بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرّسالة العثمانيّة

السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس

بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرّسالة العثمانيّة

المؤلف:

السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس


المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٥

١
٢

٣
٤

مقدمة التحقيق

لمحة موجزة عن آل طاووس

آل طاووس أسرة عراقية عريقة في السيادة والعلم بفنونه المختلفة الفقه ، الحديث ، الكلام ، الأنساب ، الأدب ، الشعر ... تولت الزعامة الدينية في أواخر عصور الدولة العباسية ثم في الدولة الإيلخانية المغولية.

قد تسنمت هذه الأسرة الجليلة مدارج الكمال ومراقي المجد وقبضت على ناصية الفخار والعز في المائتين السابعة والثامنة بحيث طار صيتها في المحافل العلمية والنوادي الأدبية وتصدرت قائمة فضلاء عصرها وعلماء دهرها وامتطت صهوات المجد والشرف الباذخ وعلت على دست الرئاسة والنقابة المنيف حقبة من الدهر فزانوا النقابة فتاهت بهم اعتزازا وافتخارا.

هذه الأسرة الشريفة قد تحلى أفرادها ـ بالإضافة الى ميزتهم النسبيّة ـ بمؤهلات قلما تجتمع في شخص واحد ، ذكاء حاد وحافظة قوية وفطنة نادرة وفضل واسع ونجابة ساطعة ورئاسة مقبولة ومرضية من قبل سلطات عصرهم فكانوا السادة والقادة والعلماء ، ترمقهم عيون الفضيلة بالإكبار والإجلال ويصغي لهم سمع الدهر بالإطاعة والامتثال محطا لأنظار الخاص والعام تقصدهم قوافل ذوي الحاجات ويؤمهم ركب طالبي الفضيلة والكمال فلا تنكفئ إلا عن نيل مرادها وبلوغ مآربها المادية والمعنوية. تنحدر هذه الاسرة المباركة عن أصل زكي ونجار سني عن شجرة طيبة مباركة علوية إذ يتصل

٥

نسبها بالإمام الهمام أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام عن طريق داود بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام فإن داود المذكور كان رضيع الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام وقد حبسه المنصور الدوانيقي فأفلت منه بالدعاء الذي علمه الصادق عليه‌السلام لامه ام داود ويعرف بدعاء ام داود وبدعاء يوم الاستفتاح وهو النصف من رجب وام داود هي ام كلثوم بنت الإمام زين العابدين علي بن الحسين ابن علي بن ابي طالب عليهم‌السلام وكان داود يلي صدقات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام نيابة عن أخيه عبد الله المحض وقد توفي داود بالمدينة وهو ابن ستين سنة وعقبه من ابنه سليمان بن داود وأعقب سليمان من ابنه محمد بن سليمان ويلقب بالبربري وخرج بالمدينة أيام أبي السرايا.

قال النسابة الشهير ابن عنبة الداودي في كتابه عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص ١٨٩ في ذكر عقب داود بن الحسن المثنى : ومنهم أبو عبد الله محمد الطاووس بن إسحاق لقب بذلك لحسن وجهه وجماله وولده كانوا بسورا المدينة (١) ثم انتقلوا الى بغداد والحلة وهم سادات وعلماء ونقباء معظمون منهم السيد الزاهد سعد الدين أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الطاووس.

وقال العلامة المجلسي :

وجدت في بعض كتب النسب أن محمد الطاووس كان يكنى أبا عبد الله وكان نقيب ( سورا ) وأبوه إسحاق كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة خمسمائة عن نفسه وخمسمائة عن والده وهو من أوائل من ولي النقابة بسورا.

