جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولا يجوز بيع السلف قبل حلوله ، ويجوز بعده قبل القبض على الغريم ، وغيره على كراهية ، ويجوز بيع بعضه وتولية بعضه.

ويجوز أن يسلف في شي‌ء ويشترط السائغ ، كالقرض والبيع والاستسلاف والرهن والضمين.

ولو أسلف في غنم وشرط أصواف نعجات معينة صح ،

______________________________________________________

يجز ، والا جاز.

قوله : ( ويجوز بعده قبل القبض على الغريم ، وغيره على كراهية ).

سيأتي أن في بعض الصور خلافا.

قوله : ( ولو أسلف في غنم ، وشرط أصواف نعجات معينة صح ).

وتكون النعجات المعينة مغايرة للمسلّم فيه موجودة مشاهدة.

لا يقال : لا يجوز بيع المعين مؤجلا.

لأنا نقول : هذا شرط في السلم ، وليس الصوف هو المسلّم فيه.

ولا يقال : الشرط مع المبيع يقتضي كون المبيع هو المجموع ، وهو حجة ابن إدريس ، المانع من صحة ذلك (١).

لأنا نقول : الشرط ليس جزءا من المبيع حقيقة ، وإنما هو تابع من توابعه ، ويتسامح في التابع بما لا يتسامح به في غيره ، وإن سلم فالسلف يجوز أن يكون حالا ، فكذا بعضه ، وقد سبق أن بيع الصوف على ظهور الغنم جائز.

فإن قيل : السلم الحال هو الذي يجب تسليمه عاجلا ، ويشكل وجود تسليم الصوف المشترط كذلك.

قلنا : لا إشكال ، فإنّ هذا مبيع : بعضه حال يجب تسليمه عاجلا ، وبعضه مؤجل يجب تسليمه وقت الحلول.

__________________

(١) السرائر : ٢٣١.

٢٤١

ولو شرط كون الثوب من غزل امرأة معينة أو الثمرة من نخلة بعينها لم يلزم البيع ، اما لو أسند الثمرة إلى ما لا تحيل عادة كالبصرة جاز.

فروع :

أ : لو أسلف عرضا في عرض موصوف بصفاته ، فدفعه عند الأجل وجب القبول ، فلو كان الثمن جارية صغيرة والمثمن كبيرة ، فجاء الأجل وهي على صفة المثمن وجب القبول وإن كان البائع قد وطأها ، ولا عقر عليه

______________________________________________________

قوله : ( ولو شرط كون الثوب من غزل امرأة [ معينة ] (١) ، أو الثمرة من نخلة بعينها لم يلزم البيع ).

أي : لم يصح ، إطلاقا للعام وارادة للخاص ، وذلك لجواز موت المرأة ، وعدم حمل النخلة ، أو حصول ما لا يطابق الوصف ، وشرط السلم أن يكون المسلّم فيه كثير الوجود.

قوله : ( أما لو أسند الثمرة الى ما لا تحيل عادة ... ).

حالة النخلة تحيل ، إذا لم تحمل.

قوله : ( لو أسلف عرضا في عرض موصوف بصفاته ، فدفعه عند الأجل ... ).

العرض : بفتح العين المهملة وإسكان الراء ، ومعنى ( دفعه عند الأجل ) : أنه دفع العرض المسلّم عن العرض المسلّم فيه ، سواء كان عند العقد بصفاته أو لم يكن ، وإنما تجدد له ذلك بعد العقد ، وقول بعض العامة : انه يلزم أن يتحد العوض والمعوض (٢) باطل ، فإنه في وقت العقد لا اتحاد ، والمعتبر الاختلاف حينئذ ، وأيضا فإن المدفوع غير ما في الذمة وان كان من افراده.

قوله : ( وإن كان البائع قد وطأها ، ولا عقر عليه ).

__________________

(١) ما بين المعقوفين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من خطية القواعد ، وهو الصحيح.

(٢) قاله أبو إسحاق كما في المجموع ١٣ : ١٦٩.

٢٤٢

وإن كان حيلة.

ب : لو اختلفا في المسلم فيه ، فقال أحدهما في حنطة والآخر في شعير تحالفا وانفسخ العقد ، ولو اختلفا في اشتراط الأجل فالأقرب أن القول قول مدعيه إن كان العقد بلفظ السلم على إشكال ،

______________________________________________________

لأنه وطأ ماله.

قوله : ( وإن كان حيلة ).

أي : يصح ذلك وإن كان حيلة ، أي : وإن قصد بهذا العقد الحيلة لحل الوطء ، ثم استعادها خلافا لأحمد (١).

قوله : ( ولو اختلفا في اشتراط الأجل فالأقرب أن القول قول مدعيه إن كان العقد بلفظ السلم على اشكال ).

وجه القرب : أنه لو كان بلفظ البيع لكان القول قول المنكر للأجل ، إذ لا يلزم منه فساد العقد ، والأصل عدم ذكره ، ومنشأ الاشكال من تعارض الأصلين ، فإن الأصل عدم ذكر الأجل والأصل براءة الذمة منه ، والأصل في العقد الصحة.

ولا ريب في ترجيح قول مدعيه ، لأن مآل دعواهما في الحقيقة الى أن الشرط المعتبر في العقد هل ذكر أم لا؟ فلا يكون الاختلاف في الحقيقة إلا في صحة العقد وفساده ، لما علمت من أنه على تقدير عدم ذكر الأجل لا بيع أصلا ، لأنه على تقدير تجريد العقد بلفظ السلم عن ذكر الأجل يجب التصريح بالحلول ، والا كان فاسدا كما سبق.

