جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي

جامع المقاصد في شرح القواعد - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عليّ بن الحسين بن عبد العالي الكركي


المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٦٧

ولا يجوز قبله مطلقا على رأي.

ولا يشترط فيما بدا صلاحه ـ وهو : الحمرة أو الصفرة ـ الضميمة ، ولا زيادة على العام ، ولا يشرط القطع إجماعا ،

______________________________________________________

أن يخرج طلعها؟ فقال : « لا ، إلا أن يشتري معها شيئا » (١) الحديث ، وفي غيره من الأخبار ما يدل على ذلك أيضا (٢).

قوله : ( ولا يجوز قبله مطلقا على رأي ).

قال ابن بابويه بجوازه قبل أن يظهر زيادة على عام (٣) ، ونقل الشارح ولد المصنف القول بالجواز سنة مع الضميمة مطلقا (٤) ، وكثير من الأخبار تدل على ذلك (٥). فتشهد لابن بابويه رواية يعقوب بن شعيب الصحيحة (٦) ، وغيرها من الأخبار ، وقوله لا يخلو من قوة. وتشهد للقول الآخر رواية سماعة (٧) ، والعمل بالمشهور أقوى.

وقول المصنف : ( مطلقا ) يحتمل أن يكون في مقابل ( عاما واحدا ) ، ويحتمل أن يكون في مقابل الضميمة ، والزيادة على العام ، وشرط القطع ، أي :سواء كان مع أحد هذه أو بدونها.

قوله : ( ولا يشترط فيما بدا صلاحه ، وهو الحمرة أو الصفرة ... ).

اختلف كلام الأصحاب في أن بدوّ الصلاح في ثمرة النخل هل هو الاحمرار فيما يحمر والاصفرار فيما يصفر ، أو بلوغ غاية يؤمن عليها الفساد؟ وقيل :

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٧٦ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ حديث ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ حديث ٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٥.

(٢) منها : ما رواه الشيخ في التهذيب ٧ : ١٤٤ حديث ٦٣٧ ، الاستبصار ٣ : ١١٣ حديث ٤٠٢.

(٣) المقنع : ١٢٣.

(٤) إيضاح الفوائد ١ : ٤٤٦.

(٥) انظر : الوسائل ١٣ : ٩ باب ٣ : من أبواب بيع الثمار.

(٦) التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٧٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٢.

(٧) الكافي ٥ : ١٧٦ حديث ٧ ، الفقيه ٣ : ١٣٣ حديث ٥٧٨ ، التهذيب ٧ : ٨٤ حديث ٣٦٠ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٥.

١٦١

وهل يشترط أحدها فيما لم يبد صلاحه؟ قولان ، أقربهما : إلحاقه بالأول.

ولو بيعت على مالك الأصل ، أو باع الأصل واستثنى الثمرة ، فلا شرط إجماعا. وأما ثمرة الشجرة ، فيجوز بيعها مع الظهور ، وحدّه انعقاد‌ الحب.

______________________________________________________

طلوع الثريا ، أورده في التذكرة بصيغة : وحكي عن بعض الفقهاء (١) ، فيحتمل أن يكون القائل بذلك من العامة (٢) ، والمشهور الأول ، وعليه دل أكثر الأخبار (٣).

قوله : ( وهل يشترط أحدها فيما لم يبد صلاحه؟ قولان ، أقربهما : إلحاقه بالأول ).

أي : بما بدا صلاحه ، فلا يشترط في صحة بيعه أحد الأمور الثلاثة ، تمسكا بعمومات الكتاب والسنة ، ورواية أبي الربيع الشامي محمولة على الاستحباب ، مع عدم صراحتها في البطلان (٤) ، والأصح عدم الاشتراط ، لرواية الحلبي (٥).

قوله : ( ولو بيعت على مالك الأصل ، أو باع الأصل واستثنى الثمرة ، فلا شرط إجماعا ).

أي : فلا يشترط شرط من هذه الشروط ، والحكم الثاني ظاهر ، والأول اعتبر لتبعية الأصل.

قوله : ( وأما ثمرة الشجرة ، فيجوز بيعها مع الظهور ، وحدّه انعقاد الحب ).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠٣.

(٢) انظر : نيل الأوطار ٥ : ٢٧٦ ، الموطأ ٢ : ٦١٩ حديث ١٣.

(٣) الكافي ٥ : ١٧٥ حديث ٣ ، التهذيب ٧ : ٨٤ ، ٨٥ حديث ٣٥٨ ، ٣٦٣ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ حديث ٢٩٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٥٧ حديث ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٧٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٣.

(٥) الكافي ٥ : ١٧٥ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٣٢ حديث ٥٧٦ ، علل الشرائع : ٥٨٩ حديث ٣٥ باختلاف في السند ، التهذيب ٧ : ٨٥ حديث ٣٦٤ ، الاستبصار ٣ : ٨٧ حديث ٢٩٩.

١٦٢

ولا تشترط الزيادة على رأي. ولا تجوز قبل الظهور عاما ولا اثنين على رأي ، ولا فرق بين البارز كالمشمش ، والخفي كاللوز.

______________________________________________________

وقيل : حده أن يتموه فيها الماء الحلو ويصفر لونها (١) ، وقيل غير ذلك ، وما ذكره المصنف أصح ، ومقتضى كلامه أن الظهور : انعقاد الحب ، وإن بدو الصلاح غيره.