__________________

(١) الظاهر ان الصحيح ( سورا ) على وزن بشرى فانه موضع بالعراق من ارض بابل وهي مدينة السريانيين وهي قريبة من الوقف والحلة المزيدية و ( سوراء ) كما ورد في بعض المصادر فانها بالالف الممدودة موضع يقال هو الى جنب بغداد وقيل هو بغداد نفسها. راجع معجم البلدان مادة ( سور )

٦

وإنما لقب بالطاووس لأنه كان مليح الصورة وقدماه غير مناسبة لحسن صورته فلقب بالطاووس لذلك (١). ولقد برزت من هذه الاسرة الشريفة شخصيات علمية فذة قد أخذت على عاتقها مسؤولية الذب عن حريم الشريعة المحمدية والحقيقة الجعفرية فكانت على مستوى المسؤولية فبذلت في سبيل ذلك كل ما اوتيت من حول وقوة واستعداد قليل النظير فجنّدت في خدمة الدين فكرها الوقاد كسراج منير يزيح الظلمات وينير الطريق للفئة الخيرة السالكة درب الحق وسبيل الخير. ويراعها السيّال الذي هو خير من ألف سيف ذرب وعسّال مثقف. فألّفت وصنّفت وجدّت واجتهدت فتركت لنا تراثا علميا ضخما أغنت به المكتبة الإسلامية عموما والمكتبة الشيعية خصوصا فمنهم :

١ ـ سعد الدين أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد الطاووس.

وصفه صاحب عمدة الطالب بالسيد الزاهد (٢).

والذي يظهر من كلام ابنه رضي الدين علي بن موسى بن جعفر أنه كان محدثا راوية للأخبار جامعا لها فقد قال عنه في إجازاته عند ذكر مؤلفاته : ومن ذلك كتاب فرحة الناس! (٣) وبهجة الخواطر مما رواه والدي موسى بن جعفر ابن محمد بن طاووس قدس الله جل جلاله روحه ونور ضريحه ونقله في أوراق وأدراج وانتقل الى الله جل جلاله وما جمعه في كتاب ينتفع به المحتاج فجمعته بعد وفاته تلقاه الله جل جلاله بكراماته ويكمل أربع مجلدات لكل مجلد خطبة وسميته بهذا الاسم المذكور (٤).

__________________

(١) بحار الانوار : ١٠٧ / ٤٤.

(٢) عمدة الطالب في أنساب آل ابي طالب : ١٩٠

(٣) المطبوع باسم فرحة الناظر وبهجة الخواطر.

(٤) بحار الانوار : ١٠٧ / ٣٩.

٧

وقد أعقب موسى بن جعفر المذكور أربعة بنين :

١ ـ جمال الدين أبا الفضائل أحمد بن موسى بن جعفر.

٢ ـ رضي الدين أبا القاسم علي بن موسى بن جعفر.

٣ ـ شرف الدين محمدا.

٤ ـ عز الدين الحسن.

وام هولاء الأربعة على ما هو ظاهر عبارات أغلب من ترجم لهم ليست واحدة فقد قال الشيخ يوسف البحراني في ترجمة رضي الدين علي وجمال الدين أحمد : رضي الدين أبو القاسم علي وجمال الدين أبو الفضائل قدس‌سرهما ابنا السيد سعد الدين أبي إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن محمد الطاووس وهما أخوان من ام وأب وامهما ـ على ما ذكره بعض علمائنا ـ بنت الشيخ مسعود ورام بن أبي فراس بن فراس ابن حمدان (١) وام امهما بنت الشيخ الطوسي ، أجاز لها ولأختها ام الشيخ محمد بن إدريس جميع مصنفاته ومصنفات الأصحاب.

ثم قال : ويؤيده تصريح السيد رضي الدين رضي‌الله‌عنه عند ذكر الشيخ الطوسي بلفظ « جدي » وكذا عند ذكر الشيخ ورام بلفظه وهو أكثر بكثير في كلامه كمالا يخفى على من وقف عليه (٢).

فظاهر عبارة الشيخ البحراني هو أن ام الأخوين علي وأحمد هي بنت الشيخ ورام وأما شرف الدين محمد وعز الدين الحسن فامهما سواها.

وقال عبد الله الأفندي في ترجمة أبي الفضائل أحمد :

__________________

(١) الشيخ ورام بن ابي فراس المالكي النخعي المتوفي سنة ٦٠٥.

