بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرّسالة العثمانيّة

السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس

بناء المقالة الفاطميّة في نقض الرّسالة العثمانيّة

المؤلف:

السيد جمال الدين أحمد بن موسى بن طاووس


المحقق: السيد علي العدناني الغريفي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٣٥

وذلك لا يوازي فعل الدين لأن الدين مكتسب (١).

واعلم أن هذا كلام يغار القلم من السعي في الرد عليه والقصد بالتحقير إليه إذ كان عدو السنة شرع مفاخرا بين منصوره وبين أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهو صاحب الدين الذي لم يخالطه الشرك ولم يزايله الإيمان يدل عليه الآثار المعتبرة والعيان فهو الجامع بين الدين والسيف الحاوي قصبات الشرفين والناهض بفضيلة القسمين.

ويرد على خاذل السنة ما أوردناه من قبل من كونه رادا على الكتاب المعظم المجيد في تفضيل المجاهد على القاعد و (٢) المتحرك في الله على الراكد.

فإن قيل ذلك فيمن ثبت إخلاصه قلت فأمير المؤمنين صاحب ذلك بما تضمنته مطاوي هذه الأوراق بما يلتزم به المسلم ويتجافاه أهل النفاق (٣).

قال المباهت ما حاصله إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر عليا بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين على ما ترويه الشيعة ولا فضيلة لمن عرف السلامة في الإقدام إلا أن يقولوا إن النبي عليه‌السلام قال ذلك عند وفاته ولا سبيل لهم إلى ذلك (٤).

والذي يقال على هذا الكلام السفيه إن الفضيلة لأمير المؤمنين بعد الرواية المشار إليها من وجوه أحدها كونه صلى الله عليه بنى على قول الرسول صلوات الله عليه ويضاف إلى ذلك أن عدو أمير المؤمنين ذكر من

__________________

(١) العثمانية : ٤٧.

(٢) في : ن فقط.

(٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في : ن.

(٤) العثمانية : ٤٩.

١٢١

قبل أن التعذيب الذي هو الفتنة ( أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ) (١).

فهب أن أمير المؤمنين عليه‌السلام ما كان يخاف الموت أما كان يخاف الفتنة وهي التعذيب الذي ذهب عدو الله إلى أنه أعظم من القتل.

الوجه الآخر أن عدو الله اختلف ما بينه وبين الله ورسوله فيلزمه وعيد ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ ) إلى قوله ( مَصِيراً ) (٢) إذ كان رسول الله ينطق بإذن الله.

وقد روى المحدثون من غيرنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال لقتل علي عمرو بن عبد ود يعدل عمل أمتي إلى يوم القيامة أو لضربة (٣) وهذا روح ما نحاوله من الفضيلة ونحاوله من المجد.

__________________

(١) مرت الاشارة اليه ص (٢٦).

(٢) ( وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً ) النساء : ١١٥.

(٣) السيرة الحلبية : ١٠٥.

وذكر بعضهم ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك ( عند قتل علي عمروا ) قال : قتل علي لعمرو بن عبدود أفضل من عبادة الثقلين.

وفي ينابيع المودة : ٩٥ قال :

وفي المناقب عن حذيفة بن اليمان ـ رضي‌الله‌عنه ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضربة علي يوم الخندق ، أفضل من اعمال امتي الى يوم القيامة.

وفي المواقف للقاضي الايجي : ٦١٧.

قال النبي عليه‌السلام ـ يوم الأحزاب : لضربة علي خير من عبادة الثقلين.

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم : ٣ / ٣٢.

بسنده عن بهز بن حكيم ، عن ابيه ، عن جده ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمبارزة علي بن ابي طالب لعمرو بن عبدود يوم الخندق أفضل من أعمال امتي الى يوم القيامة.

ورواه أيضا الخطيب في تاريخ بغداد : ١٣ / ١٩.

وكذلك أخطب خوارزم في مقتل الحسين : ٤٥ ، وفي مناقبه : ٦٣ ، وأيضا العلامة الذهبي في

١٢٢

وكذا الرواية الشهيرة أن جبرئيل عليه‌السلام كان ينادي

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

وروي أنه نادى بها رضوان والملكان كريمان (١).

وروى في العمدة (٢) بإسناده عن ابن المغازلي متصلا بمحمد بن عبيد الله بن أبي رافع (٣) قال نادى مناد يوم أحد :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي.

__________________

تلخيص المستدرك ( المطبوع بذيل المستدرك ) ٣ / ٣٢.

وكذلك أورده الأمر تسري في ارجح المطالب : ٤٨١ الا انه ذكر بدل اعمال : عمل.

وذكر ابن ابي الحديد في شرح النهج : ٤ / ٣٣٤ قال :

فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق الى عمرو بن عبدود ، فانها اجل من أن يقال جليلة ، وأعظم من أن يقال عظيمة ، وما هي الا كما قال شيخنا أبو الهذيل وقد سأله سائل : ايّما اعظم منزلة عند الله ، علي ام أبو بكر؟ فقال : يا ابن اخي والله لمبارزة علي عمروا يوم الخندق ، تعدل اعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها تربى عليها فضلا عن ابي بكر وحده.

(١) كنز العمال : ٣ / ١٥٤.

