جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

الفصل الثالث : في الصرف :

وهو : بيع الأثمان بمثلها ، وشرطها : التقابض في المجلس وإن كانا موصوفين غير معينين ، والتساوي قدرا مع اتفاق الجنس.

فلو افترقا قبله بطل ، ولا يتحقق الافتراق مع مفارقة المجلس مصطحبين ، ولو قبض الوكيل قبل تفرقهما صحّ لا بعده ، ولو قبض البعض صح فيه خاصة.

______________________________________________________

قوله : ( الفصل الثالث : في الصرف : وهو بيع الأثمان بمثلها ).

الأثمان : هي الذهب والفضة كما نص عليه في التذكرة (١) وفي حواشي شيخنا الشهيد عن قطب الدين : أن الذهب والفضة ثمان وإن باعهما بعرض ، ولهذا لو باع دينارا بحيوان ثبت للبائع الخيار بالاتفاق ، قال : وان كانا عوضين فكل منهما بائع ومشتر ، فلو باع حيوانا بحيوان ، ثبت لكل منهما الخيار.

قوله : ( وشرطه التقابض في المجلس ).

حقه أن يقول : شرطه التقابض قبل التفرق ، والمجلس لا دخل له ، والتفرق يثبت عرفا ولو بخطوة ونحوها ، لا بالحائل بينهما كالجدار ونحوه إذا كانا مصطحبين.

قوله : ( وان كانا موصوفين غير معينين ).

لا يظهر وجه كون هذا هو الفرد الأخفى ، ليعطفه بـ ( أن ) الوصلية.

قوله : ( ولو قبض الوكيل قبل تفرقهما صح ، لا بعده ).

أي : وكيل كل منهما ، ولو كان العاقدان هما الوكيلان ، فالعبرة بتقابضهما أو بتقابض المالكين قبل تفرق الوكيلين ، فانّ التفرق وعدمه إنما يعتبر في المتعاقدين ، سواء كانا هما المالكين أو الوكيلين.

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٠.

١٨١

ولو اشترى منه دراهم ، ثم اشترى بها دنانير قبل قبض الدراهم بطل الثاني ، فإن افترقا بطل.

ولو كان له دنانير ، فأمره بأن يحوّلها إلى الدراهم أو بالعكس ، بعد المساعرة على جهة التوكيل صح وإن تفرقا قبل القبض ، لأن النقدين من واحد على إشكال ، ولو تفرقا قبل الوزن والنقد صح ، مع اشتمال المقبوض على الحق.

______________________________________________________

قوله : ( بطل الثاني ).

لأنّ انتقال العوضين في الصرف الأول موقوف على التقابض ، فيكون كل منهما قد باع ما لم يصر ملكا له ، والذي يجب أن يقال : إن البيع حينئذ يكون فضوليا.

قوله : ( ولو كان له دنانير فأمره أن يحولها الى دراهم ، أو بالعكس ، بعد المساعرة على جهة التوكيل صح وإن تفرقا قبل القبض ، لأنّ النقدين من واحد على إشكال ).

الذي ذكره الشيخ في النهاية هنا هو أنه إذا كان لإنسان على صيرفي دراهم أو دنانير ، فيقول له : حوّل الدراهم الى الدنانير ، أو الدنانير الى الدراهم ، وساعره على ذلك كان ذلك جائزا وإن لم يوازنه في الحال ولم يناقده ، لأنّ النقدين جميعا من عنده (١).

وقال ابن إدريس : إن أراد بذلك أنهما افترقا قبل التقابض لم يصح بغير خلاف ، وإن أراد أنهما تبايعا وتقابضا ولم يوازنه كان صحيحا (٢). وقال المصنف في المختلف : ولا استبعاد في مخالفة هذا النوع من الصرف لغيره ، باعتبار اتحاد من عليه الحق ، فكان كالتقابض (٣).

__________________

(١) النهاية : ٣٨٠.

(٢) السرائر : ٢١٨.

(٣) المختلف : ٣٥٨.

١٨٢

______________________________________________________

ويحتمل أن يحمل كلام الشيخ على التوكيل ، فان قوله : حوّل الدراهم الى الدنانير أو الدنانير الى الدراهم نوع توكيل ، وحينئذ لا اشكال سواء تقابضا في المجلس أولا. هذا كلامه ، فحكم بأنه مع التوكيل لا اشكال ، وهنا تردد ، مع أنه فرض المسألة على جهة التوكيل ، والحق أنّ المسألة مقصورة على التوكيل خاصة ، فلو تعاقدا من غير توكيل لم يصح إذا تفرقا قبل القبض كما قاله ابن إدريس (١).

وليس في عبارة الشيخ والرواية (٢) ، ما ينافي ذلك ، فلا حاجة الى أن يقال : أنها واقعة خاصة ، وقد تكلف الشارح ولد المصنف بناء المسألة على مقدمات :

أ : أنه ليس من باب بيع دين بدين ، وليست المسألة المفروضة من هذا في شي‌ء ، إذ التوكيل إنما يحمل على العقد الصحيح كائنا ما كان.

ب : جواز تولي الواحد طرفي العقد ، وهذا متجه غير أنّ المصنف يختار الجواز ، وليس ببعيد أن يكون الاشكال بهذا الاعتبار.

ج : إن ما في الذمة مقبوض ، وهذا كالأول ، إذ لا حاجة لنا الى فرض المسألة مقصورة على بيع ما في ذمته بما في ذمته ، بل يمكن فرضها في تعيين كل من النقدين إن لم يجوز ذلك.