(٢) لؤلؤة البحرين : ٢٣٦.

٨

وقال بعض العلماء بعد نقل نسبه الى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما‌السلام كما نقلناه : إن امه ام أخيه رضي الدين علي بنت الشيخ مسعود الورام ابن أبي فراس بن حمدان وام امه بنت الشيخ الطوسي وأجاز لها ولأختها ام الشيخ محمد بن إدريس جميع مصنفاته ومصنفات الأصحاب (١).

وقال صاحب روضات الجنات عند ذكره لأبي الفضائل أحمد بن موسى :

أخو السيد رضي الدين علي من أبيه وامه التي هي بنت الورام من ابنة الشيخ المجازة منه مع أختها التي هي ام ابن إدريس جميع مصنفات الأصحاب (٢).

وأيضا ذكر ذلك عند ترجمته لرضي الدين علي بن موسى فقال :

وأما امه وام أخيه السيد جمال الدين المتقدم ذكره فهي بنت الشيخ المسعود ورام بن أبي فراس المالكي صاحب كتاب « المجموع » المشهور وام امهما بنت شيخنا الطوسي وهي التي أجاز الشيخ لها ولأختها ام الشيخ محمد ابن ادريس الحلي جميع مصنفاته ومصنفات الأصحاب على ما نقله المحدث البحراني عن بعض علماءنا. ووقع النص على جديتهما له أيضا من جهة الام في مواضع كثيرة من مصنفات نفسه فليلاحظ (٣).

وقد قال السيد محسن الأمين عند تعرضه لذكر أبي الفضائل أحمد بن موسى :

هو أخو السيد رضي الدين علي بن طاووس لأبيه وامه ، امهما بنت

__________________

(١) رياض العلماء : ١ / ٧٤.

(٢) روضات الجنات : ١ / ٦٦.

(٣) روضات الجنات : ٤ / ٣٢٥.

٩

الشيخ ورام بن أبي فراس بن حمدان وامهما بنت الشيخ الطوسي المجازة هي وأختها ام ابن إدريس من أبيهما الشيخ الطوسي برواية جميع مصنفاته ومصنفات الأصحاب ولذلك يعبر ابن طاووس عن الشيخ الطوسي والشيخ ورام بجدي كما يعبر ابن إدريس عن الطوسي بذلك (١).

فظاهر العبارات السابقة كما هو واضح ، صريح في أن أبا الفضائل أحمد ورضي الدين عليا فقط هما لأب وام. وأما الشيخ محمد علي اليعقوبي فقد قال بعد ذكر أبناء موسى بن جعفر الأربعة :

وامهم بنت الشيخ ورام بن أبي فراس المالكي صاحب المجموعة المشهورة وام أبيهم بنت الشيخ الطوسي أبي جعفر محمد بن الحسن المتوفى سنة ٤٦٠ كما صرح السيد المترجم في ( إقباله ) ولذلك كان يعبر عن كل منهما بجدي (٢).

والعبارة كما ترى ظاهرة في أن الأربعة كلهم لأب وام واحدة هي بنت الشيخ ورام. وقد تبعه في ذلك السيد عبد الرزاق كمونة في موارد الاتحاف (٣).

اللهم إلا أن يقال إنما خصت المصادر السابقة الأخوين أحمد وعليا بالذكر لكونهما الأشهر وأن الأخوين الاخرين محمدا وحسنا لا شهرة لهما.

ملاحظة :

ذكر العلامة المحقق الشيخ آغابزرك الطهراني في حياة الشيخ

__________________

(١) اعيان الشيعة : ٣ / ١٨٩ ( طبعة دار التعارف بيروت )

(٢) البابليات : ١ / ٦٤.

(٣) موارد الاتحاف : ١ / ١٠٧.

١٠

الطوسي (١). أن هذه النسبة غير صحيحة ( يعني أن ام امهما هي بنت الشيخ الطوسي ).