روى بسنده عن أبي ذر قال : لما كان أول يوم في البيعة لعثمان اجتمع المهاجرون ، والانصار في المسجد ، وجاء علي بن أبي طالب ـ عليه‌السلام ـ فأنشأ يقول : ان أحق ما ابتدأ به المبتدؤون ونطق به الناطقون ، حمد الله ( وساق الخطبة الى أن قال : ) ثم قال علي ـ عليه‌السلام أناشدكم الله أن جبريل نزل على رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ فقال : يا محمد ، لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي ، فهل تعلمون هذا كان لغيري؟ الحديث.

ذخائر العقبى : ص ٧٤ قال :

عن ابي جعفر محمد بن علي ـ عليه‌السلام ـ قال : نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان.

ان : لا سيف الا ذو الفقار ، ولا فتى الا علي.

وجاء ايضا في الرياض النضرة : ٢ / ١٩٠.

(٢) ورد في كل النسخ حرف (ع) والظاهر هو رمز لكتاب عمدة ابن بطريق ولذا أبدلنا الاشارة بالتصريح.

(٣) في ج وق : محمد بن ابي عبد الله بن رافع ، وفي ن : محمد بن عبد الله ابن أبي رافع وفي المصدر : محمد بن عبيد الله بن ابي رافع عن أبيه عن جده.

١٢٣

(١) وعن أبي جعفر محمد بن علي قال نادى ملك من السماء يوم بدر يقال له رضوان (٢)

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي (٣).

ينبه (٤) على شرف مقامه على من عداه وتفضيله على من سواه مقررا أن الإيعاز إليه بمقاتلة (٥) الناكثين والقاسطين والمارقين كان بعد وقائعه المحمودة.

وقد كان الجاحظ التمس منا تقرير ذلك ليتضح فجر فضيلة مولانا وقد تبرهن بمدح الله تعالى له وأيضا فإن إيراد الجاحظ إنما يتوجه بعض التوجه لو ثبت أن مولانا كان عند النزال منبها (٦) بقاه بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وذلك منفي (٧) على تقرير الجاحظ بيانه :

شكر الله تعالى له (٨) وأن الإيعاز إليه كان بعد الوقائع حسب الثناء (٩) من الله تعالى عليه بذلك ونقول (١٠).

إن الإيعاز إليه كان قبل مشكور منازلاته وأنه غير (١١) ذاكر عندها حصول نجاته لكن حيث تقرر عند الخائن أنه لا مدح لآمن من المتالف عند

__________________

(١) ن بزيادة : وبالسند عن ...

(٢) ن : من السماء يوم بدر ملك يقال له رضوان.

(٣) مناقب ابن المغازلي : ١٩٧ ، ١٩٨ ، ١٩٩.

(٤) ن : فهذا ينسبه.

(٥) ن : بمقاتلته.

(٦) ن : مستحضرا.

(٧) ج وق : ينبغي.

(٨) لا توجد في : ج وق.

(٩) في ج وق : النبأ.

(١٠) ن : يقول.

(١١) لا توجد في : ج وق.

١٢٤

الإقدام تعين أن يكون الباري تقدس جلالا (١) علم من حاله أنه بمقام النجدة ولو لم يوعز إليه بالسلامة (٢) من الحمام إذ لو لا ذلك امتنع شكره له وقد ثبت وتبرهن ما قلناه.

ويرد على عدو الله أن الشيعة كما روت تقاتل الناكثين بعدي كذا روى الخصوم أن منصوره خليفة بعده ومع ذلك فلم ينهض إلى لقاء الأقران ونزال الشجعان وخوض غمرات المعارك وارتصاص (٣) المآزم (٤) بالبيض السوافك فظهرت فضيلة من كان من وطيس الحرب في أواره (٥) ومن لجة الموت في أعماق تياره.

هذه المباحث بحثناها في بيان فضيلة أمير المؤمنين على غيره في زمن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حراسة لمجده من أن يتقدم غيره عليه.

وإن كانت بعض مباحث عدو رسول الله في غير هذا المقام من كون أمير المؤمنين إذا ثبتت شجاعته لا يلزمه (٦) تقدمه على غيره بها إذ الرئيس لا يباشر القتال (٧) فإن الجواب عن ذلك بما أن الرئيس تارة يباشر القتال ولهذا كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يرى ضرورته إلى ذلك ماسة في حرب صفين فقتل في ليلة خمسمائة إنسان ولو لم يباشر (٨) فإن من ضرورة الرئيس العام قوة المزاج وشجاعة النفس إذ الرئيس الجبان يضعف قلبه

__________________

(١) ن : جلاله.

(٢) ما بين المعقوفتين لا يوجد في : ج وق.

(٣) ج وق : ارتضاض.

(٤) المآزم : مفرده مأزم وهو موضع الحرب.

(٥) ن : اوامره والاوار : الحر.

(٦) ن : يلزمها.

(٧) العثمانية : ٤٦ منقول بالمعنى.

(٨) ن : يباشره.

١٢٥

عن مصادمة الجيوش بعساكره وإن كان قارا في منزله آمنا في محاله. وبتقدير ذلك يظهر العدو عليه وعلى عساكره ورعيته وعلى مجد الإسلام وعزته وهو محذور عند من حامى عن الإسلام بدينه الثابت وحميته.