وأيضا فإن استعمال السلم في المبيع المجرد مجاز ، والأصل عدمه ، نعم لو اختلفا في ذكر الأجل ، أو التصريح بالحلول ـ مع كون العقد بلفظ السلم ـ تعارض هنا أصلان : أصالة عدم اشتراطه ، وأصالة استعمال اللفظ في حقيقته ، اعني : لفظ السلم.

ويمكن ادعاء ترجيح دعوى الأجل ، بأنّ الأصل عدم التصريح بالحلول‌

__________________

(١) المغني لابن قدامة ٤ : ٣٨٦ ، وشرح الكبير مع المغني ٤ : ٣٨٦.

٢٤٣

وعلى قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى.

______________________________________________________

أيضا ، فبقي استعمال اللفظ في حقيقته ، وأصالة الصحة سليما عن المعارض.

فان قيل : الإشكال ينافي الأقرب ، لأنّ التردد ينافي الترجيح.

قلت : يمكن تنزيل العبارة على أنّ ذلك أقرب ، بالنظر الى التقييد بكون العقد بلفظ السلم ، لما عرفت من أنه إذا كان بلفظ البيع يكون الترجيح مع نافي الأجل ، فكأن الأقرب : أن الاشكال في تقديم قول مدعيه ، إذا كان العقد بلفظ السلم ، وفيه تكلف ، لأنّ ذلك يؤذن بمجي‌ء احتمال في المقابل ، وليس كذلك ، إذ لا تردد في أنّ مدعي الأجل إذا وقع العقد بلفظ البيع هو المدعي ، والعبارة لا تخلو من شي‌ء.

قوله : ( وعلى قولنا بصحة الحال فالإشكال أقوى ).

أي : وعلى قولنا بصحة السلم حالا ، فالإشكال في أنّ القول قول مدعي الأجل ، حيث يكون العقد بلفظ السلم أقوى ، فيكون عدم ترجيح قوله أقوى من ترجيحه ، لأن الإشكال إذا كان في جانب أقوى فهو في مقابله أضعف ، وما ضعف الاشكال فيه قوي فيه الحكم ، فيكون الاشكال جاريا في المسألة مطلقا.

أي : سواء قلنا بان السلم يصح حالا أم لا ، وفي أحد الشقين الإشكال أقوى ، أعني : إذا قلنا بصحته حالا ، وإنما كان كذلك ، لأنّ صحة السلم حالا يقتضي عدم فساد العقد بدون الأجل ، فلا يلزم من نفي الأجل الفساد ، فتبقى دعوى عدمه المعتضدة بالأصل بغير معارض.

ولك أن تقول : ان صحة العقد مع عدم الأجل مشروط بالتصريح بالحلول إذا كان بلفظ السلم ، والأصل عدمه ، مع ما يلزم من ارتكاب المجاز في حمل لفظ السلم على البيع المجرد ، فلا يتم ما ذكره المصنف ، بل يكون الاشكال آتيا على القول بصحة الحال ، كما يأتي على القول بالعدم.

واعلم أن الشارح ـ ولد المصنف ـ وجه كلام المصنف في كون عدم الاشتراط أقوى ، على تقدير القول بصحة الحال : بأنّ عدم الاشتراط قرينة في‌

٢٤٤

______________________________________________________

صرف اللفظ الى مجازه (١) ، وليس بشي‌ء :

أما أولا ، فلأنّ ذلك مصحح للتجوز ، ولا يعد قرينة لارتكاب المجاز.

وأما ثانيا ، فلانه قد سبق في كلام المصنف ما يدل على أنه إذا أتى بلفظ السلم ، ولم يصرح بالحلول ، ولا ضبط الأجل يبطل العقد ، فكيف يستقيم ما ذكره؟

وأما ثالثا ، فلأنهما لم يتفقا على تجريد العقد عن ذكر الأجل حتى يعد ذلك قرينة ، وكيف يعد الأمر المختلف في وقوعه بين المتعاقدين قرينة على صرف اللفظ الى ما يوافق دعوى الأخر؟

واعلم أيضا أن الشارح السيد حمل عبارة المصنف على أنّ قول مدعي الأجل مقدم ، بناء على عدم صحة السلم إلا مؤجلا ، لاعتضاد جانبه مع أصالة صحة العقد ، بأن الأصل الحمل على الحقيقة ، فيكون الاشكال فيه ضعيفا ، فأما إذا قلنا بصحته حالا فقد وقع التعارض ، فيكون الإشكال حينئذ أقوى ، لقوة كل من الطرفين (٢).

وما ذكره مدفوع ، فان الاعتضاد بوجوب حمل اللفظ على حقيقته موجود على هذا التقدير أيضا ، لأن الحلول في السلم خلاف الحقيقة ، ومع ذلك إذا جرّد العقد بلفظ السلم عن الأجل والحلول كان باطلا.

وأيضا فإن نظم العبارة يساعد ما ذكره الشارح ولد المصنف من أن الترجيح على تقدير الحلول ، لأن الإشكال إذا كان في جانب أقوى كان في مقابله أضعف ، ولأن تفريع الحكم بكون الإشكال أقوى قد فرعه على جواز السلم حالا ، وهو يقتضي رفع المانع من الصحة إذا ترك الأجل ، وإنما يتم ذلك إذا لم يقتض لفظ السلم التأجيل أيضا ، وحينئذ فلا مانع أصلا من تقديم قول نافي الأجل.