فليس الشيخ الطوسي الجد الامي بغير واسطة لابني طاووس ولا لابن إدريس الحلي ، فقد صرحّ السيد رضى الدين علي بن طاووس في كثير من تصانيفه ومنها ( الإقبال ) ـ الذي هو أحد الكتب العشرة التي هي تتمات لمصباح المتهجد لشيخ الطائفة الطوسي ـ في دعاء أول يوم من شهر رمضان ص ٣٣٤ ( طبعة تبريز ) : بأن الشيخ الطوسي جد والده ـ السيد الشريف أبي إبراهيم موسى بن جعفر ـ من قبل امه وأن الشيخ أبا علي خاله كذلك لكن ليس مراده الجد والخال أيضا بلا واسطة بأن تكون والدة أبيه الشريف موسى ابنة الشيخ الطوسي رحمه‌الله كما استظهره شيخنا الحجة الميرزا حسين النوري في مستدرك الوسائل : ٣ / ٤٧١.

وذلك لأن السيد رضي الدين علي بن طاووس ذكر في مقدمة كتابه ( فلاح السائل ) ما نصه :

( وجدت في المصباح الكبير الذي صنفه جدي لبعض امهاتي أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رحمه‌الله شيئا عظيما من الخير الكثير ... ).

وهذا منه صريح بأن شيخ الطائفة جده ( لبعض امهاته ) لا جده لامه بلا واسطة. كما أشار إلى ذلك المحقق السيد محمد صادق بحر العلوم مؤيدا كلام شيخه الطهراني (٢).

ثم ان الشيخ ورام توفى سنة ٦٠٦ والحال أن الشيخ الطوسي توفى سنة ٤٦٠ ه‍ فبين الوفاتين مائة وخمسة وأربعون سنة فكيف يتصور كونه صهرا

__________________

(١) الكتاب لم يكن في متناول يدي لذا انقل العبارة عن المقدمة التي كتبها المحقق السيد محمد صادق بحر العلوم على كتاب رجال الطوسي ص ١٢٣.

(٢) مقدمة رجال الطوسي : ١٢٣.

١١

للشيخ على بنته وإن فرضت ولادة هذه البنت بعد وفاة الشيخ مع أنهم ذكروا أن الشيخ أجازها؟

ثم إن السيد رضي الدين قال في كتابه ( الإقبال ) :

فمن ذلك ما رويته عن والدي قدس الله روحه ونور ضريحه فيما قرأته عليه من كتاب المقنعة بروايته عن شيخه الفقيه حسين بن رطبة عن خال والدي السعيد أبي علي الحسن بن محمد عن والده محمد بن الحسن الطوسي جد والدي من قبل امه عن الشيخ المفيد ... فظهر أن انتساب السيد الى الشيخ من طرف والده أبي إبراهيم موسى الذي امه بنت الشيخ لا من طرف امه بنت الشيخ ورام. وهذا مما نبه عليه العلامة المحدث الشيخ عباس القمي في الفوائد الرضوية : ٣٣٤.

٢ ـ جمال الدين أبو الفضائل أحمد بن موسى بن جعفر ( صاحب كتاب بناء المقالة الفاطمية ) وسأذكر طرفا من ترجمته فيما يأتي قريبا إن شاء الله تعالى.

٣ ـ رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر.

وهو ألمع شخصية في هذه الاسرة وأشخص أفرادها بحيث إذا أطلق ( ابن طاووس ) فالمراد هو يكون غالبا. وقد كان عالما فقيها أديبا شاعرا منشئا ورعا زاهدا نقيبا محترما ومقدما عند السلاطين وهو صاحب الكرامات الذي ما اتفقت كلمة العلماء على اختلاف مشاربهم على صدور الكرامات عن أحد ممن تقدمه أو تأّخر عنه غيره (١).

قال العلامة الحلي في إجازته لبني زهرة :

ومن ذلك جميع ما صنفه السيدان الكبيران السيعدان رضي الدين علي

__________________

(١) البابليات : ١ / ٦٤.