قال خاذل السنة فإذا كان رئيس الجيش أعظم عناء (١) وأشدهم احتمالا (٢) فلا أجد (٣) أشبه بالرئيس ممن اختاره الرئيس وزيرا وصاحبا (٤) ومعينا لأن الرجل إذا كان في رأي العين صاحب أمر الرئيس والمستولي (٥) على الخاصة والعامة (٦) والقربة منه في ظعنه ومقامه وخلواته وهديه (٧) واستحقاقه (٨) وكان هو المبتدئ بالكلام عنده والمفزع في الحوائج بعده والثاني في الدعاء إلى الله ودينه ولا نعلم هذه الخصال اجتمعت في غير أبي بكر الصديق رضي‌الله‌عنه وأن الناس كانوا يقولون أبو بكر الصديق (٩) (١٠) وسرد المشار إليه من غث الكلام نحو هذا

والذي يقال عليه إنه مخمد نار البلاغة مقيد لسان اليراعة (١١) إذ البهت المحض والكذب الصراح يقطع مواد الاعتبارات اللطيفة في دفعه

__________________

(١) في المصدر : غناءا.

(٢) في المصدر بزيادة : للذي وصفنا فأشبه القوم حالا به اعظم غناءا وأشدهم احتمالا على قياس في الرئيس والكثير المشي بالسيف ... الى آخره.

(٣) في المصدر : ولا أحد.

(٤) في المصدر بزيادة : ومكانفأ.

(٥) في المصدر : المتولي.

(٦) لا توجد في المصدر.

(٧) في المصدر : هربه.

(٨) في المصدر : استخفائه.

(٩) لا توجد في : ن.

(١٠) العثمانية : ٥٠.

(١١) ق : الفصاحة.

١٢٦

والتدقيقات الشريفة في قمعه كمن يقول هذه الشمس ليل والليل نهار والحجر رخو والماء صلب والنار باردة والثلج حار ولا بأس (١) أن نذكر مع هذا شيئا من التفصيل القامع زخارفه والكاشف عن بهته.

ادعى الوزارة لمن أشار إليه والروايات المتكاثرة عن المخالف الذي لا يتهم أن ذلك وصف أمير المؤمنين صلوات الله عليه وما هو أبلغ منه.

روى الحافظ (٢) أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه قال حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن العباس (٣) حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن عمرو بن حريث.

وحدثنا الحسن بن محمد السكوني حدثنا محمد بن إبراهيم العامري حدثنا يحيى بن الحسن بن الفرات حدثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن عمرو بن حريث عن إبراهيم بن سليمان عن الحصين الثعلبي عن أسماء بنت عميس قالت رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بإزاء ثبير وهو

__________________

(١) ق وج : يأمن.

(٢) الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه بن فورك بن موسى بن جعفر الاصبهاني محدث اصبهان صاحب التفسير الكبير والتاريخ.

كان من فرسان الحديث ، فهما ويقظا ومتقنا كثير الحديث جدا.

مولده سنة ٣٢٣ ه‍ وروى عن ابيه وعن أبي سهل بن زياد القطان وميمون بن اسحاق وعبد الله ابن اسحاق الخراساني.

وروى عنه خلق كبير منهم : محمد بن ابراهيم العطار وأبو عمرو عبد الوهاب وأبو القاسم عبد الرحمن ابنا الحافظ ابن مندة له كتاب ( المستخرج على صحيح البخاري ) و ( التشهد وطرقه وألفاظه ) وتفسير للقرآن في سبع مجلدات.

مات لست بقين من شهر رمضان سنة ٤١٠ ه‍ عن سبع وثمانين سنة.

انظر : سير اعلام النبلاء : ١٧ / ٣٠٨ وتاريخ اصفهان : ١ / ١٦٨ والوافي بالوفيات : ٨ / ٢٠١ والنجوم الزاهرة : ٤ / ٢٤٥ وطبقات الحفاظ : ٤١٢.

(٣) ن : العياش.

١٢٧

يقول أشرق (١) ثبير اللهم إني أسألك بما (٢) سألك أخي موسى أن تشرح ( لِي صَدْرِي ) وأن تيسر ( لِي أَمْرِي ) وأن تحلل ( عُقْدَةً مِنْ لِسانِي ) كي ( يَفْقَهُوا قَوْلِي ) وأن تجعل ( لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) عليا أخي ( أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) و ( اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) ... ( كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ) الآية (٣)

وروى أبو إسحاق الثعلبي عن الحسين بن محمد حدثنا موسى بن محمد حدثنا الحسين (٤) بن علي بن شبيب المقري حدثنا عباد بن يعقوب حدثنا علي بن هاشم عن صباح بن يحيى المزني عن زكريا بن

__________________

(١) ن : أشرف.

(٢) ج : مما.

(٣) اقتباس من الآيات : ( قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي* وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي* يَفْقَهُوا قَوْلِي* وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي* هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي* وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي* كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً* وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً ). طه : ٢٥ ـ ٣٤.

وقد جاء هذا الحديث في كتاب « تجهيز الجيش » على ما في ( احقاق الحق ) : ٤ / ٥٨ باختلاف يسير في بعض الفاظه.

وقال السيوطي في الدر المنثور في ذيل تفسير قوله تعالى : ( قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ) في اوائل سورة طه :

واخرج السلفي في الطيوريات ، عن ابي جعفر محمد بن علي ـ عليهما‌السلام ـ قال : لما نزلت : ( وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي* اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) كان رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ على جبل ثم دعا ربه وقال : اللهم اشدد ازري بأخي علي ، فأجابه الى ذلك.