د : قبض الوكيل قبض الموكل (٣) ، وهذا لما كان موضع اتفاق لم يمكن بناء المسألة المشكلة عليه.

فان قيل : التعليل بكون النقدين من واحد أي دخل له في صحة المسألة؟

قلنا : من حيث أنه إذا كان وكيلا والنقدان منه ، كان التقابض ممكنا.

وقوله : ( على اشكال ) يتعلق بقوله : ( صح ..... ).

__________________

(١) السرائر : ٢١٨.

(٢) الكافي ٥ : ٢٤٥ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٨٦ حديث ٨٣٧ ، التهذيب ٧ : ١٠٢ حديث ٤٤١.

(٣) إيضاح الفوائد ١ : ٤٥١.

١٨٣

والجودة والرداءة والصياغة والكسر لا يوجب الاثنينية ، ويجوز التفاضل مع اختلاف الجنس.

والمغشوش يباع بغير جنسه إن جهل قدره ، وإلاّ جاز بجنسه ، بشرط زيادة السليم في مقابلة الغش.

ولا يجوز إنفاقه إلاّ إذا كان معلوم الصرف بين الناس ، فان جهل وجب إبانته.

______________________________________________________

قوله : ( والمغشوش يباع بغير جنسه إن جهل قدره ، وإلا جاز بجنسه ، بشرط زيادة السليم في مقابلة الغش ).

الغش بالكسر هو الاسم ، إذا عرفت ذلك فإطلاق المصنف بيع المغشوش بغير جنسه مع جهل قدره غير ظاهر ، لأنه متى بيع مع القطع بزيادة تقابل الغش صح ، سواء جهل قدر الغش أم لا.

فان قيل : إنما أطلق ذلك ، لأنّ البيع مبني على المكايسة والمغالبة ، فلا يدفع المشتري في مقابل المغشوش بوزنه صافيا ، ومتى دفع دون ذلك مع جهله القدر لم يأمن الربا.

قلنا : كون الغالب ذلك لا يمنع وقوع البيع بوزن الجميع صافيا ، لإمكانه في العادة ، فيكون إطلاق العبارة بأن يباع بغير الجنس غير جيد.

قوله : ( ولا يجوز إنفاقه إلا إذا كان معلوم الصرف بين الناس ، فان جهل وجب إبانته ).

المراد بإنفاقه : بيعه والشراء به ، ولا شبهة في أنه إذا كان معلوم الصرف بين الناس ، أي : مقدار ما فيه من الصافي ، أو مقدار ما يساوي باعتبار ما فيه من الصافي والغش.

وإطلاق عبارة الشيخ في النهاية على وجوب إبانته (١) محمول على الجهل‌

__________________

(١) النهاية : ٣٨٢.

١٨٤

وتراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر احتياطا ،

______________________________________________________

بصرفه بين الناس ، لانتفاء الغش إذا كان معلوما ، وعلى ذلك دلت رواية محمد ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (١) وصحيحته أيضا عن الصادق عليه‌السلام (٢) ، فان جهل صرفه بين الناس فلم يعلم مقدار ما فيه من الصافي وجب إبانته ، وإلا كان غشا محرما ، ولصحيحة ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام (٣) وغيرها (٤).

إذا عرفت ذلك فالمراد من ( إبانته ) : إظهار حاله بحيث يتبين ، فهل يكفي فيها أن يقول : هذا مغشوش أم لا بد أن يقول : فيه من الفضة كذا ، ومن النحاس كذا؟ لا أعلم في ذلك تصريحا بشي‌ء ، والمتجه أنه إن كان يباع بجنس ما فيه من الجوهر لا بد من الإبانة ، ليعلم السلامة من الربا.

وإن بيع بغير جنسه كفى قول : انّ فيه غشا ، لأنّ ذلك لو منع لمنع فيما إذا كان قدر الغش مجهولا ، وقد أطلقوا جواز بيعه حينئذ بغير الجنس والجهالة ، وإن كان السابق الى الفهم منها جهالة كل من البائع والمشتري ، إلا أنها تصدق مع جهالة أحدهما ، ولأنها إن منعت منعت حيث وجدت.

ولا يخفى أنّ الغش المعتبر هو ما يكون له قيمة دون ما يستهلكه ، كما نبه عليه في التذكرة (٥).

قوله : ( وتراب معدن أحد النقدين يباع بالآخر احتياطا ).

أي : يجب في بيعه كونه بالنقد الآخر أو بمخالفهما بطريق أولى ، لأنه إذا جاز بيعه بالنقد الآخر فبالمخالف يكون أبعد ، والمراد بقوله : ( احتياطا ) أن وجوب ذلك للاحتياط في التحرز من الربا. ولو بيع بوزنه من النقد المجانس له فالظاهر عدم الجواز ، لأنّ ما فيه من التراب لا قيمة له ، فيبقى الزائد في المقابل بغير عوض.

__________________

(١) الفقيه ٣ : ١٨٤ حديث ٨٣١ ، التهذيب ٧ : ١٠٨ حديث ٤٦٥ ، الاستبصار ٣ : ٩٦ حديث ٣٣٢.

(٢) الكافي ٥ : ٢٥٣ حديث ٢ ، التهذيب ٧ : ١٠٩ حديث ٤٦٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ حديث ٣٣٤.

(٣) الكافي ٥ : ٢٤٩ حديث ٢١ ، الفقيه ٣ : ١٨٥ حديث ٨٣٦ ، التهذيب ٧ : ١٠٩ حديث ٤٦٨.