وقد عهد من المصنف التعبير بقوة الإشكال فيما إذا كان أحد الطرفين‌

__________________

(١) إيضاح الفوائد ١ : ٤٦٩.

(٢) نقله عنه في مفتاح الكرامة ٤ : ٤٨٠.

٢٤٥

أما لو اختلفا في الزيادة فالقول قول نافيها ، ولو اختلفا في الحلول فالقول قول المسلم إليه ، لأنه منكر ، ولو اختلفا في أداء المسلم فيه فالقول قول المنكر ، ولو اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع وإن تفرقا لأنه منكر.

______________________________________________________

أرجح ، كما في قوله : ( ونية الاستباحة أقوى إشكالا ) في أول الكتاب.

واعلم أن قول المصنف : ( ولو اختلفا ) إن رجع ضميره الى المسلّم والمسلّم اليه لم يكن للاختلاف توجيه ، فإنهما إنما يكونان كذلك ، إذا لم ينفه أحدهما عن نفسه ، ولا مرجع له سوى ذلك.

قوله : ( ولو اختلفا في الحلول فالقول قول المسلّم إليه ، لأنه منكر ).

هذا إذا كان اختلافهما في المبدأ مع اتفاقهما على مقدار الأجل ، ولو اختلفا في مقداره لكان القول قول نافي الزيادة ، كما علم من المسألة التي قبلها.

قوله : ( ولو اختلفا في قبض الثمن فالقول قول البائع وإن تفرقا ، لأنه منكر ).

أي : منكر لقبض ماله الذي هو الثمن الثابت عند المسلم.

فان قلت : لم كان القول قول البائع ، مع أنه يقتضي فساد العقد بالتفرق قبل قبض الثمن ، والقول هو قول مدعي الصحة؟

قلت : ليس النزاع في الصحة ، إذ هما متفقان على وقوع العقد صحيحا ، ولكن اختلفا في حصول إيفاء الثمن ، والأصل عدمه ، وكون المفسد بحيث يلزم طروؤه ليفرقهما قبل القبض لا يقتضي ترجيح دعوى المسلم ، لأنّ المقتضي للفساد أيضا قائم ، وهو التفرق قبل القبض الذي لم يدل عليه دليل ، ولا يقدح فساد العقد به ، حيث أنه مسبب عنه ، فرجع الحكم فيه الى حصول المقتضي والشك في المانع ، وبمجرد الاحتمال لا يندفع بسببه المقتضي ، وليس هذا مما إذا وقع الاختلاف في وقوع العقد صحيحا أو فاسدا في شي‌ء. ومثله ما لو اختلفا في قبض أحد عوضي الصرف قبل التفرق ، أما لو اختلفا بعد الاتفاق على القبض في كونه‌

٢٤٦

أما لو اختلفا بعد اتفاقهما على القبض في وقوعه قبل التفرق أو بعده قدم قول مدعي الصحة ، وكذا لو أقاما بينة ، لأنها تضم إلى الصحة الإثبات.

ولو قال البائع قبضته ثم رددته إليك قبل التفرق ، قدم قوله رعاية للصحة.

______________________________________________________

وقع قبل التفرق أو بعده ، فان القول قول مدعي الصحة ، لا لدعوى الصحة فقط ، بل لأنّ الأصل عدم طروء المفسد ، وأصالة عدم التقدم في القبض معارضة بأصالة عدم التقدم في التفرق.

قوله : ( وكذا لو أقاما بينة ... ).

أي : القول قول مدعي الصحة لقوة جانبه بدعوى أصالة عدم طروء المفسد ، لأنّ الأصل بقاء صحة العقد ، ولكون دعواه مثبتة والأخرى نافية ، وبينة الإثبات مقدمة.

فرع :

لو قالت الأخرى : ضبطنا حالهما من حين العقد الى الآن ، وقطعنا بعدم حصول الإقباض وما جرى مجراه ، فالظاهر أن الترجيح في الجانب الآخر ، لأن ذلك مما لا ينضبط ، لجواز حصول الحوالة ولو من الوكيلين ، ونحو ذلك.

قوله : ( ولو قال البائع : قبضته ، ثم رددته إليك قبل التفرق ، قدم قوله ، رعاية للصحة ).

قد يقال : هذا محل اشكال ، نظرا الى أن أصالة الصحة تعارض بأصالة عدم حصول القبض ، إلا أن يقال : مع تعارضهما يحصل الشك في طروء المفسد ، والأصل عدمه.

أو يقال : المقتضي للفساد مشكوك فيه ، إذ لا يعلم أن التفرق كان قبل القبض ، والأصل عدمه فيتمسك بأصل الصحة.

٢٤٧

ج : يجب قبول المثل وقت الحلول أو الإبراء ، فإن امتنع قبضه الحاكم إن سأله البائع.

ولو دفع أكثر لم يجب القبول بخلاف الأجود ، ولو دفع من غير الجنس جاز مع التراضي ، وكذا يجوز لو دفع بعضه أو أردأ قبل الأجل وإن شرط التعجيل. ‌

______________________________________________________

قوله : ( يجب قبول المثل ).

قيل : لا يحسن التعبير ، بل حقه أن يقول : يجب قبول المسلّم فيه.

قلنا : هذا حسن ، لأن المسلّم فيه أمر كلي لا يمكن تسليمه ، إنما يسلم ما يطابقه في الأوصاف من الأمور الجزئية.

قوله : ( أو الإبراء ).

