جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

فروع :

أ : يجوز لبائع المتاع شراؤه بزيادة ونقيصة ، حالا ومؤجلا بعد القبض ، ويكره قبله إن كان مكيلا أو موزونا على رأي ،

______________________________________________________

الوضيعة للعشرة غير العشرة قطعا ، فهو بمنزلة ما لو قال : من كل أحد عشر.

ولو قال : بوضيعة العشرة درهم احتمل كونه بتسعين ، وكونه أحد وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزءا التفاتا الى كون الإضافة بمعنى من ، أو بمعنى اللام ، وكل منهما محتمل. قيل عليه : إن الاحتمال الثاني لا وجه له ، لأن العبارة لا تحتمله ، لأنّ وضيعة العشرة درهما لا يكون إلا في العشرة الدراهم ، دون ما عداها من اجزاء الدرهم.

قلنا : بل وجهه أن اللفظ لا بد فيه من تقدير وهو : إما بوضيعة كل عشرة درهما ، أو بقياس وضيعة العشرة درهما ، وما جرى هذا المجرى ، وكل من التقديرين محتمل ولا أرجحية لأحدهما على الآخر ، فيكون كل من الاحتمالين بحاله.

والاحتجاج بأنّ المواضعة على حد المرابحة للتقابل بينهما ، فكما اقتضت المرابحة المعنى الثاني فكذا المواضعة ضعيف ، لانتفاء التلازم ، فحينئذ يصار الى مقتضى القرينة إن كانت ، وإلا وجب التعيين فرارا من الغرر.

قوله : ( يجوز لبائع المتاع شراؤه بزيادة ونقيصة بعد القبض ، ويكره قبله إن كان مكيلا أو موزونا على رأي ).

قيل : لا مقتضى لذكر هذه المسألة في هذا الباب.

قلنا : المقتضي ترتيب ما سيأتي من الأحكام عليها ، وقد منع ابن ابي عقيل من بيع ما يكال أو يوزن قبل قبضه دون غيره (١) ، والشيخ في المبسوط منع‌

__________________

(١) نقله عنه في المختلف : ٣٩٣.

٢٦١

ولو شرط الابتياع حال البيع لم يجز.

ويكره لو كان قصدهما ذلك ولم يشرطاه ، فلو باع غلامه سلعة ثم اشتراها بزيادة قصدا للإخبار بالزائد جاز إن لم يكن شرط الابتياع.

ب : لو ظهر كذب البائع في إخباره تخير المشتري في الإمضاء‌

______________________________________________________

من بيع الطعام قبل القبض خاصة (١) ، وكذا ابن حمزة ، الا أنه منع من بيع الطعام قبل القبض ، سواء كان مبيعا ، أو قرضا ، وجوز بيع غيره قبل القبض على كل حال ، إلا أن يكون سلفا ، فإنه منع من بيعه قبل قبضه على غير المسلف اليه (٢).

وما اختار هنا هو مختار الشيخ في النهاية (٣) ، وهو الأصح ، وفي بعض الاخبار المنع من بيع الطعام قبل قبضه إلا بتولية (٤).

قوله : ( ولو شرط الابتياع حال البيع لم يجز ).

علل بلزوم الدور ، باعتبار توقف صحة البيع على الشرط ، وتوقف الشرط على صحة البيع ، وليس بواضح ، وربما علل بغير ذلك ، ولا إشكال في الحكم بين الأصحاب.

قوله : ( فلو باع غلامه سلعة ، ثم اشتراها بزيادة قصدا للإخبار بالزائد ، جاز إن لم يكن شرط الابتياع ).

لا بد من تقييد غلامه بالحر ، إذ عبده لا يتصور شراؤه منه ، وفي الحكم بجواز ذلك اشكال ، نظرا الى أن ذلك تدليس ، لأن المتعارف من الشراء هو ما لا يكون لغرض الإخبار على الوجه المذكور ، فإذا أطلق الشراء وأراد هذا المعنى تحقق التدليس.

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١١٩.

(٢) الوسيلة : ٢٩٠.

(٣) النهاية : ٣٨٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٢٩ حديث ٥٦٠ ، التهذيب ٧ : ٣٥ ، ٣٦ حديث ١٤٧ ، ١٥٣.

٢٦٢

بالمسمّى والفسخ ، وليس له قدر التفاوت ، سواء كان الكذب في قدر الثمن أو جنسه أو وصفه أو حلوله.

وهل يسقط الخيار بالتلف؟ فيه نظر ، ولا خيار لو علم بكذبه ، ولا تقبل بينة البائع لو ادعى كثرة الثمن ، وله الإحلاف إن ادّعى العلم ، ولو صدقه المشتري تخير البائع في الفسخ والإمضاء.

______________________________________________________

قوله : ( وليس له قدر التفاوت ).

لأن العقد إنما وقع على ذلك المبيع بالثمن المخصوص ، ولم يفت مما وقع عليه العقد شي‌ء ، لكن يثبت الخيار لثبوت التدليس.

قوله : ( وهل يسقط الخيار بالتلف؟ فيه نظر ).

ينشأ : من حصول المقتضي وانتفاء المانع ، إذ ليس الا التلف ، وهو لا يصلح للمانعية ، إذ مع الفسخ يثبت المثل أو القيمة. ومن حصول الضرر للبائع ، حيث أنه ينتقل الى البدل قهرا. ويرجع الأول بعموم المغرور ، يرجع على من غره ، وبان الكذب في الاخبار مقتضى للخيار ، ولم يثبت اشتراطه بالعلم بذلك قبل تلف المبيع ، وفي الثبوت قوة.