وصريح عبارة التذكرة (٢) وغيرها : أن بدو الصلاح هو انعقاد الحب ، فيكون الظهور غيره ، فعلى تجويز بيعها بعد الظهور وقبل بدو الصلاح تباع قبل الانعقاد ، والظاهر الجواز مطلقا وإن كان الأحوط اعتبار الانعقاد ، وبالجواز صرح في التذكرة (٣) ، وهو ظاهر المختلف (٤) والإرشاد.

قوله : ( ولا تشترط الزيادة على رأي ).

يحتمل قوله : ( على رأي ) ارتباطه بكل من قوله : ( وحده انعقاد الحب ) ، وقوله : ( ولا تشترط الزيادة ) ، فانّ كلا منهما مختلف فيه ، ويحتمل اختصاصه بقوله : ( ولا تشترط الزيادة ) ، أي : على عام واحد ، ويمكن أن يراد : ولا تشترط الزيادة على ما ذكر مطلقا من زيادة على انعقاد الحب ، والزيادة على ما ذكر بضميمة ، أو اشتراط القطع ، أو البيع أزيد من عام.

قوله : ( ولا تجوز قبل الظهور عاما ، ولا اثنين على رأي ).

أي : في الشجر غير النخل ، والخلاف هنا كما تقدم في النخل ، والأصح عدم الجواز.

قوله : ( ولا فرق بين البارز كالمشمش ، والخفي كاللوز ).

أي : لا فرق في ذلك كله ، فما ذكر فيه الجواز يجوز مطلقا ، وما ذكر فيه المنع يمنع مطلقا.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ١١٤.

(٢) التذكرة ١ : ٥٠٤.

(٣) المصدر السابق.

(٤) المختلف : ٣٧٧.

١٦٣

وأما الخضر ، فيجوز بيعها بعد ظهورها وانعقادها لا قبله ، لقطة ولقطات.

والزرع يجوز بيعه ، سواء انعقد السنبل فيه أو لا ، قائما وحصيدا ، منفردا ومع أصوله ، بارزا كان كالشعير ، أو مستقرا كالحنطة والعدس والهرطمان والباقلى.

ولو كان مما يستخلف بالقطع كالكراث والرطبة وشبههما جاز بيعه جزة وجزات ، وكذا ما يخرط كالحناء والتوت خرطة وخرطات ، منفردة ومع الأصول ، بشرط الظهور في ذلك كلّه.

ولو باع الزرع بشرط القصل وجب قطعه على المشتري ، فان لم يفعل فللبائع قطعه وتركه بالأجرة ، وكذا لو باع الثمرة بشرط القطع.

______________________________________________________

قوله : ( وأما الخضر فيجوز بيعها بعد ظهورها وانعقادها ، لا قبله ).

كذا في التذكرة (١) وغيرها (٢) ، ومقتضاه اعتبار بدو الصلاح ، فلا يجوز بيعها عند ما يكون وردا قبل الانعقاد.

قوله : ( ولو كان مما يستخلف بالقطع كالكراث والرطبة (٣) ... ).

هي بفتح الراء وإسكان الطاء ، وإنما يجوز بيعه إذا ظهر ورقه ، لأنّ الأصول لا ترى ، فلو لم يكن الورق موجودا لكان المبيع مجهولا.

قوله : ( وكذا لو باع الثمرة بشرط القطع ).

أي : يجب على المشتري القطع ، فان لم يفعل فللبائع قطعها سواء كانت مما ينتفع به حينئذ أم لا ، صرح به في التذكرة (٤).

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠٤.

(٢) تحرير الأحكام ١ : ١٨٨.

(٣) قال الزبيدي في تاج العروس ١ : ٥٧١ « قتت » : القت : الإسفست بالكسر وهي الفصفصة اي الرطبة.

(٤) التذكرة ١ : ٥٠٤.

١٦٤

المطلب الثاني : في الأحكام :

ليس للبائع تكليف مشتري الثمرة القطع قبل بدو صلاحها ، إلاّ أن يشترطه ، بل يجب عليه تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة ، فما قضت العادة بأخذه بسرا اقتصر على بلوغه ذلك ، وما قضت بأخذه رطبا أو قسبا أخّر إلى وقته ، وكذا لو باع الأصل واستثنى الثمرة وأطلق وجب على المشتري إبقاؤها.

ولكلّ من مشتري الثمرة وصاحب الأصل سقي الشجر مع انتفاء الضرر.

______________________________________________________

قوله : ( بل يجب تبقيتها إلى أوان أخذها عرفا بالنسبة إلى جنس الثمرة ).

في حواشي شيخنا الشهيد : أنّ قوله : ( عرفا ) جواب سؤال مقدّر ، تقديره : أن الأجل إذا كان مجهولا أخلّ بصحة البيع ، فكيف تجب التبقية إلى أوان أخذها وهو غير معلوم؟ وجوابه : أنّ ذلك معلوم عرفا فانتفت الجهالة ، كذا قال.

والسؤال غير وارد ، لأنّ هذا ليس أجلا في عقد البيع لا بالنسبة إلى الثمن ولا الى المثمن ، وإنما هذا أمر مترتب على عقد البيع وثبوته ، فهو من مقتضيات المعاوضة لا أجل في نفس المعاوضة ، فإذا ثبت البيع وانتقل المبيع إلى المشتري ثبت له حينئذ استحقاق التبقية ، فلا تضر جهالة أجل الإبقاء ، لأنّ ذلك حق خارج عن نفس المعاوضة ، على أنه لو كان الأجل في نفس المعاوضة لم يكن ما ذكره رافعا للجهالة ، فإنه لا يجوز تأجيل أحد العوضين إلى أوان أخذ الثمرة عرفا.