أي يجب : إما قبول المثل المدفوع في وقت الحلول ، أو إبراء المسلّم اليه من المسلّم فيه ، ويمكن أن ينزّل على أن المراد : وجوب قبوله وقت الحلول ، أو وقت الإبراء من الأجل الصادر من الجانبين ، فإن إبراء أحدهما الآخر لا يوجب سقوط حقه من الأجل ما لم يسقط.

قوله : ( فان امتنع قبضه الحاكم إن سأله البائع ).

قيل : إنما يقبضه الحاكم بالشرط إذا أجبر المسلّم على القبض فلم يقبض ، والظاهر أن له أن يقبضه وإن لم يجبره على قبضه إذا امتنع ، ولو لم يسأله البائع لم يجب عليه قبضه ، ويجوز له ذلك ، لأنه نائب مناب المالك ، وهل له إجباره لو امتنع؟ الظاهر لا ، لأنّ يد البائع يد رضي بها المشتري ، ولم يصدر منه ما ينافيه.

قوله : ( ولو دفع أكثر لم يجب القبول ، بخلاف الأجود ).

لأن الأكثر مشتمل على الزيادة ، ومعها لا يتعين الحق فلا يجب قبضه ، وأما الأجود فقد سبق تحقيقه.

قوله : ( وكذا يجوز لو دفع بعضه ، أو اردأ قبل الأجل وإن شرط التعجيل ).

٢٤٨

ولو دفعه قبل الأجل لم يجب القبول ، سواء تعلق بالبائع غرض ، كتخليص الرهن أو الضامن ، أو خوف الانقطاع في المحل ، أو لم يكن غرض سوى البراءة ، وسواء كان للممتنع غرض ، بأن يكون في زمن نهب أو كانت دابة يحذر من علفها ، أو لم يكن.

ولو أسلم نصراني إلى نصراني في خمر فأسلم أحدهما قبل القبض بطل ، وللمشتري أخذ دراهمه ،

______________________________________________________

أي : وكذا يجوز مع التراضي لو دفع بعض المثل ، أي : بعض المسلّم فيه عن جميعه قبل الأجل وان شرط هذا الدافع التعجيل بإسقاط باقي الأجل ، وكذا الحكم فيما لو دفع اردأ منه قبل الأجل ، وان شرط في دفعه التأجيل المذكور ، إذ لا يتخيل بسبب ذلك حصول مانع. ولو دفعه كذلك من غير شرط ، وتراضيا عليه فلا إشكال في الصحة. وليس المراد من قوله : ( وإن شرط التعجيل ) اشتراط ذلك في العقد ، إذ ليس هو بصدد ذكر شروطه ، ولأن اشتراط ذلك في العقد لا يجوز ، لأنه يلزم تعدد المبيع إلى أجلين ، فيكون كالبيع إلى أجلين.

قوله : ( ولو دفع قبل الأجل لم يجب ... ).

رد بذلك على بعض المخالفين من العامة (١).

قوله : ( ولو أسلم نصراني إلى نصراني ).

لا حاجة الى التمثيل بالنصراني ، لأن كل كافر كذلك.

قوله : ( فأسلم أحدهما قبل القبض بطل ، وللمشتري أخذ دراهمه ).

أي : بطل السلم ، وذلك لتعذر العوض على وجه امتنع حصوله ، وتستحيل صحة المعاوضة مع امتناع العوضين أو أحدهما ، فللآخر الرجوع الى عوضه بالفسخ.

__________________

(١) قاله الشافعي ، انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٦٢ ، والمجموع ١٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠.

٢٤٩

ويحتمل السقوط والقيمة عند مستحليه.

______________________________________________________

لا يقال : قد حكم بصحتها فيستصحب.

لأنا نقول : طرأ المنافي قبل قبض العوض المقتضي لثبات العقد ، فيثبت الانفساخ.

لا يقال : إن كان المسلم هو المسلف فليس المانع من قبل المسلم إليه ، فيجب بقاء المقابلة ، وإن كان المسلّم اليه لم يجب أن يسقط استحقاق الآخر بفعل غيره.

لأنا نقول : تعذر المسلّم فيه من قبل الشارع ، سواء كان بإسلام المسلّم أم المسلّم إليه ، لأنه بإسلام أحدهما خرج عن صلاحية تعلق المعاوضة به في نظر الشارع ، فامتنع بقاء صحتها ، حيث لم يحصل القبض المقتضي لثباتها.

وتخيل أن إسلام المسلّم اليه بمنزلة الإتلاف للخمر على الكافر ، فيضمن القيمة عند مستحليه ليس بشي‌ء ، لأنه لم يتلف شيئا ، ولا تسبب في الإتلاف ، وإنما تسبب الى امتناع التصرف في الخمر ، وذلك لا يعد إتلافا ، والأصح الانفساخ.

قوله : ( ويحتمل السقوط ).

أي : سقوط المسلّم فيه لا الى بدل ، لأن المسلّم إن كان هو المسلف فظاهر ، لأنه الذي فوّت على نفسه مالية الخمر بإسلامه ، وقد انعقد السلم صحيحا ، فلا شي‌ء له ، وإن كان هو المسلّم اليه فلأنّ المسلم لا يثبت في ذمته الخمر ، وليس بشي‌ء ، لأن الإسلام وان منع من الخمر ، إلاّ أنه لا دليل على بقاء معاوضة قد امتنع حصول أحد عوضيها.

قوله : ( والقيمة عند مستحليه ).

أي : ويحتمل ثالث ، وهو هذا ، وربما رخص بما إذا كان المسلم هو المسلّم إليه ، لأنه بمنزلة متلف خمر الكافر ، وليس بشي‌ء ، إذ هو قياس بغير جامع.