قوله : ( ولا تقبل بينة البائع لو ادعى كثرة الثمن ).

لأنه أكذبها باخباره بالأقل وكذا دعواه لا تسمع ، ولو ظهر لدعواه محتمل ، كأن يقول : كان قد أخبرني وكيلي في الشراء ثم ثبت كذبه ، أو ورد عليّ خطه بذلك فبان مزورا ، فالظاهر القبول ، لحصول ظن صدقه فيندفع التنافي ، ولأنه لا يكاد ينفك من ذلك ، فلو لم يقبل لزم الضرر ، ولا منافاة بعد إظهار هذا التأويل.

قوله : ( وله الإحلاف إن ادعى العلم ).

فان دعوى العلم على المشتري مسموعة ، وإن لم تسمع دعواه بالكثرة إذ لو تحقق علمه بذلك تحقق بطلان الإخبار الأول بتصديقه ، وهل له أن يرد اليمين؟

٢٦٣

ج : لو اشترى ثوبا بعشرة فباعه بخمسة عشر ، ثم اشتراه بعشرة جاز أن يخبر بعشرة ، ولا يجب حط الربح.

ولو اشتريا ثوبا بعشرين ، ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر أخبر بأحد وعشرين.

ولو اشترى أحدهما نصفه بعشرة والآخر بعشرين ، ثم باعاه صفقة مرابحة ، فالثمن بينهما نصفان.

______________________________________________________

فيه وجهان يلتفتان الى أن اليمين المردودة كالبينة ، أو كإقرار المنكر؟ فعلى الثاني ترد ، وعلى الأول لا ، وسيأتي ان شاء الله تعالى.

قوله : ( ولو اشتريا ثوبا بعشرين ، ثم اشترى أحدهما نصيب صاحبه بأحد عشر ).

جاز أن يخبر بأحد وعشرين ، فان قيل : كيف جاز هذا الاخبار ، مع أن العقد الأول إنما وقع على المجموع ، وأحد النصفين إنما كان حصته عشرة من الثمن بالتقسيط؟ قلنا : تعدد المشتري يقتضي تعدد الصفقة ، فهو في قوة عقدين.

ولو اشترى جماعة أمتعة فلكل واحد الإخبار برأس المال ، بالإضافة الى ما له من المبيع.

قوله : ( ولو اشترى أحدهما نصفه بعشرة والآخر بعشرين ، ثم باعاه صفقة مرابحة فالثمن بينهما نصفان ).

لو قال : نصفين لكان أوجه ، ووجهه أن الثمن يقابل به المبيع ، فتكون أجزاؤه في مقابل اجزائه ، فيكون بالإضافة إلى أحدهما مرابحة ، والى الآخر مواضعة.

ويحتمل أن يراد بكونه بينهما نصفين : بينهما على وجه لو نصّف لكان زائدا على ما لكل واحد منهما ، بدليل كون البيع مرابحة ، وإنما يتحقق ذلك لو كان الربح موزعا على النصفين ، وإنما يتم ذلك بما قلناه. هذا مقتضى إطلاق اللفظ ، ولو قصد المتبايعان غير ذلك رتب على القصد مقتضاه ، وفي هذا قوة.

٢٦٤

د : لو باعه تولية فحط البائع الأول عنه البعض فله الجميع ، ولو كان الحطّ قبل التولية فله الباقي إن كان بما أدّى ، ولو حطّ الجميع قبل التولية لم تصح التولية إن كان بما أدى أو بما قام.

الفصل الثالث : في الربا ، وفيه مطلبان :

الأول : في محلّه ، وله شرطان :

الأول : التماثل في الجنس :

الثمن والمثمن إن اختلفا جنسا جاز اختلافهما قدرا نقدا ونسيئة إلاّ الصرف ، فإنه لا يصح فيه النسيئة ، وإن اتفقا وجب اتفاقهما قدرا نقدا إن دخلهما الكيل أو الوزن إجماعا ، وإلاّ فلا.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان الحط قبل التولية فله الباقي ، إن كان بما أدى ).

أي : له ما بقي من الثمن بعد الحط إن كان البيع وقع بما أدى ، لأن الذي أداه هو ذلك ، وينبغي أن يكون ذلك معلوما عندهما وقت العقد ، والا كان الثمن اللازم مجهولا في وقت العقد فلا يصح.

قوله : ( ولو حط الجميع قبل التولية لم تصح التولية إن كان بما أدى ، أو بما قام ).

إذا لم يؤد شيئا ، ولم يتقوم عليه بشي‌ء.

قوله : ( في الربا ).

الربا لغة : الزيادة ، قال الله تعالى ( فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ ) (١).

وشرعا : زيادة أحد العوضين المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن علم ، وإلا فالعادة ولو في بلد ، إذا اختلفت البلدان حقيقة أو حكما. وفي غير المقدرين قرضا إذا لم يكن باذل الزيادة حربيا ، ولم يكن المتعاقدان والدا مع ولده ، ولا زوجا مع زوجته.

قوله : ( وإلا فلا ).

__________________

(١) الروم : ٣٩.