١٢

وجمال الدين أحمد ابنا موسى بن طاووس الحسنيان قدس الله روحيهما وروياه وقرآه وأجيز لهما روايته عني عنهما وهذان السيدان زاهدان عابدان ورعان وكان رضي الدين علي صاحب كرامات حكى لي بعضها وروى لي والدي رحمه‌الله البعض الآخر (١).

وقال عنه الحر العاملي :

حاله في العلم والفضل والزهد والعبادة والثقة والفقه والجلالة والورع أشهر من أن يذكر وكان أيضا شاعرا أديبا منشئا بليغا له مصنفات كثيرة ... وعد قسما منها (٢).

وجاء في نقد الرجال ص ٢٤٤ :

من أجلاء هذه الطائفة وثقاتها جليل القدر ، عظيم المنزلة ، كثير الحفظ نقي الكلام ، حاله في العبادة والزهد أظهر من أن يذكر له كتب حسنة رضي‌الله‌عنه.

ولد السيد رضي الدين علي يوم الخميس منتصف شهر محرم الحرام سنة ٥٨٩ ه‍ بالحلة المزيدية (٣) وبها نشأ ودرس وتعلم وكان ذا ذهن وقاد وحافظة قوية بحيث كان من ابتداء أمره قد برع في الدروس التي أخذها وقد بز أقرانه وفاق أخدانه وهو بعد في ريعان الشباب ومقتبل العمر. ويحدثنا هو بنفسه عن ذلك فيقول :

أول ما نشأت بين جدي ورام ووالدي ... وتعلمت الخط والعربية. وقرأت في علم الشريعة المحمدية ... وقرأت كتبا في اصول الدين واشتغلت

__________________

(١) بحار الانوار : ١٠٧ / ٦٤.

(٢) امل الآمل : ٢ / ٢٠٥.

(٣) لؤلؤة البحرين : ٢٤١.

١٣

بعلم الفقه وقد سبقني جماعة الى التعليم بعدة سنين فحفظت في نحو سنة ما كان عندهم وفضلت عليهم ... وابتدأت بحفظ الجمل والعقود ... وكان الذين سبقوني ما لأحدهم إلا الكتاب الذي يشتغل فيه وكان لي عدة كتب في الفقه من كتب جدي ورام ، انتقلت إليّ من والدتي رضي الله عنها بأسباب شرعية في حياتها فصرت أطالع بالليل كل شيء يقرأ فيه الجماعة الذين تقدموني بالسنين وانظر كل ما قاله مصنف عندي واعرف ما بينهم من الخلاف على عادة المصنفين وإذا حضرت مع التلامذة بالنهار أعرف ما لا يعرفون واناظرهم .... وفرغت من الجمل والعقود .. وقرأت النهاية فلما فرغت من الجزء الأول منها استظهرت على العلم بالفقه حتى كتب شيخي محمد بن نما خطه لي على الجزء الأول وهو عندي الآن ... فقرأت الجزء الثاني من النهاية أيضا ومن كتاب المبسوط وقد استغنيت عن القراءة بالكلية .. وقرأت بعد ذلك كتبا لجماعة بغير شرح ، بل للرواية المرضية ... وسمعت ما يطول ذكر تفصيله (١).

وقد كان رضي الدين علي ورعا تقيا كثير الاحتياط ، يقف عند ادنى شبهة حتى انه ترك الفتيا وتحرج عنها بل تعدى ذلك الى انه لم يصنف كتابا في الفقه. قال هو بنفسه في ذلك :

طلبني الخليفة المستنصر ـ جزاه الله عنا خير الجزاء ـ للفتوى ، على عادة الخلفاء فلما وصلت الى باب الدخول .. تضرعت الى الله عز وجل وسألته أن يستودع مني ديني وكل ما وهبنيه ، ويحفظ علي كل ما يقربني من مراضيه فحضرت فاجتهد بكل جهد بلغ توصله إليه أنني أدخل في فتواهم فقواني الله جل جلاله على مخالفتهم والتهوين بنفسي (٢).

__________________

(١) كشف المحجة : ١٠٩ / ١٢٩ / ١٣٠.