(٤) التهذيب ٧ : ١٠٩ حديث ٤٦٦ ، الاستبصار ٣ : ٩٧ حديث ٣٣٣.

(٥) التذكرة ١ : ٥١٢.

١٨٥

ولو جمعا بيعا بهما.

ولا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر الصفر ، ولا بالفضة في جوهر الرصاص.

والمصاغ من النقدين إن جهل قدر كل واحد بيع بهما أو بغيرهما أو بالأقل إن تفاوتا ،

______________________________________________________

قوله : ( ولو جمعا بيعا بهما ).

أي : لو جمع تراب كل من النقدين بيعا بهما ، لمقابلة كل بمخالفة ، ولو بيعا بأحدهما ، وقطع بزيادة الثمن على ما في مجانسة من الصافي ، يقابل بها تراب الآخر صح ، ولو بيعا بغيرهما صح مطلقا.

قوله : ( ولا اعتبار بالذهب اليسير في جوهر الصفر ، ولا بالفضة في جوهر الرصاص ).

لأنّ ذلك تابع غير مقصود بالبيع ، فأشبه الحلية على سقوف الجدران ، ولحسنة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن الصادق عليه‌السلام (١).

قوله : ( والمصاغ من النقدين إن جهل قدر كل واحد بيع بهما ، أو بغيرهما ، أو بالأقل إن تفاوتا ).

المصاغ قياسه من أصاغ ، وهو غير مسموع ، إنما المسموع منه الثلاثي ، وقياس المفعول منه مصوغ ، إذا علم هذا فالمصوغ من النقدين : إما أن يجهل مقدار ما فيه من كل واحد منهما ، أو يعلم ، فان جهل : فاما أن يعلم تساويهما ، أو تفاوتهما ، أو يجهل الأمران.

ولا ينافي علم تساويهما الجهل بقدر كل واحد منهما ، لإمكان أن يكون مع المصوغ منهما ضميمة أخرى من حديد ، أو نحاس ، أو نحو ذلك ، فان جهل قدر كل واحد منهما بيع بهما معا ـ ليكون كل جنس في مقابل الجنس الأخر ـ أو بغيرهما.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥١ حديث ٢٩ ، التهذيب ٧ : ١١٣ حديث ٤٨٧ ، الاستبصار ٣ : ٩٨ حديث ٣٣٧.

١٨٦

وإن علم بيع بأيهما شاء مع زيادة الثمن على جنسه ،

______________________________________________________

ولو بيع بأحدهما على وجه قطع بزيادته على ما في المصوغ من جنسه زيادة تقابل الباقي صح البيع ، ولا فرق بين إمكان التخليص وعدمه ، خلافا لابن حمزة حيث منع من بيع المجهول من كل منهما إذا أمكن تخليص أحدهما من الأخر ، سواء بيع بهما ، أو بأحدهما ، أو بالممتزج منهما (١). وهو ضعيف ، لأنّ المخلوط من جنسين لا تضر جهالة كل منهما على حدة كالحنطة والشعير.

إذا عرفت ذلك فلا فرق في جواز البيع بالجنسين معا ، أو بغيرهما ، بين كون الجنسين متساويين ، أو متفاوتين ، أو بجهل الحال ، فأما إذا بيع بأحدهما فإنه إن قطع بزيادة الثمن على ما في المصوغ من جنسه زيادة تقابل الجنس الآخر جاز ، فإنه يجوز مطلقا ، والا لم يجز مطلقا.

فقول المصنف تبعا للشيخ (٢) : ( أو بالأقل إن تفاوتا ) لا وجه له ، إذ مع الزيادة يصح مطلقا ، وبدونها لا يصح مطلقا كما قررناه. وتخيل انه إذا بيع بالأقل مع التفاوت يكون أقرب الى حصول الزيادة ، فتخصيصه به محافظة على حصوله ، ـ كما نبه عليه في الدروس ـ (٣) ضعيف ، لأنّ الشرط القطع بالزيادة ، وليس الأقل أولى بها من الأكثر من حيث الأقلية والأكثرية ، وقد نبه على ذلك المصنف في المختلف (٤).

واعلم أنّ المراد بـ ( الأقل ) : الأقل وزنا وقدرا ، لا الأقل قيمة كما توهمه بعضهم ، لأنّ أصل هذا الحكم عبارة الشيخ ، وهي صريحة في أنه إن كان الغالب الفضة بيع بالذهب ، وبالعكس.

قوله : ( وإن علم بيع بأيهما شاء ، مع زيادة الثمن ... ).

أي : وإن علم قدر كل واحد منهما ، فهو إشارة إلى القسم الآخر ، ولا‌

__________________

(١) الوسيلة ٢٨٠ ـ ٢٨١.

(٢) النهاية : ٣٨٢.

(٣) الدروس : ٣٧٠.

(٤) المختلف : ٣٥٨.

١٨٧

ولو بيع بهما أو بغيرهما جاز مطلقا.

وتراب الصياغة يباع بالجوهرين معا أو بغيرهما لا بأحدهما ، ثم يتصدق به مع جهل أربابه.

______________________________________________________

شك في جواز البيع بأيهما شاء ، إذا حصلت الزيادة المذكورة.

قوله : ( ولو بيع بهما ، أو بغيرهما جاز مطلقا ).

أي : سواء حصلت الزيادة أم لا ، ويمكن أن يكون المراد : الإطلاق بين أن يعلم قدر كل واحد منهما أو يجهل ، والأول أبعد عن التكرار ، وإن كان اعتبار الزيادة إنما هو بطريق المجاز ، لأنها باعتبار القيمة لانتفاء الجنسية.