٢٦٥

ولا يشترط التقابض في المجلس قبل التفرق ، ويكره بيع أحد المختلفين بالآخر نسيئة وإن تساويا قدرا إذا دخلهما أحد التقديرين على رأي ، ولا يثبت الربا في غير البيع.

وضابط الاتفاق في الجنس شمول اللفظ الخاص لهما كالحنطة والأرز ، لا كالمطعوم المختلفة أفراده.

______________________________________________________

أي : وان لم يدخلهما الكيل أو الوزن فلا يجب اتفاقهما لا قدرا ولا نقدا.

قوله : ( ويكره بيع أحد المختلفين بالآخر نسيئة وإن تساويا قدرا ، إذا دخلهما أحد التقديرين على رأي ).

الأصح أنه مكروه ، ويندرج في العبارة ما إذا تساويا قدرا ، وما إذا اختلفا فيه ، كرطل حنطة برطل أرز ، أو رطلين.

قوله : ( ولا يثبت الربا في غير البيع ).

سيأتي في الصلح تردد في ثبوت الربا فيه ، والأصح ثبوته في كل معاوضة ، عملا بإطلاق قوله تعالى ( وَحَرَّمَ الرِّبا ) (١).

قوله : ( وضابط الاتفاق في الجنس شمول اللفظ الخاص لهما ).

المراد باللفظ الخاص : ما يكون مفهومه نوعا بالإضافة الى ما تحته ، فالجنس في عبارته هو ما يعبر عنه في المنطق بالنوع ، وأهل اللغة يسمونه جنسا ، وهذا وإن عز الوقوف عليه إلا أن بعض الأشياء قد قام القاطع على بيان نوعها ، فالحنطة بالنسبة الى ما تحتها نوع بالنص والإجماع ، فالحمراء والبيضاء وغيرهما واحد وكذا الأرز.

فإن قيل : هذا لا يطّرد ، فان الشعير ليس من افراد الحنطة ، مع انكم تعدونهما جنسا واحدا في قول ، والشامل لهما ليس نوعا.

قلنا : هذا خرج بالنص كما سيأتي.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٢٦٦

والحنطة والشعير هنا جنس واحد على رأي ، وثمرة النخل كلّها جنس وإن اختلفت أصنافه ، كالردي‌ء الدقل وجيد النوع ، وثمرة الكروم جنس ، وأصل كل شي‌ء وفرعه جنس كالحنطة والدقيق والخبز ، والدبس والتمر والخل ، والعنب ودبسه جنس ، واللبن والزبد والأقط جنس ، والكشك والسمن جنس ، والسمسم والشيرج جنس.

______________________________________________________

فان قيل : يعلم من هذا النص أن المدار ليس على اتحاد النوع ، ولا على شمول الاسم الخاص ، والا لاطّرد.

قلت : تخلف الحكم في بعض موارد النص لا يقدح فيما دل الدليل على اناطة الحكم به ، وقد قال عليه‌السلام : « إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم » (١).

فإن قيل : فما السر في عدهما جنسا؟

قلت : لعله لشدة ما بينهما من علاقة وارتباط ، بحيث أن أحدهما أقرب الى الآخر من جميع الحبوب.

والعلس والسلت إن جعلناهما من أحدهما فلا بحث ، والا فالإشكال.

قوله : ( والحنطة والشعير هنا جنس على رأي ).

احترز بـ ( هنا ) عما في باب الزكاة ، فإنهما جنسان لا يكمل أحدهما بالآخر ، والأصلح أنهما جنس للنص الصريح.

قوله : ( وأصل كل شي‌ء وفرعه جنس ).

فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا وإن كانا موزونين.

قوله : ( والزبد والأقط والكشك ... ).

الكشك أشبه بالمصنوع من جنسين ، لأنه معمول من الحنطة واللبن ، فإن أمكن اتخاذه من اللبن فقط اندفع ذلك.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٢٥٣ حديث ٢٦ ، صحيح مسلم ٣ : ١٢١١ حديث ٨١ باختلاف يسير.

٢٦٧

والمصنوع من جنسين يباع بهما ، أو بأحدهما مع زيادة على مماثله.

واللحوم تابعة لأصولها ، فلحم البقر عرابه وجاموسه جنس ، ولحم الإبل عرابها وبخاتيّها جنس ، ولحم الغنم ضأنها وما عزها جنس ، والوحشيّ والإنسي جنسان.

والحمام جنس على إشكال ، والسموك جنس ، واللبن والدهن‌

______________________________________________________

قوله : ( والمصوغ من نقدين يباع بهما ، أو بأحدهما مع زيادة على مماثله ).

أو بجنس آخر ، ولا بد في الزيادة المذكورة من أن يكون لها وقع ، بحيث يصلح لأن يكون عوضا في البيع ، ويكفي معرفة المجموع وإن جهل قدر كل جنس.

وتنكير النقدين لا يكاد يوجد له نكتة ، فلو اتى باللفظ معرّفا لكان اولى ، وفي بعض النسخ : ( والمصنوع من جنسين ) وهو أولى ، لأنه أشمل ، ولأن حكم النقدين قد سبق في الصرف مستوفى.

قوله : ( عرابها وبخاتيّها ).

هو بتشديد الياء المثناة من تحت.

قوله : ( ولحم الغنم ضأنها وما عزها جنس ، والوحشي والانسي جنسان ).

الإجماع دليل ذلك كله.

قوله : ( والحمام جنس على اشكال ).