(٢) كشف المحجة : ١١١.

١٤

وقال أيضا عند ذكره لمؤلفاته وكتبه :

واعلم انه إنما اقتصرت على تأليف كتاب غياث سلطان الورى لسكان الثرى من كتب الفقه في قضاء الصلوات عن الأموات وما صنفت غير ذلك من الفقه وتقرير المسائل والجوابات ، لأني كنت قد رأيت مصلحتي ومعاذي في دنياي وآخرتي في التفرغ عن الفتوى في الأحكام الشرعية لأجل ما وجدت من الاختلاف في الرواية بين فقهاء أصحابنا في التكاليف الفعلية وسمعت كلام الله جل جلاله يقول عن أعز موجود عليه من الخلائق عليه محمد (ص) : ( ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ) فلو صنفت كتابا في الفقه يعمل بعدي عليها كان ذلك نقضا لتورعي عن الفتوى ودخولا تحت حظر الآية المشار إليها لأنه جل جلاله إذا كان هذا تهديده للرسول العزيز الأعلم لو تقوّل عليه فكيف يكون حالي إذا تقوّلت عليه جل جلاله وافتيت أو صنفت خطأ أو غلطا يوم حضوري بين يديه (١).

انتقل المترجم له الى بغداد وهو في ريعان شبابه وبقي فيها نحوا من خمس عشرة سنة (٢).

وفي بغداد اتصل بالمستنصر العباسي وكان عنده من المقربين والمحترمين وقد أنعم عليه الخليفة بدار يسكن فيها وتقع بالجانب الشرقي عند المأمونية في الدرب المعروف بدرب الجوبة (٣).

وهناك توثقت صلاته بالوزير ابن العلقمي وأخيه وولده صاحب المخزن

__________________

(١) بحار الانوار : ١٠٧ / ٤٢.

(٢) بحار الانوار : ١٠٧ / ٢٠٨.

(٣) سعد السعود : ٢٣٣.

١٥

وكذلك بالوزير القمي وولده (١).

وهنا عرض عليه الخليفة أمر الفتوى فأبى ورفض ذلك كما أشار هو إلى ذلك كما مرّ سلفا كما عرض عليه أمر نقابة الطالبيين فرفض أيضا وهو يحدثنا عن ذلك بنفسه :

( ثم عاد الخليفة ودعاني الى نقابة جميع الطالبيين على يد الوزير القمي وعلى يد غيره من أكابر دولتهم وبقي على مطالبتي بذلك عدة سنين ، فاعتذرت بأعذار كثيرة ، فقال الوزير القمي : ادخل واعمل فيها برضا الله ، فقلت له : فلأي حال لا تعمل أنت في وزارتك برضا الله تعالى ، والدولة أحوج إليك منها إليّ ، ثم عاد يتهددني ، وما زال الله جل جلاله يقويني عليهم حتى أيدني وأسعدني ) (٢).

( وعاد المستنصر ... وتحيل معي بكل طريق وقيل لي : إما أن تقول أن الرضي والمرتضى كانا ظالمين أو تعذرهما فتدخل في مثل ما دخلا فيه فقلت : ان أولئك كان زمانهم زمان بني بويه ... وهم مشغولون بالخلفاء والخلفاء بهم مشغولون ، فتم للرضى والمرتضى ما أرادوا من رضى الله ) (٣).

وبقي على رفضه حتى عاد بعد ذلك كله الى الحلة وبقي فيها مدة من الزمن ثمّ انتقل منها الى النجف الأشرف فبقي فيها ثلاث سنين (٤) ثم انتقل الى كربلاء وبقي فيها مدة غير معلومة ثم عاد الى بغداد سنة ٦٥٢ ه‍ وبقي فيها الى حين احتلال بغداد من قبل المغول.

وهو يحدثنا عن ذلك :

__________________

(١) كشف المحجة : ١١٢ و ١١٣.

(٢) كشف المحجة : ١١٢.

(٣) كشف المحجة : ١١٢.

(٤) المصدر السابق : ١١٨.