قوله : ( وتراب الصياغة يباع بالجوهرين معا ، أو بغيرهما لا بأحدهما ، ثم يتصدق به مع جهل أربابه ).

أما بيعه بهما معا فللجهل بقدر كل منهما ، فلو بيع بأحدهما لم يؤمن حصول الربا ، وتجب الصدقة مع جهل أربابه ، والأصل في ذلك رواية علي بن ميمون الصائغ ، عن الصادق عليه‌السلام (١).

لا يقال : لم لا يكون حلالا لآخذه ، كما يحل التقاط ما يتساقط من السنبل عند نقل الغلة؟

لأنا نقول : إنما يحكم بالحل إذا دلت القرائن على أعراض المالك ولم يعلم هنا ، وينبغي إلحاق ذوي الحرف بالصائغ في ذلك كالخياط والحداد ونحوهما ، والمراد بالصياغة في العبارة : المكان الذي يصاغ فيه.

واعلم أنّ مصرف هذه الصدقة هو مصرف سائر الصدقات المندوبة ، لأنها بالنسبة إلى المالك غير واجبة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٥٠ حديث ٢٤ ، التهذيب ٧ : ١١١ حديث ٤٧٩.

١٨٨

والمحلّى بأحد النقدين يباع مع جهل قدره بالآخر أو بغيرهما أو بالجنس مع الضميمة ، ومع علمه يباع بالآخر أو بغيرهما مطلقا ، وبجنسه مع زيادة الثمن أو اتّهاب المحلّى من غير شرط ،

______________________________________________________

قوله : ( والمحلى بأحد النقدين يباع مع جهل قدره بالآخر ، أو بغيرهما ، أو بالجنس مع الضميمة ).

أي : إلى الثمن ، لتكون الضميمة في مقابلة الحلية ، والمضمون في مقابلة المحلى ، وهكذا يفهم من عبارة المختلف (١) ، وفي حواشي شيخنا الشهيد ما صورته الى المثمن ، قاله المحققون ، ويجوز الى الثمن ، وصحته غير واضحة ، لأنّ الضميمة إلى المثمن يقتضي أمرا آخرا وزيادة أخرى ليصح البيع.

واعلم أنّ مقتضى العبارة : أنه لا يجوز بيعه بالجنس من دون الضميمة ، والحق الجواز مع العلم بزيادة الثمن زيادة تقابل المحلى ، وقد نبه عليه في المختلف (٢).

قوله : ( ومع علمه يباع بالآخر ، أو بغيرهما مطلقا ، وبجنسه مع زيادة الثمن ، أو اتهاب المحلى من غير شرط ).

المراد بقوله : ( مطلقا ) تعميم الجواز في بيعه بالجنس الآخر أو بغيرهما ، سواء حصل هناك زيادة من حيث القيمة تكافؤ المحلى أم لا ، وسواء اتهب أم لا ، لأنّ الإطلاق في مقابل هذين القيدين المعتبرين مع الجنس. ويوجد في بعض القيود تفسير ( مطلقا ) : بعلم أم لا ، وليس بمستقيم ، لأنّ أصل هذه المسألة مقيد بالعلم.

إذا عرفت ذلك ، فبيعه بالجنس مشروط بزيادة الثمن على الحلية ، زيادة تقابل المحلى ، أو باتهاب المحلى ، لكن يشترط لصحة العقد حينئذ أن لا يكون مشروطا اتهابه في العقد ، لأنّ اشتراط ذلك يقتضي الزيادة مع اتحاد الجنس ، فيلزم الربا.

__________________

(١) المختلف : ٣٥٩.

(٢) المختلف : ٣٥٩.

١٨٩

ولو تشخص الثمن تعيّن ، فليس له دفع المساوي.

فروع :

أ : لو عينا الثمن والمثمن ثم تقابضا ، فوجد أحدهما بما أخذه عيبا ، فان كان من غير الجنس بطل الصرف ، كأن يجد الذهب نحاسا أو الفضة رصاصا ، وكذا في غير الصرف لو باعه ثوبا كتانا فبان صوفا بطل ، وإن كان البعض من غير الجنس بطل فيه خاصة. ويتخير من انتقل إليه في الفسخ ، وأخذه بحصته من الثمن.

______________________________________________________

وسيأتي أنه لو باعه درهما بدرهم ، وشرط صياغة خاتم ـ إن قلنا بجوازه للرواية ـ (١) فإنه لا يتعدى. ولا يستقيم أن يكون معنى ( من غير شرط ) : من غير اشتراط زيادة ، لأنه مقابله ، إذ قد عطف عليه بـ ( أو ) فيكون بدله ، وحمله على عدم اشتراط التقابض فيه ضعيف.

ولا يخفى أنّ الزيادة إذا تحققت صح البيع بالجنس مع الجهل أيضا.

قوله : ( ولو تشخص الثمن تعين ، فليس له دفع المساوي ).

فيه تنبيه على رد خلاف بعض العامة حيث قال : إنّ الثمن لا يتعين بالتعين (٢).

قوله : ( لو عينا الثمن والمثمن ثم تقابضا ).

لا حاجة في تصوير المسألة إلى التقابض ، بل لو ظهر ذلك قبل فكذلك.

قوله : ( بطل الصرف ).

فيه تسامح إذ لم يصح من أصله ، ويحمل على أن مراده : ظهور بطلانه.

قوله : ( ويتخير من انتقل اليه بين الفسخ وأخذه بحصته من الثمن ).