قد تقدم في الحج ضابط الحمام ، ومنشأ الاشكال : من الشك في أن مقوليته على ما تحته مقولية النوع على الأصناف ، أم الجنس على الأنواع ، والوقوف على الذاتيات عزيز ، ولا قاطع من قبل الشرع على واحد من الأمرين.

وعموم قوله تعالى ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) يقتضي صحة البيع الجاري على‌

__________________

(١) المائدة : ١.

٢٦٨

تابعان ، وكذا الخل والدهن وما يتخذ منه جنس كالشيرج ودهن البنفسج ، والجيد والردي‌ء جنس ، والصحيح والمكسور جنس ، والتبر والمضروب جنس.

الشرط الثاني : الكيل والوزن :

فلا ربا إلاّ فيما يكال أو يوزن مع التفاوت ، ولو تساويا قدرا صح البيع نقدا ، ولو انتفى الكيل والوزن معا جاز التفاضل نقدا ونسيئة ، كثوب بثوبين وبيضة ببيضتين ، ولا فرق بين اختلاف القيمة واتفاقها.

______________________________________________________

بعض ببعض ، وقوله عليه‌السلام : « ما اجتمع الحرام والحلال إلاّ غلب الحرام الحلال » (١) والعمل باتحاد الجنس أقرب إلى الاحتياط.

قوله : ( والتبر والمضروب جنس ).

ظاهره : يجوز بيع أحدهما بالآخر مع التساوي ، وقد سبق في الصرف تحقيقه وأنه لا يجوز ، لاختلاط التبر باجزاء من غير الذهب ، فلجهل المقدار لم يجز ، بحيث لا يؤمن حصول الربا ، وحكمه بالجنسية هنا يمكن تفريع هذا الحكم عليه ، إذ لو كانا جنسين لجاز البيع بكل حال.

قوله : ( فلا ربا إلا فيما يكال أو يوزن مع التفاوت ).

لورود النص على ذلك (٢) ، ولا نعلله بكونه مطعوما ونحو ذلك ، كما هو رأي بعض العامة (٣).

قوله : ( ولو انتفى الكيل والوزن معا ، جاز التفاضل نقدا ونسيئة ).

خلافا للشيخ في النسيئة (٤) ، ومقتضى العبارة عدم ثبوت الربا في المعدود ، وهو أظهر القولين.

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ١٣٢ حديث ٣٥٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٦ حديث ١٠ ، التهذيب ٧ : ١٩ حديث ٨١.

(٣) ذهب إليه أحمد كما في المغني لابن قدامة ٤ : ١٣٧ ، والشافعي كما في كفاية الأخيار ١ : ١٥٣.

(٤) الخلاف ٢ : ١٢ مسألة ٦٧ كتاب البيوع.

٢٦٩

والحوالة في التقدير على عادة الشرع ، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في زمانه عليه‌السلام حكم بدخولهما فيه ، فان لم تعلم العادة الشرعية فعادة البلد ، فان اختلفت البلدان فلكل بلد حكم نفسه على رأي.

فلا يثبت الربا في الماء ولا الطين إلاّ الأرمني.

______________________________________________________

قوله : ( والحوالة في التقدير على عادة الشرع ، فما ثبت أنه مكيل أو موزون في زمانه عليه‌السلام حكم بدخولهما فيه ).

وذلك لوجوب حمل اللفظ على المتعارف عنده عليه‌السلام.

قوله : ( فان لم تعلم العادة الشرعية فعادة البلد ).

لأنّ الحقيقة العرفية هي المرجع عند انتفاء الشرعية ، والمعتبر إنما هو العرفية العامة ، كما بيّن في الأصول ، وهو مراد المصنف من قوله : ( فعادة البلد ) بدليل أن قوله : ( فان اختلفت البلدان ) يقتضي اعتبار اتفاقها في ذلك.

وينبغي أن يعلم أن الحقيقة العرفية يعتبر فيها ما كان في حمل إطلاق لفظ الشارع عليها ، فلو تغيرت في عصر بعد استقرارها فيما قبله فالمعتبر هو السابق ، ولا اثر للتغير الطارئ ، للاستصحاب ، ولظاهر قوله عليه‌السلام : « حكمي على الواحد حكمي على الجماعة » (١).

وأما في نحو الأقارير والايمان ونحوهما فالظاهر أن الحوالة على عرف ذلك العصر الواقع فيه شي‌ء منها ، حملا له على ما يفهمه الموقع له.

قوله : ( فان اختلفت البلدان فلكل بلد حكم نفسه على رأي ).

اقامة للعرف الخاص مقام العام عند انتفائه ، ويحتمل عموم التحريم ، نظرا الى صدق المكيل والموزون في الجملة ، وفيه منع ، أو الى ظاهر قوله عليه‌السلام :« إلاّ غلب الحرام الحلال » ، والتحريم أحوط.

قوله : ( فلا يثبت الربا في الماء والطين إلا الأرمني ).

فإنّ الماء غير موزون وإن كان لا يباع سلفا إلا وزنا ، وأما الطين فمنه‌

__________________

(١) عوالي اللآلي ٢ : ٩٨ حديث ٢٧٠.

٢٧٠

والمراد هنا : جنس المكيل والموزون وإن لم يدخلاه ، لقلته كالحبة والحبتين ، أو لكثرته كالزبرة.