وأجاب بجوابين آخرين ، أحدهما : أنّ هذا الأجل ليس مقصودا في المعاوضة ، وإنما عرض إرفاقا بالمتعاوضين بعد تمام العقد ، وليس بعيدا مما قلناه وإن لم تكن عبارته صريحة فيه.

١٦٥

ولو تضررا منعا ، ولو تقابل ضرر أحدهما ونفع الآخر رجّحنا مصلحة المشتري ، ولا يزيد عن قدر الحاجة ، ويرجع فيه إلى أهل الخبرة.

ولو انقطع الماء لم يجب قطع الثمرة وإن تضرر الأصل بمصّ الرطوبة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو تضررا منعا ).

إذ ليس لأحدهما الإضرار بنفسه وصاحبه.

قوله : ( ولو تقابل ضرر أحدهما ونفع الآخر ).

مراده : أنه لو كان السقي وعدمه موجبا لضرر أحدهما ونفع الآخر ، أي :يقابل موجب الضرر والنفع بالنسبة إليهما ، أي : نافى موجب نفع أحدهما موجب نفع الآخر ، بحيث لا يجتمع معه ، فتكون العبارة في تأويل : قابل ضرر أحدهما ضرر الآخر ، وقابل نفع أحدهما نفع الآخر ، باعتبار تقابل المقتضيين في المقتضي.

ولا يجوز الحمل على ظاهر العبارة ، لأنّ النفع والضرر متقابلان مطلقا لهما ولغيرهما ، ولا ارتكاب ذلك بتأويل مقابله مقتضى نفع أحدهما وضرر الآخر ، لأنّ الشي‌ء الواحد إذا اقتضى الأمرين معا كان موضع الترجيح ، ولا يكون الشي‌ء الواحد مقابلا لنفسه. وإذا كان المقتضي لنفعهما معا غير المقتضي لضررهما معا صدق أن نفع أحدهما مقابل لضرر الآخر باعتبار مقتضاه ، ولا ترجيح في هذا الموضع جزما.

فالعبارة غير جيدة ، وكلام شيخنا الشهيد في بعض الحواشي : أنّ التقابل هنا تقابل العدم والملكة مع عدم اتحاد الموضوع ليس جيدا ، لأنّ موضع التقابل الذي أراده هو ما إذا كان السقي وعدمه نافعا لأحدهما مضرا للآخر ، وحينئذ فالموضوع متحد ولا معنى للتقابل فيه على واحد من الاعتبارين.

قوله : ( رجحنا مصلحة المشتري ).

لأنّ حقه على البائع حيث دخل على البيع الذي اقتضى وجوب الإبقاء والسقي.

١٦٦

ولو اعتاد قوم قطع الثمار قبل انتهاء الصلاح كقطع الحصرم ، فالأقرب حمل الإطلاق عليه.

ولو ظهر بعض الثمرة ، فباعه مع المتجدد في تلك السنة صحّ ، سواء اتحدت الشجرة أو تكثّرت ، وسواء اختلف الجنس أو اتحد.

ويجوز أن يستثني ثمرة شجرة أو نخلة معينتين ـ ولو أبهم أو شرط الأجود بطل البيع ـ وأن يستثني حصّة مشاعة أو أرطالا معلومة.

______________________________________________________

قوله : ( ولو اعتاد قوم قطع الثمار قبل انتهاء الصلاح كقطع الحصرم فالأقرب حمل الإطلاق عليه ).

وجه القرب : أنّ العرف إذا استقر كان دليلا على إرادتهم ذلك ، فيكون قرينة حالية على ارادة هذا القيد في العقد ، والإضمار من ضروب المجاز يثبت بالقرينة الدالة على إرادته ، وليس التوجيه الذي ذكره الشارحان (١) جيدا ، وهو أنّ خطاب قوم إنما يحمل على العرف الخاص بهم ، فإنّ الألفاظ في العقود والإيقاعات إنما تحمل عند الإطلاق والتجرد عن القرائن ، والموانع على الحقيقة العرفية العامة مع انتفاء الحقيقة الشرعية.

قوله : ( ولو ظهر بعض الثمرة فباعه مع المتجدد في تلك السنة صح ).

لرواية أبي الربيع الشامي (٢) ، لأنّ بيعها أزيد من سنة يقتضي الجواز هنا بطريق أولى ، والأول إجماعي.

قوله : ( ولو أبهم أو شرط الأجود بطل البيع ).

إن كان الأجود في البستان معلوما بينهم ، ولا يريدون بإطلاقهم سواه صح اشتراطه ، وهو ظاهر ، فإنّ المقتضي للبطلان إنما هو الجهالة فإذا انتفت صح.

__________________

(١) ولد المصنف في إيضاح الفوائد ١ : ٤٤٧.

(٢) الفقيه ٣ : ١٥٧ حديث ٦٩٠ ، التهذيب ٧ : ٨٧ حديث ٣٧٢ ، الاستبصار ٣ : ٨٦ حديث ٢٩٣.

١٦٧

فان اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة ، ولو اجتيحت الثمرة بعد الإقباض وهو التخلية هنا أو سرقت ، فهي من مال المشتري ، ولو كان قبل القبض فمن البائع.

ولو تلف البعض أخذ الباقي بحصته من الثمن وله الفسخ ، ولو أتلفه أجنبي تخير المشتري بين الفسخ وإلزام المتلف ، والأقرب إلحاق البائع به ، وإتلاف المشتري كالقبض.

______________________________________________________

قوله : ( فان اجتيحت الثمرة سقط من المستثنى بالنسبة ).