وذلك لتبعض الصفقة.

__________________

(١) الكافي ٥ : ٢٤٩ حديث ٢٠ ، التهذيب ٧ : ١١٠ حديث ٤٧١.

(٢) انظر : كفاية الأخيار ١ : ١٦٢.

١٩٠

وإن كان من الجنس ، كخشونة الجوهر واضطراب السكة وسواد الفضة تخير بين الردّ والإمساك ، وليس له مطالبة البدل في الموضعين.

______________________________________________________

قيل : حقه البطلان ، لأنّ البيع إنما تعلق بالمجموع ، فإذا بطل فيه لم يتحقق في شي‌ء.

قلنا : البيع تعلق بالجميع ضمنا ، فإذا بطل في البعض لم يجب أن يبطل في البعض الآخر ، لكن لتعلق التراضي بالمجموع أثبتنا له الخيار.

قوله : ( وليس له مطالبة البدل في الموضعين ).

أي : فيما لو ظهر المعيب من غير الجنس مع التعيين ، أو منه معه أيضا. واعلم أنّ الضمير في قوله : ( وإن كان من الجنس ) مقتضى السياق أن يعود إلى العيب ، لكنه لا يستقيم ، لأنّ العيب لا يعد من الجنس ، أو من غيره ، وإنما حقه أن يرجع الى المعيب.

فاما أن يكون عائدا إليه ، لدلالة العيب عليه ، أو يراد من العيب : المعيب ، كما يراد بالضحك الضاحك ، فإنه مجاز مشهور ، لأنّ إطلاق المشتق منه على المشتق شائع ، لكن قوله بعد : ( وإن كان من الجنس كخشونة الجوهر ) لا يستقيم ، لأنّ ضمير ( كان ) إن رجع الى العيب لم يستقم إلا بتأويل المعيب ، لما عرفت من أنّ العيب لا يعد من الجنس ، وحينئذ فلا يستقيم التمثيل بخشونة الجوهر ونحوه.

وقوله : ( بطل الصرف ) المراد منه : الصرف الذي قصداه ، والمراد ببطلانه : عدم صحته.

وقوله : ( كأن يجد الذهب نحاسا ، والفضة رصاصا ) فيه توسع ، إذ حقه أن يقول : ككون الذهب نحاسا ، أي : الذي ظن كونه نحاسا.

إذا عرفت ذلك ، فكما أنه ليس له البدل في الموضعين ، فليس له الأرش في الثاني ، حذرا من الربا ، وهو مفهوم من قوله بعد : ( ولو اختلف الجنسان فله الأرش ما داما في المجلس ..... ).

١٩١

ولو اختلف الجنسان فله الأرش ما داما في المجلس ، فان فارقاه ، فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وإن كان مخالفا صح.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اختلف الجنسان فله الأرش ما داما في المجلس ).

لا شبهة في هذا الحكم ، لثبوت النقصان في الصفة الموجبة لنقصان المالية ، وتطرق الربا منتف باختلاف الجنسين ، وكذا تخيّل مانعية التفرق قبل القبض.

قوله : ( فان فارقاه ، فإن أخذ الأرش من جنس السليم بطل فيه ، وإن كان مخالفا صح ).

مقتضى الحكم الواقع في عبارة المصنف هنا أمور :

أ : أن الأرش عوض العيب الواقع في أحد العوضين من غيرهما : وهو مشكل ، لأنّ المعروف أن الأرش جزء من الثمن ، نسبته إليه كنسبة نقص قيمة المعيب عن الصحيح.

ب : أنه لا يتعين كونه من جنسهما ، لظاهر قوله : ( وإن كان مخالفا ) ، وقد صرح في التحرير بذلك (١). ويشكل بأنّ الحقوق المالية إنما يرجع فيها الى النقدين ، فكيف ألحق الواجب باعتبار نقصان في أحدهما؟

ج : الفرق بين الدفع من جنس السليم فيبطل فيه ، أو من جنس المعيب أو من غيرهما فيصح.

ويشكل بأنّ الدفع من جنس أحدهما كالدفع من جنس الآخر ، فإما أن يبطل فيهما معا ، أو يصح فيهما معا ، وما قيل من أنه لو دفع من جنس السليم ، كما لو كان العوضان دينارا وعشرة دراهم ، وكان الدينار معيبا من الجنس بما يقتضي نقصان قيمته بقدر درهم فدفع اليه درهما ، فان المبيع يكون دينارا ودرهما بعشرة دراهم ، وقد تفرقا قبل قبض الدرهم ، فيبطل الصرف فيه بعينه ، آت فيما لو دفع ذهبا قيمته درهم ، فإنهما قد تفرقا قبل قبضه ، فيجب أن يبطل كالسليم ، بخلاف ما لو دفع من غيرهما.

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٢.

١٩٢

______________________________________________________

د : ظاهر قوله : ( بطل فيه ) أي : بطل البيع في الأرش ، أنه لا يجوز دفع الأرش بعد ذلك. ويشكل بأنه إذا استحق في ذمته عوض نقصان أحد العوضين ، كيف يبطل فيما لو عينه فيما لا يجوز أخذه؟

فإن قلت : هو مخيّر في جهات القضاء ، فإذا عين جهة له امتنع المطالبة بشي‌ء آخر ، فحيث امتنع أخذه ، لامتناع ذلك بالإضافة إلى الصرف للتفرق قبل قبضه ، وهو محسوب من العوضين.