٢٥٠

د : إذا قبضه تعين وبري‌ء المسلم إليه ، فإن وجده معيبا فردّه زال ملكه عنه وعاد حقه إلى الذمة سليما.

ولو وجد بالثمن عيبا ، فان كان من غير الجنس بطل إن تفرقا قبل التعويض أو كان معينا ، وإن كان من الجنس رجع بالأرش ، وله البدل مع عدم التعيين وإن تفرقا على إشكال ، وإن تعين تخير بين الأرش والرد فيبطل السلم.

ولو كان الثمن مستحقا ، فان كان معينا بطل ، وإلاّ بطل إن تفرقا قبل قبض عوضه.

______________________________________________________

قوله : ( فان وجده معيبا فردّه زال ملكه عنه ، وعاد حقه إلى الذمة سليما ).

اعترض شيخنا الشهيد بما لا محصل قويا له ، ثم أجاب بأنّ المراد : زوال الملك الذي حصل ظاهرا ، وليس بشي‌ء ، لأنّ الملك حصل ظاهرا وباطنا ، ولهذا يستحق نماءه في تلك المدة لو امتدت ، وأي بعد في أن يكون قد ملك المدفوع بالقبض ملكا متزلزلا لمكان العيب ، فإذا علم به كان له فسخ ملكيته ، والمطالبة بالسليم.

قوله : ( أو كان معينا ).

أي : مطلقا وان لم يتفرقا ، وقد سبق مثله في الصرف.

قوله : ( وله البدل مع عدم التعيين وإن تفرقا على اشكال ).

سبق مثل هذا في الصرف ، والفتوى على أن له البدل في الموضعين.

قوله : ( وإلا بطل إن تفرقا قبل قبض عوضه ).

ولا يعتد بقبضه ، لأنه مال الغير ، فلا يمكن جعله ثمنا بحال بخلاف المعيب.

فرع :

لو أسلفه ، أو صارفه ولم يحصل القبض إلا بعد مدة ، حتى حصل نماء ولم‌

٢٥١

هـ : لو أسلم في شيئين صفقة بثمن واحد صح ، تخالفا أو تماثلا.

ولو شرط الأداء في أوقات متفرقة صح إن عين ما يؤديه في كل وقت ، وإلاّ فلا ، ولو شرط رهنا أو ضمينا ثم تفاسخا أو رد الثمن لعيب بطل الرهن وبري‌ء الضمين.

ولو صالحه بعد الحلول على مال آخر عن مال السلم سقط الرهن لتعلقه بعوض مال الصلح لا به.

الفصل الثاني : في المرابحة وتوابعها.

المرابحة : هي البيع مع الإخبار برأس المال مع الزيادة عليه ، وإيجابها كالبيع ويزيد بربح كذا.

ويجب العلم برأس المال والربح ، فلو قال : بعتك بما اشتريت وربح كذا ولم يعلم قدر الثمن لم يصح ، وكذا لو علما قدر رأس المال وجهلا

______________________________________________________

يتفرقا ، فالظاهر ان النماء لمن انتقل اليه العوض الباقي ، ولو تفرقا بعد حصوله ففي من له النماء إشكال ، ينشأ من أن التفرق قبل القبض موجب لبطلان العقد من حينه ، أو من أصله.

قوله : ( المرابحة هي البيع ).

كأنها إنما سميت مرابحة ، لأن الربح إنما يثبت إذا رضي كل واحد منهما ، فكأنهما مترابحان.

قوله : ( وكذا لو علما قدر رأس المال وجهلا الربح ).

إما بان لم يعلماه أصلا ، أو بان علما نسبة أبعاضه إلى أبعاض الثمن كربح درهم في كل عشرة ، ولم يعلما جملته فإنه لا يصح هاهنا على أصح الوجهين وإن أمكن استخراجه بالحساب بسهولة ، وهو مختار المختلف (١) ويكفي في عدم علمهما عدم علم واحد منهما.

__________________

(١) المختلف : ٣٦٨.

٢٥٢

الربح ، ويجب ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف.

وتكره نسبة الربح إلى المال ، فيقول : رأس مالي مائة وبعتك بربح كل عشرة واحدا ، فان قال : فالثمن مائة وعشرة ، بل ينبغي أن يقول : رأس مالي مائة وبعتك بما اشتريت وربح عشرة.

ثم إن كان البائع لم يعمل فيه شيئا صح أن يقول : اشتريته بكذا ، أو هو عليّ ، أو ابتعته ، أو يقوم عليّ ، أو رأس مالي.

______________________________________________________

قوله : ( ويجب ذكر الصرف والوزن مع الاختلاف ).

أي : صرف الدراهم والدنانير التي وقع الشراء بها إن اختلف الصرف ، بان يكون للدراهم نوعان وأكثر من الصرف وكذا الدنانير ، ولو اتحد نوع الصرف لم يحتج الى التعيين.

وكذا القول في الوزن لو كان الثمن دراهم معروفة بالوزن ، ووزنها يختلف.

ويمكن أن يكون المراد : أنه يجب الجمع بين ذكر صرف الدراهم مع الوزن إن فرض الاختلاف ، بان يكون صرف الدراهم المختلف وزن أنواعه واحدا في الجميع. ويمكن أن يراد : صرف الثمن ووزن المبيع فان ذكر الصرف لا يغني عن ذكر الوزن حينئذ ان أمكن حصول هذا الفرض ، والأول ألصق بالعبارة.