الحسكاني في شواهد التنزيل : ١ / ٣٦٨.

بسنده عن حذيفة بن اسيد ، قال : أخذ النبي بيد علي بن ابي طالب ، فقال : ابشر وابشر ، ان موسى دعا ربه أن يجعل له وزيرا من أهله هارون ، واني ادعو ربي ان يجعل ( لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) علي أخي ، اشدد به ظهري ، ( وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ).

وايضا فيه : بسنده عن اسماء بنت عميس ، تقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : اللهم اني أقول كما قال أخي موسى ، اللهم ( اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي ) ، عليا ( أَخِي ، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ) الى قوله : ( بَصِيراً ).

(٤) ن : الحسن.

١٢٨

منشر (١) عن أبي إسحاق عن البراء قال :

لما نزلت ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٢) وذكر متنا مطولا أثبته في كتاب الأزهار منه ثم أنذرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا بني عبد المطلب إني أنا النذير إليكم من الله عز وجل والبشير لما يجيء به أحد جئتكم بالدنيا والآخرة فأسلموا وأطيعوني تهتدوا من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي ويقضي ديني فأسكت القوم وأعاد ذلك ثلاثا كل ذلك يسكت القوم ويقول علي أنا فقال أنت فقام القوم وهم يقولون لأبي طالب أطع ابنك فقد أمر عليك (٣).

__________________

(١) ن : مبشر.

(٢) الشعراء : ٢١٤.

(٣) الكشف والبيان : مخطوط.

وقد جاء في كنز العمال : ٦ / ٣٩٧ قال :

عن علي عليه‌السلام قال : لما نزلت هذه الآية على رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ فقال : يا علي ان الله امرني انذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعا ، وعرفت اني مهما أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما اكره ، فصمت عليها حتى جاءني جبريل فقال : يا محمد انك ان لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك ، فاصنع لي صاعا من طعام ، واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عسا من لبن ، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى اكملهم وابلغ ما امرت به ، ففعلت ما أمرني به ، ثم دعوتهم وهم يومئذ اربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصونه ، فيهم اعمامه أبو طالب ، وحمزة ، والعباس ، وأبو لهب ، فلما اجتمعوا اليه ، دعاني بالطعام الذي صنعته لهم ، فجئت به فلما وضعته تناول النبي ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ حسبت خربة من اللحم ـ فشقها بأسنانه ، ثم ألقاها في نواحي الصحفة ، ثم قال : كلوا بسم الله ، فأكل القوم ، حتى نهلوا عنه ما نرى إلاّ آثار أصابعهم والله ان كان الرجل الواحد منهم ليأكل مثل ما قدمت لجميعهم ، ثم قال : اسق القوم يا علي ، فجئتهم بذلك العس ، فشربوا منه حتى رووا جميعا ، وأيم الله ان كان الرجل منهم ليشرب مثله ، فلما أراد النبي ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ أن يكلمهم. بدره أبو لهب الى الكلام فقال : لقد سحركم صاحبكم فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي ـ صلى الله

١٢٩

ومن طريف ما يذكر في هذا المقام ما وقفت عليه من (١) كتاب جاماسب (٢) ويقال إن تاريخ المصنف أربعة ألف ( كذا ) سنة قال بعد أن ذكر فنونا :

واسم هذا النبي إشارة (٣) إلى الرسول محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله مهرآزماي ويكون عمره ثلاث قرانات وسدس من يوم مولده ويكون موته بغتة لأنه (٤) اتفق طالع مولده الميزان وصاحب بيت الطالع في الخامس في بيت العافية يدل على أنه يعتمد في زمن هذا النبي شابا مذكر

__________________

عليه ( وآله ) وسلم ـ.

فلما كان الغد فقال : يا علي ان هذا الرجل قد سبقني الى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم ، فعد لنا مثل الذي صنعت بالأمس من الطعام والشراب ، ثم اجمعهم لي ففعلت ، ثم جمعتهم ، ثم دعاني بالطعام فقربته ، ففعل به كما فعل بالأمس ، فأكلوا وشربوا حتى نهلوا ، ثم تكلم النبي ـ صلى الله عليه ( وآله ) وسلم ـ فقال : يا بني عبد المطلب اني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به ، اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني الله ان ادعوكم اليه فأيكم يوآزرني على أمري هذا؟ فقلت : ـ وأنا أحدثهم سنا ، وارمصهم عينا ، وأعظمهم بطنا ، وأحمشهم ساقا ، ـ انا يا نبي الله اكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي فقال : ان هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي.

قال : أخرجه ابن اسحاق وابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل.

ورواه ابن سعد ملخصا في طبقاته : ج ١ القسم ١ ص ١٢٤ وابن جرير في تاريخه باختلاف يسير : ٢ / ٦٢.

(١) ان : في.

(٢) جاماسب نامه او فرهنگ ملوك وأسرار عجم ، وهو مكتوب باللغة الفارسية القديمة وهو لجاماسب ابن لهراسب المولود سنة ٤٩٩٤ بعد هبوط آدم من الجنة ( حسب ما ورد في مقدمته ) والكتاب مطبوع في بمبي سنة ١٣١٢ ه‍.

(٣) ج وق : وأشار.

(٤) ق وج : انه.