قلنا : إذا امتنع شرعا من جهة لم يصدق تخييره بالإضافة إليها ، ولو سلم تخييره فيها لم يلزم البطلان ، بل عدم جواز المطالبة بغيرها ، حتى لو تراضيا على الأداء من غير النقدين بعد التعيين في أحدهما ينبغي القول بالجواز ، على أن القول بالبطلان بالتفرق قبل القبض من أصله مشكل. فان المدفوع ليس أحد عوضي الصرف ، وإنما هو عوض صفة فائتة من أحد العوضين. فترتب استحقاقها على صحة العقد ، وقد حصل التقابض في كل من العوضين ، فلا مقتضى للبطلان ، إذ وجوب التقابض إنما هو في عوضي الصرف ، لا في ما وجب بسببهما.

هـ : لم يذكر المصنف على تقدير البطلان في الأرش البطلان في شي‌ء من العوض السليم وعدمه ، ويلزمه القول بذلك ، لأنه على ما نقلناه عن بعض حواشي الشهيد يكون العوض السليم في مقابل المعيب والأرش ، فيكون التفرق واقعا قبل قبض العوض فيما قابل الأرش من السليم.

ويمكن أن يقال : قد صدق التقابض في مجموع العوضين المقتضي لصحة الصرف ، واشتراط قبض الأرش قبل التفرق إذا كان من النقدين ، أو من جنس السليم على اختلاف الرأيين ، ليس لكونه جزءا من المعاوضة ، بل لكونه من توابعها ، ومن ثم لو أسقط مستحقه لم يلزم في المعاوضة اختلال ، كما لو كان النقدان من جنس واحد.

والتحقيق أن يقال : إن كان الأرش داخلا في المعاوضة اعتبر قبضه في‌

١٩٣

ولو كانا غير معينين وظهر العيب من غير الجنس ، فان تفرقا بطل ، وإلاّ كان له المطالبة‌ بالبدل.

______________________________________________________

صحته وصحة مقابله إذا كان من النقدين ، والا لم يجب أصلا ، ولو قيل : إنه لكونه عوض صفة لا مقابل له من العوض الآخر ، رددناه بأن أحد العوضين في مقابل الآخر من جهة المالية ، فلا فرق بين الجزء والصفة التي لها دخل في المالية.

و : لم يذكر المصنف حال المعاوضة بعد بطلان البيع في الأرش ، وعلى ما ذكره يجب أن يثبت للمشتري الخيار ، لفوات بعض ما له دخل في المالية ، وامتناع تداركه ، كما لو كان العوضان من جنس واحد وأحدهما معيب من الجنس.

ولو قلنا ببطلان شي‌ء من الآخر في مقابل الأرش لوجب أن يثبت للبائع خيار تبعض الصفقة ، إلا أن يقال : التبعض جاء من قبله فلا يثبت له خيار. إذا عرفت ذلك فقد قال المصنف في التحرير ، ولو اختلفا فله الأرش في المجلس ، فلو فارقا لم يجز أن يأخذ من الأثمان ، ويجوز من غيرها (١).

وقريب منها عبارة الدروس (٢) ، وهي أجود من عبارة هذا الكتاب والتذكرة (٣) ، والعمل على ما في التحرير على تردد في كون الأرش من غير الثمن ، فلو قلنا به ففي المنع من أخذه من جنس النقدين بعد النقدين تردد ، ويظهر ذلك كله مما سبق.

قوله : ( ولو كانا غير معينين فظهر العيب من غير الجنس ، فان تفرقا بطل ).

لصدق التفرق قبل القبض ، ولا يخفى أنّ التحرز في كون العيب من غير الجنس واقع في العبارة.

قوله : ( وإلا كان له المطالبة بالبدل ).

__________________

(١) تحرير الأحكام ١ : ١٧٢.

(٢) الدروس : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

(٣) التذكرة ١ : ٥١٣.

١٩٤

ولو اختصّ العيب بالبعض اختص بالحكم ، ولو كان من الجنس فله الرد والإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس ،

______________________________________________________

لأنّ العوضين في الذمة ، والمدفوع لما لم يكن من الجنس امتنع كونه أحد العوضين ، فيطالب بما في الذمة ، لانتفاء المانع ، إذا لم يحصل التفرق قبل القبض.

قوله : ( ولو اختص العيب بالبعض اختص بالحكم ).

أي : اختص ذلك البعض بالحكم ، أي : البطلان فيه إن تفرقا قبل الأبدال ، فيتخير لتبعض الصفقة ، والمطالبة بالبدل إن لم يتفرقا.

قوله : ( ولو كان من الجنس فله الرد ، والإمساك مع الأرش مع اختلاف الجنس ).

التقييد باختلاف الجنس إنما هو للإمساك بالأرش.

فإن قلت : المبيع هو الأمر الكلي لا المدفوع فلم تثبت المطالبة بالأرش ، وقد كان الواجب أن يكون له الرد أو الرضى به.

قلنا : لما دفعه البائع وقبضه المشتري تعين بالفرض وتملكه ، فكان له المطالبة بأرشه ، كما أن له فسخ الملك فيه للعيب ، لأنّ الإطلاق منزل على الصحيح وإن صدق على المعيب.

لا يقال : إن كان المبيع صادقا على المعيب فلا رد ولا أرش ، وإلا لم يكن له المطالبة بالأرش ، إذ المبيع غير المعيب إلا بالتراضي.

لأنا نقول : المبيع صادق على المعيب ، لكنه منزل على الغالب في الإطلاق وهو الصحيح.

فان قلت : إن كان المعيب مقصودا للمتبايعين لم يثبت الأرش ، والا لم يسغ إمساكه بالأرش ، لأنّ المبيع غيره.