بشرط عدم التعدي والتفريط ، وطريق معرفته في الجزء المشاع ظاهر ، وأما في الأرطال المعلومة فيؤخذ بالحرز والتخمين ، فيقال : هل ذهب ثلث الثمرة أو نصفها فيسقط من الثنيا بتلك النسبة.

والجوح : الإهلاك والاستئصال كالاجاحة والاجتياح ذكره في القاموس (١) ، وما في الكتاب مبني للمفعول فإنه متعد بنفسه.

قوله : ( ولو تلف البعض أخذ الباقي بحصته من الثمن وله الفسخ ).

لتبعض الصفقة ، وهو مضمون على البائع.

قوله : ( ولو أتلفه أجنبي تخير المشتري بين الفسخ وإلزام المتلف ).

أما الفسخ فلانه مضمون على البائع ، وأما إلزام المتلف فلأنه أتلف ماله ، لأنّ المبيع قد انتقل إلى المشتري وإن كان مضمونا على البائع.

واعلم : أنّ المراد بكونه مضمونا على البائع : تلفه من ماله وانفساخ البيع إذا تلف بآفة سماوية ، لامتناع تضمين البائع قيمة المبيع بمقتضى الآفة ، ولو أتلفه متلف تخيّر بين الفسخ وأخذ الثمن ، والإبقاء والمطالبة بالعوض.

قوله : ( والأقرب إلحاق البائع به ).

أي : بالأجنبي ، فيتخير معه بين الفسخ والمطالبة بالثمن ، وعدمه والمطالبة بالعوض. ووجه القرب : أنه أتلف ملكه فله مطالبته بعوضه. ويحتمل أن يكون‌

__________________

(١) القاموس المحيط ( جوح ) ١ : ٢١٩.

١٦٨

ولا يجب على البائع السقي ، بل التمكين منه مع الحاجة ، فلو تلفت بترك السقي ، فان لم يكن قد منع فلا ضمان عليه ، وإن منع ضمن ، وكذا لو تعيبت.

ويجوز بيع الثمرة والزرع بالأثمان والعروض ، إلاّ بيع الثمرة بالتمر وهي المزابنة ، وإلاّ الزرع بالحب وهي‌ المحاقلة. ولو اختلف الجنس جاز ،

______________________________________________________

إتلافه فسخا للبيع ، وهو ضعيف ، لأنّ انفساخه إنما يكون حيث لا يكون البائع متلفا ، تمسكا بأصالة بقاء العقد ، واقتصارا على موضع الوفاق. وهذا إذا لم يكن للبائع خيار ، فانّ كل ما يعد اجازة من المشتري يعد فسخا من البائع ـ كما سيأتي ـ فحينئذ يطالب بالثمن ليس إلا.

قوله : ( فلو تلفت بترك السقي ) إلى قوله ( وإن منع ضمن ).

إن قيل : كيف يضمن بالمنع؟

قلنا : لأنه سبب الإتلاف.

فإن قيل : التسبيب إنما يتحقق بإيجاد ما يحصل التلف عنده لكن بعلة أخرى ـ كما سيجي‌ء في الغصب كحفر البئر وفتح رأس الظرف ـ وهنا لم يوجد البائع شيئا ، وإنما منعه من السقي فهو كمنع المالك من حفظ دابته حتى هلكت.

قلنا : بل التحقيق أنّ البائع لما كان ذا يد على الأصول ، ومنع المشتري من سقي الثمرة صارت يد البائع على الثمرة باعتبار التبعية للأصول ، كما لو منع صاحب البيت من له صندوق في بيته عن حفظه حتى تكسّر أو احترق ، فإنه حينئذ يكون في يده تبعا للبيت ، فيجي‌ء الضمان من جهة اليد.

قوله : ( إلا بيع الثمرة بالتمر وهي المزابنة ).

هي مفاعلة من الزبن ، وهو الدفع ، ومنه الزبانية لأنهم يدفعون الناس الى النار ، سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين ، والغبن فيها مما يكثر ، وكل منهما يريد دفعه عن نفسه الى الآخر فيتدافعان.

قوله : ( ولا الزرع بالحب وهي المحاقلة ).

١٦٩

كما لو باع زرع حنطة بدخن.

وهل يسري المنع إلى ثمر الشجر؟ الأقرب ذلك ، لتطرق الربا على إشكال.

______________________________________________________

هي مفاعلة من الحقل ، وهي الساحة التي تزرع ، سميت محاقلة لتعلقها بزرع في حقل ، أو أطلق اسم الحقل على الزرع تسمية للشي‌ء باسم مجاورة فكأنه باع حقلا بحقل. والأصل في تحريمها ما روي : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة : أن يبيع الرجل الزرع بما به فرق من حنطة ، والمزابنة : أن يبيع الثمرة بما به فرق من تمر (١).

قال المصنف في التذكرة : وهذا التفسير إن كان من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فذاك ، وإن كان من الراوي فهو أعرف بتفسير ما رواه ، ولأنه مجهول بيع بجنسه وهما ربويان فلم يصح ، لتطرق احتمال الزيادة بل التساوي نادرا (٢).

إذا عرفت ذلك فقوله : ( ولا الزرع ) معطوف على قوله : ( إلا بيع الثمرة بالتمر ).

فرع :

لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه حشيش غير معلوم ولا مكيل سواء تساويا جنسا أو تفاوتا ، ولا يشترط التقابض في الحال ، وهو ظاهر ، وقد نص عليه في التذكرة (٣).