فروع :

أ : إذا خرج بالصنعة عن الوزن جاز التفاضل فيه ، كالثوب بالثوبين ، والآنية الحديد أو الصفر إذا لم تجر العادة بوزنها.

ب : لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ولا مكيلا ، ولا المكيل جزافا ولا موزونا.

______________________________________________________

الخراساني الذي يؤكل ، واكله محرم ، فان بيع لغرض صحيح احتمل ثبوت الربا وعدمه على دخول الكيل والوزن فيه وعدمه ، وأما الأرمني فإنه دواء يباع وزنا.

قوله : ( والمراد هنا : جنس المكيل والموزون ، وإن لم يدخلاه ... ).

أي : وإن كان المانع من دخولهما فيه القلة أو الكثرة ، لا إن كان المانع غير ذلك ، وإنما قيد بقوله : ( هنا ) احترازا من مطلق البيع ، فإنه إنما يجب الكيل أو الوزن إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا بالفعل.

فلو بيع ما لا يوزن عادة لقلته أو لكثرته ، وجنسه مكيل أو موزون كفى في صحة بيعه المشاهدة ، ومثله الثمرة على الشجرة ، هذا إذا بيع بغير جنسه ، فاما إذا بيع بجنسه فلا بد من القطع بالمساواة بين العوضين كيلا إن كان مكيلا ، وإلا فوزنا.

قوله : ( إذا خرج بالصنعة عن الوزن جاز التفاضل فيه كالثوب بالثوبين ).

وكذا الثوب بالغزل ، للنص الوارد بذلك (١).

قوله : ( لا يجوز بيع الموزون بجنسه جزافا ولا مكيلا ، ولا المكيل جزافا ولا موزونا ).

لئلا يلزم التفاوت فيما جعل معيارا له ، فانّ بعض الأصناف ربما تفاوتت‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٠ حديث ٢ ، التهذيب ٥ : ١٢٠ حديث ٥٢٤.

٢٧١

______________________________________________________

ثقلا وخفة ، فلو علم التساوي أو التفاوت اليسير الذي يجري مجرى تفاوت المكاييل والموازين لم يقدح على الأقرب ، فيجوز حينئذ بيع كل منهما بمعيار الآخر ، كما اختاره في التذكرة (١).

ولو كان الشي‌ء يكال مرة ويوزن اخرى اعتبر أغلب حالتيه ، فان استويا وتفاوت الأمران بالنسبة إليه ، ففي جواز بيعه بجنسه بأيهما اتفق اشكال.

فرع :

لو أريد بيع المكيل بالوزن ، أو بالعكس بغير جنسه سلفا أو تعجيلا ، ففي جوازه احتمالات ثلاثة :

الجواز مطلقا ، لأن المقصود اندفاع الغرر والجهالة ، وهو حاصل بذلك ، والمنع من بيعه بالجنس حذرا من التفاوت لا لحصول الجهالة.

فإن قيل : لما جعله الشارع مكيلا مثلا ، كان طريق اعتباره هو الكيل ، فبدونه يكون مجهولا ، لمساواة الوزن بالنسبة إليه لسائر الأمور الغير المعلومة كالمكيال المجهول والصنجة (٢) المجهولة.

قلنا : تجويز الشارع بيعه بالكيل لا يقتضي أن لا يحصل العلم به بدونه ، لجواز أن يكون ذلك طريق المساواة إذا بيع بجنسه ، والأصل في البيع الصحة ، فيقتصر على موضع اليقين.

والعدم مطلقا ، لأنّ كلا من المعيارين بالإضافة الى ما يعلم بالآخر غير محصل للعلم بالمقدار ، فلا يندفع به الغرر ، وفيه منع.

والتفصيل بجواز بيع المكيل موزونا دون العكس.

ويظهر من التذكرة اختياره (٣) ، لأنّ الوزن أصل المكيل ، وللإجماع على بيع الحنطة والشعير وزنا ، مع أن المصنف في التذكرة نقل الإجماع على انهما في‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٣.

(٢) الصنج : الميزان ، الصحاح ( صنج ) ١ : ٣٢٦.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٣.

٢٧٢

ج : لو كانا في حكم الجنس الواحد واختلفا في التقدير كالحنطة المقدرة بالكيل والدقيق المقدر بالوزن ، احتمل تحريم البيع بالكيل أو بالوزن للاختلاف قدرا ، وتسويغه‌ بالوزن.

______________________________________________________

عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكيلان ، وكذا التمر والملح ، وقد وقع التعليل بكون الوزن أصلا للكيل ، ولم يبينوا مرادهم منه.

فإن أرادوا به : أن الكيل طارئ على الوزن فغير واضح ، لأن المفروض أن المكيل لم يكن موزونا.

وان أرادوا : أن الوزن أدل على المقدار فغير ظاهر أيضا ، لأنّ معيار مقدار المكيل إنما هو باعتبار حجمه ، لا باعتبار ثقله وخفته.

وإن أرادوا : أغلبيته في أكثر الأشياء ليكون الأصل هاهنا بمعنى الراجح فشرعا غير معلوم ، والعرف لا يرجع اليه فيما ثبت شرعا حكمه ، وقد سبق في باب السلف من هذا الكتاب تردد المصنف في جواز السلف في المكيل موزونا ، وبالعكس.