١٣٠

( كذا ) (١) ويخرجون على أهله ووصيه وعقبه (٢) جماعة يكونون مقرين بدينه ويذكرونه بالقبيح ويقتلون أولاده وسبب ذلك أن اليد التي فيها الجوهر واليد التي فيها الكتاب للمشتري إلى جهة زحل وهو ناظر إلى سائر أيدي (٣) الكواكب تدل وتوجب (٤) أنه يقع في دينهم الضعف بل على الحقيقة لأنهم يخالفون دينه ويكونون يزيحون تنزيله (٥) ووزيره عن الحق (٦).

وذكر قبل ذلك وبعده فنونا عجيبة باهرة وفي ذلك تقوية لسواد وجه المخذول.

وأما الصحبة فقد ذكرنا (٧) بعض ما يتعلق بالكلام (٨) عليها.

وأما كون منصوره مغنيا ترجيحا لذلك على جانب أمير المؤمنين صلوات الله عليه فإنه بغي ظاهر إذ كان أمير المؤمنين عليه‌السلام ردأه من حال الطفولية إلى حين مفارقته الدنيا تارة بالسيوف المشرفية وتارة باحتمال الأثقال حسب ما تضمنته هذه الرواية وغيرها من السير الجلية ما بين محاجزة (٩) أعدائه واحتمال المخاطرة من جرائه إلى إصلاح حذائه مختصا به إلى أن أدخله ضريحه وقد أهمله أكثر خلصائه حتى أن

__________________

(١) ن : بدل هذه العبارة : بعد وفاته ما لا يذكر.

(٢) ج وق : عقب.

(٣) لا توجد في : ق.

(٤) ن : يدل ويوجب.

(٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في : ن ، وبدله : ويعزلون شريكه.

(٦) جاماسب نامه : ١٦ و ١٧.

(٧) مر ص : (٥٥).

(٨) لا توجد في : ن.

(٩) في ن : بزيادة : رؤساء.

١٣١

الله تعالى قرن معونته له صلى‌الله‌عليه‌وآله بمعونته له ومعونة جبرئيل أخص ملائكته في قوله تعالى في شأن عائشة وحفصة رضوان الله عليهما ( وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ) (١) إذ المراد بصالح المؤمنين علي عليه‌السلام ورواه الثعلبي (٢) ورفعه أبو نعيم (٣) إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٤).

قال صاحب كتاب الاستيعاب حدثنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا

__________________

(١) التحريم : ٤ والآية كاملة : ( إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ).

(٢) الكشف والبيان : مخطوط.

(٣) معرفة الصحابة : مخطوط.

(٤) قال السيوطي في الدر المنثور ، في ذيل تفسير الآية الشريفة في سورة التحريم :

وأخرج ابن مردويه ، عن أسماء بنت عميس ، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ـ يقول : ( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، قال : عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وقال أيضا :

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله : ( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وفي كنز العمال : ١ / ٢٣٧. قال :

عن عليّ ـ عليه‌السلام ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ في قوله : ( وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، قال : هو عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام.

وقال ابن حجر في صواعقه : ص ١٤٤.

بل في حديث ورد موقوفا ومرفوعا ( صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ) عليّ كرّم الله وجهه.

الهيثمي في مجمعه : ٩ / ١٩٤ قال :

وعن حبيب بن يسار ، لما اصيب الحسين بن عليّ ـ عليهما‌السلام ـ قام زيد بن ارقم على باب المسجد فقال : افعلتموها؟ اشهد لسمعت رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] وسلّم ـ يقول : اللهم اني استودعكهما وصالح المؤمنين ، فقيل لعبيد الله بن زياد : ان زيد بن ارقم قال كذا وكذا ، قال : ذاك شيخ قد ذهب عقله.

١٣٢

علي (١) بن عبد الله الدهقان (٢) قال حدثنا مفضل (٣) بن صالح عن سماك ابن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال ـ لعلي أربع خصال ليست لأحد غيره وهو أول عربي وعجمي صلى مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الذي كان معه لواؤه (٤) في كل زحف وهو الذي صبر معه يوم فر عنه غيره وهو الذي غسله وأدخله قبره (٥).

قال صاحب كتاب الاستيعاب ولم يتخلف عن مشهد شهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله (٦) منذ قدم المدينة إلا تبوك فإنه خلفه رسول الله على المدينة وعلى عياله بعده في غزوة تبوك فقال (٧) له أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي (٨).

وروى قوله عليه‌السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى جماعة من الصحابة وهو من أثبت الآثار وأصحها (٩).

__________________

(١) في المصدر : احمد ، وفي هامشه عن نسخة أخرى حدثنا عليّ بن عبد الله أبو هفان.

(٢) في المصدر : الدقاق.

(٣) ق : محمد.

(٤) في المصدر : لواءه معه.

(٥) الاستيعاب : ٣ / ١٠٩٠ وذكره أيضا الحاكم في مستدركه : ٣ / ١١١ الا انه ذكر فيه : والذي صبر معه يوم المهراس.

(٦) في المصدر : مذ.

(٧) في المصدر : وقال.

(٨) الاستيعاب : ٣ / ١٠٩٧.