١٦

( تم احتلال بغداد من قبل التترفي يوم الاثنين ١٨ محرم سنة ٦٥٦ وبتنا في ليلة هائلة من المخاوف الدنيوية فسلمنا الله جل جلاله من تلك الأهوال ) (١).

وجاء في مجموعة الشهيد رحمه‌الله تعالى :

تولى السيد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد الطاووس العلوي الحسني صاحب المقامات والكرمات والمصنفات نقابة العلويين من قبل هلاكو خان وذكر أنه كان قد عرضت عليه في زمان المستنصر العباسي فأبى وكان بينه وبين الوزير مؤيد الدين محمد بن أحمد بن العلقمي وبين أخيه وولده عز الدين أبي الفضل محمد بن محمد صاحب المخزن صداقة متأكدة أقام ببغداد نحوا من خمس عشرة سنة ثم رجع الى الحلة ثم سكن المشهد الشريف برهة ثم عاد في دولة المغول الى بغداد ولم يزل على قدم في الطاعات والتنزه عن الدنيات الى أن توفى بكرة الاثنين خامس ذي القعدة سنة ٦٦٤ وكان مولده يوم الخميس منتصف المحرم سنة ٥٨٩ وكانت مدة ولاية النقابة ثلاث سنين واحد عشر شهرا ) (٢).

وأما توليه نقابة الطالبيين من قبل هلاكو فقد ذكر ذلك ابن الطقطقي فقال :

لما فتح السلطان هلاكو بغداد في سنة ٦٥٦ ه‍ أمر أن يستفتي العلماء أيما أفضل : السلطان الكافر العادل أو السلطان المسلم الجائر؟ ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب وكان رضي الدين علي ابن طاووس حاضرا هذا المجلس وكان مقدما محترما فلما رأى احجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم

__________________

(١) الاقبال : ٥٨٦.

(٢) بحار الانوار : ١٠٧ / ٤٤.

١٧

الجائر فوضع الناس خطوطهم بعده (١).

وقد نال ابن طاووس بفتياه هذه مقاما كبيرا في نفس الكافر المحتل (٢) فكان نتيجة ذلك أن ( ظفرت بالأمان والإحسان وحقنت فيه دماءنا وحفظت فيه حرمنا وأطفالنا ونساءنا وسلم على أيدينا خلق كثير ) (٣).

وقد ولى النقابة في سنة ٦٦١ (٤) وعندها جلس في مرتبة خضراء وكان الناس بعد كارثة المغول قد رفعوا السواد ولبسوا اللباس الأخضر فقال الشاعر على بن حمزة العلوي يهنيه :

فهذا علي نجل موسى بن جعفر

شبيه علي نجل موسى بن جعفر

فذاك بدست للامامة أخضر

وهذا بدست للنقابة أخضر

وذلك لأن المأمون العباسي لما عهد بولاية العهد الى الإمام علي بن موسى الرضا عليه‌السلام ألبسه لباسا أخضر وأجلسه على وسادتين خضراوين (٥) وغير السواد وهو شعار الدولة العباسية وأمر بلباس اللون الأخضر فلبسه الناس ولبسه النقيب من بعد ذلك في عهد السلطان هلاكو خان. المتوفى سنة ٦٦٣.

وقد أخذ السيد أبو الفضائل المذكور وجماعة من العلماء وابن أخيه مجد الدين محمد الأمان من هلاكو لأهل الحلة والكوفة والمشهدين الشريفين من القتل فإنهم توجهوا الى بغداد سنة ٦٥٦ وأهدى السيد مجد الدين مؤلفه كتاب البشارة الى هلاكو فأعطاهم الأمان ورد الى مجد الدين محمد النقابة

__________________

(١) الاداب السلطانية : ١١.

(٢) السيد علي آل طاووس : ١١ للشيخ محمد حسن آل ياسين.

(٣) الاقبال : ٥٨٨.

(٤) الحوادث الجامعة : ٣٥٠.

(٥) غاية الاختصار عنه موارد الاتحاف : ١ / ١٠٧.