قوله : ( فان قال : فالثمن مائة وعشرة ).

أي : فان قال ذلك فمقدار الثمن مائة وعشرة.

قوله : ( ثم إن كان البائع لم يعمل فيه شيئا صح أن يقول : اشتريته بكذا ، أو هو عليّ ، أو ابتعته ، أو يقوم عليّ ، أو رأس مالي ).

هذه عبارات خمس ، ومرجعها عند التحقيق إلى أربع ، لأن اشتريته وابتعته بكذا مترادفان ، فصارت العبارات هذه : اشتريته ، ورأس مالي ، وهو عليّ ، ويقوم عليّ ، فالأولى والثانية معناهما واحد ، لا مدخل فيهما سوى الثمن ،

٢٥٣

ولو عمل فيه ما له زيادة عوض ، قال : اشتريته بكذا وعملت فيه بكذا.

ولو استأجر في ذلك العمل صح أن يقول : يقوم عليّ ، أو هو عليّ ويضم الأجرة.

ولو قال : بعتك بما قام عليّ استحق مع الثمن جميع المؤن التي يقصد بالتزامها الاسترباح ، مثل ما بذله من دلالة واجرة البيت والكيال والحارس والحمال والقصار والصباغ ، مع علم قدر ذلك كلّه ،

______________________________________________________

والمصنف في المختلف سوّى بين الثانية وبين يقوّم (١) ، واختاره في الدروس (٢).

ويشكل بأنّ المتبادر من ( رأس مالي ) إنما هو ثمن المبيع ، فلا يتناوله ما بذل من الأجرة في مقابلة عمل و ( يقوّم علي ) يتناوله.

قوله : ( ولو عمل فيه ما له زيادة عوض ، قال : اشتريته بكذا ، وعملت فيه بكذا ).

وليس له أن يضم ما يساوي عمله من الأجرة إلى الثمن ويخبر بالجميع ، لأنه كذب بخلاف ما لو بذل الأجرة لغيره على ذلك العمل ، فإنه إذا ضم الأجرة إلى الثمن ، وقال : يقوّم علي بكذا كان صادقا.

قوله : ( ولو قال : بعتك بما قام عليّ استحق مع الثمن جميع المؤن التي يقصد بالتزامها الاسترباح مثل ما بذله من دلالة ، واجرة البيت ، والكيال ، والحارس ، والقصّار ، والصباغ مع علم قدر ذلك كله ).

التعويل في أمثال ذلك على العرف ، فكل ما التزمه لأجل غرض التجارة من المؤن ، فهو محسوب مما يقوّم به المتاع ، ومن ذلك اجرة البيت ، لأن التربص ركن في التجارة وانتظار الأرزاق.

__________________

(١) المختلف : ٣٧٠.

(٢) الدروس : ٣٤٤.

٢٥٤

ولا يستحق المطالبة بالمؤن التي فيها بقاء الملك ، كنفقة العبد وكسوته وعلف الدابة.

وليس له الرجوع بما عمل بنفسه كما لو قصر الثوب أو تطوع به‌

______________________________________________________

قوله : ( ولا يستحق المطالبة بالمؤن التي فيها بقاء الملك كنفقة العبد ، وكسوته ، وعلف الدابة ).

المراد : نفقته التي بها بقاؤه عادة ، ومن جملتها اجرة مسكنه الذي لا بد له منه ، وكذا القول في العلف للدابة ، واجرة الإصطبل حيث لا يبقى إلا به ، لأنّ هذه الأمور من ضرورات بقائه ، وليست مقصودة لغرض الاسترباح ، ولأنها في مقابلة خدمة العبد وركوب الدابة ، بخلاف نحو الأقمشة المدخرة للاسترباح فقط من غير انتفاع بها. وفي الفرق بين المقامين نظر ، لأنّ جميع ذلك قد لا يلتزم إلا لغرض الاسترباح ، إلا أن يفرّق بين ما يمكن تحصيل مؤنة بالانتفاع به وما لا يمكن ، فلا تعد هذه مؤنة محضة ، لتحقق ما يقابلها.

فان تم هذا فليس في العبارة ما يقتضيه ، وهذا إنما هو في الزائد من العلف والنفقة الذي لا يقصد به إلا زيادة القيمة كالعلف للسمن ، وكذا زيادة ترفيه العبد بالمأكل والملبس لازدياد قواه وبدنه ، فان هذا مما يحتسب مع الثمن.

ومن هذا اجرة الطبيب إن كان مريضا لزيادة القيمة بزوال المرض ، قال في التذكرة : فإن حدث المرض في يده فهي كالنفقة (١).

واعلم أن العبارة لا تخلو من مناقشة ، لأن مقتضاه صحة البيع بما قام على البائع ، ثم يعين ما يجب على المشتري بضبط ما يتناوله وما لا يتناوله ، وليس كذلك ، بل لا بد من العلم بذلك في وقت البيع حذرا من الغرر.

قوله : ( وليس له الرجوع بما عمل بنفسه ، كما لو قصر الثوب ... ).

هذه العبارة أيضا لا يخلو ظاهرها من مناقشة ، إذ لا معنى للرجوع في هذا المحل ، وإنما المراد : أنّ اجرة ذلك لا يصح ضمها الى الثمن ليخبر بالمجموع ، أو لا‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٤٢.

٢٥٥

متطوع ، ولا اجرة البيت إذا كان ملكه ويخبر بعد أخذ الأرش من العيب السابق بالباقي.