قلنا : هو مقصود تبعا ، نظرا إلى أنه مما يصدق مفهوم اللفظ عليه في الجملة ، فصح كونه مبيعا في الجملة ، ولكن لما كان الغالب الإطلاق على الصحيح ثبت له الأرش أو الرد ، نظرا الى الغالب.

١٩٥

ومجّانا مع اتفاقه والمطالبة بالبدل وإن تفرقا على إشكال ، وفي اشتراط أخذ البدل في مجلس الرد إشكال.

______________________________________________________

قوله : ( ومجانا مع اتفاقه ).

أي : وله الرد والإمساك مجانا مع اتفاق الجنس ، فلا يثبت الأرش ، للزوم الربا.

قوله : ( والمطالبة بالبدل ، وإن تفرقا على إشكال ).

الإشكال فيما إذا تفرقا ، ومنشؤه من أن الإبدال يقتضي كون المبيع هو البدل ، وقد تفرقا قبل قبضه فيكون الصرف باطلا ، فلا يكون له أخذ البدل ، ومن أن التقابض في العوضين قد تحقق ، لأنّ المدفوع كان محسوبا عوضا وقد ملكه المشتري ، بدليل أنّ نماءه من حين الإقباض إلى حين الرد له ، وهذا فسخ طارئ على الملك ، بسبب ظهور العيب.

وتحقيقه : أنّ ما في الذمة وإن كان أمرا كليا ، إلا أنه إذا عيّن في شي‌ء ، وقبضه المستحق تعيّن وثبت تملكه له ، فإذا ظهر فيه عيب كان له فسخ ملكيته ، تداركا لفائت حقه ، فإذا فسخ رجع الحق إلى الذمة ، فتعين حينئذ عوضا صحيحا.

وبهذا يظهر أن الأول كان عوضا في المعاوضة ، وقد قبضه قبل التفرق ، فتحقق شرط الصحة ، فلا يلزم بطلانها بالفسخ الطارئ على العوض المقتضي لعوده إلى الذمة ، وكون البدل عوضا في الجملة لا يقتضي نفي عوضية غيره ، فلا يقتضي التفرق قبل قبضه التفرق قبل قبض العوض في المعاوضة ، وهذا واضح ، فكان الأصح ثبوت المطالبة بالبدل.

قوله : ( وفي اشتراط أخذ البدل في مجلس الرد إشكال ).

ينشأ : من صدق التقابض في العوضين الذي هو شرط الصحة ، ومن أنّ الفسخ في العوض المدفوع رفع كونه عوضا في الحال ، فيشترط قبض البدل ، لكونه هو الثمن ، والأصح عدم الاشتراط ، لأنّ قبض ما يعد ثمنا قد تحقق ، فيصح به الصرف ، والأصل عدم وجوب غيره ، ولأنّ القبض معتبر قبل تفرق المتعاقدين ،

١٩٦

ب : نقص السعر وزيادته لا يمنع الرد ، فلو صارفه وهي تساوي عشرة بدينار ، فردّها وقد صارت تسعة بدينار صح قطعا ، وكذا لو صارت أحد عشر.

ج : لو تلف أحدهما بعد التقابض ، ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل الصرف ، ويرد الباقي ويضمن التالف بالمثل أو القيمة.

ولو كان من الجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس ، وإلاّ فلا.

د : لو أخبره بالوزن ثم وجد نقصا بعد العقد بطل الصرف مع اتحاد الجنس ،

______________________________________________________

فان تحقق لم يشترط غيره ، وإلا فسدت المعاوضة من رأس.

قوله : ( نقص السعر وزيادته لا يمنع الرد ... ).

لأنه قد ثبت ، والأصل بقاؤه ، ولا تعد زيادته جبرا ، كما لا يعد نقصه عيبا.

قوله : ( لو تلف أحدهما بعد التقابض ، ثم ظهر في التالف عيب من غير الجنس بطل الصرف ، ويرد الباقي ، ويضمن التالف بالمثل أو القيمة ).

قد سبق ما يصلح تقريبا لذلك ، وضمان التالف بالمثل في الذهب والفضة والدراهم والدنانير ، وبالقيمة في مثل المصوغات ، وما يكون من الأجناس الغير المثلية.

قوله : ( ولو كان من الجنس كان له أخذ الأرش مع اختلاف الجنس ، وإلا فلا ).

ولا يكون التلف مانعا من المطالبة بأرش العيب.

قوله : ( لو أخبره بالوزن ، ثم وجد نقصانه بعد العقد بطل الصرف مع اتحاد الجنس ).

١٩٧

ويتخير مع الاختلاف بين الرد والأخذ بالحصة.

ولو وجد زيادة ، فإن كان قال : بعتك هذا الدينار بهذا الدينار بطل ، وإن قال : بعتك دينارا بدينار صح ، وكانت الزيادة في يده أمانة ، ويحتمل أن تكون مضمونة ، لأنه قبضه على أنه عوض ماله.

______________________________________________________

المراد : أنه يتبين عدم صحته.

قوله : ( ويتخير مع الاختلاف بين الرد والأخذ بالحصة ).

سيأتي فيما لو باعه متساوي الأجزاء ، أو مختلفها على أنه مقدار معين ، فتبين أنه أقل أن يأخذ الأول بالحصة ، والثاني على خلاف.

قوله : ( ولو وجد زيادة ، فإن كان قال : بعتك هذا الدينار بهذا الدينار بطل ).