قوله : ( وهل يسري المنع إلى ثمر الشجر؟ الأقرب ذلك ، لتطرق الربا على اشكال ).

الإشكال في العلة التي هي وجه القرب ، ولا يلزم من ورود الاشكال فيها انتفاء القرب ، لإمكان ثبوت الحكم بعلة أخرى ، فإنّ العلة المقتضية لمنع بيع‌

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٣ ، ٦٣٥ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣٠٨ ، ٣٠٩.

(٢) التذكرة ١ : ٥٠٨.

(٣) التذكرة ١ : ٥٠٩.

١٧٠

والأصح عدم اشتراط كون الثمن من المثمن.

واستثني من الأول العرايا ، فإنه يجوز بيع العرية ، وهي : النخلة التي تكون في دار الإنسان أو بستانه بخرصها تمرا لا منها ، ولا يجوز ما زاد على الواحدة مع اتحاد المكان ، ويجوز تعدده.

______________________________________________________

الرطب ـ وهو نقصانه عند الجفاف ـ بالتمر قائمة هنا.

والذي في التذكرة : بناء الحكم في غير النخل على ثبوت الربا ، فحينئذ يكون الإشكال في ثبوته منافيا لكون المنع أقرب. والذي يختلج بخاطري إمكان التعليل بالعلة المنصوصة عليها المذكورة.

وأما الإشكال فالراجح فيه لزوم الربا ، لأنّ كونه غير مكيل ولا موزون الآن لا ينفي ثبوت الربا ، فإنه من جنس ما يكال وما يوزن.

قوله : ( والأصح عدم اشتراط كون الثمن من المثمن ).

هذا هو الأصح كما اختاره المصنف وجماعة (١) ، للربا الذي ذكرنا جواز حصوله ، ولما قلناه من العلة في بيع الرطب بالتمر ، ولصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢) وغيرها (٣).

قوله : ( واستثني من الأول العرايا ، فإنه يجوز بيع العرية ).

المراد بالأول : بيع الثمرة بالتمر.

قوله : ( وهي النخلة التي تكون في دار الإنسان ... ).

هذا التفسير أصح ، وفسرها الشيخ في المبسوط : بأنها النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها (٤) ، والأصح مختار المصنف لنص أهل اللغة على ما يكون في الدار بأنه عرية ، وللاشتراك في الحاجة الداعية إلى المشروعية ،

__________________

(١) منهم : الشهيد في الدروس ٣٥٠ ـ ٣٥١ ، واللمعة : ١٢١.

(٢) الكافي ٥ : ٢٧٥ حديث ٥ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٣ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣٠٨.

(٣) معاني الأخبار : ٢٧٧ ، التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٥ ، الاستبصار ٣ : ٩١ حديث ٣٠٩.

(٤) المبسوط ٢ : ١١٨.

١٧١

ولا يشترط التقابض في بيع العرية قبل التفرق ، بل الحلول ، فلا يجوز إسلاف أحدهما في الآخر.

فروع :

أ : لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها ،

______________________________________________________

وإنما يجوز ذلك بشروط ستة :

أ : كون الثمن من غيرها فلا يجوز لو اشترطه منها ، واحتمل في المختلف الجواز (١) ، والأصح العدم.

ب : كونه معلوم القدر كيلا أو وزنا.

ج : كونه موصوفا أو مشاهدا.

د : كونه حالا.

هـ : عدم المفاضلة حين العقد.

و : اتحادها فلا يجوز في بستان واحد أزيد من واحدة ، ولو تعدد البستان أو الدار جاز تعددها.

إذا عرفت ذلك فقول المصنف : ( بخرصها تمرا لا منها ) إشارة إلى الشرط الأول ، وقوله : ( بل الحلول ) إشارة إلى الرابع ، وقوله : ( ولا يجوز التفاضل عند العقد ) إشارة إلى الخامس ، وقوله : ( ولا يجوز ما زاد على الواحدة مع اتحاد المكان ) إشارة إلى السادس ، وقوله : ( بخرصها تمرا ) قد يومئ الى الثاني ، وسيأتي الشرط الثالث في الفرع السابع.

قوله : ( ولا يشترط التقابض في بيع العرية قبل التفرق ).

خلافا للشيخ في المبسوط ، فإنه اشترطه وطرد الحكم في بيع الربويات (٢) ، وهو ضعيف.

قوله : ( لا يجب التماثل في الخرص بين ثمرتها عند الجفاف وثمنها ).

__________________

(١) المختلف : ٣٧٨.

(٢) المبسوط ٢ : ١١٨.

١٧٢

ولا يجوز التفاضل عند العقد.

ب : لا تثبت العرية في غير النخل ، إن منعنا بيع ثمر الشجر بالمماثل.

______________________________________________________

أي : لا يجب أن يطابق الحاصل من العرية من التمر للثمن الذي خرصت ثمرتها بمقداره عند البيع ، والحاصل أنه لا بد من خرصها : إما من البائع والمشتري ، أو من غيرهما من أهل الخبرة بحيث يغلب على ظنهما المقدار الحاصل منها تمرا عند الجفاف ، فتباع ثمرتها بهذا المقدار.

ثم إنها عند الجفاف لو زادت أو نقصت لم يكن ذلك قادحا في صحة المعاوضة ، لإطلاق النص ولسبق الحكم بالصحة.

إذا عرفت ذلك فهل يشترط لو كان الخارص غيرهما أن يكون عدلا؟ لا أعلم في ذلك كلاما للأصحاب ، وامتناع الرجوع الى خبر الفاسق قد يقتضي الاشتراط ، والظاهر العدم ، لكن يشترط كونه من أهل المعرفة.