١٨

بالفرات ولم تطل أيامه في النقابة وتوفي سنة ٦٥٦. انظر القصة في كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين المبحث الثالث للعلامة الحلي والحوادث الجامعة لابن الفوطي : ٣٣٠ توفي المترجم له كما مرّ في بكرة الاثنين خامس ذي القعدة سنة ٦٦٤ ه‍ واختلف المترجمون في موضع قبره فقيل إنه في آخر بساتين ( الجامعين ) بالحلة مشهد يعرف بقبر السيد علي ابن طاووس يزوره الناس وقيل أنه دفن بالكاظمية وقال إبن الفوطى في حوادثه ص ٣٣٠ إنه حمل الى مشهد جده علي (ع) فيجوز أنه نقل بعد دفنه من الحلة الى النجف الأشرف والأثر الموجود هو موضع تربته وإذا تحقق هذا فالقبر الموجود في الحلة هو قبر ولده أبي القاسم رضي الدين علي بن طاووس فإن اسمه وكنيته كاسم أبيه وكنيته وكان يلقب بلقبه في حياته (١).

وقد أرخ وفاته العلامة السيد مهدي بحر العلوم بقوله :

فقيه أهل البيت ذو الشمائل

هو ابن طاووس أبو الفضائل

هو ابن موسى شيخ ابن داود

في باخع مضى الى الخلود (٢)

وقد ذكر المترجمون له أنه كان شاعرا ولم يعثر على شعر له سوى أبيات هي منسوبة له وربما كان قد أنشدها وهي :

خبت نار العلى بعد اشتعال

ونادى الخير حي على الزوال

عد منا الجود إلا في الأماني

وإلا في الدفاتر والأمالي

فيا ليت الدفاتر كن قوما

فأثرى الناس من كرم الخصال

ولو أني جعلت أمير جيش

لما حاربت إلا بالسؤال

لأن الناس ينهزمون منه

وقد ثبتوا لأطراف العوالي (٣)

__________________

(١) البابليات : ١ / ٦٦.

(٢) عن موارد الاتحاف : ١ / ١١٠.

(٣) غاية الاختصار عنه موارد الاتحاف : ١ / ١٠٨.

١٩

خلف من البنين : صفي الدين محمدا ولقبه المصطفى مات دارجا والنقيب رضي الدين عليا وقد شارك اباه في الاسم واللقب (١).

مشايخه :

١ ـ الشيخ الحسين بن احمد السوراوي.

٢ ـ الشيخ ابو الحسن علي بن يحيى الحناط.

٣ ـ الشيخ ابو السعادات اسعد بن عبد القاهر الاصفهاني مؤلف ( رشح الولاء ).

٤ ـ الشيخ نجيب الدين بن نما.

٥ ـ السيد شمس الدين فخار بن معد الموسوي.

٦ ـ السيد صفي الدين محمد بن معد الموسوي.

٧ ـ الشيخ تاج الدين الحسن بن الدربي.

٨ ـ الشيخ سديد الدين سالم بن محفوظ بن غزيرة السوراوي.

٩ ـ السيد ابو حامد محي الدين محمد بن عبد الله بن زهرة الحلبي ابن اخ صاحب الغنية.

١٠ ـ الشيخ نجيب الدين يحيى بن محمد السوراوي

وقد ذكر تفاصيل هؤلاء العشرة في خاتمة مستدرك الوسائل ص ٤٧٢.

١١ ـ السيد كمال الدين حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبد الله الحسيني قرأ عليه في يوم السبت السادس عشر من جمادى الثانية ٦٢٠ كما ذكر في الباب ١٩٤ من كتاب اليقين.

١٢ ـ ومن مشايخه من العامة محب الدين محمد بن محمود المعروف بابن النجار البغدادي المتوفى ٦٤٣ صاحب ذيل تاريخ بغداد كما جاء في الاقبال : ٥٨٥ وسعد السعود : ٧٣.

__________________

(١) عمدة الطالب : ١٩١.

٢٠