(٩) انظر : صحيح البخاري : في كتاب بدء الخلق ، صحيح مسلم : في كتاب فضائل الصحابة في باب فضائل عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام. صحيح ابن ماجة : ص ١٢ ، مسند احمد بن حنبل : ١ / ١٧٤ ، مسند أبي داود الطيالسي : ١ / ٢٨ ، حلية الأولياء : ٧ / ١٩٤ ، خصائص النسائي بطريقين ص ١٥ و ١٦ ، صحيح الترمذي : ٢ / ٣٠١ ، تاريخ بغداد ١ / ٣٢٤ و ٤ / ٢٠٤ و ٩ / ٣٩٤ ، مستدرك الصحيحين : ٢ / ٣٣٧ الدر المنثور : في تفسير قوله تعالى : ( ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ ) في أواخر سورة التوبة ،

١٣٣

أقول هذا جزء (١) لا صيور (٢) له من كل (٣) ذكرته عند كلام عدو الإسلام لئلا يخلو كلامه من جواب وباقي دعاويه من الاختصاص وفنونه (٤) إحالة (٥) على ما لا أعرفه من طرقنا ولا أعرف أن من خالفنا يذهب إليه على الحد الذي عول عليه.

وإنما المشار إليه يأخذ العلم ويستطيب الكتابة فيكتب ما يرى ويستهدي قلمه ويؤم هواه.

والذي يظهر لي من حاله الشاهدة بعداوة الإسلام أنه يأتي إلى (٦) أمير المؤمنين عليه‌السلام فيذكر فيه من المدائح والقول الجميل ما يهيج به منافرة غير شيعته ليسطوا بذلك على شيعته وعليه ثم يأتي متعصبا لغيره مجدا في التعرض بأمير المؤمنين صلوات الله عليه حتى يهيج خواطر ذريته وشيعته ليسطوا (٧) على غيره قادحين فيه إن لم يزجرهم زاجر عنه يقعد بمثابه متفرج مشتف من القبيلين يضرب هذا القبيل بهذا القبيل غير منصف لأحدهما ولا حان عليهما أسوة بمروان بن الحكم إذ كان يرمي سهما في عسكر أمير المؤمنين عليه‌السلام وسهما في عسكره ويرى الفتح بأي القبيلين كانت النازلة.

__________________

طبقات ابن سعد : ج ٣ القسم ١ ص ١٥ ، اسد الغابة : ٥ / ٨ ، كنز العمال ٣ / ١٥٤ و ٥ / ٤٠ و ٦ / ١٥٤ و ٦ / ١٥٤ بلفظين ، مجمع الزوائد : ٩ / ١٠٩ و ٩ / ١١٠ ، الرياض النضرة : ٢ / ١٦٤ و ٢ / ١٩٥ ، ذخائر العقبى ص ١٢٠.

(١) ن : خبر.

(٢) الصيّور : المنتهى والغاية.

(٣) ن : بزيادة ما.

(٤) ق : معنونة.

(٥) ن : احالة.

(٦) لا توجد في : ن.

(٧) ن : يتسلّطوا.

١٣٤

وذكر عدو أمير المؤمنين عليه‌السلام ألفاظا سردها من كون منصوره كان مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثاني اثنين في التقدم إلى الإسلام وثاني اثنين في الدعاء إلى الإسلام وثاني اثنين في كثرة المستجيبين و ( ثانِيَ اثْنَيْنِ ) في الغار وثاني اثنين في الهجرة وثاني اثنين في العريش (١).

والذي يقال على هذا :

أن أمير المؤمنين ع كان ثاني اثنين أحدهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في التقدم إلى الإسلام وقد سبق تقريره حقا (٢) ويأتي أيضا بعد ما هو مؤكد له وثاني اثنين أحدهما رسول الله في الحث على الإسلام وقد ذكرنا حال المستجيبين له مع ثبوت ذلك (٣).

وأما كونه ( ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ) فقد ذكرنا ما يتعلق بالغار (٤) وبإزائه أن عليا عليه‌السلام أوحد الكل في المبيت على الفراش.

وأما كونه ثاني اثنين في العريش مشرفا بذلك له على أمير المؤمنين عليه‌السلام خاطف أرواح الكفار قاطف رءوس الفجار مسعر هاتيك المواقف بنار عزائمه وضرام صوارمه بل مخمدها بسكب قواطر صوارمه فطريف إذ قد سبق له كلام في أنه ليس الوادع كالمفتون ولا المستريح كالمتعب (٥) وأراه هاهنا قد نسي ما قرره وأنكر ما حرره.

ثم هو بذلك راد على كتاب الله تعالى المجيد في قوله ( لا يَسْتَوِي

__________________

(١) العثمانية : ٥٤.

(٢) مرّت الاشارة اليه ص (٣١).

(٣) ص : ٤٠.

(٤) ص : ٥٤.

(٥) مرّ ص : (٣٨).

١٣٥

الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (١).

وإنما الحكمة قضت بأن يعول في هاتيك المقامات على أرباب النجدة ويستند فيها إلى أخدان العزائم

بني هاشم لا ناكلين إذا ألقنا

تحطم والبيض (٢) الرقاق تثلم

وقد سل باع الموت عضبا شفاره

تدر (٣) نفوس الصيد واليوم أيوم (٤)

إذا التاحه الثبت الصئول توهما

أزال الحياة الخاطر المتوهم (٥)

ولا إلى غيرهم ممن لم يحسن الظن به في خوض أعماق الجلاد ومباشرة شفار الرقاق الحداد والفراسة نبوية بل مهذبه بالتدبيرات الإلهية.