وعندي أنّ الاحتمال الأول لا يخلو من قوة ، وإن كان الاقتصار على ما اختاره في التذكرة (١) أقرب الى الاحتياط بالوقوف مع كلام الأكثر.

قوله : ( احتمل تحريم البيع بالكيل والوزن ، للاختلاف قدرا ).

أي : احتمل تحريم بيع نحو الحنطة والدقيق بعضا من أحدهما ببعض من الآخر ، إما كيلا فيهما ، أو وزنا فيهما ، لأن كل واحد من المعيارين يوجب اختلاف القدر بالنسبة إلى المعيار الآخر.

فان الحنطة أقل حجما لرزانتها وثقلها ، والدقيق بالعكس ، فلو بيعا وزنا تفاوتا كيلا ، أو كيلا تفاوتا وزنا مع ما عرفت من أنّ المكيل يحتمل أن لا يباع بالوزن أصلا ، فكيف بجنسه؟ وكذا العكس.

قوله : ( وتسويغه بالوزن ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٤٨٣.

٢٧٣

د : يجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية ، وكذا الخل بمثله.

المطلب الثاني : في الأحكام :

كلّما له حالتا رطوبة وجفاف يجوز بيع بعضه ببعض مع تساوي الحالتين ، فيباع الرطب بمثله ، والعنب بمثله ، والفواكه الرطبة بمثلها ، واللحم الطري بمثله ، والحنطة المبلولة بمثلها ، والتمر والزبيب والفاكهة الجافة والمقدد والحنطة اليابسة كلّ واحد بمثله.

ولا يجوز مع الاختلاف في الحالتين ، فلا يباع الرطب بالتمر ، ولا العنب بالزبيب ، وكذا كلّ رطب مع يابسه ، سواء قضت العادة بضبط الناقص أو لا.

ولو اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ، كمد تمر ودرهم بمدين أو بدرهمين أو بمدين ودرهمين ،

______________________________________________________

أي : ويحتمل تسويغ بيعهما وزنا ، واليه ذهب الشيخ ، معللا بان الوزن أصل المكيل (١) ، وفيه ما عرفت ، والتحريم مطلقا طريق الاحتياط.

قوله : ( ويجوز بيع الخبز بمثله وإن احتمل اختلافهما في الأجزاء المائية ، وكذا الخل بمثله ).

لأن هذا الاختلاف قليل ، لا يقدح بالمساواة كعقد التبن في أحد القفيزين.

قوله : ( ولو اشتمل أحد العوضين على جنسين ربويين صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ، كمد تمر ودرهم بمدين ، أو بدرهمين ، أو بمدين ودرهمين ).

لا يخفى أن قوله : ( صح بيعهما بأحدهما مع الزيادة ) لا يتناول بيعهما‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٩٠.

٢٧٤

فان تلف الدرهم المعين أو استحق احتمل البطلان في الجميع ، وفي المخالف والتقسيط.

______________________________________________________

بالجنسين معا ، إلا إذا جعلنا الزيادة بحيث تتناول الجنس الآخر ، وهذا الحكم بإجماعنا ، ومنعه بعض العامة ، لحصول التفاوت (١).

فإن أجزاء المبيع تقابل باجزاء الثمن ، فربما حصلت الزيادة الموجبة للربا ، فإنه لو بيع مد ودرهم مثلا بمدين ، والدرهم يكون ثمن مد ونصف بحساب العادة ، يكون الدرهم ثلاثة أخماس المبيع ، فيقابله ثلاثة أخماس الثمن ويبقى خمساه ، وهو أربعة أخماس مد في مقابل المد ، وذلك ربا.

وجوابه : ان هذه الزيادة بمقتضى التقسيط لا بالبيع ، فان البيع إنما هو المجموع بالمجموع ، والممنوع منه هو البيع بالزيادة.

أو يقال : ان الاجزاء من المبيع على طريق الشيوع يقابل بالاجزاء من الثمن كذلك ، فكل من المد والدرهم بإزائه من المدين ، فلينزل على وجه لا يلزم منه حصول الزيادة ، إذ لا مقتضى لتنزيله على ذلك الوجه ، فيصح البيع وهو ظاهر ، لأنه لو اختلف الجنس من طرفي الثمن والمثمن قوبل كل جنس بمخالفه ، فلا زيادة حينئذ.

قوله : ( فان تلف الدرهم المعين أو استحق احتمل البطلان في الجميع وفي المخالف والتقسيط ).

إذا تلف الدرهم المعيّن ، أي : الذي جرى عليه العقد بخصوصه : إما في طرف الثمن ، أو في طرف المثمن قبل القبض ، أو خروج المعيّن مستحقا مطلقا ، وهذا بناء على أن الأثمان تتعين بالتعيين ، وإلا لم يطّرد هذا الحكم في طرف الثمن ، فالاحتمالات ثلاثة : البطلان في الجميع للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، فإنه لو باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين مثلا ، فانّ الدرهم إذا تلف وكان نصف المبيع ، بان تكون‌

__________________

(١) منهم : أحمد والشافعي كما في المغني لابن قدامة ٤ : ١٦٨ ـ ١٦٩ مسألة ٢٨٣٦.

٢٧٥

______________________________________________________

قيمة المد درهما ، يبطل البيع في نصف الثمن فيبقى النصف الآخر ، وحيث كان منزلا على الإشاعة كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابل المد ، فتلزم الزيادة الموجبة للبطلان ، والبطلان في مخالف التالف.