قوله : ( ولا يجوز التفاضل عند العقد ).

لورود النص باعتبار المساواة حينئذ (١) ، فيكون التفاوت موجبا للربا ، ولأنّ الأصل المنع إلا فيما دل عليه النص (٢).

قوله : ( لا تثبت العرية في غير النخل إن منعنا بيع ثمر الشجر بالمماثل ).

لاختصاص النص بالنخل (٣). وقد سبق أنّ الأصح المنع في ثمر الشجر أيضا.

ويمكن أن يقال : يفهم من العبارة أنا إن لم نمنع تثبت العرية أيضا ، مع أنها لا تثبت على هذا التقدير ، لأنه إذا جاز مطلقا لم يكن الجواز مخصوصا بالعرية.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٩٥ حديث ٤٠٤.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٧ حديث ١ و ٢ و ٣ ، التهذيب ٧ : ١٧ حديث ٧٥ و ٧٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٤٣ حديث ٦٣٤.

١٧٣

ج : يجوز بيع العرية وإن زادت على خمسة أوسق.

د : إنما يجوز بيعها على مالك الدار أو البستان ، أو مستأجرهما ، أو مشتري ثمرة البستان على إشكال.

______________________________________________________

ولعله أراد الجواز في الجملة ، فلا ينبغي إلا على القول بالمنع لا على القول بالجواز.

قوله : ( يجوز بيع العرية وإن زادت على خمسة أوسق ). خلافا للشافعي (١).

قوله : ( إنما يجوز بيعها على مالك الدار أو البستان ، أو مستأجرهما ، أو مشتري ثمرة البستان على إشكال ).

الذي يظهر من كلام الشارحين : أن الاشكال في مشتري الثمرة ، ومنشؤه عدم تناول النص له والمشاركة في العلة (٢).

والتحقيق أن : نقول أن القول في شرح العرية غير منضبط ، لأنّ كلام أهل اللغة مختلف ، فينبغي أن يقال : ما ثبت القول بجوازه عند الأصحاب يجوز فيه اعتضادا بعمومات صحة البيع ، ونظرا إلى مشاركة العلة ، ولصدق إضافة الدار والبستان الى المالك والمستأجر ومشتري الثمرة.

وفي الدروس ذهب الى إلحاق المستعير (٣) ، وللنظر في هذا البحث مجال ، فإنّ الإضافة فيما ذكر إنما هي على وجه المجاز ، إلا أن يقال : المشقة معتبرة في مفهوم العرية ، حيث قال الشيخ : العرايا هي جمع عرية ، وهي النخلة لرجل في بستان غيره يشق عليه الدخول إليها (٤) ، فيكون مناط الحكم فيها المشقة على الغير في الدخول الى بستانه : إما لمكان أهله أو لغير ذلك ، فحينئذ يجوز البيع لدفع هذه المشقة ، فعلى هذا حيث تثبت هذه المشقة في النخلة الواحدة على الغير تثبت الرخصة.

__________________

(١) الأم ٣ : ٥٤ ، ٥٦.

(٢) فخر المحققين في إيضاح الفوائد ١ : ٤٥٠.

(٣) الدروس : ٣٥١.

(٤) المبسوط ٢ : ١١٨.

١٧٤

هـ : لو قال : بعتك هذه الصبرة من الغلة أو الثمرة بهذه الصبرة سواء بسواء ، فان عرفا المقدار صح ، وإلا بطل وإن تساويا عند الاعتبار ، سواء اتحدا الجنسان أو اختلفا.

و : يجوز أن يتقبّل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بشي‌ء معلوم منها لا على سبيل البيع ، وأن يبيع الثمرة مشتريها بزيادة ونقصان قبل القبض وبعده.

______________________________________________________

قوله : ( سواء بسواء ).

هو على حد مثلا بمثل ، فانّ السواء لا يصدق إلا بين شيئين ، ولعله حمل على معنى : قدرا بقدر بضرب من التجريد.

قوله : ( يجوز أن يتقبل أحد الشريكين بحصة صاحبه من الثمرة بشي‌ء معلوم منها ، لا على سبيل البيع ).

إنما لم يجز على سبيل البيع ، لما عرفت من أنه لا يجوز بيع الثمرة بجنسها ، وإن لم يكن الثمن منها ، فكيف إذا كان منها! وفي التذكرة هل يجوز البيع؟ يحتمل ذلك ، عملا بالأصل السالم عن معارضة الربا ، إذ لا وزن في الثمرة على رؤوس الشجر (١).

ويرد عليه : أنّ هذا إن كان في النخل فهو المزابنة ، وإن كان في غيره فعلى القولين ، فاحتمال التجويز مطلقا مشكل. وقد تضمنت العبارة اشتراط كون عوض القبالة معلوما وهو ظاهر ، وكون العوض من الثمرة. وعبارة الرواية (٢) قد تدل على الأمرين ، لأنّ أخذه بالكيل ، الظاهر أن المراد به : خرصه ، وقوله : « يعطيني نصف هذا الكيل » ، يقتضي إعطاء نصف المعين ، وواقعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أهل خيبر صريحة في ذلك (٣). والأصل في ذلك ما رواه يعقوب بن شعيب ،

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥٠٨.

(٢) الكافي ٥ : ١٩٣ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ حديث ٦٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ حديث ٥٤٦.

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٦ حديث ١ ، ٢ ، التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٥.