وأما كونه ثاني اثنين في الهجرة فإنه كذب صريح إذ كان مصعب بن عمير (٦) سبق إلى الهجرة قبل توجه رسول الله ـ صلى الله عليه [ وآله ] ـ

__________________

(١) النساء : ٩٥.

(٢) البيض : السيوف.

(٣) ن : تدور.

(٤) ق : انوم ، ويوم ايوم ، يوم طويل لشدّته ( المنجد ).

(٥) في الهامش : لمنشيه أدام الله سعادته.

(٦) مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار ، البدري القرشي الشهيد بيوم احد.

كان انعم غلام بمكة وارفهه ، اسلم على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وشارك المسلمين الأوائل جشوبة العيش حتى ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رآه يوما وعليه بردة له مرقوعة بفروة فذرفت عيناه عليه. استشهد مصعب في غزوة احد وكان على رأس جماعة أمرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالبقاء على الشعب ولما غلب المسلمون في الهجمة الاولى واستولوا على الغنائم ، ترك المسلمون الشعب وانحدروا الى الوادي للمشاركة في جمع الغنائم مع بقية المسلمين الاّ مصعب ونفر قليل بقوا على الشعب فاستشهدوا.

انظر : سير اعلام النبلاء : ١ / ١٤٥ طبقات ابن سعد : ٣ / ١ / ٨١ الجرح والتعديل : ٨ / ٣٠٣

١٣٦

إلى الجهات اليثربية والعرصات الطيبية.

ومنّ (١) عدو أمير المؤمنين على الإسلام بمسطح بن أثاثة وإسلامه على يد أبي بكر (٢) وهو قاذف عائشة بالقبيح حكى ذلك عدو أمير المؤمنين الجاحظ وغيره.

وهذا قد ينبهك على أن عدو الإسلام يسر حسوا في ارتغاء ويريد القدح في المسلمين وزوج سيد النبيين إذ أي مدحة تتعلق بما ذكر توازي ما (٣) حكاه من قدحه في عائشة بالزناء انتقم الله تعالى منه.

وذكر الناصب أن أبا بكر حث على المشركين ببدر (٤) وكذا عمر (٥).

وأقول إني لست مصححا ما يحكيه ولا مستثبتا ما يرويه لأني أراه عين المباهت في المعلومات فكيف في الروايات.

أضربنا عن هذا فأين القول وتخلف الفعل عنه من الفعل التام وقطف الثمرات منه إذ بسيف أمير المؤمنين صلوات الله عليه ذلت رقاب

__________________

حلية الأولياء : ١ / ١٠٦ الاصابة : ٩ / ٢٠٨ اسد الغابة : ٥ / ١٨١.

(١) ن : ورمز.

(٢) قال الجاحظ في العثمانية : ٥٤.

كمسطح بن أثاثة ، فقد كان ربيبه ، وابن خالته ، وعلى يده أسلم ، وبه استبصر ، ولم يزل في مؤونته قبل بدر وبعد ذلك ... الى آخره.

ومسطح هذا هو ابن اثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف مهاجري بدري وهو المذكور في قصة الافك ، كان فقيرا ينفق عليه أبو بكر توفى سنة أربع وثلاثين عن ست وخمسين سنة.

انظر : طبقات ابن سعد : ٣ / ١ / ٣٦ وسير أعلام النبلاء : ١ / ١٨٧ والجرح والتعديل : ٨ / ٤٢٥ واسد الغابة ٥ / ١٥٦ والاصابة : ٩ / ١٨٢.

(٣) ق : بما.

(٤) العثمانية : ٥٦.

(٥) المصدر السابق : ٥٧.

١٣٧

الكفر ووهت دعائم الشرك وتمهدت أساس الإسلام فكل مسلم خول (١) لأمير المؤمنين صلّى الله عليه فابن عمه سيده الأصل وهو الفرع أصل الفروع وقوامها ورئيس الجموع وسنامها قتل في ذلك اليوم أربعة وأربعين ذكره بعض الفضلاء وقال آخر خمسة وثلاثين وذلك شطر المقتولين عدا من شرك فيه منهم الوليد بن عتبة خال معاوية وحنظلة أخوه والعاص بن سعيد الذي حاد عنه عمر بن الخطاب وعمير بن عثمان عم طلحة وعتاب ومالك ابنا عبيد الله أخوا طلحة بن عبيد الله واقتصرت على ذكر هؤلاء اختصارا (٢).

وكم لأمير المؤمنين وقائعا

أذلت عزيز المجد من فرق الشرك

مناقب لا يغتالها قدح قادح

إذا اغتال معنى غيرها خاطر الشك (٣).

وكرر (٤) عدو الصحابة والقرابة كمال (٥) العريش وأن جماعة أعيانا (٦) شهدوا بدرا لأبي بكر بهم تعلق فتنة وجعل له نصيبا في مشهدهم.

والذي يقال على هذا :

أما العريش فقد ذكرنا عن كثب ما يتعلق به وأما تشريف من أشار إليه ممن كان له في تهذيبه نصيب من الجماعة الذين عينهم فهو وإياهم جميعا كانوا فرعا لأمير المؤمنين عليه‌السلام إذ كان أول الناس إسلاما كما

__________________

(١) الخول : العبيد.

(٢) ق : اقتصارا.

(٣) في الهامش : لمنشيه ضاعف الله جلاله.

(٤) ن : وذكر.

