أو للمثمن فالجهالة فيه.

قوله : ( الأقرب وجوب تعيين الرهن المشروط ، إما بالوصف أو المشاهدة ).

إذ لو لم يعين يلزم الغرر والجهالة ، لأن الشرط داخل في أحد العوضين ، ولما في الأعيان التي تصلح لكونها رهنا من التفاوت الكثير في تعلق الرغبات بها ، وسهولة بيعها ، وكمال الاجتهاد من راهنها في فكها وعدم ذلك ، فلو لا التعيين لأدى مع الجهالة إلى شدة التنازع ، وهذا قوي. ويحتمل ـ ضعيفا ـ الجواز للأصل ، ويتخير الراهن في التعيين.

واستدل الشارح على الأقرب بأنّ كلما يصح اشتراط رهنه يصح رهنه بالضرورة (١) ، ويلزمه كلما لا يصح رهنه لا يصح اشتراط رهنه ، والمجهول لا يصح رهنه ، وفيه نظر.

فإن المقدمة الأولى وإن كانت صحيحة ، لأن ما لا يصح رهنه أصلا لو صح اشتراط رهنه للزم صحة اشتراط ما لا يصح شرعا ، إلا أن هذا لا يثبت به المدعى ، لأن المتنازع فيه هو اشتراط رهن مجهول في وقت الاشتراط معلوم في وقت الرهن ، ولا تتناوله المقدمة المذكورة.

نعم لو كانت المقدمة هكذا : كلما يصح رهنه يصح اشتراط رهنه ، سواء كان في وقت الاشتراط معلوما أو مجهولا ، ليتناول المتنازع فيه ، وتوقفت صحتها على البيان كصحة المتنازع فيه.

ولا بد في المقدمة الواقعة في كلام الشارح من تقييدها بالوقت ، فان كلما‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٥١٣.

٤١٨

وتعيين الكفيل ، إما بالاسم والنسب أو المشاهدة أو الوصف ، كرجل موسر ثقة.

ولا يفتقر إلى تعيين الشهود ، بل الضابط العدالة ، فلو عينهم فالأقرب تعيّنهم.

وهل تشترط مغايرة الرهن للمبيع؟ نظر ، نعم تشترط المغايرة في‌

______________________________________________________

يصح اشتراط رهنه يجب أن يكون رهنه في الوقت الذي يطلب هو الإتيان بالشرط فيه صحيحا ، حتى لو صح في وقت كونه مجهولا اشترط رهنه إذا صار معلوما ، لم يكن رهنه في وقت الاشتراط صحيحا.

فلا بد من تقييد صحة وقوع الرهن بكونه معلوما. على أن العكس أيضا ـ وهو كلّ ما لا يصح رهنه لا يصح اشتراط. رهنه ـ إذا لوحظ فيه ما قلناه كان صحيحا ، ولم تكن فيه دلالة على ثبوت هذا المدعى ، وإن أجري على إطلاقه كان محل المنع.

قوله : ( وتعيين الكفيل إما بالاسم والنسب ، أو المشاهدة ، أو الوصف ، كرجل موسر ثقة ).

أي : الأقرب اشتراط تعيينه بأحد هذه الطرق الثلاثة ، والكلام فيه كما في الرهن ، والفتوى كما سبق.

قوله : ( ولا يفتقر إلى تعيين الشهود ، بل الضابط العدالة ).

لأن الغرض من الشهادة قبولها شرعا ، ومناط ذلك العدالة.

قوله : ( فلو عينهم فالأقرب تعيّنهم ).

وجه القرب تعلق الغرض بذلك ، وعموم : « المسلمون عند شروطهم » ويحتمل ـ ضعيفا ـ العدم ، لحصول المطلوب بمطلق شهادة العدول ، وفيه منع.

قوله : ( وهل تشترط مغايرة الرهن للمبيع؟ نظر ).

ينشأ : من أصالة العدم ، ومن أن شرط صحة الرهن كونه مملوكا ، وكون الدين ثابتا ، وحين الاشتراط كلاهما منتف ، لأن محلهما قبل تمام العقد.

٤١٩

المبيع ، فلو قال : بعتك هذا بشرط أن تبيعني إياه لم يصح ، ولو شرط أن يبيع فلانا صح.

ولو أخل المشتري بالرهن أو الكفيل تخير البائع ، فإن أجاز فلا خيار للمشتري.

ولو امتنع الشاهدان اللذان عينا من التحمل تخير البائع أيضا.

ولو هلك الرهن ، أو تعيب قبل القبض ، أو وجد به عيبا قديما تخير البائع أيضا ، ولو تعيب بعد القبض فلا خيار.

ج : لو باعه العبد بشرط العتق مطلقا أو عن المشتري صح ،

______________________________________________________

ويمكن الجواب بان ذلك شرط صحة الرهن ، لا شرط اشتراط الارتهان ، وكذا القول في الدين ، فان ثبوته إنما هو شرط لصحة الرهن.

قوله : ( ولو أخل المشتري بالرهن ، أو الكفيل تخير البائع ).

وكذا لو امتنع الكفيل من الكفالة ، ولا يبعد أن له إجباره على ذلك إن كان المنع من قبل العاقد كما سيأتي.

قوله : ( ولو هلك الرهن ، أو تعيب قبل القبض ... ).

لتعذر الشرط ، والمراد بقبلية القبض : قبليته في الرهن ، وينبغي أن يكون هذا بناء على اشتراط القبض في الرهن ، لتحقق كمالية الرهن بدونه على القول الآخر.

قوله : ( أو وجد به عيبا قديما ... ).

لأن إطلاق اشتراطه إنما يحمل على الأصل من كونه صحيحا.

قوله : ( ولو تعيب بعد القبض فلا خيار ).

وكذا لو هلك بعده ، بناء على اشتراطه في الصحة.

قوله : ( لو باعه العبد بشرط العتق مطلقا ، أو عن المشتري صح ).

الذي في التذكرة : أن اشتراط العتق مطلقا ، وعن المشتري صحيح عندنا‌

٤٢٠