ولو جنى على العبد فأخذ أرشه لم يضعه ، ولو جنى العبد في يده ففداه لم يضم الفداء ، ولا يضع قيمة النماء المتجدد.

ويجب على البائع حفظ الأمانة بالصدق في قدر الثمن ، وفي الإخبار عما طرأ في يده من عيب منقص أو جناية ، ولا يجب الإخبار بالغبن

______________________________________________________

يندرج في قوله : ( بعتك بما قام علي ) فليعلم ذلك ليكون العقد الواقع بهذه العبارة معلوما ـ في حال إيقاعه ـ متناولة.

واعلم أنه لا فرق بين قوله : بعتك بما قام عليّ ، وبما يقوم عليّ ، وجمع المصنف العبارتين تفننا وهربا من التكرار.

قوله : ( ويخبر بعد أخذ الأرش من العيب السابق بالباقي ).

أي : ويخبر البائع بما اشتراه مرابحة إذا كان معيبا ، وأخذ العوض من العيب السابق على العقد بما بقي من الثمن بعد أخذ الأرش ، لأنّ الأرش جزء من الثمن. والظاهر أن الحكم في أرش العيب المتجدد بعد العقد وقبل القبض كذلك.

وفي مسألة الصرف إذا أخذ الأرش من جنس المعيب ـ على رأي المصنف ـ ينبغي بيع المجموع ، ليخبر برأس المال ، ويشكل بعدم تناول العقد له.

قوله : ( ولو جنى على العبد ، وأخذ أرشه لم يضعه ).

لكن إن نقصت بالجناية قيمته وجب الإخبار بالصورة ، كما سنذكره قريبا.

قوله : ( ولا يجب الإخبار بالغبن ).

لأن البيع مع الاخبار برأس المال ليس مقتضاه عدم الغبن ، بل الصدق فيما أخبر به ، والفرض حصوله.

٢٥٦

ولا بالبائع وإن كان ولده أو غلامه.

ويجب ذكر تأجيل الثمن ، ولو أسقط عنه البعض جاز أن يخبر بالأصل ، سواء كان الإسقاط في مدة الخيار أو بعده.

وليس له الإخبار بالشراء في الأبعاض مع تقسيط الثمن عليها ، إلاّ أن يخبر بصورة الحال ،

______________________________________________________

قوله : ( ولا بالبائع وإن كان ولده ، أو غلامه ).

لما قلناه من أنّ مقتضى هذا البيع أداء الأمانة بالصدق في قدر الثمن ، وهو حاصل ، وليس مقتضاه كون البائع أجنبيا ، نعم لو ترتب على كون البائع ولده أو غلامه خديعة وجب الاخبار ، وسنزيد ذلك إيضاحا ، ويجب تقييد الغلام بكونه حرا ، إذ لا يتصور شراء الشخص من عبده.

قوله : ( سواء كان الإسقاط في مدة الخيار ، أو بعده ).

خلافا للشيخ ، حيث أوجب الاخبار بما يبقى بعد المسقط في مدة الخيار (١) ، وكأنه بناه على أن المبيع إنما ينتقل بانقضاء مدة الخيار ، وهو بناء غير ظاهر ، إذ لا دخل لذلك في كون الثمن إنما يتعين بانقضاء الخيار ، إذ الثمن هو ما وقع عليه عقد البيع ، ولا اثر لوقت انتقال الملك ، وليس هذا كالأرش ، إذ هو جزء من الثمن ، والإسقاط هبة جديدة.

قوله : ( وليس له الإخبار بالشراء في الأبعاض مع تقسيط الثمن عليها ، إلا أن يخبر بصورة الحال ).

أي : ليس له الاخبار بالشراء في أبعاض المبيع ، إذا قسّط الثمن عليها ليبيعها مرابحة ونحوها ، لعدم جريان البيع على الأبعاض ، وان جرى على المجموع فليس لها ثمن ، وإن لزم مقابلتها بأجزاء الثمن ، فلو فعل ذلك كان كذبا.

فان قلت : لو تلف بعضها قبل القبض فرجع بحصته من الثمن ، ورضي‌

__________________

(١) المبسوط ٢ : ١٤٤.

٢٥٧

اتفقت أو اختلفت ، ساوى بينها أو لا ، باع خيارها بالأقل أو لا ، وكذا الحامل إذا ولدت وأراد بيعها منفردة.

ولا يخبر الدلال بالشراء عن تقويم التاجر مجردا عن البيع ، سواء ابتدأه أو لا.

______________________________________________________

بالبيع في الباقي صح الإخبار ، وذلك ينافي ما ذكر.

قلت : بعد التلف فالمبيع هو الباقي ، ولهذا يتوقف لزومه على رضاه ، ومثله العبد المعيب إذا أخذ أرشه.

وقول المصنف : ( إلا أن يخبر بصورة الحال ) لا يخلو من مسامحة ، لأنه استثناء من محذوف تقديره : ليس له الإخبار بذلك ، ليبيع مرابحة في حال من الأحوال ، إلا أن يخبر بصورة الحال ولعله تجوّز بإطلاق المرابحة عليه للمشابهة.

قوله : ( اتفقت أو اختلفت ... ).

خلافا لابن الجنيد ، حيث جوّز ذلك في المتفق كقفيزي حنطة (١) ، وهو ضعيف ، فان الكذب لازم ، ولا فرق بين أن يساوي بينهما في التقويم أو يفاوت ، وأن يجعل القيمة الدنيا في مقابل الجيد وعدمه.

قوله : ( وكذا الحامل إذا ولدت ، وأراد بيعها منفردة ).