(٥) ن : حال.

(٦) كالزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن وعثمان ومسطح بن اثاثة انظر العثمانية : ٥٤.

١٣٨

سلف (١) وكم حدث جذب شيخا إلى طريق الصواب وسدده وساقه إلى الحق وأرشده إذ يرى الشيخ شابا حدثا أم كعبة الهدى وتجنب مداحض الضلال فيرى أنه بالأخلق أن يؤم ما أم ويقصد ما قصد.

أضربنا عن هذا فمن الذي وافقه على ما قال من إرشاد من أشار إليه.

سلمنا ذلك لكن بقدر ما أرشد رضوان الله عليه وكان له نصيب في جهاده كان بإزائه هضم عزمه في القعود على العريش إذ يرى من اقتدى به غير خائض فيما خاض ولا ناهض فيما نهض فبالأخلق أن يقتدي به في الآخر كما اقتدى به في الأول.

وبإزائه ما ذكره المفضل بن سلمة (٢) من كونه لما قال لن نغلب اليوم من قلة هزم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بها وانهزم معهم وكانوا اثني عشر ألفا أضعاف من كان ببدر مع أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كما سلف قتل شطر المقتولين وتخلف الباقون وكان من تخلف من المقتولين قتل بالملائكة ومجموع أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فكم (٣) تكون حصة من أشار إليهم من ذلك وكم يكون قدر نصيبه من انصبائهم إن كانوا قتلوا وبإزاء ذلك الفرار يوم خيبر نقلته من كتاب فضائل علي عليه‌السلام تصنيف أحمد بن حنبل (٤).

__________________

(١) مرت الاشارة اليه : ص ٢٨.

(٢) لم أعثر على ترجمة له في المصادر التي بين يدي وفي قائل هذه الكلمة اختلاف بين أهل السير والتاريخ فبعض يذهب الى أن قائلها أبو بكر وبعض بأنه سلمة بن سلامة بن وقش ، انظر تفسير الخازن في ذيل تفسير الآية ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ) من سورة التوبة.

(٣) ق : كم يكونوا.

(٤) فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل : ٢ / ٥٩٣ حديث ١٠٠٩.

حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل ، قال حدثنا ابي ، قال حدثنا زيد بن الحباب ، قال : حدثني

١٣٩

__________________

الحسين بن واقد ، قال : حدثني جدي ، عبد الله بن بريدة ، قال : سمعت أبي يقول : حاصرنا خيبر ، فأخذ اللواء أبو بكر ، فانصرف ولم يفتح له. ثم أخذه من الغد عمر ، فخرج ورجع ولم يفتح له ، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اني دافع اللواء غدا الى رجل ، يحبه الله ورسوله ، ويحب الله ورسوله ، لا يرجع حتى يفتح له ، فبتنا طيبة أنفسنا ، ان الفتح غدا ، فلما أصبح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلى الغداة ، ثم قام قائما ، ودعا باللواء ، والناس على مصافهم ، فدعا عليا وهو أرمد ، فتفل في عينيه ، ودفع اليه اللواء وفتح له. قال بريدة : وأنا فيمن تطاول لها.

وأيضا عن مسند احمد بن حنبل : ٢ / ٣٨٤ وفضائل الصحابة له : ٢ / ٦٠٢ حديث ١٠٣٠ ، بسنده عن أبي هريرة ، قال :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم خيبر : لادفعن الراية الى رجل ، يحب الله ورسوله ، ويفتح الله عليه. قال : فقال عمر : فما أحببت الامارة قبل يومئذ فتطاولت لها واستشرفت رجاء أن يدفعها اليّ ، فلما كان الغد دعا عليا فدفعها اليه ، فقال : قاتل ولا تلتفت ، حتى يفتح عليك فسار قريبا ، ثم نادى : يا رسول الله على ما أقاتل؟ قال : حتى يشهدوا : ان لا اله الا الله ، وأن محمدا رسول الله ، فاذا فعلوا ذلك ، فقد منعوا منّي دماءهم وأموالهم الا بحقها ، وحسابهم على الله.

وفي تفسير الثعلبي ( على ما في العمدة : ١٥٠ ) في تفسير قوله تعالى : ( وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً ) ( الفتح : ٢ ).

وذلك في فتح خيبر وبالاسناد المقدم ، قال : حاصر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهل خيبر حتّى اصابتنا مخمصة شديدة ، وان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اعطى اللواء عمر بن الخطاب ، ونهض من نهض معه من الناس ، فلقوا أهل خيبر ، فانكشف عمر وأصحابه ، ورجعوا الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجبنه أصحابه ويجبنهم فكان رسول الله قد أخذته الشقيقة ( صداع ) فلم يخرج الى الناس. وأخذ أبو بكر راية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهض يقاتل ، ثم رجع ، فأخذها عمر فقاتل ، ثم رجع فأخبر بذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : أما والله لأعطين الراية غدا رجلا ، يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، ويأخذها عنوة ، وليس ثم علي ـ عليه‌السلام ـ فلما كان الغد ، تطاول لها أبو بكر وعمر ، ورجال من قريش رجاء كل واحد منهم أن يكون صاحب ذلك فأرسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن الأكوع الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام فدعاه ، فجاءه على بعير له ، حتى أناخ قريبا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو أرمد ، قد عصب عينيه بشقة برد قطري.

١٤٠