لأنه باع المجموع المشتمل على الزيادة بمقتضى الإشارة ، وإن سماه دينارا بأقل منه مع اتحاد الجنس.

قوله : ( وإن قال : بعتك دينارا بدينار صح ).

لأنّ المبيع والثمن في الذمة ، لا المدفوع.

قوله : ( وكانت الزيادة في يده أمانة ).

نظرا إلى أصالة البراءة من الضمان.

قوله : ( ويحتمل أن تكون مضمونة ، لأنه قبضه على أنه عوض ماله ).

هذا أصح ، لعموم « على اليد ما أخذت » (١) ، ولما ذكره ، لأنه قبضه على أنه أحد العوضين اللذين جرى عليهما عقد المعاوضة ، فيجب أن يكون مضمونا ، نظرا الى مقتضى العقد ، ولأنه أقرب الى الزمان من المقبوض بالسوم ، وأصالة البراءة‌

__________________

(١) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٩ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢ ، وفيهما : حتى تؤدي ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، تلخيص المستدرك للذهبي المطبوع مع مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، وفيها حتى تؤديه.

١٩٨

أما لو دفع إليه أزيد من الثمن ليكون وكيله في الزائد ، أو ليزن له حقّه منه في وقت آخر ، فإن الزيادة هنا أمانة قطعا.

ولو كانت الزيادة لاختلاف الموازين فهي للقابض ، ولآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة إن منعنا الإبدال مع التفرق ، وكذا لدافعها ، إذ لا يجب عليه أخذ العوض ، نعم لو لم يفترقا ردّ الزائد وطالب بالبدل.

______________________________________________________

بعد التزامه بالضمان لا يجدي نفعا.

قوله : ( أما لو دفع إليه ..... ).

لأنه وكيل له ، ونائب في الحفظ.

قوله : ( ولآخذ الزيادة الفسخ للتعيب بالشركة ، إن منعنا الأبدال مع التفرق ).

الظرف الأخير قد تنازعه كل من الفسخ والأبدال ، أي : ولآخذ الزيادة الفسخ مع التفرق ، إن منعنا الأبدال مع التفرق ، وذلك لانه لا طريق الى التخلص من عيب الشركة إلا بالفسخ ، وهذا عيب طارئ على مقتضى العقد ، ولو جوزنا الأبدال ـ كما سبق انه الأصح ـ لكان الى التخلص من العيب طريق آخر ، فلا يثبت فسخ المعاوضة اللازمة.

قوله : ( وكذا لدافعها ، إذ لا يجب عليه أخذ العوض ).

أي : وكذا يثبت الفسخ لدافع الزيادة ، لأن حقه لما اختلط بحق المشتري باعتبار دفع المشتمل على الزيادة ، وحصل التفرق المانع من الأبدال حصل التعيب بالشركة ، وذلك لأن عين ماله لا يمكن الوصول إليها ، إذ هي مختلطة بعين مال الآخر ، والذي يأخذه بعد التميز إنما هو عوض ماله.

ولو جوزنا الأبدال بعد التفرق لم يثبت له الخيار ، لأنّ ما قبضه المشتري وإن اشتمل على حقه ، إلا أنه ليس عينه ، لمكان الزيادة ، والبائع مخير في جهات الأداء ، فله أن يعين للمشتري حقه.

١٩٩

هـ : لو كان لأحدهما على الآخر ذهب ، وللآخر على الأول دراهم ، فتصارفا بما في ذممهما جاز من غير تقابض على إشكال ، منشؤه : اشتماله على بيع دين بدين ، أما لو تباريا أو اصطلحا جاز.

ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ، ويكون صرفا بعين وذمة.

______________________________________________________

قوله : ( لو كان لأحدهما على الآخر ذهب ، وللآخر على الأول دراهم ، فتصارفا بما في ذممهما ، جاز من غير تقابض على إشكال ، منشؤه اشتماله على بيع دين بدين ).

قيل : إنما فرض المسألة في الذهب والدراهم ، لأنه لو اتحد الجنسان لوقع التقابض بما في ذمتهما على جهة القهر فلا يقع البيع ، وقوله : ( من غير تقابض ) يريد : من غير تقابض زائد على القبض [ الحاصل بكونه في الذمة ، لأن ما في الذمة مقبوض ، ولولاه لم يجز الصرف ، لاشتراطه بالقبض ] (١) قبل التفريق.

وما ذكره في منشأ الاشكال من اشتماله على بيع دين بدين حق ، ان كان المراد من بيع الكالئ بالكالئ : بيع الدين بالدين ، إلا أنه خلاف المعروف من كلامه فيما سيأتي بعد أسطر. ولم يذكر الوجه الآخر في منشأ الاشكال لظهوره ، فهو إما العمومات الدالة على الصحة ، لكونه بيعا ، أو يقال : هو الشك في كونه بيع الكالئ بالكالئ ، إلا أنّ هذا وحده يكون منشأ الاشكال باعتبار طرفي الشك ، إذا عرفت ذلك فلو تهاترا احتمل في الدروس الجواز (٢).

ووجه الاحتمال الآخر ، أعني : ما تشعر به العبارة من عدمه ، أنه يستلزم الصرف ، لأنّ الأداء عما في الذمة من غير الجنس ، وهما من النقدين يقتضي ذلك.

قوله : ( ويجوز اقتضاء أحد النقدين من الآخر ، ويكون صرفا بعين وذمة ).

__________________

(١) ما بين القوسين لم يرد في « م » ، وأثبتناه من الحجري ، وهو الأنسب.

(٢) الدروس : ٣٧٠.

٢٠٠