لأنّ الثمن في مقابل المجموع ، وليس للأبعاض ثمن.

قوله : ( ولا يخبر الدلال بالشراء عن تقويم التاجر مجردا عن البيع ، سواء ابتدأه أو لا ).

أي : سواء ابتدأ التاجر الدلال بذلك ، أم ابتدأ الدلال التاجر به ، لانتفاء البيع في الموضعين ، فلو أخبر بما يقتضيه لكان كذبا ، وإنما الزائد لو باع للتاجر ، لأنه نماء ماله ، وللدلال اجرة المثل إذا تراضيا على كون الزائد له ، لأن العوض المشترط قد فات بالفساد ، فيرجع الى أجرة المثل.

وقال الشيخ : إن قوّم التاجر على الدلال المتاع بدرهم معلوم ، ثم قال له :

__________________

(١) نقل قوله في التنقيح الرائع ٢ : ٥٩ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٤٩١.

٢٥٨

______________________________________________________

بعه بما أمكن ، والزائد لك ، والقيمة لي فإن الزائد للدلال ، والقيمة للتاجر ، ولو لم يزد شيئا فلا شي‌ء له.

ولو قال له الدلال : أخبرني بثمن هذا الثوب ، واربح عليّ فيه شيئا لأبيعه ، ففعل التاجر ، فإن الزيادة للتاجر ، ولا شي‌ء للدلال (١). واعترضه ابن إدريس بأن هذا ليس بيع مرابحة ، ولا اجارة ، ولا جعالة محضة (٢).

واعتذر المصنف في المختلف للشيخ بأن الجهالة في مال الجعالة لا تضر ، إذ لم تؤد إلى النزاع (٣) ، وهو حسن ، وسيأتي تحقيقه ، كما لو قال : من رد عبدي فله نصفه. وصحيحة محمد بن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام (٤) وصحيحة زرارة ، عنه عليه‌السلام (٥) تشهدان بذلك. وبدون الزيادة لا شي‌ء له ، كما لو قال : من رد عبدي فله ما عليه من الثياب فوجده عاريا ، وأما إذا كان القائل هو الدلال فلا شي‌ء على التاجر ، لأنه لم يشترط شيئا ، فينبغي أن لا يكون له عليه اجرة المثل أيضا لمثل ذلك.

إذا عرفت ذلك فاعلم أن ظاهر العبارة يشعر بتخيل فرق بين أن يبتدئ الدلال التاجر ، وان يبتدئ التاجر الدلال ، وبه صرح في الدروس (٦) ، وهو غير واضح ، فان الابتداء وعدمه مع حصول التراضي سواء في الحكم.

فان من قال لمن ذهب عبده : أرد عبدك على أنّ لي نصفه ابتداء منه ، فقال مولى العبد : نعم لك ذلك يستحق ما عيّن له ، ـ إن جوزنا كون العوض مجهولا ـ ، أو اجرة المثل إن لم نجوزه ، فلا يفترقان.

__________________

(١) النهاية : ٣٨٩.

(٢) السرائر : ٢٢٥.

(٣) المختلف : ٣٦٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٩٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٥٣ حديث ٢٣١.

(٥) التهذيب ٧ : ٥٤ حديث ٢٣٢.

(٦) الدروس : ٣٤٥.

٢٥٩

وأما التولية فهي : إعطاء المتاع برأس المال ، فيقول : وليتك أو بعتك وشبهه ، فيقول : قبلت التولية أو البيع.

وهو بيع تلحق به أحكام البيع من الشفعة والتقابض في المجلس إن كان صرفا ، ويشترط العلم برأس المال لا ذكره ، ويلزمه مثل الثمن الأول جنسا ووصفا وقدرا.

وأما المواضعة فهي مأخوذة من الوضع ، وهي : أن يخبر برأس المال ، ثم يقول : بعتك به ووضيعة كذا.

ويكره لو قال : بوضيعة درهم من كل عشرة ، فلو كان الثمن مائة لزمه تسعون.

ولو قال : من كل أحد عشر كان الحط تسعة دراهم وجزءا من أحد عشر جزءا من درهم ، فيكون الثمن إحدى وتسعين إلاّ جزءا من أحد عشر جزءا من درهم ، وكذا لو قال : بوضيعة درهم لكل عشرة.

______________________________________________________

والظاهر أنّ الشيخ إنما حكم بعدم شي‌ء في الثانية (١) ، لأنّ التاجر لم يلتزم بشي‌ء أصلا ، فلا يستحق الدلال اجرة عليه. والروايتان (٢) لا دلالة فيهما على الفرق بين الابتداء أولا والرضى آخرا.

والذي يقتضيه النظر أنهما إذا تراضيا على ذلك ، سواء تقدم بالقول الدلال أم التاجر ، إذا وقع ما يدل على الرضى من الآخر ، فإنه يكون جعالة فيصح ، ولو أبطلناها أوجبنا أجرة المثل في الموضعين.

ولو أنّ التاجر لم يصرح بشي‌ء لم يكن للدلال شي‌ء ، إلا أن يأمره بذلك ، ويكون له في العادة على مثل هذا اجرة.

قوله : ( وكذا لو قال : بوضيعة درهم لكل عشرة ).

أي : يكون الثمن أحدا وتسعين إلا جزءا من أحد عشر جزء من درهم ، لأن‌

__________________

(١) النهاية : ٤٠٧ ـ ٤٠٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٥ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ٥٣ ، ٥٤ حديث ٢٣١ ، ٢٣٢.

٢٦٠