١٧٥

______________________________________________________

عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن الرجلين يكون بينهما النخل ، فيقول أحدهما لصاحبه : اختر : إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى ، وتعطيني نصف الكيل زاد أو نقص ، وإما أن آخذه أنا بذلك وأرد عليك ، قال :« لا بأس بذلك » (١) وفي الرواية مباحث :

أ : إن مقتضى قوله : إما أن تأخذ هذا النخل بكذا وكذا كيلا مسمى ، أن يتقبل عن ثمرة المجموع ، فظاهره أنه يخرص ويتقبله بخرصه ، فيكون للشريك نصف. وعبارة المصنف خالية من ذلك ، والرواية الواردة بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خيبر مع اليهود دالة على ذلك.

ب : إن مقتضى قوله : زاد أو نقص كون هذه المعاملة معاوضة ، وإلا لكان الزائد لهما والناقص عليهما ، وقد امتنع كونها بيعا ، لما سبق ، فلم يبق إلا أن يكون صلحا بلفظ القبالة.

فإن قلت : الربا يعم الصلح ، فكيف جاز هنا مع امتناع البيع للربا؟

قلت : قد استثني هذا من الصلح ، فإنه وإن دخله الربا لكن اخرج هذا منه ، لدعاء الحاجة إليه.

فإن قلت : فعلى هذا تكون القبالة لازمة.

قلت : عبارة الكتاب لا دلالة فيها على اللزوم نفيا ولا إثباتا ، لكن سيأتي في المزارعة إشكال في أن الزائد إباحة ، وإن كان الناقص بآفة سماوية غير مضمون ، وذلك ينافي كونها صلحا ولازمة.

وفي التذكرة : وهل يكون ذلك لازما؟ إشكال (٢) ، وشيخنا الشهيد في الدروس صرح بكون ذلك نوعا من الصلح ، فيكون لازما (٣) ، وهو الذي يقتضيه النظر.

__________________

(١) الكافي ٥ : ١٩٣ حديث ٢ ، الفقيه ٣ : ١٤٢ حديث ٦٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٢٥ حديث ٥٤٦.

(٢) التذكرة ١ : ٥١٠.

(٣) الدروس : ٣٥١.

١٧٦

______________________________________________________

ج : هل يحتاج ذلك الى صيغة عقد؟ الظاهر نعم ، لأنه صلح في المعنى ، ولأنّ الأفعال لما لم يكن لها دلالة بنفسها على المعاني تعيّن المصير إلى الألفاظ ، وحينئذ فيحمل على العقد ، لأنه الموظف شرعا لنقل الملك ، ولأنّ الأصل بقاء الملك لمالكه حتى يقطع بسببه.

فان قلت : عبارة الرواية تدل على خلاف ذلك.

قلت : ليس فيها دلالة على أنّ المسؤول عنه فيها هو الجاري في المعاوضة ، فيجوز أن يكون المسؤول عنه هو صحة إيقاع ما اراده.

د : قال في التذكرة : وهل يكون مضمونا في يده؟ الأقرب ذلك ، لأنه إما بيع فاسد أو تقبل (١) ، والذي يقتضيه البحث به كونه مضمونا ، لعموم « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » (٢) ، ولأنه لم يدفع مجانا بل بعوض ، ولأنّ المقبوض بالسوم مضمون ـ كما سيأتي ـ فهذا أولى ، مع أنّ قول المصنف : لأنه إما بيع فاسد أو تقبل لا دلالة له على المدعى ، لأنّ الكلام إنما هو في كون المتقبل مضمونا.

واعلم أنّ المصنف قال في المزارعة ما ينافي هذا ، وكذا كلام الأصحاب. قال في الدروس : وقراره مشروط بالسلامة (٣) ، ومعناه : أنه لو تلف من الثمرة شي‌ء سقط عنه التالف.

وتحقيق ذلك مذكور في المزارعة ، فيما لو خرص على العامل وخيّره ، فإنّ الأصحاب نصوا على أنه إذا هلك شي‌ء سقط من المتقبل.

وهنا اشكال ، وهو أنّ التقبل إن كان بيعا لم يصح ، لكونه مزابنة ، وإن كان صلحا لم يصح لكون العوض مشروطا منها ، للغرر ، وإن كان في الذمة لم‌

__________________

(١) التذكرة ١ : ٥١٠.

(٢) سنن الترمذي ٢ : ٣٦٩ حديث ١٢٨٤ ، مسند أحمد ٥ : ١٢ ، وفيهما : حتى تؤدي ، سنن البيهقي ٦ : ٩٥ ، سنن ابن ماجة ٢ : ٨٠٢ حديث ٢٤٠٠ ، مسند أحمد ٥ : ٨ ، تلخيص المستدرك للذهبي المطبوع مع مستدرك الحاكم ٢ : ٤٧ ، وفيها : حتى تؤديه.

(٣) الدروس : ٣٥١.

١٧٧

______________________________________________________

يسقط بتلفه شي‌ء.

ويمكن الجواب : بأنّ ذلك صلح ، والغرر فيه محتمل مع ورود النص على ذلك ، وحينئذ فإذا تلف منه شي‌ء يلزم تلف بعض العوض المشروط ، فإذا لم يتحقق ضمانه لم يجب العوض.

فان قيل : إن كان صلحا صحيحا امتنع كونه بغير عوض.