والصحة في مخالف الباقي ، لأن كلا من الجنسين في المبيع قوبل به مخالفه في الثمن ، وصحة البيع منزلة على ذلك ، والصحة فيما بقي وما قابله كائنا ما كان ، فيقسط الثمن على التالف من المبيع والباقي.

ففي المثال السابق يصح البيع في نصف المبيع بنصف الثمن ، ولا ينظر إلى الزيادة ، لأنها إنما جاءت بسبب التقسيط ، وليس التقسيط بيعا ، وفي حال البيع لم تكن زيادة. وفيه نظر ، فان تبعض الصفقة لا يخرج الباقي عن كونه مبيعا وإن سلم ، فلا يخرج عن كونه معاوضة.

والأصح أن الربا يعم كل معاوضة ، ويمكن تنزيل التقسيط على معنى آخر لا تلزم معه زيادة ، كأن يجعل نصف الدرهم التالف في مقابل مثله من الثمن ، ونصفه الآخر في مقابل مد ونصف من الثمن ، بناء على أن الثمن نصف المثمن ، فيكون نصف المد في مقابل نصف مد ، ونصفه الآخر في مقابل درهم ونصف ، فيكون كل من نصفي المبيع في مقابل ما يساوي درهمين من الجنسين معا ، فلا زيادة في الجنس الواحد.

ووجهه : أن أجزاء المبيع لما قوبلت بأجزاء الثمن على طريق الشيوع لم يجب أن يقع التقسيط على وجه يلزم معه المحذور ، فإنّ صيانة العقد عن الفساد مع إمكان السبيل اليه متعين. وفيه أيضا نظر.

فإنّ للتقسيط الذي يصح معه البيع طرقا ، كأن يجعل ثلث الدرهم مثلا في مقابل ثلث درهم من الثمن ، وثلثاه في مقابل مد وثلثين من الثمن ، ويجعل ثلث المد من المبيع في مقابل مثله من الثمن ، وثلثاه في مقابل الباقي من الدرهمين ، وهو درهم وثلثان ، أو يجعل الربع أو ما دونه أو ما فوق النصف ، فلا ترجيح لواحد من هذه‌

٢٧٦

______________________________________________________

الطرق سوى التقسيط لكل من الجنسين على كل من الجنسين المقابلين ، نظرا الى استواء النسبة ، وحيث عدل عن هذا المحذور يلزم إما ارتكاب واحد بمجرد التحكم ، أو إفضاء الحال الى التنازع والتجاذب.

فان قلت : فكيف حكمت بصحة البيع تنزيلا على طريق لا يلزم به الربا؟

قلنا : لأنه ما دام العوضان موجودين فلا تفاوت ، ولا تنازع في تنزيله على أي طريق كان يندفع به المحذور ، لأنه على كل تقدير مجموع الثمن للبائع ، ومجموع المبيع للمشتري ، بخلاف ما إذا تلف البعض.

فان قلت : لا ريب أن الطريق المصحح للبيع هو المنزل عليه ، فيجب المصير اليه عند تلف البعض.

قلت : لم لا يجوز أن يكون المنزل عليه هو الأمر الكلي؟ فما دام لا يحتاج الى تعيينه فالبيع بحاله ، فإذا اضطررنا بالتلف الى التشخيص والتعيين فلا بد من معين ، وقد عرفت انتفاءه.

والذي يقتضيه النظر هو الاحتمال الثاني ، لنص الأصحاب على مقابلة كل جنس بمخالفه.

فان قلت : هذا أحد الطرق التي لا ترجيح لبعضها على بعض.

قلت : رجحان هذا على الباقي بنص الأصحاب : ان كل جنس في مقابل ما يخالفه.

ولا ريب أن الاحتمال الأول أحوط تفصيا من المحذور ، وهو إما الزيادة ، أو الترجيح لأحد المتساويات تحكما وتشهيا ، ولا يلزم بطلان هذا النوع من المبيع من رأس ، لما عرفت من الفرق بين سلامة العوضين وتلف بعضهما ، للاكتفاء بكون المصحح أمرا كليا مع سلامتهما ، وعدم الاكتفاء به في التقسيط.

واعلم أن مسألة الكتاب لا بد أن تقيد بأمور :

الأول : كون تلف الدرهم المعيّن قبل القبض ، لأنه حينئذ من ضمان‌

٢٧٧

______________________________________________________

البائع بخلاف ما بعده ، وأما ظهور استحقاقه فلا فرق بين كونه قبل القبض أو بعده ، لعدم صلاحيته لان يكون من العوضين ، والعبارة مطلقة.

الثاني : كون تلف الدرهم بحيث تلزم منه الزيادة بالنسبة إلى الباقي ، ليكون البطلان محتملا ، وإطلاق العبارة يشمل ما إذا لم يلزم ذلك ، كما لو كان المبيع مدا ودرهما بمدين مثلا ، والمد من الجانبين يساوي درهما ، فإن الباقي وهو مد يقابل بنصف الثمن وهو مد ، فلا يلزم محذور ، بل قد يقال : ظاهر عبارة المصنف أن احتمال البطلان آت في جميع ما ذكره من الصور ، لذكر حكم تلف الدرهم عقيب ذكر الصور كلها ، فكان عليه أن يقيد بما يدفع هذا.

فان قلت : لعله أراد احتمال البطلان في الجميع ، نظرا الى أن صحة المسألة لما لم تطّرد عمّ البطلان الجميع.

قلت : هذا لا يستقيم لوجوب قصر البطلان على موضع سببه.

الثالث : أن احتمال البطلان في الجنس المخالف للتالف ـ المراد بقوله :( وفي المخالف ) أي : احتمل البطلان في الجنس المخالف من العوض الآخر ـ يجب أن يقيد بما إذا اشتمل العوض الآخر على جنسين ، إذ لو اشتمل على جنس واحد وجب أن يبطل في المجموع إن خالف جنس التالف ، ولا يبطل في شي‌ء منه إن وافقه ، وليس كذلك قطعا.

فان قلت : تخصيصه البطلان بالمخالف يشعر بان هناك جنسا مخالفا وجنسا موافقا.

قلت : ما ذكره صادق بما إذا تلف الدرهم من المبيع والثمن مدا تمر ، فإن الباقي مخالف.

فان قلت : فما حكمه؟

قلت : حقه أنّ التقسيط المعتبر إن اقتضى الزيادة بطل العقد من رأس.

٢٧٨

ولو كان أحد العوضين مشتملا على الآخر غير مقصود صح مطلقا ، كبيع دار مموّهة بالذهب بالذهب.

ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا جنسا على إشكال ، ويجوز مع الاختلاف ، وكذا يجوز بيع دجاجة فيها بيضة ببيضة أو دجاجة ، وشاة في ضرعها لبن بمثلها أو بخالية أو بلبن وإن كان من لبن جنسها ، ومكوك حنطة بمثله وإن اشتمل أحدهما على عقد التبن أو زوان أو تراب تجري العادة بمثله.

______________________________________________________

قوله : ( ولو كان أحد العوضين مشتملا على الآخر غير مقصود صح مطلقا ).

أي : سواء كان معه زيادة تساوي الجنس ، أو لا.

قوله : ( ولا يجوز بيع اللحم بالحيوان إن تماثلا على إشكال ).

ينشأ من أنه غير موزون ، ومن ورود النص بكراهته (١) ، وحمل جمع من الأصحاب إياه على التحريم (٢) ، والأصح الجواز ، إلا أن يكون مذبوحا كما اختاره في المختلف (٣).

قوله : ( وكذا يجوز بيع دجاجة فيها بيضة ببيضة أو دجاجة ).

لانتفاء الكيل والوزن ، وعدم كون البيضة مقصودة ، إذ هي من التوابع كالحمل واللبن في الشاة.

قوله : ( ومكوك حنطة بمثله وإن اشتمل أحدهما على عقد التبن ، أو زوان ، أو تراب تجري العادة بمثله ).

لأن هذا مما يتسامح به في العادة ، فلا ينقص أحد العوضين ليخرج عن‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩١ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٧٦ حديث ٧٩٤.

(٢) منهم : الشيخ في المبسوط ٢ : ١٠٠ ، والخلاف ٢ : ٢٠ مسألة ١٢٦ كتاب البيوع ، وسلار في المراسم : ١٧٩ ، وابن البراج في المهذب ١ : ٣٧٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٩٣.

(٣) المختلف : ٣٥٤.

٢٧٩

ولو أراد المعاوضة على المتفاضلين المتفقين جنسا باع أحدهما سلعته بجنس غيرهما ثم اشترى به الأخرى ، أو باع المماثل قدرا ووهبه الزائد ، أو أقرضه إياه وتبارءا.

ولا ربا بين الوالد وولده ، فلكلّ منهما أخذ الفضل ، ولا بين السيد ومملوكه المختص ، ولا بين الزوج وزوجته ،

______________________________________________________

المماثلة ، ولو كان لا تجري العادة بمثله لم يصح البيع ، لأنه لا قيمة له في العادة ليقابل به ما يبقى من المكوك الصافي فتتحقق الزيادة.

قوله : ( ولا ربا بين الوالد وولده ، فلكل منهما أخذ الفضل ).

وفي ولد الولد بالنسبة إلى الجد تردد ، ينشأ من التردد في صدق اسم الولد عليه ، والأصح العدم ، لعموم أدلة التحريم ، وانتفاء المخصص هنا ، ولا فرق في الولد بين الذكر والأنثى ، لشمول الاسم.

قوله : ( ولا بين السيد ومملوكه المختص ).

احترز عن المشترك ، لأن ما بيده لسيديه معا ، فيكون الربا معه ربا مع المولى الآخر. وهل يفرّق بين المكاتب والقن؟ ظاهر النص الإطلاق ، وفيه إشكال ينشأ من : أنه أجنبي بالنسبة إليه ، لانقطاع سلطنته عنه ، ومن إطلاق قول الباقر عليه‌السلام : « ليس بين الرجل وولده وبينه وبين عبده ولا بين اهله ربا. إنما الربا فيما بينك وبين ما لا تملك » (١) إلا أن يقال : الإطلاق منزل على الغالب ، ولأن مال المكاتب مملوك له.

قوله : ( ولا بين الزوج وزوجته ).

لا فرق بين الدائمة والمتمتع بها على الأصح ، وفاقا للدروس (٢) خلافا للتذكرة (٣) ، لعموم النص ، وعلل المنع في التذكرة بأن التفويض في مال الرجل‌

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٧ حديث ٣.

(٢) الدروس : ٣٦٩.

(٣) التذكرة ١ : ٤٨٥.

٢٨٠