قلنا : هو صلح صحيح ، والعوض مأخوذ من المعوض كما أشعرت به الرواية (١) ، وصرح به في كلام الأصحاب ، ومقتضى كلام الدروس أنّ ثبوته مراعى بالسلامة وعدمها ، فان هلكت فلا صلح ، وإن سلمت ثبت وجوب العوض (٢). ويشكل بأمرين :

أ : أنه لو هلك بعضها يجب القول بعدم بقاء الصلح ، فلا يلزمه ما بقي من العوض ، إلا أن يقال : سلامة الجميع شرط للصلح في الجميع ، وسلامة الأبعاض شرط للصلح فيها.

ب : لو تقبلها بعوض غير مشروط منها ، فقد صرح في الدروس بالجواز (٣) ، ولا معنى لاشتراط قراره بالسلامة حينئذ ، لأنّ المعوض إذا قبض بعوض يجب أن يكون مضمونا ، فإذا (٤) تلف يجب أن يبقى عوضه في الذمة ، فيمتنع اجتماع المعاوضة والقول بالسقوط بالتلف.

وإنما يتجه السقوط إذا كان العوض من المعوض ، لأنه إذا رضي به المقبل ، وتلف بغير تفريط احتاج بدله في الذمة إلى دليل ، ولا منافاة بين كونه إذا تلف في باقي المعاوضات يجب بدله ، وكونه إذا تلف هنا لا بدل له ، لأنّ المقتضي للوجوب هناك ثابت ، بخلاف هنا.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ١٩٣ حديث ٨٥٥.

(٢) الدروس : ٣٥١.

(٣) الدروس : ٣٥١.

(٤) من هنا الى قوله : ( بطل الثاني ) اعتمدنا فيه على النسخة الحجرية لعدم وجود نسخة خطية لهذه الفقرات ، والنسخة المعتمدة خالية منها أيضا.

١٧٨

ولو اشترى لقطة من الخضروات ، فامتزجت بالمتجددة من غير تمييز ، فالأقرب مع مماحكة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة ،

______________________________________________________

والمحصل أن نقول : أن كلا من القولين لا يخلو من الإشكال ، أما اشتراط كون القبالة من الثمرة المقبلة ففيه إشكالان :

الأول : إن اشتراط العوض من المعوض ينافي صحة المعاوضة عند جمع ، وليس ما يدل في النصوص على الجواز هنا.

الثاني : أنه لو نقصت الثمرة بغير آفة ، بل نقصانا عن الخرص يجب على تقدير كون العوض منها ، أن لا يجب الناقص على المتقبل ، مع أنهم يوجبونه عليه ، ومع الزيادة تكون له الإباحة ، كما يرونه ، وأما على الجواز مطلقا فالاشكالان مع ثالث ، وهو عدم إمكان اشتراط السلامة في قرار القبالة ، حيث يكون الثمن في الذمة ، لما قلناه من امتناع كون محل العوض الذمة ، ويذهب بتلف الثمرة.

قوله : ( ولو اشترى لقطة من الخضراوات ، فامتزجت بالمتجددة من غير تميز ، فالأقرب مع مماحكة البائع ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشركة ).

الصواب مماحكة ، فإنّ المماكحة لا أصل لها في اللغة ، ولكن قلم المصنف سبق الى غير المراد ، ومعنى محك وماحك : لج والمراد به هنا : المناقشة في المتجدد.

ووجه القرب : أنّ الشركة عيب يثبت بها الخيار ، والحق أنه إن تجدد ذلك قبل القبض ثبت الخيار ، للتعيب بالشركة ، وإلا فلا ، ويفهم من قوله : إن الأقرب ثبوت الخيار مع مماحكة البائع ، مخالفته لما إذا لم يماحك.

وقد تردد مع هبة الزائد ، فيبقى ما إذا لم يطالب ولم يهب غير مذكور حكمه في العبارة ، ولو حملت المماحكة على ما إذا لم يهب مجازا بقرينة المقابلة لعم الصور كلّها ، وأفاد أحكام الجميع.

١٧٩

ولا خيار لو وهبه البائع على إشكال.

ز : يشترط في الثمن الذي يشتري العرية به العلم بالكيل أو الوزن ، ولا تكفي المشاهدة.

ح : لا يجوز بيع ما المقصود منه مستور ، كالجزر والثوم ، إلاّ بعد قلعه ومشاهدته.

ولو اشترى الزرع قصيلا مع أصوله فقطعه فنبت فهو له ، أما لو لم يشترط الأصل فهو للبائع.

ولو سقط من الحب المحصود فنبت في القابل ، فهو لصاحب البذر لا الأرض.

______________________________________________________

قوله : ( ولا خيار لو وهبه البائع على إشكال ).

ينشأ من زوال العيب بالهبة وانتفاء المماحكة ، ومن عدم وجوب القبول ، والتحقيق : أنّ الهبة لا تتحقق بمجرد هبة البائع من دون القبول ، والعيب لا يزول إلا بانتقال الملك اليه بالقبول والقبض ، فبدونهما تبقى الشركة المعدودة من العيوب ، فيبقى الخيار بحاله ، ولا ريب أنّ القبول للهبة غير واجب عليه ليسقط خياره.

قوله : ( لا يجوز بيع ما المقصود منه مستور كالجزر والثوم ، إلا بعد قلعه ومشاهدته ).

ذهب في الدروس الى جوازه ، تحكيما للعرف ، وحكاه عن ابن الجنيد (١) ، وما ذكره من تحكيم العرف غير ظاهر ، لأنّ ذلك مجهول ، إذ المقصود منه هو ما ليس بمرئي ولا موصوف ، والتحقيق : أنه لا يجوز بيعا ، بل صلحا.

__________________

(١) الدروس : ٣٥١.

١٨٠